تراث كربلاء 290

محمد المجاهد . وترك تصانيف كثيرة في الفقه والأصول ومعظمها رسائل خطية وله شعر طبع بعضه في آخر ( المجالس النظامية ) ، ويجد القارئ تعداد مؤلفاته في ( أعيان الشيعة ) في الجزء 16 ص 49 . دونت ترجمته في كثير من المؤلفات المطبوعة ومنها نقباء البشر ج 1 ص 293 ومعارف الرجال ج 2 ص 220 و 221 وأحسن الوديعة ج 1 ص 194 وغيرها .

السيد محمد باقر الحجة الطباطبائي

عالم فذ تبوأ مكانة مرموقة في الأوساط الفكرية ، أحب العلم والأدب وشغف به ، وقد ورثه من أسلافه .
أنجبته أسرة علمية اشتهرت بالعلوم الدينية فقد ولد عام 1273 هـ وتعهده والده المرزا أبو القاسم بتربيته وتوجيهه ، فشب علماً مبرزاً على من عاصره ومبشراً للدين الاسلامي ونشر المثل العليا ، فكانت داره الكائنة في سوق التجار الكبير محجاً يرتاده العلماء والأدباء ومنهلاً عذباً يرتوي من نميره أهل الفضل . أخذ العلم عن والده والفاضل الشيخ محمد حسين الأردكاني وحضر بحث الميرزا حبيب الله الرشتي ، وانتهت اليه الرئاسة في كربلاء شأن أعلام أسرته ، فكان مرجعاً للقضاء والتدريس والفتيا .
له تصانيف كثيرة نظماً ونثراً في الفقه والأصول والكلام والأخلاق منها كتاب ( الزكاة ) الكبير المبسوط متناً وشرحاً و ( الشهاب الثاقب ) أو ( السهم الثاقب ) في رد ابن الآلوسي وهي أرجوزة شعرية . وله منظومة ( مصباح الظلام ) في أصول الدين وعلم الكلام وأراجيز أخرى نكتفي بذكر أسمائها وهي ( النكاح ) و ( الأطعمة والأشربة ) و ( الحج ) و( تكملة الدرة ) و ( المصباح ) وسواها .
توفي في كربلاء يوم الأحد رجب سنة 1331 هـ وقد أرخ أحد الشعراء وفاته بقوله :
رضوان نادى في الجنان أرخوا ( قد نور الفردوس نور الباقر )


تراث كربلاء 291

ورثاه الشيخ ابراهيم البادكوبي بقصيدة أرخها بقوله :
قلت لنجم السعد هل تدري من قد حل فـي مسنده اللائق
قال نعـم قلت فـأرخ ( فقال انتقل الأمر إلى الصادق )

وممن تتلمذ عليه من العلماء والشعراء وأهل الفضل الشيخ حسين الكربلائي الشاعر الشعبي المعروف المتوفى سنة 1328 هـ والسيد عبد الوهاب آل الوهاب المتوفى سنة 1322 هـ والشيخ حبيب شعبان المتوفى عام 1336 هـ وغيرهم .
ذكرته كتب التراجم ومنها ( أعيان الشيعة ج 44 ص 103 و 104 ) و ( نقباء البشر ج 1 ص 193 و 194 ) .


الشيخ محمد تقي الشيرازي

هو المجاهد الأكبر الشيخ محمد تقي بن الحاج محب علي بن مرزا محمد علي كلشن الحائري الشيرازي زعيم الثورة العراقية الكبرى وموري شرارتها الأولى ، كان من أكابر العلماء والمجتهدين .
ولد في شيراز سنة 1256 هـ وهاجر إلى كربلاء سنة 1271 هـ لإرتشاف مناهل العلم والمعرفة ـ فقرأ الأوليات ومقدمات العلوم وحضر على العلامة المولى الشيخ حسين الأردكاني ، وانتقل إلى سامراء فتتلمذ على أية الله المجدد السيد محمد حسن الشيرازي فكان من أجلة تلامذته . ولما احتلت الجيوش البريطانية سامراء رغب في الرجوع إلى كربلاء ، فكان عامـلاً كبيراً مـن عوامل بعـث الروح الوطنيـة (1) وضحى بكل غال ونفيس ، ومن هنا اكتسب شهرة ذائعة الصيت ، وتخطت

(1) راجع فصل ـ الحوادث السياسية ـ الثورة العراقية .
تراث كربلاء 258

شهرته حدود العراق ، وانتشر اسمه في البلدان الأخرى كإيران ولبنان ومصر وسوريا وغيرها . وفي أوقات فراغه استطاع أن يصنف الكتب العديدة نخص بالذكر منها :
1ـ شرح مكاسب الشيخ مرتضى الأنصاري 2ـ شرح منظومة رضاعة السيد صدر الدين العاملي 3ـ القصائد الفاخرة في مدح العترة الطاهرة 4ـ رسالة في صلاة الجمعة 5ـ رسالة الخلل . وكان يجيد النظم في الأدب الفارسي خاصة في مديح آل البيت .
ومن تلامذته : السيد مرزا هادي الخراساني والشيخ محمد كاظم الشيرازي والشيخ محمد علي القمي والشيخ آغا بزرك الطهراني وغيرهم.
أدركه الأجل ليلة الثالث من ذي الحجة سنة 1338 هجرية وشيع تشييعاً حافلاً من قبل الشعب العراقي لاسيما رؤساء الفرات ، حيث حضروا بأسلحتهم وأهازيجهم الشعبية في ساحات كربلاء ، ودفن في الروضة الحسينية المقدسة . وقد رثاه لفيف من الشعراء منهم الحاج محمد حسن أبو المحاسن والشيخ محسن أبو الحب والشيخ محمد مهدي الجواهري والشيخ محمد علي اليعقوبي والشيخ ناجي الحلي وغيرهم . وقد أنجب ثلاثة أولاد علماء هم : الشيخ محمد رضا والشيخ عبد الحسين والشيخ محمد حسن . وكلهم ذوو فضل وتقوى .
ترجمه عدد من المعنيين بالتراجم في تصانيفهم ومنها ( نقباء البشر 1: 261 ـ 264 ) و( أعيان الشيعة 44 : 121 ، 122 ) و( معارف الرجال ج 2 ص 215 ـ 218 ) وغيرها .


السيد اسماعيل الصدر

من علماء كربلاء الأفذاذ ، اشتهر بغزارة علمه وجلالة قدره وسمو مكانته في العلم والفضل .

تراث كربلاء 293

فهو السيد اسماعيل (1) ابن السيد صدر الدين العاملي الأصفهاني من سلالة السيد ابراهيم المرتضى ( الأصغر ) ابن الامام موسى الكاظم عليه السلام أحد مراجع التقليد في كربلاء . ذكره صاحب ( الذريعة ) فقال :
« ولد في أصفهان عام 1258 هـ ونشأ بها وتتلمذ في الفقه على العلامة الشيخ محمد باقر الأصفهاني وتشرف إلى النجف 1271 هـ وحج البيت بها أيضاً ورجع فلازم بحث العلامة الفقيه الشيخ راضي بن محمد آل خضر الجناجي النجفي المتوفى عام 1290 هـ وبحث الفقيه الأوحد الشيخ مهدي بن علي ابن الشيخ الأكبر كاشف الغطاء المتوفى 1289 هـ ثم اختص بالمجدد الشيرازي مدة حياته وهاجر بعد هجرته إلى سامراء بقليل فكان في سامراء إلى 1314 هـ ثم هاجر إلى الحائر الشريف مروجاً للدين وحافظاً للعلماء ومساعداً للمشتغلين وعوناً للضعفاء والمساكين (2) ... الخ » . واتخذ كربلاء دار إقامته فاستوطنها وأصبح مرجعاً للأمور الشرعية بها . وذكره السيد مهدي الكاظمي في ( أحسن الوديعة ) فقال : واشتهر أكثر من أبيه وإن لم يبلغ مرتبة فضله وعلمه وشهرته إلى أن توفي في الكاظمية في يوم الثلاثاء 12 جمادي الأول عام 1338 هـ ودفن فـي الرواق الشرقي مـن الروضة الكاظميـة (3) ...الخ . وأبنه شاعر كربلاء المرحوم الحاج محمد حسن أبو الحاسن بقصيدة عامرة نشرت في ديوانه أولها :
أصابت سهام الحتـف ياحسرة الدهر صريح قريش والخلاصة من فهر
لقد نثل الـدهـر الكنـانـة راميـاً حشاشة نفـس من كنانة والنضر
نعى البرق غيث الناس في كل أزمة وعهـدي به قبـلاً يبشر بالقطر (4)


(1) دون نسب السيد المترجم له في مجلة ( الهدى ) العمارية ـ الجزء 2 / السنة الثانية / ربيع الأخر 1348 / ايلول 1929 ص 87 ( من هو السيد الصدر؟ ) .
(2) نقباء البشر ( 1 : 160 ).
(3) أحسن الوديعة ( 1: 208 ) وانظر الطبعة الثانية ج 1 ص 169 .
(4) ديوان أبي المحاسن الكربلائي ـ ص 81 .
تراث كربلاء 294

وكانت وفاته خسارة كبرى لا تعوض في التراث الاسلامي والحركة الثقافية وأعقب ابناه الأربعة وهم السيد محمد مهدي والسيد محمد الجواد والسيد صدر الدين والسيد حيدر وكلهم ذوو فضل وتقى .


السيد مرزا هادي الخراساني

هو السيد مرزا هادي ابن السيد علي ابن السيد محمد الخراساني الحائري أحد أساطين العلم المعروفين في كربلاء ، ومن ألمع فقهائها الذين تركوا ثروة ضخمة من المؤلفات القيمة .
أدركت أواخر أيامه ، وكانت داره منتجعاً لطلاب العلم ورواد الفضيلة وكان أحد مراجع التقليد في عصره . ألفيت فيه عِلْماً وذكاء ودراية شاملة وأصالة رأي وأنفة وإباء وقد تفنن في الفنون الشرعية فحذق الفقه والأصول والكلام والتفسير والحديث والرجال وأتقن النحو والصرف .
وكانت ولادته في كربلاء ليلة الجمعة غرة ذي الحجة عام 1297 هـ ولما بلغ السابعة من عمره درس القرآن الكريم وختمه ولم يبلغ العاشرة من عمره ثم عاد إلى كربلاء ومنها ذهب إلى النجف حيث أخذ يتردد على الحلقات الدراسية العليا مستفيداً وبعد أن أتم دراسته في النجف عاد إلى كربلاء وأصبح مدرساً من مدرسي هذه المدينة (1) وقد حضر ابحاث الشيخ محمد كاظم الخراساني والسيد كاظم اليزدي والشيخ محمد تقي الشيرازي الذي تخرج عليه ثـم استقـل بعده بالتدريس في كربلاء (2) رشح للمرجعية لما يتمتـع به من علم غزير ومساع مشكورة وخدمات جليلة للدين الاسلامي . وقد احدثت وفاته رنة أسى وأسف في قلوب محبيه وشق نعيه على عارفي فضله فكانت وفاته في الثاني عشر من ربيع الأول

(1) أعيان الشيعة للسيد محسن الأمين ( 52 : 141 ) .
(2) أعيان الشيعة للسيد محسن الأمين ( 50 : 43 ) .
تراث كربلاء 295

عام 1368 هـ . ترك آثاراً جليلة كثيرة ومن اهمها :
(1) دعوة الحق وهو الجزء الأول من كتاب يبحث في فضائل آل البيت (ع) وأخبارهم كما يتضمن الرد على شبهات الوهابيين طبع بمطبعة النجاح ببغداد سنة 1347 (2) أصول الشيعة وفروع الشريعة طبع ببغداد (3) حاشية على مكاسب المحقق الأنصاري (4) حاشية على رسائله (5) حاشية على طهارته (6) هداية الفحول في شرح كفاية الأصول (7) حاشية الوجيزة على الكفاية (8) أجوبة المسائل في الفقه أغلبها استدلالية (9) تقريرات بحث أستاذه الخراساني (10) تقريرات بحث أستاذه الشيرازي ، وغيرها من المؤلفات التي ناهزت العشرين كتاباً أودعت لنجله فضيلة السيد مهدي الخراساني الحائري الذي هو اليوم مرشد الطائفة الشيعية بلندن وللمترجم مكتبة خافلة بالكتب القيمة في كربلاء حوت على كتب خطية نفيسة خاصة بعض المصاحف التاريخية .
وكان يجيد نظم الشعر ، وله ديوان مخطوط باسم ( دعوة دار السلام ) حوى بعض النماذج التي كان يودعها في فراغه . ومن بين تلك النماذج هذه المقطوعة التي يعاتب فيها الزمان وهو في طريقه إلى النجف الأشرف :
اني ابتليـت بيـومـي كما إبتلى بي زماني
فــانـي أشتـكـيـه كما زماني شكانـي
يقـول انـي جفـوت كما أقـول جفانـي
رميتـه لـم يصـبـه أصابنـي إذ رماني
فيـالـه مـن قـرين فليـتـه وقـلانـي
ما بئس من جار سوء أهاننـي ودهـانـي
أعـاذنـي الله منـه ُ ومن عـداه وقـاني
لم يرض بي قط يوماً كذاك مـا أرضاني

وقال من مقطوعة أخرى :

تراث كربلاء 296

لمسلم وقعة يـوم الـحـره لكل مسلم تـزيد حسـرة
فضـوا البنـات عفة ابكارا فوق المئات ماترى انكارا
بغدرها القتلى من الأصحاب من حافظي السنة والكتاب
قد ولدت الـف بلا نكـاح وكلها كانت من السفـاح

السيد عبد الحسين الحجة الطباطبائي

عالم جليل القدر ، سليل بيت تسوده المكارم ، فهي من الأسرالعريقة في العلم والفضل لم تبارحها الزعامة الدينية في كربلاء منذ عدة قرون ، وقد أطنبت كتب السير والتراجم في مآثرها ومفاخرها هو السيد عبد الحسين بن السيد علي بن ابي القاسم بن الآغا حسن بن السيد محمد المجاهد بن المير السيد علي صاحب الرياض الطباطبائي من أبرز الشخصيات الروحية وأحد المراجع الذي انتهت اليه الرئاسة في كربلاء ، كان مرجعاً للقضاء والتدريس والفتيا ، وكان دائم المذاكرة ، دقيق النظر بعيد الغور ، خصب الفكر ، مكباً على التدريس ، تتلمذ على آية الله العظمى الآخوند الملا كاظم الخراساني في النجف ، وبعد إكمال الدروس العالية وبلوغه مرحلة الاجتهاد عاد إلى كربلاء وانيطت به مسؤولية التقليد . أدركت أواخر أيامه فرأيته يقيم الجماعة في الصحن الحسيني الشريف وكان ذا هيبة ووقار ، جميل الأخلاق ـ سخي الطبع ، عالي الهمة ، عصبي المزاج ، توفي في الكاظمية يوم 24 محرم الحرام عام 1363 هـ ونقل جثمانه إلى مسقط رأسه ـ كربلاء ـ وكان يوم وفاته من الأيام المشهودة حيث شق نعيه على المسلمين ، فكانت خسارته جسيمة ، ودفن في الروضة الحسينية ، وأقيمت له عدة فواتح ، وأبنه الشعراء وكان من بينهم خطيب كربلاء الشيخ محسن أبو الحب الذي قال في ذكراه السنوية الأولى بقصيدة مطلعها :
العلم أصبح يبكي على مصاب الحسين

تراث كربلاء 297

والدمع حزناً عليه قد سال من كل عين(1)

وكانت له مكتبة ضخمة أشرنا اليها في فصل ـ المكتبات الخاصة ـ ترجمه العلامة آغا بزرك الطهراني في ( نقباء البشر 3 : 1051 و 1052 ) .


السيد حسين القزويني الحائري

هو السيد حسين نجل السيد باقر نجل السيد ابراهيم صاحب الضوابط ابن السيد باقر بن السيد عبد الكريم بن نعمة الله بن السيد مرتضى الموسوي القزويني الحائري .
هاجر السيد باقر والد السيد ابراهيم صاحب الضوابط من قزوين واستوطن النجف مع شقيقه السيد محمد علي وذلك في أواخر القرن الثاني عشر الهجري واتصل الأخوان بالعلامة الشيخ جعفر الكبير صاحب كشف الغطاء ودرسا عليه . ثم هاجر السيد باقر إلى كربلاء مع نجليه السيد ابراهيم والسيد مهدي . وبقي السيد محمد علي في النجف مصاحباً الشيخ موسى نجل الشيخ جعفر الكبير إلى أن وافاه الأجل ودفن قرب مسجد صفوة الصفا في النجف . أما السيد إبراهيم الشهير بصاحب الضوابط فهو جد المترجم له .
ولد السيد حسين في كربلاء سنة 1288 هـ وتتلمذ على العلامة الحجة الشيخ كاظم الخراساني الشهير بـ ( الآخوند ) وله عدة اجازات في الاجتهاد . ومن أساتذته في الاجازة الآخوند الخراساني وآغا ضياء العراقي والسيد أحمد السيد صالح القزويني الموسوي والسيد أبو الحسن الأصفهاني والشيخ محمد تقي الشيرازي ومرزا محمد حسين النائيني . ساهم المترجم له في الثورة العراقية الكبرى سنة 1920 م وكان عضواً فعالاً فيها ، وبعد أن اخمدت نار الثورة قبض عليه الإنكليز وقدم إلى المجلس العرفي العسكرى ، فأطلق سراحه بعد اعتقاله في الحلة طيلة

(1) راجع ( ديوان أبي الحب ) تحقيق المؤلف ص 97 .
تراث كربلاء 298

ثمانية أشهر مع رفاقه أحرار كربلاء ، ومن مؤلفاته المطبوعة مدينة الفاضلة في الاسلام . أما مخطوطاته فهي : شخصية الامام علي ـ بحث وتحليل أصول الدين ( ترجمه عن الفارسية سنة 1918 م ) وغيرها من الآثار التي أطلعني عليها نجله السيد ابراهيم شمس الدين القزويني ، وقد دوناها في كتابنا ( مخطوطات كربلاء). وكان الفقيد يملك مكتبة ـ سيأتي ذكرها في الفصل الخاص بالمكتبات الخاصة .
توفي يوم 2 ذي الحجة سنة 1367 هـ ودفن في مقبرة آل القزويني في الصحن الصغير للروضة الحسينية . ورثاه خطيب كربلاء الشيخ محسن أبو الحب بقصيدة مطلعها :
قد حل في الاسلام خطب جسيم بكى له الشرع الحنيف القويم

ورثاه أيضاً خطيب الكاظمية الشيخ كاظم آل نوح بقصيدة مطلعها :
خطب دهى مفاجئاً في كربلا غدات علامتها قد قوضا

وأرخ وفاته بقوله :
فاجأه الموت فأردى راحلاً أرخ به أبوك ياشمسي قضى

السيد محمد حسن القزويني

قليل منا لا يعرف مركز السيد محمد حسن القزويني العلمي الديني الرفيع ، فقد كان من أفاضل فقهاء عصره وأحد أقطاب الفكر الاسلامي ، ساهم في الحقل الثقافي وخدم الدين واحتل مكانة اجتماعية تليق به .
تحدثت اليه أكثر من مرة ، فرأيته متضلعاً بعلم الفقه ، ذا اطلاع واسع بأصوله . فهو موسوعة نفيسة ودائرة معارف حاوية لكثير من العلوم العقلية والنقلية وأحد

تراث كربلاء 299

المراجع المعروفة في كربلاء التي يشار اليها . كان متوقد الذهن ، صافي السريرة كبير النفس ، عالي الهمة ، صريح الرأي.
هو السيد حسن ابن السيد أبي المعالي محمد باقر ـ المعروف بآغا مير لكونه سمي جده ـ ابن الميرزا مهدي ابن السيد محمد باقر الموسوي القزويني الحائري. عالم جليل وفقيه بارع ومصنف ماهر ، ولد يوم عرفة بكربلاء سنة 1296 هـ وترعرع في أسرة علمية كريمة فاح عطر ذكرها وتضوع أريجها فنشأ فيها نشأة طيبة ثم أنتقل إلى النجف الأشرف ، وتتلمذ على المولى محمد كاظم الخراساني الشهير بالآخوند وكتب من تقريرات بحثه تمام مباحث الأصول والطهارة والخمس والوقف والخيارات والطلاق وقليلاً من القضاء ، ومنها هاجر إلى سامراء ، فحضر على الميرزا محمد تقي الشيرازي واستفاد منه كثيراً ، ثم عاد إلى كربلاء بعودة الامام الشيرازي ، فذاع اسمه بسبب جهاده العلمي وجهوده الاصلاحية المشكورة ، وقد وضع مؤلفات وتصانيف ثمينة مطبوعة منها :
(1) شرح اللمعة .
(2) هدي الملة إلى أن فدك من النحلة المطبوع في 9 ربيع الثاني 1352 هـ .
(3) البراهين الجلية في رفع تشكيكات الوهابية المطبوع في 1346 هـ.
(4) الامامة الكبرى طبع منه مجلد واحد من بين ثمان مجلدات .
انتقل إلى جوار ربه يوم 26 رجب سنة 1380 هـ ، وكان لنعيه رنة أسى وأسف وموجة حزن طاغية ، ودفن في مقبرة السيد محمد المجاهد .
ورد ترجمته في كثير من المراجع أخص بالذكر منها ( نقباء البشر في القرن الرابع عشر ) ج 1 ص 389 و ( عام الثمانين ) للشيخ حسين البيضاني ص 18 وغيرها .

تراث كربلاء 300

السيد ميرزا مهدي الشيرازي(1)

ولد في كربلاء سنة 1304 هجري ، ونشأ بها في بيت تبوأ المكانة المرموقة في علوم الدين والشريعة ، والده السيد حبيب الله الحسيني الشيرازي من أبناء عم السيد محمد حسين الشيرازي الشهير . وقد عنى بتربيته شقيقه المرحوم السيد مرزا عبد الله الحسيني الشهير بالتوسلي ، وتتلمذ على المرزا محمد تقي الشيرازي زعيم الثورة العراقية والحاج آغا رضا الهمداني والسيد محمد كاظم اليزدي وسواهم من أساطين العلم وله عدة إجازات من الرواية من العلامة المرزا محمد الطهراني السامرائي ، صاحب (مستدرك بحار الانوار) ، والشيخ آغا بزرك الطهراني صاحب ( الذريعة ) والحاج الشيخ عباس القمي صاحب ( مفاتيح الجنان ) ، وكان فقيهاً بارعاً اضطلع بمسؤولية التقليد والمرجعية الدينية ، حيث أقام الجماعة في الصحن الحسيني الشريف ، وله مؤلفات قيمة في مباحث الأصول ورسائل وتعليقات بلغت 18 كتاباً . وبالإضافة إلى كونه فقيهاً زاهداً وعالماً جليلاً ، فإن له المام بنظم الشعر خاصة في أهل البيت عليهم السلام .
قال من قصيدة في الزهراء عليها السلام ومطلعها :
درة أشرقـت بأبهـى سناها فتلالا الورى فيا بشـراها
لمع الكون من سنا نور قدس بسنا ناره أضـاء طـواها
يا لها لمعة أضـاءت فأبدت لمعات أهدى الأنـام هداها

وله من قصيدة قال فيها :
أرى وجـد قلبي مستنيـر الجوانب وفيض دموعي مستهل الذوائب
وفي الصدر من نار الفراق شرارة تفور لظاها فـي زوايا الترائب


(1) اقتبسنا نبذة من تاريخ حياته من ( أعيان الشيعة ) ج 50 ص 115 .
تراث كربلاء 301

أغارت على صبري وافنت تجلدي واهدت إلي الكرب من كل جانب
وشمر دهـري مـن قـديم وانـه لحتفي وآلي أن يكـل مساربـي
وأخنى على قومي وأردى عشيرتي ولم يبق لي إلا رنينـي و ساكبي

وكان يحسن الخط ويجيده في العربية والفارسية . وقد تقدمت كربلاء في عصره تقدماً دينياً وعلمياً وثقافياً .
توفي في اليوم الثامن والعشرين من شهر شعبان المعظم سنة 1380 هـ وخسرت كربلاء بموته أحد أعلامها البارزين ، وأقيمت على روحه الطاهرة عدة فواتح . وقد أبنته في الاحتفال الذي أقامه خدمة الروضتين المقدستين بقصيدة مطلعها :
أتـرانـا وللـهـموم أوار في الحنايا، وللقلوب استعار
يصطفينـا السلو حلواً نديا ً والأسى فـي شغـافنا فوار (1)

ورثا فريق من شعراء القطر. وقد أنجب الفقيد عدة أولاد هم السادة محمد الشيرازي وحسن الشيرازي وصادق الشيرازي ومجتبى الشيرازي ، وكلهم رجال علم وعمل لهم مؤلفات مطبوعة .
تطرق إلى ترجمته عدد من المؤلفين منهم السيد صادق محمد رضا الطعمة الذي أصدر كتاباً خاصاً أسماه ( ذكرى فقيد الإسلام الخالد ) .

تراث كربلاء 302

السيد عبد الحسين آل طعمة

هـو السيد عبد الحسين الكيلدار ابن السيد علي الكليدار(2) ابن السيد جواد الكليدار ابن السيد حسن بن السيد سليمان ابن السيد درويش ابن أحمد بن يحيى نقيب الاشراف بن خليفة نقيب الاشراف بن نعمة الله بن العالم الفاضل السيد طعمة ( الثالث ) نقيب الاشراف ( وهو الواقف لفدان السادة على أولاده الذكور سنة 1025 هـ ) ويقال لولده (آل طعمة) ابن علم الدين بن طعمة ( الثاني) ابن شرف الدين ابن طعمة كمال الدين ( الأول ) نقيب الاشراف ابن أبي جعفر أحمد ( أبو طراس ) ابن ضياء الدين يحيى بن أبي جعفر محمد بن السيد أحمد الناظر لرأس العين ( المدفون في شفاثة وقبره يزار وله كرامات ) ابن أبي


(1) راجع ديوان ( الأشواق الحائرة ) لمؤلف الكتاب ص 83 .
(2) تولى سدانة الروضة الحسينية بعد وفاة والده عام 1309 هـ وتوفي يوم الخميس 3 محرم الحرام سنة 1318 هـ وكان مثالاً للزهد والورع واشتهر باطعام الفقراء وبنى بعض القناطر على نهر الحسينية أعقب ستة أولاد ذكور هم صاحب الترجمة والسيد مهدي والسيد عبد الرضا والسيد مصطفى والدكتور عبد الجواد ومحمود .
تراث كربلاء 303

الفائز محمد ( ويقال لولده آل فائز ) ابن أبي جعفر محمد بن علي الغريق بن أبي جعفر محمد الحبر الملقب بخير العمال ابن أبي الحسن علي المجدور بن أبي عانقة أحمد ( ويقال لولده بنو أحمد ) ابن محمد الحائري بن أبراهيم المجاب بن محمد العابد بن الإمام موسى ابن جعفر عليهما السلام (1) .
وردت ترجمته في ( أعيان الشيعة ) وهذا نصها : ولد في كربلاء سنة 1299 هـ وتوفي فيها 1380 هـ ودفن في إحدى حجرات الصحن الحسيني الشريف ، هو ابن السيد علي الكليدار بن السيد جواد الكليدار من اسرة آل طعمة من سلالة آل فائز الموسويين التي استوطنت منذ سنة 247 هجرية ، انتقلت إليه سدانة الروضة الحسينية سنة 1318 بعد وفاة والده واستمر على اداء خدمته لحرم جده المطهر الحسين بن علي عليه السلام حتى سنة 1343 حينما رغب في الاعتكاف والانزواء فتنازل عنها لولده الأكبر السيد عبد الصالح آل طعمة السادن الحالي للروضة الحسينية . ولقد كان المترجم باحثاً محققاً يميل بطبعه إلى التتبع في بطون الكتب التاريخية والفلسفية نتيجة لدراسته وتربيته الأولية في حضن أبيه وما كان يحيط به من جو علمي أدبي . وقد اشترك في كثير من المؤتمرات التي عقدت والحركات التي أثيرت في كربلاء وبغداد أبان الثورة العراقية سنة 1920 ميلادية ، ولم يترك البحث التاريخي والأدبي والعلمي حيث استطاع أن يصنف بعض المؤلفات المفيدة ويجمع مكتبة قيمة كانت تعد من أضخم المكتبات في كربلاء سواء في مخطوطاتها أو مطبوعاتها ، ولكنها احترقت في عام 1333 هـ إثر الثورة التي نشبت في كربلاء في هذه السنة بين أهالي كربلاء والسلطة التركية فيها والتي انتهت بانسحاب الأتراك من كربلاء واستيلاء الأهلين على الحكم . وقد تمكن المترجم من أن يجمع بعض مسوداته في عزلته في أواخر أيامه ويؤلف منها عدة كتب هي :

(1) اقتبسنا صورة هذا النسب من المشجرات الخاصة الموجودة لدى الأسرة ، وقد أثبتها النسابون في كتب الأنساب المخطوطة والمطبوعة أيضاً .
تراث كربلاء 304

1ـ تاريخ كربلاء طبع عام 1349. أما كتبه المخطوطة فهي
2ـ حالة العرب الاجتماعية في الجاهلية .
3ـ قريش في التاريخ .
4ـ بطون قريش.
5ـ تاريخ كربلاء مفصلاً.
6ـ تاريخ آل طعمة الموسويين .
7ـ تاريخ كربلاء بالفارسية .
8ـ أديان العرب في الجاهلية
9ـ معجم المدن والأنهار التاريخية في العراق .
وذلك بالإضافة إلى بحوث أخرى منها .
10ـ تاريخ المعاهد العلمية في الإسلام .
11ـ نشأة الأديان السماوية .
12ـ ترجمة حياة أبي طالب عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
13ـ تاريخ المدن المقدسة في العراق .
14ـ نشأة الدولة العقيلية التي أسسها محمد بن المسيب وملوكها .
15ـ الأدباء العلويون في العصر العباسي .
16ـ حياة بعض الخلفاء العباسيين . وتوجد هذه المؤلفات والمخلفات لدى أكبر أولاد المترجم السيد عبد الصالح (1).
عاشرته السنوات الأخيرة من حياته ( 1375 هـ ـ 1380 هـ ) وكان العامل الأول في رسوخ معاشرته النبل الذي يحمله والعاطفة الرقيقة التي يتحلى بها ، فكان مثال الإنسان الوديع على نحافة جسمه وجهورة صوته وإشراق وجهه،

(1) أعيان الشيعة / للسيد محسن الأمين ج 50 ص 124 و 125 .
تراث كربلاء 305

وكان المتواضع الذي تداخل الزهد معه . وكان على جانب عظيم من الذكاء الحاد والحس المتوقد والخلق القويم . كما انه كان ميالاً إلى العزلة ، يؤثر الانقطاع عن غوغاء الناس ، محباً للمطالعة والتأمل . ولم أزل أحتفظ في ذاكرتي الكثير من الأخبار والصور عن سيرة هذا المفكر ، فقد كان عالماً فاضلاً ورث الشرف العظيم من أسلافه الأمجاد . وكنت كلما ضمني مجلس واياه في داره الكائنة في محلة المخيم ، راح يحدثني فصولاً ممتعة عن تاريخ الإسلام وسير شخصياته ، فاستمتعت بأحاديثه الطلية التي لايملها السمع ولايحف منها الحق ، وكان يستشهد بأقوال الفلاسفة والحكماء عن المصادر التي أجهد نفسه أعواماً طويلة في البحث والتتبع والاستقصاء عنها . ولفظ أنفاسه الأخيرة في صباح يوم الجمعة 12 شوال سنة 1380 هـ الموافق 16 مارس سنة 1962 م ، وأرخ عام وفاته الشاعر الشيخ علي البازي بقوله :
سدانة السبـط سليـل الهـدى ومن إلى الإسلام إنسان عين
قام بها عبـد الحسيـن الـذي قد فاز فيما قـام بالحسنييـن
فسوف يجزى الأجر يوم الجزا من شافع يشفـع في النشأتين
غاب ولكـن شخصـه ماثـل أمامنا من دون زيـغ وميـن
إن رمت أن تعـرف تـاريخه ( قل انه لاذ بقبر الحسـيـن )
1380 هـ
وارخ وفاته أيضاً الخطيب السيد علي بن الحسين الهاشمي بقوله : وممن ذكره من الاعلام في تصانيفهم السيد جعفر الأعرجي الكاظمي في

نعاك في الحائر ناعي الحجى فاغرورقت بدمعها كل عين
عبد الحسين قد قضـى نحبه أرخته ( الخلد مثوى الحسين )
1380 هـ
تراث كربلاء 306

كتابه ( مناهل الضرب في أنساب العرب ) المخطوط ص 565 ، والشيخ آغا بزرك الطهراني في ( نقباء البشر في اعلام القرن الرابع عشر ) ج 1 ص 1058 وخير الدين الزركلي في ( الاعلام ) ج 7 ص 115 والسيد صالح الشهرستاني في كتابه ( شخصيات أدركتها ) وغيرهم . ورثاه فريق من الشعراء والأدباء في ذكراه الأربعينية والسنوية .


السيد محمد علي الطباطبائي

هو العالم الفاضل السيد محمد علي بن السيد مهدي بن السيد محمد علي بن مرزا مهدي بن المير السيد علي الطباطبائي صاحب الرياض .
ولد في كربلاء سنة 1302 هـ ، ونشأ في أسرة ( آل الطباطبائي ) المعروفة بقدسيتها وعلمها ، وأخذ المقدمات من اعلام اسرته كالعلامة السيد الآغا ميرزا جعفر بن الميرزا علي نقي الطباطبائي المتوفى عام 1321 هـ ، ثم حضر درس الأوليات من العربية على الشاعر الشيخ جعفر الهر ، ثم حضر درس العالم الكبير المجاهد الشيخ محمد تقي الشيرازي زعيم الثورة العراقية والسيد مرزا هادي الخراساني وغيرهم من الاساتذة الفضلاء ، وله منهم إجازات عديدة .
اشتغل بالقضايا الوطنية وضرب فيها بسهم وافر ، وساهم بمقدمات الثورة العراقية الكبرى عام 1920 م حيث نفي إلى سامراء سنة 1918 م من قبل السلطة المحلية آنذاك وسافر إلى هنجام مع أحرار كربلاء في 25 أيلول عام 1920 م . وللمرحوم ذكريات تاريخية تدل على همته القعساء وقد ضرب بها أروع المثل في البطولة والتضحية والشهامة والإباء ضد الاحتلال البريطاني الغاشم في ثورة العشرين . وكان إلى جانب فقاهته رقيق الروح وإلى جانب تقواه نقي السريرة ، وكان يتمتع بشخصية محترمة في الأوساط الاجتماعية وكان رجلاً صلباً

تراث كربلاء 307

في الحق والوطنية الصادقة ، جريئاً لا يهاب الكوارث والزعازع . ترك مؤلفات خطية لم تر النور بعد .
توفي في كربلاء يوم 16 جمادى الثانية سنة 1381 هـ ، وجرى له تشييع حافل على نطاق رسمي وشعبي ، ودفن في مقبرة العلامة السيد محمد المجاهد ابن السيد علي صاحب الرياض .

السابق السابق الفهرس التالي التالي