|
|
|
اكبحوا جماح هذا العدو المفترس
|
|
|
 |
هل تعرفون ما هو الغضب ؟ هل هو صديق لكم وتعرفونه حق المعرفة ام هو عدو لدود وخبيث ؟ هل زاركم الغضب حتى الان في منزلكم ؟ واذا كان قد زاركم ، فلا بد وانكم شعرتم بهجومه الوحشي وقوة مخالبه الفولاذية وهي تضغط على خناقكم ورقبتكم وقلبكم . ولا بد انكم شاهدتم كيف ان الغضب يضغط على قلبكم بقبضته ومخالبه القوية ويجعلكم تصرخون تالما ويسوقكم الى حيث يشاء ويرغمكم على القيام باي عمل يريده .
هل تستطيعون طرد الغضب عنكم وابعاده عن بيوتكم ؟ وتخليص قلوبكم منه ؟ لعلكم تقولون انه يتمتع بقوة هائلة لا طاقة لنا نحن الضعفاء به ؟! صحيح ان التخلص من مخالب واسنان هذا العدو المفترس والمجنون المتوحش يحتاج الى قوة في الارادة والتصميم ولكن من المؤكد ان الانسان يستطيع ان يكتسب مثل هذه القوة الفائقة وبامكانه ان يتغلب على هذا العفريت المتمرد ـ الذي يقبع مع الاسف داخل بيوتنا ويعيش داخل صدورنا ـ وان يكبله من خلال عزمه وارادته بالسلاسل والاغلال ويجعله خاضعا ومطيعا ومستسلما له . والان لنطالع معا هذه الرسالة التي بعثت بها الينا احدى الاخوات الكريمات :
الرسالة : . . . السلام عليكم والشكر لكم ، ارجو لكم التوفيق في مهمتكم ، منذ حوالي ثلاثة او اربعة اعوام وانا ازداد عصبية يوما بعد اخر وكل يوم يمر كانت حالتي تزداد سوء وازداد توترا . راجعت الكثير من اطباء الامراض العصبية ولكن دون جدوى ! لقد كنت افقد اعصابي مع زوجي ومع اطفالي
 |
|
 |
لاتفه الاسباب فقد كنت اصرخ في وجههم وازعجهم واثير اعصابهم وبعد فترة عندما كنت اهدا كنت اتاثر واتالم لحال اطفالي الابرياء وعندها كنت افهم بانه لم يكن هناك اي داع لذلك كنت اشعر بالاسف والندم . ولم يكن يؤثر في كلام والدتي التي كانت تنصحني وتقول لي : « تكلمي باحترام مع زوجك وكوني صبورة مع اطفالك وتعاملي معهم بلطف ولين ولاتثيري كل هذا الضجيج والنزاع » . نعم لم اكن اسمع كلامها وكنت استمر في تصرفاتي هذه . لم اكن اريد ان اكون هكذا ، ولكني كنت اقوم بتلك التصرفات رغما عني وخلافا لرغبتي وكان هناك من يجبرني على ذلك ، كدت اتلف واموت من شدة التاثر والقلق ومن التوتر العصبي المستمر وقد راجعت الكثير من الاطباء ولكن دون جدوى ولم تتحسن حالتي رغم استعمالي الكثير من الادوية . اسمحوا لي ان اشير الى ان بعض الحالات التي كنت افقد فيها اعصابي واصاب بالتوتر العصبي : في احد الايام تناقشت مع زوجي حول موضوع بسيط وتافه جدا . فمثلا طلب مني ان نذهب الى منزل والدته ولكني كنت ارفض ذلك وانزعجت كثيرا لهذا الامر وسيطرعلى الغضب فتناولت حذائي ورميته باتجاه طفلي فاصاب الحذاء النافذة فتحطم زجاجها وتساقط فوق رؤوس الاطفال الذين كانوا يلعبون في الشارع . . . وقد تالمت كثيرا لهذا الامر وشعرت بالخجل من هذا التصرف . ومع الاسف فان زوجي لم يكن اقل عصبية مني . فمثلا عندما كان يسال اولاده عن دروسهم او يطرح عليهم سؤالا في الرياضيات ويحل لهم المسالة الرياضية فانه كان يشرح لهم طريقة الحل مرة ومرتين ولكنهم اذا لم يفهموا طريقة الحل عند ذلك كان يحاول ان يجعلهم يفهمون الدرس بالقوة والتهديد والضرب والصراخ في وجههم . . . فكنت افقد اعصابي واقول له : الطفل لايتعلم دروسه بالقوة والتهديد والضرب ، بل على العكس فان هذا الاسلوب يجعله ينسى ما تعلمه من دروس . . . فكان يرد علي بعصبية : انت لا تتدخلي ! في الوقت الذي ارى فيه اولادي يبكون . . . وخلاصة الكلام فان بيتي كان يسوده دائما الصراخ والعويل والغضب والبكاء والخوف والرعب وفي نهاية المطاف الخجل والندم
 |
|
 |
واللوم والانتقاد . وفي الايام الاخيرة صار اولادي يصرخون في وجهي ايضا . . . وقد صادف ان تحدثتم في احدى حلقات برنامج «اسس التعامل بين افراد الاسرة» ، عن الغضب وقلتم : «على الانسان ان ينتصرعلى الغضب ، لان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : (اقوى الناس من كظم غيظه) (1) وكما ناجى الله عزوجل به موسى في التوراة : «يا موسى امسك غضبك عمن ملكتك عليه اكف عنك غضبي» (2) .
ان ربة البيت ليس فقط يجب ان لاتكون عصبية وحادة المزاج بل عليها من خلال هدوئها وبروده اعصابها ان تهدئ اعصاب زوجها وتجعله يكف عن التهكم والسباب ويكفي ان تمتنع ربة البيت او رب البيت عن القيام باي تصرف او ردة فعل لمدة خمس دقائق فقط ويلتزم الهدوء عندما يشعر بتوتر عصبي وكونوا على ثقة انكم اذا كررتم هذا العمل او هذا التمرين عدة مرات فانكم سوف تتغلبون على غضبكم . لا تقولوا اننا لا نستطيع ذلك ، قرروا من هذه اللحظة القيام بهذه الخطوة ، وانكم بالتاكيد سوف تنتصرون على شيطان الغضب. . .
ان كلامكم وانتم تتحدثون بكل هدوء وثقة كان لطيفا وممتعا الى درجة انه ترك في ابلغ الاثر وقد بكيت وانا استمع الى حديثكم من على شاشة التلفزيون وتاثرت كثيرا لاطفالي الابرياء ـ لاني مارست بحقهم كل هذا الظلم ـ وبعد انتهاء البرنامج جلست مع زوجي وتحدثنا معا واتخذنا قرارنا . . .
توضيح ورد : اختي الكريمة ! تقبلي سلامي وتحياتي ، وتقبلي ايضا تقديري وتهاني لك على هذا النصر الكبير ، ان اولادك على حق عندما قالوا «لقد اصبح بيتنا جحيما» لان البيت الذي تتصاعد في كل ركن من اركانه السنة نيران الغضب هو في الحقيقة جهنم ، حيث يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (الغضب جمرة من الشيطان) (3) تحرق اولا روح وقلب صاحبها ومن ثم تحول بيته وحياته الى جحيم
|
(1) تحف العقول .
(2) الكافي ، ج 2 ص 307 باب 121 ح 7 .
(3) بحار الانوار ، ج 73 ص 265 .
|
لا يطاق وكل من تستطيع ـ مثلك ايتها الاخت الكريمة ـ ان تطفئ شعلة هذه النار المدمرة المستعرة في قلبها ، فانها تكون قد انتصرت على الشيطان المريد وطردته من قلبها ومن بيتها واستدعت اليها ملائكة الجنان واعادت السعادة والهناء الى بيتها وجعلت قلبها مفعما بالطمانينة والاستقرار ومليئا بالحب والوفاء .
قال امير المؤمنين عليه السلام : (اقدر الناس على الصواب من لم يغضب) (1) .
ان الانتصار على الغضب هو انتصار على الشيطان . فقد سال النبي الكريم محمد صلى الله عليه وآله وسلم جماعة من الناس : (اليس بينكم بطل مقدام ؟ من هو البطل برايكم ؟ فقالوا : انه ذلك الشخص القوي الذي لا يستطيع احد ان يلقيه ارضا . فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ان البطل الحقيقي هو الذي اذا دخل الشيطان قلبه واغضبه وانتفخت اوداجه ، ذكر الله وطرح الغضب الشيطاني ارضا») . ويقول الامام امير المؤمنين علي عليه السلام في هذا المجال : (ظفر بالشيطان من غلب غضبه ، ظفر الشيطان بمن ملكه غضبه) (2) .
|
|
ولكن كيف يمكن السيطرة على الغضب ؟
|
الغضب ينجم عن النظرة الاستعلائية والشعور بالقوة . فالذي يغضب ويسخط على الاخرين يرى نفسه متفوقا عليهم ويعتبرهم اقل منه شانا وعندما يتعرض هو ومصالحه لادنى تهديد نراه يضطرب ويثور ويزمجر ويصرخ . اما الشخص الذي يقدر الاخرين ويحترمهم ويحترم مطاليبهم واهتماماتهم واعمالهم ، فانه لا يضطرب ولا يغضب بين الحين والاخر لانه يعلم بان الاخرين هم مثله بل وافضل منه . ومن حقهم ان يتصرفوا بطريقة تختلف عن التصرف الذي يريده هو . كما انه يتصرف حيال الاطفال والاولاد بمزيد من الصبر والمرونه واللطف ويتذكر ايام صباه ويقارن تصرفات وهفوات الاطفال مع تصرفاته وهفواته عندما كان طفلا وصبيا يانعا ويدرك
|
(1) غرر الحكم ودرر الكلم حرف الالف .
(2) غرر الحكم ودرر الكلام حرف الظاء .
|
بالتالي ضعفهم فيسعى لتربيتهم وتاديبهم بمزيد من الملاطفة والمحبة والحنان . اذن فلكي ننتصر على الغضب علينا ان نتذكر ضعفنا واننا من التراب والى التراب ولدى مشاهدتنا شرارة الغضب الاولى «نجلس فورا على الارض وننظر الى السماء» (1) . علينا عند شعورنا بالغضب ان نجلس على الارض لنتذكر ضعفنا وذلتنا امام خالقنا وعلينا ان ننظر الى السماء لنتذكر قدرة الله المطلقة التي وسعت كل شيء ونشاهد في السماء ، هذه المراة العالية والمضيئة ، علم وقدرة وغنى الباري العلي القدير ونكف بالتالي عن الغضب والتشاجر والحدة مع عبادة الذين يقف سبحانه وتعالى الى جانبهم ويدافع عنهم .
وخلاصة الكلام ما جاء على لسان امير المؤمنين عليه السلام حيث قال : (الغضب مصدره الجهل والذي يغضب بسرعة يجهل نفسه ومستقبله ونقاط قوته وضعفه ويجهل قيمته ومكانة الاخرين ويجهل بيئته وما حوله وخالقه ولكي يتخلص من الغضب عليه ان يتخلص من الجهل وعليه ان يعالج غضبه بالصمت) (2) .
نيران الغضب يجب اطفاؤها بالجلوس على التراب ما عدا نيران الغضب المقدس التي يجب ان تؤجج اكثر فاكثر ونقصد به الغضب في مواجهة الظلم والظالمين والغضب لانتهاك حرمات الله وتخطي حدود الايمان والعفة والشرف . فمثل هذا الغضب يكون مقدسا ومكرما . يقول الامام جعفر الصادق عليه السلام : (ان الله سبحانه وتعالى يحب ان يرى الاحرار الكرام من عباده يقفون كالطود الشامخ والاسد الهائج بوجه الظالمين والكفار ويهجمون عليهم كالنمر الجريح) (3) .
فالاف التبريكات نقدمها لشعبنا العظيم المنتصرهذا الشعب الابي الذي اظهر
|
(1) مستخرج من حديث لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورد في كتاب تحف العقول .
(2) غرر الحكم ودرر الكلم .
(3) وسائل الشيعة ج 11.
|
غضبه المقدس في مواجهة الظلم والعدوان ، والاف البشائر نسوقها اليوم لهذا الشعب الذي يعيش في قمة العزة والكرامة والذي سيكون ابناؤه في الاخرة في ظل الرحمة الالهية الواسعة وهم «في مقعد صدق عند مليك مقتدر» ينعمون بالسعادة الابدية .
* * *
|
كيف يمكننا ان نتحلى بالهدوء والصبر
ونحافظ على برودة اعصابنا ؟
|
|
|
 |
ايام شهر رمضان هي ايام العزيمة والارادة والايمان ايام الحرية والانعتاق والاحسان . انتم تعلمون بان اصعب انواع الاسر هي ان يكون الانسان اسيرا لشهواته وغرائزه واسوا انواع القيود هي قيود الميول والاهواء النفسية ، وشهر رمضان هو شهر التخلص من عبودية البطن وشهر الانعتاق من قيود الغضب والشهوة وشهر التخلص من السيطرة غرائز الحدة والجوع والعطش وبالتالي فان شهر رمضان هو شهر العزيمة والارادة والانتصار .
الانسان المؤمن الذي يصوم شهر رمضان امتثالا لامر الله سبحانه وتعالى فانه بالتزامه بالمبادئ الخلقية السامية وتمسكه باداب الصوم يحطم في كل لحظة من لحظات صومه قيود الاسر واحدا بعد الاخر ويتخلص من الضغوط ومن غرائزه الحيوانية . وكل من يسال كيف يمكنني ان احد من غضبي واسيطر على اعصابي ؟ كيف يمكنني ان اكون هادئا وصبورا ؟ كيف استطيع السيطرة على نفسي ؟ كيف يمكنني ان اكون حسن الاخلاق والطباع ؟ وكيف . . . ؟ فاننا نقول له بان عليك ان تمتثل الامر الله وتصوم كما يصوم سائر المؤمنين وان تلتزم باداب الصيام بدقة لكي تصل الى قمة الشرف والكرامة والحرية . والان لنقرا هذه الرسالة :
الرسالة : . . . لاني اعلم بانكم لاتكشفون سري فاني استطيع ان اتحدث عن نفسي وعن اخلاقي بحرية واطلب منكم ان ترشدوني . . . اني ابدو في ظاهري
انيقا حسن المظهر والاخلاق ولكني في الحقيقة حاد المزاج شديد العصبية وسريع الغضب وعندما اغضب لا استطيع السيطرة على نفسي الى درجة اني ارمي لا اراديا ما بيدي من صحن او اناء او ابريق فيه ماء مغلي ، وكاني افقد كل ادراكي وفهمي ومشاعري واحيانا اضر راسي بشدة بحيث تسيل الدماء مني . ولم تمض سوى عدة اشهر على زواجي . حتى فقدت اعصابي مرة فرميت ابريق الشاي الذي في يدي باتجاه زوجتي فتحطم الابريق وصرخت زوجتي من شدة الفزع والخوف وسقطت على الارض . . . وبعد عدة ساعات من هذا الحادث شعرت بخجل شديد واعتذرت منها وقررت ان لا اغضب بعد ذلك وعاهدتها على ذلك . . . ولكن مع الاسف تخليت عن قراري مرات عديدة ونقضت عهدي وارتكبت نفس الاعمال السابقة بل اقبح واخطر منها وفي كل مرة كنت اشعر بالخجل والندم . . . اريد ان اسيطر على نفسي اريد ان اتغلب على غضبي ولكني لا استطيع ذلك ، حيث يجتاح الغضب كل كياني ووجودي وكانه كابوس مرعب ويجعلني انسى كل شيء . . . قولوا لي كيف يمكنني ان . . . ؟
الغضب له بداية ونهاية . يقول امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام : (الحدة ضرب من الجنون ، لان صاحبها يندم ، فان لم يندم فجنونه مستحكم) (1) .
ولكي لا تبتلوا بالجنون ولكي لا تتعرضوا للذل والخجل والندامة فلا تستعجلوا في الاستجابة لغريزة الغضب لان امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام يقول : (من طبائع الجهال التسرع الى الغضب في كل حال) (2) .
ويقول عليه السلام ايضا : (الغضب نار موقدة من كظمه اطفاها ، ومن اطلقه كان اول محترق بها) (3) اي ان الغضب نار ان استوعبتها في بدايتها والتزمت الصمت فانك تكون قد اطفاتها واذا تركتها وبدات بالصراخ فانها تستعر اكثر وتحرقك انت
|
(1) نهج البلاغة ص 681 قصار الكلمات رقم 257.
(2) غرر الحكم ودرر الكلم حرف الميم .
(3) غرر الحكم حرف الغين .
|
ومن حولك وتنتج عن ذلك الحوادث السيئة التي ذكرتها . ومن اجل ان تريد وتستطيع ان تحقق ماتريده ومن اجل ان لاتنقض عهودك مرات ومرات ولا تضرب راسك ومن اجل ان لاتحرق نفسك واسرتك ومحبتك وسعادتك في نار الغضب عليك ان تقوي عزيمتك وارادتك وتمرن نفسك على «ضبط النفس والسيطرة على الغرائز» اي عليك ان تصوم صياما واقعيا لان الصيام يقوي العزيمة والارادة ويسيطر على الغرائز قبل ان تتمرد ويفلت زمامها من ايدينا . الصيام يكبح جماح اقوى الغرائز وهما غريزتي الجوع والعطش ويحد من سيطرتهما على وجود الانسان وكيانه . وبذلك فالصيام يزيمد من قدرة الفرد على التغلب على سائر الغرائز ولا سيما غريزة الغضب او الغيظ .
تمعنوا في الحديث الشريف التالي ومن خلال تفكركم بحكمة الصوم اجعلوا انفسكم في عداد الصائمين . اصبروا وصابروا وخلصوا انفسكم من شيطان الغضب . فقد جاء رجل الى الامام علي بن موسى الرضا عليه السلام وساله عن حكمة وجوب الصيام فقال له عليه السلام : (انما امروا بالصوم لكي يعرفوا الم الجوع والعطش فيستدلوا على فقر الاخرة ، وليكون الصائم خاشعا ذليلا مستكينا ماجورا محتسبا عارفا صابرا على ما اصابه من الجوع والعطش فيستوجب الثواب مع ما فيه من الامساك عن الشهوات ويكون ذلك واعظا لهم في العاجل ورائضا لهم على اداء ما كلفهم . . .) (1) .
وفي الختام اعرب عن شكري وتقديري لك ايها الاخ الكريم لتحليك بهذه الشجاعة التي جعلتك تكتب لي عن اخلاقك . وانهي كلامي بكلام للامام امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام حيث يقول : (من خاف الله لم يشف غيظه ولا يشفي غليل غضبه) (2) .
|
(1) وسائل الشيعة ج 7 ص 4 حديث 12703 .
(2) غرر الحكم ودرر الكلم حرف الميم .
|
|
« المرض العضال »
|
|
|
 |
هل تعلمون ما هو اصعب بلاء يتعرض له الانسان ؟ الفقر والعوز ، هو احد اصعب البلايا ؟ صحيح . بلاء الفقر والفاقة صعب جدا ، ولكنه ليس من اصعب البلايا جميعا . المرض ؟ المرض هو اصعب من الفقر والحاجة ، لانكم اذا كنتم تملكون جميع ثروات الدنيا وتمتلكون الغابات والسهول والبحار ، ولكنكم تعانون من مرض ما ، فيكف بامكانكم ان تستفيدوا من كل تلك الثروات ؟ انها جميعها تبدو في نظركم تافهة لاقيمة لها .
نعم ان المرض هو اصعب على الانسان من الفقر . ولكنه مع ذلك ليس اصعب البلايا التي تقع على الانسان . فاصعب البلايا هو مرض النفس واعتلال الروح . لعلنا لم نشعر بالامس وحتى الان بمرض النفس الذي نعاني منه ولم نكن على علم بما يسببه لنا من الم يرهق النفس ، ولكن عندما نصل في المسقبل الى مرحلة الوعي سنشعر بمرض الروح والنفس وسنضطرب ونعاني من شدة الالم والعذاب . واذا كنتم لم تشعروا عن كثب وبشكل ملموس بمرض الروح فان بامكانكم ان تلاحظوا من خلال الرسالة التالية نموذجا لاكثر البلايا ايلاما :
الرسالة : . . . ان كل لحظة هي بالنسبة لي كقرن من الزمان ، الحياة بالنسبة لي مرة وثقيلة ، فانا وحيد لا ملجا لي ولا ماوى ، اصدقائي غير اوفياء ولا يدركون معاناتي والامي وهم يكتفون بالكلام واعطاء الوعود وعند التنفيذ يصبحون عديمي الارادة والقدرة . . . والاسوأ من ذلك ان لي ايضا نفس الطباع . فقد قررت مرات ومرات ان اغير من طباعي هذه ووضعت خططا
 |
|
 |
وبرامج لنفسي لهذا الغرض ولكني لم اتمكن من تنفيذ ما صممت عليه ونقضت جميع عهودي وتعهداتي . فاسوا ما كنت اعاني منه هو فقدان وعدم القدرة على اتخاذ القرار وعبادة المال والثروة والنفاق . احيانا كنت اتصور نفسي انسانا صالحا وطيبا ولكن عندما كان يحين وقت العمل والتنفيذ كنت ارى نفسي اضحي بكل شيء واتخلى عن الجميع من اجل المادة والمكسب المادي . . . اريد ان اهرب من نفسي ولكن اينما ذهبت ارا ظل ارادتي الضعيفة المهتزة يلاحقني . . .
احيانا اقرر ان اصحح تصرفاتي واتعامل مع اهلي واسرتي بمحبة وحنان ، اقرر ان اكون صادقا مع الاخرين ووفيا لهم ، ولكني سرعان ما ارى امامي من يضحك علي بصوت عال ويستهزئ بي ويجعلني اتخلى عن قراري . وكلما اهرب منه لايبتعد عني . يلازمني دائما ويقض مضجعي بابتسامته اللاذعة ووساوسه المشينة ويعزز في حالة انعدام الارادة والمراء والنفاق . حبذا لو كنت استطيع الانتحار ، لقتلت نفسي واسترحت وهدات ولو للحظة واحدة . رغم اني اعيش حالة رفاه مادي كامل ولكني اشعر بالتفاهة والضعف . . .
اني اعرف ماذا سيكون ردكم علي : تقولون لي : الانتحار حرام . . . يتبعه العذاب ونار جهنم . . . لا تفقد الامل تخلص من هذه الافكار والاوهام . ولكن كيف استطيع ذلك ؟! كيف يمكنني ان ابعد عن نفسي هذا الشعور بالتفاهة وعدم الارادة ؟ كيف يكون لدي امل في حياة مرة قاسية يسودها التردد والشك ؟ كيف يمكنني ان اقرر بان اصبح انسانا صالحا ؟ وفي وقت ارى فيه ان الارادة قد ماتت في وجودي ! . .
اخي العزيز ! كن واثقا ان الانسان طالما هو حي يرزق فان ارادته ايضا حية وباقية ، نعم ! قد تكون هذه الارادة ضعيفة ومنهكة ومنهارة ولكن بالامكان معالجتها وجعلها تقف على قدميها . ان السبيل لمعالجة فقدان الارادة وعدم القدرة على التصميم وجميع الامراض النفسية الاخرى التي اشرت اليها (كالشعور بالتفاهة والشك والتردد والشعور بالاحباط والياس والوحدة والرياء وعدم الوفاء و . . .) . يكمن في العودة عن الطريق الذي وصلت الى نهايته والذي اوصلك الى هذه
 |
|
 |
المساوئ والحق بك هذه الاشرار . واني اتصور بان هذه الامراض المرهقة على الارجح نتيجة «الحياة المرفهة التي تعيشها ومجالستك لاصدقاء غير اوفياء لا ايمان لهم» .
تسالون : كيف نستطيع ان نستعيد ارادتنا المنهارة ؟ ونعود الى طريق الصواب ؟ وردا على سؤالك نقول : يحل علينا الان شهر رمضان بايامه النورانية المضيئة ولياليه الروحانية . وبمناسبة هذا الشهر الكريم ، اطلب منك ايها الاخ الكريم ان تبتعد عن اصدقاء السوء الذين لا وفاء لهم وتنضم الى عباد الله الصائمين وتكون معهم وقت الافطار ووقت السحر وعليك ان تعرف قدر هذه الفرصة الثمينة وان تبادر ـ بنية الهية خالصة وبصدق ووعي ـ الى الصيام والعبادة والمناجاة مع الله وخدمة خلق الله . حيث يقول النبي الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم : (صوموا تصحوا) فالصيام سلامة وصحة للجسم والروح كما ان الصيام يقوي العزيمة والايمان . فالصائم بتحمله للجوع والعطش ، يصقل روحه ويبعد عن نفسه الادران والاقذار ويقوي بذلك ملكة الصبر والارادة لديه . وقد اوجب الله سبحانه وتعالى الذي هو الطبيب الحقيقي لروح الانسان ، الصيام وفرضه على الناس للوقاية من تلك الامراض ومعالجتها . فقد جاء في كتاب وسائل الشيعة الجزء السابع في باب وجوب الصوم ، عن الامام الصادق عليه السلام والامام الرضا عليه السلام ما مضمونه :
فقد فرض الله الصيام لكي نشعر بمشقة الجوع وحرقة العطش ونتخلص من حياة الترف والرفاهية وحب الراحة لكي نتذكر عالم الاخرة والقيامة ولا ننسى فقرنا في ذلك اليوم وناخذ الزاد الى يوم المعاد حيث ان الجوع والعطش الحقيقيين يؤذي الفقراء المعذبين في اعماق نفوسهم ونحمل زاد التقوى الى ذلك اليوم . ولكي نقوي قدرتنا وعزيمتنا امام اهواء النفس والشهوات ولكي نثبت خضوعنا وتذللنا امام خالقنا الرحمن الرحيم ، وندرك الهدف من الحياة وندرك بالتالي انفسنا ونتخلص من الشعور بالتفاهة . وان الله فرض علينا الصيام لكي نزداد املا وثقة بالحياة ونقوي لدينا القدرة على الصبر والتحمل ونكون راضين ومتشوقين لاداء الفرائض والواجبات الالهية . وذلك من خلال الاستئناس مع الله وتامل لطفه ورحمته .
وكن على ثقة بانك اذا ما اديت فريضة الصيام والتحقت بجموع المصلين في
المساجد اخذا بعين الاعتبار تلك القيم والاداب والسنن الدقيقة والمحكمة التي شرعها الله سبحانه وتعالى للصائمين وفرض عليهم الالتزام بها ، فانك تكون قد طهرت جسمك وروحك من تلك الامراض الناتجة عن الاقذار والادران وعند ذلك فان الحياة ستصبح في نظرك نظيفة ونقية وممتعة وستصبح ارادتك وتصميمك اقوى وامتن واكثر تحركا من ذي قبل . وكن واثقا بانك اذا اتبعت هذا الاسلوب فانك وفي ختام شهر رمضان المبارك ستنال ـ بفضل الله تعالى وكرمه ـ مغفرة الباري تعالى ورحمته وعفوه وعند ذلك ستشعر وتلمس بنفسك حال من الصفاء والحيوية والسعادة تغمر وجودك وستلاحظ في الايام الاخيرة من شهر رمضان بان روحك مفعمة بالنشاط والعزيمة والايمان وعندها ستدرك بان شهر رمضان هو شهر البركة شهر الشفاء شهر العزيمة والارادة وشهر الكفاح والمقاومة والشوق والامل والايمان .
|
|
بشرى لجابر ولجميع المسلمين
|
عن الامم الباقر عليه السلام قال : رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لجابر بن عبدالله : يا جابر هذا شهر رمضان من صام نهاره وقام وردا من ليله (1) وعف بطنه وفرجه وكف لسانه خرج من ذنوبه كخروجه من الشهر (2) .
نساله تعالى ان يوفقنا لنكون من الصائمين الحقيقيين وان نرافقهم الى ضياقة الله لنصل الى الهدف الاسمى وان نحضا بالاجر والمكافاة الخالصة من الباري سبحانه وتعالى نامل ان ناخذ من فريضة الصيام دروسا في الخوف من الله والتقوى ونتغلب بالتالي على الغضب وعلى كل الصفات الذميمة . .
|
(1) اي قسما منه .
(2) الفروع من الكافي ، ج 4 ص 89 باب 11 ح 2 .
|
|
ماهي الصلاة ؟ ولماذا نصلي ؟
كيف اعيش مع زوجي الذي لا يصلي ؟
|
|
|
 |
الصلاة هي ذكر الله ، وذهاب الى ضيافة الله الكبرى والوقوف امام عظمته بامل وادب والاعراب عن الشكر والامتنان له وطلب الحاجة منه والتضرع اليه . فالمصلي يقف بكل خضوع وخشوع امام الله العزيز العظيم ويقر بربوبيته ويطرد عن نفسه كل انواع الشرك بالله ويعترف بوحدانية الباري جل وعلا ويلتمس منه العذر والمغفرة لذنوبه السابقة . فالمصلي يضع وجهه على الارض خمس مرات في اليوم لكي لا ينسى خالقه الذي خلق الانسان من نطفة مهينة واعطاه السمع والبصر والعقل والذكاء ومنحه الحياة ولكي لا يتمرد على ما امر به الله ولا يرتكب المعاصي والموبقات وينسى نفسه والهدف من وجوده وخلقه . الانسان يصلي لكي لاينسى الله الرؤوف الرحيم الذي خلقه ورزقه وهو مولاه ومدبر اموره ومعيشته وبالتالي لكي لا ينجرف او يميل الى السوء والضلال .
نبي الاسلام الرسول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم يعتبر الصلاة كنبع الماء الزلال الصافي وكالعين التي يتدفق منها الماء حيث يغتسل فيها الانسان المؤمن ويطهر نفسه بها خمس مرات في اليوم وينظف روحه من جميع القبائح والمساوئ ويتخلص من جميع الاقذار والادران . الصلاة هي ذكر الله وهذا الذكر النوراني والسماوي يمنع الانسان الذي يعيش فوق هذه الارض الترابية من ارتكاب الذنوب والمعاصي ويحفظه من المفاسد على اختلاف انواعها وبالتالي فان ذكر الله يسمو بالانسان ويجعله يقترب من خالقه .
والان ومع الاخذ بعين الاعتبار مفهوم الصلاة واهميتها من الناحية المعنوية ومن الناحية التربوية ايضا ما هو ردكم على السؤال الذي ورد من خلال الرسالة التالية التي بعثت بها الينا احدى الاخوات الكريمات :
الرسالة : . . . منذ فترة جاء شاب يطلب يدي للزواج واكثر والدى هذا الشاب في التردد على بيتنا وهما يصران على ان يخطباني لابنهما . اسرة الشاب اسرة محترمة ومعروفة ويقولون بان والده ووالدته طيبان ومؤمنان ولكن الشاب نفسه لا يصلي . فهو بنفسه قالي لي : القلب يجب ان يكون نظيفا مع الله. الصلاة ليست مهمة ، ما علاقة الصلاة بالحياة ؟ اذا اردت ان تصلي ، فصلي ، ما شانك انت ان انا صليت ام لا ؟ والدي ووالدتي تركا لي الخيار في قبول هذا الشاب ورفضه ، فهل اقبل به واتزوجه ؟ وهل ساعيش حياة سعيدة معه ؟ ماذا اقول له . . . ارجو ان ترشدوني . .
ايتها الاخت الكريمة !
ان الشاب الذي لا يصلي ولا يقبل الارشاد والهداية فانه لا يفهم حقيقة الدين . فالصلاة هي حق الله فكيف تتوقعين من الشخص الذي لا يراعي حق الله ولا يفي بما عاهد الله به ، ان يودي حقك ويفي بما تعهد به لك ؟! فالذي لا يطهر نفسه بينبوع الصلاة فان الاوساخ والادران تكسو جسمه فتنبعث منه راحة كريهة ويصبح عبدا للشيطان الذي يحثه على ارتكاب المزيد من الاعمال القبيحة والمعاصي ويجعله ينجرف نحو معاص اعظم وذنوب اكبر . اذن كيف يمكنك ان تعيشي حياة سعيدة هانئة مع شخص كهذا ؟ كيف يكمنك ان تثقي بامانته ووفائه ؟ كيف يمكنك ان تقبلي به زوجا لك ؟ ولكي تدركي بشكل افضل النتائج السيئة والمؤذية التي تترتب على ترك الصلاة وعدم الاعتناء بها وكيف ان الشخص الذي لايصلي يخسر ويضيع دنياه واخرته وان الاستخفاف بالصلاة والاستهانة بها يجعل الشخص سيئ الخلق يعيش حياة قلقة مضطربة مظلمة ، لكي تفهمي كل هذه الامور طالعي هذه الرسالة التي وصلتنا من اخ الكريم :
الرسالة : . . . في عام . . . عرفوني على فتاة لغرض الزواج منها فذهبنا لخطبتها وتحدثنا عن كل شيء . . . وقد طرحت انا بعض الاسئلة على اهل الفتاة
|
|