تراث كربلاء 308

الفصل السابع

مجالس الشعراء

هنا وهناك في أرجاء مدينة الحسين المعمورة ، كانت تعقد مجالس أدبية ، ونوادي علمية يلتقي بها رجال الأدب وأكابر رجال البلد والوجهاء والأغنياء والشعراء والأدباء من شيوخ وشباب يقضون أوقاتهم في سمر ومنادمة ، ويتحدثون ويتغنون بخرائد المنظوم وروائع المنثور . فقد كانت كربلاء سابقاً كعبة القاصدين لشعراء بغداد والحلة والنجف وغيرها من المدن .
وفي هذا الفصل تجسيد لملامح تلك المجالس الأدبية الراقية التي اشتهرت في كربلاء خلال القرون الثلاث الأخيرة . أما باقي المجالس والدواوين فكانت لا تخلو من وجود أساليب التسلية واللهو ليلاً ونهاراً . والمجالس الكربلائية الشهيرة التي كانت تترنح في أجوائها الف حكاية من حكايات الأدب .. والعلم .. والشعر.. والاجتماع . المجالس التي لا زالت آثارها باقية اليوم . فقد كان سراة القوم يجتمعون بالعامة من الناس لدراسة أمورهم المعاشية وحل معضلاتهم ، فيحتكمون عندهم فيحكمون لهم في كل كبيرة وصغيرة دون أن يعدم لأحدهم حق ، فضلاً عن اتخاذها ندوات أدبية يتطارحون فيها الشعر ويتذاكرون فيها سير

تراث كربلاء 309

الأولين ويقصون روائع الأسمار وطرائف القصص ما يخلب الألباب . وتنسيهم مشاكل الحياة وهمومها فيقضون ساعات في جو من الغبطة والارتياح . ومن مزايا تلك المجالس أن يدخن فيها النارجيلة ويقدم للوافدين الشاي فيرشفون القهوة العربية المرة التي تدار عليهم بين حين وآخر . وقد حاولت أدون ما أودعته ذاكرتي وما تعلق في خاطري في مجالستي لشعراء ورجال معمرين أوما رواه لي بعضهم عن بعضهم من نوادر ، ولعل في ذلك ما يشوق للقراء . ولا تزال الأبيات التي سأذكرها متعلقة في ذاكرة المخضرمين من الأدباء وهواة الأدب . ومن هذه المجالس :

1ـ ديوان الميرزا أحمد النواب


يعتبر الميرزا أحمد النواب (1) صاحب المحاورات الأدبية التي منها ( معركة الخميس ) المشهورة ، حيث كان يقيم في كربلاء في مطلع القرن الثالث عشر الهجري أي قبل حوالي مئة وخمسين عاماً . ولقد أشار صاحب ( أعيان الشيعة ) إلى ذلك فقال : وجرت في مجلس هذا الديوان مجالس أدبية تناقلها العراقيون وأودعت في المجاميع في ذلك العصر تدل علـى معرفـة المترجـم بالادب والشعـر معرفـة تامة (2) ... الخ ومعركة الخميس هي تلك المساجلة الأدبية التي جرت حول قصيدة السيد نصرالله الحائري التي مطلعها :
ياتربة شرفت بالسيد الزاكي سقاك دمع الحيا الهامي وحياك

(1) ترجمه سيدنا الحجة السيد محسن الأمين في الجزء العاشر ص 311 من ( أعيان الشيعة ) فقال : أديب كبير كان يقيم في كربلاء في عصر السيد مهدي الطباطبائي بحر العلوم . ولا يعرف عنه شيء اليوم ، ويحتمل أن يكون من آل النواب في يزد وهم أسرة علوية من بقايا الصفوية ، ويحتمل أن يكون من الأسرة الهندية التي كانت تستوطن كربلاء واليها ينسب بعض العقار إلى الآن والله أعلم ، وهم غير آل النواب الذين يسكنون بغداد ، فاولئك أسبق هجرة من سكان بغداد .
(2) أعيان الشيعة ( 10 : 311 ) .
تراث كربلاء 310

واشترك فيها شعراء ذلك العصر كالشيخ محمد رضا النحوي والشيخ أحمد النحوي فحكموا بها السيد مهدي بحر العلوم ، وقد وردت هذه المساجلة في عدة مصادر اخرى كديوان السيد نصر الله الحائري والبابليات وشعراء الحلة وغيرها .


2ـ ديوان آل الرشتي


كان مجلس هذا الديوان قديماً محط رحال الأدباء ومنتجع الشعراء والندماء لا يخلو من مطارحات أدبية ومساجلات شعرية وذلك منذ عهد العالم السيد كاظم ابن السيد قاسم الحسيني الرشتي المتوفى سنة 1259 هـ ، فقد كان الشعراء يؤمون هذا الديوان ، حيث تروى فيه الأخبار وتتناشد الأشعار . وكان من بين شعراء كربلاء الذين مدحوا السيد المذكور الشاعر الشيخ قاسم الهر ، فقال من قصيدة له :
كيف الضلال ونور رشدك مشرق وشذاك في الأكوان مسك يعبق
يامـن إذا لمعـت اشعـة نـوره ظلـت بها حدق الخلائق تحدق
ياكاظـم الغيـظ الذي فيه أغتدت كـل العلـوم الغامضات تحقق (1).

أما في عهد نجله السيد أحمد الرشتي ، فكان شعراء الحلة وبغداد والنجف كعادتهم يكثرون الاختلاف إلى ديوانه ، وقد دلت مساجلاته الشعرية على بعد غوره وتضلعه في هذا الفن . وكان من بين شعراء الحلة الشيخ صالح الكواز الذي قصد كربلاء في إحدى زيارته معاتباً في قصيدة له السيد أحمد الرشتي ، حيث لم يلق الترحيب الذي كان يلقاه من أبيه السيد كاظم في حياته وذلك في عام 1286 هـ ومطلعها :
وقـوفي تحت الغيث مابلني القطر وعمـت بلـج البحر ماعلني البحر
ورحت بما في معدن التبر طامعاً فعدت وكفي وهي من صفرها صفر

(1) نقلنا هذه الأبيات عن مجموعة خطية لآل الهر .
تراث كربلاء 311

وكنت قد استنصحت في الأمر رائداً فقال هو الوادي به العشـب و الـزهر
فلما حططـت الرحـل فيـه وجدته وأمـواهـه نـار وأزهـاره حـمـر
فـوالله مـا أدري أأخطـأ رائـدي أم أكـذبنـي عمداً أم انعكـس الأمـر
وكم أطعمتك الغـانيـات بوصلهـا فلمـا تـدانـى الـوصل آيسك الهجر
وذلك من فعـل الغـوانـي محبب ولكنـه مـن غيـرهـا خـلق وعـر
على أنه ينمـى إلى العيلـم الـذي تمد البـحـار السبـع أنملـه العشـر
فتى كاظم للغيـظ ماضـاق صدره إذا ضاق من وسع الفضا بالأذى صدر
إذا حسـن البشـر الوجـوه فـانه لمولـى محيـاه بـه يحسـن البشـر (1)

وكان السيد أحمد الرشتي يبذل لاخدانه الشعراء بالعطاء ويوسع عليهم في العيش ، ومن شعراء كربلاء المختلفين اليه الحاج جواد بدقت والشيخ فليح والشيخ محمد فليح والشيخ موسى بن قاسم الأصفر والشيخ كاظم الهر وسواهم . ومما تجدر الإشارة اليه أن لهؤلاء الشعراء قصائد كثيرة في مديح السيدين كاظم وأحمد الرشتي . وكانت في الديوان مكتبة حافلة بالكتب القيمة ، وقد بلغ عدد كتبها عشرة آلاف مجلد بين مطبوع ومخطوط ـ سوف يأتي ذكرها في الفصل الخاص بالمكتبات الخاصة ـ وفي هذا الديوان كانت تتبادل الآراء الأدبية ويدور النقاش في كافة فنون الأدب .
ودار الزمن دورته ، فقتل السيد أحمد الرشتي عام 1295 هـ في كربلاء بتحريض من الحاج محسن كمونة وقد قتله كل من جعفر بن باخية والحاج حسن الشهيب وسليمان الصائغ وأحد أفراد أسرة الفتوني وآخرون غيرهم ، كما أنهم قتلوا خدينه الوفي محمد بن فليح بعد مقتل سيده وهما يخرجان من باب السدرة بعد صلاة العشاء وكانت مواقف الشعراء شديدة لهذه الوقعة المؤلمة ، وقد هزت هذه الحادثة

(1) مجموعة آل الرشتي ( مخطوط ) .
تراث كربلاء 312

عواطفهم لاسيما الشاعر الشيخ كاظم الهر فقد جزع جزعاً شديداً لمقتل سيده . من قصيدة طويلة أولها :
إذا لم أمـت حزناً لشمس سما الفخر فوالعصر اني ما حييت لفي خسر
وفي العيد إن فاضت سحائب مقلتي فها هي لم تبرح مدامعهـا تجري
وكيف هـلال العيـد يبـزغ بعدما توارى هلال المجد من ظلمة القبر
وتسعـد أيـامـي وقد راح أحمـد شهيداً علـى حـد المهنـدة البتر
أبو قاسـم مـن شاد ركن فخارها وداس بنعليه على هامـة النـسر
وهيهات عين العيـد تنضـب بعده وروض الهنا يفتـر مبتسم الثغـر

ومن ثم ينتقل إلى رثاء زميله الشاعر الشيخ محمد ابن الشاعر الشيخ فليح الذي قتل في نفس الحادثة :
مصاب دهى غض الشباب محمداً وقاد زمام المجـد ناشـرة الشـعر
محمـد يارب الحجى وأخا النهى محمد ياغيظ الحسـود ويـا ذخري
فديتك هل أسلو وهيهـات نكبـة فحاشا بأن تقضي ولاينقضي عمري
محمد يا من حـاز أفضـل غاية وأنسى جريراً بالفصاحـة والشـعر (1)

واستخلف السيد أحمد نجله الأديب الظريف السيد قاسم الرشتي ، فكان الشعراء كعهدهم السابق يتوافدون على ديوانه وبمطرونه بمدائحهم ، فمن الحلة الشاعر الشيخ حمادي نوح الذي يضم ديوانه المخطوط فصلاً باسم « الرشتيات » وهي تهانيه ومدائحه للسيد قاسم المذكور ، ومن شعراء كربلاء الشيخ كاظم الهر والحاج محمد حسن أبو المحاسن ـ وزير المعارف سابقاً ـ والشيخ عبد الحسين الحويزي . ومن الرجال البارزين الذين كانوا يرتادون هذا المنتدى الأدبي الشهير الخطيب الشاعر السيد جواد الهندي والشيخ محمد علي القاضي الشهير بـ ( قصير

(1) ديوان الشيخ كاظم الهر نسخته المخطوطة في مكتبة الأستاذ حسن عبد الأمير .
تراث كربلاء 313

الأدباء ) والسيد هاشم قفطون (1) . وحدثني المرحوم الشاعر الشيخ عبد الحسين الحويزي في خصومة جرت بينه وبين الخطيب الشهير السيد جواد الهندي في هذا الديوان فقال : ارتقى المنبر ذات مرة خطيب كربلاء السيد جواد الهندي في ديوان السيد قاسم ، وأخذ يطيل في حديثه وقراءته في المأتم الحسيني المقام في الديوان المذكور ، حتى مل الحاضرون منه ، ولكنه تعمد بذلك ، وأراد عدم إفساح المجال لغيره من الخطباء لألقاء القصائد المعدة حينذاك ، حيث كانت من بينها قصيدتي وقصيدة المرحوم الشاعر الحاج محمد حسن ابو المحاسن . وأخيراً هجرته بعد دراسة المواقف وبحث السبب في ذلك في محضر اجتماع ضمني وإياه في ديوان السيد أحمد الوهاب ، والأبيات هي :
أجواد مهلاً إن جريت إلى العلى كم ممن جواد قبل شأوك قد كبا
لاتعجبن بخلق نفسك في الورى ان الغبـي يتيـه فيـك تعجبـا
لم لارضيت رثاء جـدك برهة يتلى لذا صيـرت ربك مغضبا
وارى الشريف إذا بكى اكرومة لأبيه لم يكن الشريـف لـه أبا
اني وأنت على الاقامة والسرى خصمان ندعى فليتب من أذنبا

وهكذا كانت الطرائف والأحاديث تجري كالسيل الجارف في مجلس هذا الديوان . ولما فاضت روح السيد قاسم الرشتي إلى بارئها ، أصيب الأدب عندنا بنكسة كبرى وخسارة عظمى ، حيث توقف النشاط الفكري والإنتاج

(1) هو الخطيب السيد هاشم الشهير بالقاري ابن السيد محمد بن السيد هاشم آل قفطون الموسوي المولود سنة 1285 هـ في كربلاء درس على والده السيد محمد بعض المقدمات ، وتلقى علومه على أيدي أساتذة وشيوخ فدرس الفقه والتفسير والحديث ولازم السيد جواد الهندي خطيب كربلاء وبعد وفاته سار على نهجه وعكف على إدارة مجالسه فترة طويلة بحزم وأصبح خطيباً له مكانته المرموقة واتصف بالمزايا العالية والسجايا النبيلة . وتوفي عام 1350 هـ وأعقب ولدين فاضلين هما الخطيب السيد كاظم والسيد محمد .
تراث كربلاء 314

الأدبي بين علماء وشعراء ذلك العصر ، وخبت تلك الشعلة الفياضة التي كانت تبعث بأنوارها من أرجاء هذا البيت .

3ـ ديوان آل كمونة


وكان الشعراء يقصدون هذا الديوان وينشدون قصائدهم في مناسبات مختلفة ، ويكيلون المديح لآل كمونة . ومن هؤلاء الشعراء الشيخ جعفر الهر والشيخ جواد الهر الذي صرح بأنه شاعر آل كمونة والشيخ مهدي الخاموش والشيخ عبد الكريم النايف وغيرهم . ومن نتاج هؤلاء ألفت مجموعة ضخمة في مديح ورثاء آل كمونة ماتزال مخطوطة . وكانت المجالس تعقد في أدوار متعاقبة منذ عهد شاعر الاسرة الحاج محمد علي كمونة المتوفى عام 1282 هـ .
4ـ تكية البكتاشية (1)


يعود تاريخ التكية إلى أكثر من قرنين ، وهي تجاور قبر الشاعر فضولي البغدادى . وتضم قبة كبيرة ومحراباً في الأرض مبنياً بالقاشاني يتوسطه عمود من المرمر النفيس . وتتصل هذه التكية بالروضة الحسينية من جهة الجنوب . وكان يلتقي فيها الباشوات والمشراء القادمين من اسطنبول بين حين وآخر . كما يلتقي بها شعراء كربلاء أخص بالذكر منهم الشيخ مهدي الخاموش (2) الذي كان يقصد التكية في عهد السيد تقي الدرويش عميد أسرة آل الدده الحاليين .

(1) البكداشية أو البكطاشية جماعة من المتصوفة لهم أصولهم وحياتهم وطريقتهم الحياتية وقد اهتم لفيف كبير من المستشرقين والكتاب العرب بهم ، فكتبوا عنهم الفصول الطويلة . وقد أعد الاستاذ أحمد الصراف بتأليف كتاب عنهم ، نشر فصوله في جريدة ( كل شيء ) البغدادية ابتداء من العدد 30 الصادر في 2 رمضان 1384 هـ /1 كانون الثاني 1965 .
(2) هو أبو زيارة الشيخ مهدي بن عبود الحائري الشهير بالخاموش ، كان خطيباً وشاعراً تشهد له المحافل الكربلائية توفي سنة 1332 هـ أنظر كتابنا « شعراء كربلاء ج1 ص 216 » .
تراث كربلاء 315

والشاعر الشيخ جمعة الحائري (1) والشيخ محسن أبو الحب خطيب كربلاء وكذلك الخطيب الشيخ علي أبو غزالة وذلك في عهد المرحوم السيد حسين الدده ابن السيد عباس ابن السيد محمد تقي الدرويش .
ومن المعروف أن تلك الأحاديث والمسامرات الأدبية كانت تحتل الصدارة في مجالس التكية ، فيتبارى أهل الفضل والأدب بالمنظوم والمنثور . وقد استكملت التكية أخيراً من قبل وزارة الأوقاف فامرت بهدمها سنة 1400 هـ

5ـ ديوان المرزا الحائري


كان ديوان زعيم الثورة العراقية آية الله الشيخ محمد تقي الحائري الشيرازي مرجعاً للزعماء السياسيين وملتقى للوطنيين والمجاهدين الأحرار . وكان الشعراء يختلفون اليه من وقت لآخر أخص بالذكر منهم الشاعر الوطني خيري الهنداوي والشيخ محمد حسن أبو المحاسن والدكتور محمد مهدي البصير ، لاسيما في الوقت الذي شملت العراق الظروف السياسية الراهنة يوم نشبت ثورة العشرين ، حيث كانت فتاوى الإمام الشيرازي تفرض الجهاد على المواطنين وتحرضهم على التضحية بكل غال ونفيس للأنتصار على الاستعمار البغيض .
وشاء القدر أن يختار لجواره الامام محمد تقي الشيرازي في اليوم الثالث من ذي الحجة عام 1338 هـ المصادف 13 آب سنة 1920 م ، فاقيم له احتفال رائع بديوانه العامر في كربلاء فرثاه الشعراء بقصائد عصماء ومنهم الشاعر خيري الهنداوي بقصيدة بدأها بقوله :
خطب عليه بكى الانس والجان مذ بان عن زورق الايمان سكان

(1) هوالشيخ جمعة بن حمزة بن الحاج محسن بن محمد علي بن قاسم بن محمد علي بن قاسم آل دعدوش المتوفى سنة 1350 هـ كان من شعراء وخطباء كربلاء ، انظر كتابنا « شعراء كربلاء ج 1 ص 277 » .
تراث كربلاء 316

مضى إلى الله من كانت طبيعته لله آيـة تـوحيـد وبرهـان
الدهـر دار زوال لا ثبـات له وإنمـا هـو غـدار وفتـان
لاتطمئـن بدنيـا غيـر دائمة فإنمـا شأنها ظلم و عـدوان

إلى أن قال :
فحق أبصارنا تبكي عليه دماً لأنه كـان للاسـلام سلـطـان
العلم ينعاه والتقـوى لـه وله والزهد يصرخ والمحراب حيران

وقد تهدم ديوان المرزا الحائري بعد وفاته ، وذلك على اثر افتتاح شارع علي الأكبر في عهد صالح جبر متصرف لواء كربلاء عام 1938 م .

6ـ ديوان آل النقيب


وهو ناد خفيف الروح لا يخلو من الاجتماعات ذات الطرائف والخواطر الأدبية التي تثير الدعابة والمرح في الجو الشعري ، ففي عهد المرحوم السيد محسن النقيب توافد اليه شعراء كربلاء ومنهم الشيخ كاظم الهر وله فيه مدائح ، وعندما طوى السيد محسن الأجل في رمضان 1338 هـ جاء دور نجله السيد حسن النقيب ، وكانت له صداقات مع كثير من الأدباء أمثال الشاعر الشيخ جواد بن كاظم الهر الذي عاتب السادة آل النقيب بهذين البيتين ، وذلك لأنهم لم يدعوه لوليمة في بعض أعراسهم ، والبيتان هما :
أنسيتـم سـادتـي هركـم عن طبيخ دسم في الاكل يحمد
ام عملتـم بالذي قيـل بنا عند أكل اللحـم ان الهر يطرد

فما كان من السيد النقيب إلا أن كافأه بمنحة مالية سخية عوضاً عن الوليمة .
وكان يختلف على الديوان المذكور بعض الزائرين والسائحين الاجانب الذين يقصدون كربلاء وممن زار الديوان عام 1920 م الصحفي الشاعر عبد المسيح الانطاكي مؤلف ملحمة ( العلوية المباركة ) .

تراث كربلاء 317

7ـ ديوان آل الوهاب


وهو الذي يقع في محلة باب الطاق قرب ديوان آل الرشتي ، أسسه السيد أحمد السيد محمد الوهاب عميد اسرة آل الوهاب ، وكانت للسيد المذكور مواقف جليلة وخدمات لها شأن يذكر لا سيما يوم كان نائباً عن كربلاء سنة 1940 م . وممن كان يختلف على ديوانه من شعراء كربلاء الشيخ كاظم الهر والسيد جواد الهنيدي والشيخ محمد حسن أبو المحاسن والشيخ محسن أبو الحب والشيخ عبد الحسين الحويزي وغيرهم . ومما يذكر بهذا الصدد ان الشيخ علي أبو غزالة الخطيب الكربلائي المتوفى سنة 1350 هـ قال معاتباً الحاج محمد حسن كبه حاكم كربلاء وذلك بوعد وعده ولم يف به :
ان الفتـى من بدا منه الجميـل بلا وعد و من أنكر الميعاد نصف فتى
ومن تخلـى عن الأمرين فامـرأة ونصـف امـراة مـن خُلقه ثبتـا

وكان السيد أحمد الوهاب يشهد هذه النوادر اللطيفة والمواضيع الظريفة منهم .
8ـ مجلس السيد يوسف الأشيقر


وهو إحدى المجالس العامرة في هذا البلد ، أسسه السيد يوسف السيد أحمد الأشيقر ، يلتقي فقيه رجال الأدب والوجاهة ، يقضون أوقاتهم في سمر ومنادمة ، ويتحدثون فيه أظرف الأحاديث التي تتعلق بشؤون الفكر والكتاب العربي وقضايا الساعة ، موقعه في حارة آل الأشيقر ، وكان يرتاده السيد عبد الحسين آل طعمة سادن الروضة الحسينية ، والشاعر الشيخ محمد القريني والسيد يونس نصر الله والسيد ابراهيم شمس الدين القزويني والسيد صالح السيد جواد والسيد يوسف آل طعمة وعبد الحميد الوكيل .
ومن الجدير بالذكر ان السيد يوسف الاشيقر سعى سنة 1926 م بتأسيس ( الجمعية الأدبية ) مع رعيل من مثقفي المدينة ، إلا أن الحكومة خشيت أن

تراث كربلاء 318

تكون جمعية سياسية فرفضت طلبه .
9ـ ديوان مجد العلماء


يعرف مجيد خان بن المرحوم أسد خان بمجد العلماء ، وديوانه كان مزدحماً بأهل العلم ، وكان موقعه خلف ديوان آل الرشتي ، يؤمه فريق من شعراء كربلاء كالشيخ مهدي الخاموش والشيخ جعفر الهر والشيخ جمعة الحائري . وكان مجيد خان يستمتع بتلك القصائد والاحاديث التي تنتهي بالفكاهة المستملحة .
10 ـ ديوان السيد عبد الوهاب آل طعمة (1)


وهو ديوان رئيس بلدية كربلاء ، وكانت مجالسه لا تخلو من ولاة وعلماء وادباء وأعيان ووجوه فضلاً على جماهير الناس المحتشدة وفيه تجري أطيب الاسمار وأظرف الاحاديث وهذه اللقاءات الفكرية أدت إلى تأليف كتاب ( فدك ) للسيد محمد حسن القزويني . وكان من رواده الشاعر محمد حسن أبو المحاسن والسيد محمد تقي الطباطبائي والسيد حسين القزويني والشيخ كاظم أبو ذان والشيخ محمد علي ( قصير الادباء ) .
11ـ ديوان آل حافظ


ومن المجالس الادبية التي كان يرتادها ادباء ذلك الجيل ورجالات البلد

(1) هو ابن السيد عبد الرزاق بن السيد عبد الوهاب حاكم كربلاء وسادن الروضتين المقدستين ابن السيد محمد علي سدان الروضة الحسينية ابن السيد عباس نقيب الاشراف ابن السيد نعمة الله نقيب الاشراف ابن يحيى بن خليفة نقيب الاشراف بن نعمة الله نقيب الاشراف بن العالم الفاضل السيد طعمة علم الدين الفائزي الموسوي الحائري ، ولد عام1284 هـ وكان أحد رجالات الثورة العراقية عام 1920 م وعين رئيساً لبلدية كربلاء قبل الاحتلال البريطاني وبعده ، وعين عضواً في المجلس الوطني أبان الثورة وتوفي في رمضان سنة 1347 هـ . راجع ترجمته في مجلة ( المرشد ) البغدادية السنة الرابعة صفر 1348 هـ تموز 1929 م .
تراث كربلاء 319

السياسيين هو ديوان رئيس بلدية كربلاء الشاعر الحاج عبد المهدي الحافظ الكائن عند باب الصحن الصغير للروضة الحسينية المشرفة . فكان هذا الديوان مكتضاً بوجوه وادباء البلد يرتاده بين حين وآخر الشاعر الوطني الحاج محمد حسن أبو المحاسن والسيد حسين القزويني والشيخ كاظم ابو ذان والسيد أحمد البير والسيد نعمة السيد حسين والشيخ علي الشيخ زين العابدين الحائري والآغا رضا المحدد والشاعر التركي الشيخ رضاالطالباني . وكان لتلك المحاورات أثر في الحياة السياسية والاجتماعية .

12 ـ ديوان السيد جواد الصافي


كان موقعه في سوق الحسين عليه السلام قرب حمام المالح ، توافد إليه وجوه البلد وأعيانه أخص بالذكر منهم المرحوم السيد محمد مهدي السيد حسن بحر العلوم الطباطبائي المتوفى سنة 1933 م الذي تولى منصب وزارة المعرف في الوزارة النقيبية الاولى في 10 أيلول 1921 م ، ومنهم السيد أحمد السيد صالح آل طعمة ـ جد المؤلف ـ وفيه تجري الطرائف من أطايب الأسمار والأحاديث ، وفيه تنتعش فنون الأدب الرفيع .
13 ـ ديوان آل الشهرستاني


أسسه العلامة الكبير السيد مرزا مهدي الموسوي الشهرستاني ، وكان مجلسه مقرأ للعلماء والادباء ورجال الدين . ومما زاد على بعد صيته وعلو ذكره كونه عالماً تقياً وزاهداً ورعاً ، يعد في الرعيل الأول من العلماء العاملين . انتقلت الرئاسة من بعده إلى أبنائه وأحفاده . وفي عهد المرحوم السيد ابراهيم الشهرستاني اقيمت في الديوان عدة حفلات في مناسبات دينية شارك فيها الشعراء والادباء الشيخ عبد الحسين الحويزي والسيد مرتضى الوهاب والسيد مرتضى القزويني والسيد صادق آل طعمة والسيد صدر الدين الحكيم الشهرستاني وسواهم .
14 ـ ديوان الشيخ محمد رشيد الصافي


تراث كربلاء 320

موقعه في شارع العباس ( مصرف الرهون حالياً ) أسسه الشيخ محمد رشيد الصافي رئيس بلدية كربلاء سابقاً. وكان يختلف على ديوانه بعض الشعراء وأهل الفضل كالسيد جعفر الحلي والشيخ محمد علي اليعقوبي ، ومن كربلاء الشيخ عبد الحسين الحويزي والشيخ موسى الهر .
بالإضافة إلى تلك المجالس الأدبية فهناك مجالس للعلماء ودواوين الرؤساء يرتادها وجهاء البلد وبقية الناس من طبقات الشعب المختلفة ، حيث يتناولون في أحاديثهم الشؤون الزراعية والقضايا المعاشية ويتناقلون أخبار الأحداث المحلية أو العالمية التي يسمعونها في الاذاعات ويلتقطونها من أفواه الناس ، فتكون لهم مادة طريفة للأحاديث الشيقة والأسمار اللطيفة .
ومن هذه الدواوين القديمة التي لم يبق إلا اسمها : ديوان السيد صالح السيد سليمان آل طعمة المتوفى سنة 1319 هـ وديوان السيد عبد الحسين السر خدمة آل طعمة مدير أوقاف كربلاء وديوان السادة آل ثابت وديوان آل شهيب وديوان آل جار الله وديوان آل عواد وديوان السيد مصطفى الشروفي نائب سادن الروضة الحسينية ، ودواوين العلماء .
ومن دواعي الأسى والأسف أن أغلب هذه الدواوين لم يكن لها وجود اليوم بسبب تطور الحياة الاجتماعية .

تراث كربلاء 321

الفصل الثامن

المكتبات الخاصة والعامة


المكتبات الخاصة :

تعتبر كربلاء من امهات المدن التي لعبت دوراً مهماً في التطور الحضاري والتقدم الفكري منذ عدة قرون .
وبالرغم من عبث الحوادث الدامية في تشتيت الكبت في خزائن كربلاء ومكتباتها ، فقد كثرت فيها الكتب القديمة والذخائر القيمة ، ولا تخلو هذه الخزائن من مجاميع مخطوطة فيها النادر والنفيس والقديم والجدير بالتحقيق والنشر . ونحن هنا ندون تسجيل خزائن الكتب البائدة والحاضرة قديمها وحديثها لكي يطلع القارئ اللبيب على المعلومات الواردة فيها .

1ـ مكتبة السيد مرزا محمد مهدي الشهرستاني


أسسها في داره الكائنة بمحلة آل عيسى ، وكانت في وقتها عامرة بالمصادر المهمة والمخطوطات القيمة ومنها مؤلفاته . ثم انتقلت بعد وفاته إلى نجله السيد محمد حسين الشهرستاني الموسوي المتوفي سنة 1247 هـ ، وقد نهبت محتوياتها أثر

تراث كربلاء 322

غزوة الوهابيين مدينة كربلاء ليلة الثامن عشر من ذي الحجة عام 1216 هـ ، إذ أن صاحبها كان قد توفي في 12 صفر من العام نفسه . ولم يبق منها اليوم سوى بعض المخطوطات التي يحتفظ بها حفيده البحاثة السيد صالح الشهرستاني نزيل طهران اليوم .
2ـ مكتبة السيد كاظم الرشتي


أسسها السيد كاظم بن السيد قاسم الحسيني الرشتي الحائري المتوفى عام 1259 هـ . وكانت في وقتها من أضخم المكتبات العراقية . وقد بلغت قيمتها الكبرى في عهد نجله العالم الشاعر السيد أحمد الرشتي المقتول سنة 1295 هـ في كربلاء . وكان هذا يبجل الشعراء والادباء والكتاب ويغدق عليهم من أمواله الطائلة ، وكانت داره ندوة لمنتجعي الأدب . وقد حدثني أحد الأصدقاء فقال : رأيت اطلالها في بيت اناس لا يقدرون الأدب ولا يعطفون على تراث الأجداد . ومن بين هذه الأطلال تظهر مجموعة ضخمة جداً من دواوين قدامى الشعراء كلها خطية وكلها أوراق متناثرة . ويقال ان المكتبة تناهبها كثير من الموظفين الكبار في كربلاء وغيرهم ومنهم محام جليل في بغداد .
3ـ مكتبة المولى عبد الحميد الفراهاني


وهي من المكتبات المندرسة أيضاً ، أسسها الآخوند الملاعبد الحميد بن المولى عبد الوهاب الفراهاني العراقي ( الاراكي ) المتوفى حوالي عام1311 هـ . وقد هاجر من مدينة شيراز وهبط سامراء وتلمذ على العلامة السيد محمد حسن الشيرازي المجدد ، ومنها رحل إلى كربلاء حيث استقر به المقام فأسس مكتبة نفيسة فيها وذلك عام 1276 هـ ولم يبق من محتوياتها بعد وفاته سوى 300 مجلد مخطوط عند السيد علي أكبر اليزدي بمدرسة السردار حسن خان ، ثم تفرقت اخيراً .
4ـ مكتبة الشيخ عبد الحسين الطهراني


السابق السابق الفهرس التالي التالي