دور ألأب في التربية 327

وإن اللجوء إلى ممارسة أٌلإقتدار والعنف يدفع ألأطفال إلى التفكير بألإنتقام دائما . وإستخدام العنف مع كل من يقف أمامهم .
وكذا بالنسبة للأب الذي يلجأ إلى الجدل كثيرا والسخرية بألآخرين ولمزهم ، إذ تقضي هذه الممارسات على معنويات الطفل بشكل لا إرادي فيضطر إلى إتخاذ أساليب مشابهة .
7 ـ في العلاقة الزوجية : من الدروس السيئة التي يكتسبها الطفل هي أن تكون العلاقة بين الزوج وزوجته على مرأى منه حتى ولو كان صغيرا ، فالذي يضاجع زوجته على مشهد من طفله إنما يرتكب خطأ كبيرا لأنه يمهد ألأجواء لإنحراف الطفل ولا يمكنه أن يفلح أبدا .
فقد ورد عن ألإمام الصادق (ع) قوله : «لا يجامع الرجل إمرأته ولا جاريته وفي البيت صبي ، فإن ذلك يورث الزنا » . وجاء عن ألإمام الباقر (ع) قوله : «إياك والجماع حيث يراك صبي يحسن أن يصف حالك» . وثمة أطفال قد إنحرفوا بسبب هذا ألأمر .
8 ـ في المعاشرة : ينبغي أن يقدم ألأب دروسا في ألأدب وألأخلاق لأولاده من خلال أسلوب معاشرته لهم ، ويجب أن تشمل هذه المعاشرة جميع أفراد ألأسرة بما في ذلك الزوجة . وإن نزاع الكبار يقف بوجه نشوء ألأطفال بل ويدفعهم إلى الشعور بألأذى .
كما ليس صحيحا أن ينعدم التوافق بين الوالدين في حياتهم فيعتبرا الطفل هو السبب الوحيد الذي تستمر من أجله حياتهما . فنراهما مثلا يتجادلان كثيرا ويتنازعان بإستمرار ويشتكيان إلى الطفل ضد بعضهما ويلجآن إلى تحطيم شخصية كل منهما .
فلو كان ألأب مهتما بتربية ولده فما عليه إلا أن يقضي على ألإختلاف الدائر بينه وبين زوجته ويمتنع عن النفاق والسلوك السيء .
ولو حصل هذا ـ لا سمح ألله ـ فما على ألأب إلا أن يحفظ طفله من التأثيرات السيئة لذلك بل يزيلها من قلبه لكي لا تكبر وتستفحل .
9 ـ في المساعدة والتعاون : حري بألأب أن يساعد ألآخرين من أفراد

دور ألأب في التربية 328

أسرته بمرأى من الطفل وبشكل يفهمه ويدركه لكي يخلق ألأجواء الملائمة لنموه إجتماعيا .
فثمة أشخاص في المجتمع ليسوا سوى عالة عليه ، وما على ألآخرين إلا أن يتحملوا أعباءهم ويتبنوا شؤونهم.
ولو قرر كل إنسان أن يفكر بنفسه ويتحرك في إطار مصلحته الخاصة لتعذرت الحياة ألإجتماعية ولأضطربت ألأمور وظهرت المشاكل والصعوبات العديدة .
لذا ، لا بد من قيام التعاون في المجتمع وحتى التكافل ألإجتماعي ، ويجب أن يقدم ألأب الدروس المفيدة في هذا المجال لأولاده طيلة فترة حياتهم . وإنه لذنب كبير أن يقف ألأب موقف المتفرج إزاء مشاكل مجتمعه وآلامه .
10 ـ في التفكير : وأخيرا ، يجب على ألآباء أن يؤمنوا بفلسفة واضحة ومنهج صريح في الحياة .
عليهم أن يبعدوا سوء الظن والحقد من حياتهم . فالذي ينظر إلى ألأمور من زاوية ضيقة ويتعامل مع ألأحداث نظرة سلبية إنما يقدم درسا سيئا لأولاده ويعرض حياتهم المستقبلية إلى الخطر .
وينبغي أن يجتهد ألآباء في زرع ألأمل في قلوب أولادهم وتنمية إعتقادهم بالعمل والجزاء لكي يتمكنوا من المضي في طريق خيرهم وصلاح أنفسهم ومجتمعهم .

دور ألأب في التربية 329

الفصل الثالث والخمسون
ألأب والعنف


موضوع العنف :

يتناول علماء التربية والنفس وألأخلاق كثيرا ، موضوعي أللين والعنف في بحوثهم . وإن ما يمكننا أن نطرحه في موضوع التربية هو قدرة المربين في القضاء على ألإنحرافات وألإضطرابات وبناء ألأطفال الفوضويين والسيئين من خلال تعاملهم اللين وتحليهم بالصفح في نفس الوقت . فالعنف حتى لو كان مؤثرا فإن نتائجه لا تكون جذرية ودائمية أبدا .
وتظهر ـ مع ألأسف ـ بعض الحالات في موضوع تربية ألأولاد التي يلجأ فيها ألآباء وألأمهات إلى إستخدام العنف مما يؤدي إلى ظهور نتائج لا تحمد عقباها . فقد يستهدفون من العنف أحيانا ـ ولو ظاهريا ـ أن يقوم بعملية البناء وتربية الولد ، لكنهم غافلون عن تأثيراته السيئة التي تهدد أحيانا النتائج ألإيجابية للتربية السابقة .
فلو كانت القسوة هي ألأساس لما كانت هناك أية حاجة لهذه الوصايا العديدة والنصائح التي أطلقها ألأنبياء ألإلهيون والمربون وتوبيخهم المستمر لإستخدام العنف .

أسباب العنف وعلله :

لماذا يلجأ بعض ألآباء إلى العنف في العملية التربوية ؟ ومن الطبيعي إنه توجد أجوبة عديدة ، لكننا سنشير فيما يلي إلى بعض منها :
1 ـ ألأمراض الجسمية والنفسية التي يصاب بها ألآباء فتكون سببا لظهور

دور ألأب في التربية 330

ألعديد من ألإنحرافات وألإضطرابات . فنراهم يملكون أعصابا ضعيفة ونفوسا مريضة تدفعهم لممارسة العنف .
2 ـ ألإلحاح الشديد على موضوع تربية الطفل لينشأ مؤدبا ، فيعتقد ألأب بأن العنف هو أفضل طريق لتحقيق هذا الهدف .
3 ـ قد يمثل العنف إنعكاسا لمرحلة الطفولة التي مر بها ألأب ، وخاصة بالنسبة لأولئك ألآباء الذين عانوا كثيرا في طفولتهم وعاشوا حياة قاسية ولم يتلقوا ذلك الحب والحنان الكافي من آبائهم .
4 ـ بذل الجهد من أجل القضاء حالا وفورا على عناد الطفل أو ما تعتريه من مشاكل أخرى ، مما يؤدي هذا العمل إلى تجاهل ألأساليب الصحيحة في التربية .
5 ـ قيام ألأب بنقل المشاكل الخارجية التي تواجهه إلى داخل البيت بسبب عدم إمتلاكه القدرة على حلها ، فنراه ينتقم من أولاده ويشفي غليله فيهم .
6 ـ السخط على الحياة ألأسرية وعدم الرضا بها ، خاصة عند ظهور ألإختلافات مع الزوجة ، فتؤثر على ألأولاد أيضا .
وثمة أساليب أخرى عديدة ، إلا أننا نؤكد وبشكل عام على أنه ليس صحيحا أن يفرط ألأب بحياته وأولاده ويقف بوجه نموهم وتكاملهم من أجل أن يمارس سلطته أو بسبب عناده وما عاناه في صغره ، بل عليه أن يمتنع عن هذه ألأساليب ويفكر بطرق نافعة ومفيدة .

تأثيرات العنف على الطفل :

يمثل إستخدام ألأب للعنف مع ولده خطأ كبيرا بسبب ألأعراض السيئة التي يتركها على الطفل ، وسوف نشير فيما يلي إلى بعض منها :
1 ـ الفشل وألإستسلام : إنكم ومن خلال إستخدامكم للعنف تضطرون الطفل إلى الشعور بالفشل وألإستسلام . فهو سيفقد شعوره بالفخر وإحساسه بالإقتدار مما يضطره ذلك للإستسلام لكم كألأعمى .

دور ألأب في التربية 331

وفي النتيجة إنه سوف لا يكون قادرا على الدفاع عن نفسه أبدا .
فألآثار السيئة للعنف هي أكثر بدرجات من تلك التأثيرات السلبية التي يتركها ألآباء الذين لا يشعرون بمسؤولياتهم ولا يلتزمون بوظائفهم . لأن الطفل يلجأ ، وبسبب العنف ، إلى ممارسة نشاطاته بسرية ولا يطلب العون من والده أبدا ولا يلجأ إليه لشعوره بأن والده قادر على ألإنتقام منه متى ما يشاء . وتكون النتيجة أن يصبح معقدا في حال ضعفه وعنيفا ومستبدا فيما لو تمكن من ممارسة نفوذه .
2 ـ البحث عن ألملاذ : يبحث ألأطفال الهاربون من عنف ألأب عن ملاذ لهم يحميهم ويقيهم من ألأخطار . وقد يؤدي بهم ألأمر أحيانا إلى التشرد ومرافقة الفاسدين والمنحرفين ، مما يكون بدوره سببا لظهور العديد من المفاسد ألأخرى .
أما لو لم تظهر هذه الحالة لواجهتهم مشكلة أخرى وهي لجوؤهم بشكل لا إرادي إلى ألأم بسبب عنف ألأب وقسوته ، إذ إن ألأب سيخسر أطفاله في هذه الحالة ، وستظهر عندهم بعض ألإضطرابات السلوكية ، فيرتبط ألأطفال بأمهم بشدة ويشعرون بحاجة ماسة إلى حبها .
وتكون النتيجة أن تظهر عليهم بعض العادات ألأنثوية فتراهم يحاكون أمهم ويسيئون الظن بأبيهم ولا يهتمون بسلوكه .
3 ـ الهروب : هل فكرتم لماذا يهرب الطفل من البيت ؟
لقد أظهرت البحوث العلمية أن سبب هروب ألأحداث وألأطفال الصغار أحيانا من البيت ،إنما يرتبط بقسوة ألأب أو زوج ألأم أو زوجة ألأب ، والضغوطات التي يمارسونها والعقاب الشديد الذي يستخدمونه وألإنتقاد المستمر للطفل وألإتهامات المتعددة التي يوجهونها إليه ، وعدم ألإكتراث به وبأعماله وترك مراقبته وشعوره (أي الطفل ) بألإحباط والخوف والحرمان وغير ذلك من ألأسباب ألأخرى .
لذا فإن ألآباء يوفرون ألأجواء الملائمة لظهور هذه الحالات عند الطفل من خلال إستخدامهم للقسوة والعنف فيتسببون في إنحرافه وفساده .

دور ألأب في التربية 332

فهل تدرون أيها ألآباء ، من هم الذين سيلجأ إليهم الطفل فيما لو هرب منكم وإبتعد عنكم ؟ وهل تثقون بهم وتعتمدون عليهم ؟
4 ـ تجرؤ الطفل على والده : عندما ينفذ صبر الطفل بسبب عنف أبيه وقسوته فإنه سيتجرأ عليه ، وقد تبرز هذه الجرأة في مرحلة الطفولة فتقفون بوجهها ـ أي الجرأة ـ من خلال عدة صفعات ، غير أن الموضوع لا ينتهي عند هذا الحد .
ولو إفترضنا إنكم نجحتم في إسلوبكم هذا مع الطفل الصغير ، فهل يمكنكم إستخدامه مع الحدث والشاب أيضا ؟
لقد أثبتت التجارب أن الغالبية منهم يقفون بوجه آبائهم ويقامونهم مما سيكون سببا لأن تفقد قدرة ألأب معناها الحقيقي .
ويبرز الخطر عندما يتمكن الولد لمرة واحدة النيل منكم وتحطيم شخصيتكم إذ سيضعف موقفكم كثيرا .
ولو إفترضنا إنكم تمكنتم من ألإنتصار عليه وتحطيم كبريائه ، ولم يقف بوجهكم ، أو يقاومكم إلا أن العاقبة ستكون إمتلاء الولد بالحقد والغضب وسوء الظن بكم ، إضافة إلى صفات سلبية أخرى .
5 ـ التوغل في الشر : من أعراض إستخدام العنف مع الطفل أو الحدث هو أنه سيندفع لممارسة الشر والتوغل فيه وألإعتداء على ألآخرين ، وأن يكون مستبدا وسيئا في حياته المستقبلية .
إذ لا يمكن أن نعتبر الضرب وألآلام التي يتعرض لها الطفل بأنها أمر عادي فلا نعترض عليه ، بل سيكون لها تأثيرات عميقة تهدد حياته الفردية وألإجتماعية في الحال والمستقبل .
نعم ، لقد أثبتت الدراسات إن إستخدام القسوة والعنف يؤدي إلى إيجاد ردود فعل إجتماعية حيث تظهر المشاكل والصعوبات لأبناء المجتمع . وإن مثل هؤلاء ألآباء إنما يظلمون مجتمعاتهم أيضا ويعرضون أمنها للخطر ، إضافة إلى ظلمهم وأولادهم.

دور ألأب في التربية 333

6 ـ التأثير على السلوك : يؤثر العنف على السلوك أيضا ، ولا يعلم أحد إلا الخالق جل وعلا بتلك التصورات التي سيحملها الطفل عنكم في ذهنه ونفسه ومخيلته بسبب قسوتكم وعنفكم .
ومن عادة ألأولاد إنهم يلجأون إلى القياس كثيرا خاصة وأن ألأب هو أحد موارده ، فنراهم يقيسون بينه وبين ألآباء ألآخرين ، ويحددون مكانته وسلوكه وفق هذا القياس ، ويشعرون ـ لا إراديا ـ بالحقد عليه ويلجأون إلى ألإنتقام منه .
ولأنهم لا يتمكنون من عملية ألإنتقام فهم يتخذون سلوكا مختلفا يمثل بحد ذاته خطرا كبيرا يهدد حياتهم المستقبلية .
ويطغى السلوك ألإنفعالي على الحياة العادية لهؤلاء ألأشخاص ، إذ نراهم يغضبون لأدنى مواجهة ويلجأون إلى أسلوب ألإهانة والتتحقير والعنف والمواجهة الشديدة في تصرفاتهم .
وقد أظهرت التجارب والدراسات إنهم يصابون بظاهرة ألإنفصام في الشخصية أو السلوك عادة .
7 ـ حدوث الهُوة : يعتقد ألأطفال الذين يشملهم عنف ألأب بنتيجة مفادها أنه ينبغي عدم ألإقتراب من هذا ألأب وألإبتعاد عنه قدر ألإمكان لأتقاء شره . ولا يشعرون بأية عاطفة نحوه ويتمنون أن لا يعود إلى البيت أو يكونوا نياما عندما يعود ، وإنه لمخجل جدا أن يحمل الطفل مثل هذه الرغبات وألأمنيات في ذهنه .
نتيجة عامة : والخلاصة ، لا بد أن نصل إلى هذه النتيجة ، وهي أن العنف عمل مرفوض ولا يمكنه أن يحقق شيئا من الناحية التربوية خاصة على المدى البعيد . وسوف تزداد الهوة كلما إزداد العنف .
ويؤدي العنف الشديد إلى حدوث إنفجار يسعى الطفل للإبتعاد عنه لشعوره بأنه يهدد حياته .
ولو كان ألأب عنيفا وذا سلوك إجتماعي منحرف ، أو لا يقدر على

دور ألأب في التربية 334

ضبط نفسه وكبح جماحه فإنه سيلقن أولاده درسا سيئا حيث يدفعهم ليكونوا منحطين واشرارا .
وإضافة إلى ما ذكرناه فإن سلوك ألأب هذا يؤدي بالولد إلى أن يعصيه ويتجرأ عليه ويمارس أعمالا قبيحة أخرى . ولو كانت ألأم خبيرة وواعية لدورها ووظيفتها لتمكنت من الوقوف إلى حد كبير أمام إنحراف الطفل وإلا لكان الدمار والخراب هو المستقبل الذي ينتظر هذا الطفل .

دور ألأب في التربية 335

الفصل الرابع والخمسون
ألأب والنزاع مع الزوجة


ألإستقرار في ألأسرة :

اشرنا سابقا وضمن فصول هذا الكتاب إلى عوامل ألإختلاف والنزاع بين الزوجين ، ونظرا لأهمية الموضوع فإننا سنتناوله مرة أخرى من زاوية أنه يمثل خطأ كبيرا يرتكبه ألأب في عمله التربوي ، لتأثيراته السيئة على ألأولاد وبقية أفراد ألأسرة .
لا بد أن تقوم وظيفة ألأب في تربية الولد وحمايته وبنائه وتنمية أبعاده الوجودية على التفاهم وألإتزان والتقويم من أجل أن يتحقق أمن ألأسرة وإستقرارها لكي يمكن الوصول إلى تربية مناسبة .
وإن ألأب هو المسؤول عن توفير هذه ألأجواء وألإمكانات المطلوبة لأسرته وأهل بيته .
فما أكثر ألأمور التي تحصل في محيط ألأسرة فتعرض أمنها وإستقرارها إلى الخطر وتؤدي بها إلى ألإضطراب . ولو أدرك ألآباء نتائج هذه ألإضطرابات لأمتنعوا حتما عن أساليبه الخاطئة ، إلا أن يكونوا من الذين لا يشعرون بمسؤوليتهم ولا يهمهم صلاح أولادهم وخيرهم .

ألإفراط في النزاعات :

وقد يكون مستحيلا أن نقول بأنه لا تحدث أية مشكلة في ألأسرة وخاصة في تلك المجتمعات التي لا يقوم فيها الزواج على ركائز صحيحة بل يتدخل فيها ألإكراه والمصلحة . فلا بد أن يحصل الجدال ـ قليله أو كثيره

دور ألأب في التربية 336

ـ في محيط ألأسرة ولكن بإختلاف واحد وهو إنه سيكون سببا إلى المزيد من التوافق في ألأسر المسلمة والملتزمة بينما نراه يكون سببا للحقد وتصفية الحسابات التي لها إمتدادات خارج البيت غالبا في ألأسر ألأخرى .
فلا بأس من الجدال لو كان ضمن الحدود المتعارف عليها ، غير أن الخطر يبرز عندما يؤدي إلى حدوث نزاعات وترديد كلمات الفحش والضرب . وفي هذه الحالة كيف سينظر الطفل إلى والديه ؟
كيف يمكن للمرأة التي تعرضت للضرب من زوجها وأمام طفها أن تكون أما له ؟ أو كيف يمكن لذلك ألأب الذي تعرض للإهانة وألإحتقار من زوجته أمام طفله أن يكون أبا له ؟
ألا يعتبر هذا واحدا من العوامل التي تؤدي بالطفل إلى أن يكون لا أباليا فيمارس سلوكا سيئا ؟

ألإسلام والمداراة :

يخطئ بعض ألآباء عندما يجعلون من محيط ألأسرة ساحة للمبارزة فيقف فيها الطرفان وجها لوجه . ولا يمكن للحياة أن تقوم إلا على أساس الصفح والمداراة وألإحترام وضبط النفس من أجل أن تحقق سعادة ألأولاد . فقد ورد عن رسول ألله (ص) قوله : «عيال الرجل أسراؤه ، وأحب العباد إلى ألله عز وجل أحسنهم صنيعا إلى إسرائه».
وجاء عن أمير المؤمنين علي (ع) قوله : «إنما مثل المرأة مثل الضلع المعوج إن تركته إنتفعت به وإن أقمته كسرته».
ونقل عن ألإمام الصادق (ع) قوله : «إتقوا ألله في الضعيفين المملوك والمرأة».

تأثير النزاع على الزوجين :

إن النزاع بين الزوجين يؤثر عليهما أيضا ، فقد يحقق ألأب هدفه ـ ظاهريا ـ من خلال النزاع مع زوجته أو ينفس عن قلقه وآلامه ، لكن الحقيقة أن هذا العمل يضره .

دور ألأب في التربية 337

فألإختلاف والنزاع بين الزوجين يهدد العلاقة الحميمة بينهما ويجرها إلى الخطر ، وإن البيت سيتحول والحال هذه إلى بؤرة للمشاكل فلن يكون مرغوبا به . وسوف ينشأ أفراده عصاة ولا أباليين.
لا بد أن تقوم العلاقة بين الزوجين على الحب والتفاهم وألإحترام المتبادل وبين ألاودهما لكي ينشأ ألأولاد مطيعين سويين في سلوكهم . أما النزاعات فإنها تجعل الحياة مظلمة وكذلك بالنسبة للأولاد . إذ ستفقد الزوجة ثقتها بزوجها وتسوء العلاقة بينهما .

عقوبة إلحاق ألأذى :

لا يمكن التغاضي عن ذريعة إلحاق ألأذى بالزوجة ، فمن حق المرأة أولا أن تكون محترمة ، وإن الرجل الذي لا يبالي بذلك فقد عصى خالقه ، ولا بد أن ينال عقابه المناسب .
جاء عن رسول الله (ص) قوله : «من إتخذ زوجة فليكرمها » ، قال أيضا : «فإن ألله ليس يغضب لشيء كغضبه للنساء والصبيان ».
نعم ، فقد تكون المرأة ضعيفة ، وإن الرجل قادر على إلحاق ألأذى بها بسبب قوته ، ولكن عليه أن لا ينسى بأن الخالق جل وعلا يقف له بالمرصاد . وإنه جلت قدرته هو المدافع عن الضعفاء . ويصدق هذا الكلام بشأن الطفل أيضا لعدم إمتلاكه قدرة الدفاع عن نفسه .

تأثيرات ذلك على ألأولاد :

للنزاع بين الوالدين أعراض خطيرة على ألأولاد ولا يمكن لنا ان نشير إلى جميعها لكننا سنذكر فيما يلي بعضها :
1 ـ إختلال عملية ألإنضباط : عندما يحصل النزاع بين الوالدين فإنه يؤثر على أنضباط ألأطفال وعدم إكتراثهم بأوامر الوالدين ، وتعتبر هذه إساءة كبيرة للزوجين .
وثمة خطرا آخر يهدد ألأسرة أيضا ألا وهو إنقسامها إلى معسكرين أو صفين حيث سيتبنى كل طفل موقفا معينا فيكون إلى جانب أمه أو أبيه ، ويدافع عنه . وهذا ليس في صالح أي من الوالدين .

دور ألأب في التربية 338

2 ـ إساءة الظن بالوالدين : قد يكون أحد الوالدين محقا في هذا النزاع ولديه أدلة قوية وكثيرة ، إلا أن الطفل يحمل تصورا مختلفا عن هذا الموضوع .
إنه ينظر نظرة خاصة تقوم على إدراكه وتفكيره فيدين مثلا طرفا معينا .
وقد يلجأ ألأب للإساءة إلى ألأم ويحاول إقناع الطفل بأنه على حق في ذلك النزاع ، لكن هذا لا يعني أن الطفل سيقبل بوجهة نظر أبيه رغم سكوته الظاهري ، بل سيعتبر ألأب مذنبا فيسيء الظن به بمجرد أن يشاهد بكاء أمه وتوددها إليه .
3 ـ توقف عملية النمو : أشارت بعض الدراسات في المجتمعات الغربية أن نزاع الوالدين في محيط ألأسرة يؤدي إلى توقف عملية نمو الطفل وظهور مشاكل جدية في هذا المجال .
وقد تقل شهية الطفل للطعام أو يحصل تباطؤ في علمية الهضم بسبب حدوث خلل في إفرازات بعض الغدد . وهذا كله بسبب شعور الطفل بالغم والحزن .
ويؤدي نزاع الوالدين أيضا في حال مرض الطفل إلى تباطؤ عملية شفائه وإستعادته لصحته وسلامته ، أو قد يؤدي إلى مضاعفة المرض بسبب إزدياد غمه .
4 ـ السلوك ألإجتماعي المنحرف : يؤدي نزاع الوالدين وعدم توافقهما ، بل وحتى سلوكهما الغير متزن وكلامهما الغير منسجم ، إلى تمهيد ألأجواء لأن يسلك الطفل سلوكا إجتماعيا منحرفا فيلجأ إلى الجريمة مثلا ، ويمكن أن تشاهدوا آثارا ذلك في سلوك الطفل وعمله .
فالجحيم الذي يؤججه بعض ألآباء لأولادهم في ألأسرة يكون سببا للعديد من حالات ألإضطراب التي تؤثر بشدة على حياة ألأفراد الحالية والمستقبلية . وعندنا نماذج كثيرة لجأ فيها ألأولاد إلى الفساد وألإنحراف وألإجرام .
5 ـ تحطيم المعنويات : وأخيرا ، يؤدي النزاع إلى تحطيم معنويات ألأولاد ويجذر في نفوسهم حالات القلق وألإضطراب .

دور ألأب في التربية 339

فما أكثر ألأولاد الذين يشعرون بالقلق بسبب ذلك ، أو أنهم يشعرون بألأثم جراء نزاع الوالدين .
وسبب شعورهم بالقلق هو إحساسهم بأن أمنهم في خطر ، ويتوقعون بأن عواقب سيئة تنتظرهم . أما سبب شعورهم بألإثم فهو خوفهم من أن تكون أخطاؤهم هي السبب في ظهور هذه الحوادث .
إذ سيتعرض نموه الجسمي للخطر وتضعف معنويات ذلك الطفل الذي يشاهد بإستمرار حدوث نزاع بين والديه ، ويرتجف دائما بسبب خوفه ، وإنه سيكون قاصرا عن التعامل مع شؤون الحياة المختلفة مما يزيد الطين بلة .

وأخيرا :

فإن السلوك الخاطئ للوالدين وإضطراب ألأسرة ، وضعف ألأواصر بين الزوجين يدفع الطفل إلى الشعور بفقدان ألأمن ، وينظر إلى الحياة نظرة متشائمة . ويتصف ألأطفال الذين ينمون ويترعرعون في ظل هذه ألأسر بالهزال ، وإصفرار البشرة وإنهيار المعنويات وألإصابة بتخلف دراسي ، والتخلق بسلوك سيء في التعامل مع ألآخرين .
وإنهم لا يشعرون بالحيوية أبدا ، ولا ينامون نوما مريحا ، وتنعدم رغبتهم في الكلام ، بل سيصابون بتأخر في النطق لمن هم دون الثالثة من العمر كما أشارت إلى ذلك التجارب العملية . . .

دور ألأب في التربية 340

الفصل الخامس والخمسون
ألأب وألإفراط والتفريط


ألإعتدال في ألأمور :

ألإسلام هو دين ألإعتدال ومراعاة حد الوسط في جميع ألأمور ويرفض ألإفراط والتفريط . وينطبق هذا المفهوم على جميع مرافق الحياة وحتى العبادة إذ ينبغي مراعاة حد الوسط وألإعتدال فيها لكي يتحقق البناء .
فالإفراط والتفريط في العملية التربوية يؤديان إلى إيجاد العديد من المشاكل للأجيال في حياتهم الحالية والمستقبلية . فلو أصاب الجفاف ـ مثلا ـ نبتة معينة لذبلت وماتت تدريجيا ، ولو سقيت بكمية كبيرة من الماء لماتت أيضا . ويصدق هذا المفهوم على ألأطفال أيضا ، فلو تركتم الطفل وشأنه في موضوع معين كالحرية ـ مثلا ـ لشكل ذلك خطرا عليه وعليكم في نفس الوقت . أما لو تعرض لضغوط شديدة في المجال المذكور لفر منكم وإبتعد عنكم . لذا ينبغي مراعاة الإعتدال وحد الوسط في جميع ألأمور .

مجالات الإفراط والتفريط :

ثمة مواضيع عديدة يمكن ألإشارة إليها ضمن هذا العنوان ، وهناك عدة أعراض سيئة تصيب ألأطفال خاصة عندما يغفل ألآباء عنها . وسوف نشير فيما يلي إلى بعض الموارد كنماذج في هذا المجال :
1 ـ المحبة : لو تعمقتم في المعنى الصحيح للمحبة لأدركتم حتما تلك المضار الناشئة بسبب ألإفراط أو التفريط التي تصيب ألأطفال عادة . فألإفراط في المحبة يمهد ألأجواء لدلال الطفل وزيادة توقعاته منكم ، فنراه

دور ألأب في التربية 341

يستغل المحبة لتحقيق العديد من أهدافه اللامشروعة ، بل إن بعض التجارب أثبتت بأن الطفل سيشعر بالحقارة في حياته المستقبلية بسبب ألإفراط في المحبة لأنه سيفتقدها في تعامله مع ألآخرين .
أما التفريط بالمحبة وعدم حصول حالة ألإشباع فإنه يمهد ألأجواء لظهور العديد من الجرائم وألإنحرافات المختلفة . فقد يسلك الطفل الذي لا يحصل على الحب الكافي من أمه وأبيه سلوكا إنفعاليا يؤدي به إلى ألإستسلام للآخرين ، أو اللجوء إلى ممارسة العنف وألإنتقام من المجتمع .
2 ـ ألإهتمامات : لا بد من ألإهتمام بالطفل ، وهذا أحد حقوقه إذ يجب أن يهتم ألأب بسلامته الجسمية والنفسية لكي لا تهدده ألأخطار . غير أن الملاحظة المهمة هي حالة ألإفراط والتفريط التي يلجأ إليها الوالدان أحيانا .
فألإفراط في ألإهتمام بالطفل يؤدي إلى إرتباطه الشديد بوالده وإتكاله عليه وفقدانه للإستقلالية في الحياة . أما التفريط في ألإهتمام فإنه يدفع الطفل لممارسات خاطئة ومنحرفة أو أن يعرض سلامته للخطر .
3 ـ الدعم : كما ويحتاج الطفل إلى الدعم أيضا ، وينبغي أن يواصل طريقه في الحياة معتمدا على دعم أبيه وأمه ، وأن يطمئن بأنه سينال دعمهما فيما لو تعرض لأية مشكلة في طريقه .
إننا نشاهد ـ مع ألأسف ـ بعض ألآباء الذين يتوقفون عن دعم الطفل من أجل أن يحقق أولادهم إستقلالهم السريع ، وأنهم يمارسون الدعم بشكل مفرط فينشأ الطفل متكلا عليهم بشكل كامل ويفقد إستقلاله مما يشكل خطأ كبيرا ومضرا في الوقت نفسه .
4 ـ ألإرتباط : إن من أخطاء ألأب أن يدفع أولاده إلى ألإرتباط به بشدة فلا يتمكنوا من التحرك بملء إرادتهم وعندما يبعدهم عنه يشعروا بالغربة .
إن من غير الصحيح أن يطرد ألأب ولده بسبب إثارته للضوضاء أو شيطنته ، وكذا ليس صحيحا أن يرتبط به بشدة بسبب حبه المفرط . فقد تبرز في الحياة اليومية صعوبات عديدة ومشاكل جمة لا يمكن التنبؤ بها مما تؤثر

دور ألأب في التربية 342

بقوةعلى ألأطفال المرتبطين بآبائهم . كما إنه سيشعر بالغربة والوحدة بسبب تلك المشاكل مما يؤثر عليه سلبا ما لم تمتد إليه يد العون والدعم .
ولا بد أن يستعين ألأب بخبرته وكفاءته فيلجأ إلى مراعاة حد ألإعتدال في هذا ألأمر .
5 ـ توقعاتنا من الطفل : : ينسى بعض ألآباء من خلال عملهم أن لهم أطفالا صغارا وقاصرين ، فلا يتمكنون مثلا من رفع حاجات ثقيلة بأيديهم الصغيرة ، ولا يملكون القدرة على إتقان بعض ألأعمال ، لكننا نرى أن أولئك ألاباء يشددون على أطفالهم ويحملونهم فوق طاقاتهم مما يدفعهم ذلك إلى التشرد والهروب أو إنهيار معنوياتهم وتحطيم شخصياتهم .
كما إنه من غير الصحيح أيضا أن لا نتوقع من ألأطفال شيئا فنتركهم بذريعة صغر سنهم . فالمهم هو أن نكلفهم بمستوى ذكائهم وإستطاعتهم وقدرتهم . أما توقعاتنا المفرطة فتؤدي إلى ظهور حالة الهيجان عندهم فيحتقروا أنفسهم فيما لو لم يحققوا ذلك ألأمر . وإن عدم تكليفهم بأي شيء يضرهم في الوقت نفسه ويؤثر سلبا على حياتهم المستقبلية .
6 ـ التدخل : ينبغي أن يراقب ألأب طفله في عمله ، بل أن يراقبه في لعبه ايضا لكي لا يصاب بمشكلة معينة غير أنه من غير الصحيح التدخل في جميع أموره وشؤونه .
فالتدخل في جميع أمور الطفل وإبداء وجهات النظر بشأن لعبه ونوعه يؤدي إلى عدم تحقق نمو ألإرادة عند الطفل وتؤثر على قابلية إتخاذه للقرار وتجعله لا يطور عمله أبدا .
كما يؤدي هذا ألأمر أحيانا إلى نفاذ صبر الطفل والعمل في الخفاء .
يخضع ألأطفال عادة لضعاف النفوس ممن لا إرادة لهم ، لذا يجب ألإهتمام بهم ومراقبتهم دون التدخل بشؤونهم إلا عند الضرورة وفي حالة وجود أخطار تهدد أجسامهم أو نفوسهم .
7 ـ الخضوع للقانون : يحتاج الطفل في نموه وتكامله إلى النظم

السابق السابق الفهرس التالي التالي