دور ألأب في التربية 213

قد يحصل نزاع أو إختلاف في محيط ألأسرة ، ولكن إياكم أن يحدث ذلك أمام أنظار ألأطفال .
ينبغي أن لا يشاهدوا نزاع ألأب وألأم ، وأن تحقير ألأب أو ألأم وإهانتهما يؤدي إلى حدوث مأساة تربوية .
إنه لمن الخطأ أن يلجأ الرجل إلى ضرب زوجته أمام أطفاله . وإنه من غير الصحيح أيضا قيام ألأم بتحطيم شخصية ألأب أمام أطفالهما ، فهما سيفقدان دورهما ومكانتهما عند ألأطفال .
كما توجد محاذير أخرى ترتبط بالعلاقة الزوجية والجنسية ينبغي للأب أن يهتم بها ، فألإسلام لم يسمح بإقامة العلاقة الجنسية بمرأى من الطفل الرضيع فكيف ببقية ألأطفال ؟ بل جاءت التأكيدات بمنع سماع ألأطفال لصوت أنفاسهما أيضا .

السلوك المستقر :

من المواضيع المهمة أن يكون سلوك ألأب مستقرا وثابتا فلا يليق بألإنسان أن يكون متلونا في الفكر والسلوك والعمل وخاصة ألأب الذي هو القدوة لأولاده .
يجب على ألأب أن يتحلى بسلوك جلي وواضح له أبعاد وأهداف محددة لكي يتعلم منه الطفل المحظورات والمباحات .
فألأب الذي يطلب من ولده في كل يوم أن يمارس عملا معينا لتحقيق مصلحته لا يمكنه أن يكون أبا مثاليا ، لذا تقع عليه مسؤولية التحلي بأهداف وأفكار واضحة ، وأن يتبنى المواقف التي يمليها عليه دينه ومعتقده .

دور ألأب في التربية 214

الفصل الرابع والثلاثون
ألأب وإهتمامه بعلاقات أولاده


الحاجة إلى المعاشرة :

ألطفل كائن إجتماعي ، وهذا إما أن يكون فطريا أو مكتسبا . فبسبب الطبيعة ألإجتماعية للإنسان نراه يفتح باب المعاشرة ويتوسع في هذا المجال ويأنس لمعاشرة ألآخرين ويتخوف من ألإنقطاع عنهم .
وإننا نعلم بأن أشد ما يقلق ألإنسان هي ألإنعزالية والعيش منفردا بسبب وجود بعض الموانع . فالسجن مثلا ، وخاصة ألإنفرادي يؤدي إلى ظهور آلام عديدة .
وتختلف حالات ألأطفال في المعاشرة طبقا لمراحل العمر . فنراهم في سنوات الطفولة ألأولى يبحثون عن علاقات سريعة . لذا فإنهم يألفون أطفال الجيران . ثم بعد ذلك ـ وخاصة في السنة السابعة من العمر وعند ذهابهم إلى المدرسة ـ يعاشرون ويصادقون نظراءهم في السن وأحيانا من هم أكبر منهم سنا أو أصغر ، ويبقون على هذه العلاقات .

أهمية المعاشرة وفوائدها :

ينتفع الطفل بالمجموعة كثيرا ، فيتعلم منها إسلوب المعاشرة ودروسا في الحياة وألأخلاق والتربية . ومن فوائدها أيضا إنه يتعلم الصبر والتضحية وألإيثار والطاعة وألإنضباط والشعور بالمسؤولية ، ويسعد الطفل كثيرا لأنه يقضي بعضا من وقته إلى جانب أصدقائه فيجد ذلك الوسط الذي يستأنس إليه ويألفه .

دور ألأب في التربية 215

ويمكن للأصدقاء أن يقوموا بدور جيد في مجال بناء وتقدم الولد إلى ألأمام بشرط أن يكونوا أوفياء وصادقين وشرفاء ونزيهين . وسوف يصبح إجتماعيا بسببهم أيضا . وتبرز هذه الظاهرة (ألإجتماعية) من خلال مراقبة الطفل لسلوك أصدقائه وأخلاقهم وعملهم وكلامهم مما ستكون لها تأثيرات مفيدة وناجعة أو ضارة وخطيرة . وهذا هو سبب أهمية دور ألأب ومراقبته لعلاقات أولاده والذين يعاشرونهم .

مخاطر المعاشرة :

يمكن إعتبار المجموعة التي يعاشرها الطفل ذات دور كبير في تعليمه والتأثير على شخصيته ولأهمية ذلك فقد ورد في الحديث الشريف عن النبي ألأعظم (ص) قوله : « المرء على دين خليله» وقيل أن أفضل طريقة لمعرفة ألإنسان هو السؤال عن صديقه وخليله . فمجالسة الشرفاء والمتدينين تجعل ألإنسان شريفا ومؤمنا ، بينما مجالسة المنحرفين والفاسدين تجره إلى الفساد والرذيلة . ولو أقدم أولادنا على مرافقة السيئين لوصلوا إلى تلك الدرجة التي يرفضون فيها كلام آبائهم ولا يقبلون بنصائحهم وتوجيهاتهم .
علينا أن لا ننسى هذه الملاحظة المهمة وهي أن الطفل يلجأ من خلال المحاكاة إلى تعلم أمور كثيرة من ألآخرين سواء كانت إيجابية أم سلبية . فما أكثر الثقافات المنحرفة وآثارها السيئة التي تنتقل في محيط ألأسرة إلى ألأولاد ومن ثم إلى أصدقائهم ومعاشريهم .
لا بد للمعاشرة أن تستهوي قلب ألإنسان ونفسه حتى تغير في سلوكه . وما أكثر السلوك الحسن أوالسيء ، الذي تعلمه الطفل من المجموعة التي يعاشرها فأوصله إما إلى الكمال أو إلى ألإنحراف .

مجموعة القرناء :

ونقصد بالقرناء تلك المجموعة التي يصاحبها الطفل ويعاشرها ويتعلم منها ألأدب وألإخلاص والسلوك والكلام . ونراه يأتمنهم على سره ويرتبط بهم بعلاقة قوية وحميمة . ويمكن للقرناء أن يكونوا نظراء للطفل في سنه أو يختلفون عنه ، ولكن العلاقة تبقى عميقة للغاية .

دور ألأب في التربية 216

وقد كشفت دراسات علماء ألإجتماع أن للقرناء دورا مهما يفوق دور الوالدين فيما لو تركا ولدهما ، وذلك في مرحلة النشوء والبلوغ ، أو عندما تعتري ألأسرة إضطرابات معينة ، ألأمر الذي يعكس مسؤولية ألأب الثقيلة وضرورة قيامه بوظيفته .
كما أن للقرناء دورا مسليا وإيجابيا ومؤثرا في إيجاد الطبيعة ألإجتماعية عند الطفل ، ولكن بشرط أن لا ننسى بأن الطفل يقلد كل ما يشاهده في أوساط المجموعة التي يعاشرها ويعمل بموجبه حتى ولو كان ذلك العمل مخالفا للعقل من وجهة نظر ألآخرين .
ومن هنا فقد تؤدي تلك التأثيرات السيئة للقرناء إلى التفريط بجهود الوالدين وتضييع حياة الطفل الحالية والمستقبلية .

ضرورة المراقبة :

لهذا السبب فإنه لا بد من المراقبة وخاصة في مراحل الطفولة ألأولى وعندما يبدأ الطفل بإقامة العلاقات مع مجموعات صغيرة ثم تتسع تدريجيا في المراحل القادمة وتتعمق أيضا .
ينبغي أن تعلموا بمكان تواجد أولادكم في كل لحظة ، ومن هم الذين يألفونهم ويعاشرونهم ؟ بل وعليكم أن تعلموا بنوع العلاقة التي يقيمونها والكلام الذي يطرحونه وكيف يمارسون حرياتهم .
ولا بد من ألإهتمام بموضوع المعاشرة لأن الطبائع قابلة للإنتقال . وما أكثر الذين إبتلوا بالحقارة والدناءة بسبب قرنائهم فإبتعدوا تدريجيا عن الوالدين .
وثمة خطر يهدد ألأسرة ألا وهو عدم عودة الولد وإبتعاده فيما لو تركه الوالدان بمفرده .
فيجب أن يكون ألإهتمام على أشده بالنسبة للأحداث والبالغين لوجود أخطار عديدة تهددهم في هذه المراحل . فقد يقومون بتصرفات هوجاء فيما لو تعمقت علاقتهم مع المنحرفين والفاسدين مما سيؤثر سلبيا على حياتهم الشخصية وأسرهم أيضا .

دور ألأب في التربية 217


كيفية المراقبة ونوعها :

من ألأفضل أن تتم مراقبة غير مباشرة خاصة بالنسبة للأحداث والبالغين ، أما الطفل فلا بأس من القيام بمراقبته بشكل مباشر لكي يكون على حذر فيحاول عدم إرتكاب أي خطأ لشعوره بهيبة ألأب وخشيته منه .
أما ألأحداث والبالغون فقد يلجأون إلى التمرد فيما لو شعروا بوجود مراقبة مباشرة لهم فيلجأون إلى معارضة ألأب والتكتم على نشاطاتهم وأفعالهم وهذا يضر ألأب والولد أيضا .
فهم في مرحلة قادرون معها على اللجوء إلى المكر والخداع والتستر ، فلا يقدر ألأب أن يكتشف حقيقة أفعالهم .
لذلك ينبغي أن تكون المراقبة سرية وبعيدة عن ألأنظار خاصة لأصدقاء الولد لأنهم سيلجأون إلى إثارة الولد ودفعه إلى التمرد والعصيان .
والخلاصة فإنه من الصعب جدا تحقيق المراقبة المباشرة للأحداث .

عند حصول الخطأ وألإنحراف :

قد يخطئ أولادكم لدى إقامة العلاقة مع ألآخرين فلا يملكون لأنفسهم أصدقاء جيدين . وفي مثل هذه الحالات فإن من وظائف ألأب تحذير الولد وتنبيهه كي يترك هذه الصداقة .
ويمكن للأب أن يستعين بأسلوب ألإكراه والتهديد بالنسبة للأطفال الصغار لكنه لا ينفع مع ألأحداث البالغين ، بل لا بد أن يكون بأسلوب جميل وبلهجة مؤثرة .
فالتوجيهات لا بد أن تكون متينة وقائمة على الود وتكشف عن طموحاتكم وتوقعاتكم من أولادكم ، وأن تكون في نفس الوقت قوية وقاطعة لكي يشعر الولد بضرورة تنفيذها .

دور ألأب في التربية 218

على الوالدين أن يحذروا كثيرا من أصدقاء السوء فلا يهملان هذا الموضوع أو يتركانه على أمل أن يشعر الولد ذاتيا بمضار ذلك فيعود إلى رشده ، لأن ذلك سيؤثر على نموه وتكامله .
ويمكن ألإستعانة بالمدرسة أو بوالدي ألأصدقاء المنحرفين لحل هذه المشكلة وإطلاع ألآخرين على مخاطر هذه العلاقات .
ولو إستطعنا أن نبني أولادنا من خلال عدم تأثرهم بالمجموعة لأمكننا إلى حد كبير أن نفسح المجال أمامهم ليتأثروا بالكبار .

المرافقة إضافة إلى المراقبة :

لا توجد أية ضرورة لأن تؤدي المراقبة إلى تعكير العلاقة بين ألأب وولده ، إذ يمكن للأب أن يكون مرافقا لولده وأنيسا له ، وعليه ـ في نفس الوقت ـ أن لا ينسى مسؤوليته في المراقبة .
ومن ألأساليب ألأخرى في مرافقة ألأولاد هو إختيار أشخاص من بين ألأقرباء وألأصدقاء يحملون ذات الفكر والثقافة لكي يجالسوا أولادكم ويعاشروهم .
يجب على ألأب أن يبذل جهده في إختيار قرناء ومعاشرين صالحين لأولاده ، ولا يتجاوز في ذلك حدود الحق وألأخلاق . فالمعاشرة مطلوبة بذاتها ، ولكن بشرط أن تقوم على ضوابط ومعايير مدروسة لكي تساهم في تنمية ألأخلاق والمبادئ والسلوك الصحيح عند ألأطفال . كما يجب عدم إهمال المراقبة أيضا من أجل أن نمنع ألإنحراف .

دور ألأب في التربية 219

الفصل الخامس والثلاثون
ألأب وإهتمامه بدراسة أولاده


جهل ألإنسان وحاجته إلى العلم :

يولد ألإنسان جاهلا ، لا يعرف شيئا عن ظواهر هذا الكون ، والمواقف التي ينبغي إتخاذها . وإننا مكلفون بتوعية هذا ألإنسان إلى أن يزول جهله ويصبح عالما واعيا .
ويكتسب الطفل المعلومات من خلال إرتباطه بوالديه إضافة إلى أجهزته الحسية ، ويتمكن من خلال إستخدام حواسه أن يرى ألأشياء ويسمع ألأصوات ويدرك ألأمور ويعي طعمها ورائحتها ووزنها وحجمها وألمها .
فالمهم هو قيام المربي بتوجيه الطفل لأن ينظر جيدا ويدرك بدقة وينقل إليه العلائم وألأدلة ويطالبه بتحليلها وتفسيرها على أكمل وجه . ويعلمه تلك العلاقة القائمة بين العلة والمعلول بما يناسب سنه وفهمه وإستيعابه الذهني .

أهمية الوعي :

إن المعرفة ما هي إلا مقدمة للقدرة . ولا سبيل أمام ألإنسان الذي تواجهه آلاف الظواهر المختلفة إلا أن يكون عالما وواعيا يدرك كيف يتعامل مع ألأشياء ولا يكون حائرا عندما تواجهه .
فالجهل هو سبب العديد من ألأعمال السيئة والتصرفات القبيحة والمفاسد وألإنحرافات . وإن العلم النافع يؤدي حتى إلى ظهور ألإيمان أيضا .

دور ألأب في التربية 220

يحتاج الطفل في مستقبله (القريب) إلى فلسفة واضحة لكي يعي كيفية إتخاذ المواقف والتعامل مع ألأشياء . وهو الوريث ألأول لجهود الناس والمنتفع بها ، وعليه أن يصل إلى مستوى من الكمال يؤهله لتقديم خدماته للناس .
إنه بحاجة لتعلم طريقة إستخدام ألأشياء والتعامل مع الظواهر ، وبذل جهده ـ فيما لو أمكنه ـ لإغناء التجارب . وأن يحاول في بعض ألأحيان إختراع وسائل جديدة وأشياء نافعة تضاف إلى قائمة الظواهر ، ويسعى من خلال ذلك إلى تعبيد الطرق الوعرة وتحقيق الخير والسعادة لأبناء جنسه .
ولا بد أخيرا من الوصول إلى تلك المرحلة التي تمكنه من الدفاع عن نفسه وأفكاره ، ويعرف شأنه ودوره ، ويبذل جهده ليحيا حياة شريفة ، ويبتعد عن عوامل ألإنحراف ، ويعصم نفسه من السقوط في مستنقع الدناءة والرذيلة .

دور الوالدين والمربين :

للوالدين دور أساسي في توفير الوعي الضروري للحياة . ولا شك أن للأم دورا مهما داخل البيت في نقل الوعي والتعريف بمختلف الظواهر ، لكنه يبقى للأب ذلك الدور المتميز في البناء الفكري والمعرفي .
فالأم تعرف الطفل بألأشياء التي تحيطه بينما يقوم ألأب بتعريفه بالمحيط الخارجي ، وكل ما هو موجود في هذا العالم وله طبيعة علمية .
وبشكل عام فإن ألأم مسؤولة عن معرفة ألأشياء العلاقات ، وألأب يقدم دروسا لطفله في ألأخلاق وألآداب والجرأة وألإقتدار والبناء .
ومنذ تلك السنوات التي تتضح فيها شخصية الطفل ، أي منذ إنتهاء السنة الثالثة ، يمارس ألأب دورا آخر إضافة إلى أبوته . فهو معلم لولده الذي سيسأله عن كل شيء لأنه يتصوره عالما بكل شيء ولا مثيل له .
وينظر الطفل إلى والده بأنه يجسد عالمه الخارجي ، ويقدر أن يشرح له كل ما هو موجود في هذه الدنيا ويتحدث له عن الفوائد والمضار . وأن

دور ألأب في التربية 221

المعلومات التي يقدمها ألأب لولده ستترسخ في ذهنه دائما وأبدا فتساهم في نشأته ونموه الفكري .
ثم يأتي دور المدرسة فيذهب في سن معينة إليها ليجد مساعدا لوالده وأبا ثانيا يمارس دور ألأبوة بشكل أفضل . وهذا هو المعلم الذي سينقل المعلومات بشكل آخر إلى الطفل ويطالبه بأن يتعلمها ويمتحنه بها (يختبره فيها ) ؟

ضرورة ألإهتمام :

تقع على ألأب وظيفة مهمة في إنتخاب مدرسة جيدة لولده ومعلم كفوء ، وأن لا يغفل عن دراسته أبدا . أما أهم ألإهتمامات فيمكن درجها ضمن النقاط التالية :
1 ـ إنتخاب المدرسة :إن أهم وظيفة للأب هي إختيار أفضل مدرسة لولده تناسبه وتليق به « وأن تضعه موضعا صالحا » ، وسبب ذلك هو ما للمدرسة من دور مهم وأساسي في بناء شخصية الطفل وأفكاره . فما أكثر ألأطفال الذين ظلوا ملتزمين بكل ما تعلموه من المدرسة بينما نسوا ما حصلوا عليه من البيت .
والمدرسة هي أفضل مكان لتحقيق المعاشرة وإقامة العلاقات الواسعة . وإنها توفر فرصا جيدة لتكامل ألإنسان أو تسلبه تلك الفرصة فينشأ محطما منحطا . كما إنها قادرة على أن تجعله إنسانا ملتزما بالقانون ومدافعا عنه أو أن يكون عاصيا ومتمردا .
فالجو ألأخلاقي للمدرسة ، والمستوى العلمي لها ، وسعتها ، وجمال غرفها ومناضدها ومقاعدها أو قبحها ، وألأجهزة والوسائل المستخدمة فيها تؤثر بأجمعها على الطفل .
2 ـ إنتخاب المعلم : قلنا أن المعلم يؤدي وظيفة ألأب في المدرسة ويلقن الطفل ممارسات وأساليب خاصة . وقد تؤثر في الطفل توجيهات المعلم ـ غير تلك التي في الكتب الدراسية ـ وتصرفاته وإلتزامه وإنضباطه وإسلوبه المستخدم مع ألأولاد .

دور ألأب في التربية 222

وما أكثر المدارس التي نراها قد عينت المعلمين مسبقا فيضطر طفلكم ليتعلم على يد هذا المعلم لا غيره سواء كان جيدا أو سيئا .
ولا بد ـ والحال هذه ـ من مصادقة المعلم وألإرتباط به لكي تأمنوا تلك ألآثار السلوكية والتعليمية السيئة . وأن تتعاونوا مع ألآباء ألآخرين في تقديم النصائح وألإرشادات له لتساعدكم في العمل التربوي .
3 ـ ألإهتمام بدراسة الولد : من الضروري أن يهتم ألأب بدراسة ولده فيدفعه لتعلم تلك ألأمور التي يحتاج إليها في المستقبل . وينبغي أن يكون هذا الحديث الوارد عن ألإمام علي (ع) : «من لم يتعلم في الصغر لم يتعلم في الكبر » نصب أعين ألآباء .
ويتأكد هذا ألإهتمام بالنسبة للناشئين لأنهم يفضلون عادة النشاطات ألأخرى على الدراسة ويقضون جل وقتهم فيها مما يؤثر سلبا على مستواهم الدراسي والتعليمي . وإن الاأبالية لها نتائج سيئة على مستقبل الطفل .
4 ـ الحذر من الكسل : ينبغي على ألآباء أن يحذروا من إصابة أولادهم بالكسل ، ولكن في نفس الوقت عليهم أن لا يطالبوهم بما يفوق طاقتهم . فالكسل يقضي على ظاهرة حب التطلع لدى الطفل ويحول دون تقدمه .
وقد يكون للكسل مخاطر أخرى لا ترتبط بدراسته فتجره مثلا إلى ألإنحراف وممارسة الجريمة مما يسبب ذلك في إيجاد مشاكل معقدة في حياته الحالية والمستقبلية .
فليس من الصحيح أن يقف ألأب موقف الاأبالي أزاء تعلم طفله ودراسته لأن الطفل لا يمكنه أن يدرك العواقب الخطيرة لعمله هذا .
كما عليه أن لا يمنعه أيضا من الحركة ويقف بوجه شراسته وعناده لأن ذلك دليل على زيادة عقله ، فقد ورد في الحديث الشريف أن : «عرامة الصبي في صغره زيادة في عقله في كبره ». فالقراءة والكتابة والتعلم إنما هي أمور تختلف عن اللعب والحركة .
5 ـ ألإهتمام بتوفير مستلزمات الدراسة : تقع على ألأب مسؤولية توفير

دور ألأب في التربية 223

الظروف والمستلزمات المطلوبة لدراسة الولد . ولا تقتصر هذه المستلزمات على الكتابة والدفتر والقلم ، بل أنها تشتمل تهيئة المكان المناسب للدراسة والتفرغ إليها براحة بال .
فحري بألأب أن يوفر أو يهيء مكانا لولده ليقرأ فيه دروسه ويكتب واجباته . وأن يمنع ألأطفال الصغار من الحضور في ذلك المكان في ساعات العمل ، وأن يكون ذا إنارة جيدة ، وأن يمتنع من التحدث إلى ولده في تلك الساعات ولا يكلفه بشيء ، وأن يساعده فيما لو تمكن من ذلك .
ومن مسنلزمات الدراسة أيضا أن يكون محيط ألأسرة مناسبا لهذا العمل . فألأطفال الذين يعيشون في أجواء أسرية مشحونة بالصراع والنزاع وألإختلاف بين ألأب وألأم لا يمكنهم أن يمتلكوا ألإستعداد الكافي للدراسة والتعلم .
وتسري هذه الحالة أيضا على تلك العوائل التي ينعدم فيها الحب والود بين أفرادها .

التعاون مع المدرسة :

تعتبر المدرسة البيت الثاني للطفل ، وتقع على ألأب مسؤولية تأثيث هذا البيت الذي سيقضي فيه الولد جانبا من وقته .
وحري بألآباء أن يكونوا على إتصال دائم مع المعليمن فيتحدثوا معهم ويتباحثوا بشأن أولادهم لتحقيق نموهم وتكاملهم وحل المشاكل التي تعترضهم .
فتربية الولد بحاجة إلى تعاون ألأب مع المدرسة وبذل جهده وتفكيره ، ومساعدة المعلمين من أجل الوصول إلى أفكار مشتركة في هذا الشأن .
كما ويمكنه من خلال تعاونه مع المدرسة أن يراقب تحركه وذهابه وإيابه ومعاشريه من ألأصدقاء وتقدمه في الدراسة .
ومن أساليب التعاون ألأخرى مساهمة الوالدين في تأثيث المدرسة وأقسامها المختلفة كالمختبر والمكتبة وورشة العمل ، وتقديم المعلومات

دور ألأب في التربية 224

المطلوبة للمعلمين بشأن أولادهم وترميم الصفوف الدراسية ومختلف المرافق ألأخرى . وسوف يترك هذا ألإنجاز أثره الكبير على حياة الطفل أيضا .

حدود التوقع :

رغم الجهود التي يبذلها ألأب في مجال تربية ولده ، عليه أن يعلم بأن المدرسة لا تؤدي الوظيفة التربوية بكاملها ، ولا يحق له أن يترك ولده للمدرسة ويبرئ ذمته . فألآباء مسؤولون شرعا عن تربية أطفالهم ، وإن الخالق جل وعلا يحاسبهم على هذه المسؤولية ، وإنهم سيتحملون كامل المسؤولية فيما لو فرط المعلم أو المدرسة بهذه الوظيفة .
لذا ينبغي أن تكون توقعاتنا منطقية وطموحاتنا واقعية وأن يتحلى ألآباء بالصبر ليعوضوا عن النقص ويحلوا مشاكل أولادهم التربوية وألأخلاقية . وأن يسخروا بعض وقتهم لهذا ألأمر حتى يصل ألأولاد إلى ذلك المستوى المطلوب من البناء .

دور ألأب في التربية 225

الفصل السادس والثلاثون
ألأب وإهتمامه بالحاجات الحياتية


جذور الخلل :

يمكن العثور على جذور العديد من ألإضطرابات وألإنحرافات في النقص أو ما يعبر عنه بألإفراط والتفريط . فألإنسان هو ذلك الكائن الذي تحيطه الحاجات والميول . ويبذل البعض جهودا مدروسة وصحيحة من أجل توفير تلك الحاجات ، ولكن البعض ألآخر ليس كذلك .
ويمكن للأعراض الناشئة بسبب التوفير الخاطئ للحاجات أن تؤدي إلى حدوث إنحرافات مختلفة وظهور بعض النواقص ألأخرى . لذا فإن من وظيفة ألأب هو أن يبذل جهده لتوفير هذه الحاجات .

مجالات ألإهتمام :

ثمة إهتمامات عديدة في المجال الحياتي ينبغي على ألأب أن يلتفت إليها ، لكننا سنشير فيما يلي إلى بعض منها :
1 ـ إهتمامه بالمأكل : تقع على ألأب وظيفة ألإهتمام بغذاء الطفل . وأول خطوة هي إهتمامه بطفله الر ضيع حتى يستخدم ثديي أمه ، بل وفرض ألإسلام على ألأب أن يقدم ألأجر للأم فيما لو طالبته بذلك .
ويساهم الغذاء في بناء روحية الطفل وسماته ألأخلاقية ، حيث أن قابلية القيام بألأعمال الصالحة تعتمد ـ كما يشير القرآن ـ على اللقمة الحلال والطعام الطاهر .

دور ألأب في التربية 226

فالغذاء يؤثر على البناء الجسمي والذهني للإنسان ، وأن النقص في بعض المواد الغذائية يؤدي إلى حدوث قصور وتخلف حتى في الذكاء أيضا . وقد أكد ألإسلام على ألأب بضرورة إشباع عين الطفل وقلبه ، وأن يطعمه من مختلف الفواكه الموجودة لكي يمنع إنحرافه ونظره إلى أيدي الناس ، أو أن يخسر الولد نفسه من خلال لقمة يتناولها عند ألآخرين فيستسلم لهم ، وهنا أمثلة عديدة على ذلك .
2 ـ ألإهتمام بالملبس : لإن جميع ألآباء يهتمون بتوفير الملبس لأولادهم ويجب أن لا ننسى بأن ألإسلام أكد على ذلك كثيرا .
وتكون الملابس في سنوات الطفولة المبكرة وسيلة لوقاية الجسم من البرد والحر والمحافظة على صحة الطفل . لذا ينبغي أن تكون الملابس الداخلية بيضاء كي تكشف عن النظافة أو عدمها .
ومنذ إنتهاء السنة الثالثة لا بد أن يكون ألإهتمام بالملبس وفق ذوق الطفل لأن ذلك سيشعره باللذة . ويؤكد ألإسلام على ضرورة أن لا يؤدي الملبس إلى إنحراف المرء ذاته أو قيامه بحرف ألآخرين . ويرفض في نفس الوقت إستخدام ملابس الذكور للإناث وملابس ألإناث للذكور . ويحذر أيضا من إستخدام تلك الملابس الضيقة اللصيقة بالجسم سواء للذكور أو للإناث لتأثيراتها ألأخلاقية والحياتية السيئة .
ويجب على الوالدين أن لا يختارا لباس الطفل طبقا لذوقهما ، فيلبسانه ثوبا يثير السخرية أو لا يليق به ، وعليهما أن يسعيا لأن ترتدي البنت منذ صغرها حجابا مناسبا حتى لا تنفر منه في السنوات القادمة .
3 ـ ألإهتمام بالنوم والإستراحة : يمكن من خلال النوم تحقيق الراحة والسكون . وتعتبر ألإستراحة من العوامل المهمة في إستعادة القوى والقابلية على ممارسة العمل . ويشعر ألإنسان بألأذى وألإضطراب بسبب عدم النوم أو الحصول على ألإستراحة الكافية . وثمة مفاسد سلوكية وخلقية عديدة تعتري ألإنسان بسبب إصابته بالتعب الجسمي أو الذهني المفرط ولا يمكن معالجتها إلا من خلال إستراحة طويلة .
يجب على ألآباء تنظيم عملية إستراحة أولادهم ونومهم ، فيطلبوا منهم

دور ألأب في التربية 227

مثلا النوم مبكرا في الليل بعد ألإنتهاء من واجباتهم . كما توجد ملاحظات عديدة في موضوع النوم يجب على ألآباء ألإهتمام بها . إذ لا بد من رعاية ألآداب ألإسلامية ، كالنوم على الظهر وإخراج الرأس واليدين من تحت الغطاء وعدم التقلب في الفراش ، وإرتداء الملابس المريحة عند النوم ، وإن هذه ألأمور تمنع العديد من ألإنحرافات .
كما ينبغي التفريق بين الأولاد في المنام وإبعادهم عن غرفة نوم الوالدين ، وقيام ألأب وألأم بالإشراف على موضع نوم ألأولاد ومراقبتهما لهم ، والطلب منهم بترك الفراش مباشرة لدى ألإستيقاظ والذهاب إلى الفراش متى ما شعروا بالنعاس . وتعتبر هذه الملاحظات مهمة لا بد من ألإهتمام بها ورعايتها لتأثيرها على صلاح الطفل خلقيا وتربويا .
4 ـ ألإهتمام بالصحة والنظافة : وهذه أيضا من الوظائف الرئيسية للوالدين ، ويجب على ألأب أن يهتم بنظافة ولده لأن النظافة من ألإيمان . وإن الصحة النفسية تمنع العديد من ألأمراض النفسية .
وقد تظهر بعض ألأعراض بسبب عدم مراعاة مبادئ الصحة والنظافة ، فمثلا حري بألأب أن يهتم بنظافة ولده الذكر عند قضاء حاجته ، وأن يراقبه في الحمام وفي بيت الخلاء حتى لا يعبث بأعضائه التناسلية . وأن يحذره من تعريض جسمه للأشياء الملوثة وأن يغسل جسمه بالماء الدافئ ، ولا يلجأ إلى حك بشرته .
5 ـ ألإهتمام بلعب الطفل وحركته : يحتاج الطفل إلى اللعب والحركة والركض من أجل تحقيق نموه وإكتشاف عالمه الجديد وتنمية عضلاته وإكتساب المهارة البدنية اللازمة وألإطلاع على قابلياته وإستعداداته .
ويجب أن تكون للطفل حرية مقيدة ومحدودة في مجال لعبه تناسب كفاءته في إستخدام تلك اللعبة وأدائها . وتقع على ألأب مسؤولية ألإهتمام بنوع اللعب وزمانه ومكانه والجماعة التي يلعب الطفل معها .
فاللعب والحركة نافعان ولكن بشرط أن لا يصرف الطفل جل وقته في اللعب . وأن يكون اللعب مناسبا لسن الطفل ويدفعه للصلاح والفضيلة لا أن يفسد أخلاقه ويجره إلى ألإنحراف .

دور ألأب في التربية 228

وأن يكتشف الطفل في ظل اللعب عالمه الخاص ويبني إرادته ويعي حده وقدره .
6 ـ ألإهتام بالسمع والبصر : قلنا إن حواس الطفل هي كالنوافذ المفتوحة على العالم الخارجي ، فتساهم في زيادة معرفته . وما أكثر ألإنحرافات والدروس السيئة التي يقتبسها الطفل بسبب سمعه وبصره فتؤدي به إلى ألإنحطاط والسقوط .
ليس صحيحا أن يسمع الطفل ما طاب له من كلام أو يقرأ ما إستهواه من كتب أو ينظر إلى ما يريد من مشاهد ، إذ يجب ألإهتمام بسمع الطفل ونظره ، ويمكننا أن نقول عن الكتب والمقالات المنحرفة بأنها كاللصوص تسرق ثمرة عمل ألأب وجهده .
وإسلاميا لا يحق للوالدين أن ينظر طفلهما الرضيع إلى بعض ممارساتهما . فهو قد لا يفهم ما يشاهده في الوقت الحاضر بيد أنه سيدركه غدا ويعمل به ويتمرن عليه .
7 ـ ألإهتمام بالسلوك : إن أطفالنا أعزاء طبعا ، ولكن بشرط أن يكونوا مؤدبين وملتزمين بالقواعد وألأصول ، فقد جاء عن ألإمام علي (ع) قوله : «من قل أدبه كثرت مساويه».
يجب على ألأب أن يهتم بسلوك ولده فلا يسمح له بالتجرؤ عليه حتى لو كان صغيرا . فهو مسؤول عن بنائه الديني والخلقي وألإجتماعي بل وحتى السياسي . وقد جاء عن ألإمام الحسن العسكري (ع) قوله : «جرأة الولد على والده في صغره تدعو إلى العقوق في كبره » .
والمقصود بألأدب وألأخلاق هي تلك المبادئ وألأصول التي يؤمن بها ألآباء فيقدمونها لأولادهم ويحافظون بواسطتها على أمنهم ويوفرون مقدمات كمالهم ، لا أن يلجأوا إلى تفريغ عقدهم بها .
8 ـ ألإهتمام بالأوامر والنواهي : ألأصل هو أن تقوم الحياة وفق أسس عادية وطبيعية دون الحاجة إلى ألأوامر والنواهي غير أنه قد تحدث بعض المشاكل التي لا يمكن حلها إلا من خلال هذا الطريق .

السابق السابق الفهرس التالي التالي