ادب الطف ـ الجزء السابع 166


وفي الشبيبة قـد قاسيت كل عنا اذا فماذا أرى في أرذل العمر
ان كان آخـر أيـامـي كأولها أعـوذ بالله مـن أيامي الأخر
فهل يسعك بعد وقوفك على هذه الغرائب الا أن تؤمن به وتعتقد انه معجزة الدهر لا نابغة العصر الذي هو فيه فقد كان رحمه الله سريع البديهة حسن الروية كثير الارتجال فقد قرأت في احدى مجاميع البحاثة الاديب علي بن الحسين العوضي الحلي وهو من معاصري الكواز ما هذا نصه وقد نقلت ذلك من خطه قال: تذاكرت يوما أنا والكواز المذكور فيما كان يرتجله الشعراء الاقدمون من الاراجيز والقصائد فقال لي لا تعجب واكتب ما أملي عليك اذا شئت ثم ارتجل مقطوعة رقيقة لم يحضرني منها سوى قوله:
أخوي هذي أكـؤس ا لشوق المبرح فأشربا
واذا انتـحبت صبـابة مـما دهـاني فانحبا
لا تعجبا مـن صبوتي ومن المـلام تـعجبا
ما كنت بدعا في الغرا م ولست أول من صبا

وقال العوضي أيضا: كان هو وأخوه الشيخ صالح يمشيان معي فتذاكرنا من أنواع البديع تشبيه الشيء بشيئين فقلت في ذلك:
عاطيته صرفا كأن شعاعها شفق المغيب ووجنة المحبوب
فأجاز أخوه مرتجلا:
فغدت وقد مزجت بعذب رضابه شهدا يضوع عليه نشر الطيب


ادب الطف ـ الجزء السابع 167


وأجاز هو رحمه الله فقال:
وشربت صاف من لماه كأنه ماء الحيا أو دمعي المسكوب
وكان يوما في احدى أندية بغداد فسأله الحاضرون وفيهم العلامة السيد ميرزا جعفر القزويني والشاعر الشهير عبدالباقي الفاروقي العمري وأمين أفندي آل الواعظ وطلبوا منه تخميس البيتين المنسوبين لابن الفارض فقال على البديهة:
زعم اللائم المطـيل بعذلي مثله يسـتزل باللـوم مثـلي
يا نديمي على الغرام وخلي غن لي باسم من أحب وخلي
كل من في الوجود يرمي بسهمه
أين حبي اذا أطعت الاعادي بحبيب هواه اقصى مرادي
فوحق الـوداد يا بن ودادي لا أبالي ولو أصاب فؤادي
انه لا يضر شيء مع اسمه

ومات له ولد صغير ودفن في المقبرة المشهورة حول «مشهد الشمس» في الحلة فقال وأبدع في رثائه:
ليهن مـحاني مشهـد الشمس انه ثوى بدر انسي عندها بثرى القبر
وكان قديما مشهد الشمس وحـدها فعاد حديثا مشهد الشمس والبدر

أقول وقد نسب الدكتور مهدي البصير هذين البيتين للشيخ صالح الكواز وهو الاخ الاكبر للشاعر المترجم له.

مولده: اختلف في سنة وفاته وعمره والاصح ما أخبرني به المرحوم الشيخ علي بن قاسم الحلي أحد شيوخ الادب المعمرين في الحلة والمعاصرين لصاحب الترجمة انه توفي في مرض السل سنة 1283 هـ أو قبلها بسنة وعمره فيما يعتقد لم يتجاوز 38 سنة

ادب الطف ـ الجزء السابع 168


فيكون مولده والحالة هذه سنة 1245 ونقل نعشه الى النجف ودفن في وادي السلام واتفقت بعد وفاته بقليل وفاة خاله الشيخ علي العذاري فقال أخوه الشيخ صالح يرثي أخاه المذكور وخاله معا من قصيدة مطلعها:
وقع السيف فوق جرح السنان خبر اني لاي جرح أعاني

ولقد تخرج المترجم له على أخيه الشيخ صالح واستفاد من ملازمته ومن الشاعر الكبير السيد مهدي بن السيد داود وجمع أخوه في حياته ديوان أخيه الى ديوانه وسماهما «الفرقدان» وقد بذلت قصارى الجهد في الحصول على نسخة ذلك المجموع من مظانه في الحلة أيام اقامتي فيها فلم أتوفق وحالت دون ذلك عوائق لم أجد لبيانها سبيلا ، واليك بعض ما وقفت عليه من رقيق شعره وكله يكاد يقطر رقة وسلاسة:
يا مالكي لي في الحشى من نور وجهك نار مالك
عطفا على دنـف أضر بحاله تصـحيـف حالك
وله:
شاب رأسي والهم فيكم وليد وبلى الجسم والـغرام جديد
قتل الصبر كالحسين شهيدا لا لذنب والهجر منكم يزيد
وله:
يا صاحـب العين الكحيلـة تحتها الخد الاسيل وقاتلي في ذا وذي
ومعـذبي بجحيـم نيران الهـوى لم لم تكن من نار حبك مـنقذي
وتقول لي أهلكت نفسك في الهوى شغفا ولو أنصفتني «انت الذي»


ادب الطف ـ الجزء السابع 169


وله:
كلفت بمـياس القـوام مهفهف ترى منه لين الغصن والغصن مائل
فما الصـبح الا خده وهو نير وما الليل الا فرعه وهـو حـائل
فيا معـرضا عني وحبك مقبل ويا هاجري والهـجر للصب قاتل
سأجعل من حبي اليك وسـيلة اذا هي اعـيتني الـيك الـوسائل
وأرسل أشواقي اليك مع الصبا اذا انقطعت مني الـيك الـرسائل
وله يهجو بخيلا:
ومتيم بالبخل مثل هوى الاليف بـحب الفـه
وتـراه يحـمل عيـبه بين البرية فوق كتفه
لـو قيل كفك بالعطاء همت لهـم بقطع كفه
وله من قصيدة:
أمعودي حال الضـنى حتى لقد أخفى الضنى جسدي على عواده
عطفا فقد ذهبت بمهجتي النوى وشكا اليك الجفن طـول سهاده
خذ جسمي البالي اليك ترحه من بلـواه أو فاسمـح بـرد فؤاده

وربما يشتبه غالبا في كثير من مجاميع المراثي الحسينية فينسب بعض قصائد المترجم لسميه ومعاصره الشيخ حمادي نوح أو لأخيه الشيخ صالح الكواز ـ وبالعكس ـ وها نحن نثبت مطالع قصائده في أهل البيت خاصة تمييزا لها عن سواها من مراثي غيره فمنها النونية التي مطلعها:
حتى م تألف بيضكم أجفانها والى م تنتظر الرماح طعانها
والحائية التي يستهلها بقوله:
حسبتك من بعد الجماح أمسيت طوع يد اللواحي


ادب الطف ـ الجزء السابع 170


والعينية التي أولها:
أما الأحبة ما لهم رجع ألفوا النوى وتأبد الربع
ومن نفائسها قوله:
أوصى النبي بـوصل عترته فكأن ما أوصى به القطع
هـذي رجـالـهـم يغـسلها فيـض الدما ويلفـها النقع
والماء يشـربه الورى دفـعا ولآلـه عـن ورده دفـع
وأبت هناك (الخفض) أرؤسها فغدا لهن عـلى القنا (رفع)
واللامية في رثاء أبي الفضل العباس بن علي عليه السلام:
أرأيت يوم دعوا رحيلا من حملوا العبء الثقيلا

أقول ورأيت ديوان الشاعر عند السادة آل القزويني في قضاء الهندية وقد كتب بخط جيد وفيه كل شعره ونقلت منه بعض القصائد ومنها هذه الرائعة الرقيقة في الامام الحسين عليه السلام:
ألا مـا لقلـبي مـمـا بـه يكـلف جفـني بتسـكابه
أهل راعه فقد عصر الشباب أم هـاجه ذكـر أحـبابه
نعم كان يصبو زمان الصبا لعـهد العـذيب وأتـرابه
يعـير مـسامـعـه للغـنا ويشنى الغـداف لتنـعابه (1)
فأصبح لا الشـوق من شأنه ولا حـب ميـة من دابه
ولكن شجاه بأرض الطفوف مصاب الحسين وأصحابه
عشية بالطف حـزب الاله رماها الضلال بـأحزابه
أراد ابن هند رؤوس الفخار تنقاد طـوعـا لأذنـابه


(1) الغداف : رغاب القيظ .
ادب الطف ـ الجزء السابع 171


ورام مـن العـز دفـع الأبـي ومن يدفع الليث عـن غابه
فنـبه للـحـرب مـن لا يـنام الا عـلـى نـيـل أرابـه
أخا الشـرف الـباذخ المستطيل على الـكون طـرأ باحسابه
وملتـجأ الـخائـف المسـتجير اذا عـضه الـدهر في نابه
رأى الصعب في طلب العز في المنـية سهـلا لـطـلابـه
فـقارع أخـبـث كـل الانـام بأزكـى الانـام وأطـيـابه
ومـذ فقدوا استقـبل القـوم فر دا فرد الخمـيس لاعـقـابه
ولو شاء يذهب من في الوجود لـكان القـدير بـأذهـابـه
ولـكـن دعـته لـورد الردى سجـية ذي الشـرف الـنابه
فجانـب للعـز ورد الـحـياة وجرعه الحـتف مـن صابه
فـلو كـان حـيا نبي الهـدى (محـمد) كان المـعزى بـه
ولو كنـت فاطـمة تـنظرين سـلـب الـعـدو لاثـوابـه
خـلعـت فـؤادك للحـزن أو كـساك المـصاب بجلـبابه
فما خـلت من قـد براه الاله فـي الـدهر غـوثا لمنتابه
به الخـطب ينـشب أظـفاره ويمـضي بـه حـد أنـيابه
وبيـت سـما رفعة فـاغتدى وشـهب السما دون أطـنابه
تخـر الـملـوك لـه سـجدا وتهوي الـملائك فـي بابه
تطـيل الـوقـوف بـأبـوابه وتـستاف تـربـة أعـتابه
تضـيع فـيه حقـوق الالـه ولم تـرع حـرمة أربـابه
وتـدرك ثــارات أوثـانـها أمـيـة في قـتـل أو ابـه
وتهتك منـه الحـجاب الـذي مـلائكـه بعـض حجـابه
وتسـبى كـرائـمـه جهـرة الـى أشـر الغـي كـذابه
فلـيت الـوصي يـراهن في يد الشـرك أسـرى لمرتابه
تجوب بها الـبر عجف النياق فـيقـذفهـن لأسـهـابـه
وكـافلـها نـاحـل يشـتكي مع الاسر من ضر أو صابه


ادب الطف ـ الجزء السابع 172


يصـابرها محـنا لـم تدع مـن الحلم شيـئا لأربابه
يشاهـد أرؤس سـمر العدا تمـيس بأرؤس أحـبابه
وفي الترب أجسامهم صرعا بقضب الضلال وأحزابه
ويرعـى نساه ويـرعيـنه بمنسجم الـدمع منـسابه
يـراهـن أسرى وينـظرنه بأسر الضـلال ونصابه
فـينحب شجوا على ما بها وتنحب شجوا على ما به
الى أن تحل بـأرض الشئام عداها الغـمام بتـسكابه


ادب الطف ـ الجزء السابع 173


الشيخ ابراهيم صادق العاملي

المتوفى 1284

قال في رثاء الحسين عليه السلام:
هـل فـي الـوقوف على ربى يبرين برء لداء فـي الـفـؤاد دفيـن
وهل الوقـوف عـلى الامـاكن منقع غللا وقد بقـيـت بغيـر مكين
حتام تتبع لحظ طـرفك مجـري الـ ـعبرات اثـر ركـائب وظعون
والام تنفث مـؤصـدا الـزفرات عن جمر بأخبية الحشـى مكـمـون
تخفي الأسى وغريب شأنك في الأسى باد يـفسره غـروب شـئـون
ولقد بلـوت الحـادثـات وكـان لي في الخطب صبر لا يزال قريني
وتجلـدي مـا فـي كـعـوب قناته لردي يريد الغمز ملمـس ليـن
ورزين حلمي لا يطيش لمـحـنـة جلت وان قطع الزمـان وتيـني
وغزيـر دمـعـي لا يزال مصونه الا لـذل شـامـل فـي الـدين
وخطوب آل محمـد ضـعـن من أركان دين الله كـل حـصـين
هم خيرة الباري ومهبـط وحـبـه حقا، وعيـبة علـمـه المخزون
هم نور حكمـتـه وبـاب نجـاته أبدا وموضع سره المـكـنـون
أمـنـاؤه فـي أرضـه خلـفـاؤه فـي خلقـه أبنـاء خـير أمين
وهـم الألـى عيـن اليقين ولا هم من كل هول في المعـاد يقينـي
ما لي من الاعـمال الا حـبـهـم في النشأتين وحبهم يكـفـيـني


ادب الطف ـ الجزء السابع 174


مـهـمـا أسـأت وقـد نسأت رثاءهم بـدر الـولا لـرثـائـهم يدعوني
واذا تقـاعد منطقـي عــن مـدحهم نهضت جميع جـوارحـي تهجوني
أو ما درت تلـك الـجـوارح شفـها رزء الاطائب من بنـي يـاسـين
وحديث فاجـعـة الطـفـوف أذالـها دمعا به انبجست عـيـون عيوني
اني متـى مـثـلتـها سعـر الجـوى مني بأذكى مـن لظـى سجـيـن
ومتى أطـف بالطـف من ذاك العرى جعلت أراجيف الاـسى تـعروني
وذكـرت ما لم أنسـه مـن حـادث ما زال يغري بالشمـال يميـنـي
حيـث ابـن فـاطمة هنـاك تحوطه زمر الضلالة وهو كالمـسـجون
وهم الألى قد عـاهـدوه وأوثـقـوا عقـدا لـبيـعـته بكـل يمـيـن
حتى أناخ بهـم بمـا يـحـويه من آل وأمـوال وخـيـر بـنـيـن
غدروا به والغـدر ديـدن كـل ذي احـن بكـل دنـيـة مـفـتـون
ورموه ـ لا عرفوا السداد ـ بأسهم من كف كفر عن قسـي ضـغون
ولديـه مـن آسـاد غـالـب أشبل يخشى سطاها ليث كـل عـريـن
وأماثـل شـربـوا بـأقـداح الولا صافي المودة من عيـون يـقـين
سبقـوا بجـدهـم الـوجـود وآدم ما بين مـاء فـي الـوجود وطين
وهم الألـى ذخـر الاله لنـصـره في كربـلا مـن مبـدأ التكـوين
لا عيب فـيهـم غيـأنهم لدى الـ ـهيجاء لا يخشـون ريب منـون
وعـديـدهم نزر القليل وفي الوغى كـل يـعـد اذا عـدا بمـئـيـن
والكـل ان حمـي الوطيس يرى به قبض اللوا فرضا علـى التـعييـن
ما رنة الاوتـار فـي نغـمـاتـها أشهـى لديـهـم مـن صليل ظبين
كـلا ولا ألحـان معـبـد عنـدهم في الروع أطرب من صهيل صفون
ثاروا كما شاء الهـدى وتسـنـموا صهوات قـب أيـاطـل وبطـون
وعدوا لقصدلو جرت ريـح الصبا معهم به وقـفـت وقـوف حرون
واذا الهجان جـرت لقصد أدركت قصبا يقصر عنه جـري هجـيـن


ادب الطف ـ الجزء السابع 175


حتـى اذا مـا غـادروا مهج العدى نهبـا لكـل مهـنـد مسنـون
وفد الردى يبغـي قـراه وكلـهـم حـب القرى بالنفس غير ضنين
فلذاك قد سقطـوا على وجه الثرى ما بيـن مـذبـوح وبين طعين
وشروا مفاخـرهم بأنفـس أنفـس ينحـط عنهـا قـدر كـل ثمين
طوبى لهم ربحـوا وقد خسر الألى رجعوا هناك بصفقـة المغـبون
وغدا عميد المكـرمـات عميدهم من بعدهم كالـوا لـه المحزون
ظامي الفؤاد ولا معـيـن له على قوم حموا عـنـه ورود معيـن
يرنو ثغور البـيـد وهـي فسيحة شحنت مراصدها بـكـل كمين
ويرى كراديس الضـلال تراكمت وكأنها قطـع الجـبال الجـون
ويكر في تلك الصفوف مجـاهدا كر الوصي أبيه فـي صـفـين
ويعود نحو سرادق ضربت على أزكـى بنـات للهـدى وبنيـن
وكرائم عبث الأسـى بقلـوبهـا فغدت فـواقـد هـدأة وسكـون
يسدي لها الوعظ الجميل وذاك لا يجدي ذوات لواعـج وشجـون
ونوائب عـن حمـل أيسر نكبة منهـا تسيـخ منـاكب الراهون
ثم انثنـى يلقـى الصوارم والقنا بـأغـر وجـه مشـرق وجبين
قسما بثابت عـزمـه ـ واليتي بثبات عـزمتـه أبـر يمـيـن
لو شاء اقراء الردى مهج العدى طرأ لأضحت ثم طـعـم منون
أو شـاء افنـاء العـوالـم كلها قسرا لأومـيء للـمـنايا كوني
أنى ومحتوم المنـايـا كـامـن ما بين كاف خطـابـه والنـون
لكن لسر في الغيـوب وحـكمة سبقت بغامض علمه المخـزون
وخبا ضياء المسلمين ومحم الذ كر المبيـن غـدا بغـيـر مبين
وبنات خير المرسلين برزن من دهش المصاب بعولـة ورنيـن
من كل زاكية حصان الذيل ما ألف سوى التخديـر والتحصين
ولصونهـا أيدي النبوة شيدت من هيبة الباري منيـع حصون
وأجل يوم راح مفخـر هاشم فيه أجب الظهـر والعـرنيـن


ادب الطف ـ الجزء السابع 176


يـوم بـه تلك الفـواطـم سيـرت أسـرى تلـف أبـاطحا بحزون
من فوق غارب كـل أعجـف عاثر في السير صعب القود غير أمون
وتقـول للحامي الحـمـى ومقـالها كـدموعهـا مـن لـؤلؤ مكنون
عطـا علـي ولا أخـالك ان أقـل عطفا علي تغض طـرفك دوني
أو لست تنـظرنـي وقد هتك العدى خدري وهدمت الطغاء حصوني
من بعد أن تـركوا بنيك على الثرى ما بين مذبـوح وبـيـن طعين
عارين منبوذيـن فـي كنـف العرا من غير تغسيل ولا تكـفـيـن
تلك الرزايا قـد أشبـن مـدامعـي بدم الفؤاد كما أشبـن قـروني
أيمـس عيني الكرى وعلى الـثرى جسم الحسين أراه نصب عيوني
من غير دفن وهو أفضـل ميـت في قلب كل مـوحـد مـدفون
* * *

الشيخ ابراهيم بن صادق بن ابراهيم بن يحيى بن محمد بن سليمان بن نجم المخزومي العاملي الطيبي . ولد في قرية الطيبة من قرى جبل عامل سنة 1221 وتوفي بها سنة 1284.
كان من العلماء الافاضل ، خفيف الروح درس في النجف الاشرف وكان سفره اليها سنة 1252 ـ أقام بالنجف سبعا وعشرين سنة وبضعة أشهر قرأ على الشيخ حسن بن الشيخ جعفر صاحب كاشف الغطاء وأخيه الشيخ مهدي وعلي الشيخ مرتضى الانصاري ويروي عنهم بالاجازة ـ له منظومة في الفقه تزيد على الف وخمسمائة بيت وله قصائد عامرة في مدح أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب وقد كتب بعضها في الحرم العلوي المطهر وكان شاعرا وناثرا . ومما روى عنه قوله:
وقلت أمدح سيدي ومولاي أمير المؤمنين صلوات الله عليه

ادب الطف ـ الجزء السابع 177


وعلى أبنائه الائمة الميامين ، وقد كتب جملة من هذه القصيدة على دور ضريحه المقدس من الجوانب الاربع في 20 رجب سنة 1271، ذكره سيدنا الحسن الصدر في (التكملة) فوصفه بالعالم الفاضل المحقق والاديب الشاعر المفلق.

وكتب الاديب المعاصر السيد حسن الامين عن شاعرية الشيخ ابراهيم صادق تحت عنوان (علائق شعرية عراقية عاملية) في مجلة البلاغ الكاظمية العدد السادس السنة الثانية وترجم له شيخنا الطهراني في (الكرام البررة في القرن الثالث بعد العشرة) قال: وآل صادق من أشرف بيوت العلم في جبل عامل وأعرقها في الفضل والادب نبغ فيهم أعلام في الفقه والشعر لم تزل آثارهم غرة ناصعة في جبين الدهر ولا سيما شعراؤهم الافذاذ الذين طار صيتهم في الآفاق ، وكانوا يعرفون قبل الشيخ صادق بآل يحيى نسبة الى جدهم الذي كان من صدور علماء عصره وأدبائه . أقول وسبق أن ترجمنا في هذه الموسوعة لجده الكبير الشيخ ابراهيم بن يحيى.
قال مستجيرا بالامام الحسين عليه السلام:
يا سيد الشهـداء يـا مـن حبـه فرض وطـاعتـه اطـاعة جده
وابن الامام المـرتضى علم الهدى سر الاله مبـين منهـج حـمـده
وابـن المطهرة البتول ومن عنت غر الـوجوه لنور بـاذخ مجـده
واخا الزكي المجتبى الحسن الذي نور الهدى مـن نـور غرة سعده
وأبـا عـلي خير أربـاب العلى وامام كـل مـوحد مـن بـعـده
وافاك عـبـدك راجيـا ومؤملا منك الحبا ورضاك غـاية قصده
فاعطف عليه بنظرة تـوري بها ـ يا خير مقصود ـ شرارة زنده


ادب الطف ـ الجزء السابع 178


وأنله منـك شفـاعة يمسي بها من لطف باريه بجنة خلده
وأقله سطوة حادث الزمن الذي أخنى عليه بجـده وبجهده
فلأنت أكرم مـن همت أنواؤه يوم العطاء لوفده من رفده
وله يمدح الامام أمير المؤمنين عليه السلام وهي تزيد على 150 بيتا:
هـذا ثـرى حـط الاثيـر لـقـدره ولعـزه هـام الثـريـا يخضع
وضريح قدس دون غايـة مـجـده وجلاله خفض الضـراح الارفع
أنى يقاس به الـضـراح عـلا وفي مكنونه سر المهيـمـن مـودع
جدث علـيـه مـن الاله سـرادق ومن الرضا واللطف نور يسطع
ودت دراري الـكـواكـب أنـهـا بالدر مـن حصبانـه تتـرصع
والسـبعـة الافـلاك ود عليـهـا لو أنه لثـرى علـي مضـجع
عجبـا تـمـنـى كـل ربـع أنه للمرتضـى مولى البرية مربع
ووجوده وسع الـوجـود وهل خلا في عالم الامكان منه مـوضع
كشاف جادية القـضاء عن الورى بعزائم منهـا القـضـا يروع
هزام أحـزاب الضـلال بصارم من عزمه صبـح المنايا يطلع
سباق غايـات الفـخـار بحلـبة فيها السواري وهي شهب تطلع
عم الوجود بسابـغ الجـود الذي ضاقت بأيده الجـهـات الاربع
أنى تساجله الغيـوث نـدى ومن جدوى نداه كل غيـث يهمـع
أم هل تقـاس بـه البحار وانما هي من ندى أمـداده تـتـدفع
فافزع اليه من الخطوب فان من ألقى العصا بفنـائـه لا يفزع
واذا حللت بطـور سـينا مجده وشهدت أنوار التجـلـي تلمع
فأخلع اذا نعليك انك فـي طوى لجلال هيبـتـه فـؤادك يخلع
وقل السلام عليك يا من فضله عمن تمسك بـالـولا لا يمنع
مولاي جد بجميلك الاوفى على عبد له بجميـل عفوك مطمع
يرجوك احسانا ويأملك الرضا فضلا فأنت لكـل فضل منبع


ادب الطف ـ الجزء السابع 179


هيهات ان يخشـى وليـك من لظى ويهوله يـوم القيـامـة مطـلـع
ويهولـه ذنـب وأنـت لـه غـدا من كـل ذنـب لا محـالـة تشفع
ويخاف من ظمأ وحـوضك في غد لذوي الولا مـن سلسبيـل متـرع
يا من اليـه الامـر يـرجع في غد ولديه اعمال الخلايــق تـرفـع
وله مـآل ثـوابهـا وعـقـابـها يعطي العطـاء لـمـن يشاء ويمنع
أعيت فضـائلك العقول فما عسى يثني بمدحتك البـليـغ المصـقـع
وأرى الألى لصفات ذاتـك حدودا قد أخطأوا معنـى عـلاك وضيعوا
ولأي مجدك يا عظيم المـجـد لم يتدبروا وحديـث قـدسـك لم يعوا
عجبي ولا عجب يلين لـك الصفا والماء من صـم الصـفـا لك ينبع
ولك الفلا يطوى ويعـفـور الفلا لدعاك من أقصى السـباسب يسرع
ولك الرمام تهـب مـن أجـداثها والشمس بعد مغيبهـا لـك تـرجع
والشمـس بعد مغيـبـها ان ردها بالسر منك وصي مـوسـى يوشع
فهي التـي بك كـل يـوم لم تزل من بدء فطرتها تغـيـب وتطـلع
ولك المناقب كـالكـواكب لم تكن تحصى وهل تحصى النجوم الطلع
فالدهر عبـد طايـع لـك لم يزل وكذا القضا لك من يميـنك أطوع
ولئن أطـاع البحر موسى بالعصا ضربا فموسـى والعصا لك أطوع
ولـئن أطاع البحر موسى بالعصا فلقد نجت بـك رسل ربـك أجمع
وصفاتك الحسنى يقصر عن مدى أدنى علاهـا كـل مـدح يصنـع
وله ايضا في مدحه عليه السلام:
أشاقك من ربي نجـد هواها ومن نسمـات كاظمة شـذاها
ونبه وجدك المكنـون برق تلق في العشيـة مـن ربـاها
نعم وألم بي سـحـرا نسيم يحدث عن شـذا وادي قـراها
فألمني وذكرنـي عهـودا بعامل لا عـدا السقـيـا ثراها
بلاد لي بساحتهـا أنـاس ولي صحب كرام فـي حمـاها


السابق السابق الفهرس التالي التالي