دور ألأب في التربية 246

ومقاومة . وأننا نريد التأكيد من خلال ذلك على عدم نسيان مبدأ السيطرة في الحياة إضافة إلى العطف والحب والحنان .
فصلابة ألأب تؤدي إلى ثبات شخصية الطفل وتعديل سلوكه وينبغي عدم الخضوع أبدا لرأي الطفل وعناده وقطرات دمعه وتأوهه بحجة أنه صغير ولا بد من كسب وده . فلو إرتأيتم أنه بحاجة إلى زرق إبرة في الحال فعليكم أن تقوموا بذلك دون أي خوف أو تردد .
إننا لا نريد القول بأن يتم هذا العمل بخشونة وعنف فيقضي ذلك على جرأة الطفل وشجاعته ، بل لا بد من مواساته فيما لو بكى ، والقيام بالوقت نفسه بتهيئة ألإبرة لزرقها في عضلته ، وإفهامه بأسلوب بسيط بأن هذا العمل إنما هو من أجل خيره وصحته وصلاحه .

الحسم والمواساة :

قلنا أنه لا بد من مواساة الطفل إضافة إلى إستخدام القوة والحسم معه ، فمثلا ، ينبغي أن نقول له : صحيح إنك تتألم ولكن ما العمل ؟ إننا نتألم أيضا لتألمك وعليك أن تصبر .
إن مواساة ألأب لطفله تسعده وتسكن آلامه وتهدئ من روعه وينبغي عدم الغفلة عن ذلك .
يحاول بعض ألآباء أن لا يظهروا حبهم لأولادهم لكي لا يصبحوا مدللين ، أو يشتد تعلق ألأولاد بهم ، غير أن هذا التصور خاطئ ، ويجب أن لا نحرم الطفل من الحب والحنان ، كما أنه من غير الصحيح أن يقوم ألأب بوظيفة ألإنضباط والضبط للطفل وألإقتدار عليه بينما يترك لأمه مسؤولية الحب والحنان .
نعم ، فقد تكون ثمة رغبات عند الطفل لا يمكن تحقيقها ، لكن مواساتكم له تخلق عنده ألأمل ، وتمنع عنه الشعور بالإحباط والفشل .
إجعلوه يشعر بعدم التأثر فيما لو فشل ، لأن ألإنسان لا ينجح دائما في أعماله .

دور ألأب في التربية 247


ألإقتدار والهداية :

يجب أن يستخدم ألأب إقتداره من أجل هداية طفله وإرشاده لا أن يفرض عليه شخصيته ويرضي تكبره . فهو قطعة منكم ، ولو أصابه شيء لأصابكم أيضا . وقد ورد عن أمير ألمؤمنين ألإمام علي (ع) قوله : «وجدتك بعضي ، بل وجدتك كلي ، حتى كأن شيئا لو أصابك أصابني ، وكأن الموت لو أتاك أتاني ، فعناني من أمرك ما يعنيني من أمر نفسي ».
لا يمكنكم أن تنفذوا إلى الطفل إلا عندما يقوم إقتداركم على مساعدته وتوجيهه وهدايته وقبول أمره . ويمكن من خلال ذك توفير مقدمات بنائه وتكامله لكي ينشأ في حالة متزنة ويتقدم إلى ألأمام .
ليس صحيحا أن يلجأ ألأب إلى إستخدام ألأمر والنهي فقط للتنفيس عن عقده والتعويض عما يحصل له من مشاكل خارج البيت ، فذلك سيدفع الطفل إلى الشعور باليأس منه وألإبتعاد عنه .

ألإقتدار والوعي :

لا بد للإقتدار أن يكون مصحوبا بوعي لفنون التربية ، وحتى ما يرتبط بعلم النفس لكي يدرك ألأب المواقف التي ينبغي إتخاذها في الحالات المختلفة . كما وعليه أن يعلم بشؤون أسرته وحال أولاده ، وكيف ينظرون إليه ، ويكتشف رغباتهم وإحتياجاتهم وإندفاعاتهم من أجل أن يتخذ ألإجراءات المناسبة .
ولا يكفي أن يصادق ألأب ولده لأنه يمتلك ألأصدقاء ، بل عليه أن يحبه ويرحمه ويهتم به ، فقد جاء عن رسول ألله (ص) قوله : «أحبوا الصبيان وإرحموهم ».
حري بألأب أن يمتلك قدرة القيادة وألإدراة فيكون مديرا ناجحا ، ويتخذ ألإجراءات الصحيحة في المواقف المناسبة . وعليه أن يعتبر أن قيمته تكمن في سلوكه وفضائله لا في تفاخره وقوته ونيله من شخصية طفله . وبكلمة أخيرة نقول إن صلاح الطفل من صلاح والده وقد جاء عن ألإمام الباقر (ع) قوله : « يحفظ ألأطفال بصلاح آبائهم ».

دور ألأب في التربية 248




دور ألأب في التربية 249

الباب الحادي عشر

أساليب ألإنضباط

يتناول هذا الباب موضوع أساليب ألإنضباط في خمسة فصول .
إذ يختص أولها بأسلوب المداراة والصفح ، وهو مبدأ إسلامي إلتزم به المعصومون (عليهم السلام) . وسوف نشير إلى موارده وحدوده .
أما الفصل الثاني فيتناول موضوع ممارسة ألأب للقدرة والحسم حيث تحدثنا فيه عن موضوع القوة ومخاطر ألإرهاب والتخويف الشديد وإبتعاد الطفل عن ألأب .
وفي الفصل الثالث تناولنا موضوع حدود هذه القوة ، وهل يجب على الطفل أن يتبع القانون أم ألأب ، وما هو تصور الولد للأب المستبد ونتائج تدخلات ألأب .
وتحدثنا في الفصل الرابع عن موضوع العقاب وصوره ونتائجه وعواقبه أعراضه ، وحذرنا فيه ألآباء من تكرار العقاب أو أللجوء إلى العنف .
وجاء في الفصل ألأخير ليتحدث عن مبادئ ألإنضباط وأصوله حيث أشرنا فيه أولا إلى ثلاثة أساليب في ألإنضباط ثم إلى الضوابط المطروحة في هذا الشأن .

دور ألأب في التربية 250




دور ألأب في التربية 251

الفصل ألأربعون
أسلوب المداراة والصفح


ألإسلام والصفح والمداراة :

إن ألإسلام هو دين الصفح والمداراة ، والعفو والتغاضي عن ألأخطاء . فقد ورد عن ألإمام الصادق (ع) قوله : «عليكم بالعفو فإن العفو لا يزيد العبد إلا عزا . . . فتعافوا يعزكم ألله ».
كما أكد ألإسلام كثيرا على العفو حيث جاء عن أمير المؤمنين ألإمام علي (ع) قوله : «قلة العفو أقبح العيوب والتسرع إلى ألإنتقام أعظم الذنوب » . كما ورد عن ألإمام الصادق (ع) قوله : «إن شئت أن تكرم فَلِن ، وإن شئت أن تهان فأخشن»، وقال رسول ألله (ص) في هذا الشأن : «ليس منا من لم يرحم صغيرنا ولم يوقر كبيرنا ».

الولد وصفح ألأب :

ينبغي علينا أن ننتبه إلى ما نتوقعه من أولادنا وننتظره منهم ، إننا نريدهم أن يكونوا صالحين وواعين وأصحاب رأي ، يتعاملون بالصفح مع ألآخرين ، ويتمسكون بالعدل وألإنصاف في علاقاتهم ويتحلون بالصفات ألإنسانية النبيلة .
فلو أردنا أن تكون عواطفهم إيجابية فما علينا إلا أن نهتم بالصفات المكتسبة خاصة تلك التي يتعلمها الطفل من أسرته ووالده .
وعادة فإن العادات والخصال تكتسب عمليا ـ وهو ما أكدته التجارب أيضا ـ منذ اليوم ألأول وألأشهر ألأولى من العيش في ظل ألأسرة وتبنى العقائد على هذا الأساس .

دور ألأب في التربية 252

وينبغي أن يكشف الطفل عن عقائده ووجهات نظره ويقبل في الوقت نفسه بعقائد ألاخرين ويرتضيها . وأن يكون واعيا للمفردات واللغة التي يستخدمها ، ويتسم بغنى النفس ، ويتحلى بالصفح والشرف والصدق وألأدب . وهذه من ألأمور التي يجب أن يدركها من خلال أسرته ويمارسها في حياته اليومية .

أهمية الصفح :

لا يمكن للتربية أن تقوم إلا مع الصفح ، وذلك لأن الطفل إنما هو إنسان يحمل فكرا ورأيا يتناسب وشأنه . فلو تعامل ألآباء بصلابة مع أولادهم لأدى ذلك إلى علاقات جافة وباردة ذات تأثيرات سلبية .
ويتمكن ألأب من خلال الصفح والمداراة تدبير أمور ولده وكسب وده والنفوذ إليه وتعليمه ألاداب والعادات والتقاليد وأن يكون متزنا ومحسنا وطالبا الخير للآخرين .
ويؤدي صفح ألأب ومداراته إلى شعور الطفل بالجرأة فيطرح رأيه ، ويتحدث عن مشاكله ، ويكشف عن أسراره ولا يتوسل بالكذب والنفاق والحيلة . إذ إن أغلب تلك الحالات إنما هي بسبب خوف الطفل من قول الحقيقة وألأذى الذي سيتعرض له من جراء ذلك ، فنراه يستعين بالنفاق من أجل تحقيق هدفه .

موارد الصفح :

لا بد من بحث تلك الموارد التي ينبغي فيها لجوء ألأب إلى التعامل بالصفح مع الطفل . وعادة فإن الصفح يأتي عندما يرتكب الطفل خطأ معينا بعد أن يحذر وينبه قبل إرتكابه .
وتربويا ليس صحيحا أن يلجأ ألأب إلى معاقبة الطفل على خطئه قبل تحذيره . . وهنا يطرح هذا السؤال ، وهو هل ينبغي معاقبة الطفل بعد تحذيره ؟ فالطفل كثير النسيان بطبيعته ، وإنه ينسى في كل يوم أو أسبوع ، أو لعله يوجد عامل آخر يدفعه لتكرار ذلك الخطأ .
وهنا تبرز ضرورة اللجوء إلى الصفح والمداراة خاصة عندما يدرك ألأب تأثيرهما ألإيجابي على الطفل ز وإنه أصلح لنفسه وتنبه إلى خطئه . أو

دور ألأب في التربية 253

أن يستعين بالصفح إلى أن يكتشف الطفل خطأه بنفسه . لأن عدم الصفح ـ والحال هذه ـ يدفعه للكذب والنفاق والحيلة .

حد الصفح والمداراة :

إن حد الصفح والمداراة هو موضوع مهم في التربية . وينبغي أن يكون بمقدار لئلا يلجأ الطفل إلى أللاأبالية ويفكر بأن والده سيتركه مهما صدر منه .
يجب أن يشعر الطفل بوجود حساب لكل عمل ، وإنه ليس حرا فيفعل ما يشاء . وأن ألأب مسؤول عن حفظ توازن العائلة وإنضباطها ، لأنه العقل السليم في ألأسرة . ولو تكرر إرتكاب الخطأ من ألأولاد لفقد ألأمل في تربيتهم وتنشأتهم .
ينبغي أن يكون الصفح والمداراة بدرجة لا تدع الطفل يشعر بأنه حر في إرضاء مشاعره كيفما يرغب ، أو يعتقد بأن والده لا يبالي به . فألآباء الذين لا يهتمون بشؤون أولادهم لا يؤدون وظائفهم أبدا . وإنه لأمر طبيعي أن يسلك ألأولاد طرقا خاطئة ومنحرفة وغير إنسانية مما ستتعقد عملية الهداية والتوجيه .
إننا نؤكد على ضرورة أن يبقى الطفل طفلا ، يلعب ويقفز ويمارس نشاطه الخاص ، لكننا نحذر في الوقت نفسه من تلك الممارسات التي تجعله جسورا .
ينبغي أن تقدم له النصائح والمحاذير بمستوى فهمه وإدراكه ومدى نضجه . وسوف تنعكس آثار هذا السلوك على حياته فينشأ إنسانا بمعنى الكلمة ويندفع نحو تحقيق تلك ألأهداف أيضا .

ألأب وإستعراض القوة :

ليس صحيحا أن يطالب ألأب ألاخرين بطاعته بسبب موقعه ، أو أن يفتخر على أولاده للسبب ذاته . حيث أن الطفل يشعر ذاتيا بقدرتكم ونفوذكم ، ولا توجد أية حاجة لعرض العضلات أمامه ، وإجباره إلى الشعور بذلك .

دور ألأب في التربية 254

وعندما تشاهدون منه خطأ معينا فلا تفكروا بأنه ينوي إتخاذ موقف معارض لكم أو يرفض طلبكم .
إذ من الممكن أن يحاكي الطفل موقفا معينا يراه من ألآخرين ، وإن إستعراض القوة عمل خاطئ .
لا بد أن تصدروا أوامركم ولكن بشرط أن لا تقطعوا أنفاس الطفل ، لأنه سيفتقد إلى ألإتزان المطلوب في سلوكه . وسوف يقتصر تفكيره على أفضل طريقة لممارسة قدرته فيبتعد والحال هذه عن ألأهداف الواقعية للتربية ويفرط بها ، لأنكم طالبتموه بالطاعة العمياء فقط . وقد رفض ألإسلام ذلك .فقد جاء عن أمير المؤمنين علي (ع) قوله : «وإرحم من أهلك الصغير ووقر منهم الكبير ».

أعراض الشدة :

إن ممارسة القوة بهدف التشديد على ألأطفال تؤدي إلى ظهور أعراض عديدة منها إصابتهم بالقلق والعديد من حالات ألإضطراب . حيث يتصف أولاد ألآباء القساة باللجاجة ، وممارسة ألإنتقام والعصيان وتضخيم ألأمور . وتعود أغلب حالات التمرد والعصيان إلى الشدة والقسوة خاصة في مرحلة الطفولة .
فعندما تكون التكاليف والمسؤوليات ثقيلة جدا فإن الأطفال سيقضون حياتهم بمرارة وحرمان وسوف تتوفر ألأرضية ـ تدريجيا ـ للشعور بالذنب الذي يؤدي في المستقبل إلى ألإصابة بالعديد من العقد .
وتصل قسوة ألأب ـ أحيانا ـ إلى درجة يتمنى فيها الطفل الصغير الموت بدلا من الحياة أو أنه يتمنى موت ألأب أو يفكر ـ أحيانا ـ بالثورة عليه مهما كانت النتائج . وهذا هو سبب العديد من حالات الصراخ ألإنفعالي للأطفال ووقوفهم بوجه ألأوامر والنواهي.
لذا فإن ألأب الذي يستشعر وظيفته ومسؤوليته لا يلجأ إلى اقلهر والتهديد إلا في الحالات الضرورية ، ولا يأمر أطفاله بالطاعة العمياء له لعلمه بأن ذلك يؤثر سلبا على عملية نموهم فلا يمكنهم أن يتحلوا بسلوك سوي ومتزن .

دور ألأب في التربية 255

كما وينبغي في الوقت نفسه أن يواجه الطفل في مرحلة الطفولة بعض الصعوبات والتعقيدات لكي يكون حليما في كبره . فقد جاء عن ألإمام موسى بن جعفر (ع) قوله : «يستحب غرامة الغلام في صغره ليكون حليما في كبره »:

القضايا الجزئية :

ينظر بإهتمام للقضايا الجزئية والصغيرة في موضوع التربية ، لا يوجد شك في أنه ينبغي الوقوف بوجه نقاط ضعف الطفل ومنع أخطائه . غير أنه من الخطأ أن يكون ألأب بالمرصاد لطفله فيحاسبه على كل صغيرة وكبيرة ، فقد ورد عن أمير المؤمنين ألإمام علي (ع) قوله : «عظموا أقداركم بالتغافل عن الدني من الأمور» . فليس صحيحا أن يستعرض ألأب عضلاته أمام طفله من خلال إلحاحه على القضايا الجزئية فيضطر الطفل للإستسلام له .
وبسبب إستمرار هذه الحالة فإن الطفل سيشعر بالحقارة أمام والده ويظن بأنه غير كفوء وتتوقف مسيرة نموه وتكامله ، ويستصغر نفسه دائما ويفكر بنواقصه بإستمرار .
حاولوا أحيانا أن تجمعوا عددا من الملاحظات فتنبهوه إليها مرة واحدة ، وإذكروا نقاط قوته إلى جانب عيوبه لكي يشعر بألأمل في الحياة .

دور ألأب في التربية 256

الفصل الحادي وألأربعون
أسلوب القوة والحسم


معنى القوة والحسم :

نعني بالقوة والحسم مصدر القدرة في محيط ألأسرة ، والذي يحسب له الطفل حسابا فيلتزم برأيه القاطع ويأتمر بما يأمره وينتهي عما ينهاه ويؤدي تلك ألأعمال التي يرتأيها الوالدان وتقتضي بذلك مصلحته أيضا .
يحاول الطفل أحيانا القيام ببعض التصرفات خلافا لرغبة الوالدين تعبيرا عن إستقلاله . فهو يحاول أن يفسر ألأمور كما يفهمها ويرغب بها ، ومن الطبيعي أن تكون قاصرة ومعارضة لمصلحته .
وهنا لا بد أن يبدي ألأب حسمه وإقتداره لكي يلتزم الطفل بأوامره ونواهيه ويطبقها . وأن يعلم أيضا فيما لو أخطأ متعمدا بوجود أب يقف على رأسه لا يسمح له بإرتكاب المعاصي .
وهذا الدور في ألأسرة يعتبر ضروريا لتحقيق حالة ألإنضباط ومنع الفوضى . وما أكثر ألإنحرافات التي يمكن الوقوف بوجهها ومنعها إلا في ظل قدرة ألأب وحسمه .

تصورنا للإقتدار :

إن ما نعنيه بألإقتدار هو أن يكون ألأب قويا ومقتدرا لا أن يمارس قوته ، فالهدف هو أن يخشاه ولده وليس أن يصفي حسابه معه .
إننا ـ ومع ألأسف ـ نشاهد بعض ألآباء الذين يحملون تصورا ، بأنه يجب على ألأطفال أن يطيعونهم طاعة عمياء لكونهم آباء ولا يحق لهم أن

دور ألأب في التربية 257

يبدو أية وجهة نظر مخالفة . إلا أن هذا ألأسلوب خاطئ لأنهم يعتقدون بأن القوة والحسم لا تعني سوى إستخدام العنف والغضب والصراخ .
إننا نعتقد بأنه ينبغي أن تتقدم الخطوات بإتجاه الطفل لا لمعاقبته بل لتوجيهه وبنائه حتى وإن كان منحرفا . فألأصل هو تأديب الطفل ، غير أن هذا لا يعني أن نلحق به ألأذى دائما ونستخدم معه القوة ، بل لا بد من مد يد العون والمساعدة إليه مع ألإحتفاظ بالإقتدار لئلا يلجأ الطفل إلى ممارسة أعماله في السر والخفاء وألا ينتهي به ألأمر إلى العصيان والتمرد بسبب ممارسة الضغوط عليه .

ضرورة التحكم :

ليس صحيحا أن نصغي دائما لرغبات الطفل وميوله ونحققها له لأن هذا في غير صالحه . كما إنه من الخطأ في الوقت نفسه مطالبته بإطاعة أوامرنا فقط .
فهو يريد أن يكون صاحب رأي بالمستوى الذي يفهم ألأمور ويدركها . وأن المربي الجيد يسعى لتوفير الحد الوسط بين هذين ألأمرين . فلا بد من بناء فكر الطفل وتوجيه سلوكه طبقا لتوجيهات ألأب الغير مباشرة لكي يندفع نحو ألأمام .
وتظهر أحيانا بعض الحالات التي يرفض فيها الطفل ألإنصياع للكلمة الحق ، مما يستوجب إستخدام التحكم . فألأصل هو منع حدوث أية مفاسد ، ولو أصر الطفل على ذلك لأستدعت الضرورة أن نمنعه بالقوة .
وتقوم فلسفة هذه الفكرة على أن الطفل ستحيطه الذنوب والمعاصي تدريجيا فيما لو وجد نفسه طليقا دون أية قيود ، فتتعقد عملية إنقاذه . وسوف يصبح ولدا سيئا يؤثر على شرف ألأسرة وكرامتها . فقد ورد عن ألإمام علي (ع) قوله : «ولد السوء يهدم الشرف ويشين السلف ».

شروط التحكم وإستخدام القوة :

لا بد أن يراعى في إستخدام القوة مصلحة الطفل أولا بأول . إننا نريد أن يكون الطفل مطيعا للعادات والتقاليد ألإجتماعية وملتزما بألأهداف التي

دور ألأب في التربية 258

يؤمن بها الوالدان . وينبغي عليهما ان يعيداه إلى جادة الصواب فيما لو إنحرف عنها ويحفظاه من سيئات ألأمور .
ثمة شروط أربعة لإستخدام القوة مع الولد وهي :
1 ـ أن يكون الهدف من القوة خدمة الطفل وإعانته حقا .
2 ـ أن تتناسب القوة مع طاقة الطفل وإستيعابه لا أن يلجأ ألأب إلى ممارستها كيفما يشاء ليشفي غليله ويطفئ غضبه .
3 ـ أن يكون القصد منها بناء شخصية الطفل .
4 ـ أن لا تمارس بصورة يشعر معها الطفل بأن ألأب قطع خيط الحب والود بينهما . ويجب أن يوضح له السبب قدر ألإمكان ، أو أن يمتدح ويثنى عليه بعد ممارستها لكسب قلبه وطمأنته .

مخاطر التخويف الشديد :

قلنا أنه ينبغي أن يتصرف ألأب في البيت بصورة تجعل الطفل يحسب له حسابا ولكن بشرط أن يبقي على علاقة الحب والمودة قائمة بينهما . فلا بد ان يقوم سلوكه على مبدأ الخوف والرجاء لكي يثق الطفل بإهتمام ألأب وعطفه ويحذر ـ من جانب آخر ـ إقتداره وحسمه فيما لو إرتكب أي خطأ أو معصية .
وثمة مخاطر عديدة للتخويف الشديد الذي يؤثر على الطفل وموقعه ضمن ألأسرة منها :
1 ـ يؤدي التخويف الشديد إلى شعور جميع أفراد الأسرة بالقلق وألإضطراب مما ستهبط الكفاءة إلى أدنى درجة لها أو قد تنعدم كليا .
2 ـ يؤثر التخويف البالغ على عملية نمو أفراد ألأسرة وتكاملهم حيث يؤدي إلى إصابتهم بصدمات شديدة جراء الرعب الذي أوجده ألأب .
3 ـ يؤثر ألإضطراب الشديد على أعصاب الطفل فيحطمها ويصبح كالطائر الذي يشعر بالخوار والضعف في أجنحته فلا يمكنه التحليق وألإرتفاع .

دور ألأب في التربية 259

4 ـ يؤدي التخويف الشديد إلى إضعاف حالة ألإنضباط فيتشجع الطفل ويتجرأ مما يضطره أحيانا إلى دفع ثمن باهظ .
5 ـ يعتبر التخويف الشديد للطفل في الحقيقة نوعا من الدعوة لتكرار الخطأ وألإنحراف ولكن بشكل سري دون أن يعلم به حتى ألأب أيضا .
6 ـ وأخيرا فإن الرعب الشديد يؤدي إلى إيجاد هوة بين الولد ووالده فيشعر الولد بأن عليه أن يستعد للهرب متى ما يحضر ألأب ، مما يمثل ذلك خطرا على العملية التربوية ودوامها .

مشكلة الهوة :

سوف يفقد ألأب دوره كمرشد عندما تحصل الهوة بينه وبين ولده ، بل وسيتحول إلى كائن مخيف ، ويطيع الولد عادة ألأوامر والنواهي الشديدة والقاسية ، غير أنه سيفر منها متى ما توفرت إمكانية الهروب فيبتعد عن والده .
ينبغي أن لا تحدث الهوة بين ألأب وولده لأنه سيفقد ـ والحال هذه ـ قورته الصالحة ويلجأ إلى البحث عن قدوة أخرى لا يمكن ألإطمئنان لها .
يعتقد بعض ألآباء أنهم يحافظون على شخصياتهم ومكانتهم من خلال إبتعادهم عن أولادهم . فمثلا نراهم لا يأكلون معهم أو يقضون أوقات فراغهم بعيدا عنهم في غرفهم الخاصة مما يؤدي بالطفل إلى أن يفقد ثقته بوالده ، ويكون مستعدا للتأثر بكلام ألاخرين .
فليس صحيحا أن نعتقد بإمكانية بناء أخلاق الطفل وسلوكه من خلال تخويفه وإرعابه ، فالطفل ينتظر من والده حبه ومودته ، ومن الضروري أن يرى خلقه الجميل لكي يقف إلى جانبه .

إياكم والتصادم :

نادرا ما نشاهد طفلا صغيرا يلجأ إلى العصيان وألإنحراف بسبب كراهيته لوالده نتيجة للضغط الذي يمارسه .

دور ألأب في التربية 260

وتشتد هذه الحالة عند ألأحداث والبالغين ، ويمكن أحيانا مشاهدة حالات يقف فيها الولد بوجه والده فيعصيه ويقاومه .
نعم ، يزيد تعبكم اليومي من غضبكم فيؤثر على حياتكم وسلوككم بشكل غير مطلوب . أو قد تفقدون السيطرة على أعصابكم بسبب الضوضاء التي يثيرها ألأطفال ، لكن المهم في ألأمر هو أن تحفظوا أنفسكم وتضبطوا أعصابكم لكي لا تزول أواصر المودة فيما بينكم .
فالمهم هو أن تجري الحياة بشكلها الطبيعي لكي يستأنس الولد بوالده ويعود إليه متى واجهته الصعاب والمشاكل ومني بالفشل .
فإرعاب ألأب وممارسته لإقتداره يوفر ألأجواء الملائمة لتحقيق الهوة ، فيفشل الطفل بالنهاية في حل مشاكله .
نعم ، فألأب هو مصدر جميع القدرات وعليه يجب أن تؤدي قدرته إلى فسح المجال لحل العديد من مشاكل الطفل وتوجيهه نحو الوجهة الصحيحة .
إن القسوة وإستجواب الطفل عدة مرات تؤدي إلى نتائج لا تحمد عقباها .
يجب على ألأب أن يستخدم قوته وإقتداره من أجل تحقيق إنضباط أولاده وإرشادهم وتوجيههم . ولو تعرض الطفل للضغط الشديد لضاعت جميع جهودكم وفعالياتكم المفيدة والنافعة .

دور ألأب في التربية 261

الفصل الثاني وألأربعون
حدود القوة والحسم


الهدف من ألإقتدار :

قلنا في الفصل السابق أنه لابد من أٌلإقتدار ، وإن الهدف منه هو أن يهاب الطفل والده ويلتزم بألأمور التي تدخل في مصلحته .
فالغرض هو أن ينشأ الطفل منضبطا من أجل أن يتمكن من الوقوف على قدميه في معترك الحياة . لذا فإن القوة لا تعني أن يشفي ألإنسان غليله أو يطفئ غضبه .
ولا نستهدف من القوة ، الطاعة العمياء إلا في حالات خاصة عند مداهمة ألأخطار والمصائب ، وهي رغم ذلك تصب في مصلحة الطفل ولا بد من القيام بتلك الخطوة . فالمهم هو الطاعة مع ألإدراك والتمييز لكي لا يلجأ إلى العناد والعصيان .

أنواع أٌلإقتدار :

يمكن للإٌقتدار الممارس في الأسرة أن يكون على صور عديدة منها :
1 ـ ألإقتدار المصحوب بإشفاء الغليل والعنف والنوايا السيئة .
2 ـ ألإقتدار الكاذب الذي يصاحبه فراغ مفتعل .
3 ـ ألإقتدار العقلاني الذي يتناسب مع قابلية الطفل وإستعداده وإدراكه وصبره .
وفي هذا النوع الثالث من ألإقتدار لا يكون ألأب قاسيا إلى الدرجة

دور ألأب في التربية 262

التي يفر منه الطفل ، ويتمنى موته ، ولا يكون لا أباليا إلى الحد الذي يترك كل شيء بحيث يرى بأن له مطلق الحرية في القيام بأي عمل يشاءه .
إن الطفل بحاجة إلى ذلك ألإقتدار الذي يزرع في قلبه ألإيمان فيصدق بـأن حقه هو ما يملكه ، وما هذه الضغوط إلا لصالحه فيجب أن لا يقاومها .

إطاعة القانون لا الفرد :

سوف تبلغ العملية التربوية ذروتها لو تمكنا من دفع الطفل إلى إطاعة القانون لا ألأشخاص ، فالسبب في إطاعته لوالده هو أنه يمثل القانون ويحقق العدل والإنضباط . وهذا ما يحتاج إلى فترة زمنية لتحقيقه .
فألأب العاقل والخبير والمتزن لا يمارس ألإستبداد مع أولاده ولا يلجأ إلى إظهار قوته وألإعتداد بشخصيته أمامهم . فالمهم أن يكون هاديا وموجها لطفله ، وأن يفهمه بأنه مضطر لرعاية القانون من أجل تحقيق ألأهداف وتوفير الحاجات . ولذا نراه يحمل في ذهنه مشروعا للإنضباط ، ويعرف متى تستوجب المؤاخذة ومتى ينبغي ترك الطفل وشأنه .
ليس صحيحا أن ينظر ألأطفال إلى والدهم بأنه كائن مخيف وخطير أو كما يرد في القصص بأنه عفريت ! . ففي هذه الحالة ستصاب قواهم الكامنة بالجمود فلا تنطلق ولا تنمو إستعداداتهم بالشكل المطلوب .

جذور ألإستبداد :

ثمة آباء يلجأون إلى ألإستبداد داخل محيط ألأسرة ويسعون لفرض سيطرتهم على أولادهم رغم علمهم بأن هذا ألإجراء يضر ألأولاد ولا ينفعهم . ويمكن ألإشارة إلى جذور ألإستبداد بالنقاط التالية :
1 ـ فقدان القدرة على إقامة علاقة صحيحة مع ألأولاد وباقي أفراد ألأسرة بسبب عدم الكفاءة .
2 ـ رغبة ألأب المفرطة بنمو أطفاله ووصولهم إلى مرحلة الكمال بأسرع ما يمكن .

السابق السابق الفهرس التالي التالي