زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 380

معاوية ، كان ينظر إليهن ويسأل عن كل واحدة بعينها وهن مربطات بحبل طويل ، وكانت بينهن امرأة تستر وجهها بزندها ، لأنها لم تكن عندها ما تستر به وجهها .
فقال يزيد : من هذه ؟
قالوا : سكينة بنت الحسين .
فقال : أنت سكينة ؟
فبكت واختنقت بعبرتها ، حتى كادت تطلع روحها ! !
فقال لها : وما يبكيك ؟
قالت : كيف لا تبكي من ليس لها ستر تستر وجهها ورأسها ، عنك وعن جلسائك ؟ ! (1)

(1) كتاب «المنتخب» للطريحي ، ج 2 ص 473 ، المجلس العاشر . وكتاب «تظلم الزهراء» ص 279 .
زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 381

ماذا حدث في مجلس يزيد ؟


وروى الشيخ المفيد في كتاب (الإرشاد) : قالت فاطمة بنت الحسين (عليه السلام) :
«فلما جلسنا بين يدي يزيد رق لنا ! فقام إليه رجل من أهل الشام أحمر (1) فقال : «يا أمير المؤمنين ! هب لي هذه الجارية ـ وهو يعنيني ـ (2) ، وكنت جارية وضيئة (3) فأرعدت ، وظننت أن ذلك جائزلهم ، فأخذت بثياب

(1) رجل أحمر : أي أبيض : قال إبن منظور ـ في كتابه «لسان العرب» ـ : «. . . لأن العرب لا تقول : رجل أبيض» من بياض اللون ، إنما الأبيض ـ عندهم ـ : الطاهر النقي من العيوب . فإذا أرادوا الأبيض من اللون قالوا : أحمر .
المحقق
(2) يعنيني : يقصدني .
(3) جارية : فتاة . وضيئة : مشرقة جميلة .
زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 382

عمتي : زينب ، ـ وكانت تعلم أن ذلك لا يكون ـ وقلت :
«يا عمتاه : أوتمت وأستخدم» ؟ (1)
فقالت زينب : «لا ، ولا كرامة لهذا الفاسق» ، وقالت ـ للشامي ـ :
«كذبت ـ والله ـ ولؤمت ، والله ما ذلك لك ولا له (2)» .
فغضب يزيد ، وقال : كذبت والله ، إن ذلك لي ! ولو شئت أن أفعل لفعلت .
قالت [زينب] : «كلا ، والله ما جعل الله ذلك لك إلا أن تخرج عن ملتنا ، وتدين بغير ديننا» !
فاستطار يزيد غضباً ، وقال :
«إياي تستقبلن بهذا ؟ إنما خرج من الدين أبوك وأخوك» ! ! ؟
فقالت زينب : «بدين الله ، ودين أبي ، ودين أخي إهتديت أنت وجدك وأبوك .. إن كنت مسلماً» !
قال : كذبت يا عدوة الله ! !
قالت له : «أنت أمير تشتم ظالماً ، وتقهر

(1) أوتمت وأستخدم ؟ : أي صرت يتيمة خادمة أيضاً ؟
(2) اي : ولا ليزيد .
زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 383

بسلطانك» .
فكأنه استحيى وسكت ، فعاد الشامي فقال : هب لي هذه الجارية ؟
فقال يزيد : «أعزب ! وهب الله لك حتفاً قاضياً» !
فقال الشامي : من هذه الجارية ؟
قال يزيد : هذه فاطمة بنت الحسين ، وتلك زينب بنت علي بن أبي طالب ! !
فقال الشامي : الحسين بن فاطمة . . وعلي بن أبي طالب ؟ !
قال : نعم .
فقال الشامي : لعنك الله ـ يا يزيد ـ اتقتل عترة نبيك ، وتسبي ذريته ؟ والله ما توهمت إلا أنهم سبي الروم .
فقال يزيد : والله لألحقنك بهم .
ثم أمر به فضرب عنقه . (1)

(1) الإرشاد ، ص 246 ، وقد حكى ذلك المازندراني في «معالي السبطين» عن الإرشاد ، مع بعض الفروق في الكلمات ، ونحن جمعنا بين النسختين . وجاء ذلك ـ أيضاً ـ في تاريخ الطبرى ج 5 ص 461 .
المحقق
زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 384




زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 385

رأس الإمام الحسين (عليه السلام) في مجلس الطاغية يزيد


وجاء في التاريخ : ثم وضع رأس الحسين (عليه السلام) بين يدي يزيد ، وأمر بالنساء أن يجلس خلفه ، لئلا ينظرن إلى الرأس ، لكن زينب لما رأت الرأس الشريف هاج بها الحزن ، فأهوت إلى جيبها فشقته ثم نادت ـ بصوت حزين يقرح القلوب ـ : «يا حسيناه !
يا حبيب رسول الله !
يابن مكة ومنى !
يابن فاطمة الزهراء سيدة النساء !
يابن المصطفى» ! (1)

(1) كتاب «الملهوف على قتلى الطفوف» ص 213 .
زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 386


قال الراوي : فأبكت ـ والله ـ كل من كان حاضراً في المجلس ، ويزيد ساكت !
ثم دعى يزيد بقضيب خيزران ، فجعل ينكت به ثنايا الإمام الحسين عليه السلام .
فأقبل عليه أبو برزة الأسلمي وقال : ويحك يا يزيد ! أتنكت بقضيبك ثغر الحسين بن فاطمة ؟ ! أشهد لقد رأيت النبي يرشف ثناياه وثنايا أخيه الحسن ويقول : «أنتما سيدا شباب أهل الجنة ، قتل الله قاتليكما ولعنه وأعد له جهنم وساءت مصيرا» .
فغضب يزيد وأمر بإخراجه ، فأخرج سحباً . (1)

* * * *

‎‎
وجعل يزيد يقول :
ليت أشياخي ببـدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الأسل
لأهلوا و استهلـوا فرحـا ثم قالـوا : يا يزيد لا تشـل

(1) كتاب «الملهوف» ص 214 .
زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 387

قد قتلنـا القرم (1) من ساداتهم و عـدلنـاه ببـدر فـاعتـدل
لعبـت هـاشـم بالملـك فـلا خبـر جـاء ولا وحـي نـزل
لست من خندف إن لم أنتقم (2) من بنـي أحمد ما كان فعل (3)


(1) القرم : السيد المعظم . كما في المعجم الوسيط . وفي نسخة : «قد قتلنا القوم من ساداتهم» .
(2) خندف : إسم واحدة من جدات معاوية .
(3) كتاب «الملهوف» لابن طاووس ص 214 .
زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 388




زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 389


الفصل السادس عشر

  • لماذا خطبت السيدة زينب في مجلس يزيد ؟
  • خطبة السيدة زينب عليها السلام في مجلس الطاغية يزيد
  • شرح خطبة السيدة زينب في مجلس يزيد
  • نص خطبة السيدة زينب
  • على رواية أخرى


  • زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 390




    زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 391

    لماذا خطبت السيدة زينب في مجلس يزيد ؟


    لقد شاهدت السيدة زينب الكبرى (عليها السلام) في مجلس يزيد مشاهد وقضايا ، وسمعت من يزيد كلمات تعتبر من أشد أنواع الإهانة والإستخفاف بالمقدسات ، وأقبح أشكال الإستهزاء بالمعتقدات الدينية ، وأبشع مظاهر الدناءة واللؤم . . في تصرفاته الحاقدة ! !
    مظاهر وكلمات ينكشف منها إلحاد يزيد وزندقته وإنكاره لأهم المعتقدات الإسلامية .
    مضافاً إلى ذلك . . أن يزيد قام بجريمة كبرى ، وهي أنه وضع رأس الإمام الحسين (عليه السلام) أمامه وبدأ يضرب بالعصا على شفتيه وأسنانه ، وهو ـ حينذاك ـ يشرب الخمر ! !

    زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 392


    فهل يصح ويجوز للسيدة زينب أن تسكت ، وهي إبنة صاحب الشريعة الإسلامية ، الرسول الأقدس سيدنا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟ !
    كيف تسكت . . وهي تعلم أن بإمكانها أن تزيف تلك الدعاوى وتفند تلك الأباطيل ، لأنها مسلحة بسلاح المنطق المفحم ، والدليل القاطع ، وقدرة البيان وقوة الحجة ؟ !
    ولعل التكليف الشرعي فرض عليها أن تكشف الغطاء عن الحقائق المخفية عن الحاضرين في ذلك المجلس الرهيب ، لأن المجلس كان يحتوي على شخصيات عسكرية ومدنية ، وعلى شتى طبقات الناس . فقد كان يزيد قد أذن للناس إذناً عاماً لدخول ذلك المجلس ، فمن الطبيعي أن تموج الجماهير في ذلك المكان وحول ذلك المكان ، وقد خدعتهم الدعايات الأموية ، وجعلت على أعينهم أنواعاً من الغشاوة ، فصاروا لا يعرفون الحق من الباطل ، منذ أربعين سنة طيلة أيام حكم معاوية بن أبي سفيان على تلك البلاد .
    وعلامات الفرح والسرور تبدو على الوجوه بسبب إنتصار السلطة على عصابة عرفتهم أجهزة الدعاية الأموية بصورة مشوهة .

    زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 393


    وقد تعود أهل الشام على مشاهدة قوافل الأسرى التي كانت تجلب إلى دمشق بعد الفتوحات .
    أما ينبغي لحفيدة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن تنتهز هذه الفرصة ، وتجازف بحياتها في سبيل الله ، وتنفض الغبار عن الحق والحقيقة ، وتعرف الباطل بكل صراحة ووضوح ؟
    بالرغم من أنها كانت أجل شأناً ، وأرفع قدراً من أن تخطب في مجلس ملوث لا يليق بها ، لأنها سيدة المخدرات والمحجبات !
    ولكن الضرورة أباحت لها أن توقظ تلك الضمائر التي عاشت في سبات ، وتعيد الحياة الى القلوب التي أماتتها الشهوات ، وغمرتها أنواع الفجور ، والإنحراف عن الفطرة ، فباتت وهي لم تسمع كلمة موعظة من واعظ ، ولا نصيحة من ناصح .

    زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 394




    زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 395

    خطبة السيدة زينب عليها السلام في مجلس الطاغية يزيد


    لقد روى الشيخ الطبرسي في كتاب «الإحتجاج» خطبة السيدة زينب الكبرى (عليها السلام) ، ورواها ـ أيضاً ـ السيد ابن طاووس في كتاب «الملهوف» .
    وبين الروايتين بعض الفروق والإضافات المهمة ، ونحن نذكر ـ أولاً ـ نص الخطبة على رواية الطبرسي ، ثم نذكر شرحاً متواضعاً للخطبة . . وبعد الفراغ من شرحها ، نذكر نصاً آخر للخطبة على رواية أخرى من دون أن نشرح كلمات النص الثاني .
    ونكتفي بذكر توضيحات مختصرة لبعض كلمات الخطبة ـ على رواية ابن طاووس ـ في هامش الصفحة ، والله المستعان .

    زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 396


    روى الشيخ الطبرسي في كتاب «الإحتجاج» ما يلي :
    «إحتجاج زينب بنت علي بن أبي طالب ، حين رأت يزيد (لعنه الله) يضرب ثنايا الحسين عليه السلام بالمخصرة (1).
    «روى شيخ صدوق من مشايخ بني هاشم ، وغيره من الناس : أنه لما دخل علي بن الحسين (عليه السلام) وحرمه على يزيد ، وجيء برأس الحسين (عليه السلام) ووضع بين يديه في طست ، فجعل يضرب ثناياه بمخصرة كانت في يده ، وهو يقول :
    لعبـت هاشم بالملـك فـلا خبـر جاء ولا وحـي نزل
    ليـت أشياخـي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الأسل
    لأهلـوا و استهلـوا فرحـا و لقالـوا : يا يزيد : لا تشل

    (1) المخصرة ـ على وزن مكنسة ـ : عصا أو شبهها ، يتوكأ عليها . . ويأخذها الملك بيده ليشير بها إلى ما يريد . وقيل : هي عصا في رأسها حديدة محددة ، مثل حديدة رأس السهم .
    المحقق
    زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 397

    فجـزينـاه ببـدر مثـلاً (1) و أقمنـا مثل بـدر فاعتـدل
    لسـت من خندف إن لم أنتقم من بني أحمد ما كان فعل (2)

    قالوا : فلما رأت زينب ذلك أهوت إلى جيبها فشقته (3) ، ثم نادت بصوت حزين يقرح القلوب : «يا حسيناه ! يا حبيب رسول الله ، يا بن مكة ومنى ، يا بن فاطمة الزهراء سيدة النساء ، يا بن محمد المصطفى» .

    (1) وفي نسخة : قد قتلنا القوم من ساداتهم .
    (2) خندف : لقب امرأة في الجاهلية وإلى لقبها إنتمت قبيلتها . كما يستفاد ذلك من كتاب «لسان العرب» لإبن منظور . وقيل : هي من جدات معاوية .
    المحقق
    (3) جيب القميص : ما يدخل منه الرأس عند لبس القميص . كما في «المعجم الوسيط» . قال بعض المحققين من الخطباء «كانت المرأة المحجبة تلبس أكثر من ثوب ـ في ذلك الزمان ـ ، فإذا هاج بها الحزن لدرجة كبيرة ، تشق جيبها كرد فعل طبيعي للحزن الشديد الذي صار يعصر قلبها بكيفية خطرة ، ويبقى عليها أكثر من ثوب غير الثوب الذي شقت جيبه .
    المحقق
    زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 398


    قال : فأبكت ـ والله ـ كل من كان ، ويزيد ساكت ، ثم قامت على قدميها ، وأشرفت على المجلس ، وشرعت في الخطبة ، إظهاراً لكمالات محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وإعلاناً بأنا نصبر لرضى الله ، لا لخوف ولا دهشة ، فقامت إليه زينب بنت علي ، وأمها فاطمة بنت رسول الله ، وقالت :
    الحمد لله رب العالمين ، والصلاة على جدي سيد المرسلين .
    صدق الله سبحانه ، كذلك يقول : «ثم كان عاقبة الذين أساؤا السوئى أن كذبوا بآيات الله ، وكانوا بها يستهزئون» . (1)
    أظننت ـ يا يزيد ـ حين أخذت علينا أقطار الأرض (2) ، وضيقت علينا آفاق السماء ، فأصبحنا لك في إسار ، نساق إليك سوقاً في قطار ، وأنت علينا ذواقتدار ، أن بنا من الله هواناً ، وعليك منه كرامةً

    (1) سورة الروم ، الآية 10 .
    (2) وفي نسخة : حيث أخذت . . .
    زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 399

    وامتنانا (1) ، وأن ذلك لعظم خطرك وجلالة قدرك ، فشمخت بأنفك ، ونظرت في عطفك ، تضرب أصدريك فرحاً ، وتنفض مذرويك مرحاً ، حين رأيت الدنيا لك مستوسقة (2) والأمور لديك متسقة ، وحين صفى لك ملكنا ، وخلص لك سلطاننا ، فمهلاً مهلا ، لا تطش جهلاً ، أنسيت قول الله (عزوجل) : «ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم ، إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً ، ولهم عذاب مهين» (3).
    أمن العدل ـ يابن الطلقاء ـ تخديرك حرائرك وإماءك وسوقك بنات رسول الله سبايا ، قد هتكت ستورهن ، وأبديت وجوههن ، تحدوا بهن الأعداء من بلد إلى بلد ، ويستشرفهن أهل المناقل ، ويتبرزن لأهل المناهل ، ويتصفح وجوههن القريب والبعيد ، والشريف والوضيع ، والدنيئ والرفيع ، ليس معهن

    (1) وفي نسخة : ولك عليه كرامةً وامتنانا . المحقق
    (2) لعل الأصح : مستوثقة . المحقق
    (3) سورة آل عمران ، الآية 178 .
    زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 400

    من رجالهن ولي ، ولا من حماتهن حمي ، عتواً منك على الله ، وجحوداً لرسول الله ، ودفعاً لما جاء به من عند الله .
    ولا غرو منك ولا عجب من فعلك ، وأنى ترتجى مراقبة إبن من لفظ فوه أكباد الشهداء ، ونبت لحمه بدماء السعداء ، ونصب الحرب لسيد الأنبياء ، وجمع الأحزاب ، وشهر الحراب ، وهز السيوف في وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) . أشد العرب لله جحوداً ، وأنكرهم له رسولاً ، وأظهرهم له عدواناً ، وأعتاهم على الرب كفراً وطغياناً .
    ألا إنها نتيجة خلال الكفر ، وضب يجرجر في الصدر لقتلى يوم بدر .
    فلا يستبطى في بغضنا ـ أهل البيت ـ من كان نظره إلينا شنفاً وإحناً وأضغانا، يظهر كفره برسول الله ، ويفصح ذلك بلسانه وهو يقول ـ فرحاً بقتل ولده وسبي ذريته ، غير متحوب ولا مستعظم ، يهتف بأشياخه ـ :
    لأهلـوا واستهلـوا فرحاً ولقالوا : يا يزيد : لا تشل

    زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 401


    منحنياً على ثنايا أبي عبد الله ـ وكانت مقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ ينكتها بمخصرته ، قد التمع السرور بوجهه .
    لعمري لقد نكأت القرحة ، واستأصلت الشأفة ، بإراقتك دم سيد شباب أهل الجنة ، وابن يعسوب الدين (1) ، وشمس آل عبد المطلب .
    وهتفت بأشياخك ، وتقربت بدمه إلى الكفرة من أسلافك ، ثم صرخت بندائك ، ولعمري لقد ناديتهم لو شهدوك ، ووشيكاً تشهدهم ولن يشهدوك ، ولتود يمينك ـ كما زعمت ـ شلت بك عن مرفقها وجذت ، وأحببت أمك لم تحملك ، وإياك لم تلد (2) ، حين تصير إلى سخط الله ، ومخاصمك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .
    اللهم خذ بحقنا ، وانتقم من ظالمنا ، واحلل غضبك على من سفك دماءنا ، ونقض ذمارنا ، وقتل

    (1) وفي نسخة : وابن يعسوب دين العرب . وفي نسخة : وابن يعسوب العرب .
    (2) وفي نسخة : وأباك لم يلدك .
    زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 402

    حماتنا ، وهتك عنا سدولنا .
    وفعلت فعلتك التي فعلت ، وما فريت إلا جلدك ، وما جزرت إلا لحمك ، وسترد على رسول الله بما تحملت من دم ذريته ، وانتهكت من حرمته ، وسفكت من دماء عترته ولحمته ، حيث يجمع به شملهم ، ويلم به شعثهم ، وينتقم من ظالمهم ، ويأخذ لهم بحقهم من أعدائهم ، فلا يستفزنك الفرح بقتلهم ، «ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً ، بل أحياء عند ربهم يرزقون ، فرحين بما آتاهم الله من فضله» . (1)
    وحسبك بالله ولياً وحاكماً ، وبرسول الله خصماً ، وبجبرائيل ظهيرا .
    وسيعلم من بوأك ومكنك من رقاب المسلمين أن «بئس للظالمين بدلاً» وأيكم شر مكاناً وأضل سبيلا .
    وما استصغاري قدرك ، ولا استعظامي تقريعك توهماً لانتجاع الخطاب فيك ، بعد أن تركت

    (1) سورة آل عمران ، الآية 169 ـ 170 .
    زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 403

    عيون المسلمين ـ به ـ عبرى ، وصدورهم ـ عند ذكره ـ حرى .
    فتلك قلوب قاسية ، ونفوس طاغية ، وأجسام محشوة بسخط الله ، ولعنة الرسول ، قد عشش فيها الشيطان وفرخ ، ومن هناك مثلك ما درج (1).
    فالعجب كل العجب لقتل الأتقياء ، وأسباط الأنبياء ، وسليل الأوصياء ، بأيدي الطلقاء الخبيثة ، ونسل العهرة الفجرة ! !
    تنطف أكفهم من دمائنا ، وتتحلب أفواههم من لحومنا .
    تلك الجثث الزاكية على الجبوب الضاحية ، تنتابها العواسل ، وتعفرها أمهات الفواعل . (2)
    فلئن اتخذتنا مغنماً ، لتجد بنا ـ وشيكاً ـ مغرماً ، حين لا تجد إلا ما قدمت يداك ، وما الله بظلام للعبيد .

    (1) وفي نسخة : ما درج ونهض .
    (2) وفي نسخة : الفراعل .
    زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 404


    فإلى الله المشتكى والمعول ، وإليه الملجأ والمؤمل .
    ثم كد كيدك ، واجهد جهدك .
    فوالله الذي شرفنا بالوحي والكتاب ، والنبوة والإنتخاب (1) ، لا تدرك أمدنا ، ولا تبلغ غايتنا ، ولا تمحو ذكرنا ، ولا يرحض عنك عارها .
    وهل رأيك إلا فند ؟ وأيامك إلا عدد ؟ وجمعك إلا بدد ؟
    يوم ينادي المنادي : ألا : لعن الله الظالم العادي .
    والحمد لله الذي حكم لأوليائه بالسعادة ، وختم لأصفيائه بالشهادة ، ببلوغ الإرادة ، ونقلهم إلى الرحمة والرأفة ، والرضوان والمغفرة .
    ولم يشق ـ بهم ـ غيرك ، ولا ابتلي ـ بهم ـ سواك .
    ونسأله أن يكمل لهم الأجر ، ويجزل لهم الثواب والذخر ، ونسأله حسن الخلافة ، وجميل الإنابة ، إنه رحيم ودود» .

    (1) وفي نسخة : والإنتجاب .

    السابق السابق الفهرس التالي التالي