دور ألأب في التربية 263

3 ـ حمل ألأب لأفكار خلاصتها أنه كان محروما ولا معيل له ويجب أن لا يكون أطفاله كذلك .
4 ـ حمل ألأب لعقد عديدة بسبب مشاكله خارج البيت فينقلها إلى داخله .
5 ـ فقدان القابلية على الصبر والتحمل بسبب الضعف العصبي أو لأسباب أخرى .
وبشكل عام ، فالذي يتسم بهذه الصفات يكون ذليلا ومقيدا وعبدا رغم تشبهه بالحر . فقد جاء عن ألإمام الصادق (ع) قوله : «إن الحر حر في جميع أحواله ، إن نابته نائبة صبر لها ، وإن تراكمت عليه المصائب لم تكسره . . . وكذلك الصبر يعقب خيرا فإصبروا ووطنوا أنفسكم على الصبر تؤجروا ».
فالآباء ألأحرار ينبغي أن يكونوا دواء لداء أولادهم وأن يواسوهم في شعورهم بألألم ويبعدوا عنهم الصدمات النفسية .

تصور الولد لوالده المستبد :

لا ينظر الطفل إلى والده المستبد نظرة إيجابية ، إذ يعتبره كائنا مخيفا وإنسانا ينبغي الفرار منه . ويلجأ إلى الكتمان والحيلة إزاءه ، ويحذر كثيرا منه حتى لا يطلع على أسراره .
ويصف هؤلاء ألأولاد أباهم للآخرين بأنه ظالم وعصبي المزاج ويستخدم الضرب دائما . ويصورون الحياة التي يعيشونها بأنها عذاب وشقاء . ويرغبون بالتخلص من شره ، بل ويتمنون أحيانا موته . أما ألإنضباط الذي يمارسه هؤلاء ألآباء فلا فائدة فيه لأن الطفل سوف لا يستخدم عقله أبدا .
وبعبارة أخرى فإنه يعتبر عقله وإرادته تابعين لعقل والده وإرادته ، ويهمل كل ما يرتبط بإدراكه شخصيا .
إنه ينظر إلى والده بأنه ظالم ومستبد ويلتذ بممارسة الظلم ولا يهتم به أبدا .

دور ألأب في التربية 264


تدخلات الأب :

ينبغي أن يتدخل ألأب في شؤون أولاده من أجل أن يمارس وظيفته في ألإشراف والمراقبة ، وبغير ذلك ستتعثر العملية التربوية ولا يمكن تحقيق الهدف المطلوب بشكل كامل . لكن الشيء المهم في الموضوع هو حدود هذا التدخل وكيفيته .
بشكل عام ، يجب ألإشارة إلى هذه الملاحظة ، وهي أن التدخل الدائم للأب يكشف عن ضعفه لا قوته وإقتداره لوجود إحتمال لجوء ألأطفال إلى العصيان وألإنحراف ، فلا يتم البناء والتكامل بالشكل المطلوب . فهو سيقضي على طفله من خلال ألإفراط في التدخل ويحطم شخصيته .
ينظر الطفل لوالده الذي يتدخل في كل شيء بأنه يزاحمه ويمنعه من القيام بفعالياته كما يجب ، وإنه كألأسير الذي يكون مقيدا في حركته . وسوف يصاب مثل هؤلاء ألأولاد بمختلف أنواع العقد ، فيلجأون إلى العنف وألإنحراف .
لذا يجب ألإهتمام بالنقاط التالية :
1 ـ حاولوا التقليل من التدخل .
2 ـ ليكن تدخلكم غير مباشر .
3 ـ مارسوا التدخل عند الضرورة ، ومتى ما إنعدمت السبل ألأخرى .
4 ـ لا يكن تدخلكم دائما ومستمرا . فمثلا لا تسمحوا للطفل بأن يشعر بوجود من يراقبه في لعبه .
5 ـ ليكن الهدف من التدخل هو هداية الطفل وإرشاده .

فرض وجهات النظر :

يجب أن لا يشعر الطفل بالتعب والتثاقل بسبب ألأوامر والتعليمات التي يصدرها ألأب . وكذلك يجب أن لا يتصور ألأب بأن أوامره واجبة التطبيق والتفيذ .

دور ألأب في التربية 265

إنه طفل وعنده رغبات عديدة ، ويصاب بالنسيان ويحتاج إلى ميدان ليمارس عمله ، وهذه كلها أمور لا بد أن تؤخذ بنظر ألإعتبار .
إن بعض ألآباء يصرون على أن يمارسوا نفوذهم ، في ألأسرة فيخضعونها لأوامرهم ونواهيهم . وهذ مطلب مشروع ولكن بشرط أن يدركوا بأن السيطرة على البيت لا تتحقق من خلال ألأوامر والنواهي فقط . فما فائدة أن يفرض ألأب وجهة نظره على أولاده من خلال القوة والعنف فتكون النتيجة جيلا خائرا وضعيفا .
إن تحميل الطفل فوق طاقته وإستخدام ألأب لأقتداره يدفع الطفل إلى تمني الموت لوالده ، أو أن يقف بوجهه عندما يكون قادرا على ذلك . وحتى لو نجح ألأب في أمره ونهيه إلا أن ولده سيكون إنسانا مسلوب ألإرادة وعديم الدور .
من جانب آخر فإن ألإستسلام والطاعة الكاذبة تقضي على إمكانية أي إبتكار أو إجتهاد عند الطفل فيكون جاهزا للإنفجار في أية لحظة بسبب العصيان الكامن فيه . وسوف ينشأ هؤلاء ألأولاد نشأة سيئة ويكونون مهيئين لممارسة مختلف الجنح . وقد أظهرت التجارب أيضا بأنهم سيكونون أذلاء وضعفاء وقساة وتافهين في مستقبلهم .

نوع ألأوامر والنواهي :

من الخطأ أن نطالب الولد بالطاعة العمياء أو نجعل طاعته وسيلة لإرضاء إحساسنا وشعورنا بالفخر . إنه لم يولد ليطيعكم ، بل يحتاج إلى توجيهاتكم وإرشاداتكم .
وثمة أصول ينبغي مراعاتها عند إصدرا ألأوامر والنواهي منها :
1 ـ إستخدام المنطق والدليل إذا أمكنكم .
2 ـ إفهام الطفل بأن الهدف هو سعادته فقط ولا يوجد أي غرض آخر .
3 ـ أن تكون ألأوامر والنواهي من النوع الذي تؤمنون به وتلتزمون به .
4 ـ أن يدرك الطفل بأنه سيتضرر فيما لو لم يلتزم بهذه ألأوامر والنواهي .

دور ألأب في التربية 266

5 ـ لا تجعلوا الطفل يضيق ذرعا بها فيلجأ إلى العصيان .
6 ـ لا تكرروا ألأوامر والنواهي . فالهدف هو أن تستمر الحياة بشكلها العادي ولا إكراه في ألأمور .
7 ـ إحذروا أن تكون ألأوامر والنواهي فوق طاقة الطفل حتى وإن لم يلجأ إلى العصيان والتمرد .
8 ـ أن يتذوق الطفل عقوبة عدم إلتزامه بألأوامر والنواهي المهمة ويدرك بأن الهدف من العقاب هو خيره وصلاحه .
وقد ورد عن ألإمام الصادق (ع) في حديث له بهذا ألشأن قوله : «. . . يقبل ميسوره ويتجاوز عن معسوره ولا يخرق به ».

دور ألأب في التربية 267

الفصل الثالث وألأربعون
إسلوب العقاب


العقاب والتربية :

يعتبر العقاب بمعناه اللغوي وحتى ألإصطلاحي واحدا من وسائل التربية ، حيث يستفاد منه في موارد عديدة .
ويفهم الناس بأن العقاب يعني الضرب في حين إنه يشتمل أمورا أخرى كثيرة لها نفس المعنى دون أن تترك آثاره وأعراضه .
يقوم العقاب على فكرة أن يشعر المرء بالعذاب والجزاء ، فيتذوق آلامه ويعيشها ليفكر بالتخلص منها وألإبتعاد عن إرتكاب تلك ألأعمال . ويمارس العقاب بواسطة الوالدين وخاصة ألأب وفي أحيان أخرى بواسطة المعلم والمربي وحتى إنه يتم ذاتيا أيضا . وبشكل عام فإن الحرمان بسبب العقاب يدفع ألإنسان إلى ألإمتناع عن القيام بذلك العمل .

صور العقاب :

للعقاب صور مختلفة في التربية أهمها : أللوم والتوبيخ والحرمان من بعض ألإمتيازات واللذائذ التي يهواها الطفل كالسينما وأفلام التلفزيون والقصة . ومن صوره أيضا ألإشارة والكناية والنظر بلوم وقطع المصروف اليومي والمقاطعة والتهديد . ولو لم تنفع كل هذه ألأساليب لأمكن اللجوء إلى العقاب بمعناه أي الضرب ، وقرص ألأذن بما له شروط معينة أيضا .
فألأصل في التربية أن تقوم دون اللجوء إلى القوة والعنف وأن يدرك الطفل في وجدانه وضميره بأنه قام بأعمال قبيحة ويجب عليه أن يراعي

دور ألأب في التربية 268

المبادئ ألأخلاقية وألأصول ألإنضباطية وينبغي أن يربى الطفل بحيث لا يخرج عن الطريق الصحيح وليخطو نحو الكمال .
ويتمكن الوالدان من إتخاذ أسلوب الصمت لأجل تربية ولدهما فيكتفيا بنظرات طويلة ومعبرة . وقد أظهرت التجارب بأن هذا ألأسلوب يفوق في تأثيره الضرب بمئات المرات .
وتوجد صور أخرى للعقاب كألإستهزاء مثلا ، لكنه من أساليب الجهال .

ضرورة العقاب :

تبرز أهمية العقاب وضرورته عندما تنعدم السبل وتفشل جميع أساليب المربي ألأخرى . ولا بد من اللجوء إليه أيضا عندما يهمل الوالدان موضوع التربية . فقد ورد عن ألإمام علي (ع) قوله : «من لم يصلح حسن المداراة يصلح حسن المكافأة ».
فينبغي أن يلتزم ألأب بأسلوب المداراة أولا ، وفي حال عدم تأثيره عليه أن يستعين بالعقاب .
أما ألإجراءات التي يجب إتخاذها قبل اللجوء إلى العقاب فعديدة منها تنبيه الطفل وتحذيره والتحكم به وتوبيخه ولومه ومقاطعته وتهديده وغير ذلك . وقد ورد عن ألإمام علي بن موسى الرضا (ع) بأنه طالب بهجر الطفل ومقاطعته بدلا من ضربه . ولكن بشرط أن لا تطول تلك المقاطعة .
فالذين يلجأون إلى ضرب الطفل إما أن يكونوا معقدين ولديهم مشاكل عديدة أو أنهم يحملون إعتقادا بأن كل الطرق قد سدت في وجوههم ولا سبيل لديهم إلا العقاب ، أو يؤمنون بفكرة خلاصتها أن الطفل فاسد ومنحرف بطبيعته ، ولا بد من معاقبته في حين أن هذه الفكرة خاطئة من أساسها .

أعراض العقاب ونتائجه :

عندما يعني العقاب الضرب المبرح فإن له نتائج مؤلمة ، فالضرب

دور ألأب في التربية 269

لا ينفع الطفل في تحقيق نموه وتكامله ، بل يؤثر عليه سلبا . ومن أعراضه السيئة يمكن ألإشارة إلى ظاهرة الحقد وألإحساس بالحقارة والهروب من البيت والمدرسة والوقوف بوجه من يمارسه ، وفقدان الثقة بالمربي وأللاأبالية في الحياة والشعور بالذنب والكذب واللجوء إلى الحيلة وممارسة العنف وألإنحراف الفكري والروحي والتمرد والعصيان وغير ذلك من النتائج الخطيرة .
وقد تشتد ظاهرة ألإحساس بالحقارة أحيانا فيصاب الطفل باليأس أو الشعور بالخجل الشديد أمام أصدقائه فيضطر لتركهم .
إننا لا نريد أن نلغي العقاب ، ولكن نؤكد ضرورة قيامه على ضوابط عادلة تتناسب مع مستوى الطفل وظرفه ، وأن يمارس بإحترام أيضا .

شروط العقاب وحدوده :

للعقاب شروط معينة ينبغي أن يلتزم ألأب أو المربي بها ويراعيها ، منها :
1 ـ أن يقوم على سياسة واضحة وضوابط مدروسة .
2 ـ ينبغي أن يؤدي العقاب دائما إلى إعتبار الطفل فيدرك ماذا عليه أن يفعل .
3 ـ لا يؤثر العقاب على الطفل إلا إذا قام على الثقة وأن لا يفرط بالعلاقات ألإجتماعية ويهدمها .
4 ـ لا بد من ضبط النفس قبل ممارسة العقاب ، وعدم اللجوء إليه في حالات الغضب والقلق .
5 ـ ينبغي أن يتوفر الوعي والكفاءة في ممارسة العقاب وإلا فإن الجهل يؤدي إلى ظهور عاهات عند ألأطفال .
6 ـ لا يحق لغير ألأب وأحيانا ألأم ممارسة العقاب كالشقيق الكبير والشقيقة الكبيرة .
7 ـ لا بد أن يطبق العقاب مع الذنوب الكبيرة وليس مع أي أمر بسيط وصغير .
8 ـ أن يكون العقاب متناسبا مع الذنب لكي يشعر الطفل بالعدالة .

دور ألأب في التربية 270

9 ـ فرقوا بين العقاب والحد . فالعقاب إما ضربة يد واحدة أو ضربتان ، وليس كما يفعل مع الحيوان . فقد ورد في الحديث الشريف إنه «لا حد على ألأطفال ، ولكن يؤدبون أدبا بليغا».
10 ـ حاولوا بعد فترة قصيرة من كل عقاب أن تكسبوا قلب الطفل وتظهروا حبكم له .
إضافة إلى ما ذكرناه فإن الطفل يحاول في بعض ألأحيان اللجوء إلى أمه هربا من العقاب . وهنا لا يحق لكم أن تأخذوه بقوة من أحضان أمه لتضربوه وتعاقبوه إذ أن ذلك يعتبر خطأ كبيرا . وعليكم أن تقبلوا بوساطتها .

العقاب والعنف :

قلنا أنه لا بد من ضبط النفس في معاقبة الطفل وأحذروا أن يصاب بأذى . وهذا تحذير لكم لكيلا تواجهكم المشاكل ، فلو اصيب الطفل ـ لا سمح ألله ـ بعاهة معينة فما عليكم إلا أن تدفعوا نفقات علاجه إضافة إلى شعوركم بالخجل أمام طفلكم طيلة فترة حياتكم .
وعليكم أن تحذروا العنف دائما حتى وإن لم يؤدي إلى حدوث عاهة أو نقص عند الطفل . إذ أن ألاخلاق ألإسلامية ترفض إلحاق ألأذى بالطفل وتعذيبه من أجل أن يشفي الوالدان غليلهما ، ويطفآن غضبهما خاصة وأنه مظلوم ولا ملجأ له .
ويتعلم الطفل دروسا سيئة من العنف والظلم تؤثر على مستقبله حيث يمارسها مع مجتمعه ، وقد ورد عن ألإمام علي (ع) قوله : «من لم يرحم لا يرحم».

العقاب المكرر :

يلجأ الطفل أحيانا إلى ممارسة الخطأ فينال عقابا مكررا منكم ، ومن الممكن أن لا يؤثر فيه عقابكم رغم شدته . وينبغي أن تبحثوا في مثل هذه الحالات عن ألأسباب المؤدية إلى ذلك . حيث يألف الطفل العقاب في مدة قصيرة خاصة لو تعرض إليه بكثرة ، وسوف لا يشعر بألألم الجسدي أو الروحي جراء الضرب ، بل سيعتاد عليه أيضا حتى إنه يلجأ عامدا إلى

دور ألأب في التربية 271

ممارسة بعض ألأمور التي تعرضه للضرب . وفي هذه الحالة يمكن القول إنه لا فائدة من العقاب .
يجب عليكم أن تكتشفوا أسباب ألإضطراب وعلله كي يمكنكم إتخاذ ألأسلوب المناسب لحل المشكلة . وقد تنقصكم الحيلة في ذلك فعليكم أن تستفيدوا من أفكار ألآخرين وتجاربهم خاصة أصحاب الخبرة في هذا الشأن .
وبشكل عام نقول ، إن عدم إرتداع الطفل رغم عقابكم المكرر يشير إلى وجود علل أخرى ينبغي الكشف عنها .

محاذير في العقاب :

أشرنا سابقا في شروط العقاب وحدوده إلى بعض المحاذير وسوف نشير فيما يلي إلى موارد أخرى إستكمالا للبحث :
1 ـ إياكم والعقاب المضاعف ، فلو ضربتم الطفل فلا تحقروه وتجعلونه يشعر بالخجل .
2 ـ لا تمارسوا عقابا من نوع واحد على الدوام ، فمثلا إضربوه في مرة ، ووجهوا إليه اللوم في مرة أخرى ، وقاطعوه أحيانا وغير ذلك .
3 ـ إحذروا أن يكون للعقاب نتائج نفسية كالخوف مثلا حيث تحبسوا الطفل ، على سبيل المثال ، في غرفة مظلمة .
4 ـ يجب أن لا يؤدي العقاب إلى تعب الطفل جسديا كالوقوف لفترة طويلة أو المكوث في غرفة شديدة الحرارة أو البرودة .
5 ـ لا تصروا دائما على تحطيم إرادة الطفل ، لأن هذا سيدفعه إلى أن يكون إنسانا عاطلا وتافها .
6 ـ لا تجلسوا له بالمرصاد بإنتظار أن يرتكب خطأ معينا لكي تعاقبوه بل حاولوا أن تشوقوه وترغبوه .
7 ـ لو عاقبتم الطفل بسبب ذنبه فما عليكم إلا أن تبذلوا جهدكم من أجل القضاء على شعوره بالذنب .
8 ـ إجعلوا الطفل دائما يثق بكم ويحبكم ، وأفهموه بأنكم تريدون خيره وصلاحه .

دور ألأب في التربية 272

الفصل الرابع وألأربعون
مبادئ تحقيق ألإنضباط


معنى ألإنضباط :

ألإنضباط كلمة مشتقة من الضبط ، وتعني مسك الشيء والسيطرة عليه وإخضاعه أو القبول به . والمقصود بهذه الكلمة تربويا ألإلتزام بالقرارات والضوابط التي يضعها بشأن الطفل أو الشخص الكبير .
فالطفل يولد حرا بطبيعته ولا يقبل بالضوابط والقوانين ، ويحاول ألأب من خلال طرق مختلفة ، وأساليب متنوعة أن يعرف الطفل ببعض القواعد لإعتقاده بأنه لا يمكن ألإستمرار في الحياة دون ألإلتزام ببعض الضوابط المستلهمة من المجتمع والدين .
فتلقين الطفل بالضوابط ومطالبته بها يعتبر أمرا ضروريا خاصة وإنه يمثل أمانة الباري جل وعلا عند والديه ، وأن ألأب المؤمن مسؤول عنه ومحاسب بسببه «والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون» . وقد لا يطيق الطفل تلك الضوابط لكنها ضرورية لحياته وتنفعه أيضا .

أساليب ألإنضباط :

ثمة وجهات نظر مختلفة بشأن ألأساليب التي ينبغي للأب إستخدامها لتحقيق ألإنضباط في البيت . وإننا سوف نشير فيما يلي إلى ثلاثة أساليب رئيسية :
1 ـ أسلوب ألإستبداد : ويلجأ إلى هذا الأسلوب فريقان من ألآباء :
الفريق ألأول ، هم أولئك ألآباء الذين يهتمون كثيرا بتربية أولادهم ،

دور ألأب في التربية 273

ويطمحون إلى تنشئتهم على مبادئ ألاداب والقواعد ويريدون تحقيق ذلك بأفضل ما يكون وأسرع وقت ممكن .
أما الفريق الثاني ، فهم ألآباء المرضى وأولئك المصابون بإنهيارات عصبية . وقد عانى هؤلاء كثيرا في حياتهم السابقة أو أن لهم مشاكل عديدة تواجههم خارج البيت فيحاولون التخلص منها من خلال نقلها إلى محيط ألأسرة .
ويرفض الدين ألإسلامي أسلوب ألإستبداد وخاصة مع ألأطفال ألأبرياء الذين لا ملاذ لهم . لأن هذا ألأسلوب لا ينفع الطفل أبدا إضافة إلى تأثيراته السلبية . وقد أظهرت التجارب إنه لا يمكن اللجوء إلى إصلاح الطفل في ظل ألإستبداد ، وما أكثر الذين لجأوا إلى العصيان وألإنحراف جراء ذلك .
2 ـ أسلوب الحرية المطلقة : يلجأ بعض ألاباء وألأمهات إلى هذا ألأسلوب في تربية أولادهم معتقدين أنه ينبغي ترك الطفل وشأنه حتى تنمو إستعداداته وقابلياته . وإن منع الطفل عن بعض ألأعمال يؤدي به إلى ألإصابة بعدد من العقد وألإضطرابات .
إلا أن الدين ألإسلامي يرفض أيضا هذا ألأسلوب ، ويعتقد بأنه ليس في صالح الطفل ولا في صالح أسرته . فالطفل قاصر عن تشخيص ما يضره وما ينفعه ، وما أكثر المضار التي تصيبه خطأ في حين أنه كان ينوي تحقيق الخير والصلاح . حتى أنه قد يهلك نفسه أحيانا أو يتورط في مشاكل معقدة لا يمكن حلها بسهولة .
كما أن هذا ألأسلوب لا ينفع ألأسرة أيضا لأن الطفل سيتجرأ على والديه مما لا يمكنهما في المستقبل الوقوف بوجهه . وسوف ينشأ مدللا وحساسا ومغرورا ومنحرفا .
3 ـ أسلوب الحرية المقيدة (المشروطة) : وهو ألأسلوب الثالث المستخدم في تحقيق ألإنضباط ومبادئه . فالطفل حر في تصرفاته ولكن ضمن حدود معينة . إنه حر متى ما لم تؤثر حريته سلبا عليه أو على ألآخرين . وإلا لكانت مرفوضة من الشرع المقدس . ويجب أن تسلب حريته متى ما تجاوز حدوده .

دور ألأب في التربية 274

لا بد من مراقبة الطفل لكي لا يلحق ضررا بنفسه أو بألآخرين وأن لا يخاطر بحياته الحالية والمستقبلية ، وألا يلجأ إلى الظلم ولا إلى الكسل والتحلل ، ولكن بشرط أن لا ندفعه لينفذ صبره وييأس من الحياة . فهذه الحرية بحاجة إلى حكمة ألأب . فقد جاء عن رسول ألله (ص) قوله : «ما من بيت ليس فيه شيء من الحكمة إلا كان خرابا ».

من أجل تحقيق إنضباط ألطفل :

يستطيع ألأب أن يستعين بعوامل ووسائل تعنيه في تحقيق إنضباط الطفل أو تمنعه من إرتكاب الخطأ .
أما العوامل الدافعة والمعينة فيمكن ألإشارة إلى مصادقة الطفل ومراعاته ، وطلب الخير له وحبه ، والتعامل معه بأدب وأخلاق ، ورعاية أحواله ، وتشويقه وتشجيعه ، ومكافأته .
أما العوامل المانعة من إرتكاب الخطأ فيمكن أن نذكر منها التنبيه والتحذير والتوبيخ واللوم والتهديد والعقاب حيث يمكن التحدث عنها بشكل منفصل ، وهذا ما تبنته كتب التربية .
وبشكل عام نقول أن الحديث الودي وألإجراءات التي تعبر عن الحب والعطف والحنان أجدى بكثير من القوة والعنف والضرب المبرح .
نعم يمكنكم أحيانا أن تمنعوا طفلكم من القيام بعمل معين بصفعة واحدة ، ولكن عليكم أن لا تنسوا بأنه سيعتبر والده دكتاتورا وقادرا على صفعه متى ما شاء .
فالولد يستسلم لوالده ما دام طفلا ضعيفا ، غير أنه سيقف بوجهه متى ما أصبح قويا ومقتدرا . لذا فإن هذا السلوك ليس في صالح الطفل والوالد أبدا .

أللوم وألإنضباط :

يلجأ بعض ألآباء إلى اللوم من أجل تحقيق قواعد ألإنضباط . فنراه يؤنب طفله بإستمرار . ومن الطبيعي أن اللوم في ألأصل مفيد للطفل من أجل أن يلتزم بالقواعد الضرورية ، ولكن ينبغي ألإلتفات إلى الملاحظات التالية :

دور ألأب في التربية 275

1 ـ يؤدي اللوم الشديد إلى شعور الطفل باليأس من نفسه وألإحساس بعقدة الحقارة .
2 ـ إذا تكرر اللوم فإنه يؤدي إلى إبتعاد الطفل عنكم بشكل لا شعوري وألإنجذاب إلى أمه ، مما يعرض العملية التربوية للفشل .
3 ـ قد يؤدي ألإفراط في اللوم أحيانا إلى العصيان والتمرد وفشل التربية .
4 ـ يؤدي أللوم الكثير أحيانا إلى تحطيم القوى الداخلية للطفل بحيث يفقد الجرأة على العمل وبذل الجهد .
وبشكل عام ينبغي أن تكون موارد اللوم والتأنيب قليلة جدا ، وفي حالات إستثنائية . وأن يكون الهدف من ذلك طلب الخير والصلاح للطفل لا قمعه وإلحاق ألأذى به .
وحري بألأب أن ينوي إصلاح طفله وليس أن ينفس عن عقده أوإضعاف موقع طفله من أجل دعم مكانته وموقعه . فقد ورد عن ألإمام علي (ع) في هذا الشأن قوله : «تلويح زلة العاقل له أمضى من عتابه » . حيث يقضي هذا ألأمر على التأثيرات المباشرة وغير المباشرة للدروس السيئة ويسارع في عودة الطفل إلى الطريق الصحيح .

تحقيق قواعد ألإنضباط :

ثمة أصول وأساليب معينة تحقق إنضباط الطفل . وسوف نشير فيما يلي إليها من خلال مجموعتين ، سلبية وأخرى إيجابية :
أ ـ المجموعة ألإيجابية : ينبغي للأب الذي يريد تحقيق إنضباط طفله أن يهتم بالقواعد التالية :
ــ التحلي بالخلق ألإنساني والسلوك الجميل مع التسامح والصفح والمداراة .
ــ تعريف الطفل بأنواع السلوك الصحيح .
ــ تدريبه على ألإنضباط بشرط إلتزام ألأب به .
ــ تلقين الطفل وتنبيهه بإستمرار من أجل أن يعتاد على السلوك المطلوب .

دور ألأب في التربية 276

ــ إصدرا ألأوامر المنطقية التي يتمكن الطفل من تنفيذها .
ــ الوحدة بين ألأب وألأم في إصدار ألأوامر والنواهي لكي لا يشعر الطفل بالحيرة .
ــ السعي لتعريفه بمبادئ الحياة كإحترام الوقت وآداب الطعام والنوم واليقظة والذهاب وألإياب وكيفية التحدث وألإحترام ورعاية ألأدب منذ مرحلة الطفولة .
ــ إيجاد الوحدة بين القول والعمل ومنع التضاد بين القول والسلوك .
ــ التعامل ألإنساني مع الطفل لكي لا يصاب بالغرور .
ب ـ المجموعة السلبية : إذ ينبغي للأب أن يهتم بما يلي :
ــ ألإمتناع عن ممارسة الضغط الشديد في الحياة ، وإصدار ألأوامر والنواهي العديدة .
ــ ألإمتناع عن زرع الخوف في أعماق الطفل لإحتمال أن يؤدي ذلك إلى ألإضطراب النفسي .
ــ الحذر من ألإستهزاء أو ألإهانة أو التأنيب الشديد لأنها تؤدي إلى ألإصابة بمختلف العقد .
ــ ألإمتناع عن تحميل الطفل فوق طاقته .
ــ ألإمتناع عن الغضب والعصبية في تحقيق قواعد ألإنضباط ، كما ينبغي ألإمتناع عن التوسل وإظهار العجز .
ــ التفريق بين التربية وبين الحب والبغض .
ــ عدم التفكير بألأمر الحاصل ، وألإلتفات إلى الهدف المنشود في التربية (الهدفية) .
ــ ألإمتناع عن ممارسة السلوك المنحرف ، لأن الطفل سيكتسب ذلك من أبيه (الولد على سر أبيه) .

دور ألأب في التربية 277

الباب الثاني عشر

ألأب والحالات المستجدة

قد يحدث الطلاق أحيانا في الحياة ألأسرية ، ولا يوجد شك في أن الوالدين فكرا في هذا الموضوع قبل وقوعه وحتى إنهما حددا المكان الذي سيسكنان فيه لاحقا . أما الشيء الذي لم يفكرا فيه بجد فهو الطفل .
فأحيانا تنهار ألأسرة وتتفكك أواصرها بسبب الطلاق . ويؤثر ألإنفصال بين الزوج وزوجته مهما كانت أسبابه على الحياة المستقبلية للطفل ، ويترك عليها بصماته وآثاره السيئة ، أو قد يلجأ ألأب بعد وفاة ألأم ، أو بوجودها أيضا ، إلى الزواج الثاني مما يؤثر هذا ألأمر على الطفل فينبغي ألإهتمام بالطفل ورعايته .
ويمكن في أحيان أخرى أن يلجأ ألأب إلى ألإنحراف أو يعرض شرف ألأسرة وكرامتها إلى الخطر ، أو ينقل الفساد من خارج البيت إلى داخله مما تكون عواقب ذلك خطيرة على الطفل .
وقد حاولنا في هذا الباب ذكر الموارد الثلاثة مع مراعاة ألإختصار .

دور ألأب في التربية 278




السابق السابق الفهرس التالي التالي