دور ألأب في التربية 229

والشيء المهم هو أن يتناسب ألأمر والنهي مع إستعداد الطفل وإستيعابه وقدرته على البناء ، أي أن لا يكون فوق مستوى طاقته وإدراكه وفهمه . وأن يراعى في ذلك حاجة الطفل إلى النمو والتكامل .
ينبغي أن تكون أسس التربية في مراحل الطفولة ألأولى بصورة جيدة ، لكي لا يحتاج في مراحله القادمة أو في مرحلة النشوء والبلوغ إلى ألأوامر والنواهي الكثيرة لأن ذلك قد يؤدي به إلى العصيان . فقد جاء عن رسول ألله (ص) قوله أنه لُعِنَ الوالدان اللذان يضطران ولدهما إلى عقوقهما بسبب ممارساتهما .

ملاحظات :

يعتبر ألإهتمام بالولد ضروريا بسبب إتساع دائرة رغباته التي تقوم على ما يسمعه ويشاهده . وإن مصير ألأطفال أو ألأحداث أو الشباب المحرومين من هذه ألإهتمامات هو ألإنحراف والعصيان والتمرد وعدم تحقيق البناء الفكري المطلوب .
ولا يوجد شك في أن الوالدين مسؤولان عن الطفل لكن المسؤولية الكبرى والمباشرة هي مسؤولية ألأب وعليه أن يكون النصير لولده والمعين له والموجه لشخصيته ويقود زمام أموره .
ولا بد أن يستمر هذا ألإهتمام والتوجيه حتى السن الحادية والعشرين كما أوصى بذلك ألإسلام . إذ لا حاجة بعد ذلك لعملية التوجيه والهداية .
وينبغي تعليم الطفل وهدايته منذ مرحلة الطفولة وعدم الغفلة عن ذلك بحجة فقدان الوقت الكافي أو أن الولد لا يزال صغيرا .
وأن الطفل الذي يعمل ما يحلو له ويتصرف كيفما يشاء سينتظره مستقبل حالك ، وسوف يحرم من أداء دوره في الحياة .

بعض المحاذير :

وأخيرا فقد إرتأينا أن نلفت نظر ألآباء إلى بعض المحاذير المهمة منها :

دور ألأب في التربية 230

1 ـ لا تدللوا الطفل فينشأ ذا أخلاق فاسدة وتربية منحرفة وعندها ستندمون في المستقبل .
2 ـ يجب على الولد أن يكون حرا ولكن بشرط أن لا يمارس حريته في تحقيق رغبات باطلة .
3 ـ الكلام اللين أكثر تأثيرا من ألأمر والنهي .
4 ـ إمنعوا تأثيرات ولدكم على ألآخرين فيما لو كان عنيفا وظالما .
5 ـ إستعينوا بالقصص ألأخلاقية لتربية الطفل وحذروه في بعض ألأحيان .
6 ـ ضعوا البرنامج الحياتي منذ مرحلة الطفولة على ضوء أسس معينة لكي لا تواجهكم الصعوبات في المستقبل .
7 ـ شجعوا أولادكم على ألإلتزام بألأخلاق الحسنة ولكن بأساليب جميلة .
8 ـ إستعينوا بألآخرين على تربية ولدكم فيما لو كنتم غير قادرين على إصلاحه بسبب أفكاركم ومعلوماتكم المحدودة ولا تهملوا أمر تربيته أبدا .
9 ـ مارسوا تعاملا مختلفا مع أولادكم الأحداث والبالغين ، فأكرموهم لأنهم وزراؤكم ومستشاريكم .
10 ـ إنتبهوا دائما إلى حال الطفل ومستقبله وأفرضوا أنفسكم في مكانه لكي تكون الصورة واضحة في أذهانكم عن الشاب الذي تبغونه ...

دور ألأب في التربية 231

الباب العاشر

توقعات الطفل من ألأب

يتوقع الطفل من والده أمورا كثيرة أهمها ـ بعد توفير حاجاته ألأساسية ـ ، العدل والمساواة والود والتفاهم وألإحترام والقوة إلى جانب اللين .
فالطفل بحاجة إلى عدالة ألأب ومساواته . وهو يطالبه بأن يفي بعهده ووعده ويشمله بعطفه ويقبله كما هو . وأن يكون عادلا حتى في العقاب الذي يستخدمه معه .
ويطالب الطفل والده بإحترامه أيضا وأن يراعي موقعه ومكانته بين ألآخرين . وهذا أمر ملحوظ في ألإسلام أيضا ، إذ كان رسول ألله (ص) القدوة المتكاملة في هذا الخصوص . وأنه بحاجة إلى إلفته وتفهمه وأن يكون قريبا منه من خلال كلامه الجميل رغم قاطعيته .
وأخيرا فإن الطفل يريد أن يكابر نفسه ويكون عنيدا بحيث يستخدم إقتداره ويمارس قوته فقط من أجل إرشاد الطفل وهدايته .
وقد حاولنا طرح مواضيع هذا الباب مع مراعاة ألإختصار وألإجمال .

دور ألأب في التربية 232




دور ألأب في التربية 233

الفصل السابع والثلاثون
العدالة والمساواة


ألأب في أسرته :

ألأب هو رب ألأسرة ومثال العدل وألإنضباط فيها ، وإن وجوده يعني القانون بذاته والمسؤول عن النظم وألإنضباط والعدل .
وعندما يكون ألأب حاضرا على رأس أولاده في البيت فإنهم سيمارسون وظائفهم بإطمئنان وثقة أكبر ويحاولون أن تتطابق أعمالهم وتصرفاتهم مع ضوابط وقرارات ألأسرة .
صحيح أن الطفل يخشى أمه أيضا ، لكن هذه الخشية في حقيقتها ليست إلا بسبب بعض ألإهتمامات المتبادلة . فهو يطيعها ويستمع لأوامرها بسبب حبها وإهتمامها به . أما خشيته من ألأب فإنها تنبع من خشيته وسيطرة هذه الخشية على القلوب .
إنه يطيعه لإدراكه بأن والده هو المسؤول عن عملية التأديب وتنفيذ القرارات والضوابط .

الحاجة إلى العدالة :

يقبل ألأطفال لا شعوريا بسلطة ألأب وهيبته ، وقد إعتادوا على قبول القرارات والضوابط الصادرة عنه . غير أن العدالة هي الشيء المهم بالنسبة لهم . إنهم يريدون أن يجسد ألأب العدالة في تطبيق الضوابط ورعاية القوانين ، فتتوفر بذلك ألأرضية الملائمة لشعور الطفل بالفخر وألإعتزاز وتستقر أعماقه ولا يبالي حتى لو تعرض للعقاب من أجل ذلك الشيء .

دور ألأب في التربية 234

إن أغلب ألإضطرابات والصراعات التي تعتري ألأطفال في ألأسرة إنما تنشأ من الشعور بالفارق وإنعدام المساواة داخل ألأسرة أو ألإحساس بالظلم . فالطفل يتصور بأنه تعرض إلى تقييم مجحف أو أن العدالة لم تراع في العقاب الذي تعرض له .
وتكمن أسباب ألإضطراب في سلوك الطفل في عوامل عديدة منها الشعور باللامساواة في إتخاذ المواقف . كما ويؤثر في الطفل شعوره بالملل بسبب التحقير والتدخل والممارسات السيئة فنراه يرغب من أعماقه بأن يراعى مبدأ المساواة بشأنه .

أهمية العدل في الحياة :

إن أفضل عبارة تعكس أهمية العدل هي هذا الحديث الوارد عن رسول ألله (ص) إذ يقول فيه : « العدل جُنة واقية وجَنة باقية » . وإن العدالة تنظم حياة الطفل فلا يمكنه مواصلة حياته بدونها ، وهي ضرورية لأن تكون درسا له ويعتاد عليها ، إضافة إلى أنه مفطور عليها أيضا .
ويطالب الطفل بالعدالة الحقيقية وهي تلك التي يشعر بها في أعماقه وتولد معه . كما أن ألإسلام أكد على ضرورة العدل بين ألأولاد . فقد ورد في حديث عن الرسول ألأكرم (ص) قوله : « أعدلوا بين أولادكم كما تحبون أن يعدلوا بينكم ».

رعاية المساواة :

تعتبر المساواة من مظاهر العدالة . وينبغي على ألأب أن يساوي بين أطفاله وأفراد أسرته خاصة في إظهار الحب والود فلا يفضل أحدا على ألآخر . فالأطفال حساسون جدا لهذا ألأمر حتى أنهم ينتبهون إلى الكلمة ألإضافية الصادرة منكم .
وقد يكون ثمة حاجة في بعض ألأحيان للتمييز بين طفلين ووضع فوارق بينهما ، فيجب في هذه الحالة توضيح السبب للطفل بلغته لكي يفهم ذلك .
فلا يقوم قوام ألأسرة إلا على المساواة والعدل بين ألأطفال ، خاصة

دور ألأب في التربية 235

وإنهم يحملون رغبات عديدة . ويتأكد هذا الدور للأب قبل غيره . صحيح أن على ألأب أن يمارس إقتداره أيضا ، ولكن بشرط أن لا يثير ذلك إحساسا عند الطفل بأن ممارسات ألأب تعارض ألأصول والمبادئ وإنه يخطو خلافا للعدالة ، فهذا ألإحساس ضروري للطفل وإنه سيكون مستعدا للقيام بأي عمل داخل البيت ـ مهما كان صغيرا ـ بشرط توفر العدالة .

مظاهر عدالة ألأب :

يستطيع ألأب أن يكشف لطفله عن عدالته من خلال صور مختلفة نشير إلى بعضها فيما يلي :
1 ـ الوفاء بالقول والعهد : من مظاهر عدالة ألأب في نظر ألأطفال الوفاء بالعهد والتطابق بين القول والعمل . فلا يليق به أن يعد الطفل ثم لا يفي بوعده . وإن عدم الوفاء يدفع الطفل ليحمل إنطباعا عن والده بأنه كاذب وغير عادل .
وقد أكد القرآن الكريم على ضرورة الوفاء بالعهد «وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا» كما جاء عن رسول ألله (ص) قوله : « من كان يؤمن بألله واليوم ألآخر فليف إذا وعد » . وورد عن أمير المؤمنين ألإمام علي (ع) قوله : «والخلف يوجب المقت عند ألله والناس » . وقد أوصانا رسول ألله (ص) بضرورة الوفاء بالوعود المعطاة للطفل : «فإذا وعدتموهم ففوا لهم » .
ثم جاءت بقية الحديث لتوضح «فإن ألله لا يغضب لشيء كغضبه للنساء والصبيان ».
وتربويا ينبغي أن تكون الوعود صادقة ومناسبة ، فليس صحيحا أبدا تقديم الوعود الكاذبة ، أو تلك التي تطمع الطفل فيستسلم لوجهة نظر معينة أو نزيد من شأننا بواسطتها .
2 ـ إظهار الحب : من مظاهر عدل ألأب أن يساوي في إظهار حبه لأطفاله فلا يهتم بواحد ويترك ألآخر .
وقد إعترض رسول ألله (ص) على شخص كان له ولدان عندما شاهده يقبل أحدهما دون ألآخر . فهذه التصرفات تجعل الطفل يشعر بالقلق

دور ألأب في التربية 236

والغضب في نفس الوقت على الطفل ألاخر إضافة إلى غضبه على والده .
وذات يوم شاهد رسول ألله (ص) ألإمام الحسن (ع) وهو طفل صغير يستيقظ من نومه ويطلب الماء ، فأحضر له الرسول ألأكرم (ص) اللبن ، في هذه ألأثناء إستيقظ ألإمام الحسين (ع) وطلب الماء أيضا ، ولكن الرسول أجابه بأن شقيقك ألأكبر سبقك في هذا الطلب وينبغي أن يشرب أولا .
يلجأ بعض ألاباء بشكل لا شعوري إلى وضع الفوارق العملية بين ألأولاد . فمثلا نراهم يحملون الطفل الصغير أو يحتضنوه على مرأى ومشهد من الطفل ألاخر .
3 ـ قبول ألأولاد : من مظاهر العدالة قبول ألأولاد على أساس المساواة دون التمييز بينهم بالجنس ، إنهم يريدون أن يقبلوا على أساس مبدأ المساواة (ذكورا كانوا أم أناثا ) ولا يفضل أحدا على ألآخر في الحب والبغض بسبب جماله أو قبحه .
ونرى في ألأسر التي لها إبن واحد وعدد من البنات كيف إنها تهتم به على حساب شقيقاته مما سيبرز بشكل لا إرادي شعورا بالتمييز . وسوف يتألم الطفل كثيرا لهذا السلوك خاصة وإنه غير مسؤول عن جنسه .
فألأولاد الذين يشعرون بالتمييز بسبب الجنس ، أو الجمال والقبح أو اللسان الجميل لا يمكنهم أن يكونوا أفرادا نافعين ومواطنين صالحين في مجتمعاتهم ، وسيكونون فاشلين في مستقبلهم . وسوف يحاولون عندما يكبرون ويمتلكون القوة المطلوبة ، نقل بؤرة التمييز من ألأسرة إلى مواضع أخرى . فيصبحون معقدين ومتمردين على القانون وسيئي التصرف مع ألآخرين خاصة من هم تحت أيديهم .
4 ـ المماثلة : يتوقع جميع ألأطفال تقريبا أنهم سيتعرضون للعقاب في حال إرتكابهم لخطأ معين . وإن ما يقلقهم ويؤلمهم هو عدم المماثلة في نيل العقاب بينهم وبين ألاخرين .
نرى أحيانا أن الطفل الصغير الذي تنازع مع شقيقه أو شقيقته وكان

دور ألأب في التربية 237

مقصرا ، يحاول التقرب من والده متى ما عاد من عمله فيلقي بنفسه في أحضانه ويبث إليه شكواه . ويتخذ ألأب قرارا متسرعا دون أن يحقق في الموضوع فيعاقب المشتكى عليه ظلما . وتؤدي هذه العملية إلى تأجج ألغضب عند ألأخير فينال من الجميع ويردد كلمات الفحش . يجب على ألأب أن يلتزم بقواعد متماثلة وضوابط متشابهة في المعاقبة . وأن يحدد العقاب للأخطاء والذنوب المتشابهة ، فلا يتصرف بشكلين إزاء خطأ واحد أو يعفو عن أحدهم بينما يعاقب ألآخر بشدة .

مخاطر الظلم والتمييز :

يؤثر الظلم والتمييز بشدة على براءة الطفل فتتوهج في أعماقه نيران الغضب والحقد ويلجأ إلى ألإنتقام . وسوف تجرح أحاسيسه ومشاعره فينال ذلك من عقله وإيمانه أيضا .
وقد يؤدي التمييز بالطفل لأن يكون عدوانيا إزاء مجتمعه أو أن تصدر منه ممارسات قبيحة ، فيمتنع عن قبول الحقائق ويدفعه ذلك إلى اللجوء إلى ألإنتقام وكثرة الطلبات وتتبع عثرات ألآخرين وعيوبهم .
كما يؤدي الظلم والتمييز أحيانا ببعض ألأطفال للإصابة بالكآبة وألإنطواء على النفس وألإستغراق في الذات ، أو ألإصابة ببعض العقد العويصة وظهور الغيرة والتمرد والعصيان ، أو يكون سيء الظن ولا أباليا فاقدا للثقة بنفسه .
ويلجأ الطفل أحيانا بسبب هذه الحالة إلى ممارسة أعمال متطرفة وشرسة فنراه هجوميا وعدوانيا مثلا لشعوره بأنه تعرض للإهانة وألإحتقار ويقدم على أعمال قبيحة للتخلص من هذا الشعور .

دور ألأب في التربية 238

الفصل الثامن والثلاثون
الود والتفاهم وألإحترام


إحترام الطفل :

الطفل هو صنيعة الباري وأمانته التي سلمها للآباء وألأمهات وألآخرين . وقد حدد القرآن الكريم منزلة ألإنسان عندما قال : «ولقد كرَّمنا بني آدم» وفضّله على ألآخرين «وفضّلناهم على كثير من خلقنا» .
لذا يجب على ألآخرين أن يحترموا هذا المخلوق الذي كرمه الباري جل وعلا ولا يحق لهم ولا للوالدين أن يهينوه ، بل ينبغي أن يتبادل ألأب ألإحترام مع ولده .
وإسلاميا فإن هذا ألإحترام ، هو حق من حقوق الطفل ولا يعتبر تفضلا من الوالدين وإنه يطالبهما بأداء هذا الحق ، ولا يمكن أن تقوم التربية وألأخلاق إلا على ألإحترام .

سيرة الرسول (ص) :

يجب علينا أن نعتبر بسيرة الرسول (ص) في تصرفه مع أطفاله وأطفال الناس . وثمة روايات عديدة تشير إلى هذا المعنى وكيف أن الرسول ألاكرم (ص) كان يحترم ألأطفال ويهتم بهم .
ولا بد إنكم قرأتم عن حمله للأطفال على كتفه وتلبية طلباتهم ، ولم نقرأ أو نسمع أبدا أنه (ص) صفع طفلا أو أبكاه بل اشارت بعض الروايات بأنه كان يبكي للظلم الذي يصيب بعض ألأطفال .
فقد جاء عنه (ص) إنه كان يسمح لأحفاده أن يرتقوا ظهره أو أنه كان

دور ألأب في التربية 239

يطيل سجوده بسبب جلوس طفل على ظهره . وكان يسارع في صلاته (ص) أحيانا لكي يندفع لمساعدة طفل معين ويمنعه من البكاء . ولو كان هذا هو تصرف ألأنبياء وخاصة رسول الله (ص) فهل من عذر للآباء بعد هذا ؟

حاجة الولد إلى ألإحترام :

إنه لسعيد حقا ذلك الطفل الذي يتربى على ألإحترام والحب في أسرته ، وسوف يشعر بالفخر وألإعتزاز لأنه تذوق هذا المعنى وسيتقدم إلى ألأمام .
فالطفل بحاجة إلى أب عطوف ليلتذ بوجوده ويتعامل معه بإحترام وتفاهم .
ويرغب أولادنا كثيرا على بناء شخصية الولد وتربيته ويجعله إنسانا ملتزما ومنضبطا ومطيعا لوالده . وإنه لمن الضروري جدا أن ينشأ الطفل في محيط مناسب وجيد مفعم بألأخلاق الحسنة .

أثر أخلاق ألأب ووده على الطفل :

وقد لا تسمح لكم ظروفكم المادية بتوفير كل ما يحتاج إليه الطفل لكنه يمكنكم التعويض عن ذلك من خلال إظهار حبكم وإحترامكم والتعامل معه بود وتفاهم لكي تقضوا على ألآثار السلبية للفقر المادي .
إن أشد ما تحتاج إليه التربية اليوم هو حنان ألأسرة وحبها حيث يساهم ذلك في تقوية ألأواصر وتحقيق ألإنسجام بين ألأفراد ومنع ألإنحراف والصدق في القول .
وفي ظل الحنان والحب يقبل بوظيفته ويمارس دوره وتنشأ روحيته وتظهر شجاعته في مواجهة المشاكل والصعاب .
ويتأثر الطفل بوالده ويلجأ إلى محاكاته متى ما شاهده إلى جانبه

دور ألأب في التربية 240

ويتعامل معه بخلق وإحترام . ولذا يمكن القول أن قبلات ألأب وملاطفاته إنما هي وسائل لتحقيق التربية المطلوبة التي تدفع الطفل لنيل الهدف المقصود ومنعه من ألإنحراف والفساد .
ولو أدرك ألآباء القيمة المعنوية للحب والحنان وألإحترام لأكثروا من ذلك لكي يتمكنوا من النفوذ إلى قلب الطفل الذي سيستسلم لوجهات نظرهم القائمة على أسس تربوية صحيحة .

المزاح وأساليب الجذب ألأخرى :

ليس صحيحا أن يستقبل ألأب ولده بوجه عبوس ، إذ أن هذا التصرف لا ينفع ألأب أبدا بل سينظر إليه الطفل بأنه كائن مخيف ومستبد مما يؤثر سلبا على مستقبل الطفل وألأسرة .
فالبشاشة والمزاح وذكر اللطائف هي من ألأمور التي تزيد من شأن ألأب في نظر الطفل فتجعله يحبه وينتظر لقاءه كل يوم .
ويؤثر ذلك على نفسية الطفل أيضا فينشأ إنسانا متزنا وسليما . وقد تواجه ألأب مشاكل جمة فلا يكون قادرا بسببها على ألإبتسامة ، لكنها ضرورية ومهمة ، فضحكة ألأب تجعل الطفل يشعر بالسعادة وألإنشراح ، وقلما يلجأ إلى ألإنحراف والفساد .

مضار ألإنفصال :

ينبغي أن يوفر ألأب المناخ الملائم للود وألإلفة من خلال إقامة العلاقة مع ولده ، ويمكن تحقيق هذه العلاقة من خلال عدة أساليب منها عقد جلسات للإستشارة في البيت وإشراك الطفل في إتخاذ القرارات فيشعر بأنه قريب من والده .
وبخلاف ذلك فإن ترك مساعدة الطفل والتحدث معه ستدفعه إلى ألإبتعاد تدريجيا عن والده ، وتعميق علاقته بأصدقائه ومعاشريه فيأتمنهم على أسراره ، ويلجأ مثل هؤلاء ألأطفال أحيانا إلى معلميهم أو من لهم مقام أعلى وينفصلون عن آبائهم .

دور ألأب في التربية 241

وقد يكون ذلك لصالح الطفل أحيانا ، ولكن ينبغي عدم الغفلة عن مخاطره وأعراضه السيئة . فقيام الهوة بين ألأب وطفله ولجوء ألأخير إلى رفقائه واصدقائه تؤدي إلى فضيحة الولد في بعض ألأحيان وإنحرافه وإنتقال عدوى ذلك إلى ألأسرة .

ضرورة تخصيص الوقت :

إن أولادكم بحاجة إلى أن تخصصوا لهم وقتا من أجل أن يستفيدوا منكم ويتزودوا من مودتكم وإلفتكم ويتعلموا منكم الطريق الصحيح في الحياة لكي يسلكوه .
حاولوا أن تخصصوا ولو نصف ساعة في اليوم لأولادكم مهما كانت مشاغلكم لأن هذا في صلاحكم ، حيث تتحدثون إليهم وتمازحونهم وترفهون عنهم . فتقوّموا السلوك السيء . كما يمكنكم أن تعلموا بميولهم ورغباتهم فتتخذوا القرارات المناسبة والصحيحة في ذلك .
وسوف يرتبط الطفل مستقبلا مع ذلك الشخص الذي تربطه به علاقة تقوم على الود وألإلفة ، وسيستمع لكلامه أيضا . ويتمكن ألأب من خلال تخصيص الوقت أن يقوي علاقته بولده وبباقي أفراد أسرته وألأهم من ذلك كله بربه وخالقه .

الحسم إضافة إلى الود :

لا يوجد شك في أن العلاقة مع الولد ينبغي أن تقوم على المودة ولكن بشرط أن لا يستغل الولد هذه العلاقة .
يجب على ألأب أن يكون هادئا وصابرا ووقورا وعفوا وأن يكون حاسما في الوقت نفسه من أجل أن يلتزم الولد بتطبيق قراراته وتعليماته .
ولا بد أن يكون إلى جانب هذا الحسم بالنسبة للأحداث والبالغين والشباب الدليل والبرهان . أما الطفل الصغير فلا يحتاج إلى أدلة كثيرة غير أنه لا بأس من ذكرها له بلغة واضحة وبسيطة فيما لو أمكنكم ذلك .

دور ألأب في التربية 242

ولو قامت ألأجواء على الحب والعطف والحنان والثقة والتفاهم لأطاع الولد أوامركم حتما ، وهذا هو المطلوب إذ ستنعدم الحاجة إلى تكرار ألأوامر والنواهي .
حاولوا ألإهتمام بشخصيته ورحبوا به بحرارة وعاملوه بإحترام لكي يندفع في السير على جادة الصواب .

دور ألأب في التربية 243

الفصل التاسع والثلاثون
القدرة والملاطفة


الحاجة إلى أب مقتدر :
يحتاج الطفل إلى أب يكون رجلا بمعنى الكلمة وقويا ومقتدرا ، وأن يتمكن من إدارة شؤون حياته ودراسته ويشرف على برنامجه ويهديه ، إنه بحاجة إلى أب مسيطر ومقتدر كي يتمكن من إمتداحه أمام ألآخرين .
يرغب الطفل في أن يكون والده مشهورا وقويا حتى لو كانت له مهنة متواضعة كالحمال مثلا ، وأن تشمل سلطته ألآخرين أيضا . . . إنه يطالب بأب مقتدر يمكنه أن يحقق ألأمن له ولأفراد أسرته ويحقق النظم في البيت .
ويشعر الطفل بالقلق وألإضطراب فيما لو كان والده ضعيفا، فهو يرى أن أمنه معرض للخطر ولا يمكنه إنقاذ نفسه فيما لو واجهته ألأخطار . وسوف يشعر بالفخر وألإعتزاز في ظل أب مقتدر .
ولا يوجد بالطبع أبا مثاليا ، غير أنه يمكن للآباء أن يكسبوا رضى الطفل فيما لو توفرت فيهم بعضا من هذه الصفات .

نوع ألإقتدار :

لا بد أن يرافق العطف والحنان ذلك ألإقتدار الذي يحتاج إليه الطفل ، إضافة إلى المحبة وألأخلاق الحسنة . وإستخدام الكلمات الطيبة والعبارات اللطيفة وألإستقامة والصبر والحذر من إظهار أي ضعف أو عجز والشهامة وألإيثار .

دور ألأب في التربية 244

ويمكن للإقتدار أن يقوم على القمع والتكبر وألإبتعاد عن ألأخلاق والمحبة واللين وألإهتمام . وإن ألأب هو المسؤول عن إتخاذ قراره بهذا الشأن . إلا أن الطفل يخشى من لجوء والده إلى تفريغ عقده على رأسه أو نقل مشاكله الخارجية إلى داخل البيت .
يجب أن يقوم ألإقتدار على المودة والرحمة إضافة إلى كونه جديا لكي ينشأ الطفل على هذه ألأسس ويلتزم بأوامر ألأب ويطيعها .

العناد والتربية :

ينبغي أن يكون ألأب مقتدرا ، لكن هذا لا يعني أن يكون عنيدا ، لأن العناد لا يساهم في العملية التربوية وإن ألأطفال ليسوا مضطرين إلا ألإلتزام بنمط عيش آبائهم . حيث يسعى بعض ألآباء ـ حرصا منهم للضغط على أولادهم وإستخدام الشدة والتضييق من أجل أن يخضعوا لنفوذهم في حين أن هذا ألإجراء يؤدي إلى ظهور العديد من ألإضطرابات . في حين يحتاج ألأطفال إلى أجواء خاصة تمكنهم من النمو والتكامل .
وإنه من غير الصحيح أن يلجأ ألأب إلى ممارسة إقتداره ليبدو متميزا لا نظير له . فقد أظهرت التجارب أن هذه الممارسات تؤدي في بعض ألأحيان إلى القضاء على مقاومة ألإنسان وتوجد في بعض ألأحيان مقدمات إبتعاده عن ألآخرين .

ألإقتدار وقابلية ألإنعطاف :

يجب أن يكون ألأب مقتدرا ولكن بشرط إمتلاكه لقابلية ألإنعطاف وإستيعاب ألأمور . عليه أن يدرك بأن الذي يقف أمامه إنما هو طفل يحتاج إلى الحركة واللعب فيتعامل معه على هذا ألأساس .
جاء عن أمير المؤمنين علي (ع) قوله : «رأس ألإيمان حسن الخلق والتحلي بالصدق » ، ولو كان هذا مهما في التعامل مع الناس لكان أكثر أهمية في التعامل مع أفراد ألأسرة وخاصة ألأولاد .
ليس صحيحا أن يصر ألأب على كلامه ويطالب أطفاله بألإلتزام به لأنه هو رب العائلة ! أو يصدر تعليمات وأوامر جديدة في كل يوم وساعة .

دور ألأب في التربية 245

عليه أن لا يعتبر ذلك إهانة له فيما لو لم يلتزم الطفل بأمره . ولا يظهر بأن ولده يتعمد إلحاق ألأذى به .
كما أن من الخطأ أن تثور ثائرته ويغضب بسبب ضوضاء أطفاله ولعبهم فيطردهم من البيت أو يبعدهم عنه . فالضرورة الحياتية تفرض أن تكون العلاقة حميمة بين الولد ووالده وأن تقوم على الرفق واللين والصبر والقبول وذلك من أجل نمو الطفل وتكامله . فقد يؤدي فقدان القابلية على ألإنعطاف والصبر إلى تأخير النمو النفسي للطفل فيتخذ في بعض ألأحيان مواقف خاطئة .

ألإقتدار والعدالة :

يتوقع الطفل من والده أن يكون عادلا حتى في تنفيذه للقانون . وعليه أن يعاقبه ـ مثلا ـ بالمقدار الذي يشعر الطفل بأنه يستحقه .
ومن متطلبات العدالة أن يكون ألأب حياديا فلا يفرق بين أولاده ، ولا يعمل بهواه أو أن يفضل أحدا على ألآخر لأسباب معينة .
وينبغي أن يشعر الطفل بأن والده يقضي بالعدل حتى يحترم هذا الشعور ويقدسه .
وليس ضروريا أن يكون عمل ألأب مستدلا لطفله ولكن بشرط أن يشعر الطفل بأنه حق ولا ظلم فيه ، وأنه يستهدف خيره وسعادته شخصيا وأفراد أسرته أيضا .
إن السلوك العادل للأب يؤثر على بناء عواطف الطفل وأحاسيسه ، ويدفعه نحو ممارسة ألأعمال الصالحة ، ويعصمه من ممارسة ألأعمال القبيحة ، علما بأن الطفل يكون مستعدا لمساعدة والده العادل ويبدي إزاءه ردود فعل إيجابية ويطيع أوامره .

ألإقتدار والحسم :

قلنا أن الطفل ـ وبسبب طبيعته الخاصة ـ ينتظر من والده أن يكون حاسما ، فنراه يشعر بالهدوء وألإستقرار لهذا السلوك رغم ما يبديه من رفض

السابق السابق الفهرس التالي التالي