دور ألأب في التربية 197

يسعى لتعريف ولده بالشعائر الدينية خاصة ، وألإلتزام بضوابطها وقوانينها ، وأن يكلفه في البيت بأداء بعض الوظائف وتنفيذها .
أما في السنوات (13 و 14 ) ، والتي هي مقدمة لمرحلة النشوء والبلوغ ، ستحدث ظاهرة اليقظة عند الطفل ، فينبغي للأب في هذه الحالة أن يستثمرها من أجل القيام بهداية الطفل وتربيته .
وأما في السنوات التي تعقب السن الرابعة عشر فحري بألأب أن يكون في إشرافه كالوزير والمستشار ، فيقف إلى جانب إبنه دائما ، وأن يقيم معه العلاقة القائمة على التفاهم والإلفة ، وأن يتعامل معه كالكبار . ومن الضروري أن يلتفت إلى شخصية الولد ويكلفه ببعض المسؤوليات ويمنحه الصلاحيات المطلوبة ، وأن يكون على حذر بأن لا تضطرب علاقته مع إبنه بل يجب أن تكون تصرفاته منطقية وقراراته مدروسة .

ضرورة التعليم :

ما أكثر المشاكل والصعوبات التي تعترض ألإنسان بسبب جهله وعدم إلمامه بكل جوانب موضوع معين مما تؤثر أحيانا على ألآخرين فتورطهم أيضا . ولذا فإن من وظائف ألاباء وألأمهات أن يقوموا بتعليم أولادهم .
فولدكم يولد جاهلا ، وعليكم أن تقوموا بتعليمه وتعريفه بأسرار الحياة وشؤونها المختلفة . وينبغي عليكم أن تعرفوه بوظائفه الذاتية ومسؤولياته إزاء ألآخرين وما يشتمل عليه هذا الكون من ظواهر ذاتية مختلفة . وهذه المسؤولية مشتركة بين ألأسرة والمدرسة .
ومن الضروري أن يزداد وعي الولد منذ أن يكون حدثا وبالغا وبشكل يتناسب ومستوى إدراكه وفهمه . فمن جانب يمكن وصف هذه المرحلة بأنها مرحلة معرفة الذات وحدوث اليقظة الدينية والجنسية .
ومن جانب آخر فإنها تمثل مرحلة الشعور بالمسؤولية والرغبة لنيل ألإستقلال والحرية . وحري بألأب أن يكون إلى جنب ولده في هذه المرحلة الحساسة ويقدم له ما يحتاجه من الوعي في مختلف المجالات . وإن الغفلة ـ مهما كانت ـ تؤدي إلى ألإنحراف بكل أنواعه أو توقف عملية النمو والتكامل .

دور ألأب في التربية 198


التربية والتوجيه :

ينبغي للأب أن يهتم بتربية أبنائه وتوجيههم ، لأن بناء الجسم وزيادة كفاءة ألأعضاء تمثل واحدة من هذه الوظائف ، ولكن ألأهم من ذلك هو بناء النفس والعاطفة والفكر والعقل ، إذ أن هذه ألأمور تضمن حياة شريفة للإنسان .
لا بد من التربية والتوجيه لكي تسهل عملية إستخدام المفردات التي تعلمها ، وتتفق ألإبداعات حتى تسير في طريق هادف .
وهذه هي من مسؤولية ألأب الذي يجب عليه أن يوفر المناخ الملائم لولده ليسلك طريقا صحيحا في علاقته معه وألآخرين وتنتظم أفكاره إزاء مختلف الظواهر وألأحداث .
ومثل ذلك ألأب في مجال تربية ولده وتوجيهه كمثل ذلك المزارع الذي يراقب نمو النبتة وحركتها حتى لا تنحرف . فنراه مثلا يبعد عنها ألأدغال ويزيل منها ألأغصان الزائدة واليابسة لكي تنمو بإستقامة .
ومن جانب آخر فإن ألأب يقوم بدور المشجع والمشوق لولده فنراه يدفعه إلى ألأمام من خلال توجيهاته الصحيحة والمنطقية ، وعليه يجب أن يمتلك ـ في كل ألأحوال ـ إسلوبا هادئا وبناءً رغم أنه قد يكون عنيفا في بعض ألأحيان ، إلا أن الهداية تحتاج إلى كظم الغيظ .

لا تدفعوه نحو التمرد :

ينبغي للأب أن يمتنع عن دفع ولده نحو التمرد والعصيان ، إذ يعتبر هذا بحد ذاته سببا لإنحرافه وإبتعاده عن والده وزوال فرصة البناء . وقد يتساءل البعض : هل يوجد في ألآباء من يقدم على هذا العمل فيدفع ولده نحو التمرد والعصيان ؟
فنقول ومع ألأسف الشديد نعم ، فثمة آباء يجبرون أولادهم بشكل غير مباشر على العصيان والتمرد وألإنحراف ، وهذا ما يمكن أن يحدث بصور مختلفة وذرائع متعددة . فمثلا يجبرونهم على القيام بعمل لا يملكون القدرة على أدائه ، أو أنهم يطالبونهم بأمور لا يتمكنون من إنجازها ، أو يتصرفون معهم بصورة تثير الدهشة فلا يناسب ذلك شأنهم وشخصياتهم .

دور ألأب في التربية 199

وفي هذه الحالات نرى أن الولد يلجأ إلى العصيان ويسلك طريق التمرد . ويصدق بشأن هؤلاء ألآباء هذا ألإعتراض وهو لماذا دفعوا أبناءهم إلى هذا العمل ؟ فقد ورد عن الرسول ألأكرم (ص) إنه لعن مثل هؤلاء الوالدين .
ينبغي على ألأب أن يسلك مع ولده سلوكا يشوقهم لطاعة أوامره ، بل أن يشعروا بالفائدة المشتركة مع ألأب فيما لو طبقوا تعليماته .
ولا بد أن تكون ألأوامر والنواهي بصورة لا يضطر الطفل معها إلى العناد فيقف بوجهها .

ألأب والقدوة :

إن ألأب هو القدوة لجميع أفراد أسرته وخاصة ألأبناء ، ويرغب ألأولاد كثيرا بمحاكاة سلوكه البطولي وألإنساني ، ويخجلون عادة من رفض قوله وأوامره بسبب إنسانيته وخلقه . وإن أكبر أمنية للأولاد (الذكور) هي أن يكونوا كأبيهم في السلوك والكلام ، ويمكن مشاهدة هذه الظاهرة منذ إنتهاء السنة الثالثة تقريبا حتى أن بعض ألأطفال يرغبون بلبس النظارة كما يلبسها ويمشون كما يمشي ، ويصدرون ألأوامر والنواهي كما يفعل بل إنهم قد يشغلون مكانه فيما لو غاب من البيت في يوم ما .
يقول فرويد إن سبب محاكاة ألأبناء لأبيهم في سلوكه هو الخوف ، ويزيد على ذلك قائلا ، إنه الخوف من عقاب ألأب الذي يكون هجوميا وشرسا ، وهو يختلف في طرحه هذا عن أصحاب مدرسة التعلم ألإجتماعي الذين يعتبرون محاكاة الطفل تقوم على حبه لأبيه ورغبة به . فكلما زادت عاطفة ألأب ومحبته للطفل كلما إشتدت محاكاة الطفل له ، ويمكن للمعنى الثاني أن يكون أكثر قبولا من ألأول .
فإذا سلمنا بعد كل ذلك أنه يمكن للأب أن يكون قدوة صالحة لتوجب عليه أن يسلك في البيت وخارجه ذلك السلوك الذي يحبه ويرتضيه لأولاده ، وأن يتحدث معهم كما يريدهم أن يتحدثوا ، ويتصرف كما يرغب أن يكونوا ، وأن يؤمن بهذه الحقيقة التي تقول إن الولد على شاكلة أبيه .

دور ألأب في التربية 200


القيام بالتربية :

رغم ما نبذله من جهود لتربية أولادنا ، ومع كل ذلك ألإهتمام الكبير ، لا بد لنا أن تكون توقعاتنا من أولادنا معقولة . فلكل سن ومرحلة مستوى معين من الطموح ، وأن القابليات مختلفة ولا يتساوى الذكاء عند جميع ألأولاد وكذلك ألإدراك وألإستعداد البدني والنفسي ، ويؤدي هذا ألإختلاف إلى التباين في السلوك بحيث لا يمكننا أن ننتظر نفس الشيء من جميع أولاد ألأسرة الواحدة.
ويحاول بعض ألآباء بسبب حبهم الشديد لأولادهم أن يزرعوا عندهم الخلق الحسن وألأدب الجميل بأسرع ما يمكن ، ويرغبوا أن يسلكوا طريق الكمال بفترة زمنية قياسية غافلين بان ممارسة الضغط واللجوء إلى العنف يدفعان الطفل إلى إستخدام الحيلة واللجوء إلى العصيان ووقوع هوة بين الطفل والمربي ، فتفشل ـ والحال هذه ـ عملية البناء وألإصلاح والتوجيه .
فلا يوجد أي مبرر لطموحنا هذا ولا داعي لطي هذه المرحلة المتعددة بزمن قصير . وإن من الخطأ أن يلجأ ألآباء إلى إستخدام العنف والقوة مع الولد لتحقيق هذه الرغبة ، بل من غير الصحيح أللجوء إلى التشجيع المفرط أيضا . وسوف يضطر الطفل بسبب تلك الممارسات الخاطئة إلى سلوك طريق العصيان والعناد ، والمشاكسة أحيانا ، فتنعدم فرصة البناء والكمال ويصبح إنسانا ضالا ومنحرفا .

دور ألأب في التربية 201

الفصل الثاني والثلاثون
العلاقة مع ألأولاد المعاقين


من هو المعاق ؟

المعاق هو إنسان كباقي الناس لكنه مصاب بعاهة أوقصور ونقص في الجسم أو الذهن . ويمكننا أن نسمي المعاقين أحيانا بذوي الحالات ألإستثنائية بسبب إصابتهم بنقص في الجسم أو النفس أو العاطفة أو الذهن أو غير ذلك . وثمة حالات لم يتوصل فيها إلى تحديد نوع تلك العاهة .
وطبيعي أن تكون الحياة طبيعية وعادية لأولئك الذين يمتازون بإعتدال جسمي ونفسي وذهني وعاطفي ، لكن المعاقين بحاجة إلى مساعدة ألآخرين حتى يمكنهم توفير ألإعتدال المطلوب .
إن أول من يقوم بمساعدة أمثال هؤلاء وألإهتمام بهم هما الوالدان ، وخاصة ألأب الذي يجب أن يوفر كل ما هو مطلوب لحياة سعيدة . وعليه أن يتفهم الطفل المعاق ويدرك علته ويتخذ موقفا مناسبا من أجل خيره وصلاحه .

أنواع العاهات :

قد يكون ولدكم معاقا لكنه يختلف عن ألآخرين في عاهته . وينبغي عليكم في هذه الحالة أن تتخذوا موقفا مناسبا ينسجم مع تلك العاهة ونوعها .
وتختلف العاهات عند ألأطفال في العوائل وألأسر ، ويمكن ألإشارة إلى أهمها : الحمق والتخلف العقلي ، والحول ، والصرع ، والعمى والبكم ،

دور ألأب في التربية 202

وقصر القامة والنقص العضوي ولكنة اللسان وشلل ألأطراف والعرج بسبب قصر إحدى الساقين وغير ذلك . وهذه العاهات يمكن أن تكون هامشية أو واسعة التأثير .
وقد يشتمل النقص ذلك الخلل الحاصل في عملية التعلم ، أي لا يمكن مشاهدة ـ في الظاهر ـ أية عاهة جسمية على الطفل لكنه غير قادر على التعلم جيدا بسبب إصابته بالتخلف العقلي البسيط أو عدم القدرة على التركيز وإنعدام التنسيق في العمل بين قسمي المخ ، أو ضعف في السمع والنظر أو سبب إنخفاض مستوى الصوت .
وتؤدي هذه ألأمور إلى إصابة الطفل بأعراض تظهر على شخصيته أو سلوكه فلا يمكنه أن يسلك سلوكا عاديا ومتزنا . وإن جرأتكم وشجاعتكم في قبول الطفل وتربيته تقضي على العديد من هذه الصعوبات وألإضطرابات ويقربه أيضا من الهدف الذي تبتغونه .

ضرورة القبول :

إن أول نصيحة للأب هي ، أن يقبل الطفل كما هو . فإنه ولدك وبضعة من وجودك وأنت الذي دعوته إلى هذا العالم .
وألأهم من ذلك فهو وديعة الباري جل وعلا بين يديك وينبغي لك أن تشعر بالفخر وألإعتزاز لأن الخالق تبارك وتعالى سلم إليك هذه الوديعة وجعلك أمينا عليها ، كما إنك مكلف شرعا وخلقا بأداء هذه الوظيفة بأحسن وجه .
لا بد أن ينال قبول ألأب فيتخذ موقعه في الحياة العادية وأن تتوفر له مجالات المشاركة في شؤون البيت وحتى في الحياة ألإجتماعية .
تصرفوا معه بصورة لا تجعله يشعر بأن دوره معدوم ، ولتكن تصرفاتكم عادية وطبيعية .
لا يحق لكم أن تعيروه أبدا بعاهته وتلومونه عليها ، فالطفل يكون حساسا جدا في تلك الحالة ، ويدفعه هذا التصرف في المستقبل ليشعر بالسأم والضجر واليأس ، بل وحتى إتخاذ قرارات غير مدروسة أحيانا ، إنه غير مسؤول عن عاهته فلا تجعلوه منزعجا .

دور ألأب في التربية 203

إننا ومن خلال رفضنا للطفل ندفعه للتفكير بأنه إنسان عديم الدور وألأهمية ولا قيمة له . ولا يمكن والحال هذه أن يتحلى بوضع عادي وسوف يمتنع ذاتيا عن المشاركة في المجالس المختلفة ويحرم من فوائدها ويصاب بإضطرابات ويلجأ إلى ممارسات شاذة .

لا داعي للشعور بالذنب :

وهنا لا بد من ألإشارة إلى هذه الملاحظة وهي إنه لا داعي للشعور بالذنب . نعم ، قد تكون بعض إنحرافات ألآباء وألأمهات كألإدمان على الكحول والمخدرات وألإصابة بمرض السفلس وغير ذلك السبب في ظهور العديد من العاهات في ألأولاد.
وهذا يكشف عن دور الوالدين وتقصيرهما . أما في الحالات التي يجهل فيها ألإنسان السبب ، أو إنه تعرض لظروف قاهرة فلا داعي للقلق .
لا تحاولوا أن تتهموا ألأم ـ أو ألآخرين ـ بأنها السبب في هذه العاهة أو تلك إذ لا فائدة من ذلك . والشيء المهم هو أن يفتح ألإنسان عينيه عند الزواج ويختار زوجته بوعي طبقا للشروط المطلوبة ، أما لو حصل خطأ أو تفريط في ذلك فلا داعي للّوم .
ويختلف الناس بعضهم عن بعض وهذا يعود لعوامل عديدة تدريجيا وصون أنفسنا عن تلك ألأعراض . فقد ورد عن ألإمام علي (ع) قوله : «لا يزال الناس بخير ما تفاوتوا فإذا إستووا هلكوا».

المرافقة من أجل العلاج :

إن الشعور بالذنب والتأوه وإظهار ألأسى لا يداوي جرحا . والمهم هو التفكير بأسلوب ناجع للهلاج . . . والموقف الذي ينبغي إتخاذه هو كيف يمكن مرافقته لزرع ألأمل في أعماقه .
يمكنكم في أغلب الحالات إتخاذ خطوات معينة تساهم في معالجة الطفل وإنقاذه من النقص الذي يعانيه ، فقد تؤثر أحيانا الفحوصات الطبية والمعالجات النفسية وتوفير صفوف خاصة للتقوية في حالات الضعف الذهني .

دور ألأب في التربية 204

إصطحبوه معكم أحيانا في سركم وشاركوه في برامجكم ووفروا ألأجواء الملائمة ليشعر بالسعادة وألإنشراح ، فذلك يؤثر فيه كثيرا . وتقف التربية الخاصة وألإستثنائية بوجه العديد من ألإضطرابات وأنواع التخلف .
إن أدنى مساعدة تقدمونها هي أن ترفعوا معنوياته ليشعر بالثقة وألإطمئنان بأنكم تهتمون به وتريدون إنقاذه مما يعانيه وحل مشاكله . وسوف يندفع بسبب ذلك ليغير أفكاره ويطرد شعوره بعدم أبالية ألآخرين به .

التربية الخاصة :

نعرف أن لهؤلاء عالم مختلف عن عوالم ألآخرين فهم لا يفهمون معاني اللذة وألألم والجمال والقبح كما نفهمها نحن . وهم بحاجة إلى تربية خاصة لتتزن خصائصهم السلوكية فيسيرون نحو ألإصلاح والصلاح .
ينبغي أن تكون صفوفهم الدراسية وحتى برامجهم فيما لو أمكن ذلك مختلفة . ويجب ألإهتمام أيضا بعواطفهم ، والحذر حتى لا يصابوا باليأس والبرود وأن لا تواجههم أية صعوبات في تعلمهم .
ويفرض الخلق ألإنساني قيام هذه التربية الخاصة . ولا بد ـ بشكل عام ـ من وضع ضوابط معينة تسهل العملية التربوية وتقضي على الصعوبات ما أمكن ذلك.
كما إنه من الضروري أيضا أن يسود الهدوء جو ألأسرة ويخلو من ألإضطرابات . أو أن يبرز عندهم شعور بالثقة وألأهمية حتى يمكن تحقيق النمو المطلوب . ويمكن أن يكون بعضهم راقدا لدى ممارسة التربية أو قادرا على إستخدام المقاعد المتحركة فيجب في هذه الحالة توفيرها .

ألأمل في الحياة :

قلنا إنه من الضروري جدا بناء معنويات الطفل وزرع ألأمل عنده في الحياة .
صحيح أن ولدكم مصاب بعاهة لكنه بحاجة إلى الشعور بالسعادة وينبغي أن تساعدوه كي لا يفكر بعاهته دائما.

دور ألأب في التربية 205

إزرعوا عنده الجرأة وشجعوه وأكثروا من إبداء حبكم له وإمنحوه حق المشاركة في شؤون الحياة وألأسرة وإبتسموا في وجهه وإجعلوه يهوى العمل والنشاط .
إن تعاملكم الصحيح معه يجعله قادرا على نسيان عاهته فلا يبالي بها كثيرا . وإن بذل الجهد والسعي لمعالجة الطفل المصاب بالقصور أو النقص يوفر المناخ الملائم ليشعر بألأمل فيبتعد عنه ألإحساس بعقدة الحقارة . ولتحقيق هذا ألأمر لا داعي للترحم عليه فإن ذلك يؤدي إلى إصابته بصدمات أحيانا .
ينبغي أن لا تتوقعوا منه أمورا كثيرة بل طالبوه بأداء مسؤوليته ، وأن هذا الكلام لا يعني أن تجعلوا فواصل كبيرة بينكم وبينه ، أو أن تعاملوه بصورة يشعر معها بألإبتعاد عنكم أو بالحقارة أو بالغرور .

محاذير :

ثمة محاذير عديدة ينبغي ألإهتمام بها في موضوع تربية ألأطفال المعاقين أهمها :
ـ لا تعرضوا طفلكم المعاق لضغوطات كثيرة .
ـ لا تستهزؤوا به .
ـ لا تعيروه بعاهته .
ـ لا تلجأوا إلى تحطيم معنوياته .
ـ حاولوا بناءه من خلال أسلوب التشجيع .
إن بعض ألاباء ينفذ صبرهم بسبب تصرفات أولادهم المعاقين فيلجأون إلى ضربهم ولكمهم ظنا منهم أن ذلك يساعد في بنائهم . لكن هذا يعتبر عملا شائنا ويزيد من آلام الطفل وخاصة عندما لا يتمكن من الهروب .
كما أن النظرات الغاضبة والكلام الجارح وألأوامر والنواهي العديدة تجعله يشعر بأذى كبير .

دور ألأب في التربية 206

حاولوا أن تشرفوا على عملية بناء ولدكم بأنفسكم ولا ترسلوه إلى المؤسسات الخاصة لهذا الغرض خاصة إذا كان الطفل يمتاز بذكاء عادي لكنه مصاب بعاهة عضوية لأن المصيبة ستكون مضاعفة في هذه الحالة وسيشعر الطفل بأنه مرفوض .
عليكم أن تمنعوا ألآخرين أيضا من إدامة النظر إلى تلك العاهة أو أن يعطفوا على طفلكم لأن ذلك يمثل صدمة كبيرة بالنسبة له فقد ورد عن الرسول ألأكرم (ص) قوله : « لا تديموا النظر إلى أهل البلاء والمجذومين فإنه يحزنهم».

دور ألأب في التربية 207

الباب التاسع

ألأب وألإهتمامات

سنتحدث في هذا الباب عن إهتمامات ألأب ضمن فصول أربعة . فقد خصصنا أحد الفصول للتحدث عن إهتمام ألأب بسلوكه إذ يجب عليه أن يحذر كثيرا في حديثه وتعامله ومتابعته ومساعدته وإلتزامه ، ويكون واعيا لما يفعل لأنه قدوة لولده وله دور كبير في بنائه وصلاحه .
كما تناول فصل آخر موضوع إهتمام ألأب بمعاشرة أولاده والعلاقات التي يقيمونها مع ألآخرين وخاصة تلك العلاقات مع غير أفراد ألأسرة والمخاطر التي تسببها . فإهتمامه بهذا ألأمر يمنعهم من السقوط في الهاوية ويزيل تلك ألأضرار الفردية وألإجتماعية .
أما الفصل الثالث فتحدثنا فيه عن إهتمام ألأب بدراسة أولاده ، إذ ينبغي عليه أن يختار مدرسته التي يدرس فيها والفيلم الذي يشاهده ، ويهتم بدراسته والجهود التي بذلها بهذا الشأن .
وتأتي أهمية المدرسة من كونها تمثل البيت الثاني للطفل والمعلم بمنزلة ألأب ، ولا بد من حصول ألإنسجام بين الطرفين لكي تتم العملية التربوية .
وقد جاء الفصل ألأخير ليتناول موضوع إهتمام ألأب بتوفير حاجات الطفل ألأساسية كإهتمامه بالمأكل والملبس والنوم والنظافة واللعب وألأوامر والنواهي وألأمور التي يبصرها أو يسمعها . فالدقة في هذه ألأمور تؤثر كثيرا على مستقبل الطفل .

دور ألأب في التربية 208

وقد حاولنا في هذا الباب كما ألأبواب السابقة أن نطرح المواضيع المذكورة مع ألإختصار وألإيجاز وألإشارة إلى الملاحضات المهمة فقط .

دور ألأب في التربية 209

الفصل الثالث والثلاثون
ألأب وإهتمامه بسلوكه


ألإنسان وألأمنيات :

ثمة أمنيات عديدة للإنسان في حياته يرغب بتحقيقها ، وأنها من ضروريات الحياة . ولا بد أحيانا من توفير تلك ألأماني ولكن بشرط عدم ألإستسلام لها والقبول بها دون أي سبب لأن ذلك يعتبر نوعا من أنواع ألأسر وألإذلال .
ولو كان ذلك مباحا للطفل الصغير فإنه يليق وشأن الكبار ، لأن العقل يفرض أن نفكر بتلك ألأماني ويدعونا إلى إنتخاب ما هو إنساني وعقلاني.
فألأمنيات عديدة وألإستسلام لها يعني التورط في متاهات لا نهاية لها مما تؤدي إلى الفشل والسقوط وألإنحطاط .
وينبغي أن تتركز الجهود في التفكير بما يحتاجه ألإنسان من أجل بنائه وكماله ، وأن تكون تلك الحاجات وسائل لتحقيق هذا الهدف لا أن تكون هي الهدف بذاتها فنلتذ بها .

إهتمامات ضرورية :

توجد بعض القضايا الضرورية التي ينبغي على ألإنسان أن يهتم بها من أجل نفسه وسلوكه ، ومنها ما يرتبط بذاته ، إذ يجب عليه أن يوفر موجبات نموه من خلال تمييزه وتشخيصه لكي يكون قادرا على التقدم في طريق الكمال .
ويعتبر بناء النفس ـ وخاصة إيجاد صفة المقاومة ـ ضروريا جدا لوجود عوامل عديدة تحيط بألإنسان تمنع بناءه وتقدمه .

دور ألأب في التربية 210

فما أكثر العوامل التي تجرنا إلى ألأسر وألإذلال نكون بؤساء بسببها . لذا يجب ألإهتمام بالسلوك والقضاء على عامل السقوط .
ويتأكد هذا ألإهتمام للآباء لأنهم سيكونون في عملهم وسلوكهم قدوة لأطفالهم وإنموذجا لهم . وبسبب شدة هذا التأثير قيل أن الولد على سر أبيه ، أو لإنهم قالوا ولد العالم نصف عالم .

إهتمامات كليّة :

لو أردنا التحدث عن السلوك المباح والممنوع لواجهتنا أمور عديدة ينبغي البحث عنها في كتب ألأخلاق وفي تلك التي تتناول موضوع بناء النفس .
يجب على ألإنسان أن يفكر بنفسه وخلقه وبعثه من أجل تحقيق التكامل والنمو والمطلوب ، إذ يعتبر ذلك من ضروريات الحياة ألإنسانية . أما أهم ألأمور التي لا بد للأب أن يهتم بها لتأثيرها على الطفل فهي :
1 ـ ألإهتمام بالسلوك الذاتي :


ينبغي على ألأب أن يصدق بأن ألأجهزة الحسية للطفل هي كالنوافذ المفتوحة على العالم الخارجي ، فنراه يلتقط ما يشاهده ويدركه ويعمل بموجبه . لذا يجب عليه أن يهتم بسلوكه ويلتزم بضوابط معينة في هذا الطريق .
فالسلوك ألإنساني وغير ألإنساني واللين والقسوة والعطف والعنف وغير ذلك يؤثر بأجمعه على الطفل . وكذلك إلتزامه بألآداب والمبادئ ، ونوع تعامله مع ألأمور ، والبناء وألإنحراف وما إلى ذلك من صفات أخرى .
يجب على ألأب أن يحذر في سلوكه كثيرا لئلا يحيد عن حدود ألأدب أو يستخدم أسلوبا يؤدي إلى إنحراف الطفل وضلاله .
فجميع المشاهد وحالات التقصير وألأخطاء وألإنحرافات تؤثر على ألأطفال وسلوكهم .

دور ألأب في التربية 211

2 ـ ألإهتمام بالكلام والعمل :


إذ يعتبر ذلك مهما جدا ، ما أكثر الدروس السيئة التي يتعلمها الطفل من حديثكم وكلامكم . في حين يمكنكم أن تبنوا شخصيته من خلال كلماتكم الجميلة بينما يؤدي الكلام القبيح إلى إنحطاط الشخصية وسقوطها .
ومن وظائف ألأب التربوية وألأخلاقية أن ينادي ولده (ذكرا كان أم أنثى) بعبارات جميلة يسودها ألإحترام . وأن يتحدث معه بكلمات تشوقه لطي طريق ألأدب وألأخلاق والكمال لكي ينشأ إنسانا عاقلا وجليلا . وليس صحيحا أبدا إللجوء إلى الكلمات البذيئة حتى في حالات الغضب لأنه سيتعلمها وينطق بها ، بل يجب أن تحذروا أن لا يألف ولدكم أفرادا بذيئي أللسان فيصاحبهم ويتعلم منهم الكلام البذيء .
3 ـ ألإهتمام بالتعامل :


يمكن لتعامل ألأب مع ولده بل ومع ألآخرين أيضا من اللذين يشاهدهم الطفل أن يكون درسا نافعا أو ضارا . إذ يجب على ألأب أن يعاشر أولئك الذين لهم منزلة تنسجم ومكانة ألأسرة ، وأن يتعامل كما يجب أن يكون طفله .
فما أكثر العلاقات ألإجتماعية التي تكون سببا للإنحطاط والتخلف وبالتالي تهدد عملية بناء الطفل وتقدمه .
والخلاصة ، فلو أردنا بناء أولادنا بحيث لا تكون أية حاجة لتقويم سلوكهم وإصلاح أخلاقهم ، لتوجب علينا أن نقوم أخلاقنا وسلوكنا وتعاملنا ، فنمتنع مثلا عن النفاق وألإزدواجية في إظهار المشاعر والعواطف إزاء ألآخرين .
4 ـ ألإهتمام بالعمل والمساعدة :


ينبغي للأب أن يكون قدوة صالحة لولده في العمل وبذل الجهد ومساعدة أفراد ألأسرة وإعانتهم على قضاء حوائجهم . ومن الضروري أن يتقدم ألأب لقضاء حاجة معينة في محيط أسرته بدلا من اللجوء إلى إصدار

دور ألأب في التربية 212

ألأوامر والنواهي . فهذا العمل سيؤدي بألأطفال إلى ألإعتماد على أنفسهم والشعور بألإستقلال وألإندفاع ـ في الوقت نفسه ـ إلى مساعدة والدهم .
ويستطيع ألأب من خلال توفير حاجات أولاده أن يعلمهم ـ وخاصة الذكور ـ كيف يكونوا آباءً . فلو تعرض أحد أفراد ألأسرة إلى حادث ما لتوجب على ألأب أن يساعده ويعينه ويكشف عن عاطفته ويبدي أحاسيسه لزوجته وأولاده .
5 ـ ألإهتمام بالنظم وألإنضباط :


يشار إلى ألأب ـ في ألأسرة عادة ـ بأنه المسؤول عن تحقيق النظم وألإنضباط ، والمسؤول عن تنفيذ القوانين في ذلك المحيط . فيجب عليه أولا أن يكون مثالا للنظم وألإنضباط ومن ثم يدفع أولاده إلى تحقيق ذلك .
لا بد للنظم وألإنضباط أن يشملا جميع مرافق الحياة ألإنسانية وألأسرية ، ويمثل هذا شرطا من شروط الحياة . ولولاه لسادت الفوضى وشاع العدوان ، وقامت الحياة على هوى النفس .
والمهم في الموضوع أن يكون ألإنضباط عادلا وقائما على تلك المبادئ التي يؤمن بها ألأب . إذ يجب عليه أن يهتم بأصول التعامل وطرح العادات الجيدة ، وتقديم مفهوم صحيح للطاعة وألإنقياد ، والتأكيد على قيمة الوقت ورعاية النظم في المأكل والملبس وألإستراحة وأللعب وغير ذلك .
لا يوجد شك في أن للأسرة نظاما يختلف بإختلاف الظروف . ولا بد من ألأخذ بنظر ألإعتبار القابليات وألأعمار والفهم وألإدراك والمحيط وأمورا أخرى . فالنظم وألإنضباط أللذان يحتاجهما طفل في السادسة من عمره يختلفان عن ذلك الذي يبلغ العاشرة أو الثانية عشر من عمره .
6 ـ ألإهتمام بالعلاقة مع الزوجة :


لا بد أن تخضع العلاقة مع الزوجة لإهتمام واسع ، ويجب على الزوج أن لا ينسى بأن زوجته هي أم أطفاله ، وإنهم ينظرون إليها بإهتمام بالغ رغم أنها قد لا تكون كذلك ـ لا سمح ألله ـ بنظر ألأب .

السابق السابق الفهرس التالي التالي