دور ألأب في التربية 294

بالغيبة والنميمة وألإستهزاء بألآخرين ، إنما يلقن أطفاله دروسا سيئة فيكون مثالا للأب الفاسد لأولاده .
كما أن الشيء نفسه يقال عن ذلك ألأب الذي يتصف بالغضب والعداء أو ينطق بكلمات غير موزونة وعبارات الفحش والسب والشتم فنراه بعمله هذا يخلق محيطا سيئا لتربية أولاده . وينطبق ألأمر كذلك على ألأب الذي يدعو أناسا فاسدين ومنحرفين إلى بيته وينصب لهم موائد الخمر والقمار واللهو واللعب .

ألأنحراف خارج البيت :

يصاب بعض ألآباء بإنحراف خارج البيت ، فنراهم مثلا يقضون أوقاتهم حتى ساعات متأخرة من الليل في أماكن الفساد وبيوت أشخاص منحرفين ثم يعودون بعد ذلك إلى البيت فيثيرون ضجة وصراخا ويخلقون حالة من الرعب وألإضطراب داخل البيت .
ماذا ينتظر هذا ألأب من طفله وهو يعود متأخرا إلى البيت ؟ ألا يقدم مثل هذا ألأب المدمن درسا عمليا في ألإنحراف لأولاده فيشجعهم على ممارسة الجريمة وأن يكونوا مواطنين عدوانيين في مجتمعهم ؟
لذا ينبغي أن يترك ألآباء مجالس اللهو واللعب ، وذلك من أجل أولادهم ولكي يكونوا إلى جانبهم . ويجب عليهم أن يشعروا بمسؤوليتهم إزاء أطفالهم ، وأن يؤدوا حق هذه الوديعة ألإلهية ويوصلوها بسلام إلى شاطئ ألأمان . فأي إنحراف للأب يعتبر نوعا من التضييع والتفريط بهذه ألأمانة ألإلهية .

تأثيرات ألإنحراف على الطفل :

عندما يكون ألأب منحرفا فإنه يمهد ألأجواء لظهور أخلاق متذبذبة وغير مستقرة عند الطفل ولجوئه إلى الغضب وإلتزامه بسلوك سيء . وإن المتضرر ألأول هم ألأولاد الذين سيكونون ضحايا هذا ألإضطراب بسبب فقدهم للملاذ والملجأ ولا يملكون أي طريق لإنقاذ أنفسهم .
نرى من الضروري أن نشير هنا إلى هذه الملاحظة ، وهي أن أغلب

دور ألأب في التربية 295

العوائل وألأسر تبذل جهدها وسعيها من أجل تربية أولادها ولكن رغم ذلك فإن بعض ألأولاد ينشأون منحرفين . فلو كان ألأمر هكذا فكيف سيكون حال تلك ألأسر التي لا تبذل أي جهد في هذا المجال بل على العكس من ذلك نراها تبذل جهودا معاكسة ومخالفة .
فالطفل الذي يشاهد تحلل والده وعدم إلتزامه سيقترف الذنب ويفرط بنموه وتكامله . علما أن أغلب أسباب ألإنحراف في ألأطفال تعود إلى أسرهم الفاسدة وآبائهم المنحرفين ، لأن ألآباء المنحرفين يفتقدون إلى ألإتزان في الفكر والسلوك ولا يمكنهم ـ والحال هذه ـ أن يكونوا قدوة صالحة لأولادهم .
وثمة مخاطر عديدة تهدد حياتهم الخاصة وحياة أولادهم أيضا .

لو كانت ألأم ملتزمة :

كشفت التجارب العملية أنه ثمة أمل فيما لو كانت ألأم ملتزمة ، وذلك رغم إنحراف ألأب وفساده . فألأمهات الشريفات والعفيفات والملتزمات يمكنهن أن يساعدن أولادهن فيرسمن طريقا سليما يؤدي بهم إلى حياة سعيدة وشريفة .
فما أكثر ألأطفال الذين إبتلوا بآباء منحرفين لكنهم تمكنوا من مواصلة نموهم وتكاملهم بسبب إمتلاكهم لأمهات ذكيات وملتزمات ومحترمات .
إننا نعتقد بأن الطفل الذي يملك أما لا يعتبر يتيما ، وأنه سوف لا يلجأ إلى ألإنحراف والفساد بفضل مراقبتها وتربيتها (وهذا أمر نسبي بالطبع) وذلك رغم إنحراف ألأب وفساده .
لذا ينبغي أن يتحلى ألأب المنحرف بالحد ألأدنى من ألإنسانية وألأخلاق وأن يفسح المجال لزوجته لتمارس دورها في تربية ألأولاد . أو أن لا يضطرها إلى ألإنحراف أيضا لأنه امل الطفل وملاذه ألأخير وإلا لكان الدمار الشامل هو النهاية الحتمية للأسرة .

دور ألأب في التربية 296




دور ألأب في التربية 297

الباب الثالث عشر

الطفل وإنفصاله عن ألأب

يجب أن يتواجد ألأب في بيته بما يكفي لأن يمارس تربية طفله بشكل صحيح . ونشاهد في بعض ألأحيان ـ مع ألأسف ـ غياب ألأب عن طفله فتؤدي هذه الغيبة إلى تقليل نفوذه . وإن الغياب الطويل يحرم الطفل من تربية والده .
ويمكن ـ أحيانا ـ للآباء أن يتواجدوا في البيت ولكنهم لا يمارسون دورهم ووظيفتهم . فنراهم يتركون الطفل وشأنه أو يسلمون زمام أمره للآخرين كألأم مثلا . ولا يمكن للطفل ـ والحال هذه ـ أن ينتفع بتربية والده ليكون إنسانا صالحا وكفوءا ، مما ستكون عاقبته التحلل واللاأبالية والعمل بما يهوى ويشاء .
وأخيرا فإن لموت ألأب في بعض ألأحيان تأثيرات حياتية وذهنية ونفسية وعاطفية وسلوكية وغيرها من ألأعراض على الطفل وسوف نشير إليها في هذا الباب أيضا .
وبشكل عام فإن إنفصال الولد عن والده وإبتعاده عن تربيته له أعراض وتأثيرات عديدة سوف نبحثها في هذا الباب مع ألإختصار .

دور ألأب في التربية 298




دور ألأب في التربية 299

الفصل الثامن ألأربعون
غياب ألأب


ضرورة حضور ألأب في ألأسرة :

تحدثنا في فصول سابقة وقلنا بأن تقويم ألأسرة وإنسجامها يقوم على ركنين أساسيين هما تواجد ألأب وألأم وحضورهما في محيط ألأسرة لأنهما يمثلان كفتي الميزان فلا يمكن تحقيق التوازن إلا بهما .
ولو إنعدم التوازن في محيط ألأسرة لأثر ذلك سلبا على تربية الطفل ونشأته . لذا لا بد من تواجدهما معا في البيت .
إن للأم حضورا دائما في البيت وينبغي أن يشعر الطفل بأن ألأب يمكنه الحضور متى يشاء أو أنه موجود في البيت بشكل فعلي في الصباح أو المساء أو بعد الظهر ، ويقوم بالمراقبة المطلوبة وينفذ القوانين والضوابط .
فمن الخطأ أن يفكر ألأب بأن ألأم تتمكن لوحدها من ألإشراف على ألأولاد ورعايتهم بسبب تواجدها في البيت وحضورها الدائم فيها ، ولا توجد أية ضرورة لحضوره شخصيا .
إن وظيفة ألأم تختلف عن وظيفة ألأب ، وإن حضوره أو غيابه مؤثران حتما . ويسعى ألآباء الملتزمون للحضور في البيت والتواجد فيه رغم تأثير ذلك على عملهم والتقليل من أرباحهم ، وذلك من أجل توفير أكبر إهتمام بألأولاد وتربيتهم وبناء أخلاقهم وعقائدهم .

دور ألأب في التربية 300


تأثيرات الحضور :

ثمة تأثيرات عديدة لحضور ألأب وعدم غيابه عن البيت . ولكي نلم بها لا بد أن نعلم كيف ينظر الطفل إلى والده . إنه يعتبره مسؤولا عن البيت وتحقيق ألأمن والنظم فيه ومنفذا للقانون وهو الذي يقوم بتوفير ألأمور المعيشية .
فألأب يمثل سر بقاء ألأسرة والنور الذي تهتدي به ، ولولاه لعمت الظلمات كل أرجاء البيت .
كما أن حضوره بين أعضاء أسرته يعتبر عاملا لتكاملها وسببا لدوران عجلة ألإقتصاد وفق نظام معين . وبحضوره تتوزع الوظائف والمسؤوليات ، ويقوم كل فرد بأداء واجباته . ولا يحق لأي شخص أن يتجاوز الحدود المرسومة له ، بل يسير الجميع ضمن ألإطار المخصص لهم .
وألأب هو الرفيق لأطفاله والذي يشاركهم في لعبهم فيستأنسون به . ويغتنم الطفل فرصة تواجد ألأب فيشعر بالفخر وألإعتزاز إلى جانبه ، ويبتسم له عندما يتحدث ويكتسب منه ألأعراف والتقاليد ويتعلم منه نمط العيش في الحياة بفضل تعامله مع زوجته . وتتقوم شخصية الطفل بسبب حضور ألأب وتزول جميع إضطراباته السلوكية . ويسلك الطفل الطريق المستقيم في الحياة من خلال توجيهات ألأب ، ويبني نفسه ويتكامل ، ويشعر بألأمن وألأمل في الحياة .
يقول أحد خبراء الجرائم أن حضور ألأب في أسرته يعتبر من أفضل عوامل الوقاية من ألإنحرافات ، ويذكر بأنه ينبغي جمع ألآباء من الشوارع والمراكز العامة وإعادتهم إلى منازلهم وذلك من أجل منع إنحرافات ألأحداث وفسادهم .

ألأب وإجتماع ألأسرة :

يؤدي حضور ألأب إلى إجتماع ألأسرة وطرحها لمواضيع تخص شؤونها المختلفة . فمثلا تقع على ألأب مسؤولية تقديم دروس مباشرة أو

دور ألأب في التربية 301

غير مباشرة في العقيدة وألأخلاق إلى أولاده ، ويجب أن يتم هذا ضمن محيط البيت بحيث يختلف عن برنامج المدرسة .
ينبغي أن يجمع ألأب أولاده حوله في ساعة معينة فيطرح عليهم المواضيع ألأخلاقية ويعظهم ويعلمهم قضايا الدين والحياة .
عليه أن يجتمع بهم ، ويتحدث إليهم ليألفونه ويتعلمون منه . كما ينبغي أن يفسح لهم الطريق من أجل المشاركة في شؤون ألأسرة وإتخاذ القرارات . فمثلا عليه أن يطالبهم برأيهم في تلك ألأمور التي يتمكنون منها كتنظيم برامج لأوقات فراغهم والتجول والسفر ، وشراء بعض ألأطعمة والفواكه في الفصول المختلفة ، وإيجاد تغييرات في ديكور البيت وغرفه وغير ذلك من ألأمور ألأخرى . وبشكل عام نقول إنه لا بأس من إستشارتهم لأنها مفيدة ونافعة .

الطفل في غياب ألأب :

ثمة آباء ـ مع ألأسف ـ لا يهتمون بموضوع الحضور المنظم في ألأسرة فيمهدون ألأجواء بعدم إهتمامهم هذا لإصابة ألأولاد وباقي أفراد ألأسرة بألإضطراب خلال فترة غيابهم . ولا يملك الطفل وضعا جيدا إزاء غياب ألأب ، فيشعر بأنه فقد سلوته ومستودع أسراره وحرم من الجليس وألأنيس .
وقد يكون قاسيا جدا على الطفل أن يتحمل غياب ألأب في البداية ، لكنه سرعان ما يعتاد على هذا الوضع الجديد ، وعندها سيفقد ألأب قابلية التأثير على الولد والنفوذ إليه ، وسوف يعمل الولد بما يرتأيه حتى أنه لا يكترث أحيانا بأمه ونفوذها .
ويمكن للطفل أن يكتسب من غياب ألأب تلك الدروس السيئة والمؤلمة . إذ سيحاول أن يكون حرا طليقا دون أية قيود ، ويلجأ إلى ممارسات لا يتوقعها الوالدان أبدا مما سيكون لهذا السلوك نتائج سيئة على ألأسرة والمجتمع .
كما أن ألأب الذي يترك أسرته بإنتظاره حتى منتصف الليل إنما يقدم درسا سيئا لطفله ، وسوف يوجهه بشكل لاشعوري نحو ألإباحية والتحلل من كل قيد .

دور ألأب في التربية 302

صحيح أن الطفل بحاجة إلى حبكم وعطفكم ، وأنه سيفرح كثيرا فيما لو إشتريتم له حاجة معينة لكنه بحاجة ماسة إلى حضوركم في البيت ووقوفكم إلى جانبه حتى يتحدث معكم ويناقشكم ويتعلم منكم ، وإن غيابكم من أكبر المصائب التي تواجهه ، فالطفل لا يصبر على هذا الحرمان إلا بصعوبة بالغة ، ولو أنه أفتقد حضوركم المنظم في البيت لأدى به ذلك ـ في بعض ألأحيان ـ إلى ألإستهانة بقدسية ألأسرة والهروب من البيت .

الغياب وتقليل النفوذ :

قلنا أن غياب ألأب عن اسرته يقلل من نفوذه مما يخلق شعوراعند ألأولاد بأنه لا داعي للإلتزام بقوانين ألأسرة أو إطاعة ألأوامر والنواهي . إذ ستنخفض تأثيرات ألأب ألأخلاقية على الطفل ، ويتعرض بناؤه ألأخلاقي وألإجتماعي إلى صدمة .
ولو كان ألأب في غياب دائم عن البيت لغفل عن مراقبة أولاده ولما تمكن من تربيتهم تلك التربية الصحيحة بسبب إنخفاض مستوى نفوذه . وسوف يلجأ الطفل ـ والحال هذه ـ إلى التحلل من الضوابط ألأخلاقية ويشتد ميله إلى نظرائه في السن فينعدم ألإتزان في عملية البناء .
توجد حالات أخرى نرى فيها ألآباء لا يحضرون بشكل كاف ومطلوب في البيت بسبب مشاغل الحياة والمشاكل التي تواجههم ، فيكون السقوط هو مصير أبنائهم بل وحتى بناتهم .

أسباب الغياب :

ثمة أسباب عديدة لغياب بعض ألآباء عن البيت وسوف نشير فيما يلي إلى أهمها وهي :
1 ـ كثرة المشاغل واللهو ، بل وحتى تقديم خدمات واسعة للناس فتكون النتيجة غفلة عن الحياة ألأسرية وألأولاد .
2 ـ عدم الرغبة في الحياة الزوجية بسبب ألإختلاف مع الزوجة وظهور مشاكل عديدة في هذا ألإطار .

دور ألأب في التربية 303

3 ـ التسامح بشأن ألأولاد وعدم إدراك النتائج لهذا التساهل .
4 ـ معاشرة أهل السوء وألإستئناس بهم والمشاركة في محافلهم .
5 ـ ألإنشغال بأمور المطالعة والدراسة والبحوث . حيث يمكن لهذه ألأمور أحيانا أن تورط ألأسرة في مشاكل أخرى .
6 ـ نوع العمل الذي يمارسه ألأب فيكون مضطرا أحيانا لقضاء بعض الوقت في مدينة أخرى أو العيش فيها أو تركه بإستمرار لبلدته بسبب مهمات وظيفية وإدارية .
7 ـ وأخيرا فإن من أسباب غياب ألأب هي ألاأبالية والتي تكشف عن ضيق أفقه وتفكيره .
ومهما يكن من أمر فإن غياب ألأب يمهد ألأجواء لظهور مشاكل وإضطرابات عديدة ، وفقدان السيطرة على زمام أمور ألأطفال مما سيدفعهم نحو مستقبل مجهول .

أعراض الغياب الطويل :

لو كان الغياب قصيرا فإن له أعراضا محدودة ، أما لو تكرر الغياب أو كان لفترة طويلة فإن له نتائج سلبية مضاعفة .
ولا فرق في بعض ألأحيان بين الغياب الطويل للأب وموته لأنهما يؤديان في النهاية إلى نتيجة واحدة وهي إنحلال ألأسرة وتبعثرها .
ومهما كانت أسباب الغياب الطويل إلا أنها ستدفع الطفل إلى الشعور بالحرمان من دعم ألأب ورعايته ، وأن يكون في النهاية قاسيا وفوضويا وفاقدا للأدب .
ومن نتائج الغياب الطويل أيضا لجوء الطفل إلى ممارسة السرقة والتشرد والبحث عن ألأصدقاء والقيام بجنح وإنحرافات مختلفة . ويؤثر غياب ألأب على خلق الطفل ودراسته وسلوكه وإنه مقدمة للقضاء على ألأجيال .
كما إنه السبب في ظهور بعض المشاكل السلوكية وإمتناع الطفل عن القيام بممارسات شريفة . ويتوقف عن محاكاة والده ويبحث عن قدرات أخرى وأشخاص آخرين يسببون له المتاعب أحيانا .

دور ألأب في التربية 304

ذكر أحد المفكرين أن غياب ألأب عن أولاده يشبه غياب الزوج عن زوجته مما يؤثر في العاطفة والنفسية . وقد كشفت التجارب أن هؤلاء ألأطفال قلما يشعرون بألإتزان النفسي ، وتخفت في ألأبناء صفات الرجولة وفي البنات صفات الأنوثة بل ويتظاهرون بالقوة والعنف في حين أنهم جبناء .
ويخرج الطفل أحيانا عن حالة ألإعتدال بسبب غياب الأب فنراه يناديه في منامه أو يصاب بالخوف وألإضطراب دون مبرر أو يتعلق بأمه تعلقا شديدا . ويحاكي النساء في سلوكهن رغم أنه من الذكور .
ويرتبط كل هذا بسن الطفل ومستوى ذكائه وإلتزامه الخلقي .

ضرورة الحل :

لو لم يتمكن ألأب من متابعة شؤون أولاده وكان في غياب دائم تقريبا لتوجب عليه أن يكون جذابا في تلك ألأوقات التي يتواجد فيها في بيته ، وخاصة عندما يعود من سفره مثلا حتى يعوض عن النقص والحرمان .
خصصوا الفترات القصيرة من تواجدكم في البيت لأطفالكم وإتركوا كل شيء حتى قراءة الصحف .
ينبغي أن يبذل ألأب ، الذي يعود لبيته بعد سفر وغياب طويل ، جهده وسعيه كي ينسى الطفل فترة الغياب ويستثمر حضور والده .
كما يجب على ألأب أن يواسي طفله ويؤمله في الحياة ، فيما لو إشتكى من حياته السابقة أو من مشكلة واجهته ، وأن يصبره على المشاكل ويزيل عنه القلق وألإضطراب ويجعله مستأنسا به ويشبعه حبا وعطفا .
وحري بألأب المضطر لغياب طويل عن البيت أن يدعم مكانة ألأم ويقوي موقعها ويحث ألأطفال على طاعتها ، وذلك للتقليل من أعراض الغيبة ، أو أن يساهم في حل المشكلة التي قد تتعرض لها ألأم ويلزم ولده بإطاعة أوامرها وألإنتهاء عن نواهيها .

دور ألأب في التربية 305

الفصل التاسع وألأربعون
ألأب وعدم الشعور بالمسؤولية


إدارة ألأب :

قلنا في مواضيع سابقة أن ألأب هو المسؤول عن تحقيق النظم في ألأسرة ، وإن هذه المسؤولية هي من واجبه ومن حق الطفل أيضا .
وتقع عليه وظيفة هداية ألأولاد وإرشادهم وتأمين موجبات نموهم في جميع الجوانب مما يحتاج إلى إهتمام واسع وحذر كبير .
إن نجابة ألأب مهمة وضرورية في نفس الوقت ولكن بشرط أن يكون لينا ومتسامحا لا إلى الدرجة التي يستغلها الطفل ، أي إنه ينبغي أن يكون ألأب جادا مع ولده ، إضافة إلى علاقته الوثيقة والحميمة معه . لكن هذا الكلام لا يعني أن يكون عبوسا دائما وغاضبا فيمارس سكوته وعنجهيته في البيت .
فالتربية تكون مؤثرة ونافذة متى ما إستخدمت القوة إلى جانب اللين في المواقع المناسبة . وإن مَثَل ألأب كالطبيب الجراح الذي يستخدم مبضعه ولكنه يداوي الجرح أيضا ويضع عليه الدواء ليشفى . فنرى ألأب يعاقب طفله ولكنه يعطف عليه ويحبه في الوقت نفسه ، وهذا من ضروريات التربية في ألأسرة .
إننا لا نشاهد مثل هذا التعامل في المجتمع او قلما نشاهده في المدرسة ، لأن أساس تعامل الناس معنا يقوم على قاعدة ألأخذ والعطاء ، فلا يوجد مجال للعاطفة والمداراة لذا سيبقى الناس ناسا وألأب أبا .

دور ألأب في التربية 306


ترك ألأب لمسؤوليته :

يحصل أحيانا أن بعض ألآباء يفرطون في وظيفتهم ألأصلية وألأساسية ألا وهي ترية ألأولاد وتوجيههم فيتركون عملية ألإشراف على الطفل . ويبدو للمراقب أنهم لا يمارسون أي دور يذكر مع أولادهم ، فلا يأمرونهم مثلا ولا ينهونهم ولا يهتمون بهم ، ويمكننا أن نصفهم بأنهم لا يشعرون بمسؤوليتهم .
إنهم في وضع فقدوا فيه سلطتهم فأصبح الطفل لا توجد أي قوة تقف في وجهه ، وطبيعي أن يعمل ما يشاء .
أو قد يصدر ألآباء تعليماتهم وأوامرهم في أنهم لا يطالبون ألأولاد بتنفيذها وألإلتزام بها فيرى الطفل نفسه في حل منها . أو نراهم يصدرون القرارات لكنهم يعتبرون أنفسهم غير مسؤولين عن متابعة تطبيقها .
ويلجأ هؤلاء ألآباء إلى قضاء معظم أوقاتهم خارج البيت أو أنهم لا يكترثون بأي شيء ولا يبالون بما يحدث فيما لو تواجدوا في البيت . فمثلا لا يهمهم سواء كان الطفل متطاولا أو ملتزما ، محسنا أم مسيئا .

مظاهر عدم الشعور بالمسؤولية :

ثمة مظاهر عديدة لعدم شعور ألآباء بمسؤوليتهم التربوية ، منها إنعدام أي دور لهم في ألأسرة حيث إنهم يأكلون وينامون ولا يهمهم أي شيء ، ولا يفكرون إلا بأنفسهم ، فهم قدوة في الخمول والكسل ، وأنهم كالنساء في إظهار حبهم وعطفهم لأولادهم ، وإن أوامرهم ونواهيهم غير نافعة .
ويمتاز هؤلاء ألآباء بالتلون في أخلاقهم ، إذ لهم في كل ساعة قرار وعمل معين ، فنراهم يصفعون الطفل أحيانا لإرتكابه خطأ معينا ولا يبالون في أحيان أخرى لإرتكابه نفس الخطأ بل يتعاملون معه برفق وحنان فينسى الطفل نفسه والوظائف الملقاة على عاتقه .
ويمتاز هؤلاء أيضا بضعف المزاج ورقة الحال . فنراهم يخسرون أنفسهم في أول فشل يواجهونه ، ويلجأون أحيانا إلى البكاء وندب الحظ . حيث لا يهمهم أن تظهر نقاط ضعفهم أمام أولادهم ، ويتوسلون بالكذب والحيلة لإنقاذ أنفسهم فيما لو تعرضوا لأدنى مشكلة .

دور ألأب في التربية 307

وعندما يعودوا من العمل ، نراهم يجلسون في زاوية من البيت للإستراحة ولا يملكون أية أوامر ونواه أو أنها غير نافذة ولا تؤثر في ألأولاد فهم حاضرون في البيت ظاهريا لكنهم غائبون عنه عمليا لعدم إهتمامهم بأولادهم كما هو مطلوب .
ويمكننا أن نصف ألأب الذي يشاهد ولده أنه يُشغل نفسه بقراءة الجريدة أو الكتاب بأنه لا يشعر بمسؤوليته . فألأب الذي لا يهتم إلا بطعامه فيما لو حانت ساعة تناول الطعام ولا يكلم ولده ولا يتحدث معه فإنه تارك لمسؤوليته ووظيفته . وينطبق هذا الكلام أيضا على ذلك ألأب الذي لا ينبس ببنت شفة رغم مشاهدته لولده ، وهو يتصرف بسلوك لا يليق أو يتحدث بكلام بعيد عن ألأدب .

أسباب ترك ألأب لمسؤوليته :

توجد علل عديدة لعدم شعور بعض ألآباء بمسؤوليتهم وتركهم إياها إلا أننا سنشير فيما يلي إلى بعض منها :
1 ـ الضعف النفسي الذي لا يسمح بإتخاذ القرارات فيكون سببا في تفكير ألأب براحته فقط .
2 ـ ألإدمان على المخدرات . حيث يقضي هذا ألإدمان على ألإرادة ، ويدفع ألإنسان نحو الموبقات .
3 ـ الشعور بفقدان الحرية في جانب المسؤولية الذاتية .
4 ـ الشعور بعقدة الذنب لأنه أصبح أبا ، ويرى أن مسؤوليته تافهة ولا داعي لها .
5 ـ ألإصابة بمرض السيكوباتي (إضطراب العقل ) ، إو بحالة من ألاأبالية إزاء شؤون أسرة ، أو بمرض الكآبة .
6 ـ ممارسة أعمال شاقة ومعقدة والشعور بالتعب الشديد إزاء ذلك فيفقد ألأب طاقته وصبره .
7 ـ ألإفراط في الترحم على الطفل فيكون سببا في إمتناع ألأب عن إصدر أية أوامر ونواه .

دور ألأب في التربية 308

8 ـ السيطرةالكبيرة للأم فلا يبقى للأب أي دور يذكر .
9 ـ ثمة عوامل أخرى مثل عدم قبول الطفل ورفضه ، والتكبر وسوء الظن ، والضعف في ألإرادة ، والقصور ، والسذاجة ، وتقديم الوعود الكاذبة ، والفوضى وغير ذلك .

تأثيرات هذه الحالة على الطفل :

يترك ألآباء تأثيرات عديدة على أولادهم بسبب عدم شعورهم بالمسؤولية وتركهم لوظيفتهم في الهداية والتربية .
ومن هذه ألأعراض أن ألأولاد سيصبحون متحللين دون أية قيود ، فيعملون ما يشاؤون . ولا يخدم ذلك الطفل أبدا . وإن مثل هؤلاء ألآباء يفرطون بمستقبل أولادهم ويقومون بدور ألأم الثانية لهم .
صحيح أن الطفل بحاجة إلى العاطفة لكنه يحتاج إلى ألإنضباط أيضا . ولو قصر الوالدان في ذلك لأضطرهم الطفل إلى ألإستسلام إليه ، فيضيقوا به ذرعا بسبب عناده وتمرده .
كما أن فقدان ألأب لإقتداره يعتبر من أهم عوامل إنحراف الطفل خاصة فيما لو كانت ألأوضاع متأزمة داخل ألأسرة أو المجتمع لأنها تعتبر من العوامل المساعدة في هذا المجال .
ويرى الطفل بأنه حر في تحقيق ميوله ورغباته وأداء ممارسات تؤدي إلى الحرمان وألإذلال وإيجاد مشاكل عديدة أخرى .

مخاطر ألآباء الضعاف :

ينبغي أن لا يترك ألأب مسؤوليته أبدا بل ولا يكون ضعيفا . وأن ألآثار السلبية للآباء الضعاف هي أكثر بمرات من ألآثار السلبية للأمهات الضعيفات لإحتمال أن يصبح الطفل لا أباليا .
إن خطر ألأم الضعيفة لا يمثل شيئا ، خاصة وإنها مسؤولة عن تقديم الحب والحنان لطفلها ، وإن هذه الصفات قلما تأثر عليه سلبا .

دور ألأب في التربية 309

في حين أن ضعف ألأب يهدد إنضباط الطفل فلا يمكنه مواصلة حياته دون مراقبة وإهتمام .
وقد يفاجأ ألأب الضعيف ذات يوم عندما يشاهد أنه لا يملك شيئا من زمام ولده ، فيفرض الولد سلطته عليه دون أية معاناة ويمنع والده من طي طريق النمو والكمال . ولا يتمكن ألأب ـ والحال هذه ـ أن ينفذ إلى ولده .
تظهر عند هؤلاء ألأطفال بعض نقاط الضعف في التربية وألأخلاق فمثلا لا يمتازون بإتزان في العاطفة بل يصبحوا أشرارا وجناة وعصاة إضافة إلى تكبرهم وضعفهم في تحقيق البرامج ألإنضباطية وخضوعهم لتوجهات ألآخرين ورفضهم للأوامر والنواهي وألإستهانة بها .

ضرورة حضور ألأب وحسمه :

لذا ينبغي أن يتمرن ألآباء على ممارسة ألإقتدار والحسم ، وأن يوثقوا علاقة الحب وألإلفة مع الطفل منذ ألأشهر ألأولى من ولادته ، ويلقنوا أنفسهم ضرورة قبول مسؤولية التربية وأدائها بأفضل وجه .
إننا لا نستهدف أن يقوم ألأب بإصدار ألأوامر والنواهي لطفله الصغير فيكون قاسيا معه . بل نريد أن نؤكد على ضرورة قيام ألأب بإستخدام قاطعيته وحسمه متى ما دعت الحاجة لذلك ، وأن يعمل بوظيفته لا أن يتهرب منها . فليس صحيحا أن يخضع ألأب لمشاعره ويتأثر بعواطفه .
كما أن من الخطأ أن يتناول ألأب طعامه بمفرده ، ويعيش وحده ، وينام بعيدا عن ألآخرين ، ويطالب أولاده بالسكوت ، ويتجول لوحده ، ولا يطالب أولاده بأداء مسؤولياتهم وذلك من أجل راحته . ينبغي عليه أن يعاشر أولاده ويتحدث معهم ويكلفهم بأداء بعض المهام والمسؤوليات .

مسؤولية ألأم :

تقع في هذه الحالة ـ أي عندما يترك ألآباء وظائفهم ـ مسؤولية مضاعفة على ألأمهات . ينبغي بهن ألإهتمام بتربية أولادهن ، ويجب عليهن في الواقع قيامهن بوظيفة ألأب وألأم معا .

دور ألأب في التربية 310

حري بألأم أن تتصرف بطريقة يحسب لها الولد حسابا ، وأن يكون ألأب عاقلا فيلجأ إلى دعم ألأم لتحقيق ألإنضباط ، ويطالب أولاده بإطاعتها وألإلتزام بأوامرها .
ولو تقرر قيام ألأم بهذه المسؤولية فما عليها إلا ألإسراع بها ، فكلما زاد سن الطفل زادت مقاومته ، ويجب عليها أن تقدم لطفلها حبها وحنانها إضافة إلى ألإنضباط . إذ ليس صحيحا الفصل بينهما مما له تأثيرات سيئة على أخلاق الطفل في المستقبل .

السابق السابق الفهرس التالي التالي