دور ألأب في التربية 180




دور ألأب في التربية 181

الباب الثامن

علاقات ألأب في ألأسرة

يتحدث هذا الباب عن علاقات ألأب مع أعضاء ألأسرة وكيفيتها ونوعها . إذ سنتحدث عن العلاقة مع الزوجة والبنت وألإبن والمعاقين . حيث ينبغي للأب أن يقيم علاقة إنسانية وأخلاقية خاصة مع زوجته في محيط ألأسرة بحضور ألأطفال . فالطفل يشعر بالسعادة تجاه ألإتحاد الموجود بين الوالدين ، والعلاقة الحميمة التي تربطهما والتعاون المبذول في مختلف شؤون ألأسرة .
ويجب عليه أن يقيم العلاقة المطلوبة إسلاميا مع أولاده الذكور وألإناث ويراعي في ذلك إختلاف الجنس . فقد أكد ألإسلام على ضرورة بذل إهتمام أكبر بالبنت خاصة ، وأنه يمثل أملها في الحياة ، وله دور متميز في بنائها النفسي .
كما أكد في نفس الوقت على ضرورة تربية ألأولاد الذكور وإرشادهم ، وأن يكون ألأب قدوة صالحة بالنسبة لهم .
وحري بألأب أن يهتم بأولاده المعاقين والمرضى . وأن يقبل بهم ويبذل جهده من أجل معالجتهم وبنائهم ، وأن يكون إلى جانبهم في جميع مراحل حياتهم . عليه أن يربيهم تربية خاصة ويزرع في قلوبهم ألأمل حتى يمكنهم المساهمة في عملية البناء ، وأن لا يبخل عليهم بشيء من ذلك .

دور ألأب في التربية 182




دور ألأب في التربية 183

الفصل التاسع والعشرون
العلاقة مع الزوجة


الرجل في ألأسرة :

إن للرجل في أسرته أدوارا متعددة ، فهو زوج لزوجته وأب لأطفاله ، وملاذ ومعين لجميع أفراد أسرته ، يحقق ألأمن لهم ويدافع عنهم . وينبغي عليه أن يتخذ المواقف المناسبة التي هي من شأن العقلاء لتحقيق تلك ألأدوار . فالأسرة ترغب بمشاهدة مواقفه عندما تواجههم الصعوبات والمشاكل ، ومعرفة ألأساليب التي يمارسها . فلو مني بألإنهزام النفسي عندما تواجهه حادثة معينة أو إتخذ موقفا خاطئا لترك ذلك أثره على أفراد أسرته . وبعبارة أخرى فإن معنويات أفراد أسرته إنما ترتبط بمعنوياته شخصيا .
ويبرز هذا الدور للأب منذ الزواج وخاصة في مرحلة الحمل ، إذ تدفع مشاكل الحمل وصعوباته بالمرأة إلى البحث عن ملاذ لها وملجأ ، ولا يمكن أن يحقق ذلك سوى الرجل .
ويشعر ألأولاد منذ اليوم ألأول الذي يدركون فيه مكانة ألأب في ألأسرة بدوره المهم في ألإشراف على العائلة وحمايتها ، ويحسبون لذلك حسابا .

الوحدة مع الزوجة :
يرتبط تنظيم ألأسرة بالنظام الذي تتبعه ، ويقف ألأب على رأس هذا النظام ، لأنه رب ألأسرة وموجهها ، ولكن في العوائل المثالية لا يوجد رئيس ومرؤوس بل إن الكل مسؤول حسب دوره وقدرته .

دور ألأب في التربية 184

ولكي يمارس ألأب مسؤولية ألأبوة عليه أن يحافظ على الوحدة مع زوجته وينسق معها ويدفعان أولادهما معا لأداء تلك الوظائف ألأخلاقية والتربوية . وقد أظهرت بعض الدراسات أن سبب إنحراف 70 ـ 90 % من الأطفال الجانحين في المجتمعات الغربية يعود إلى عدم وجود الوحدة في ألأراء وألإتفاق بين ألأب وألأم في محيط ألأسرة .
فوحدة الوالدين في الفكر وإتفاقهما في الممارسات ألأخلاقية يؤثران بشدة على تحديد مستقبل الطفل وإلا فإنه من غير الصحيح أن يحسب الطفل حسابا لأحد والديه ويعتبره مسؤولا عن تحقيق ألإنضباط وتنظيم ألأسرة .
ويجب على ألأب قبل غيره أن يفكر مع زوجته بموضوع تربية ولدهما ويختارا له الطريق الصحيح . وعليهما أن يقررا على أداء الفرائض الدينية أمام أنظار الطفل وأن يمتنعا عن إبداء غضبهما والصراخ والهيجان ، ألإتفاق في قراراتهما .

مظاهر الوحدة :

يمكن القول أن للوحدة مظاهر عديدة منها قلة ألأوامر والنواهي ، وألإتفاق في التوجيه ، والدعم المتبادل ، والتغاضي عن المشاكل وألإختلافات . فلو أصدر الأب أمرا معينا لولده لتوجب على ألأم أن أن لا تنقض ذلك . والعكس صحيح أيضا .
يجب على ألأسرة ان تكون نواة للوحدة بين الزوج وزوجته . وبغير ذلك فإنها ستتفكك وتنهار ويصاب ألأطفال بإضطرابات سلوكية .
ولكي يتحقق هذا المعنى ، حري بالزوجين ـ وخاصة الرجل ـ أن يتغلبا على أهوائهما . وهذا دليل على الشجاعة «أشجع الناس من غلب هواه» ـ ألإمام علي (ع).
ويجب على الرجل أن يبادر لتحقيق هذا ألأمر ويمهد ، ألأجواء لتحقيق ألإصلاح وألإحسان. فقد جاء عن رسول ألله (ص) قوله : «رحم ألله عبدا أحسن فيما بينه وبين زوجته . . . فقد أوكله ألله عز وجل ناصيتها وجعله القيّم عليها ».

دور ألأب في التربية 185


إحترام الزوجة :

أكد ألإسلام على ضرورة أن يحترم الرجل زوجته ، حيث ورد عن رسول ألله (ص) قوله : «من إتخذ زوجة فليكرمها » ، وإنه لجميل حقا أن يتم ذلك بمرأى من ألأولاد حتى يشعروا بالسعادة وألإنشراح ويكون ذلك درسا لهم ويفهموا من خلاله أن عليهم الحذر بسبب وجود إتفاق في وجهات النظر بين ألأب وألأم .
وقد ورد عن الرسول ألأعظم (ص) قوله : «حق الولد على والده إذا كان ذكرا أن يستفره أمه » إذ سيشعر بالثقة بالنفس ويكتشف أنه يجب عليه أن يطيع أمه كما يطيع أباه مما يؤثر كثيرا على تحقيق إنضباط الطفل وإلتزماته بالقرارات .
ومن جانب آخر ، فقد جاء عن رسول ألله (ص) قوله : «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي » و «ألا خيركم خيركم لنسائه ، وأنا خيركم لنسائي ».
فلو قام تعامل ألأب مع زوجته على مبدأ ألإحترام والحب لنظر ألأطفال إلى ذلك نظرة إيجابية بل لسلكوا سلوكا إنسانيا مع زوجاتهم في المستقبل .

التعاون في شؤون البيت :

نعلم جيدا أن تقسيم العمل في البيت جعل من ألمرأة مسؤولة عن إدارة شؤون البيت بنفس مستوى مسؤولية الرجل خارج البيت خاصة في المجال ألإقتصادي . لكن هذا لا يعني أن يمتنع الرجل عن المشاركة في أعمال البيت أيضا .
يجب على ألآباء ـ رغم مسؤولياتهم ووظائفهم خارج البيت ـ أن يساعدوا زوجاتهم في شؤون البيت الداخلية لإظهار سمة التعاون وألإلفة . وسوف يكون ذلك سببا لتوفير الفرصة الكافية للزوجة لإنجاز أعمالها أو إنها ستبذل جهدا أكبر من أجل إبداء كفاءة أكبر .
إننا لا نريد القول إنه ينبغي للأب أن يبدل ملابس الطفل ، لكنه ليس عيبا فيما لو فعل ذلك ، لأنه ولده وعليه أن يتحمل بعضا من مسؤوليته في

دور ألأب في التربية 186

هذا المجال . وأن يوفر المناخ الملائم لئلا تشعر الزوجة بأنها وحيدة ولا ملاذ لها ، ولا معين . وكذلك الطفل أيضا .
إن مساعدة الرجل زوجته في شؤون البيت تزرع ألأمل عند الزوجة ، وتدعم موقعها ومكانتها ، إذ ستشعر بالفخر وألإعتزاز بكونها محترمة من قبل زوجها . وسيكون هذا درسا في ألأخلاق والإنسانية ينفع ألأولاد كثيرا في حياتهم المستقبلية .

التعامل وألعلاقات :

يؤث تعامل الرجل مع زوجته ونوع السلوك المستخدم بشدة على معنوياتها وعلى أخلاق ألأولاد وسماتهم السلوكية ، فقد يردي ذلك مثلا إلى تمتين أواصر ألأسرة وتشييد بنائها أو على العكس من ذلك فإنه يؤدي إلى تصدعها وإنهيارها .
ينبغي للرجل أن يقيم علاقات حسنة داخل البيت لكي تشعر الزوجة بألأمل بزوجها ويطمئن ألأولاد إلى والدهم .
وإنه من ألخطأ الفادح أن يلجأ الرجل إلى إستخدام قدرته مع زوجته وألإفتخار عليها . وقد ورد عن رسول ألله (ص) قوله : «إتقوا ألله في الضعيفين المرأة والمملوك» . وجاء عنه (ص) أيضا : «عيال الرجل أسراؤه ، وأحب العباد إلى ألله عز وجل أحسنهم صنيعا إلى أسراءه».
فالتعامل مع الزوجة بإحسان وبخلق حسن يؤثر كثيرا على التربية العاطفية وألأخلاقية للأولاد ، بل ويقضي على جذور العنف عندهم . وأن ألأخلاق الحسنة للأب تهدم في كثير من ألأحيان الحواجز الموجودة بينه وبين زوجته أو أولاده وتنمي عندهم الصفات الحسنة والفضائل الحميدة .

الحفاوة والشكر :

يدرك ألآباء جيدا أن المرأة في ألأسرة المسلمة ليست كالخادمة للزوج تقوم بمهمة طبخ الطعام وغسل الملابس فهي عندما تمارس هذه ألأعمال فإن ذلك تفضلا منها ، وعليه يجب على الزوج أن يحتفي بها ويشكرها بصدق وإخلاص . كما يجب أن يعلم حتى بتلك ألأعمال التي تمت في غيابه

دور ألأب في التربية 187

فيشكرها عليها . لأن هذا الشكر يدفع بالمرأة إلى الظن بزوجها خيرا وألإطمئنان إليه والثقة به . بل وسوف يزول عنها أحيانا شعورها بالتعب والضجر والسأم .
فسعادة المرأة في الحياة هي أن تجد زوجها مهتما بعملها عارفا بجهودها وتضحيتها . وإن شكر الرجل لزوجته يضيء تلك الزوايا المظلمة في قلبها ويزرع فيه شعورا بألأمن والثقة وألإيثار والتضحية .

إهتمامات ضرورية :

إن ألأساس في الحياة ألأسرية هو أن لا يبرز أي تصرف سيء بين الرجل وزوجته ولا يلجآن أبدا إلى تبادل الكلمات البذيئة لأن القلوب ستصاب في هذه الحالة بالإنقباض وألإنكماش ولا يمكن التخلص بسهولة من آثاراها السيئة .
وقد تختفي تلك ألآثار بسرعة في بعض ألأحيان ، لكن آثارها ستبقى عالقة كما يبقى لون الحبر عالقا بالملابس .
ينبغي أن تقوم اخلاق الرجل على أسس دينية ، ويدفع التذبذب في ألأخلاق والممارسات للشعور بالقلق ، وضعف العلاقة وإحساس الزوجة بالمظلومية في محيط ألأسرة .
ويتأثر ألأطفال كثيرا بهذا ألأمر ويعتريهم القلق وألإضطراب ويسأمون حياتهم . فيجب على ألأب ـ من خلال سلوكه الرزين مع زوجته ـ أن يخلق ألإحساس عند الطفل بأن العلاقة الزوجية إنما هي علاقة مقدسة لا يمكن التفريط بها بسهولة . لذا يجب أن تكون التصرفات مدروسة ، وأن تتم المشاركة في جميع ألأمور كألأفراح وألأحزان حتى يمكن توفير أجواء البناء والتكامل لتلك ألأسرة .
فألأب الذي يصرخ في وجه زوجته إنما يلقن طفله درسا سيئا فيجعله لا أباليا إزاء ألأسس الأخلاقية والمبادئ ألإنسانية .
وإن الرجل الذي يعرب عن تنفره من زوجته إنما يقوم بجرح مشاعر

دور ألأب في التربية 188

أطفاله وعواطفهم . فالزوجة مهما كانت ستبقى أُما لهؤلاء ألأطفال الذين يحبونها ويعتبرونها جزء من وجودهم .
وبشكل عام تقتضي المسؤولية ألإنسانية ـ وهي من لذائذ الحياة ـ أن يتعامل الرجل في بيته بالصفح والتسامح ويتسم بالنصرة وألإعانة والمشاركة في ألأفراح وألأحزان حتى يكون فخرا لأعضاء أسرته يتعلمون منه الدروس التي توفقهم في الحياة وتدفعهم نحو ألأمام .

دور ألأب في التربية 189

الفصل الثلاثون
العلاقة مع البنت


ألإسلام والبنات :

ينظر ألإسلام إلى ألأولاد أنهم ودائع الخالق جل وعلا بأيدي ألآباء وألأمهات والمربين . ويجب على الجميع أن يقوموا بوظائفهم في متابعة شؤونهم والدفاع عنهم وإرشادهم ، وأن يحققوا تلك النتائج المرجوة ويوفروا سبل النمو والترقي في جميع المجالات .
ولا يوجد أي فارق بين البنت وألإبن في هذا الشأن . وليس من ألإسلام تلك ألأفكار التي يؤمن بها بعض ألآباء إذ يضعون الفوارق بين الذكور وألإناث . فالولد الذكر لا يمتاز عن البنت بشيء أبدا ولا يحق للوالدين أن يكسرا قلب البنت أو يحرمانها من بعض ألأمور .
ولكي تزول هذه النظرة التفضيلية ، أكد ألإسلام على ألآباء بضرورة ألإهتمام بالبنت والوقوف إلى جانبها . وقد جاء عن رسول ألله (ص) قوله : «خير أولادكم البنات» و «البنون نعمات والبنات حسنات» وإن ألإنسان محاسب على النعم ومثاب على الحسنات .
أُخبر الرسول (ص) بأن زوجته ولدت بنتا فرأى في سيماء أصحابه آثارا للكراهية وعدم الرضى فقال لهم : «ريحانة أشمها ورزقها على ألله » . كما جاء عنه (ص) أيضا قوله : «من عال ثلاث بنات أو ثلاث أخوات وجبت له الجنة ».

دور ألأب في التربية 190


حاجة البنت إلى ألأب :

تشعر البنت بحاجة ماسة إلى ألأب ، ولكن إلى أب عطوف يتسم بسلوك لائق يكون أهلا للإحترام حتى يمكنها أن تتخذه قدوة لها . إنها بحاجة إلى أب تثق به يكون سندا لها لكي تستلهم منه وتفتخر به وتحبه .
فالبنت بحاجة إلى أب يحقق ألإنضباط وألأمن والعدالة ، ويكون قادرا على تحدي صعوبات الحياة وحل مشاكلها ولا يشعر بالبؤس وسوء الحظ . ويحذرها فيما لو إرتكبت خطأ معينا .
إنها تريد أن يكون أبوها رجلا بمعنى الكلمة وعادلا وقادرا على إزالة الظلم والتمييز عنها حتى ينال رضاها وودها . إنها تريده أن يدرك روحها اللطيفة وأحاسيسها الرقيقة التي تختلف عن الولد الذكر ، وأن يجعلها جريئة ومستقرة الحال . إنها تريده أن يكون قادرا على إدراك مشاعرها خاصة في مرحلة البلوغ فيعاملها كألأم ويمهد لها ألأجواء لتسلك سبل الخير والفضيلة .

موقف ألأب إزاء البنت :

لا يختلف موقف ألأب إزاء إبنته عن موقفه إزاء إبنه إلا بشيء واحد هو أن البنت أكثر حساسية من الولد الذكر فينبغي ـ والحال هذه ـ أن لا يؤذيها أو يجرح عواطفها بل يهيأها لقبول مسؤولية ألأمومة .
ورغم وظيفة ألأب في عدم التفريق بين البنت والولد لكن كفة الميزان ينبغي أن تميل لصالح البنت . لذا نرى أن ألإسلام يؤكد على ألأب بتقديم الهدية إلى البنت أولا ثم إلى الولد ، أو أن يكتفي بتحذيرها وإرشادها دون معاقبتها . وذلك من أجل أن تنشأ نشأة صحيحة .
حري بألأب أن يوفر أرضية الشجاعة للبنت من خلال ذكر جمل معينة لكي تتقدم وتسير نحو ألأمام ، وأن يشوقها لتقوم بأداء وظائفها ومسؤولياتها في الحياة . ويستطيع ألأب أن يزرع الثقة عندها من خلال تمجيده لسلوكها وأدبها وخلقها لتكون قادرة على مواصلة حياتها .
فهي بنت في الوقت الحاضر لكنها زوجة وأم في المستقبل . ويجب

دور ألأب في التربية 191

عليها أن تكون إنسانة ملتزمة وناضجة ، ولا بد من توجيهها نحو ألأعمال المنزلية وتشجيعها والثناء على عملها لكي تشعر بالثقة بالنفس .

الهداية والتربية :

من وظائف ألأب إزاء إبنته هدايتها وتربيتها تربية سليمة تؤهلها لتحمل مسؤولية ألأمومة وإدراة شؤون البيت وتربية ألأولاد .
ويجب عليه أن يثقفها تلك الثقافة التي ستحتاج إليها في المستقبل ، ويكون دليلا لها في الفكر أيضا حيث يقوم بناء أفكارها وعائدها ، وينمي إستعداداتها الخاصة ، ويوفر لها مجالات النضج والنمو والشعور بالمسؤولية .
كما أنه من الضروري أن يلجأ ألأب إلى تشجيع إبنته على إدارة شؤون البيت وتنظيمه ، والتمرن على العمل ورعاية ألأطفال وألإهتمام بقضايا المطبخ . وأن يكون ذلك مصحوبا بألإهتمام بدراستها حتى تكتسب الوعي والثقافة .

في التعامل :

قد تخطأ البنت أحيانا أو تنحرف كما الولد الذكر ، وبلا شك إنه يجب الوقوف بوجه ألأخطاء وألإنحرافات .
ولكن تعامل ألأب مع البنت يختلف عن تعامله مع الولد الذكر ، إذ ليس صحيحا أن يلجأ ألآباء إلى الخشونة مع البنات رغم تأثيره ألآني وحل المشكلة حلا مؤقتا . فالسلوك الخشن مذموم بذاته وسوف يزداد قبحه فيما لو مارسه ألأب مع إبنته .
إن عاطفة البنت وخصوصياتها النفسية لا يمكنها أن تتحمل هذا السلوك أبدا ، وأنه لعمل مثير للإشمئزاز أن يلجأ ألأب إلى صفع إبنته أو لكمها أو ركلها . وإنه سيؤثر سلبا عليها وعلى مستقبلها .
بل يجب ـ في موارد عديدة ـ أن يغفر ألأب وقاحة إبنته ، ويسامحها على أخطائها ويتعامل معها بلطف وعطف وحب ، ولا يسمح لتساقط دموعها . وثمة أحاديث عديدة تحذرنا من اللجوء إلى ضرب البنت أو إجبارها على البكاء .

دور ألأب في التربية 192


إظهار المحبة للبنت :

يجب على الأب أن يظهر حبه لإبنته فيحتضنها في سنوات الطفولة ألأولى ويمسح بيده على رأسها ويقبلها ويواسيها عندما تبكي . وإظهار الحب والعاطفة يؤثر بشدة على النمو العاطفي للطفل ويجعله إنسانا لائقا ويجعل من البنت أُما حنونا .
وينبغي الحذر في سنوات النشء والبلوغ ـ رغم ما قيل ـ عن إظهار الحب والوجود . فالروايات ألإسلامية مثلا تحذر ألأب من إحتضان إبنته في هذه المرحلة أو إجلاسها في حضنه أو على ركبته لأن ذلك قد يكون مثيرا بالنسبة لها .
وعلى ألأب أن يشبع إبنته حبا وعطفا في محيط البيت لكي لا تشعر بالحاجة إلى حب ألآخرين . فقد أظهرت دراسات المحققين أن ألإحساس بالقصور والنقص في الحب هما أساس العديد من ألإنحرافات .

القضايا الممنوعة :

ثمة مسائل عديدة ينبغي على ألآباء أن يلتفتوا إليها في تربية أولادهم وخاصة البنات ، منها ما يرتبط بالمعاشرة وألأكل والشرب والملبس والسلوك وغير ذلك .
فسوء ألأدب والكلام البذيء هما من ألأمور القبيحة التي يجب الحذر منها وخاصة بالنسبة للبنات ، إذ إنهن بحاجة إلى وقار أكبر . وعليهن أن يهتمن بكلامهن أكثر من الذكور ، وأن يراعين الضوابط وألأدب لأنهن سيصبحن زوجات وأمهات .
وفي مجال الملبس لا بد أن تبذل الجهود من أجل أن يكون للبنت حجابا ولباسا نسويا ، فألإسلام يرفض تشبه الرجال بالنساء ، والنساء بالرجال ، ويمقت المرأة التي تقلد الرجل في كلامه وتلتزم بسمات لا تناسب شأنها . كما أنه ليس صحيحا في نفس الوقت إيجاد التنافس بين البنت وألإبن . بل يجب على ألاباء أن يحملوا البنت فوق طاقتها خاصة وإنها أكثر طاعة من ألإبن . وإنه لقبيح جدا سلوك ذلك ألأب الذي يستغل حياء إبنته وضعفها فيكلفها بأمور لا تطيقها .

دور ألأب في التربية 193


ألأب أمل البنت في الحياة :

تنتخب البنت رجلها المثالي من خلال تفحصها في سلوك والدها ، وتفكر بالزواج من خلال النموذج الذي تشاهده في العلاقة بين والديها .
صحيح أن البنت تتعلم من أُمها لكنها ستتعلم من أبيها الشروط التي ستطالبها في زوجها ونوع المعاشرة التي سيعاشرها في حياتها المستقبلية .
فألأب عليه أن يحترم إبنته ويهتم بشخصيتها ، ولكن بشرط أن لا يؤدي ذلك إلى ظهور إحساس عند البنت بأنها قادرة على العيش مع أبيها دون الحاجة إلى أمها .
وثمة خطر يواجه البنات اللواتي يشعرن بأن ألأب هو ملاذهن الوحيد ، وهذا الخطر هو الفشل في الحياة المستقبلية . وإن إفراط ألأب في حبه لإبنته يؤدي بها إلى الدلال فتنافس أمها في محيط ألأسرة وتحاول أن تبين أفضليتها عليها .

ألأب والبناء النفسي :

من وظائف الأب توفير ألأرضية لبناء البنت نفسيا وعقليا لكي تكون قادرة على تعديل عواطفها وأحاسيسها . ولكي يتحقق البناء والنمو النفسي لابد للأب أن يحافظ على بعض ألأواصر قوية بينه وبين إبنته . ومن هذه ألأواصر ألإعلان عن حبه لها وإدخال السرور عليها . فقد جاء عن رسول ألله (ص) قوله : «من فرح إبنته فكأنما أعتق رقبة من ولد إسماعيل ». وعليه أن يقوم برعايتها عندما تكون مريضة لكي يزرع عندها ألأمل والرغبة في الحياة .
ويحدث أحيانا أن بعض البنات يشعرن باليأس من البيت ويفقدن أملهن لعدم إمتلاكهن لملاذ أو ملجأ ، أو أن مستوى عقولهن لا يتناسب مع إحساساتهن ، لذا نراهن يلجأن إلى ممارسات قبيحة لإنعدام العلاقة وألأواصر القوية ، ويتمكن ألأب من خلال سلوكه وذكر ألأمثلة والقصص المختلفة أن

دور ألأب في التربية 194

يضع أسس البناء العقلي عند البنت وينميه فيكون قادرا على تربيتها بأفضل وجه . وعندها سترفض جميع تلك التفاصيل الغير مهمة وتبتعد عن جميع ألأمور الفاسدة .

دور ألأب في التربية 195

الفصل الحادي والثلاثون
العلاقة مع الولد (الذكر )


سمات ألأبناء وسلوكهم :

يتشابه الذكور وألإناث في بعض الحالات والسمات لكن ألأبناء أكثر خشونة وصلابة من البنات ويمتازون بقلة العاطفة . وتلجأ البنت عادة إلى تحبيب نفسها ولفت أنظار ألآخرين إليها من خلال حلاوة لسانها ، والتدلل كثيرا بحيث أنها تبحث عمن يدللها ، في حين أن الذكور لا تتجسد فيهم هذه الصفات أو قلما يمكن مشاهدتها .
إن لهذين السلوكين جذورا حياتية . . جسيمة ، ونفسية ، إذ تعود سمات الذكور إلى التربية ألإجتماعية للأسرة . وتؤثر ألأم بالطبع على تربية إبنها لكنه أشد ما يتأثر بوالده . فالطفل يبذل جهده لكي يحاكي والده في سلوكه ويماثله في صفاته ، ويحاول أن يقيم علاقته مع أكبر عدد ممكن من أبناء المجتمع ـ كما يحصل ذلك في مجتمعاتنا ـ ويشعر بحرية أوسع في هذا المضمار . أما البنات فيشعرن بحياء مفرط ويختلفن عن ألأبناء في ذلك .
وواضح أن ألأبناء لا يكتسبون سلوكهم الرجولي لأنهم ولدوا ذكورا ، بل إن موضوع التربية على سمات الرجولة إنما هو موضوع آخر مختلف ، ولكن يمكن القول في نفس الوقت أن سلوك الولد (الذكر) في البيت يختلف عن سلوك البنت .

ألأب وبناء إبنه :

إن للأب دورا كبيرا في تربية إبنه تربية خاصة ، وجعله رجلا ، حيث

دور ألأب في التربية 196

يدرك الطفل منذ السنة الثالثة تقريبا ـ كما تسير إلى ذلك ألأبحاث ـ أنه ذكر وعليه أن يكون رجلا على شاكلة أبيه لذا نراه يسعى لمحاكاة والده في سلوكه وعمله .
فيجب على ألأب أن يبدي حبه وتفهمه لإبنه ويقيم معه تلك العلاقة المتبادلة التي تمكنه من تنمية إحساسه الرجولي بإعتدال والسير على خطى والده وهديه .
فألآباء يربون أبناءهم على الرجولة ، ويؤهلونهم لدخول معترك الحياة من خلال ما يؤمنون به من آداب أو تقاليد إجتماعية خاصة ، وبموجب أساليبهم في العمل أو طبقا لميل الولد ورغبته وتفكيره الخاص .
ولا يمكن لهم أن يكونوا رجالا منذ عهد الطفولة ، بل لا بد من ألإنتظار لعدة سنوات حتى تؤثر فيهم ألأسس التي يطرحها ألآباء .
لذا يجب على ألأب أن يشارك ولده في شؤون حياته ويدفعه لممارسة مختلف النشاطات المفيدة ويطالبه بالقيام بدور بنّاء في الحياة . وعليه أن يكون أيضا مستودع أسراره خاصة في مرحلة البلوغ حتى لا يتعرض لصدمات في حياته المستقبلية .

التعامل والمراحل المختلفة :

ولكي يصل الطفل إلى مرحلة النمو والتكامل ويكون قادرا على الوقوف على قدميه ، لا بد أن يطوي مراحل حياتية ونفسية وعاطفية مهمة ، حيث تمتلك كل مرحلة خصوصيتها . فحري بألأب أن يلتفت إليها .
ففي مرحلة الطفولة ومن خلال إرتباطه بالطفل واللعب معه يجب على ألأب أن يلفت نظر ولده إلى عالم الرجل والمرأة لكي يتعلم الطفل تلك المواقف التي لا بد أن يتخذها إزاء مختلف ألأمور .
وتستمر هذه العملية حتى السن السابعة لتختص بالعموميات ، وإنها تمثل في الحقيقة دورة تعليمية كاملة ولكنها بسيطة يقدمها ألأب .
وفي السنوات (7 ـ 12 ) والتي لا يزال فيها ألأبناء ضمن مرحلة الطفولة , لا بد أن تتخصص التوجيهات وتكون دقيقة ويجب على ألأب أن

السابق السابق الفهرس التالي التالي