شمس ألمرأة لا تغيب 47

التعليم والتفوق ، وتذكر المصادر ذاتها ان ألمرأة شعرت لأول مرة بكرامتا وحظيت باحترام اكبر في صفوف الجنس الواحد ، كما حظيت بنجاح باهر في موارد التعليم (1) .

(1) راجع مجلة الطاهرة الطهرانية : 137/ 4 ، التاريخ : 1423 هـ (2002م) .
شمس ألمرأة لا تغيب 48




شمس ألمرأة لا تغيب 49

ألمرأة والتعليم

قد يعكس وضع ألمرأة من خلال الاحصاءات الكفيلة ببيان نسببة الأمية بين النساء في الدول الاسلامية وارتفاعها ، الى القول بان الاسلام من وراء منع ألمرأة من التعليم ، وربما يوثق ذلك بتصريحات بعض المتزمتين من ذوي العقول المتحجرة ممن لا صلة لهم بالفقه الإسلامي ، وليس لهم باع في النصوص القرانية والروائية ، ويتمسكون ببعض الظواهر التي كانت سائدة منذ الجاهلية ، والتي بقيت تحكم البلاد الاسلامية بعد بزوغ فجر الإسلام دون التعميق في النصوص التي جائت لتحث الجميع من ذكور واناث على التعليم واضعين خلف ظهورهم الممارسات التي كان القادة من وراءها لاجل اشاعة التعليم بين المسلمين ذكورا واناثا ، والتي بحثناها في ابواب سابقة ، لذلك فاننا نشير اليها بشكل عابر ، ومن تلك على سبيل المثال قول الرسول (ص) : « طلب العلم فريضة على كل مسلم

شمس ألمرأة لا تغيب 50

ومسلمة » (1) ، وكان الرسول (ص) يستغل وجود الاسرى بين المسلمين ممن هم من الامم المتحضرة الاخرى فيطلب منهم ان يعلموا المسلمين كل ما لديهم من علوم وحرف وصناعات ، بل نجده (ص) كان له عدد من المترجمين والكتبة ليخاطب الموفدين اليه من اقوام تختلف لغتهم عن لغة المسلمين العرب .
وما حمل الروايات العامة الواردة في هذا الباب على ارادة الذكور الا تخرص لم يدعم بدليل . فمثلا قولهم في : « اطلبوا العلم ولو في الصين » بان المراد بذلك الذكور دون الاناث ، انه في الحقيقة ناشئ من ضعف الملكات والقدرات العلمية التي يحملونها ، ولماذا هؤلاء لايقولون بتخصص الآيات الواردة في القران الكريم والتي تخاطب المسلمين بقوله : « يايها الذين آمنوا » او « كتب عليكم » والتي جائت بصيغة المذكر وحصرها في الرجال ، بل لابد من القول ان الصلاة والصوم والزكاة بل وسائر الاعمال الوادة في مثل هذه النصوص كلها خاصة بالذكور دون الاناث ، لان الخطاب ورد بصيغة الذكور .
وعلى اي حال فان اول من دون وكتب وأملى من

(1) بحار الانوار : 67 / 68 .
شمس ألمرأة لا تغيب 51

الرجال هو الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام) ، ومن النساء فاطمة الزهراء (عليها السلام) ، ولقد اشرنا الى هذا في مكان آخر من الموسوعة (1) فلا نكرر .
والحاصل : ان الاسلام قد اصيب من الداخل والخارج بكثير من التزوير والتحريف ، فان الاعداء قاموا عملية تدليس الحقائق التي هم يعرفونها احسن من غيرهم حيث رفعة الاسلام وعظمته ، ولكنهم قوموا الاسلام بعمل بعض المسلمين المتزمتين الذين ادخلوا اراءهم وعاداتهم وتقاليدهم في الاسلام وعرضوها باسم الاسلام ، ومن هنا نحذرهم من الاستناد في المسائل الفكرية الاسلامية على عمل المنتسبين الى الاسلام ، بل المفروض عليهم ان يستندوا الى الكتاب والسنة الصحيحة ، وعلى سيرة الرسول (ص) واهل بيته عليهم افضل الصلاة والسلام ، ومن الملاحظ ان النساء اللائي ارتبطن بهؤلاء القادة من امهات وزوجات وبنات واخوات لم يكن فيهن من الاميات واحدة ابدا ، فكلهن من فضليات عصرها .
ولا مجال اذا من حمل الروايات او الآيات الى ما يرتئه اصحاب العقول المتحجرة ، والاخذ بآرائهم وتخصيص

(1) راجع الجزء الاول من معجم المصنفات الحسينية من هذه الموسوعة .
شمس ألمرأة لا تغيب 52

تلك الآيات المذكورة او حصرها بعلم القرآن او الدين بل هي مناقضة لجميع النصوص التي وردت في مسألة المعرفة والعلم والتدبير .
كما لامجال للمتربصين بالاسلام من الاستدلال على الفكر الاسلامي اعتمادا على سيرة واعمال المنتسبين الى هذا الدين طالما هناك نصوص صريحة ومفصلة لهذا الجانب كما ولغيره ، ومن هنا نجد ان العلماء قد صنفوا الروايات الخاصة بالعلم والمعرفة والتدوين والترجمة وغيرها من معاجمهم ، فليراجع .

شمس ألمرأة لا تغيب 53

ألمرأة والعمل

ان الحديث عن امكانية عمل ألمرأة جاء في الحقيقة من الدعاية المعاكسة التي شنها الاعداء على الاسلام والمسلمين ، وربما جاء في كلام بعض المسلمين او ممارساتهم وسيلة الى التهريج ضد الاسلام ، وفي الواقع ان الذي يجب ان يؤخذ به حيث لا دليل على حرمته : اصالة الحلية ، فكيف بوجود رروايات تحث ألمرأة على العمل ، منها قول الرسول (ص) : « نعم اللهو للمرأة الصالحة المغزل » (1) بالاضافة الى ذلك فان ألمرأة كانت تعمل على عهد الرسول (ص) في كل مناحي الحياة ، الزراعة والنسج والغزل والطحن والسقاية وما الى ذلك (2) ، وهذه السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) ابنة

(1) بحار الانوار : 100/261 .
(2) روى سماعة عن الامام (عليه السلام) : « ان رسول الله (ص) خرج بالنساء في الحرب يداوي الجرحى » . وسائل الشيعة : 6/ 86 ، صحيح البخاري : 8/416 ، وفي رواية الامام الباقر (عليه السلام) : « الجارية اذا تزوجت ودخل بها ولها تسع سنين ، ذهب عنها اليتم ، ودفع اليها مالها ، وجاز امرها في الشراء والبيع » ــ الكافي : 7/197 .
شمس ألمرأة لا تغيب 54

الرسول (ص) : غزلت وحاكت وطحنت وخبزت ومارست السقاية حتى مجلت يداها ، وهكذا كانت النساء في العهد الاول من الاسلام وظلت ألمرأة تعمل وتعمل الى عصرنا هذا دون مانع او رادع ، نعم انما حرم الله لها المتاجرة بنفسها او بمفاتنها كما هو رائج عند من لا يؤمن بالله واليوم الاخر من اتباع الحضارة الغربية ، واما اذا كانت ألمرأة محتشمة ولا ينتقص من كرامتها فلا مانع من العمل ، وان كان الاسلام لم يرفض عليها العمل في عيولة الاب او الابن او الزوج بل فرض عليهم الكد والعمل للقيام بمهامها وحجاجاتها وذلك تكريما لها وابعادها عن الشقاء والتعب ليلقي العناء على الرجل والذي تتلائم تركيبته الجسدية والصعبة في قبال ألمرأة التي اريد منها ان تكون الجنس الناعم وتعمل بما يناسب وتركيبتها الجسدية « الفسيولوجية » ، ومن هنا نجد ان ألمرأة العاملة في جميع المجالات يسمح لها ان تعطل عملها فترة الدورة الشهرية وقسما من ايام الحمل تماشيا مع بنيتها الجسدية . واخيرا ان المراد بالعمل هنا ليس تولي المناصب العليا التي سياتي الحديث عنها ، بل المراد هو الاعمال الاخرى فاذا جاز لها تلك المناصب العليا فبالاولوية جاز لها ما هو ادنى منها اهمية ، ولكن اذا ما منعت عن تلك فلا دليل

شمس ألمرأة لا تغيب 55

على منعها عن العمل في سائر مرافق الحياة سواء كانت ادارية او عملية .
ولنا للمراة انموذجان ، الاول : السيدة خديجة رضوان الله عليها ، كانت من كبار تجار مكة ، وكان الرسول (ص) يعمل معها في هذا الحقل .
الثاني : ابنتي النبي شعيب (عليه السلام) واللتان كانتا تستسقيان الماء ، وقد نص عليهما القران الكريم وبين كيف كانتا محتشمتان ، رغم الاختلاط (1) كما كانتا ترعيان اغنام ابيهما ايضا .

(1) قال تعالى: «وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ{23} فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ{24} فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ{25}» (القصص : 23 ــ 25 ).
شمس ألمرأة لا تغيب 56




شمس ألمرأة لا تغيب 57

ولاية ألمرأة

شاع بين شرائح من المسلمين ، ان ألمرأة لا تصلح لان تتبوأ مراكز عالية ، سواء في المجال الديني او الاجتماعي ، سياسيا كان او غيره ، بل ذهبوا الى حرمة ذلك ، وقد استندوا في ذلك الى بعض الروايات التي لا تتجاوز ما سنورده هنا :
1 ــ روي عن رسول الله (ص) « لن يفلح قوم تملكهم امرأة » (1) .
2 ــ روي عن امير المؤمنين (عليه السلام) : « كنتم جند ألمرأة واتباع البهيمة » (2) .
3 ــ روي عبد الله بن عباس عن الرسول (ص) : « ولو ان آدم خلق من حواء لكان الطلاق بيد النساء ، ولم يكن بيد

(1) المستدرك على الصحيحين : 4/324 وفي جواهر الكلام : 40/14 : « لايفلح قوم وليتهم امرأة » عن سنن البيهقي ، 10/116 ومسالك الاحكام : 2/351 .
(2) نهج البلاغة : الخطبة : 13 .
شمس ألمرأة لا تغيب 58

الرجال » ، « ولو خلقت حواء من كله لجاز القضاء في النساء كما يجوز في الرجال » (1) .
4 ــ روى الصادق (عليه السلام) قال : قال امير المؤمنين (عليه السلام) في كلام له : « اتقوا شرار الناس وكونوا من خيارهن على حذر ، وانم امرنكم بالمعروف فخالفوهن كيلا يطمعن منكم في المنكر » (2) .
5 ــ روي عن الامام الباقر (عليه السلام) : « ان ألمرأة لا تولى القضاء ولا تولى الإمارة » (3) .
6 ــ روى الباقر (عليه السلام) عن آبائه في وصية اللنبي لعلي (عليه السلام) قال : « يا علي ليس على ألمرأة جمعة ولاجماعة ، ولا أذان ولا اقامة ولا عيادة مريض ولا اتباع جنازة ، ولا هرولة بين الصفى والمروة ولا استلام الحجر ، ولا حلق ، ولا تولى القضاء ، ولا تستشار ، ولا تذبح الى عند الضرورة ، ولا تجهر بالتلبية ، وولا تقيم عند قبر ، ولاتسمع الخطبة ، ولا تتولى التزويج بنفسها ، ولا تخرج من نيت زوجها الا باذنه ... » (4) .

(1) مستدرك وسائل الشيعة : 14/285 .
(2) وسائل الشيعة : 20/179 ، وقد ورد بنصوص مختلفة .
(3) بحار الانوار : 101/275 .
(4) من لايحضره الفقيه : 4/263 .
شمس ألمرأة لا تغيب 59

7 ــ روى ابن عباس في حديث طويل عما دار بين الله وحواء : « الآن أخرجي ابدا فقد جعلتك ناقصة العقل والدين والميراث والشهادة والذكر ، ومعوجة الخلقة شاخصة البصر ، وجعلتك اسيرة ايام حياتك ، واحرمتك افضل الاشياء : الجمعة والجماعة ، والسلام ، والتحية ، وقضيت عليك بالطمث ــ وهو الدم ــ وجهة الحبل والطلق والولادة ، فلا تلدين حتى تذوقين طعم الموت ، فانت اكثر حزنا ، واكسر قلبا ، واكثر دمعة ، وجعلتك دائمة الاحزان ، وام اجعل منكن حاكما ، ولا ابعث منكن نبيا .... » (1) .
8 ــ روى عن امير المؤمنين (عليه السلام) انه خطب وقال : « معاشر الناس لا تطيعوا النساء على حال ولا تأمنوههن على حال ، ولا تذروهن يدبرن أمر العيال ، فانهن ان تركن وما أردن ، أوردن المهالك ، وعدون أمر المالك ، فانا وجدناهن لا ورع لهن عند حاجتهن ، ولا صبر لهن عند شهوتهن ... » الحديث (2) .
9 ــ روي عن امير المؤمنين (عليه السلام) في وصيته لابنه الحسن (عليه السلام) : « واياك ومشاركة النساء ، فان رأيهم الى

(1) مسبتدرك وسائل الشيعة : 14/85 ، عن تحفة الاخوان : 27 .
(2) وسائل الشيعة : 20/180 عن من لايحضره الفقيه : 3/361 .
شمس ألمرأة لا تغيب 60

أفن (1) وعزمهن الى وهن ... ولا تملك ألمرأة من امرها ما جاوز نفسها ، فان ألمرأة ريحانة ، وليست بقهرمانة » (2) .
هذا كل ما ورد في هذا الباب حسب ما توصلنا اليه ، ومن الواضح انها لا تصلح للنهوض في حجب ألمرأة من تبوء المناصب العليا من المرجعية الدينية او السياسية من الولاية والإمارة او القضاء والتقليد ، وذلك لان معظمها مرسلة او ضعيفة السند ، ومن جهة اخرى فانها لاتفي بالغرض لوحدها ، لان في الرواية الثانية المقصود هو عائشة التي قادت معركة الجمل ، ولا يراد منها العموم ، ولذلك اتبعها بقوله : « اتباع البهيمة » .
واما الرواية السادسة التي هي من وصايا الرسول (ص) فانها تشمل الكثير من الآداب من مستحبات ومكروهات ، فلا يمكن الاستدلال بها لوحدها ، الا اذا ما ثبت عدم جواز تولي القضاء من دليل آخر ، ليكون هذا النص من المؤيدات ، لا ان يكون دليل براسه ، ومن الملاحظ انه ذكر منعها من صلاة الجماعة مثلا ، مع العلم ان الفقهاء يفتون بجواز حضورها الجماعة ، بل قالوا بإستحباب ذلك .

(1) رأي أفن : ضعيف وناقص .
(2) نهج البلاغة : 301 .
شمس ألمرأة لا تغيب 61

واما الرواية الثالثة والسابعة لعلها واحدة ، وهي رواية غريبة لا يمكن الاستدلال بها ، وان خلقها هكذا لا يرتبط باغوائها لآدم لان الخلقة كانت قبل الاغواء ، ومع ذلك فان الفقهاء لا يأخذون بكل ماورد فيها .
وامتا الرواية الثامنة فانها مخالفة للواقع وتنقيص للمراة بما لايعقل ، ولايمكن صدوره من امير المؤمنين (عليه السلام) ، ومثلها الرواية الرابعة والتي نقلت بنصوص مختلفة ، مما لايمكن الاعتماد على نصها ودلالاتها وهما من الروايات الغريبة ، ولايخفا انهما مرسلتان ووتلحق الرواية التاسعة بهما حيث ان التعليل الاول يفند بعمل الرسول (ص) في مسألة الحلق عندما كان في العمرة ومنع من الدخول الى مكة حيث اخذ براي ام سلمة ، وبموارد اخرى ، واما التعليل الثاني فانه معقول متزن لا يدل على المنع بل يدل على عدم تحميل ألمرأة ما لاطاقة لها .
واما الرواية الخامسة فيكفيها الارسال .
واما الرواية الاولى فقد صححها الحاكم في المستدرك على شرط الشيخين الا انهما لم يخرجاها بل اهملاها ولكن هناك من ضعف سندها ، ولا يخفى انها رويت بنصين مختلفين مضمونهما واحد مما يحتمل انه منقول بالمعنى مما

شمس ألمرأة لا تغيب 62

يضعف الاسناد اليها ، وربما احتمل ان تكون خاصة بموردها ، حيث يروى انه (ص) انما قال ذلك حين بلغه ان ملك ذي يزن توفي ، فولوا امرهم امراة ، ولكن استخدام لفظ « امراة » يفيد العموم .
واما ما يقال : ان الرسول لم يستخدم ألمرأة لمنصب القضاء او الامارة لا يمكن ان يكون دليلا على المنع لأنه يحتاج الى احراز انه كان بسبب كونها امراة ، ولكن أنى لنا ذلك ، بعدما عرفنا ان اغلب النساء كان أميات ، وكانت ألمرأة في تلك العهود مضطهدة ، حى جاء الاسلام ليرفع عنها الظلم والحيف ، فكانت في عهد الرسول (ص) بداية حريتها وانطلاقها ، ولم تكن ألمرأة بعد قادرة على تولي منصب القضاء أو الامارة ، ولا يخفى ان القضاء في عهد الرسول (ص) لم يكن له بروز لكي ينصب شخص له ، ولم يعهد ان الرسول (ص) نصب احدا لهذا المنصب .
وعلى اي حال فان اهم ما يستدل على منع ألمرأة من تولي القضاء او الإمارة هو الاجماع المدعى من قبل مجموعة من الفقهاء ، الا اننا نحتمل أن معقده هو هذه الروايات التي لاتصلح للاستدلال بها ، او يكون معقده الاستحسان اي ان ألمرأة لم تولَ منصبا من هذه المناصب على عهد الرسول (ص) والحاكمين بعده ، وهذا امر مخدوش فيه ، نعم

شمس ألمرأة لا تغيب 63

لا تكلف ألمرأة بما لا طاقة لها عادة ، وكما في الحديث انها ريحانة وليست بقهرمانة ، فلا يفرض عليها امثال تلك المناصب ، وهذا لايعني منعها منها او حرمة توليها ، وقد ذهب بعض الفقهاء ــ على سبيل المثال ــ الى جواز تقليد ألمرأة (1) مما لاينافي الاطلاقات والعمومات ولا يخالف بناء العقلاء ومع هذا فلا نريد مخالفة الإجماع ان ثبت ونهض (2) فتأمل .
والحاصل فان الكلام في مناصب ثلاث : القضاء ،المرجعية الدينية ، والحكم (3) . وأما بقية المناصب فلا مراء في جواز توليها وان تزمت بعضهم وابعدها من كل المناصب ، سواء كانت خطيرة او لم تكن ، دون ان يستند

(1) جاء في الفقه : 1/216 « وفي اشتراط الرجولية في المجتهد خلاف ، واستدل لمن قال بجواز تقليد الأنثى والخنثى بالاطلاقات والعمومات وعموم بناء العقلاء من غير رادع » .
(2) وقد اختلف فقهاء الفريقين في ذلك ، فهناك من جوز لها منصب الاجتهاد ، وهناك من ربط الاجتهاد بالقضاء ، وهناك من جوز لها القضاء المدني « الأموال » ولم يجوزها في القضاء الجنائي ، وذهب بعضهم كإبن جرير الطبري ، جواز ان تكون ألمرأة حاكما على الإطلاق في كل شيء لانه يجوز ان تكون فقيهة فيجوز ان تكون قاضية ــ راجع الفقه الاسلامي وأدلته : 6/483 .
(3) لايقدم المؤلف الكرباسي هنا حكما قطعيا بجواز او حرمة تولي ألمرأة للقضاء ، والمرجعية والحكم ، كليا أو جزئيا ، مع اعتبار ان الاسلام حررها من العبودية ، يقول الباحث الكرباسي : « ومع هذا فلا نريد مخالفة الإجماع ان ثبت ونهض » ، ومع كل ذلك هل ثبت الإجماع ونهض في هذه الحالة ؟ ولماذا لم يتثبت من الأمر الى الآن ؟ ــ المعدة .
شمس ألمرأة لا تغيب 64

الى دليل مقنع ، وفي الحقيقة ، هو من الرجوع الى الجاهلية ، ونظرتهم الظالمة عن ألمرأة ، وهو بمثابة وأد ألمرأة ، ولكن بشكل آخر ، وقد حررها الاسلام من ذلك .

شمس ألمرأة لا تغيب 65

قيمومة الرجل

ان القيمومة : هي في الواقع تحمل المسؤولية في الجانب الإداري وفي دائرة ضيقة جدا الا وهي الحياة الزوجية والي تشير اليها ألآية الكريمة : « الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ » (1) مما يفهم منها ــ بل صريحها ــ ان هذه القيمومة انما انيطت بالرجل لأمرين ، الاول : جسمي « فسيو لوجي » ، والثاني : حقوقي ، فالامر الجسمي « الفسيولوجي » هو امتلاك الرجل قدرة الإدارة بما يرافقها من المصاعب التي يتناسب وقدراته الجسمية « الخلقية » دون ألمرأة التي هي الأخرى خلقت بقدرات معينة بعيدة عن تحمل مثل هذه المصاعب ، ومن هنا نجد انهم يعبرون عن الرجل بالجنس الخشن ، بينما يعبرون عن ألمرأة بالجنس الناعم او اللطيف .
ومن الملاحظ ان ألمرأة بمقتضى توزيع الأدوار تتحمل

(1) سورة النساء ، ألآية 34 .
شمس ألمرأة لا تغيب 66

مسؤوليات أخرى ولذلك تتعرض للدورة الشهرية والحمل والإنجاب وتبعات ذلك ، وتملك احساسا مرهفا ، وكل هذا بشكل عام لا يمكنها من ان تترشح لمنصب الادارة العملية في التجمع العائلي ، وهذا لا يعني انها لا تقدر بتاتا ، فان التجارب اثبتت انها قادرة ولكن ليس بالهين ولا بالامر الملائم مع طبيعتها الانثوية ، وهذا النوع من الامتلاك للقدرات او عدمه لايعني ان الرجل افضل او انها الفضلى ، بل انه الانسب والافضل في ادارة شؤون العائلة بينما هي الانسب والافضل في تولي امور الحمل والانجاب والارضاع وتبعاتها .
اذاً هو من باب توزيع الادوار حسب المقومات الجسمية والنفسية ، وهذا هو المراد من القسم الاول من ألآية الكريمة ، وبما ان الحياة العائلية بحاجة الى رعاية دائمة فالرجل الذي لاينشغل بالدورة الشهرية ومؤثراتها النفسية والعضوية ، كما لا ينشغل بالحمل والانجاب وتبعات ذلك ، فيكون بذلك اولى من ألمرأة اذ لايمكن التهاون بهذا الدور او تعطيله .
واما عن الامر الحقوقي : فان الرجل قد كلف من منطلق توزيع الادوار ــ حسب القدرات الجسدية و النفسية ــ بالقيام بالشؤون الاقتصادية لهذا المجتمع العائلي ، اذ عليه العمل على تحصيل المال لتسديد حاجات الاسرة من الزوجة والاولاد ،

شمس ألمرأة لا تغيب 67

فلا يعقل ان يفصل بين جانب الإيراد والصرف وبين ادارة هذين الشأنين ، بمعنى اننا نكلفه بتحصيل المال وانفاقه ، ونعرض عنه في التوزيع العادل لذلك المال لدى الانفاق .
اذا فان الحقان مرتبطان ارتباطا عضويا والا لأوجب الخلل ، وذلك لان الامور مترابطة بعضها مع البعض الاخر ، فألمرأة تتحمل الحيض وعوارضه والحمل ومصاعب الانجاب ومستلزماته ، والعاطفة وتوابعها ، وفي قبال ذلك فان الرجل يتحمل مسؤولية العمل لتحصيل المال حسب حاجة الاسرة والانفاق عليهم في جميع مناحي الحياة حسب المطلوب ، والتعقل في الموازنة والتوزيع العادل بما يلائم وحالات الاسرة والوضع الاجتماعي .
ولا باس هنا بالاشارة الى ان القانون الفرنسي يشير الى هذه القيمومة بشكل اخر ويقول : « ان الزوج يجب عليه صيانة زوجته ، وان يقدم لها كل ما هو ضروري لحاجات الحياة ، في حدود مقدرته وحالته ، وان ألمرأة في مقابل ذلك ملزمة بطاعة زوجها وان تسكن معه حيث سكن ، وتنتقل معه الى اي مكان يرى صلاحيته لاقامتها » (1) . وربما هاتين

(1) ماذا عن ألمرأة : 108 ، عن كتاب بيت الطاعة وتعدد الزوجات ، والطلاق في الاسلام : 6 عن المادة 213 و 214 من القانون الفرنسي .
شمس ألمرأة لا تغيب 68

المادتين تنطبقان مع قوله تعالى في الآيات التالية : « الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ » (1) ، وقوله جل وعلا : « أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ » (2) ، وقوله تعالى : « لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا » (3) .
ومن نافلة القول ان هناك بعض المناقشات التي تثار حول نهاية ألآية التي ذكرت مسألة قيمومة الرجل فلا باس بالتذكير بها وهو قوله تعالى : « فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً » ، فالحديث كما يظهر من ألآية هو عن تقسيم النساء وبيان انهن على صنفين ، صنف متفاهمات وهن الصالحات في اعمالهم تجاه الحياة الزوجية ، قانتات مطيعات لله فيما فرض عليهن في طاعة ازواجهن فيما يرتبط بحياتهن الزوجية وحافظات على اسرار بيوتهن وكرامة بيت ازواجهن في العفة وعدم الخيانة في العرض او المال او السمعة بالمقدار الذي حفظه

(1) سورة النساء ، ألآية : 34 .
(2) سورة الطلاق ، ألآية : 6 .
(3) سورة الطلاق ، ألآية : 7 .
شمس ألمرأة لا تغيب 69

الله للأزواج ، وهناك زوجات يخاف منهن ان لا تكون كذلك ويكون لهم تمرد على تلك القوانين التي فرضها الله لحرمة الحياة الزوجية ، فعلى الزوج ان يقوم بتربيتهن قبل وقوعهن في الخطأ وتعرضن للخيانة ، فيما اذا ادرك ذلك منهن ، ولهذه التربية مراحل ثلاث بينها الله بالتدريج تبدأ بالوعظ والارشاد والاقناع ، وتنتهي بالضرب مرورا بهجر المضاجع ، وقد افرط البعض في تفسير الايات مما أساء الى الاسلام ، ولكن اعلام المفسرين ذكروا بان المقام مقام تربية وليس مقام التأديب لان مجرد الخوف لايتناسب معه التأديب ، وتفسير الخوف بالعلم بعيد من السياق ، وقد ذهب معظم اعلام المفسرين ان المراد به الظن (1) ليكون المقام مقام تربية لا تاديب ، وهو من باب تدبير امور البيت الزوجي التي نزلت فيه ألآية جميعها وهي القيمومة .
وفسر النشوز بعدم طاعة الزوجة لزوجها في الامور التي فرضها الله عليها والتي من اجلها عقدة هذه الشراكة والتي محورها الحقوق الزوجية المعروفة (التمكين) ، وربما يطرح هنا سؤال نفسه ، هل النشوز خاص بألمرأة او ان الرجل ايضا قد ينشز ؟ ونجيب على ذلك بقوله تعالى « وَإِنِ امْرَأَةٌ خافت

(1) راجع قلائد الدرر : 3/147 .

السابق السابق الفهرس التالي التالي