ادب الطف ـ الجزء السابع 150


خريـم يغـار عليـهـا الاله بمن أرقلوا وبمـن جعجعوا
أتـدري حـدات مطـيـاتها وأملاكه عندهـا تخـضـع
يلاحظها في السبـا أغلـف ويحدو بها في السرى أكوع
يطارحن بالنوح ورق الحمام فهـذي تنوح وذي تسجـع
لسـهـم الزفير بـأكبـادها الى أن تـكـاد بـه تنزع
تسيـر وتخـفي لفرط الحيا جواها ويعـربـه المـدمع
وللحاج جواد بذكت:
فوق الحمولـة لـؤلـؤ مكنون زعم العواذل انهـن ضعون
لم لقبوهـا بالظـعـون وانها غرف الجنان بهن حور عين
يا ايها الـرشـأ الـذي سميته قمر السمـاء وانـه لقميـن
اني بمن أهـواه مفـتون وذاك بأن يؤنب بالهـوى مفتـون
مهما نظرت وانت مرآة الهوى بـك بان لي ما لا يكاد يبين
لم تجر ذكـرى نير وصفـاته الا ذكـرتك والحديث شجون
ومنها:
يا قلـب مـا هـذي شعـار متيم ولعل حـال بني الغرام فنون
خفض فخطبك غير طارقة الهوى ان الهوى عمـا لقيـت يهون
ما برحت بك غير ذكـرى كربلا فاذا قضيت بهـا فـذاك يقين
ورد ابن فاطمة المنون على ظما ان كنت تأسف فلتردك منون
ودع الحنين فانهـا العظمـى فلا تأتي عليها حسـرة وحنيـن
ظهرت لها فـي كـل شيء آية كبرى فكـاد بها الفناء يحين
بكـت السمـاء دما ولم تبرد به كبد ولو ان النجـوم عيـون
ندبت لها الرسـول الكرام وندبها عن ذي المعارج فيهم مسنون
فبعيـن نوح سال ما اربى على ماسار فيـه فلكه المشحـون


ادب الطف ـ الجزء السابع 151


وبقلـب ابـراهيـم مـا بردت له ـ ما سجـر النمرود وهو كمين
ولقـد هـوى صعقـا لذكر حديثها موسى وهـون ما لقى هارون
واختار يحيـى ان يطاف بـرأسه وله التأسـي بالحسيـن يكون
وأشـد ممـا نـاب كـل مكـون من قال قلب محمد محـزون
فحـراك تيم بـالضـلالة بعـده للحشر لا يأتـي عليه سكون
عقـدت بيـثرب بيعة قضيت بها للشـرك منـه بعد ذاك ديون
برقي منبـره رقـي فـي كربلا صدر وضرج بالـدماء جبين
لولا سقـوط جنيـن فاطمـة لما أودى لهـا في كـربلاء جنين
وبكسر ذاك الضلع رضت أضلع في طيها سـر الآله مصـون
وكـذا علـى قـوده بنـجـاده فله علي بـالوثـاق قـريـن
وكما لفاطـم رنـة مـن خلفـه لبناتهـا خلـف العليـل رنين
وبزجرها بسيـاط قنفـذ وشحت بالطف من زجر لهـن متون
وبقطعهـم تلـك الاراكـة دونها قطعت يد في كربـلا ووتين
لكنما حمـل الرؤس علـى القنا أدهى وان سبقت بـه صفين
كـل كتـاب الله لكـن صـامت هذا وهذا نـاطـق ومبـيـن (1)


(1) عن (رياض المدح والوثاء) للشيخ حسين آل سليمان البلادي البحراني منشورات المكتبة العربية ومطبعتها مطبعة الاداب ـ النجف الاشرف.
ادب الطف ـ الجزء السابع 152


الشيخ صالح بن طعان

المتوفى 1281

فـآه وانـدمـى مـن فـوت نصرته وغير مجد علـى مـافات، واندمي
والظـاهـرات من الاستار حين وعت صوت الجواد أتاها قـاصـد الخيم
تـوجهــت نحـوه تلقـاء سـيـدها اذا به من على ظهـر الجواد رمي
فصـرن كالمتمـنى اذ يـرى فـلـقا من الصبـاح فلـما ان رآه عمـي
لهـفـي لهـن من الاسـتـار بارزة ما بين رجس وأفـاك ومغـتـشـم
عـواثـرا فـي ذويل مـا تطـرقها ريب ولا سحـبـت في مسحب أثم
تخـال فـي صفـحـات الخد أدمعها كالدر مـا بين منـثـور ومنتـظم
كـل تلوذ بأخـرى خـوف آسـرها لوذ القطا خوف بأس الباشق الضخم
حتى اذا صرن في أسـر العـداة وقد ركبن فـوق ظهور الانيـق الرسم
مروا بهـن علـى القتـلى مطرحـة ما بين منعفر في جنب مصـطـلم
فمذ رأت زينـب جسـم الحسين على البوغا خضيبـا بـدم النحر واللمم
عار اللبـاس قطيع الـراس منخمـد الانفاس في جندل كالجمر مضطرم
ألقت ردى الصبر وانهارت هناك على جسم الشهيد كطـود خـر منهـدم
وقد لوت فـوقه احدى اليـديـن على الاخرى وتدعوه يا سؤلي ومعتصمي


ادب الطف ـ الجزء السابع 153


أخـي فقـدك فقـدان الـربـيـع فلا يسلوك قلبـي ولا يقلـو نعاك فمي
هل كيف يجمل لي صبري ويهتف بي بشر وانت رهين التـرب والـرجم
وتـارة تسـتـغـيـث المصطفى ولها قلب خفوق ودمع في الخدود ودهمي
يا جد هذا أخـي مـا بـيـن طـائفة قد استحلوا دماه واحتـووا حـرمي
يا جد أصبحـت نهـبا للـنـوائب ما بين العدى من ظلوم لي ومهتضـم
لا والــد لـي ولا عـم ألـوذ بـه ولا أخ لـي بقـى أرجوه ذو رحم
أخي ذبيـح ورحلـي قـد أبيـح وبي ضاق الفسيح وأطفالـي بغير حمي
وابن الحسين كساه البيـن ثـوب أسى والسقم أبراه بـري السيـف للقـلم
بالله يـا راكـب الوجـنـا يخـد بها بيد الفلا مدلجا بـالسـيـر لـم ينم
ان جزت بالنجف الاعـلا فقف كرما بقرب قبـر علـي سـيـد الحـرم
وابد الخضـوع والـذ بالقبـر ملتزما واقرى السلام لخير الخـلق واحترم
وانع الحسين له واقـصـص مصيبته وقل له يا امـام العـرب والعـجم
هل أنت تعلم مـا نـال الحسيـن وما نالت ذراريك أهـل المجد والكـرم
أما الحسين فقـد ذاق الـردى وقضى بجانب النهر لهفان الفـؤاد ظـمي
وصحبه أصبحوا صرعـى ونسـوته أمسوا سبايا كسبي التـرك والخـدم
* * *

الشيخ صالح بن طعان بن ناصر بن علي الستري البحراني البركوياني المتوفى بالطاعون في مكة سنة 1281 له ديوان في المراثي لأهل البيت مطبوع في بمبي. كذا ذكر البحاثة الطهراني في الذريعة وقال:


ادب الطف ـ الجزء السابع 154


رأيت رثاءه للشيخ سليمان بن أحمد بن عبد الجبار المتوفى سنة 1262 بخط صاحب أنوار البدرين وولده الشيخ احمد بن صالح المولود سنة 1251 وله ايضا ديوان مطبوع بمبي ، وتوفي سنة 1315 ذكره لنا ولده الشيخ محمد صالح بن احمد بن صالح ابن طعان المذكور قبل وفاته 1333.
وجاء في (الكرام البررة في القرن الثالث بعد العشرة) للشيخ الطهراني:
الشيخ صالح بن طعان عالم فاضل وفقيه بارع ، وقال: أثنى صاحب (انوار البدرين في أحوال علماء الاحساء والقطيف والبحرين) على علمه وصلاحه ، وكان من العلماء العاملين الورعين ، وله آثار كثيرة منها (تسلية الحزين) وله (ديوان المراثي) طبع.

ادب الطف ـ الجزء السابع 155


الشيخ محمد علي كمونة

المتوفى 1282


الشيخ محمد علي كمونة مفخرة الامجاد وسلالة الاسخياء الاجواد نشأ في بيت الزعامة والرئاسة والوجاهة كان ولم يزل هذا البيت محط رحال الوفاد ومنتدى العلم والادب وله الشرف والرفعة والمكانة السامية لدى أهالي كربلاء وكانت بيدهم سدانة الحرم المطهر الحسيني من ذي قبل. نشأ شاعرنا نشأة علمية دينية أدبية، نظم فأجاد وبرع حتى فاق أقرانه ولانه يتحدر من الاسرة العربية الشهيرة وهم بنو أسد الذين نالوا الشرف بمواراة جسد الحسين عليه السلام فهو لازال يفتخر بهم ولأن عددا غير قليل منهم نالوا السعادة وحصلوا الشهادة يوم عاشوراء بين يدي أبي عبدالله الحسين سيد شباب أهل الجنة فهو يتمنى أن يكون معهم ويغبطهم على هذه المنزلة فيقول:
فواحزني ان لم أكن يوم كربلا قتيلا ولم أبلغ هناك مأربي


(1) والقصيدة تناهز الستين بيتا وأولها:
أعدها أخا المسرى لقطع السباسب مهجنة من يعملات نجائب
ادب الطف ـ الجزء السابع 156


فان غبت عن يوم الحسين فلم تغب بنو أسد أسد الهياج أقاربي

وقد جمع بعض أحفاده شعره في مجموعة سماها (اللئاليء المكنونة في منظومات ابن كمونة) ويقع في خمسة آلاف بيت.

جاء في (الحصون المنيعة) للشيخ علي كاشف الغطاء ما نصه: الحاج محمد علي الشهير بكمونة كان شاعرا بليغا أديبا لبيبا فصيحا آنست الناس أشعاره الرائقة وأسكرتهم بمعانيها ومبانيها الفائقة ، درة صدف الادب والمعالي والعاقمة عن مثله أمهات الليالي ، قد شاهدته أيام صباي في كربلاء زمن توقفي فيها واجتمعت معه كثيرا واقتطفت من ثمار افاداته يسيرا وقد ناهز عمره الثمانين من السنين ، وعرضت أول نظمي عليه ، وكان رجلا طوالا ذا شيبة بيضاء مهيبا شهما غيورا وكان قليل النظم وأكثر شعره في مدح الامام أمير المؤمنين عليه السلام ، وكان معاونا لأخويه الحاج مهدي والشيخ محمد حسن في تولية خدمة مرقد أبي عبدالله الحسين وسدانة هذه العتبة المقدسة.

توفي في شهر جمادي الاخرة ليلة الاحد سنة 1282 بمرض الوباء في كربلاء ودفن مع أخيه الحاج مهدي في مقبرتهم المعدة لهم في الحائر الحسيني تجاه قبور الشهداء. أقول وفي سنة 1367هـ 1948م قام الاديب المعاصر محمد كاظم الطريحي بجمع ديوانه والتعليق عليه ونشره بمطبع دار النشر والتأليف بالنجف الاشرف.

ادب الطف ـ الجزء السابع 157


جاء في احدى قصائده الحسينية:
متى فلك الحادثـات استدارا فغـادر كل حشـى مستطارا
كيوم الحسين ونـار الوغى تصعـد للفـرقـدين الشرارا
فلـم تـر الا شهـابا ورى وشهما بفيض النجيـع توارى
فعاد ابن أزكى الورى محتدا وأمنـع كـل البـرايا جوارا
تجول على جسمه الصافنات وتكسوه من نقعها ما استثارا

وقال رحمه الله في رأس الامام الحسين يوم طيف به على رمح:
رأس وقد بان عن جسم وطاف على رمح وترتـيلـه القرآن ما بانا
رأس ترى طلعـة الهادي البشير به كـأنمـا رفعـوه عنـه عنوانا
تنبي البـريـة سيـمـاه وبهجتـه بـأن خيـر البـرايا هكذا كانا
يسري ومـن خلفه الاقتاب موقرة أسرى يجاب بها سهلا وأحزانا
وله رائعة غراء في سيدنا أبي الفضل العباس بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أولها:
نبت بالذي رام المعالي صوارمه اذا ما حكتها بالفضاء عزائمه
وله القصيدة الشهيرة التي يصف فيها بطولة شهداء كربلاء منها:
أراه وأمـواج الهياج تلاطمت يعوم بها مستأنسـا بـاسمـا ثغرا
ولو لم يكفكفه عن الفتك حلمه لعفى ديار الشرك واستأصل الكفرا


ادب الطف ـ الجزء السابع 158


ولـمـا تجـلـى الله جـل جـلالـه له خـر تـعـظـيما له ساجدا شكرا
هوى وهـو طـود والمـواضي كأنها نسـور أبـت الا منـاكـبـه وكـرا
هوى هيكل التـوحـيد فـالشرك بعده طغى غمره والـناس في غمرة سكرى
وأعظم بخطب زعزع العرش وانحنى له الفـلك الـدوار محـدودبـا ظهرا
غداة أراق الشمـر مـن نحـره دما له انبجست عيـن السـما أدمعا جمرا
وان أنس لا أنسـى العـوادي عواديا ترض القرى من مصدر العلم والصدرا
ولم أنس فـتـيانا تـنـادوا لنصره وللذب عنه عانقوا البيـض والسمـرا
رجال تواصوا حيث طابت أصولهم وأنفسهم بالصبر حتـى قضـوا صبرا
وما كنت أدري قبـل حمل رؤوسهم بأن العوالي تحمل الانـجـم الـزهرا
حماة حمـوا خدرا أبــى الله هتكه فعـظـمـه شـأنا وشـرفـه قـدرا
فأصبح نهـبـا للـمغـاوير بعدهم ومنه بنات المصطـفى أبرزت حسرا
يقنعها بالسـوط شـمـر فان شكت يؤنبها زجـر ويـوسعـهـا زجـرا
نــوائـح الا أنـهـن ثـواكــل عواطـش الا أن أعيـنـهـا عبرى
يصون بيمناها الحيـا مـاء وجهها ويسترها ان أعوز السـتـر باليسرى
وله من القصائد الحسينية المنشورة في ديوانه ما هذه أوائلها:
1 ـ ما بال عينك بعد كشف غطائها قذف الاسى انسانها في مائها
44 بيتا
2 ـ باتت تلوم على الهوى وتؤنب وحمى شجوني بالغرام محجب
29 بيتا

ادب الطف ـ الجزء السابع 159


3 ـ أعدها أخا المسرى لقطع السباسب مهجنة من يعملات نجائب
57 بيتا.
4 ـ أصبحت آل علي في السبا أين عنها اليوم ارباب الابا
31 بيتا.
5 ـ ماذا على النوائب لو جانبت جوانبي
50 بيتا.
6 ـ نوى ظعنا يبغي منى فالمحصبا فأدنى اليه اليعملات وقربا
88 بيتا.
7 ـ دع المطايا تجوب البيد في السحر وعج بربع أبي الضيم من مضر
48 بيتا.
8 ـ من ذا دهى مضر الحمرا وعدنانا وسام أقمارها خسفا ونقصانا
23 بيتا.
والشاعر كمونة لم تقتصر براعته وشاعريته على الرثاء فقط وانما طرق أبواب الشعر من غزل ونسيب وفخر وحماسة فكم له من روائع عرفانية ووجدانية تنم عن ملكة أدبية ونوادر شعرية فمن ظرفه قوله في قصيدة:
نسيـم الصبـا هيجـت لاعج أشواقي وألحقت بالماضي من الرمق الباقي
فيا صاحبي نجواي عوجا على الحمى لعل به رقيـا لمـا أعجـز الراقي
فكم لـي عهـدا بالحمـى متقـادمـا ذوى غصن جسمي هو ينمو بايراق


ادب الطف ـ الجزء السابع 160


ويا عاذلي في حب ليلى وما عسى تروم وميثاقي على الحب ميثاقي

وله بمدح الامام أبي السبطين الحسن والحسين:
ألام على من خصـه الله في العلى وصيره في شـرب كوثره الساقي
وزين فيه العـرش فـانتقش اسمه على جبهة العرش المعظم والساق
وأودع مـن عـاداه نـار جـهـنم فخلـد في كفـار قـوم وفسـاق
لهم من ضريـع مطـعـم وموارد اذا وردوها من حمـيـم وغساق
أما اننـي أكثـرت ذنـبـا وانـه سيبـدل أحمالي بعفـو وأوسـاق
غداة أرى صحفي بكفيه في الولا ينسـق منـهـا زلتـي أي نساق
وأنظر لـوامـي تدع الى لظـى فيسقط منساق على اثـر منـساق
تقصدت لفظ الساق في ذكر نعته لأنجو اذا ما التفت الساق بـالساق

ومن نوادره قوله:
عصيت هوى نفسي صغير افعند ما دهتني الليالـي بالمشيب وبالكبر
أطعت الهـوى عكس القضية ليتني خلقت كبيرا ثم عدت الى الصغر

وقال في التوكل:
الهي ما ادخرت غني لنفسي وولدي مـن حطـام الدهر مالا
لعلمـي أنـك الكـافي وأني وكلت علـى خـزائـنك العيالا


ادب الطف ـ الجزء السابع 161


الشيخ حمادي الكواز


المتوفى 1283

أدهاك ما بي عنـدما رحلوا فـأزال رسمك أيـها الطلل
أم أنت يوم عـواذلي جهلوا شوقي علمت فراعك العذل
لا بل أراك دهـتك عاصفة أبلت قشـيبك بعدما احتملوا
لو كنت تنـطق أيـها الطلل ربما اشتفى بك والـه يسل
وكـأنما وربـاك نـاحـلة مني نحـول الجـسم تنتحل
فتعـير قلبي منك نار جوى أنبته كـيف النـار تشـتعل
ومـن العجائب أن لي ديما تروي صداك وعندي الغلل
علمت أجفاني البكاء فعلمـ ـن السحائب كـيف تنهمل
ساق الهوى وحنيني الزجل مـطرا اليك سـحابه المقل
ومـن الأحبة أن تكن عطلا مـا أنت من عشافهم عطل
ومؤنب ظـن الغـرام بـه لعبا فـجـد وجـده هـزل
وأتى يروم بي العـزاء وقد رحل العزا عني مذ ارتحلوا
ومن الجـوى لم تبـق باقية في الخطوب لمعشر عـذلوا
مهلا هـذيم فلـيس لي أبدا صبـر يصاحبني ولا مهـل
قتل الاسى صبري بمعضلة أبـناء فاطـمة بـها قتـلوا
بـأمـاثل القـوم الذين بهم بين البرية يضـرب المـثل
ومهذبيـن فـما بجودهـم نكـد ولا بسـيوفهـم كـلل
مـن كـل مشتمل بعـزمته وبحزمه في الحرب معـتقل


ادب الطف ـ الجزء السابع 162


يمضي اذا ازدحم الكـماة وقد كهم الضبا وتقـصف الأسل
ويخوض نار الحرب مضرمة فكـأنما هـي بـارد عـلل
وشمر دل وصـل الثـناء به غـاياتـه ولأحـمد يـصل
بسـحاب صعـدته وراحـته غيـثان منـبعـث ومنـهمل
وبيـوم مـعـركة ومكرمـة أسد هـزبر وعـارض هطل
وسرت تحـوط فتى عشيرتها مـن آل أحـمد فتـية نـبل
وتحف مـن أشرافـها بطـلا شهـد الحسام بـأنـه بـطل
وأشـم خـلـق للـعـلاء به نسـب بحبل العرش متـصل
ذوالمجد ليـس يحل ساحـته وجـل وقـلب عـدوه وجل
وأخـو الـمكارم لا بـواردها ظـمأ ولا لغـزيرهـا وشل
أبدا فـلا اللاجـي بـه وجل كلا ولا الراجـي لـه خجل
والمستقاد له جبابـرة الاشـر راك وهـي لــعــزه ذلل
ومقـوضين تحـملوا وعـلى مسراهم المعـروف مـرتحل
ركبـوا الى العز الردى وحدا للمـوت فيهـم سايـق عجل
وبهـم ترامت للعـلى شـرفا ابل المنايا السـود لا الابـل
حـتى اذا بل الـمسير بـهم أقصى المطالب وانتهى الامل
نزلوا بأكناف الطفوف ضحى والى الجـنان عشـية رحلوا
بأمـاجد مـن دونهـم وقفوا وبحـبـهم أرواحـهم بـذلوا
وعلى الظـما وردوا بأفـئدة حرى كأن لـها الضـبا نهل
في مـوكب تكبوا الاسود به ويزل مـن زلـزاله الجـبل
فاض النـجيع وخيلـهم سفن وحمى الوطيس وسمرهم ظلل
وعجاجة كاللـيل يصـدعها من قضبهم ووجـوههم شعل
حتى اذا رامـت بقاءهم الـ ـدنيا ورام نـداهـم الاجـل
بخلوا عـلى الدنيـا بأنفسهم وعلى الردى جادوا بما بخلوا
وعن ابن فاطـم للعدى كرما أجـسامهم شبح القـنا جعلوا


ادب الطف ـ الجزء السابع 163


ولآل حـرب ثـار بعـدهـم من آل طه الفـارس البطل
جاءت وقائـدها العـمى والى قتل الحسين يسوقـها الجهل
بجـحافـل بـالطـف أولـها وأخيـرها بـالـشام متصل
ملـؤ القفار عـلى ابن فاطمة جند وملـؤ صدورهـم ذحل
طـم الفـلا فالخـيل تحـتهم أرض وفـوقهم السـما ذبل
وأتـت تحاوله الهـوان وهل للشهم عـن حالاتـه حـول
فسـطا وكاد الكون حين سطا يقضي عليه ذهـابه الـزجل
والارض لـما هـز أسـمره بين الكـتائب هـزهـا وهل
فاعجب لتأخير العـذاب وامها ل الالـه لهـم بـما عمـلوا
مالوا الى الشـرك القديم وعن ديـن النـبي لغـيـهم عدلوا
نصروا يزيد وأحـمدا خـذلوا الله من نصروا ومـن خذلوا
حـتى اغـتدى بالتـرب بينهم نهـب الصوارم وهو منجدل
تروي الأسنة مـن دمـاه وما لأوام غـلـة صـدره بـلل
عجبا لهـم أمنـوا العذاب وقد علـموا هناك عظيم ما عملوا
أيمـوت سـر الكـون بيـنهم والكون ليـس يحـلـه الاجل
وشوامـخ العلـياء من مضر أودى بهـن الـفادح الجـلل
فهوت لهن على الثرى هضب وسمـت لهن عـلى القنا قلل
والارض راكدة الجـوانب لا يندك منـها السهـل والجـبل
ورؤوس أوتـاد البلاد ضحى ناءت بـها العـسالة الـذبل
لا كـالأهلة بـل شموس علا بسماء مـجد افقـها الاسـل
والـى ابن آكلة الكبود سرت ببـنات فاطـم أنـيق بـزل
أسرى على تلك الجـمال وقد عـز الحـما ودموعـها بلل
وعلى يزيـد ضحى بمجلسه قـد أوقفـتها المـعشر السفل
لا مـن بني عـدنان يلحظها نـدب ولا مـن هـاشم بطل
الا فـتى نهـبت حـشاشته كف المصاب وجسـمه العلل


ادب الطف ـ الجزء السابع 164


وشفـاه رأس المجد ينكتها بالخـيزرانـة أكـوع رذل
فـاعجب لآخر أمة ركبت في الغي ما لم تركب الاول
هـذي فعالهم ومـا فعلت أرجاس عاد بعض ما فعلوا
أبني النـبي ومـن بحبهم يعـطي المراد ويبـلغ الامل
يا من اذا لم يسألوا وهبوا أضعاف ما وهبوا اذا سئلوا
والعاملـون بكل ما علموا والعالمـون بكل ما عـملوا
* * *

جاء في البابليات: اذا قرأت ترجمة الشاعر الغامر «الخبز أرزي» وقرأت خبر «الخباز البلدي» فانك واجد فيها الموهبة الشعرية بارزة متجلية: والعبقرية لامعة واضحة تعرف كل ذلك اذا علمت انهما كانا (أميين) لم يعرفا من التهجي حرفا ولا من الكتابة شكلا ومع ذلك فقد كانا ينظمان من الشعر ما رق وراق وملأ الصحف والاوراق سيما وان الاول منهما كان يبيع خبز الارز في دكان له في البصرة ينتابه أهل الادب لاستماع شعره وطرائف نوادره. كما يروي لنا ابن خلكان وغيره، واذا نظرنا بعين الحقيقة فلا نرى محلا للتعجب ولا مجالا للاستغـراب فان هذا وأشباهه انما نشـأوا وعاشوا في عصـر هـو أزه العـصور وأقـربها عهدا للعربية «القرن الثالث للهجرة» عصر العلم والآداب والعروض والاعراب ، عصر الشعر والخطابة والانشاء والكتابة ، عصر الاندية والمجالس والمعاهد والمدارس ، عصر الاحتفاء بالعلماء والاحتفال بالشعراء نعم العجب كل العجب ممن نبغ بعد أولئك بألف عام في عصر اندمجت فيه لغة القرآن باللغات الاجنبية التي تسيطر أهلها لا بالعراق وحده بل على جميع

ادب الطف ـ الجزء السابع 165


الشعوب العربية الاسلامية فطورا تحت سلطة التاتار والمغول وتارة تحت رحمة الاتراك والاعاجم فهل تأمل بعد هذا كله أن تسمع للعربية حسا أو لآدابها صوتا أو ترى في أحلامك لخيالها شبحا ماثلا: كلا: ثم كلا ، أليس من الغريب المدهش أن ينجم في أمثال هذه العصور القاتمة شعراء فحول يضاهون من تقدمهم من شعراء تلك العصور الزاهية ان لم نقل يزيدون عليهم وفي طليعة هؤلاء الذين نشير اليهم هو المرحوم الشيخ حمادي الكواز فاني لا أحسبك تصدقني من الدهشة والحيرة اذا قلت لك ان شاعرنا هذا الذي نريد أن نسرد عليك وجيزا من حياته ونثبت لك بعضا من مقاطيعه وأبياته كان أميا لم يقرأ ولم يكتب كما تسالم أهل بلاده على نقله وكان لا يعرف نحوا ولا صرفا ولا لغة ولا عروضا بل ينظم نحتا من قلبه جريا على الذوق والسليقة واستنادا على ما توحيه اليه القريحة من دون تغاير في الاساليب أو اختلاف في التراكيب فاذا اعترض عليه أحد بزلة لحن في العربية يقول «راجعوا قواعدكم فالقول قولي» فيجدون الامر كما قال «بعد المراجعة» أليس هذا من الغرابة بمكان فاذا ضممت الى ذلك انه رحمه الله نشأ وعاش في الحلة كوازا حتى لقب هو وأخوه بذلك وانه لم يمتهن سوى بيع الكيزان والاواني الخزفية في حانوت له ينتابه الادباء والاشراف لاستماع شعره وهو مع ذلك يتضجر من الحياة وآلامها ويضج من نكد الدنيا وجور ايامها وقد أعرب عن نفسه بقوله:
أمسي وأصبـح والايـام جالبة الـي أحـداثها بـلشـر والـشرر
تأتي فتمضي الى غيري منافعها ولست اعرف غير الضر والضرر


السابق السابق الفهرس التالي التالي