تراث كربلاء 351

تاريخ الصحافة في كربلاء

لعبت الصحافة في كربلاء ، دوراً كبيراً في مضمار الحياة الفكرية ، وكان لها نصيب وافر ونشاط ملموس في دفع زخم الحركة الثقافية إلى التطور والتقدم والازدهار . فليست الصحافة بحديثة العهد ، إذ أن جذورها تمتد إلى عشرات السنين المنصرمة ، ولم تكن أقل شأناً من أخواتها الصحف المحلية التي ساهمت في رفع المستوى الثقافي والفكري في سائر أنحاء المدن العراقية كبغداد والموصل والبصرة وغيرها .
وكلنا يعلم أن كربلاء ذات أمجاد ثورية خالدة ، لها ماضيها التليد وحاضرها المشرق ، فهي بحق معين الثقافة ومنبع الحضارة نظراً لمكانتها العلمية المرموقة ولأنها محط رحال المسلمين منذ أمد طويل . فلا غرو إذا انبثقت منها بين حين وآخر صحف ومجلات تعبر عن أماني أبنائها الأحرار الذين يتطلعون بشوق ورغبة إلى مستقبل وضاء .
وما دمنا بصدد حديث الصحافة الكربلائية ، لابد لنا أن نستعرض تاريخ صدور هذه الصحف والمجلات وما أدته من خدمة نافعة في تطوير الحياة الادبية والعلمية والسياسية خلال الحقبة التي صدرت فيها تلك الصحف ، وأشهرها هي :
1ـ الاتفاق : جريدة عربية أنشأها في كربلاء الحاج مرزا علي الشيرازي ، وبرز عددها الأول في 7 آذار 1916 م (1) . وأثنى عليها الشاعر محمد حسن أبو المحاسن بقوله :
قـل لمن حـاول مجداً انه ثمر حلو الجنى حلو المذاق
مـا جنتـه أمـة قبـل ولا يجتنى إلا بجـدو ( اتفاق ) (2)

(1) راجع كتاب ( تاريخ الصحافة العراقية ) للسيد عبد الرزاق الحسني ص 60 .
(2) ديوان أبي المحاسن الكربلائي : تحقيق الشيخ محمد علي اليعقوبي ص 166 .
تراث كربلاء 352

2ـ الغروب : وهي جريدة أسبوعية سياسية جامعة ، صاحبها ومدير شؤونها عباس علوان الصالح ، ومديرها المسؤول المحامي حسن محمد علي. صدر عددها الأول في 22 ربيع الثاني سنة 1354 هـ / 24 تموز سنة 1935 م . وقد نشرت مختلف البحوث الاجتماعية ، وأصدرت عدداً خاصاً بالنهضة العربية . وكانت تطبع في مطبعة الشباب بكربلاء لصاحب الجريدة نفسه . وظلت تصدر في كربلاء حتى عام 1937 م . ومن ثم غربت عن انظار القراء . وقد ورد لها ذكر في ( الدليل العراقي ) (1) .
3ـ الندوة : وفي سنة 1941 م ـ 1360 هـ تأسست في كربلاء جمعية أدبية باسم ( ندوة الشباب العربي ) وأصدرت جريدة يومية أدبية جامعة باسم ( الندوة ) وكان مديرها المسؤول المحامي السيد محمد مهدي الوهاب آل طعمة ، وساهم في تحريرها نخبة من رجالات كربلاء المثقفين أخص بالذكر منهم الشيخ محسن أبو الحب ومشكور الأسدي والمحامي حمزة بحر وغيرهم . وتوقفت عن الصدور بعد عمر قصير ، وقد نشرت بعض المقالات السياسية عن حركة رشيد عالي الكيلاني .
4ـ الأسبوع : وهي جريدة أسبوعية أدبية جامعية أصدرها الأستاذ عباس علوان الصالح عام 1943 م ، وكانت تضم بحوثاً أدبية ممتعة وتراثاً علمياً ضخماً ثم انتقلت إلى بغداد ، حيث استأنفت صدورها هناك . ونشر صاحبها كتاباً تناول فيه المعاهدة العراقية الأنكليزية فصادرته وزارة الداخلية والغت امتياز جريدته .
5ـ القدوة : وصدرت عام 1951 م جريدة أسبوعية أدبية جامعة باسم ( القدوة ) صاحبها الأستاذ رحيم خضير الكيال ، ومديرها المسؤول المحامي حسن عبد الله . وقد ضمت صفحاتها مواداً أدبية ذات مفاهيم وقيم . وكانت

(1) الدليل العراقي سنة 1935 م ص 752 .
تراث كربلاء 353

منبراً لأقلام كبار الكتاب والأدباء والباحثين أمثال : حسين فهمي الخزرجي وصالح جواد الطعمة وحسن عبد الأمير وزكي الصراف ومهدي جاسم وعباس أبو الطوس ومحمد القريني وغيرهم . وكان لها تأثير كبير في تكوين الأذواق وتهذيب النفوس . واستمرت حتى عام 1953 . كما أصدرت أعداداً خاصة بالإمام الحسين . وأخيراً احتجبت عن الأنظار بعد أن صدر منها 60 عدداً .
6ـ رسالة الشرق : مجلة أدبية شهرية صاحبها السيد صدر الدين الحكيم الشهرستاني ومديرها المسؤول المحامي حسن حيدر . صدرعددها الأول في 20 جمادى الثانية سنة 1373 هـ واستمرت عاماً واحداً . ساهم في تحريرها الدكتور عبد الجواد الكليدار وعبد الرزاق الوهاب ومحمد القريني وغيرهم . وبسبب صدور القانون العام للمطبوعات الغي امتيازها .
7ـ شعلة الأهالي : جريدة سياسية أسبوعية صاحبها ورئيس تحريرها المحامي السيد عبد الصاحب الأشيقر ، صدرت سنة 1379 هـ / 1960 م . كانت تعكس في صفحاتها إخلاص وتفاني الكربلائيين في دعم كيان هذا البلد . وقد برهنت أعدادها القليلة على سلوكها النبيل في النهج الديمقراطي السليم . انقطعت عن الخدمة العامة بعد أن صدر منها 28 عدداً .
8ـ أجوبة المسائل الدينية : نشرة شهرية دينية صاحبها السيد عبد الرضا المرعشي الشهرستاني . صدرت سنة 1371 هـ / 1951 م ، واستمرت 14 عاماً . وكان مقر اصدارها المدرسة الهندية .
9ـ الاخلاق والآداب : نشرة شهرية دينية صاحبها : الشيخ محمد حسين الأعلمي صدر عددها الأول سنة 1377 هـ / 1957 م وأستمرت ثلاثة سنوات ، ثم توقفت عن الصدور .
10 ـ صوت المبلغين : نشرة دينية شهرية أصدرتها مدرسة البقعة سنة 1960 م . واستمرت سنتين فقط . ثم توقفت عن الصدور .

تراث كربلاء 354

11 ـ منابع الثقافة الإسلامية : نشرة فكرية أصدرتها مدرسة البادكوبة سنة 1960 واستمرت أكثر من 7 سنوات ، ثم توقفت عن الصدور .
12 ـ الاقتصاد : صحيفة اقتصادية جامعة نصف شهرية أصدرتها غرفة تجارة كربلاء . صدر عددها الأول في 15 تموز سنة 1960 . صدر منها 9 أعداد فقط .
13 ـ المجتمع : جريدة أدبية سياسية اجتماعية اسبوعية صاحبها الحاج جاسم الكلكاوي ومديرها المحامي جواد الظاهر صدرت في تموز سنة 1963 م واحتجبت وعاودت الصدور سنة 1969 م بادارة عبد الجبار عبد الحسين الخضر ، ثم احتجبت أواخر سنة 1972 .
14 ـ الرائد : مجلة أدبية تربوية علمية أصدرها فرع نقابة المعلمين في كربلاء صدر عددها الأول في تموز 1968 م واستمرت حتى عام 1970 ، حيث صدر منها 6 أعداد فقط .
15 ـ الحرف : وهي مجلة فكرية تربوية تصدرها مديرية كربلاء صدر عددها الأول 1389 هـ / 1969 م احتوى المجلد الأول منها على 6 أعداد ضخمة ، وصدر العدد الأول للمجلد الثاني في سنة 1975 ثم توقفت عن الصدور .
16 ـ صوت الإسلام : مجلة دينية علمية أدبية عامة تصدرها جمعية النهضة الإسلامية ، رئيس تحريرها الشيخ عبد اللطيف الدارمي ، سكرتيرها : عدنان الدارمي صدر عددها الأول للسنة الأولى سنة 1972 وهي اليوم دخلت عامها السابع ، وما تزال ثرة العطاء .

تراث كربلاء 355

الفصل التاسع

الوقائع والحوادث السياسية


تعد كربلاء من أقدس البقاع الإسلامية وأهم المراكز الدينية العظيمة . وقد شهدت أرضها الطيبة أحداثاً جساماً ووقائع حربية ادمت القلوب وأفزعت النفوس منذ أن طل دم الحسين الزكي في أرض الطف . وكانت تلك الحادثة هي بداية المعارك الدامية سنة 61 هـ . وقد أعقبت حادثة الطف الكثير من الغارات والأحداث التاريخية الهامة والانقلابات السياسية الخطيرة والثورات الإجتماعية التي غيرت مجرى التاريخ وأدت إلى نتائج عظيمة تصدعت فيها وحدة المسلمين ونجم عنها خسائر فيها في الأرواح .
وقد حاولنا في هذا الفصل ضبط الوقائع وتمحيص الروايات وأيضاح الأسباب والنتائج عن طريق المراجع التوفرة التي سجلت لنا تلك الأحداث التاريخية الهامة . وكانت قد حدثت معظمها أيام الدولة العثمانية ، تلك الدولة التي كانت ترزح تحت وطئتها كافة الأقطار والبلدان العربية لاسيما العراق . فقد كان القرن السابق زاخراً بالانقلابات السياسية الخطيرة والثورات القومية والاجتماعية التي غيرت مجرى التاريخ ، مما نجم عن ذلك خسارة تراثنا الفكري القيم .

تراث كربلاء 356

أما التسلسل الزمني لهذه الحوادث فهي كما يلي :
ذكر السيد أمير علي في كتابه ( مختصر تاريخ العرب ) ما هذا نصه : وبينما كان عبد الله بن مروان ويزيد عامل العراق يزحفان على نهاوند وكان قحطبة يشدد الحصار عليها حتى فتحها عنوة قبيل وصول الإمدادات اليها من أي من الجانبين ثم أرسل فصيلة بقيادة أبي عون لمقاتلة عبد الله بن مروان ، بينما التف هو بجيشه الرئيسي حول يزيد الذي كان معسكراً في جلولاء . وعندما انتهت هذه الخطة إلى مسامع يزيد الذي سارع إلى رمي نفسه بين الكوفة وبين عدوه . ووصل قحيطبة إلى الفرات بعد يزيد ثم عبر النهر وعسكر في بقعة بعيدة عن متناول يزيد . هذا وقد التقى الجيشان في البقعة نفسها التي قتل فيها الحسين ودارت بينهما معركة رهيبة أسفرت عن هزيمة الأمويين وخسر فيها العباسيون قائدهم قحطبة فتولى القيادة ابنه الحسن وطرد يزيد من معسكره وأجبره على التراجع إلى واسط . وهي مدينة قوية التحصين بناها الحجاج بن يوسف في وسط الطريق بين الكوفة والبصرة ، وهكذا سقطت الكوفة دون مقاومة تذكر في يد الحسين (1) .

ثورة يزيد بن المهلب

ويروي لنا السيد أمير علي نفسه عن هذه الحادثة فيقول : وكان الإمام الحسن البصري مؤسس المدرسة الفقهية يعيش عندئذ في البصرة فأهاب بمواطنيه الا ينحازوا إلى أحد الطرفين ولكن شجاعة ابن المهلب وأخيه وكرمهما اللذين كان لهما أكبر التأثير على العقل العربي أشعلا حماس أهل البصرة فهبوا إلى نجدتهما وأقسموا لهما يمين الولاء . ولكن يزيد الأموي أرسل قوة كبيرة على راسها مسلمة ابن عبد الملك وعباس بن الوليد لسحق الثورة . والتقى الجيشان في ميدان العقر

(1) مختصر تاريخ العرب : للسيد أمير علي مؤلف روح الاسلام ـ نقله إلى العربية عفيف البعلبكي ـ ص 172 و 173 .
تراث كربلاء 357

بالقرب من كربلاء على ضفة الفرات اليمنى ودارت بينهما معركة رهيبة أسفرت عن هزيمة الثوار ، وقتل يزيد وأخوه حبيب بعد أن فر معظم رجالهما وهرب سائر اخوانهما إلى كرمان حيث قتل بعضهم في معركة ثانية نشبت بينهم وبين جيوش الخليفة والتجأ الباقون إلى خاقان الترك .
ومع أن ثورة يزيد بن المهلب التي كادت أن تقوض دعائم الخلافة الأموية قد سحقت ، فقد كانت لها نتائج بعيدة الأثر . كما أن القضاء على أزد اليمانية التي ينتسب اليها يزيد بن المهلب في الكرمان والعراق قد هز العالم العربي بأسره وأشعل نار العداوة والبغضاء بين اليمانيين والحميريين في اسبانيا وافريقية والمشرق وانتصر أعداء المسلمين في كل مكان بينما شجع عجز الخليفة ومستشاريه ، وتولية الحكام من غير الأكفاء الاضطرابات والفتن في البلاد . ومنيت الحملة على اذربايجان بالهزيمة المنكرة على يدي الخزر والقنجاق سكان قرقاسية (1) ... الخ .

خروج الديزج على كربلاء

سير المتوكل العباسي عمر بن فرج الرجحي مع جماعة من اليهود يتبعون الديزج وقد ترأس الحملة هارون المعري فنزل الديزج الكوفة وأخذ جماعة معه من الفعلة ومعهم المساحي توجهوا بها نحو كربلاء فوصلوها عند المساء فتقدم الديزج بنفسه وأخذ يحفر موضع القبر وأمر غلمانه بتخريب قبر الحسين ثم كربه ومخره وأخذ غلمانه يشرعون بالتخريب حتى بلغوا موضع القبر نفسه ، فلم يجرأ على التقدم أحد ، حتى استولى عليهم الرعب ، فاستبدلوا باليهود ، فلما تقدموا وبأيديهم المساحي شاهدوا قوماً يحولون بينهم وبين قبر الحسين وأخذوا يرمونهم بالنبال والسهام فقلت ضوضاؤهم .
روى العلامة المجلسي بسنده عن جعفر بن محمد بن فرج الرجحي قال : روى

(1) مختصر تاريخ العرب للسيد أمير علي ـ ص 133 .
تراث كربلاء 358

عمي عمر بن فرج الرجحي ان المتوكل العباسي أمرني أن أرافق الديزج لهدم قبر الحسين في كربلاء ولما تركني الديزج بعد أن اشتدت عليه وطأة الحمى بقيت على رأس الفعلة والغلمان والبرزكاريون إلى غداة الغد .
فلما اصبح الصبح أمرت بالقبر فمرت على القبور كلها فلما بلغت قبر الحسين عليه السلام لم تمر عليه فأخذت العصا بيدي فما زلت أضربها حتى تكسرت العصا في يدي فوالله ما جازت على القبر ولا تخطته فعند ذلك أمرت بإرسال الماء عليه من نهر العلقمي فحار الماء بقدرة الله تعالى على بعد من القبر باثنين وعشرين ذراعاً وفي رواية أخرى اثني عشر ذراعاً وصار الماء كالحائط واستدار حول القبر . ويشير الشيخ محمد السماوي إلى هذا الحادث بقوله :
والحـادث الثـالث فعل جعفر بالهدم والحرث لتلك الأقبر
والمخر بالماء على ماقد حرث وقتله المجـاورين للجدث
و قد سمعت من حديث الديزج وغيره كل مريـع مزعج (1)

ومن أراد التفصيل فليراجع حوادث سنة 236 في ( تاريخ الطبري ) ج 11 ص 44 و ( مقاتل الطالبيين ) لأبي الفرج الأصفهاني ص 380 و ( الأمالي ) لأبي علي الحسن بن محمد الطوسي ص 3070 .

غارة ضبة بن محمد الأسدي

من الحوادث التي ترويها لنا الاسفار التاريخية في غارة ضبة بن محمد الأسدي على كربلاء سنة 369 هجرية . فقد كان ضبة أميراً لعين التمر أغار على كربلاء ونهبها وحمل أهلها أسارى إلى قلعته عين التمر (2) وقد حدثنا ابن الجوزي قائلاً :

(1) مجالي اللطف بأرض الطف / للشيخ محمد السماوي ص 55 .
(2) الكامل /لإبن الأثير ج 7 ص 153 .
تراث كربلاء 359

أنه جرى بين ضبة وبين أحمد بن الحسين بن عبد الصمد الجعفي الشهير بالمتنبي مشاجرة عنيفة هجاه المتنبي على أثرها بقصيدة مطلعها :
ما أنصف القوم ضبه وأمـه الـطـوطـبـه

ولما بلغ ضبة مقالة أبي الطيب أقام له في الطريق رجالاً من بني أسد فقتلوه وقتلوا ولده وأخذوا من معه وكان ذلك سنة 354 هـ (1) غير أن عضد الدولة أبي شجاع فناخسرو سار اليه بجيش يقارب العشرة آلاف فارس فهجم على عين التمر وحاصر قلعتها مدة من الزمن فر خلالها ضبة قافزاً بجواده من أعلى سور القلعة واستولى عضد الدولة على القلعة المذكورة وأخذ أهلها أسارى إلى كربلاء وأرجع أهالي كربلاء الموجودين في أسر ضبة إلى مدينتهم ، وعين عضد الدولة أحد العلويين رئيساً لعين التمر يدير شؤونها كما يوضحه العلامة الشيخ محمد السماوي في أرجوزته بقوله :
و الحارث الرابع نهب الأسدي ضبـة ذو العيـن لأهل البلد
وسلبه في الـدور والأسـواق وقتـلـه كل فتـى يـلاقـي
ونهبـه مـن روضة الحسين مصوغـة النضـار واللجيـن
وعوده للعيـن من غير بصر في قومه المبتهجيـن بالظفـر
فانصب فنا خسرومثل الصقر عليه حتـى اجتـاح عين التمر
وفر ضبـة الشقـي وحـده وعـاف فيهـا أهلـه وجنـده
فاستأصـل الأخبار والرجالا وأسـر النـسـاء والعـيـالا
وباعهـم فـي كربلاء جهرا وقسـم الانفـال فيهـم جبرا
ورد ما قد سلبـوه مـن حلي وخول العيـن لأبناء عـلـي
و ذاك فـي الثلاث من مئيها والتسـع والستيـن من سنيها (2)

(1) المنتظم / لابن الجوزي المجلد 6 .
(2) مجالي اللطف بأرض الطف / للشيخ محمد السماوي ص 55 و 56 .
تراث كربلاء 360

وذكر الكامل أيضاً : أرسل عضد الدولة سرية إلى عين التمر وبها ضبة بن محمد الأسدي وكان يسلك سبل اللصوص وقطاع الطريق ، فلم يشعر إلا والعساكر معه فترك أهله وماله فنجى بنفسه غريباً وأخذ ماله وأهله وملك عين التمر وكان قبل ذلك قد نهب مشهد الحسين بكربلاء فعوقب بهذا (1) .

غارة خفاجة (2) على كربلاء

في عام 479 هجرية تولى إمارة الحلة سيف الدولة صدقة بن دبيس بن علي بن مزيد الأسدي حيث أغارت في زمنه خفاجة على أمارته في ربيع 489 هـ ولما بلغ الخبر سيف الدولة هذا أرسل ابن عمه قريش بن بدران على رأس جيش لمحاربتهم فاندحر جيشه ووقع أسيراً حيث أطلق سراحه بعد ذلك ، وأعادت خفاجة الكرة وهاجمت كربلاء وأعملت في رقاب أهلها السيف فغضب سيف الدولة وجهز لهم جيشاً حاصرهم في الحائر الحسيني وقتل منهم خلقاً كبيراً ، ولم يسلم منهم أحداً وأعاد الطمأنينة إلى مدينة كربلاء ، ثم كر راجعاً إلى الحلة حيث أمر بتعويض خسائر أهل الحائر من خزانته الخاصة .
ذكر ابن الأثير في ( الكامل في التاريخ ) : أن خفاجة أغارت على بلد سيف الدولة صدقة بن مزيد فأرسل في أثرهم عسكراً مقدمه أبن عمه قريش بن بدران بن دبيس بن مزيد فأسرته خفاجة وأطلقوه وقصدوا مشهد الحسين بن علي فتظاهروا فيه بالفساد والمنكر فوجه اليهم ( صدقة ) جيشاً فكبسوهم وقتلوا منهم قتلاً كثيراً في المشهد حتى عند الضريح والقى رجل منهم نفسه وهو على فرسه من على

(1) الكامل / لابن الأثير ج 9 ، ج 10 ص 108 ،
(2) ورد لخفاجة ذكر في « تاريخ العراق بين احتلالين » للأستاد عباس العزاوي ج 3 ص 65 « قبيلة خفاجة من قبائل العراق القديمة ، موطنها في أنحاء المنتفق في قضاء الشطرة ، وتفرق منها جماعات كبيرة وصغيرة في جهات أخرى كالحلة وكربلاء وبغداد وديالى » .. وقد تفرعت من خفاجة بعض عشائر كربلاء وهي : الوزون والطهامزة والصلخة والبهادرية .
تراث كربلاء 361

السور فسلم هو والفرس (1) .
ولعل من المفيد هنا أن نشير إلى أبيات الشيخ محمد السماوي فهي خير تأكيد على ما ورد فيقول :
والحادث الخـامس ما أهاجه بنهب كربلا بنـو خفـاجـة
وذاك أنهم أتوا مـن غـزو واستطرقوا الطف بفرط زهو
فنهبـوا سكـانـه وفتكـوا وخفروا ذمـامـه وانتهكـوا
فكبـس الطف عليهم صدقه وكلم السيـف بهم وصدقـه
كما سمعتـه بمعـجـزات له فـأرخـه ( ابـادعاتي ) (2)
489 هـ

حادثة الأمير دبيس الأسدي

روى ابن الجوزي : ان الامير دبيس بن صدقة بن منصور الأسدي زار قبر الحسين في كربلاء سنة 513 هجرية وكان شجاعاً أديباً شاعراً . ملك الحلة بعد والده وحكمها زهاء 17 عاماً قتل سنة 529 هـ بتحريض السلطان مسعود السلجوقي ولما ورد كربلاء دخل إلى الحائر الحسيني باكياً حافياً متضرعاً إلى الله أن يمن عليه بالتوفيق وينصره على أعدائه . ولما فرغ من مراسيم الزيارة أمر بكسر المنبر الذي كان يخطب عليه باسم الخليفة العباسي عند صلاة الجمعة قائلاً : لاتقام في الحائر الحسيني صلاة الجمعة ولا يخطب هنا لأحد . ثم قصد مرقد الإمام علي عليه السلام في النجف وعمل مثل ماعمل في كربلاء .
في الواقع ان هذا العمل الذي قام به دبيس في كسره المنبر ما هو إلا نتصار

(1) الكامل في التاريخ : لابن الأثير ج 10 ص 177 ـ 178 .
(2) مجالي اللطف بأرض الطف ص 56 .
تراث كربلاء 362

لمذهب الإمامية وإنكار لجماعة المسترشد بالله العباسي . ويصور هذه الحادثة الشيخ محمد السماوي بالتاريخ الشعري قوله :
والحادث السـادس للمستـرشد إذ فعل الفعـل الـذى لم يعهد
مد إلـى خزانـة الحسين كف وباع ما قد كان فيها من تحف
فقـيـل لـم تمـد للخـزانـة كفاً بلا رهـن ولا ضمـانـة
فقـال ما الحسيـن بالمحتـاج لكـل اكلـيـل و كـل تـاج
و مـا درى أو كـان في تلاه بـأنـهـا شـعـائـر الإلـه
و جنـد الجنـود ثـم صـارا لهمـدان يبتـغـي انتصـارا
و يقتـل الملـك بها المسعودا فصادف المستـرشد الموعودا
وقتلـوه و هـو فـي مراغه جـزاء مـا سـوغه وساغه
و كان ذا فـي سنة الخمسمئة والتسع والعشرين دون توطئة (1)

هجمات جيش تيمورلنك على كربلاء

ذكر محمد مير خواند شاه في كتابه ( روضة الصفا في سيرة الأنبياء والملوك والخلفاء ) في المجلد السادس تفصيل هذا الحادث فقال : ان الأمير تيمور كوركان بعد فتحه إيران كان همه محصوراً في مناجزة السلطان أحمد الجلائري. وبعد رفضه لهداياه سار بجيشه نحو بغداد ، وكان السلطان أحمد قد إستطلع الخبر فأخذ أهبته وعبر دجلة إلى الجانب الغربي ، وحمل معه جميع أثقاله وكنوزه وخيله وجنده وأهل حرمه ولما كان صبيحة يوم الثلاثاء عشر شوال سنة 795 هـ دخل الجانب الشرقي من بغداد الأمير عثمان بهادر وطلائع جيش التحرير .
وكان السلطان أحمد في الجانب الغربي وقد أمر برفع الجسر وغرق السفن ،

(1) مجالي اللطف بأرض الطف ـ ص 56 و 57 .
تراث كربلاء 363

ولكن قواد تيمور تمكنوا من عبور نهر دجلة إلى الجانب الغربي ، أما السلطان أحمد فر إلى الحلة للاحتماء بها ولكن جيش تيمور تبعه . وفي الطريق التمس القواد من الأمير تيمور الرجوع إلى بغداد ، وهم يكفونه تعقيب ابن اويس فرجع تيمور إلى بغداد ، وواصل قواده تعقيب ابن اويس ، ولما استطلعوا خبره عرفوا أنه التزم طريق كربلاء إلى مصر .
أما ابن اويس لما عرف أن الحلة لا تحميه تركها وترك بها معظم نفائسه وذهب إلى النجف ومنها إلى كربلاء ، فأعقبه الأمير عثمان بهادر مع خمس وأربعين رجلاً من أمراء الجيش بضمنهم كان اينايج اغلان وجلال حميد وسيد خواجة بن الشيخ علي بهادر ظفر بالسلطان أحمد في كربلاء ومعه مائتي فارس من أعوانه وأتباعه وأهل حرمه فالتحم القتال بين الفريقين في أرض كربلاء وأخذوا يرشقون الآخر بالنبال . فتطايرت السهام والنبال فيما بينهم ، فانتهز ابن اويس انشغال الطرفين في الحرب فولى هارباً إلى مصر محتمياً بالسلطان برقوق ، بعد أن ترك ذخائره ونفائسه وأمواله الباقية ورجاله في سهل كربلاء .
أما الأمير عثمان بهادر بعد دحره رجال ابن اويس وأسرهم وجد بينهم زوجة السلطان ونجله علاء الدين ونديم السلطان عزيز بن اردشير الاسترابادي مؤلف كتاب ( بزم ورزم ) أما أمراء تيمورلنك بعد استيلائهم على خزائن السلطان توجهوا قاصدين زيارة مرقد أبي عبد الله الحسين عليه السلام يتبركون به يستجمعون قواهم ، وبعد فراغهم من مراسيم الزيارة أجزلوا بالنعم والهدايا على السادة العلويين الملازمين لقبر أبي عبد الله الحسين عليه السلام ثم رحلوا عن كربلاء بعد أن مكثوا فيها بعض يوم .

حادثة مولى علي المشعشعي في كربلاء

كان مولى علي بن محمد بن فلاح المشعشعي من الذين يعتنقون مبدأ المغالاة بالإمام علي عليه السلام ويعتقدون بألوهيته . تولى الحكم في حياة أبيه محمد بن فلاح وقاد

تراث كربلاء 364

الجيوش بنفسه واحتل كثيراً من الأراضي الواقعة في خوزستان حتى جاء إلى أواسط العراق وتمكن منها واشترك في حرب البصرة .
لقد جمع مولى علي رهط من أصحابه يقدرون حوالي خمسمائة شخص وسلب كسوة الكعبة وحاصر المدينة المنورة وقتل عدداً كبيراً من سكانها داخل الحرم الشريف ثم توجه لمحاربة جيش بغداد الذي جاء لمقاتلته بقيادة ( دوه بيك ) ودحره . ثم توجه إلى الحلة فدخلها في الخامس من ذي القعدة ونهب أموالها وأحرقها وهدم دورها وبقي فيها ثمانية عشر يوماً رحل بعدها إلى النجف فدخلها فاتحاً وسلب اموالها ودخل بفرسه إلى داخل الحرم الشريف وكسر الصندوق الموضوع على قبر الإمام علي عليه السلام وعمل في أهلها السيف وكان ذلك في غرة ذي الحجة ثم توجه قاصداً كربلاء في نهاية شهر ذي الحجة فدخل الروضة الحسينية بفرسه وأمر بكسر الصندوق الموضوع على قبر الحسين عليه السلام وجعل الروضة المطهرة مطبخاً لطهي طعام جنوده وعمل في أهلها السيف ونهب أموالها كما سلب كل ما كان في الروضة المطهرة من التحف الثمينة النادرة وأسر كثيراً من سكان كربلاء (1) .
وقد ذكر ضامن بن شدقم المدني في كتابه ( تحفة الأزهار وزلال الأنهار ) : ان المولى علي الذي استولى على جميع الأهواز وشواطئ الفرات إلى الحلة كان غالي المذهب جاء إلى العراق وأحرق الحجر الدائر على قبة الإمام علي وجعل القبة مطبخاً للطعام الى مدة ستة اشهر وكان يقول ان الامام علي هو الرب لايموت (2) .
وذكر صاحب كتاب ( روضات الجنات ) تحت عنوان : أول قتل وقع في النجف وكربلاء : ان المشعشعي هو من ألقاب السيد مولى علي بن محمد بن فلاح

(1) يراجع كتاب ( تاريخ المشعشعين ) للخطيب السيد جاسم حسن شبر ص 51 و 52 ـ حادثة النجف والحلة . أورد المؤلف تفصيل هذا الحادث مستنداً إلى مصادر عدة .
(2) تحفة الأزهار وزلال الأنهار ـ ج 3 ص 115 مخطوط .
تراث كربلاء 365

نهب المشهدين المقدسين النجف وكربلاء وقتل أهلهما قتلاً ذريعاً وأسر من بقي منهم إلى دار ملكه في البصرة ، وكان ذلك في شهر صفر سنة 858 هـ . وبعد أن استولى مولى علي على كربلاء والنجف ولى هارباً إلى البصرة لما علم بقدوم جيش عرمرم لمقاتلته بقيادة ( بير بوداق ) وبقي هارباً إلى أن قتل في سنة 861 هـ على يد أحد أعوان الأمير بوداق الذي استطاع أن يغتاله برمية سهم أردته قتيلاً عندما كان يستحم في مياه ( كوهكيلوية ) في أعمال بهبهان في إيران . وقد اختلفت الروايات في تاريخ وفاته ، فمنهم من يذكر سنة 863 هـ كما ينص على ذلك كتاب ( الضوء اللامع ) : ان علي بن محمد بن فلاح الخارجي الشعشاع ( كذا ) مات سنة 863 هـ قد مرت حوادثه وكان منفوراً من الجميع بسبب ما قام به من إهانة العتبات المقدسة في النجف وكربلاء والقتل والتخريب (1) وقال السماوي :
و الحـادث الثامن ما قد صنعا علي أعنـى الفاتـك المشعشعـا
ابن فـلاح إذ أتـي بالمـيـن لمـرقـدي حيـدر والحـسيـن
وقـال ان القبـر الحـي جلل و نهـب الأعيـان في تلك العلل
ولـم يـبـق لاهنـا ولا هنـا عينـا ترى أو جـوهراً أو معدنا
و سـار في جمع من الأسارى حتى لأخرى صار في القصارى
وذاك فـي الثمـان و الخمسينا من تاسع القـرون فـي السنينا (2)

غارة آل مهنا

روى البحاثة يعقوب سركيس في مجلة ( لغة العرب ) ما يلي : ان قبيلة آل مهنا غزت كربلاء بزعامة أميرها المدعو (ناصر بن مهنا ) شيخ مشايخ البوريش من عشائر جشعم العربية في حدود سنة 1013 هـ وبسطت زعامتها عليها زهاء

(1) الضوء اللامع / لشمس الدين السخاري ج 6 ص 7 .
(2) مجالي اللطف بأرض الطف / للشيخ محمد السماوي ص 57 و 58 .
تراث كربلاء 366

أربعين عاماً انتهت زعامتها على أثر غزو العراق من قبل الشاه عباس الكبير الصفوي سنة 1042 هـ (1) . ونظراً لاهتمام السلطان مراد خان (1035 هـ ) في انقاذ بغداد أرسل مقداراً من حرسه الخاص وقواته إلى الحلة وكربلاء حيث استولت عليهما واسكتت مدافعه نيران المقاومة وتغلب على القوات المدافعة وأبادها (2). وفي سنة 1110 هـ كادت عساكر الوزير اسماعيل باشا تتمرد على قادتها حتى أنهم عند وصولهم إلى كربلاء لزيارة الإمام الحسين رضي الله عنه لم يتمكنوا من ضبطهم إذ راحوا يفعلون ما يشاؤون بغير نظام واعتدوا على الكثير من الأهلين وعند عودتهم إلى بغداد صدرت الأوامر بعزل رؤسائهم وفر قسم منهم نحو إيران خوفاً من العقاب (3) .

حادثة يوسف باشا

بالرغم من استقصائنا للكثير من الحوادث التاريخية التي تعرضت لها مدينة كربلاء عبر تاريخها الطويل ، فإننا لم نتوصل إلى معرفة هذه الحادثة بصورة مسهبة ، وذلك لندرة المراجع التي يمكن أن يعول عليها الباحث ، غير أن كتاب ( التاريخ الحديث ) المقررتدريسه للصف الثالث المتوسط يروي لناهذا الحادث بايجاز ، وهذا نصه : ( الدور العثماني الأول 1112 هـ ـ 1546 م ) الأحوال العامة والإدارة ، وكان العصر منعماً بالإضطرابات وسيطرة الحكومة على البلاد غير كافية ومثال ذلك الحركة الانفصالية التي وقعت في البصرة حوالي 1546 م حيث اضطر الوالي ( اياس باشا ) إلى الزحف إليها والقضاء عليها لمدة مؤقتة . وما حدث في مفتتح القرن السابع عشر من قيام ثورة في كربلاء في عهد الوالي ( يوسف باشا ) انتصر فيها أهل المدينة على الجنود العثمانيين . ومع ذلك تمتعت

(1) مجلة ( لغة العرب ) ج 3 ص 137 .
(2) كلشن خلفاء / مرتضى نظمي زادة ص 223 .
(3) كلشن خلفاء ص 303 .

السابق السابق الفهرس التالي التالي