منتقى الدرر في النبي واله الغرر م

ولبعضهم راثيا صاحب الديوان :
أتى الأفق مخفيا لغيبة نوره هلال رمى الدنيا بنحس شهوره
تسامت له الأبصار وهو إبن ليله كليل الخطا من ضعفه في مسيره
فقالوا نذير للورى إن عمرهم قصير الا بعدا ليوم نذيره
فقلت بشير الخلد هذا فقد سعى لها كاظم أهلا بوجه بشيره
أمير المراثي بتن بعدك شردا وما حيلة المأمور بعد أميره
عجبت لقبر ضم جسمك لم يذب لقلب يذيب الصخر حر زفيره
أفضت بيانا لو يصيخ له الصفا لفاضت له حزنا عيون صخوره
لك المنبر الأعلى الذي إن هززته فإن صليل السيف دون صريره
يخر له تاج المليك ويكتفي بأعواده عن عرشه وسريره
تخيلك الراثون في النعش خاطبا على منبر والناس بعض حضوره
وصلوا قياما ذاكرين قيامهم لندبتك المهدي بغيا حضوره
وردت نمير الماء فيه معسلا حرام على ثغري ورود نميره
بدى لك نور الله فإنصعت مصعقا كما خر موسى مصعقا فوق طوره
أبا حسن إن الجنان تزخرفت فسارع الى عين الجنان وحوره
ولا تبتئس إن الليالي غوادر نصيب الفتى فيهن كيل بعيره
أبو حسن أودى أبو حسن بقى لنا سلوة عو كوكب بنظيره
وما المرء الا ما يخلف بعده وكم ميت حي بذكر عشيره
وما كاظم الا إمام وبعده على ندى العافي حمى مستجيره
وإن أنس لا أنس الزكي وإنما يذكرني بالليث صوت زئيره
قصير لسان عن سباب وفحشة وعند إحتشاد الجمع غير قصيره
عكوف على وصل المعالي كأنما قضاء حقوق المجد بعض نذوره
يحوك القوافي طبعه وهو فائض كما يعشب الوادي لفيض غديره
فيا جعفر الفضل الذي لست محصيا علاه وهل تحصى نجوم أثيره


منتقى الدرر في النبي واله الغرر ن

عزائك أن الخطب جل وإنما على قدر وقع الخطب أجر صبوره
وما مات من أبقى شبولا تنابعت تسد من العليا مسد ثغوره
وأني لأرجو فيك من بعده بأن ترى مالئا منه مكان سريره
ودمت لكي تحييه فينا بذكره وتنشره بالفضل قبل نشوره


منتقى الدرر في النبي واله الغرر 1


منتقى الدرر
في
النبي واله الغرر


الجزء الأول
ديوان شعر المرحوم المبرور العالم الروحاني الخطيب المفوه الشهير
الشيخ (كاظم سبتي) السهلاني الحميري
طاب ثراه
وجعل الجنة مثواه


منتقى الدرر في النبي واله الغرر 2


صورته وهو كهل سنة 1311 هـ
صورته وهو كهل سنة 1311 هـ


منتقى الدرر في النبي واله الغرر 3

بسم الله الرحمن الرحيم
ترجمة صاحب الديوان

هو العالم الرباني نسيج وحده أخطب خطباء العراق الشيخ كاظم بن الشيخ حسن بن الشيخ سبتي السهلاني الحميري . وهو من سلالة علمية معروفة في النجف توفى عنه والده وهو صغير فاودعته أمه عند السيد حسن السلطاني الصايغ ليحترف الصياغة وكان أستاذه السيد المذكور من أهل الورع والتقوى طاعنا في السن فحدب عليه وخصه بعنايته لما رأى فيه من شمائل الذكاء والفطنة والنجابة وشجعه على طلب العلم لما رأى منه شوقا الى المطالعة وحفظ الشعر ساعة فراغه إذ كان يحفظ الشعر الرائع لمشاهير الشعراء كالسيد الشريف الرضي والكعبي والأزري والخطي ونحوهم لا سيما فيما يتعلق بمراثي أهل البيت . وإتفق للمترجم له شيخنا الكاظم يومئذ أن رأى في منامه ليلة الجمعة كأنه قد خرج للجبانة لقراءة الفاتحة فشاهد الوادي مزدهرا بالأشجار والنخل والأوراد وإذا بإمرأة ذات خفر وجلالة ووقار تصادفه فتعرفه ثم تشهيه من تلك الأثمار فطلب منها رطبا من خلة باسقة عالية بالقرب منه فقالت له إن هذه النخلة لودنا الشيخ كاظم الأزري ولكن هذه نخلتك ــ وأومأت الى تالة صغيرة ــ فإحتفظ بها وتعاهدها حتى تكون مثل هذه النخلة الباسقة ثم أعطته فاكهة فأكلها وناولته قدح ماء أبرد من الثلج فشربه ولما أصبح جعل يقص رؤياه على بعض الصالحين فعبروها له برفعة شأنه وشروه

منتقى الدرر في النبي واله الغرر 4

بما أهل له من خدمة ال البيت وحثوه على لب العلم ، فكان ذلك حافزا له على التفرغ لطلب المعارف العالية وإتخاذ الوعظ الديني والخطابة مهنة له خدمة لال البيت ، إنكب على تحصيل العلوم الدينية وما تتطلبه مهنته من المعارف الإسلامية وحضر على جملة من مشاهير العلماء والفضلاء منهم الشيخ ملا لطف الله المازندراني وكان من المقربين اليه ومنهم المرجع الديني الكبير الحجة الشيخ محمد حسين الكاظمي وكان من خاصته .
وبما له من ذكاء نادر وذوق عال وهمة كبيرة ولسان ذرب وحلاوة منطقية برز في مهنة الخطابة وحصل له إقبال عظيم من الناس لاسيما وقد جدد في غسلوب الخطابة بما لم يسبقه اليه سابق فكان أول من قرأ خطب نهج البلاغة عن ظهر قلب على المنبر وتجاوز المالوف في موضوعات الخطابة التي كانت مقتصرة على واقعة كربلاء فوسع في مناهج القراءة الى التاريخ والسير عن أحوال الأنبياء السابقين والسيرة النبوية وسيرة ال البيت عامة وتاريخ الإسلام بل وسع موضوعات خطابته الى أكثر من ذلك فكان يتطرق الى الموضوعات الكلامية والفقهية وإتخذ من المنبر أداة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ووعظ الناس وإرشادهم الى مافيه الخير والصلاح لهم في دنياهم وآخرتهم . والحق أنه كان مجددا في إسلوب البيان وإسلوب الحفظ إذ كانت القراء تقرأ واقعة كربلاء في المقاتل بغير حفظ كما جدد في توسعة موضوعات الخطابة المنبرية ، مضافا الى ما كان يتحلى به من حسن الذوق وحسن الإختيار فلا يروي من الوقائع التأريخية الا ما صح سنده عنده فلا يروي المرسلات ولا الضعاف ولا ما لا تقبله العقول ، كما كان متمكنا من إنشاء الكلام حسن التصرف في البيان والإنتقال من موضوع الى آخر بما يناسب المقام .
ولما إشتهر أمره وطبق صيته الآفاق طلبه جماعة من تجار بغداد وأكابرهم ورغبوا أن يسكن بين ظهرانيهم فلبى دعوتهم وهاجر بأهله سنة الف وثلثوائة وثمان من الهجرة وبقى هناك سبع سنوات يرقى المنبر الحسيني فإستفاد من معارفه ومواعظه خلق كثير وكان طيلة تلك المدة موضع الإحترام والتقدير من مختلف

منتقى الدرر في النبي واله الغرر 5

الطبقات حتى من الطبقات غير المسلمة . وفي سنة الف وثلثمائة وخمس عشرة من الهجرة جاء الى كربلاء لزيارة النصف من شعبان ثم قصد وطنه النجف الشرف فالزمه على العدول عن سكنى بغداد والرجوع الى النجف جماعة من العلماء والزعماء والتجار منهم شيخ الطائفة الشيخ محمد طه نجف وهو المرجع الديني ذلك اليوم ومنهم الحجة الكبير السيد محمد الطباطبائي بحر العلوم ومنهم التاجر الشهير الحاج جعفر الشوشتري فأجاب رغبتهم ورجع الى وطنه محفوفا بالتجلة والإحترام وموضعا للإعجاب والتقدير .
وكان رحمه الله يتحلى الى جنب ثقافته وبراعته الخطابية بالأخلاق الفاضلة والتقوى والصلاح وإباء النفس والترفع عن الدنيا والصغاير حتى إشتهر بذلك وصار مضرب المثل عند العامة والخاصة . وهذا ما زاد في قيمته الإجتماعية ومنزلته في القلوب فكانخدين أهل الفضل وجليس العلماء والصلحاء له المقام الأسمى في النجف والكلمة المسموعة ، وقد أخذ منه جماعة كبيرة من خطباء المنبر الحسيني وصار إسلوبه الخطابي منهجا يسير عليه الخطباء الى يومنا هذا ، كما تلمذ عليه جماعة من مشاهير الخطباء وكان أول الشروط له على من يريد التلمذ عليه التجنب عن الكذب وأن يتحلى بإباء النفس وعدم الخضوع لمن بيده الدرهم والدينار مهما علا شأنه .

أولاده

لوالدي المترجم له من الآولاد ما يزيد على خمسة وعشرين من الذكور والأناث ، مات بعضهم في حياته وكان أكبر ولده الشيخ محمد ثم الشيخ علي والشيخ عبدالحسين وحسن كاتب الحروف والشيخجعفر والشيخ محمود وهؤلاء كلهم خلصاء من أم واحدة وكلهم إشتغلوا في العلوم الدينية ولكن غلبت عليهم المهنة الخطابية . وكان أعز أولاده الأخير الشيخ محمود إذ بكرت فيه شمائل الفتوة والذكاء الفطري فخصه بعنايته وارخ ولادته التي كانت ببغداد بقوله :

منتقى الدرر في النبي واله الغرر 6

أتاني غلام وضيء أغر أضاء لعيني ضياء القمر
حمدت الاله وسميته بمحمود أشكر فيمن شكر
منير به ظلمات الهموم تجلت فأرخه (بدر ظهر)
1311

الا أنه عاجلته المنية وهو شاب فمات في أيام حصار النجف في ليلة كانت مهددة بالإحتلال من قبل القوات الإنگليزية وذلك سنة 1336 هـ فأثر فقده في والده وأهل بيته أثرا عظيما من الحزن والكآبة ولم ينس ذكره والده حتى توفى.

وفاته

توفى والدي المترجم له يوم الخميس عند الزوال آخر يوم من شهر ربيع الأول سنة 1342 هـ ودفن بعد الغروب فكان لنعيه رنة حزن وأسى في جميع البلاد لا سيما في النجف وصار له تشييع عظيم تقدمته المواكب العزائية من محلات النجف الربع ومشى فيه العلماء الأعلام ووجوه الطبقات ودفن في الصحن الشريف أمام حجرة شيخ الشريعة الأصفهاني وأقيمت له الفاتحة في داره التي كانت تغص بوجوه الناس وكانت المواكب لتعزية أنجاله تترى في الليالي الثلاث من جميع الأطراف ، ثم أقيمت له فاتحة ثانية في الحسينية ، وأقيمت له عدة فواتح في البلاد النائية والقريبة كالكوفة وبغداد والكاظمية وبندر أبو شهر في إيران . ورثاه جملة من الشعراء منهم الشيخ محمد حسن سميسم والشيخ مهدي الحجار والشيخ محمد علي يعقوب والشيخ كاظم السوداني.

شعره

كان لوالدي من الذوق الشعري ما جعله في مصاف شعراء النجف المبرزين وإشترك في كثير من حلباتهم ومساجلاتهم ، الا أنه غلب عليه الشعر في رثاء ال البيت عليهم السلام ومديحهم إذ إتخذ منه وسيلة ليوم أخراه والنجاة يوم القيامة ،

منتقى الدرر في النبي واله الغرر 7

ولذلك جمعنا من ديوانه ما يخص هذا الباب وسميناه (منتقى الدرر في النبي واله الغرر) في جزءين جزء في اللسان الفصيح والثاني في اللغة الدارجة إذ كان لا يقصر شعره فيها عن شعره في اللغة الفصحى .
ولما رأيت رغبة جماعة من إخواننا الخطباء وغيرهم في طبع هذا الديوان توكلت على الله تعالى فأقدمت علي طبعه طلبا لمرضاة الله تعالى وخدمة لوالدي المرحوم بإحياء احد آثاره الخالدة ، راجيا من الله تعالى أن يمهلني فلا يعجل علي الموت الذي لا بد منه قبل إتمام هذا العمل الذي أرجو أن يقربني زلفى اليه تعالى . وإني لملحق بعض ما جمعت من شعر أخي المرحوم الشيخ محمود المتقدم الذكر بشعر والده لما أعلمه أنه كان أثيرا عنده ولا شك أنه ستسره هذه المقارنة بين غسميهما ومنظومهما وهو في قبره أسبغ الله تعالى عليهما من شآبيب رحمته ورضوانه أنه أكرم مسؤول .

حسن الشيخ كاظم سبتي



منتقى الدرر في النبي واله الغرر 8


بسمه تعالى شأنه

نشأنا في أول هذا القرن (القرن الرابع عشر) وكانت النجف الشرف تطفح وتموج بطائفتين من الروحانيين (الأولى) العلماء وطلاب العلوم المهاجرين لطلب العلم (والثانية) الخطباء وأرباب المنابر من أولي الوعظ والإرشاد والذاكرين في المآتم التي تقام لذكرى مصائب سيد الشهداء سلام الله عليه وكان المع هؤلاء الخطباء وارباب المنابر وأشهرهم المرحوم (الشيخ كاظم سبتي) تغمده الله برضوانه وكان يمتاز ويتفوق على أقرانه وزملائه في ذلك العصر ، بصفات كثيرة وسجايا فاضلة أهمها شدة الورع والتقوى وملازمة صلاة الجماعة والحرم الشريف وأمثال ذلك من تعظيم الشعائر والالتزام بأحكام الدين ومن جملة كمالاته أو أدناها قريحة الشعر وملكة النظم وكان مكثرا ومجيدا وسريع البديهة وكاد أن يكون متخصصا في شعره بمدائح أهل البيت ومراثيهم سلام الله عليهم ومن العمل الصالح الجميل طبع ديوانه وإحياء أثره وتخليد ذكره فإنه من الباقيات الصالحات «وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً» وجزى الله العاملين والساعين في نشره وطبعه أجرا جزيلا

حرر في مدرسته العلمية سلخ ربيع 2 سنة 1372
محمد الحسين كاشف الغطاء



منتقى الدرر في النبي واله الغرر 9

بسم الله الرحمن الرحيم
حرف الهمزة

قال رحمه الله في رثاء سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام :
ضاقت بك الدنيا فهل لك كل ملجأ تأوي به عنها فإنك ملجأ
ذهبت بـك الآمــــال أن نعيمهـــا باق وأنت بظله متفيء
دنيا إذا منحتك يوما وصلها فكأنما منها بنصل توجأ
غدارة غرارة غوالة أي إمرئ منها نجا فهو إمرؤ
فلقد سئمت بها الحياة أحب ما قد كنت من ذكر المنية أشنأ
فيما إفتخارك يا إبن آدم باذخا ولأنت تقهر بالفناء وتقمأ
صعرت خدك والتراب نسيته يا من اليه عوده والمبدأ
وثنيت عطفك كالنزيف منازعا بالكبر جبار السما تتكفأ
وأمنت نفسا خادعتك وذو الحجى أنى ينزه نفسه ويبرئ
يا للرجال عجبت ممن لم يزل في غفلة من لا يزال ينبأ
وافاك جيش الموت وهو عرمرم وبدت طلائعه وإن هو يفجأ
أفنيت بالتسويف عمرك موقنا بغدٍ كأنك في غد تستهزئ
بادر الى تلقاء حشرك نادبا من في المعاد يكف عنك ويدرأ
وإبك الحسين ومن له بكت السما والأرض فيما فيهما لم يهدؤا


منتقى الدرر في النبي واله الغرر 10

أيام الّبت الضغون لحربه حربا يغص بها الفضاء ويملأ
طمعت بأن الليث يخضع ضارعا ولغدها ذاك الأبي يطأطأ
فثنى الجموع يشق ظلمة غيها بسنا وجوه نورها يتلالأ
بيض الوجوه مضيئة أحسابهم ووجوههم كالشمس بل هي أضوأ
قد جانبوا دار الهوان وقوضوا عنها وفي غرف الجنان تبوءوا
صرعى كأني بالحسين عليهم أحنى على ماضي الشبا يتوكأ
ناداهم ونداؤه يشجي الصفا وبقلبه جرحا لهم لا يبرأ
ما خلت يا أحباب قلبي وهو من زبر الحديد بكم يذوب ويصدأ
ذهب الحمام بكم وكنتم للهدى كهفا فما يدري الى من يلجأ
وتواثبت عصب الضلالة بينها حنقا وبين السبط حقد ينزأ
فنحا الكريهة مفردا لم تثنه تلك الجموع ولا ظهير يدرأ
دبت عليه كالدبا وتدفعت كالسيل وهو بجمعهم لا يعبأ
ولقد أريش له سهام حقودهم فأصابه في القلب سهم مخطئ
فهوى صريعا فالضلال من الهدى قلب يسر له ويشفى جؤجؤ
ظام الى جنب الفرات فليت لا عذب الفرات ولا رويت ويظمأ
أ يراق فيه دم الحسين على ظما ويسوغ لي منه الورود ويهنأ
من مهر فاطمة الفرات وولدها عن ورده وهو المباح تحلأ
يوم الحسين سعرت قلب المصطفى والمرتضى بلظى أسى لا تطفأ
وسجرت أحشاء البتول فلا جوى قلب يبوخ ولا دموع ترقأ
من بينهم كم فيك رأسا في القنا يهدى وجسما بالسنابك يوطأ
جسم الحسين على الصعيد ورأسه يتلو الكتاب على الصعاد ويقرأ
وكم إستفزت في الخباء خبيئة كانت وفي حرم النبوة تخبأ
مذهولة تدعو وتنظم قولها فكأنه والدمع ينثر لؤلؤا
حال لرؤيتها تسوء عدوها ودخولهن على إبن هند أسوأ


منتقى الدرر في النبي واله الغرر 11

وأمين وحي الله سيق مقيدا يهدى أسيرا للطليق ويخذأ
أنا لم أزل يارب أربو راضعا من ثدي زاكية الولاد وأنشأ
واليت ال محمد فأفر من أعدائهم مما برئت وأبرأ
إني بفضل ثنائهم ورثائهم ما طال عمري منشد أو منشئ
لا أستطيع وأن أطلت مديحهم فكأنني بختام قولي أبدأ
* * *

وله هذه الهمزية وجدناها مسودة في نسخ بعد موته بقلمه في رثاء الحسين عليه السلام :
سل بمنى ركبا سرت أنضاؤه في غاسق تلفها ظلماؤه
حدا بهاتيك الركاب سحرا حادي النوى فهاجها حداؤه
يرغو عليها كل فحل هايج هائمة تزجها هيماؤه
قد ضعنوا عن الحجاز فغدت لفقدهم مقفرة أرجاؤه
ويمموا أرض العراق فغدت بنورهم تشرق كربلاؤه
جماة بيت الله من شيدت بهم لكنما يجلو الدجى سناؤه
أشم من عليا لوي قد سما نجم السما فدونه جوزاؤه
قد سل في كف الإياء سيفه ورف فوق رأسه لواؤه
فيما حباه الله من شفاعة يغبطه في الحشر أنبياؤه
إن له مثوى بأرض الطف لا يخيب من داع به دعاؤه
أعيى به الطبيب عمن شفه السقم ففي ترتبته شفاؤه
أكرمه الله بخير بقعة قد حسدت به الثرى سماؤه
وإنما والدهر عم جوره أئمة العدل به أبناؤه
يا لهف نفسي للحسين ما لقي من زمن طال به بلاؤه
قد حرم الماء عليه ظاميا حتى إستحلت دونه دماؤه
ولم يذق عذب الفرات طفله ليت الفرات العذب غيض ماؤه
أهكذا خير الأنام المصطفى يكون من أمته جزاؤه


منتقى الدرر في النبي واله الغرر 12

بيت النبي المصطفى مهدم بناؤه ومحرق خباؤه
هذا الحسين ثاويا في كربلا بين الظبا قد نهبت أشلاؤه
قضى الى جنب الفرات ظاميا تنهله عن مائه دماؤه
فاظلم الكون وحال دونه كأنما صباحه مساؤه
وراح ينعى الروح خير ميت فزلزل الأرض شجى نعاؤه
بلغ أباة الظيم ال هاشم إن الحسين يبيت نساؤه

له أيضا في رثاء الزهراء «عليها السلام» وكان قاصدا من بغداد زيارة أمير المؤمنين (عليه السلام ) فلما بات في خان الحماد أتاه آت جليل فقال له لم لم ترث الزهراء بنوحية ؟ قال لما كانت إقامتي في بغداد لم يسعني ذلك ، فقال له : لابد من ذلك ، ثم فارقه ، فإستهل : (خذي يا عين ويحك بالبكاء) فما أصبح الصبح الا وهي تامة ، وكان لها أثر عظيم على السامعين كلما فرئت وصارت لها شهرة كبيرة في المجالس الحسينية . ذكر ولده الشيخ حسن أنه ساله قبل موته عو ذلك الآتي من هو ؟ فقال : كلما أجلت النظر في الحرم والصحن والسواق لم أر ذلك الشخص فما هو الا من رجال الغيب أو هو الإمام المهدي عجل الله فرجه . والنوحية هي هذه :
خذي يا عين ويحك بالبكاء على الزهراء سيدة النساء
صلي ببكائك الهادي النبيا وخير الناس كلهم عليا
وواسي بالبكا الحسن الزكيا عليها والشهيد بكربلاء
لفادح رزئها في القلب جرح دموع العين منه دما تسح
وفيه لزند ذاك الرزء قدح فيذكي في الصباح وفي المساء
الا شلت يد مدت اليها بسوط جفا يؤلم منكبيها
أسلو القلب من أبكى عليها شرار الناس خير الأنبياء
لضل شرار قوم جرعوها كؤوس الحتف والهادي أبوها
سليلة أحمد لو أنصفوها لقام بنصرها دان وناء
يؤرقها المصاب وهم رقود ويجحدها الزنيم وهم شهود


منتقى الدرر في النبي واله الغرر 13

سقيم القلب أضنته الحقود وداء الحقد أعظم كل داء
أحن لها ولي قلب مروع وطرف تستهل به الدموع
أفاطمة ترض لها ضلوع بعين الله جبار السماء
تنوح لما رأته من الصغار فما هدأت بليل أو نهار
فيا عجبا وحكم الله جار أيجري هكذا صرف القضاء
يقاد الضيغم الكرار قهرا وتهضم بضعة المختار جهرا
وتدفن في ظلام الليل سرا فلا برح الظلام بلا ضياء

حرف الباء

وله في رثاء أمير المؤمنين «عليه السلام»:
كم سل سيف الدهر من قرابه فإعتاض عنه الصعب من رقابه
وكم له قد نصبت حبالة يعتاق فيها الصقر في هبابه
وكم أبيح من أباة ضعنوا ربع يناط العز في أطنابه
وكم فتى شاد القباب فغدا ينعى غراب البين في قبابه
يا قاعدا والحتف فينا قائم يختلس الحبيب من أحبابه
أنى تفر فملاقيك الردى وأنت بين ظفره ونابه
فكم تنادي للنوى أحبة يحملها البين على أقتابه
لشد ما روعني مصابهم وطالما جرعني من صابه
عاتبت فيما نال منها الدهر لو أصغى ولو أكثرت من عتابه
حتى إذا الحادي حدا بركبهم وإصطكت الرقاب من ركابه
جرت دموع العين حتى نفدت فمدها الفؤاد من مذابه
يممت ربعا ذهبوا عنه فما أبقى به الدهر سوى غرابه
فظلت في أكنافه مسرحا طرفا يضاهي الغيث بإنسكابه
حتى سمعت هاتفا يهتف بي من دارس الربع ومن يبابه


منتقى الدرر في النبي واله الغرر 14

ويحك يا من لم يزل مروعا في دهره ما عاش من أحقابه
وال عليا واقع الدهر به مستسهلا ما شئت في صعابه
يمم حماه هائما بحبه هيام قلب الصب في شعابه
ولذ بخير جدث حل به ترى الملوك سجدا ببابه
بل أن من زواره الرسل فما الملوك والأملاك من حجابه
إين الثريا والضراح من ثرى ضريحه والمسك من ترابه
فإخلع هناك أنه وادي طوى وزاد أن المرتضى ثوى به
فيه يد الله التي عم الورى سيب نداها كندى سحابه
قضى شهيدا وهو خير من قضى في الخلق طرا من ذوي البابه
وعضبه الماضي مجير دينه من فرق الكفر ومن أحزابه
وصاحب الكوثر والاقي غدا في العطش الأكبر من شرابه
قد عمه بالفضل دون خلقه وخصه بالمدح في كتابه
فإجهد الله طغاة جهدوا أن يخمدوا الثاقب من شهابه
وحل فيهم غضب الله فكم جدوا تعالى الله في إغضابه
كم فتحوا لا فتح الله لهم للكفر أبوابا بسد بابه
وقد أطلوا دمه وهتكوا ما هتكوا لله من حجابه
يا للرجال ما جنى إبن ملجم بغى فزاد الله في عذابه
جاء ووجه الليل مثل وجهه دجنة يشق من جلبابه
حتى إذا ما جن ليل غيه والصبح قد أسفر عن نقابه
جرد عضبا سمه بغدره ففل سيف الله في ذبابه
شلت يداه قد أصابت يده من قد أصيب الدين في مصابه
فأي طود للهدى قد دكه وليث غاب غاله بغابه
أعقب دين الله فيه لوعة للحشر لا فند عن عقابه
وغص صدر الدهر بالحزن له وضاق ما قد ضاق من رحابه


السابق السابق الفهرس التالي التالي