تراث كربلاء 367

البلاد بشيء من الهدوء والاستقرار بالنسبة للعهود السابقة .
ويمكن للقارئ الاستزادة من المعلومات عن هذه الحادثة بمراجعة المصادر التالية :
1ـ بغداد لريتشارد كوك ـ ترجمة : الدكتور مصطفى جواد وفؤاد جميل ج 2
2ـ رحلة تفرنيه 1701 م
3ـ تاريخ العراق بين احتلالين / عباس العزاوي ج 3 ، ج 4
4ـ بدائع الزهور ووقائع الدهور / لابن أياس
5ـ التاريخ الحديث ـ وهو الكتاب المقرر تدريسه للصف الثالث المتوسط الدور العثماني الأول ( 1112 هـ ـ 1546 م ) ص 20 .
حادثة الوهابيين

وتعرف بحادثة الطف الثانية ، لأنها من أهم الحوادث التي أثارت الاستنكار البغيض في نفس كل إنسان ، وتركت في العالم الإسلامي الألم الممض ، وكانت موضع دراسة الكثير من المؤرخين .
جاء في كتاب (الدر المنثور) المخطوط ما هذا نصه : ان في سنة 1216 هـ كان فيها مجيء سعود الوهابي إلى العراق وأخذ بلد الحسين عليه السلام وكان دخوله إلى كربلاء ليلة 18 ذي الحجة ليلة الغدير وأباد أهلها قتلاً وسبياً ، وكان عدد من قتل من أهل كربلاء ( 4500 ) رجل وانتهبت جميع ما فيها وكسر شباك قبر الحسين عليه السلام وكذا قبور الشهداء . ولم يكن استيلاؤه على جميع ما فيها بل كان استيلاؤه على ما كان دور قبر الحسين عليه السلام والنهب والقتل كان في تلك الأمكنة ولم يبلغ جيشه إلى ناحية قبر العباس عليه السلام وار تحل منها وكان أكثر أهلها في النجف .
ونقل عن السيد جواد العاملي في كتابه ( مفتاح الكرامة ) : في سنة 1223 هـ

تراث كربلاء 368

جاء الخارجي سعود في جمادى الأخره فأتانا ليلاً فرآنا على حذر قد أحطنا بالسور ثم قضى إلى مشهد الحسين على حين غفلة نهاراً فحاصرهم حصاراً شديداً فثبتوا له خلف السور وقتل منهم وقتلوا منه ورجع خائباً (1) .
وقد نظر المستر لونكريك إلى هذه الحادثة الخطيرة فاستفزت عاطفته بتجربة حادة فقال :
إذ انتشر خبر اقتراب الوهابيين من كربلاء في عشية اليوم الثاني من نيسان عندما كان معظم سكان البلدة في النجف يقومون بالزيارة فسارع من بقي في المدينة لاغلاق الأبواب ، غير أن الوهابيين وقد قدروا بستمائة هجان وأربعمائة فارس نزلوا فنصبوا خيامهم وقسموا قوتهم إلى ثلاثة أقسام ، ومن ظل أحد الخانات هاجموا أقرب باب من أبواب البلد فتمكنوا من فتحه عسفاً ، ودخلوا البلدة فدهش السكان وأصبحوا يفرون على غير هدى بل كيفما شاء خوفهم . اما الوهابيون الخشن فقد شقوا طريقهم إلى الأضرحة المقدسة وأخذوا يخربونها فاقتلعت القضب المعدنية والسياج ثم المرايا الجسيمة ونهبت النفائس والحاجات الثمينة من هدايا الباشوات وأمراء وملوك الفرس ، وكذلك سلبت زخارف الجدران وقلع ذهب السقوف وأخذت الشمعدانات والسجاد الفاخر والمعلقات الثمينة والأبواب المرصعة وقتل زيادة على هذه الأفاعيل قرابة خمسين شخصاً بالقرب من الضريح وخمسمائة أيضاً خارج الضريح من الصحن . أما البلدة نفسها فقد عاث الغزاة المتوحشون فيها فساداً وتخريباً وقتلوا من دون رحمة جميع من صادفوه كما سرقوا كل دار ، ولم يرحموا الشيخ ولا الطفل لم يحترموا النساء ولا الرجال فلم يسلم الكل من وحشيتهم ولا من أسرهم ، ولقد قدر بعظهم عدد القتلى بألف نسمة ،

(1) الدر المنثور / للسيد حسون البراقي المتوفى سنة 1332 هـ ( مخطوط ) نسخته في مكتبة آل كاشف الغطاء في النجف .
تراث كربلاء 369

وقدر الآخرون خمسة أضعاف ذلك (1) .
وذكر ابن بشر الحنبلي تفاصيل هذا الحادث المؤلم فقال: ان سعود قصد أرض كربلاء ونازل أهل بلد الحسين في ذي القعدة 1216 هـ فحشد عليها قومه تسوروا جدرانها ودخلوها عنوة وقتلوا غالب أهلها في الأسواق والبيوت وهدموا القبة الموضوعة بزعم من اعتقد فيها على قبر الحسين واخذوا ما في القبة وما حولها واخذوا النصيبة التي وضعوها على القبر وكانت مرصوفة بالزمرد والياقوت وأخذوا جميع ما وجدوا في البلد من أنواع الأموال والسلاح واللباس والفرش والذهب والفضة والمصاحف الثمينة وغير ذلك مما يعجز عنه الحصر . ولم يلبثوا فيها إلا ضحوة وخرجوا منها قرب الظهر بجميع تلك الأموال وقتل من أهلها نحو ألفي رجل . ثم ان سعود أرتحل منها على الماء المعروف بالأبيض فجمع الغنائم وعزل أخماسها وقسم باقيها بين جيشه غنيمة للراجل سهم وللفارس سهمان ثم ارتحل قافلاً إلى وطنه .. الخ (2) .
وذكر في كتابه آنف الذكر ما نصه : في سنة 1218 هـ قتل عبد العزيز بن محمد السعود في مسجد الطريق ( المعروف في الدرعية ) وهو ساجد في أثناء صلاة العصر مضى عليه رجل قيل أنه كردي من أهل العمادية ( قرب الموصل ) اسمه عثمان على هيئة درويش وقيل إنه رافضي خبيث من اهل بلد الحسين ( كربلاء ) خرج من وطنه لهذا القصد والله العالم (3) .
غير ان تلك الحادثة ألمت بحياة الشيخ سليمان باشا الكبير والي بغداد ـ آنذاك ـ ورجع وحوش نجد إلى مواطنهم مثقلين بالأموال النفيسة التي لا تثمن ويجمل بنا ونحن نستعرض في الحديث عن هذه الغارة الشنعاء أن ننقل رأياً آخر

(1) أربعة قرون من تاريخ العراق / المستر لونكريك ـ ترجمة جعفر الخياط ص 260 .
(2) عنوان المجد في أحوال نجد / لعثمان بن عبد الله بن بشر الحنبلي ج 1 ص 122 .
(3) عنوان المجد في أحوال نجد / ج 1 ص 76 .
تراث كربلاء 370

يعكس أعمال الوهابيين البربرية ، فيقول الحلواني : وفيها غزا سعود بن عبد العزيز الوهابي العراق وحاصر كربلاء وأخذها بالسيف عنوة وغنم جميع ما كان في مشهد الحسين من الذهب والجواهر التي أهدتها الملوك والشيعة إلى ذلك المقام المقدس وقتل أهلها قتلاً ذريعاً وإستباحها ونهب من المال والذهب والفضة ما لا يتصوره العقل ، وبه تقوى واستعد لملك الحرمين ثم رجع إلى عارضه متبجحاً بما صدر من عسكره ويقول : لو لم نكن على الحق لما انتصرنا ، وما علم ان ذلك استدراج وانه على الباغي تدور الدوائر ، وانه من قال : ( لا إله إلا الله ) فقد حقن دمه وماله ، ولكن الهوى إذا استولى أعمى البصائر وبأموال كربلاء استفحل أمر ابن سعود وطمع في ملك الحرمين وشرع في محاصرة المدينة المنـورة فصـار في أمره مـا سيأتيك بيانـه (1) .
وعقب على ذلك أيضاً بقوله : فأمر الوزير ما صنع في كربلاء أمر الكنخدا علي بك أن يخرج بعسكره ويتبعه إلى مقر ملكه العارضي فما وصل النهدية حتى نجا سعود على المهرية القود والتحق بالقفار والصحاري ، فجبن الكنخدا ولم يمكنه أن يلحقه (2) .
وكانت هذه الفاجعة العظيمة موضع اهتمام كثير من الباحثين والمؤرخين قال السيد عبد الحسين الكيدار : ولم تزل كربلاء بين صعود وهبوط ورقي وانحطاط تارة تنحط فتخضع لدول الطوائف وطوراً تعمر متقدمة بعض التقدم إلى أن دخلت في حوزة الدولة العثمانية سنة 914 هـ وأخذت تتنفس الصعداء مما أصابها من نكبات الزمان وحوادث الدهر التي كادت تقضي عليها وبقيت وهي مطمئنة البال مدة طويلة تزيد على ثلاثة قرون ، ولم ترَ في خلالها ما يكدر صفو سكانها حتى إذا جاءت سنة 1216 هجرية ، جهز الأمير سعود الوهابي جيشاً

(1) خمسة وخمسون عاماً من تاريخ العراق / للحلواني ص 74 .
(2) المصدر نفسه ص 76 .
تراث كربلاء 371

عرمرماً مؤلفاً من عشرين ألف مقاتل وهجم بهم على مدينة كربلاء ، وكانت على غاية من الشهرة والفخامة ينتابها زوار الفرس والترك والعرب ، فدخل سعود المدينة بعد أن ضيق عليها ، وقاتل حاميتها وسكانها قتالاً شديداً ، وكان سور المدينة مركباً من أفلاك نخيل مرصوصة خلف حائط من طين ، وقد ارتكبت الجيوش فيها من الفضائع ما لا يوصف حتى قيل انه قتل في ليلة واحدة 20 ألف نسمة ، وبعد أن أتم الأمير سعود مهمته الحربية التفت نحو خزائن القبر وكانت مشحونة بالأموال الوفيرة وكل شيء نفيس ، فأخذ كل ما وجد فيها وقيل أنه فتح كنزاً كان فيه جمة جمعت من الزوار ، وكان من جملة ما أخذه لؤلؤة كبيرة وعشرين سيفاً محلاة جميعها بالذهب مرصعة بالأحجار الكريمة وأوان ذهبية وفضية وفيروز وألماس وغيرها من الذخائر النفيسة الجليلة القدر وقيل من جملة ما نهبه سعود أثاثات الروضة وفرشها منها 4000 شال كشميري و 2000 سيف من الفضة وكثير من البنادق . وقد صارت كربلاء بعد هذه الوقعة في حال يرثى لها وقد عاد إليها بعد هذه الحادثة من نجى بنفسه فاصلح بعض خرابها وأعاد إليها العمران رويداً رويداً ، وقد زارها في أوائل القرن التاسع عشر أحد ملوك الهند فاشفق على حالتها ، وبنى فيها أسواقاً حسنة وبيوتاً قوراء ، أسكنها بعض من نكبوا وبنى للبلدة سوراً حصيناً لصد هجمات الأعداء وأقام حوله الأبراج والمعاقل ونصب له آلات الدفاع على الطرز القديم وصارت على من يهاجمها أمنع من عقاب الجو ، فامنت على نفسها وعاد إليها بعض الرقي والتقدم (1) .
ومن طريف القول ان أبا طالب خان يذكر في رحلته إلى العراق ومروره بكربلاء أنه لقي عمته المسماة ( كربلاي بيكم ) وعدة نساء من توابعها ، وقد جئن يقضين أيامهن الباقية من اعتزلهن العالم في الأرض المقدسة ويقول : ان الوهابيين

(1) تاريخ كربلاء المعلى / للسيد عبد الحسين الكليدار آل طعمة ص 20 .
تراث كربلاء 372

كانوا قد سلبوا منهن ما يملكن وقد أعنتهن بجميع ما أستطيعه إذ ذاك من العون المالي .. الخ (1) .
وقد سجل الشعراء هذه الحادثة تعبيراً عن سخطهم وحقدهم على الوهابيين في هذه الحادثة التي عرفت بحادثة الطف الثانية ، فكان أشهر هؤلاء الشعراء الذين ألهبهم الحماس وأفرغوا جام غضبهم هو الشاعر الشيخ هاشم الكعبي الحائري المتوفى سنة 1231 هـ ، فله في تلك الحادثة قصائد مطولة نشرت في ديوانه وكذلك الشاعر الحاج محمد رضا الأزري التميمي المتوفى سنة 1240 هـ الذي أرخ الحادث بقوله :
ونادى به نادى الصلاح مؤرخاً ( لقد عاودتنا اليوم أرزاء كربلا)

ومن شعراء كربلاء الذين أرخوا هذا الحادث أيضاً العالم الشاعر السيد أحمد الرشتي المقتول سنة 1295 هـ فقال :
ومذ فتحت نجد دعا السعد أرخوا ( لقد جاء نصر الله يزهر بالفتح ) (2)

ومنهم الشاعر الشيخ فليح بن حسون رحيم الكربلائي المتوفى سنة 1296 هـ فقال :
ولما تعالى سعد ( مدحت ) رفعـة بأوج المعالي واستنـار بـه المجـد
سعود ( سعود ) الشرغابت فأرخوا ( بحزم عزيز الجند قد فتحت نجد ) (3)

وهناك مراجع كثيرة وصفت فضاعة الوهابيين المنكرة بأدق وصف وأسهبت فيها ، وأوضحت غزوهم لهذه المدينة الأمنة وهدمهم للضريح المقدس ونهب

(1) رحلة أبي طالب خان إلى العراق وأوروبا / ترجمها عن الفرنسية إلى العربية الدكتور مصطفى جواد ( بغداد ص 382 ) .
(2) الشعر السياسي العراقي / للأستاذ ابراهيم الوائلي ص 138 .
(3) المصدر السابق ص 138 .
تراث كربلاء 373

الأموال وقتل الأنفس ، أخص بالذكر منها : أعيان الشيعة ج 4 ص 307 وكتاب تحفة العالم ج 10 ص 289 وكتاب روضات الجنات ج 1 ص 265 وص 353 وشهداء الفضيلة ص 288 ودائرة المعارف الإسلامية المجلد الأول ص 192 و 193 وتاريخ كربلاء وحائر الحسين ص 223 وغيرها .

حادثة المناخور

من أشهر الحوادث التي مرت على كربلاء بعد حادثة الوهابيين وعرفت بحادثة المناخور (1) . وذلك في عهد الوالي داود باشا عام 1241 هـ / 1825 م واستمر حصارها حتى عام 1244 هـ / 1828 م . وسببها هو أن الوالي داود باشا لما شاهد ضعف الدولة العثمانية واستقلال كثير من الولاة بولايتهم أمثال محمد علي باشا في مصر واستقلال علي باشا ذلتلي تبه في ألبانيا ، طمع هذا الوالي باستقلاله في العراق فأخذ يشيد البنايات والتكايا والجوامع ، ويقرب العلماء ويبالغ في اكرامهم . وقد نظم هذا جيشاً كبيراً مزوداً بأسلحة حديثة ، وقد بايعته أغلب مدن العراق عندما حاول الاستقلال عدا كربلاء والحلة ، فقد رفعتا راية العصيان ضده ، وحاول اقناعها فلم يستطع . وعند ذلك جهز جيشاً ضخماً بقيادة أمير اصطبله واخضع الحلة واستباح حماها وتوجه إلى كربلاء وحاصرها ثمانية أشهر . ولم يقو على افتتاحها وكر عليها ثانية وثالثة فلم يستطـع فتحهـا إلا بعد حصـار طالت مدته أربع سنـوات ( 1241 ـ 1245 هـ ) وكانت نتيجتها أن أسر نقيب كربلاء ( السيد حسين بن مرتضى آل دراج ) وأرسل إلى بغداد حيث سجنه داود باشا هناك .
وكان السيد حسين النقيب قد عين رئيساً للإداريين وابن عمه السيد سلطان آل ثابت رئيساً للمسلحين . ومن جهة أخرى كان السيد عبد الوهاب السيد محمد

(1) كلمة فارسية مخففة عن ( ميرأخور ) يراد بها أمير الاصطبل أو رئيس الخيلية .
تراث كربلاء 374

علي آل طعمة سادناً للروضتين الحسينية والعباسية وحاكماً لكربلاء ، وكان هذا يساء الحكومة في مناوئة أهل البلد ، لأن الثورة كانت مبنية على الفساد ، فهو في عمله هذا حافظ على المدينة ، إلا أن الحكومة كانت تنوي الشر ضد الأهلين ، وكانت عشيرته تسانده . غير أن جماعة النقيب السيد حسين آل دراج ثاروا ضد السلطة المحلية ، فاضطر السيد عبد الوهاب إلى مغادرة كربلاء في واقعة المناخور سنة 1241 هـ وعاد إليها بعد أن أخمدت نار الفتنة .
ذكر النسابة الشيخ حمود الساعدي : في سنة 1244 هجرية حوصر أهل بلد الحسين حاصرهم سليمان بعسكره وقطع نخيلهم وأغار مياههم تسعة أشهر وقتل منهم قتلة عظيمة من الجانبين حتى آل أمرهم إلى أن أكلوا حب القطب ولم يسلموا وكانوا يخرجون الى العسكر فيقاتلون الى ان ضايقهم (صفوق) شيخ شمر وتوجهوا عليه بعدما أعطى الأمان والقرآن لنقيب الاشراف فخرج هو وأصحابه 25 فأمروا بقتلهم عن أخرهم دفعة ثم أمروا بحبس النقيب وكان جليلاً نبيلاً شهماً من الاشراف وحمل إلى داود وأطالوا حبسه في بلدة بغداد (1) .
وجاء في كتاب ( تاريخ العراق الحديث ) ما نحن بصدده : ولقد حاصرت قوات داود باشا كربلاء في السنوات الأخيرة من حكمه زهاء أحد عشر شهراً دون أن ينال من وراء ذلك سوى وعد بدفع الضرائب السنوية المربوطة عليها . وكذلك أراد علي باشا ان يؤكد سيادته على كربلاء ولجأ إلى الحيلة دون القوة وتظاهر بأنه يود أن يؤدي الزيارة لقبر الحسين ولكن أهل المدينة رفضوا أن يسمحوا له بذلك . وفضل علي رضا أن يكتفي باسناد حكم المدينة إلى سيد وهاب وهو من إحدى الاسرات الكبيرة في المدينة التي ظلت مدة حكم علي رضا في العراق شبه مستقلة . ولكن تحت سيطرة

(1) عن مجموعة خطية للشيخ حمود الساعدي وقد نقلها من كتاب للأدعية مدون فيه فوائد تاريخية تعود إلى اسرة آل العذاري الحليين 14 / 4/1952 .
تراث كربلاء 375

جماعة مسلحة أطلق عليها اسم يارمز . وكانت هذه الجماعة تحتوي على عدد من الخارجين على القانون واللصوص والفارين من وجه باشوات العراق . وكانت احدى فرق هذه الجماعة تدعى (الغارتية) من (غارة) تفرض الاتاوات على الحجاج . وكان أشهر زعيم لهم في 1248 هـ هو السيد ابراهيم الزعفراني وهو من أصل مختلط أيراني عربي ، وكان يليه في النفوذ إيرانيان لهما عدد كبير من الاتباع الفرس . ونظراً لانقسام (اليارمز) الى فرق كان ينشب فيما بينها صراع دموي شديد ، كان يعاني منه شعب كربلاء المسالم أشد أنواع الخسائر المادية والارهاق العصبي . وفي خضم هذه الفوضى تفوق زعماء أليا رمز على هيبة كبار علماء الشيعة في المدينة وكان لهم النفوذ الأكبر من قبل ، ولكن وجد العلماء في انقسام أليارمز إلى طوائف فرصة لكسب أعوان لهم من بينهم فكان أن انشطر أليارمز إلى شطرين : أحدهما مع الزعيم الديني الشهير كاظم الرشتي ، والآخر مع زعيم ديني آخر يدعى سيد ابراهيم القزويني (1) .
ومما يذكر أن داود باشا الذي أصبح أشهر ولاة المماليك في العراق بعد الوالي سعيد باشا تولى وظيفة الكهية واضطلع في سنتي 1813 و 1814 بسلسلة من الحملات التأديبية على عشائر دجلة والفرات ، فأعاد بذلك الشيخ شفلح الشلال إلى رئاسة زبيد ومر بالخزاعل فأرهبهم ، ثم أزال الحصار القبائلي الذي كان يفرض على كربلاء في موسم الزيارات على حد قوله (2) .
وقد ورد تفصيل هذا الحادث في كتاب المراجع الكثيرة منها كتاب فارس مخطوط باسم ( كاشف الاعجاز ) لمؤلفه محمد ابراهيم بن محمد كريم الهمداني الأصل الكربلائى المسكن أوقفه في كربلاء المعلى في شهر رمضان المبارك من شهور سنة

(1) تاريخ العراق الحديث ـ الدكتور عبد العزيز سليمان نوار ( دار الكاتب العربي للطباعة والنشر بالقاهرة 1388 هـ ـ 1968 م ـ ص 88 و 89 .
(2) موسوعة العتبات المقدسة ـ قسم كربلاء ـ ج 1 ص 276 .
تراث كربلاء 376

1244 هجرية وجدت نسخته في مكتبة المرحوم السيد عبد الرزاق نجل السيد عبد الوهاب آل طعمة الذي ترجم القسم الأكبر منه إلى العربية .
وجاء تفصيل الحادث أيضاً في كتاب ( نزهة الاخوان في بلد المقتول العطشان ) لمؤلف مجهول ، وجدت نسخته الخطية عند السادة آل النقيب في كربلاء فنسخت منها . وفيها تفاصيل كثيرة لهذه الواقعة ويذكر مؤلفه أن نشوب الحادث كان منذ بداية سنة 1241 هـ حتى محرم سنة 1242 هـ .
وقد هزت هذه الحادثة عواطف الشعراء كان منهم الشاعر الملاعبد الجليل الحائري فقال من قصيدة :
ووافـر العسكـر لمـا أتى بكثرة كل لهـا المحـصـر
فيها كماة الشوس أسد الشرى خواضة الموت فهم شمـروا
فيهـا البهاليل و سمـر القنا والبيض والأطواب والقنبـر
فيهـا الصناديد ليوث الوغى فالموت فيهم ان سطا ينفروا
فتـى ومنـا كـل قوم ولا يقواه عنـد الملتقـى عنبـر
أشبـال غابات حوت كربلا فالكرب منهـم والبلا يصدر
فقامـت الحرب على ساقها والبيض بالبيض غدت تكسر (1)

حادثة نجيب باشا

وهي من الحوادث الشهيرة أيضاً التي أرخت بـ ( غدير دم ) . وقد نشبت أوارها يوم الثلاثاء في السابع عشر من شهر ذي القعدة سنة 1258 هـ / 1842 م ضد الطاغية الوالي المشير محمد نجيب باشا ، وقد ارتاع لهولها الفرات من أدناه إلى اقصاه . ومجملها أن أهالي كربلاء كانوا يأبون الخضوع لحكام آل عثمان ، وشاء

(1) نزهة الاخوان في بلد المقتول العطشان ـ مجهول المؤلف ـ مخطوط ص 50 .
تراث كربلاء 377

نجيب باشا أن يخضع سكان المدينة لمشيئته فأنذرهم بوجوب الخضوع لمشيئة الولاة وما يصدرون من الأحكام الجائرة وأمرهم بنزع السلاح وإطاعة أولي الأمر من العثمانيين ، وأمهلهم شهراً كاملاً ، يدرسون فيه موقفهم ويقررون مصيرهم . وانقضى الشهر الممنوح لهم ،ولم يطرأ تبدل على موقف سكان المدينة ، مما طلبه منهم نجيب باشا . فقاد عسكره واستباح المدينة لهم ، وعمل السيف في رقاب الناس الآمنين فلجأ الناس الى الضريح المقدس ، يستنجدونه ويستغيثونه فعصمتهم حرمة الضريح من القتل ، ولما رأى المشير العثماني الآنف الذكر هذه الحالة ، أمر عساكره بضرب المدينة بالمدافع ، وقد تدخل بعض الرجال المعمرين آنذاك كالسيد كاظم الرشتي وعلي شاه بن فتح علي شاه القاجاري الساكن كربلاء يومذاك ، بإسداء النصح لرؤساء البلد وهم : السيد عبد الوهاب آل طعمة (1)

(1) ذكره السيد محسن الأمين في ( أعيان الشيعة ) ج 42 ص 238 ما هذا نصه : « السيد عبد الوهاب بن السيد محمد علي سادن روضتي الحسين والعباس توفي سنة 1271 هـ هو زعيم قبيلة ( آل طعمة ) المسماة قديماً بـ ( آل فائز ) . تولى سدانة الروضتين الحسينية والعباسية وحكومة كربلاء من قبل الولاة العثمانيين ، كما كان جده السيد عباس السيد نعمة الله نقيباً . وأبوه السيد محمد علي سادناً للروضة الحسينية ، وكانت في أيامه فرقة تسمى ( اليرمازية ) ديدنها الشقاوة والعصيان فغضب الوالي على كربلاء من أجل اولئك العصاة وسير جنداً لتأديبهم إلا أنهم تحصنوا في كربلاء واتفق معهم سائر الكربلائيين فاعتصموا بالسور المحيط بكربلاء فارتد الجند عنهم ولما رأى الوالي نجيب باشا ذلك ضاعف الجند بأمثاله وحشد العشائر الموالية له وقاد القوة بنفسه وحاصر كربلاء 25 يوماً فاضطر الكربلائيون على التسليم واحتل الوالي المدينة يوم 11 ذي الحجة سنة 1258 هـ وإلى ذلك يشير الأخرس البغدادي في قصيدته التي يهنئ بها الوالي نجيب باشا على إحرازه النصر :
لقد خفقت في النحر ألوية النصر وكان انمحاق الشر من ذلك الثغر

وعلى أثر ذلك اتهم الوالي السيد عبد الوهاب بكونه زعيم تلك الحركة فطلب القبض عليه لكنه فر من كربلاء متوجهاً نحو المسيب ومنها إلى عشيرة الخزاعل تاركاً أملاكه وعقاره فتصرف

=

تراث كربلاء 378

والسيد ابراهيم الزعفراني وعلي كشمش وطعمة العيد والسيد صالح الداماد والسادة آل نصر الله والسيد حسين النقيب للكف عن القتال والخضوع لهذا الحاكم الجلاد ، فرفضوا الإصغاء إلى تلك النصائح واستمروا بالقتال ، وقد هاجمهم الجيش العثماني من جهة باب الخان ، حيث احدثوا ثغرة فيه واستمر القتال لمدة يومين ، وفي اليوم الثالث خرج المحاربون من أهل المدينة إلى الخارج والتحقوا للاستنجاد بعشائر آل فتلة واليسار وآل زغبة من المعدان ، وكان عددهم ثلاثة آلاف محارباً ، فاصطدم الجيش بالأهلين ثانية ، ودامت الحرب 21 يوماً حتى عيد الأضحى ، وقد بلغ عدد القتلى 18 الف قتيل كما تنص بعض المصادر علماً بأن قيادة الجيش العثماني كانت بيد سعد الله باشا ، وكان السلطان العثماني آنذاك عبد المجيد العثماني (1) . ولابد لنا أن نلقي ضوءاً على ما كانت عليه الحالة في المدينة من تفكك اجتماعي ساعد العثمانيين على استغلال نقاط الضعف التي هيأت لهم الفرصة لإنزال ضربة قاضية واستباحة المدينة ، وهو ما استطرد اليه الدكتور عبد العزيز سليمان نوار بقوله : وكذلك أراد علي باشا أن يؤكد سيادته على كربلاء ولجأ إلى الحيلة دون القوة وتظاهر بأنه يود أن يؤدي الزيارة لقبر الحسين ، ولكن

=الوالي بها وعين شانئيه لسدانة الروضتين وقد توسط في أمره السيد علي نقيب بغداد لدى الوالي فأصدر العفو العام وطلب حضوره إلى بغداد فسافر اليها والتحق بولده السيد عبد الرزاق الذي كان رهينة لدى الوالي في بغداد وفوضه على أمر مقاطعة ( الروز ) المعروفة ليزرعها فزرعها مدة ثلاث سنوات ثم أعطاه نهر الناصرية من توابع المسيب فقطن فيه حتى توفاه الله سنة 1271 هـ ونقل جثمانه إلى كربلاء » .
(1) استقيت بعض هذه المعلومات من ارجوزة شعرية من بحر الرجز مخطوطة بالفارسية تحت عنوان ( حادثة نجيب باشا ) وهي من نظم المرزا زكي حسين الهندي . وقد انتهى من نظمها في محرم سنة 1259 هـ . توجد نسختها الأصلية في مكتبة السيد حسين القزويني الحائري ومطلعها :
جه عهد خلافت بعبد المجيد بس از دور محمود سلطان رسيد
تراث كربلاء 379

أهل المدينة رفضوا أن يسمحوا بذلك . وفضل علي رضا أن يكتفي بإسناد حكم المدينة إلى السيد وهاب وهو من إحدى الاسرات الكبيرة في المدينة التي ظلت مدة حكم علي رضا في العراق شبه مستقلة . ولكن تحت سيطرة جماعة مسلحة أطلق عليها إسم يارمز . وكانت هذه الجماعة تحتوي على عدد من الخارجين على القانون واللصوص والفارين من وجه باشوات العراق . وكانت إحدى فرق هذه الجماعة تدعى ( الغارتية ) من ( غارة ) تفرض الأتاوات على الحجاج ، وكان أشهر زعيم لهم في 1842 هو السيد ابراهيم الزعفراني وهو من أصل مختلط إيراني عربي ، وكان يليه في النفوذ أيرانيان لهما عدد كبير من الأتباع الفرس . ونظراً لانقسام ( اليارمز ) إلى فرق كان ينشب فيما بينها صراع دموي شديد ، كان يعاني منه شعب كربلاء المسالم أشد أنواع الخسائر المادية والإرهاق العصبي . وفي خضم هذه الفوضى تفوق زعماء اليارمز على هيبة كبار علماء الشيعة في المدينة وكان لهم النفود الاكبر من قبل ، ولكن وجد العلماء في انقسام اليارمز إلى طوائف فرصة لكسب أعوان لهم من بينهم فكان أن انشطر اليارمز إلى شطرين أحدهما مع الزعيم الديني الشهير السيد كاظم الرشتي والآخر مع زعيم ديني آخر يدعى السيد ابراهيم القزويني . وإذا كان علي باشا رضا قد قبل أن يترك لكربلاء أن تحكم نفسها بنفسها وتجني ثمار الفوضى القائلة فإن نجيب باشا ـ وقد هدأت أزمة الشام وتفرغ حكام العراق لتاكيد نظام الحكم المباشر فيه ـ ما كان ليسكت على ترك كربلاء هكذا دون أن تخضع له . على أن حنق نجيب باشا إشتد لدرجة كبيرة عندما أراد أن يذهب للزيارة فحدد له أولو الأمر في المدينة عدد مرافقيه بستة أشخاص فقط . هذا بالإضافة إلى أنهم رفضوا أن يلبوا رغبة نجيب في أن يمدوه بتموين لجيشه في سنة 1842 م . وفي اوكتوبر من تلك السنة كان نجيب باشا معسكراً على رأس جيشه في منطقة ( المسيب ) في طريقه لتأديب عشائر المعدان الثائرة ، فانتهز الفرصة واتصل بكبار علماء كربلاء

تراث كربلاء 380

الدينيين ومجتهديها وطلب منهم أن يعينوه على إعادة النظام إلى المدينة . وقد نجحت مفاوضاته مع كاظم الرشتي ومع ( ظل السلطان ) أحد أبناء فتح علي شاه والسيد وهاب حاكم المدينة . واتفق هؤلاء مع نجيب باشا على أن يبعث اليهم بأحد البغداديين لوضع الخطوط النهائية لما سيكون عليه أمر حكم المدينة . واستطاع المفاوض البغدادي ان يقنع الطرف الآخر بإدخال خمسمائة جندي كحامية في المدينة ، ولكن لم تلبث الإتفاقية ـ شأن كل اتفاقية تعقد مع متمردين منقسمين إلى فرق متعددة متنافرة ـ أن مزقت في أعقاب توقيعها . بينما استعد المتعصبون من ( اليارمز ) والسيد كاظم الرشتي و ( ظل السلطان ) للدفاع عن المدينة ورفعت المدافع على الأسوار واستدعى العرب من ضواحي المدينة للدفاع عنها . كان نقض هذا الإتفاق سبباً في أن يصر نجيب على أن تخضع له المدينة بمثل ما تخضع به أية مدينة عراقية أخرى . وقبل أن يضرب نجيب ضربته الأخيرة عقد مباحثات مع كبار الشخصيات الفارسية والوكيل الفارسى في كربلاء ومع القنصلين الفرنسي والبريطاني ليكونوا على علم بمدى مجهوداته السلمية ولعلهم يعينونه على تسوية الأزمة ولكن دون جدوى . وعندما قرر نجيب باشا إرسال حملة ضد كربلاء أخطرهم مقدماً بمشروع حملته لما كان يتوقعه من نشوب أزمة سياسية كبيرة بين الدولتين الفارسية والعثمانية . ولما كانت المدينة قد عبأت قواتها وجلبت الإمدادات من خارجها ، قدر نجيب خطورة الفشل في إخضاع المدينة فلم يكتف بما كان لديه من قوات مرابطة في ( المسيب ) وأتى بامدادات من بغداد واستعان بمجموعة من العشائر العربية الموالية له غاضاً الطرف عن نصيحة المبعوث الريطاني في طهران بشأن العدول عن إرسال الحملة . وبعد أن اتخذ نجيب إجراءاته الدبلوماسية والعسكرية أصدر أوامره بمهاجمة المدينة بكتيبة من الفرسان وعشرين مدفعاً وثلاث كتائب من المشاة ثم أرسل في أعقابها إلى المدينة في 19 ديسمبر 1842 القوات العشائرية وبدأ ضرب المدينة

تراث كربلاء 381

بالمدفعية . فعرض كاظم الرشتي أن يأخذ القائد عائلات زعماء اليارمز كرهينة حتى ينسحب الجيش . وفعلاً ذهب بعض زعماء اليارمز ولكن جاءت الأنباء بأن نجيب باشا رفض انسحاب الجيش فعاد الصراع بين الطرفين ثم عادت المفاوضات واشترك فيها المندوب الفارسي في بغداد وتطرف الثوار للدرجة التي رفضوا معها الشروط المعتدلة وزاد تمرد الثوار شدة عندما أشيع أن الجيش الفارسي يستعد لغزو العراق لينقذ كربلاء . ضرب الجيش الحصار بقوة على المدينة وقصفت المدفعية الأسوار ، فزادت جذوة المقاومة الشعبية ، وهب العلماء يصلحون الأسوار ويثيرون حماس المدافعين ولكنهم ما كانوا ليصمدوا أمام جيش منظم ، ودخلت القوات المدينة في 13 من يناير 1843 . وفقد الضباط سيطرتهم على الجند ووقعت حوادث نهب وقتل عديدة ثم هدأت الامور بعد دخول نجيب باشا المدينة وبدأ بتنظيم الإدارة فيها بتعيين قاض ، وخطيب ليدعو للسلطان في صلاة الجمعة (1) ».
وقد ورد ذكر هذه الحادثة أيضاً وبشكل موجز في كتاب «تاريخ كربلاء المعلى» وهذا نصه : وفي سنة 1258 شق أهالي كربلاء عصا الطاعة على الدولة ، وأبوا أداء الضرائب والمكوس وكان والي العراق نجيب باشا فجهز جيشاً بقيادة سعد الله باشا وسيره إلى كربلاء فحاصرها حصاراً شديداًَ وأمطر المدينة بوابل قنابله ولم يساعده الحظ على افتتاحها لأن سورها كان منيعاً جداً وقلاعها محكمة لا يمكن للقائد الدنو منها ولما أعيت به الحيل الحربية التجأ إلى الخداع فأعطى الأمان اللعصاة وضمن لهم عفو الحكومة فأخلوا القلاع وجاءوه طائعين قبض عليهم وسلط المدافع على الجهة الشرقية فهدم السور وأصلى المدينة ناراً حامية ففتحها وارتكب فيها كل فظاعة وشناعة . ودخل بجيشه إلى صحن العباس وقتل كل

(1) تاريخ العراق الحديث / من نهاية حكم داود باشا إلى نهاية حكم مدحت باشا / للدكتور عبد العزيز سليمان نوار ص 89 ـ 92 ( القاهرة 1387 ـ 1968 ) .
تراث كربلاء 382

من لاذ بالقبر الشريف وبهذه الموبقات أعادت سلطة الحكومة إلى تلك الربوع والله علام الغيوب (1) .
ويبدو أن الطاغية محمد نجيب باشا استولى على البلد وأباحه ثلاثة أيام قتلاً وسلباً ونهباً حتى قتل آلاف الأشخاص بين رجل وامرأة وصبي وصبية ، وتنص معظم الروايات على أن عدد القتلى بلغ عشرين الفاً أو زاد على ذلك كما يحدثنا صاحب كتاب ( شهداء الفضيلة ) بقوله : وأما القتل الثالث من تلك البقعة ( كربلاء ) المقدسة فقد وقع في عهد السلطان عبد المجيد في ذي الحجة سنة 1258 هـ ففي ( الروضات ) وأما القتل الثالث فقد اتفق في عصرنا هذا في أواخر سنة 1258 بقتل فظيع كاد أن يبلغ قتلاه عشرة آلاف من الرجال والولدان غير النهب والغارة الشديدتين وكان هذا القتل بعد نجيب باشا الذي ولي على بغداد وأمر بشيء سيء والسلوك بالشر مع أهل ذلك المشهد المقدس فجاسوا خلال الديار وكان وعداً مفعلاً وقد قتل في هذه الكرة أيضاً جمع كثير من العلماء والسادات وغير أولي التقصير من المجاورين والزوار . أهـ . وحكي عمن شهد الواقعة من الثقاة أنه لما أقفل العسكر أحصينا القتلى وسألنا الحفارين وتحققنا ذلك فكان ما يزيد على عشرين الفاً من رجل وامرأة وصبي وكان يوضع في القبر الأربعة والخمسة إلى العشرة فيهال عليهم التراب بلاغسل ولا كفن وتفقدنا القتلى منهم كثيراً والدور والآبار وجدنا بالسرداب الذي تحت رواق العباس عليه السلام من القتلى أكثر من ثلثمائة (2) . وقد ذهب عباس العزاوي في روايته لهذه الحادثة إلى أقل الاحتمالات بالنسبة لعدد القتلى فقال : والذي قتل من ولاية كربلاء مقدار أربعة آلاف نفس ، ومن العسكر مقدار خمسمائة نفر ، ومن بعد فتحها أمسكوا السيد ابراهيم الزعفراني وجاءوا به إلى بغداد ، والسيد صالح من كبار

(1) تاريخ كربلاء المعلى / للسيد عبد الحسين الكليدار آل طعمة ص 24 و 25 .
(2) شهداء الفضيلة / للشيخ عبد الحسين الأميني ص 306 و 307 .

السابق السابق الفهرس التالي التالي