دور ألأب في التربية 279

الفصل الخامس وألأربعون
ألأب والطلاق


ألأسرة المنسجمة :

تكون ألأسرة منسجمة عندما تقوم العلاقة بين الزوج وزوجته على أسس ومبادئ واحدة وتفاهم بشأن الحياة المشتركة خاصة في مجال تربية ألأطفال . وتسير مثل هذه ألأسرة على طريق واضح في الحياة وتلتزم بهديه . وليس مهما أن تكون ألأسس صحيحة وحقيقية ، بل إن ألإنسجام بحاجة إلى إتفاق في الرأي وتفاهم ، خاصة في موضوع تربية ألأولاد .
وثمة ضرورة ملحة لهذا التفاهم الذي سيكون سببا لتكامل الزوجين وألأطفال أيضا .
فلو تقرر أن يسلك كل من الزوجين طريقا خاصا به ومواصلة الحياة بموجب ذلك لأنعكس ذلك سلبا عليهما وعلى أطفالهما ، بل يجب عليهما أن يكونا ككفتي الميزان لكي يمكنهما تحقيق ألإنسجام الذي يعتبر مهما من أجل تحقيق العملية التربوية وإلا لأختل التوازن وظهرت الصعوبات والمشاكل .

إنحلال ألأسرة :

تظهر ـ مع ألأسف ـ أحيانا في الحياة ألأسرية بعض الموارد التي تؤدي إلى ظهور الصراعات وألإختلافات والحوادث ألأخرى التي تدفع ألأسرة إلى ألإنحلال ، وتظهر هذه ألأحداث بصورة مختلفة منها ، موت ألأب ، وموت ألأم ، والزواج الثاني ، وتعدد الزوجات دون توفير المقدمات

دور ألأب في التربية 280

لقبول ذلك ، وإنحراف ألأب وإجرامه ، وغيابه ـ أو ألأم ـ الطويل ، والنقص العاطفي عند ألأولاد ، وألإنفصال بين الزوج وزوجته ، والطلاق ، وحدوث الفوضى ألإقتصادية أو عدم ألإنضباط ، وفقدان قدرة السيطرة على ألأولاد وغير ذلك .
ويمكن تحمل هذه المشاكل وألإضطرابات والصبر عليها متى ما كان بمستوى إدراك ألإنسان وفهمه وسنه وقابليته وإستعداده . ولكن ثمة حالات أخرى تصل فيها الحياة إلى مرحلة ألإنفجار إذ تكون سببا في إنحراف أفراد ألأسرة وخاصة ألأولاد.
لذا ينبغي ، إما عدم الزواج مطلقا أو تحديد ألأهداف والمقاصد مسبقا قبل ألإقدام عليه . ولا بد من التدقيق في الموضوع ودراسته بإمعان منذ مرحلة إنتخاب الزوجة وألإمتناع على ألأقل عن عملية ألإنجاب حتى الفترة التي يتم فيها تحقيق التفاهم والتوافق بشأن الحياة المشتركة.

أسباب إنحلال ألأسرة :

ثمة عوامل عديدة تؤدي إلى إنحلال ألأسرة وظهور حالات ألإختلاف والصراع وألإضطراب بين أفرادها .
وسوف نشير بإختصار إلى بعض منها ، علما بأننا قد أشرنا بالتفصيل إلى هذا الموضوع في كتاب (ألأسرة وقضايا الزواج والشباب) وكتاب (نظام ألأسرة في ألإسلام) .
إن أساس جميع ألإختلافات هو عدم إختيار الكفء ، فيحدث التباين في ألإعتقاد وألإيمان ، وألإختلاف في الفكر والوعي والسن وألإدراك والمستوى الطبقي ، وينبغي أن يفكر الزوجان منذ البداية بهذا ألأمر لكي لا يصل أمرهما إلى النزاع وألإختلاف أو يتمكنا على ألأقل من تحجيم المشكلة .
ولا بد أن يتعرف كل من الرجل والمرأة على بعضهما قبل الزواج وأن يطلع كل منهما على أفكار ألآخر وطبيعته ، ويعي خلقه وإيمانه وشخصيته لكي يحذرا تلك النتائج المؤسفة . وبخلاف ذلك فإن المشاكل ستبدأ من

دور ألأب في التربية 281

خلال ذرائع صغيرة وتافهة ، وأوامر ونواه يصدرها أحد الطرفين لسلب حقوق الطرف الثاني وفرض سلطته عليه ، وجعله عبدا مطيعا للطرف الأول وتابعا له .

ألإسلام وموضوع إنحلال ألأسرة :

لم يحرم ألإسلام الطلاق ، لكنه لم يبحه أيضا ، حيث يرى كل إنسان أنه حر في التخلص من أواصر هذه الرابطة المقدسة .
فالطلاق حلال ولكنه أبغض الحلال ولا يباح إلا في الحالات التي تنعدم فيها جميع الطرق وألأساليب ألأخرى . ولا سبيل إلا أللجوء إلى آخر الدواء . وقد جاء عن رسول ألله (ص) قوله : « ما من شيء أبغض إلى ألله من الطلاق ».
وإسلاميا ، فإنه لأمر قبيح أن يلجأ الزوجان إلى الطلاق وألإنفصال بعدأن إرتبطا برابطة الزواج المقدسة ، وأصبحا مستودعا لأسرار بعضهما . وإنهما بهذا العمل سيسحقان بأقدامهما كل ذلك الحب والود وألإخلاص بينهما ، ويكذبان على نفسيهما .
ويمكننا أن ننعت الطلاق بأنه ذنب أخلاقي ، ولهذا السبب لا تجيزه ألأديان ألأخرى .
نعم فألإسلام يسمح بالطلاق متى ما تعرض دين ألإنسان وإعتقاده إلى الخطر ، وأشرفت ألأسرة على إنهيار ، وتعذرت الحياة بسبب الصعوبات والمشاكل التي لا يمكن الصبر عليها ، وفشلت جميع السبل في إعادة المياه إلى مجاريها الطبيعية .

ألأولاد والنزاع :

يحصل الطلاق عادة بسبب النزاع ، وتتعقد ألأمور وتتضخم من خلال المجادلة ، ويعود أساس ذلك إلى عوامل متجذرة ومتأصلة ولكنها خفية من خلال إتخاذ ذرائع واهية في الحياة . وعندما يظهر ألإختلاف لا يعترف الزوجان بحقيقة أسباب هذا ألأختلاف والمشاكل المترتبة عليه .

دور ألأب في التربية 282

إن ألأطفال هم أول الذين سيشعرون بفقدان ألأمن والتضرر وذلك بسبب ظهور النزاع في ألأسرة . إنهم سيشعرون بالقلق لجهلهم بعاقبة هذه الصراعات ، ويتأثرون كثيرا لدى رؤيتهم الشجار الدائر بين الطرفين .
وعندما يسود ألأسرة جو من التشتت فإن ألأجواء الروحية للطفل سيصيبها التشتت أيضا لإحساس الطفل بالخوف وأللاأمن وفقدان الملاذ والملجأ ، والبحث عن طريق للتخلص من هذا القلق .
ويشتد هذا ألإحساس عند الطفل متى ما شاهد أنه أصبح وسيلة لإطفاء غضب الوالدين ، وأنه تعرض للضرب دون أي سبب .

أعراض الطلاق :

للطلاق ثلاث مجموعات من ألأعراض ، فهو يؤثر على الزوجة وعلى الزوج وعلى ألأطفال أيضا . ومن أعراضه المهمة على ألأطفال ، شعورهم بالحيرة ، وألإهمال والعبثية . فيسد أمامهم طريق الخير والصلاح ويغير سلوكهم ، ويدفعهم نحو القلق وألإضطراب وألإنتقام . ويكون الطلاق أحيانا أخرى سببا في شعور الطفل باليأس من والده ، فيبتعد عنه ويعتبره غريبا ولا يقبل به .
ويكون ألإبتعاد عن ألأب عادة من أعقد التجارب في حياة الطفل مما يهدد رغباته وآماله ويدفعه إلى الشعور بالوحدة والفراغ ، ويضطره إلى التمرد وألإنزواء والهيجان .
ويجر ألإنفصال عن ألأب ـ أحيانا ـ الطفل إلى شعور بالغم والحزن والعزاء ، بل وحتى إلى رقوده فوق سرير المرض في أحيان أخرى .
وكلما كان الطفل صغيرا كلما إشتدت نتائج ألإنفصال عن ألأب عليه ، إذ من الممكن أن يفقد حالة ألإنشراح والمرح ، وسوف تشتد هذه ألأعراض على ذلك الطفل الذي ذاق ألآلام ولمسها مسبقا مما ستدفعه للقلق الشديد وألإضطراب الكبير والتأثير سلبا على سلوكه .

دور ألأب في التربية 283


تأثيرات الطلاق على مستقبل الطفل :

للطلاق تأثيرات على حياة الطفل المستقبلية ، وما أكثر المشاكل والعقد التي ستعتري الطفل في المستقبل بسببه مما يؤثر على حاله ويجعله أسوأ من اليتيم .
ومن الممكن أن يصاب الطفل بإضطرابات سلوكية جراء الطلاق . وقد أظهرت التجارب أن ذلك يؤثر سلبا على نموه وتكامله ، ولو كان الطفل ذكرا فإنه من العسير جدا أن ينمي في نفسه صفة الرجولة .
لا يؤثر الطلاق على نفسية الطفل وسلوكه فحسب ، بل يطبع بصماته على شخصيته ومزاجه أيضا ، ويهدد أواصر ألأسرة ويعرضها للخطر .
وثمة مخاطر كبرى في هذا الطريق كاللجوء إلى ألإنحراف وممارسة الجنح والجرائم المختلفة .
وقد كشفت تحقيقات علماء الإجتماع وخبراء الجرائم أن نسبة ألإنحرافات والجرائم هي أعلى بكثير في تلك المناطق التي يكثر فيها الطلاق .
وأن ألأشخاص الذين واجهوا في صغرهم حالات طلاق الوالدين يلجأون عادة إلى ممارسة تلك ألأساليب ولا يمكن الوقوف بوجه هذه ألإنحرافات بسبب إتساع مداها .

الحذر من الطلاق :

إن لسن الطفل في حال إنفصال الوالدين تأثيرا كبيرا على سلوكه وإضطرابه النفسي . وعادة يتألم الطفل بشدة لهذا الموضوع في مراحل حياته ألأولى . ولا بد من توفير بعض المقدمات وتهيئة ألأجواء لهؤلاء ألأطفال .
ينبغي أن يفكر الزوجان بطفلهما ونموه فيما لو أرادا الطلاق أو ترك أحدهما للبيت ، فلا تمارس ألأعمال في الخفاء .
إسمحوا للطفل أن يرى كل شيء ويطلع عليه ولا تلجأوا إلى الطلاق المفاجئ ، وليحاول الزوج والزوجة الصبر على موضوع الطلاق وعدم

دور ألأب في التربية 284

التعجيل به ، وذلك من أجل الطفل ، لكي يكون مستعدا نفسيا لتحمل هذا ألإنفصال والقبول به .
فالطلاق المفاجئ يؤدي إلى إصابة الطفل بألإنبهات والحيرة والكآبة وألأذى الشديد . ويمكن أحيانا أن تظهر عنده إضطرابات معينة فتقضي على معنوياته . فينبغي للآباء ـ على الخصوص ـ أن يكونوا أكثر حذرا فلا يضحوا بأولادهم من أجل راحتهم .

تحديد مصير الطفل :

لا سبيل أمام الزوجين إلا أن يتفقا بشأن طفلهما ، رغم جميع ألإختلافات القائمة بينهما والتي تدفعهما إلى الطلاق .
إذ ينبغي أن يحافظا على حيادهما ويبذلان جهدهما من أجل سلامة الطفل ومصلحته .
وتقتضي المصلحة أن لا يبتعد الطفل عن أمه ولا ينفصل عنها حتى ألإنتهاء من مرحلة الرضاعة لأنه يودها ويحن إليها .
أما لو قرر الزوجان ترك طفلهما عند أشخاص آخرين فليختارا مكانا محددا ومستقرا كي يشعر الطفل بأنهما يفكران بأمره . وأن يكون أولئك ألأشخاص ممن يحبهم ويألفهم ويحترمهم ويأنس بهم .
ولو أردتم الزواج بعد ألإنفصال عن الزوجة ألأولى ، فعليكم أن تفكروا بالطفل قبل أن تفكروا بأنفسكم . إذ أن نقل الطفل من مكان إلى آخر يمثل جرما كبيرا لا يمكن التسامح به . ويؤثر ذلك سلبا على معنوياته ويجعله قلقا وسيء الظن بوالديه . إتركوه عند جدته أو خاله أو عمه أو . . . وأوصوهم به كثيرا .

تحذير بشأن اللقاء :

ليس من ألإنسانية أن يتحول الطفل إلى رهينة بيد ألأب أو ألأم فلا يسمحان له أن يقابل الطرف ألآخر بسبب ألإختلاف والنزاع الموجود بينهما .

دور ألأب في التربية 285

على ألأب أن لا يمنع زوجته بعد ألإنفصال عنها من رؤية طفلها لأن ذلك يؤثر على الطفل قبل أن يؤثر على الزوجة . إذهبوا إلى مقابلة ولدكم وزيارته وإبذلوا جهدكم لكي يشتاق إلى أللقاء القادم . وقد يلجأ الطفل إلى البكاء عندما يراكم ـ خاصة ألأطفال الذين هم دون سن السادسة ـ فعليكم أن تواسوه في هذه الحالة ، وأدخلوا السعادة إلى قلبه فقد ورد عن رسول ألله (ص) قوله : «إذا نظر الوالد إلى ولده فسره فكان للوالد عتق رقبة ».
أظهروا له أنكم تفكرون بأمره ولم تنسوه أبدا ، ومن الطبيعي أن ألأطفال مختلفون في التحمل والقبول بكم ، فكلما زاد سنهم كلما زاد تحملهم .

دور ألأب في التربية 286

الفصل السادس وألأربعون
ألأب والزواج الجديد


الطفل وموت ألأم :

إن من أصعب الحالات التي يمر بها الطفل وأشدها هي عندما تموت أمه ، إذ أن هذا الغم كبير على الطفل الذي ستتأثر روحه بشدة لهذا المصاب . وقد يؤدي هذا الفقدان إلى ظهور إضطرابات عديدة بل وحتى عقلية تختلف بإختلاف ألأطفال .
فالطفل يصبر بصعوبة بالغة على هذا الفراق ، ولو حدث موت ألأم في سن دون السادسة فإنه يؤدي إلى ظهور أعراض معينة كالكآبة وألإنزواء وظهور صفات مضادة للمجتمع في بعض ألأحيان مما يهدد علاقاته ألإجتماعية .
ومن الطبيعي أن يتأثر الأطفال الصغار بسرعة لهذا الحدث كما أنهم ينسجمون بسرعة ـ تقريبا ـ مع الظروف الجديدة ، في حين أن ألأطفال الكبار ليسوا هكذا ، لأنهم يتحملون بصعوبة ألآثار والنتائج المترتبة على موت ألأم ولا يمكنهم أن ينسوا ذلك بسهولة .

دور ألأب :

قلنا إن من الصعب جدا على الطفل أن يتحمل الوحدة بسبب وفاة أمه مما يضاعف ذلك من مسؤولية ألأب . إذ يجب عليه أن يتعلم من ألأم كيف يداري ولده حتى يتمكن من تربيته بعد فقدانها ، وأن يزرع ألأمل عنده في الحياة .

دور ألأب في التربية 287

وفي الحقيقة إنه ينبغي أن يمارس ألأب في ألأيام ألأولى دور ألأبوة وألأمومة معا ، وهذا عمل معقد تقريبا . وقلما نرى آباء قادرين على القيام بهذين الدورين لأن الرجال لا يملكون نفسية ألأم وإنهم يغضبون لأدنى ضوضاء فيقفوا بوجه الولد .
إن السلوك المعقد والرجولي للأب وحتى نوع العزاء الذي يقدمه بعد وفاة زوجته يمكن أن يؤثر سلبا في الطفل فيشعر بالقلق وألإضطراب . وينبغي على ألأب ـ خاصة بعد موت ألأم ـ أن يدخل إلى قلب ولده عبر بوابة الحب والحنان والعاطفة ، وأن يستعين بالصبر أمامه ويستسلم له .

ضرورة الزواج الجديد :

من الضروري لأولئك الرجال الذين توفيت زوجاتهم ، ولديهم أطفال صغار ، توفير مقدمات الزواج الجديد وإرتباطهم بواحدة من القريبات والمعارف خاصة من اللواتي يستأنس بهن الطفل ويودهن ، لكي تعود المياه إلى مجاريها الطبيعية .
ويمكن لهذا ألأمر أن يعد نعمة للأطفال الصغار في حين أنه قد يكون إهانة لغيرهم خاصة ألأحداث والكبار . إذ أنهم سيبدون حساسية وتعصبا إزاء هذا الموضوع ولا يمكنهم تحمل من تحتل مكان أمهم .
ويمكن تقريبا التعويض عن حرمان الولد من عاطفة ألأم في العام ألأول بعد موتها من خلال إختيار خلف لها ، ولكن يجب القول أن موت ألأم يؤثر على الطفل حتى في ألأشهر الثلاثة من عمره . لذا فلا يمكن لكل الجهود المبذولة وألأساليب المستخدمة إلا أن تسد جانبا من هذا الفراغ .
والخلاصة فإن فقدان ألأم والحرمان من حبها وعطفها في السنوات ألأولى من عمر الطفل يؤثر على شخصيته ويغيرها رغم وجود زوجة جديدة للأب تمارس حبها وعطفها . وقد تشتد هذه التأثيرات في السنوات القادمة حتى إنه يصعب القضاء عليها أو التعويض عنها .

الحاجة إلى ألإلفة مع زوجة ألأب :

لا بد من توفير ألأرضية ليتعرف ألأولاد على زوجة ألأب الجديدة

دور ألأب في التربية 288

وألإستئناس بها خاصة بعد أن تدخل البيت بعد موت الزوجة ألأولى . فالطفل لا يقبل بسهولة أن تحتل إمرأة أخرى مكان أمه خاصة في السنة الثالثة .
وكلما كان الطفل صغيرا كلما تسارعت عملية ألإنسجام مع الحالة الجديدة وزوجة ألأب . وتكمن الصعوبة البالغة عندما يكون الطفل في مرحلة النشئ أوالبلوغ .
وينبغي ألإشارة إلى هذه الملاحظة وهي أنه لا يمكن لأية إمرأة أن تحتل موقع ألأم بالنسبة للطفل فتجذبه نحوها . ولكنه يمكن أن تكسب قلبه وتنجح في ذلك إلى درجة كبيرة فيما لو كانت إمرأة صالحة وكفوءة .

العلاقة مع زوجة ألأب :

قلنا أن الطفل الصغير يقبل بسهولة بأمه الجديدة ، تسهل هذه العملية كلما إقترب عمر زوجة ألأب من عمر ألأم .
وينبغي أن يقبل الطفل بهذه ألأم الجديدة بعد العام ألأول من عمره وهذا ما لا يمكن أن يحدث مع أية إمرأة . ومن الطبيعي أنه لا توجد أية مشكلة في أن يألف الطفل إمرأة أخرى ويجلس في أحضانها بحضور أمه . إلا أن الصعوبة تكمن بعد موت ألأم .
إن سلوك زوجة ألأب يدفع الطفل إلى أن يرفضها ويبتعد عنها ولا ينسجم معها مما يكون سببا لأن يعاديها . ومع ألأسف إننا نشاهد كيف أن بعض التصرفات تؤدي إلى إحتقار ألأطفال ألأبرياء وتعذيبهم وتوفير مقدمات عصيانهم وشعورهم بألإضطراب .
فيجب على اللواتي يحتلن موقع ألأم أن يفهمن بأن إجبار الطفل على البكاء لا يخدمهن وليس في صالحهن أبدا . فقد جاء عن الرسول ألأكرم (ص) قوله : «إذا بكى اليتيم إهتز لبكائه عرش الرحمن» فينبغي عليهن أن يدركن بأن ألإشراف على الطفل وتربيته يمثل وظيفة إنسانية وأخلاقية ، وأن يفهمن بأن المواقف القبيحة تؤدي إلى التفريط بحياة الطفل حاليا ومستقبلا .

دور ألأب في التربية 289


العلاقة مع ألأولاد الجدد :

قد تلد هذه الزوجة الجديدة أطفالا ، وهذا أمر طبيعي غير أن الشيء المهم هو المساواة في العناية والعاطفة بل ثمة حاجة ماسة لأن تميل كفة الميزان لصالح الطفل اليتيم .
إنه لخطأ كبير ان يسمح ألأب لزوجته الثانية بمداراة أولادها بينما تتجاهل الطفل اليتيم إبن الزوجة السابقة . ولو أدرك الطفل هذا المعنى ولمس تمييزا في التعامل لنظر إلى زوجة أبيه كألأخطبوط الذي يقف بوجهه مما سيتأثر كثيرا لموت أمه ، ويشعر بفقدانها أكثر من السابق . كما أن السلوك الظالم لزوجة ألأب حيال ألطفل أو تعامل ألأب معه سيدفعه إلى الشقاء وممارسة الجريمة .
وقد دلت الأبحاث التي أجريت على المجرمين أن العديد منهم حرم في صغره من العاطفة ولم يشبع منها ، وإنهم ـ أي المجرمين ـ لجأوا في حياتهم الحالية إلى ألإجرام للتعويض عن ذلك النقص .

في حال تعدد الزوجات :

لا بد من القول أولا إنه ليس من الشهامة قيام الرجال الشهوانيين ـ رغم إكتفائهم بزوجاتهم ـ بالبحث عن متع جديدة وزوجات أخريات فيفرطوا بحياتهم ويبتعدوا عن أسرهم .
فهؤلاء قد نسوا بأن تعدد الزوجات في ألإسلام إنما أريد منه خدمة المرأة وليس التمادي بالشهوات .
وبشكل عام فلا يمكن للأطفال الصبر على هذه الحالة بوجود أمهم إلا أن يكونوا صغارا جدا . وقد لا يكترث من هم في سن 6 ـ 8 سنوات بهذا الموضوع ، ولكن الكبار وخاصة ألأحداث يتخذون موقفا معينا إزاء هذا ألأمر . فلو تم الزواج الجديد في حياة ألأم فإنه يضرها وولدها إلا أن تكون الزوجة الثانية في بيت آخر . ولا بد من الحذر ـ والحال هذه ـ لكي لا يشاهد الطفل المشاكل الحاصلة وألإختلافات والصراخ والعويل .
ويؤكد القرآن الكريم والدين ألإسلامي الحنيف أن على الرجل أن يهتم

دور ألأب في التربية 290

بتحقيق العدالة بين زوجاته وألأطفال لكي لا يؤثر ذلك سلبا على معنوياتهم ـ أي ألأطفال ـ فيلجأوا إلى العناد والحقد . وأن الطفل سيكون بمنأى عن ذلك كله فيما لو كان ألأب عادلا .

تعدد الزوجات والصراعات :

تؤدي الصراعات والنزاعات بين الزيجات إلى ألإضرار بحياة ألإطفال وجميع أفراد ألأسرة ، خاصة عندما يتدخل الزوج ويقف إلى جانب إحداهن دون ألأخريات .
فالطفل بحاجة إلى جو هادئ وآمن بعيد عن المشاكل حتى لا يتعرض أمنه إلى الخطر ولا يتلقى تلك الدروس السيئة التي تؤثر على حياته الحالية والمستقبلية .
إن العديد من مشاكل ألأطفال وحتى الكبار في المجتمعات ترتبط بالمشاكل الموجودة في ألأسرة والصراعات المتفشية فيها .
ولا سبيل أمام الطفل إلا الوقوف إلى جانب أمه متى ما شاهدها في صراع مع زوجة ألأب . وسوف يسيء الظن بوالده ويحمل عنه تصورا قبيحا فيما لو شاهده يقف معارضا لأمه . وتخلق هذه الحالة عقدا عند الطفل وتؤثر على مستقبله .
لذا ينبغي للأب الذي يريد التزوج من زوجة جديدة أن يراعي العدل وألإنصاف فلا يؤدي عمله ، الذي نوى به الخير وألإصلاح ، بالطفل بقية أفراد أسرته إلى ممارسة الشر والفساد .

دور ألأب في التربية 291

الفصل السابع وألأربعون
الطفل وألأب المنحرف


ضرورة نضج ألأب :

يعتبر البلوغ شرطا للزواج ، لكن الكفاءة والنضج هما من شروط ألأبوة . والسبب في ذلك أن ألأب يقوم بعملية بناء شخصية الطفل ومعنوياته وأخلاقه ، وعليه أن يكون سليما لكي ينشأ الطفل سليما ولو كان فاسدا لنشأ الطفل فاسدا أيضا .
ولتحقيق عملية النضج لا بد من معرفة النفس والوظيفة الملقاة على عاتقه وبذل الجهد من أجل تحقيق بناء النفس ، وإكتساب الوعي وألإيمان والتحلي بالصفات ألإنسانية وألأخلاق الجميلة . وينبغي أن يعرف ألإنسان قدر نفسه ومكانته فلا يتجاوز حده . فقد ورد عن الرسول ألأكرم (ص) قوله : «هلك إمرؤ لم يعرف قدره وتعدى طوره».
وقد يكون البعض ضعيفا من الناحية ألإقتصادية فلا يملك مالا كافيا لكنه في مستوى جيد من النضج والخلق ، لذا فإننا نعتقد بأن هذه الصفة تدعم صلاحية ألأب وتؤهله ليكون موفقا في عمله التربوي .

على طريق النضج والبناء :

لا سبيل أمام ألأب وهو يسير في طريق البناء والنضج إلا أن يراقب ميوله ورغباته ويكبح شهواته . فما أكثر الشهوات والمشوقات التي تجر ألإنسان إلى الفضيحة والفساد . فقد جاء عن ألإمام الصادق (ع) قوله : «لا تدع النفس وهواها ، فإن هواها رداها ». كما ورد عنه (ع) أيضا : «إحذروا

دور ألأب في التربية 292

أهواءكم كما تحذرون أعداءككم ، فليس شيء أعدى للرجال من أتباع أهوائهم وحصائد ألسنتهم ».
فليس صحيحا أن يستصغر ألأب شأنه ويحتقر نفسه من خلال إرتكابه للذنوب ، إذ أن التصرفات القبيحة للأطفال وقبولهم للعقائد المنحرفة وإلتزامهم بالعادات والتقاليد السيئة وتخلقهم بألأخلاق الفاسدة إنما تنشأ بأجمعها من الجهل والغفلة . وستكون سببا للتفريط بألأطفال وبأفراد ألأسرة . وهذا يعتبر بذاته من الذنوب الكبيرة للإنسان ، فقد جاء عن ألإمام الصادق (ع) قوله : «كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعوله».
ويا حبذا لو يستغل ألأب وقته في بناء طفله وتنميته بدلا من صرفه في أهوائه وشهواته . إذ أن من وظائفه ومن حق ولده أيضا أن يحدد له وقتا ، ويمكنه من خلال هذا بناء طفله وهدايته إلى الطريق المستقيم .

الطفل وألأب المنحرف :

إنه لعمل قبيح أن يلجأ ألأب إلى الفساد وألإدمان بدلا من البناء وتنمية ألأخلاق . فنراه ـ والحال هذه ـ يوفر ألأجواء لفساد أولاده وإنحرافهم . فألأب هو القدوة لطفله ويؤثر شرفه أو إنحرافه في شخصية ألأولاد ويطبع بذلك حياتهم الحالية والمستقبلية .
إن مفاسد ألأب ولجوءه إلى لعب القمار وشرب الخمر وغيرها من الممارسات المنحرفة لا تؤثر على النطفة فحسب ، بل إن لها تأثيرات محيطية في أغلب ألأحيان ، لأنها تلقن ألأولاد دروسا سيئة . وإن ألإستمرار بهذه المفاسد يقضي على الحب والصفات ألإيجابية عند ألأشخاص ويولد الكدر والضجر بدلا عن ذلك .
ويعتبر مثل هذا ألأب مجرما ، وأن مواصلته للفساد تعادل إثم عبادة ألأوثان ، وخاصة شرب الخمر الذي يقضي على المروءة ويجرئ الشخص على ممارسة الفساد مع المحارم إضافة إلى أضراره الجسمية والعقلية ألأخرى . فقد ورد عن ألإمام الباقر (ع) قوله : «إن مدمن الخمر كعابد وثن ، يورثه ألإرتعاش ، ويهدم مروءته ، ويحمله التجسر على المحارم من سفك الدماء وركوب الزنا ».

دور ألأب في التربية 293

فالإدمان يؤدي إلى إصابة الطفل بالمرض وألإنحراف ، ويؤثر سلبا على خلق ألأب وتصرفاته ، وبالنتيجة على أولاده فينشأوا فاسدين ومنحرفين . وهذه من أعقد المشاكل التي تواجه الطفل وتربيته .

الطفل وألأب المجرم :

إنها لمشكلة كبيرة وخطيرة أن يلجأ ألأب إلى ممارسة ألإجرام فيقف خلف قضبان السجن بسبب ذلك .
ماذا سيدور في خلد الطفل عندما يشاهد والده المسجون خاصة عندما يذهب لمقابلته في السجن ؟ وما هي ألأسئلة وألإستفسارات التي ستثار في ذهنه ، وألأجوبة التي سيحصل عليها من أبيه أو أمه أو ألآخرين ؟
ألا يعتبر هذا الطفل يتيما ؟ ألا يبرز عنده شعور بالذلة والحقارة ؟ وهل سيتمكن من رفع رأسه امام ألآخرين ؟
إنه سيشاهد والده مسجونا ومستحقرا ، فمن الطبيعي أن يتولد عنده شعور بالفشل وألألم .
إن ألأب السجين يقدم درسا سيئا لولده الصغير الذي ستجرح مشاعره حتما ، أما لو كان كبيرا فإنه سيشعر بالحقارة أو سيكون صورة طبق ألأصل لهذا ألأب .

ألإنحراف في البيت :

تقع على ألآباء وظيفة بذل الجهد والسعي من أجل تحقيق نزاهة ألأسرة والمحافظة على قدسيتها . وينبغي أن يخلق ألأب عند طفله في محيطه التربوي شعورا بالفخر وألإعتزاز وأن يوصله في الوقت نفسه إلى أعلى درجة من النمو والكمال .
إنه لتصرف قبيح للغاية أن يدفع ألأب هذا البناء المقدس إلى الفساد والرذيلة ويكون سببا لإنحراف الجيل وتلقيه دروسا سيئة .
فألأب الذي يفسح المجال لإرتكاب الذنوب في البيت أو يتسلى

السابق السابق الفهرس التالي التالي