ديوان الحاج بدقت ألأسدي 117

فكأن ألأخفاء قد كان في إشــ ـراقها وألإشراق في إخفاها(1)
إن أجلى ما قد توسمت فيها أنها مستحيلة رؤياها
كلما جال منظر الفكر فيها فرأى غير أنه ما رآها
ظل في كبريائها(2)كل وصف فأعتبر كبرياء من سواها
عظمته بكل معنى وقد عــ ـظم في كل عالم معناها
صار عند إفتقارها لغناه كل ذات فقيرة لغناها
أي ذات كانت وما جاء عنها كونها وإستقام عنها بقاها
كل شمس جرت على فلك لم تأت إلا حكاية لسناها
هي في مركز الكمال ولكن كل أرض بشمسه ما سماها
ليس تنجاب ظلمة الكون لو لم ينجلي في جهاته ذكراها
يتدفى كل عالم بشؤون مقتضى سر كونه أبداها
لم تقم نشأة من الخلق إلا ولإظهار أمره منشاها
كل ذات تنبيك عنها بشأن والمراعي بخلقها أنباها
كلما ضمت العوالم قدما ما أهاجت أمينة لجتلاها
غير ما أبرزت إلى الخلق من أ.. ...تاها حسبما أقام نهاها(3)
إن أدنى السنا وأن قابلته مقلة كي تجسه أفذاها
ولقد عمت البرايا وعادت فإجتلاها وعودها كإبتداها
نقطة أثبتت على كل لوح وإحتوى كل عالم محتواها
لاح عنوانها على كل ذات وتجلت لها على مقتضاها


(1) ألأخفاء : يريد بها : ألأظهار . قال البهائي : (أخناك ظهور عنهموا وأبانه) ويقال :
خفاهن من أنفاقهن كأنما خفاهن ودقٌ ذو سحاب مركب
وأخفاه : أي أظهره وإستخرجه .
(2) كبرياء : تكبر الرجل ، وتكابر وإستكبر ، كان ذا كبرياء .
(3) النهى : العقل .
ديوان الحاج بدقت ألأسدي 118

حين شاءت إيجاد بدء البقايا والذي كان موجبا أبداها
إن تراها بطاهر الوصف منها ظهرت بالعلي من أسماها
فأقامته في الوجودات قطبا (1) فإستدارت به رحى كبرياها
فأقام الدنيا ببسطة كف كل كون لم يستقم لولاها
مظهر في البلاد شمس نوال أشرقت كل عزة بضياها
مورد كل قطرة من نداه تتناهى الدنيا ولا تتناهى
لو تحول ألأكوان أيسر آن عن أياديه لأستحال بقاها
قدرة ما أتى عليها (2)قدير أودعت كائنا وما لباها
فلو أن السماء تعيا عليه في مرام لحطها عن علاها
كل ذات لما أراد إبتداها ولإنقاذ ما يريد إنتهاها
دانت ألأنبيا له ويسير أن عبيد دانت إلى مولاها
إنما آدم ابو الخلق لكن مذ وعت نفسه رأته أباها
وبعينيه يصنع الفلك نوح لمراع في الغيث قد راعاها
وجرت وهي باسمة مجراها ورست وهي بإسمه مرساها
وهو أنجى نفس الخليل من النا... ...ر وغير العجيب أن أنجاها
إن من كان سر إيجاد نفس كيف لا يستطيع كشف أذاها
إن موسى أبلى مناظرة الكهــ ـان فيما أتت به وإبتلاها
فتولوا يلقى لديم عصاه إن رآها ألقت لديه عصاها
أن أوفى إعجاز عيسى الذي أبــ ـداه أحيا ألأموات بعد فناها
أ فهل جاء حتفها عن سواه أو ليس ألإعجاز في إحياها
بقضاه أماتها ملك الموت وعيسى بإذنه أحياها


(1) القطب : ملاك الشيء ومداره . يقال : (هو قطب ذلك ألأمر) أي ملاكه ومداره . جمع : أقطاب وقطوب وقطبة ، وكل ذلك مجاز عن قطب الرحى.
(2) عليه ، وهو الصواب.
ديوان الحاج بدقت ألأسدي 119

وهو للمصطفى أخ وظهير وكفى نفسه عُلا بأخاها
واقف نفسه على ما يراعى ليس يجري إلا بما أجراها
سيما لو دعا به للمنايا كان أهنا اللقا إليه لقاها
أنبتت ليلة المبيت وهل تعــ ـرب عن ذي مشاعر أبناها
أي شيء ذاك الفراش فقد أحــ ـرز من كل غاية أوفاها
هو عرض ألإله وألأملاك ما فيه ونفس الباري عليه سارها
من لحرب إذا نحته بحرب يملك الحتف دونها أن نحاها
يوم أمته بالردى لديار يذهل الموت أن يداني حماها
أوجست (1)عرفه يروع المنايا أي روع يلقى على لقياها
فرأت واحد السموات وألأر ض ثباتا فأنكرت مرآها(2)
ما حماها إلا ألفرار وما أعــ ـيا عليه طلابها وحماها
عرفه صارم ألإله فما سا(3) م نفوس الضلال إلا براها
شان محا الكلمات والوتر عند لقياه ليس يقفو ثراها
فإعتراها رعب يذيب الرواسي وضلال له إذا ما إعتراها
كم ترى هاربا لو أعترضته نفسه في طريقه لوطاها(4)
كل نفس أمست سليلا ولكن أين تنحو تخاله تلقاها
إن هذا أدنى الذي توجته من إلهيّ عزمة فاجاها
هكذا دابه ومرغوب نفسه دون هذا في الغار قد أخفاها


(1) أوجست : أوجس الرجل إيجاسا وأضمر ، يقال (أوجس الرجل فزعا أحس به) وقوله تعالى : «وأوجس منهم خيفة» ألأذن سمعت حسا. خفاهن ودقٌ ذو سحاب مركب (2) ألأصوب (من رآها) .
(3) هكذا ورد في ألأصل .
(4) الوطأة : المرة وموضع القدم وألأخذة الشديدة ، وفي الحديث الشريف : (أللهم أشدد لنا وطأتك على مضر) أي خذهم أخذا شديدا .
ديوان الحاج بدقت ألأسدي 120

أن تلى المصطفى فأي مقام قامه أم صنيعة وفاها
إنما المصطفى تحجب فيه ما دعي فتكه(1)العدى وإتقاها
تلك إظهار حكمة وشؤون وإليه ذو العرض قد أوحاها
كيف يتلوا نفسا جرت لمدام والعلي ألأعلى له أجراها
زاعما روعت وقصد المواسا ة تلاها وأينه من تلاها
والمواسي نفس بوقع مسلم أن حي خلفها فما واساها
فإعتبر حين قال أحمد «لا تحــ ـزن» تصب ما ذكرت معناها(2)
يوم لم تلف ذره عنه إلا تجد الرعب آخذا بقواها
فإذا كان ذلك الحزن رشدا فلماذا خير الورى ينهاها
فإذا كان ضلة فهو لولا أنه ذو مضلة ما أتاها
سنة أين مدعون إماما من مواداتها ومن أخفاها
زعموا أن من شؤون علاه ويح نفسي هذي شؤون علاها
أين هذا ممن بأيسر شاد جاز من حلية المعالي مداها
ما المعالي إلا شؤون له تنـ ـمى وكانت معاليا أسماها
أي نفس شأت جميع الورى فخـ ـرا بأدنى فخر حواه سناها
أسد ألله تذهل الدهر منه عزمة قصد غيره ما مضاها
ليس تعي بأن تحل فناء ألــ ـدين قوم إلا وحل فناها
شرعة المصطفى به يوم بدر أشرقت شمسها ولاح ضياها
لم تجد في الورى سواه ظهيرا وهو ما جاء كي يشيد سواها
يوم دارت رحى الوغى (3)والمنايا(4) أولجت كل موكب في لهاها


(1) فتك به فتكا أي بطش به ، وقيل قتله على غفلة.
(2) مأخوذ من ألآية الكريمة : «لا تحزن إن ألله معنا» .
(3) الوغى : الحرب.
(4) المنايا : جمع المنية ، الموت .
ديوان الحاج بدقت ألأسدي 121

عضت ألأرض بالحسام وشد الر مح ما بينها وبين سماها
فنماها والموت حتى كأن لم تك كانت أدانه قد نحاها
ضاق رحب الفضاء قتلا ولولا عزمه ما يضيق رحب فضاها
ما قضى قبلها إذا سيم حربا مرديات عليهم قد قضاها
مالك عزمها بغير وثاق(1) ومبيد بلا خراب وقاها
والجبال إستراب(2)قد ضاقت ألأر ض به وإلتقت على أرجاها
وإختفى بالعريش عن هفوة السيــ ـف وهل للنساء إلا خباها
ليس تنضي عنها قميص المخازي كل نفس نضت قميص حياها
لم ينل نفسه من العذل شيئا كل لاح فيما جنته لحاها
من تمادى وما درى ما المنايا أي نكران داعه مرآها
إن من فرض شأن كل جبان إن درت نار معرك ورّاها
أن يرى أن ملتقى القوم فيها من أمور إليهم ما يراها
وأبو عذرها إذا ضاق بالبا س فضاها وزلزلت أرجاها
كم رؤوس تخالها قد أبينت كاد أن ينتضي الحسام نقاها
ونفوس حدى المنايا إليها محض أبناء أنسه ناواها(3)
لو أجادت نفس الردى منه نفسا لسناها بالسيف كاس رداها
أي قوم تأتي الهدى بمبير ما حماها بالحتف(4)عن مثناها
يوم أحد وتلك واحدة الدهــ ـر خطوبا للحشر ما تتناهى
ليس تصدوا صوارم الدين إلا ودوى من دمى الضلال صداها
يوم جاءت ترجو بأن تطمس الــ ـدين وقد خيب الحسام رجاها


(1) الوثاق : وثق الشيء ، يوثق وثاقه ، قوي وثبت وكان محكما .
(2) إستراب : إسترابه وقع في الريبة وبه رأي منه ما يريبه .
(3) ناوأه مناواة : فاخره وعارضه وعاداه .
(4) الحتف : الموت جمع حتوف يقال (مات فلان حتف أنفه ) .
ديوان الحاج بدقت ألأسدي 122

آل حرب وهل ترى آل حرب قعدت عن محمد بأذاها
يوم عاد إنبعاث سير المنايا لإختلاس ألأرواح قبل خطاها
وطغى عثير(1)الضوامر حتى خيل أن ألأرض إلتقت لسماها
كلما بادح الحسام عمودا أغمد ألإضطراب في أحشاها
لم تجد ملجأ سوى أن تلاوت وهو في كل معرس ملجاها
ثم زاغت(2)في المسلمين أناس لا أرى في العدى لهم أشباها
فأعدت ثباتها للأعادي وإستعادت قرارها وإلتواها
فيعار الفتى معارج أسبا ب السموات هل يطيق إرتقاها
نالت المشركون بالرعب منهم ما كفاه من أن تسل ضباها
ما أتاه الظهير إلا لواه الــ ـرعب حتى كأنه ما أتاها
فإنتضى (ذو الفقار)(3)فيها فخلـ ـت الشمس مذ اشرقت فزال دجاها
تلك أم الردى بيمنى يديه إنما ذو الفقار من أسماها
بدم لو وهى بها في كفاح لعفى مهلك العدى إيماها
فإعتبر بسطها تجد قد أمدّ ألله كل الورى ببعض نداها
لو قضت حسبما إستطاعت نوالا لم ترد نفس كل شيء رداها
مظهر القدرة القديمة لكن ربها كف حيدر سماها
يا حسام ألله الذي بشباه فل من أمة الضلال شباها
ليس تأبى أن تنبري في سبيل ألـ ـدين قوم إلا به قد براها
ما دعت ملة الهدى بغياث كل دهر إلا إستجاب دعاها
إنها شرعة ورب البرايا كل دهر بمرسل أبداها
وهي لولاه ما إستقامت ولا يهــ ـبط من كل عامل لولاها


(1) العثير : التراب.
(2) زاغ يزيغ زيغا : مال البصر كلّ ، الشمس مالت .
(3) ذو الفقار : كناية عن سيف ألإمام علي (ع).
ديوان الحاج بدقت ألأسدي 123

كم خطوب تفل حد المنايا قد لقته(1)من دونها ولقاها
إن فيها يوما أعز المراعي للذي عن عناية يرعاها
يوم عمرو ولم يكن يوم عمرو وبعظم من الزمان يطاها
يوم يستأذن النبي فريق لمساع وما سعى لاقتناها
إن ارادت بذاك إلا برارا جسمها لو تناله وكفاها
تتحرى للحزم في خطو عمرو ولذا أقصرت إليه خطاها
يوم وافا فظنت الشرق والغر ب بجيش للحزم قد وافها
ودعتها لكنما ما وعته مذ دعي بل كأنه ما عناها
ثم باتت من بعدها بإضطراب ليظنها إلى خلاف نهاها
فأرادت من ذلك الهول أن تسـ ـلم خير الورى إلى أعداها
تبتغي عزمة أمرء تلتجيها وهي فيها لكنها لا تراها
فأتاها بها أبو ذلك الحر ب وكل الحروب كان أباها
فرآها كأن كل بني الغبرا ء جيش وكان ما قد رآها
حربها قائم على ساق عمرو وهو في بدء خلقه قد براها
أ غريب إذا برى ساق عمرو فبراها حسامه فضناها
وإنبرى نحو أمة شايعته ورماها فأي مقت عداها
فرأت همة فودت بأن تلـ ـقى رداها من دون أن تلقاها
همة قومت عمود الهدى بل لا أرى للهدى عمودا سواها
فإستجارت بكل ما بدء ألــ ـله وأين المجير ممن دهاها
فترى ثلة تلقفها السيــ ـف وأخرى إسلامها أنجاها
مذ أجابت داعي الهداية إذ لم يرتقب بالذي رماها سواها
فإستقامت على الطريق وولت وجهها شطر وجهة ولاها


(1) لفته : لفاه أي : بخسه حقه .
ديوان الحاج بدقت ألأسدي 124

وبني دارة(1) الهدى بالمواضي ورساد الدارة قد بناها
ما نحى أمة ليمضي عليها الذين إلا أمضاه أو أفناها
أترى صائلا يعاضده ألله على عصبة وما إستولاها
كيف يحمي عن نيله ألله شيئا وجميع الورى له أنشاها
وهو أدى للخلق عنه أمورا مستحيل على سواه أداها
أترى صادفت غواة قريش غيره من بذيلها عن غواها
يوم لا تنثني لرشد ولكن عام فيها حسامه ففناها
يا ترى لو يزورها في حنين غيره هل يطيق محض لقاها
من غدت مستغيثة الدين تدعو هل أصابت سواه من لباها
فأقام المنافقون برعب أطمع المشركين في إستيلاها
أعجبت كثرة الغديد أناسا ثم ألوت والعجب سر إلتواها
مذ رواها لم تغن عنهم وضاقت بهم ألأرض بعد رحب فضاها
شب فيهم لظى الصوارم حتى خيل أن الجحيم أبدت لظاها
جرد السيف ذي الفقار فما أطــ ـفى سناها إلا بفيض دماها
كم نفوس أماتها ونفوس هي موتى بجده أحياها
من رأى صارما يميت ويحيي صفة لا تخل سواه حواها
كم رؤوس بحده قد أبينت فكأن الجسوم لا تهواها
ذاك لو لم يبد قدوم قريش لم يجب داعي الهوى شيخاها(2)
أبصراها حصيده(3) أين تنجو وإنتضاه مبرها ونحاها
إن توهمت قد أجابوه طوعا فأنظر الضلة التي أحكماها


(1) دارة : يقول إبن نباتة المصري :
والفضل واللفظ الرفيع الذي من دارة البدر إنثنى داره
(2) شيخاها : هما أبو بكر وعمر بن الخطاب.
(3) الحصيد : الزرع المحصود و (حب الحصيد) أي حب البر المحصود.
ديوان الحاج بدقت ألأسدي 125

أي نفس ينمى إليها صواب وهي ما جانبت سبيل خطاها
صحبا أحمدا وكل خطيب هل وجدتم من شبقه أو زاها
أم وجدتم من موطأٍ وطئاه للمعالي أم غاية بلغاها
إنما كل مشهد شهداه لبرود المذلة إرتدياها
كم فخار أن يعتبرها ملب يجد الخزي سيقة ما سواها
نكبة يوم خيبر نكباها هي من مخزياتهم إحداها
يوم قاما ليخمدا غولة(1) السيــ ـف التي كل كائن قد وعاها
ومتى أشرفا على خطر الحر ب التي يذهل الحشا مرآها
وحدا عندها حدود سيوف يهدم الراسيات وقع شباها
فإستجابا هذا يؤنب هذا قد عدتنا صنيعة مرعاها
من لنا بالقتال والضرب بالسيـ ـف وحرب العدى وسفك دماها
كل خزي بدت به ذات بغي هو أدنى من سبة ركباها
أوردا آية الهدى مورد الهون(2) وآبا فبئسما أورداها
فدعا المصطفى بأنفذ أهــ ـل الكون عزما في أرضها وسماها
أين من ليس لي سواه ظهير إن دارت أم الخطوب رحاها
فأتى يرمق الضلال بعين وبها الغيظ معرب عن قذاها(3)
فمضى ينسف الفوارس نسفا كرمال ذرُّ الرياح ذراها
فبرى مرحبا بحد حسام قد أشاد الدنيا به من براها


(1) غولة : أتى غولا غائلة أمرا داهيا منكرا والغول مصدر .
(2) هان يهون هونا : هان ألأمر ، سهل ولان وقيل : (هون عليك) أي خفف ولا تبال وفي المثل : (إذا غرَّ أخوك فهن) أي إذا تعزز وتعظم فتدلل وتواضع .
(3) القذى : ما يقع في العين وفي الشراب من يثنة أو غيرها . أو ما أراقت الشاة والنماقة من ماء ودم . وقيل : (صار ألأمر قذى في عينيه) أي اقلقه وإجتهد في إزالته كما يكون من وقوع القذى في العين .
ديوان الحاج بدقت ألأسدي 126

ضربة في اسافل ألأرض كادت أن تحط ألأملاك من أعلاها
فإلتقاها جبريل عنها ولكن هو أعطاه قوة فإلتقاها
ودحى بابها لأعلى السموا ت بعزم كعزمه إذ دحاها
فسقاها من كوثر القدس شربا دائها شوقها له فشفاها
لا تخل معجزا إذا نال من قوة الظليل نيلا قضى برداها
كل نفس تلقي المقدر منه أن يكن في بقائها أم فناها
إن نحا وجهة أساخ فتاها ألـ ـرعب من قبل أن يحل فناها
إنما فتح مكة بيديه لم يكن من أموره أسناها
يوم أعطاه عادة النفس حيرى هل سوى خرف يأسه أعطاها
حين غصت شعاب(1)مكة بالبيـ ـض وضاقت من الفنا أرجاها
فدعاه داعي المنايا ولولا أن يلبي الهدى للبّا دعاها
ثم أعطى يد الذي صارم الديــ ـن ولولا أعطائها لبراها
كان يبدي ضغائن الشرك لكن مذ رأى حتفه بها أخفاها
أبصر السيف فإتقى ملة ألــ ـحق ولولا إنتضاؤه ما إتقاها
خطة قاده إليها قدير لو يقود الدنيا لها لثناها
عرفه صاغها ألإله كما شاء وفيما يشاؤه أمضاها
كم قلوب لم تبر من علل الشرك سقاها حسامه فبراها
لا تخل عزرئيل يسقي الورى كأ س الردى حين يقتضي سقياها
مستقلا عن أمره فإذا شا ء سقاه الكأس التي قد سقاها
شمس قدس فما أضاء الوجو د العام إلا أشراق أدنى سناها
إنما النجم مذ رأى دار علياه هوى من سمائه لفناها


(1) شعاب الشعب بالكسر : الطريق في الجبل ومسيل الماء في بطن أرض ، وقيل : ما إنفرج بين الجبيلين ومنه ذهبوا في شعاب مكة ، والحي العظيم وسمة للإبل لبني منقر والناحية جمع شعاب.
ديوان الحاج بدقت ألأسدي 127

كيف يهوى عن السموات لو لم (يارداد) أيوفي عليها علاها
لو تدبرت أي فضل عميم كل نفس بحسبها أولاها
إنما الرسل في أرئيت الصحف ولولاه هل أتى(1)ما أتاها
شرف لو أنلت كل وضيع بعضه كي يشيدها لكفاها
ويد أظهر ألإله نداه لجميع الورى ببعض نداها
وفؤاد ثباته أبلت الدهــ ـر وأرسى جباله في ثراها
وحسام منه تعلم عزرائيــ ـل ونزع ألأرواح من أشلاها
صارم لو قضاه في مبدأ الدنــ ـيا أتى حده على منتهاها
فكأن ألأرواح موصولة في حده كلما قضاه نفاها
وبه تقتدي المنايا ولا تـ ـسأل دوما إلا إذا أرداها
فالبرايا بربه مقتداها والمنايا بضربه مقتداها
إن سيفا تصوغه قدرة ألـ ـله وبنفيه من به أبداها
أن يرى مرحبا وفرق عمرو(2) فهي أدنى .... ضربة قد براها
لو تلقى به السموات وألأر ض ومن حل فيهما لبراها
أخذت ظلمة الضلال البرايا فتجلى إشراقه فمحاها
ملكته يد إذا نال جدوا ها نفوسا أماتها أحياها
نقمات تفنى الزمان نعاء نعيه ألأموات بعد فناها(3)
والتي أوقدت قلوب ألأعادي نبأة عن جلاله أنباها
وردت عنهم وأعظم به من فضل نفس ترو عنها عداها


(1) إشارة إلى سورة (هل أتى) التي نزلت في حق ألإمام علي (ع) .
(2) عمرو : هو عمرو بن عبد ود العامري الذي ضربه ألإمام علي (ع) في يوم الخندق وقال النبي (ص) في ذلك (ضربة علي في يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين ) .
(3) هكذا في ألأصل .
ديوان الحاج بدقت ألأسدي 128

إنما المصطفى أشار معاليـ ـه وعلا في الخافقين نباها
يوم خم(1)مذ أشرقت غرة الــ ـدين وعم المكونات ضياها
يوم أضحى رجاء أحكام حال عالم ما يؤول في عقباها
مرتق ذروة ثوى أن أعلى عليه تبليغهم إياها
قائلا أن بادئ الخلق لولا قصد تبليغ هذه ما براها
إنتهى بالورى إلى غاية ما كنت أرسلت للورى لولاها
رأفة ألله ليس تبقى البرايا دون راع بأمره يرعاها
وإذا ما أقمت بعدي وليا كل نفس ترى إتباع هواها
وتقول ألأعداء إني تركت الخــ ـلق بعدي سدى فضلت عداها
أيها الناس دعوة كل من في ساكن ألأرض والسما قد دعاها
إن ربي قد إرتقى بعد نفسي نفس من حاز في حياتي أخاها
كل نفس تدين لي بولاها فعليٌّ بعدي وليّ ولاها
أشبه الناس بي وكل نبي كانت ألأوصيا لهم أشباها
هو نفسي فكل من حاد عنها حاد عني ومن تلاني تلاها
وتولى ألإله من والاها وعدو ألإله من عاداها
رب إني بلغت كل بلاغ وبعينيك سخطها ورضاها
رب إني نهجتها لاحب النهـ ـج وأتيت كل نفس هداها
فأشادوا في ظاهر ألأمر دعوا ه وفي السر أحكموا إخفاها
وأسرو النجوى(2)بما أرفعوه وقصارى ما كان في نجواها
وأريت النبي أي صعا ب قادها لإبن عمه ولواها
تلك حال النساء منهاه لكن إن قضى بعده فلسنا نراها


(1) يوم خم : هو غدير خم .
(2) مأخوذ من قوله تعالى :« فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى» (طه62 ). وفي قوله أيضا : «وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ» (الأنبياء3).

السابق السابق الفهرس التالي التالي