المراقبات 165

ثمّ إنّ هذا الذي ذكرنا من بعض ما نستحقّه في حال غفلتنا في مناجاة ربّنا إنّما هو قضيّة حكم العقل والعدل ، وأمّا ما يعامل به ربّنا من فضله بدل ما نستحقّه بعدله ، فهو ما ذكره الإمام عليه السلام بأنّه لا يهتك سترنا ، ولا يسلب عافيته عنّا ، ولا يزيل نعمته عنّا ، ولا يستدرجنا ، ويكتم سيّئاتنا ، ويظهر محاسننا ، ويعاملنا معاملة من أطاعه ، ولا يكلنا إلى غيره ، ولا يغلق عنّا باب التوبة ، ويقيل عثراتنا ، ويدعونا إلى دعائه ، ويعدنا الإجابة ، ويغضب لمن يعيّرنا بمعصيته ، وينهى المؤمنين عن هتك محارمنا مع هتكنا حرمته ، ولا يحبس عنّا عطيّته ، ولا يخذلنا ، ولا يخرجنا من كفايته ، إلى آخر ما ذكره وأشار إليه إجمالاً من حسن صنيعه ، وكريم معاملته .
ثمّ انظر في قوله عليه السلام : «أنا من حبّك جائع لا أشبع ، أنا من حبّك ظمآن لا أروى» هل فيك أثر من حبّه فضلاً عن أن تكون كالجائع الضامئ ، فإنّ محبّه يكون لا محالة مشتاقاً إلى لقائه ، ولذا قال عليه السلام بعد ذلك : «واشوقاه إلى من يراني ولا أراه» والمشتاق لا يسكن ولا يرتاح حتّى يصل إلى من يشتاق إليه .
فبالجملة : التلفّظ سهل لا مؤنة فيه ، ولكنّ الاتّصاف بحقيقة ما يتلفّظ به أمر صعب ، والعمل بمقتضاه أصعب ، فإنّ المحبّين له تعالى كما أشار إليه عليه السلام قبل ذلك : «هم الذين لم يرضوا بصيام النهار ، ومكابدة الليل ، حتّى مضوا على الأسنّة قدماً ، فخضبوا اللحاء بالدماء ، ورمّلوا الوجوه بالثرى» فهل ترى أثر ذلك في نفسك ؟ فإن كنت تراه فهنيئاً لك وطوبى ، وإن كنت ممّن يثقل عليه الصيام والقيام فضلاً عن المضيّ إلى الأسنّة ، فلا تجترئ على الكذب على مولاك ، ومالك آخرتك ودنياك ، في مقام المناجاة .
ثمّ إنّ ما على السالك أن يراجع في أوّل ليلة من الشهر خفيره وحاميه

المراقبات 166

من المعصومين ، ويتوجّه إلى الله جلّ جلاله بوجاهة وجهه المضيء عند ربّه ، لأنّ وجهه خلق مظلم لا يليق بالتوجّه إلى مقدس حضرة ربّه الجليل الجميل جلّ جلاله ، ويبسط معه المقال في الاستشفاع والتوسّل والاستجارة ، ويزيد في التضرّع والابتهال ، حتّى يقبلوه ويشفعوا له ، ويرغبوا إلى الله جلّ جلاله في قبوله وتوفيقه بما يحبّ ويرضى ، فإنّه كريم لا يردّ الكرام ، لا سيّما هؤلاء الأولياء الذين جعلهم أبواباً لرحمته ، ومناراً في خليقته ، وأدّبهم بالكرامة ، وأمرهم بالإجارة .
وبالجملة يمكن له أن يحصّل بتلطّف ساعة في التوسّل إليهم سعادة لا ينالها بعبادة سنة ، فاغتنم الفرصة وقل بعد السلام ، وعرض التحيّة والثناء والإكرام :
أنت يا سيّدي في هذه الليلة حامي الأمّة وخفيرهم ، وأكرم الخلائق ، تحبّ الضيافة ومأمور من الله جلّ جلاله بالإجارة ، عبدك ضيف الله وضيفك ، وجار الله وجارك فأجر عبدك وأضفه ، واجعل قراي منك الليلة أن تدخلني في همّك وحزبك ، ودعائك وحمايتك ، وشفاعتك وولايتك وشيعتك .
وارغب إلى الله لي في كرم عفوه ، وقبوله ، ورضاه ، وأن ينظر إليّ نظرة رحيمة بها عنّي رضا لا سخط عليّ بعده أبداً ، ويلحقني بشيعتكم المقرّبين ، وأوليائكم السابقين ، فإنّه لا يردّ شفاعتك ، فإنّ لك عند الله شأناً من الشأن ، وقدراً من القدر ، فبحقّ هذا الشأن الذي جعل الله لك يا مولاي أسألك أن تسمح في حقّي بما سألتك ، وتزيدني بمقدار كرامتك ، ولا تنظر يا سيّدي إلى حقارتي وذلّ مقامي وسوء حالي ، فإنّ الكرام لا يعظم عليهم في قرى ضيفهم شيء من العطايا ، ولا يقدّرون كرامتهم وعطاياهم بقدر الضيوف السائلين ، فإنّ العطاء بقدر المعطي ، والقرى بقدر المضيف .

المراقبات 167

سادتي أنتم الذين علّمتم الكرام آداب الكرامة ، والأجواد شيم الجود والسماحة ، إن ذكر الجود كنتم أوّله وآخره ، وأصله وفرعه ومنتهاه ، وإن قيل الكرم فأنتم معدنه ومأواه لا يردّ سائلكم ولا يخيب آملكم .
سادتي أنتم الذين قلتم : مثل المعروف مثل المطر ، يصيب البرّ والفاجر ، فلا تمنعوني سحائب رافتكم ، فليصبني أمطار جودكم ، فإنّي من جودكم جائع ، ومن كرمكم ظمآن ، لا ترضوا لضيفكم أن يبيت في حماكم جائعاً ضمآناً .
فأنت يا مولاي متى ما منعتني قراك ، بتُّ طاوياً في حماك ، ووصلت إلى الهلاك ، حاشاك من هذه المعاملة مع ضيفك ثمّ حاشاك .
وبالجملة يجمع كلّ حواسّه في استقصاء التلطّف ، في الاستشفاع والتوسّل والاسترحام والتبتّل ، ويجدّ بكلّ جهده في الاستعطاف والاسترضاء ، حتّى يستوفي بعمل ساعة سعادة سنة ، ويفوز بجهد قليل بفضل جليل ، ثمّ يؤكّد في كلّ يوم وليلة في المغرب والصبح هذا التوسّل مع خفرائه بتجديد السلام ، والاسترحام ببعض ما ذكرناه ههنا .
ثمّ إنّه ينبغي للسالك أن يتروّى في حاله ، ويتأمّل في نشاطه وكسله ، وشغله وفراغه ، وقوّته وضعفه ، بالنسبة إلى النوافل والمستحبّات ويختار منها بعد مراعاة حاله الأفضل فالأفضل .
ومن جملة ذلك ما ورد في الأخبار الكثيرة من زيادة النوافل في هذا الشهر بألف ركعة فإن رأى العمل بالنسبة إليه أحسن ، فهنيئاً له في توفيقه بذلك ، ولكن لا يترك الدعوات الواردة فيها ، فإنّ فيها مضامين عالية بعضها لا يوجد في غيرها من الدعوات ، وليكن في ذلك حيّاً وصادقاً فيكون حظّه من

المراقبات 168

قراءتها المناجاة ، مع قاضي الحاجات ، لا مجرّد التفوّه بالألفاظ ، فإن حصل له حقيقة ما يقوله ، ويصف من حاله ومقامه في هذه الدعوات ، فطوبى له وحسن مآب ، فإنّ العبد إذا اتّصف قلبه بحال مثلاً يدعو فيه لنفسه الويل ، ويذكر (من) ويله وثبوره : أن ذنوبه بحيث لو علمت بها الأرض لابتلعته ، ولو علمت بها الجبال لهدّته ، ولو علمت بها البحار لأغرقته كما ذكر ذلك في بعض الأدعية فإنّ ذلك حالٌ أظنُّ أنّه لو حصل لإبليس لأنجاه ، وكيف بمسلم أو مؤمن ؟ لا سيّما إذا كان خوفه واضطرابه من سخط مولاه أشدّ من اضطرابه من عذاب النار كما يذكره بعد هذه الفقرات ، فهذا حالٌ سنيٌّ لا يوجد في قلب إلا وربّه عنه راض ، وهكذا غيرها من المضامين الفاخرة التي أودعوها في هذه الدعوات ، فإنّها مثار حالات وصفات للنفس والقلب يحييهما وينجيهما من الهلكات ، ويوصلهما إلى سنيّ الحالات وعالي الدرجات .
ثمّ إنّ العامل إن كسل في بعض الأوقات ، ولم يكن له نشاط للعمل ، فله أن يراقب حاله ، فإن ظنّ من حاله أنّه لو اشتغل بالعمل ـ ولو بالتعمّل ـ يورث له الحال ، فليشتغل ولا يترك حتّى لا يتمكّن الخبيث من نفسه ، فإنّ الانسان إن ترك العمل بمجرّد الكسل ، فإنّه يجرّه ذلك إلى الترك الكليّ ، ولكن يتأمّل ويجتهد في حاله فإن رآه بترك عمل يزيد شوقه إليه فيما يأتي فليترك ولا يعوّد نفسه بالعمل عن الكسل ، وإن رأى أنّ تركه يورث تركاً آخر فليعمل ولا يترك ، وكثيراً ما يدخل السالك في العمل بالضجر والكسل ، ثمّ يحسن حاله في الأثناء فوق الأمل ، وله أن لا يخطئ في اجتهاده في ترجيح الترك على العمل فإنّ الكسل في النفس أحلى من العسل ، وذلك قد يعميه عن معرفة حقّ الواقع هذا .
ومن مهمّات الأعمال في هذا الشهر القراءة والدعاء والذكر ، فليقدّر

المراقبات 169

العامل لنفسه من كلّ واحد منها ورداً ويرجّح منها ما يزيد في نشاطه للعبادة ، ويؤثر في قلبه فكراً ونوراً ، فلا يترك غيره رأساً ولكن يرجّح بذلك ترجيحاً في الزيادة والإكثار ، وليكن ممّا يختاره من الدعوات في أوّل الليل ما ورد بعد الصلوات وأوّله :
«يا عليّ يا عظيم» ودعاء الافتتاح وفي الأسحار ما أوّله : اللهمّ إنّي أسألك من بهائك بأبهاه ، ولا يترك دعاء أبي حمزة وليقرأه بقدر نشاطه وكسله في جميع الليالي أو بعضاً ومن أدعية النهار يقرأ في كلّ يوم بعضها ، ولا يترك في الجمعات الصلوات المروية ويكثر في دعواته دعاء توفيق ليلة القدر وليلة الفطر .
ومن مهمّات الدعوات لوليّ أمره ، وخليفة ربّه ، بقيّة الله في أرضه وحجّته على بريّته ، إمام زمانه ـ أرواحنا وأرواح العالمين فداه ـ خلال ليله ونهاره وليقل في دعائه : «اللهمّ أرنا فيه وفي أهل بيته ، وشيعته ورعيته ، وعامّته وخاصته ما يأمل ، وفي أعدائه ما يحذرونه ، ومُنَّ علينا بطاعته ورضاه ، وألحقنا بشيعته المقرّبين ، وأوليائه السابقين ، وصلّ عليه وعلى آبائه الطاهرين ، بجميع صلواتك يا أرحم الراحمين» .
ويدعو ويستغفر لأبويه ولمعلّميه وإخوانه في الله ولأقربائه وجيرانه ، ولمن له عليه حقٌّ ، ولجميع المؤمنين ، وليشركهم في دعواته لنفسه .
ثمّ إنّ من مهمّات أعمال الشهر : الغسل في أوّل ليلة منه ، وفي الليالي المفردة وفي أوّل يوم منه .
وفي الرواية : من اغتسل في أوّل ليلة من شهر رمضان في نهر جار ويصبّ على رأسه ثلاثين كفّاً من الماء طهر إلى شهر رمضان من قابل .

المراقبات 170

وروي : أنَّ من اغتسل في أوّل يوم من السنة في ماء جارٍ وصبَّ على رأسه ثلاثين غرفة ، كان دواء سنة .
وروي أنَّ : من ضرب وجهه بكفّ ماء ورد ، أمن ذلك اليوم من المذلّة والفقر ، ومن وضع على رأسه من ماء ورد أمن تلك السنة من البرسام ، فلا تدعوا ما نوصيكم به .
أقول : ولعلّ بعض الناس يثقل عليه تصديق أمثال هذه الأخبار ممّا لا طريق للعقول إلى حكمها ؛ ووجهه الجهل بخواصّ الأفعال والحركات ، لا سيّما فيما ليس يرى كثيراً ، وإلا فأيُّ فرق بين ما يُرى من عمل النار وتأثيراتها في العالم يقبله الناس ولا يتعجّبون منها وبين تأثيرات الأفعال .
وهكذا أيُّ فرق بين تأثيرات حركات الأفلاك وحركات أعمال العباد ، إلا أنّ الأوّل من جهة كثرة استماعها لا يتعجّب منها العامّة ، والثانية من جهة ندرة العلم بها وقلّة استماعها لا تألفها الطباع فتتعجّب منها ، فإنّ أعجب العجاب من هذه الأمور تأثيرات حركات الألفاظ في العالم ، فما تقول العامّة في تأثير حركة شفة سلطان بكلمة واحدة تقتل النفوس ، وتهرق الدماء ، وتخرب البلاد ، وتضيع الأموال وقد تبقى آثارها في العالم إلى انقضاء الأبد ، وأنت يا مسكين كيف تعرف لمّه بنور جعله الله جلّ جلاله فيك ، ولا تتعجّب ؟! منه ، والأنبياء أيضاً إنّما يعرفون لمّه بنور جعله الله فيهم ، يرون به خواصّ الأفعال والحركات في عالم الانسان .
فللمصدّقين للأديان والأنبياء أن لا يرتابوا فيما يخبرهم النبيّ الصادق من خواصّ الأعمال ، فإنّ الريب من شعب الكفر لا يجتمع مع الإيمان ، والمتعبّد بأمثال هذه الأحكام التي خفي لمّها على العقول ، له فضل على المتعبّد بالأحكام التي تعرفها العقول ، وهذه الأعمال أقرب إلى الإخلاص من

المراقبات 171

غيرها ، وإياك أن تعوّد نفسك بالتسامح في أمثالها ، بل لك أن تكثر همّك وجدّك في التعبّد بها أكثر ممّا يخالفها .
وكيف كان فالقرآن وأخبار الرسول صلى الله عليه وآله وسلم شاهدة لتأثير الطهارات في عوالم المكلّف تأثيراً اقتضت الحكمة الإلهية إيجاب بعضه واستحباب بعضها الآخر ، وورد في بعض الأخبار أنّ لها نوراً في عوالم الغيب ينفع صاحبه ، لا سيما يوم القيامة ، ويعلم من بعضها أنّ لها صوراً خاصة كصور الأعيان بل الأشخاص ، تجيء يوم القيامة بهذه الصورة وتأخذ بيد صاحبها وتنجّيه من النار ومن الهلكات ، وقد حكي عن بعض الكاملين أنّه كوشف له في هذه الدنيا من نور وضوئه فرآه نوراً عظيماً جدّاً .
وبالجملة إن كنت مصدّقاً لله ولأنبيائه وكتبه واليوم الآخر ، فكيف تعتقد ما أخبروه ومن أحكام عالم البرزخ ؟ فكذلك هذه الخواصّ فإنّ الأخبار متواترة بأنّ للأعمال والحركات في عوالم الغيب صوراً وحياةً وشعوراً تجيء وتذهب ، وتتكلّم وتشفع لصاحبها ، وتؤمّنه من الأهوال ، وتصاحبه وتستأنس به ، هذا .
وأوقات الغسل على ما في الروايات أوّل الليل كما في بعضها ، وقبيل غروب الشمس كما في الآخر وفي بعضها بين العشاءين ، وفي ليلة الجهنيّ كما سيجيء غسلان في أوّل الليل وآخره ، هذا . وقد مضى فيما أسلفنا آداب قصد السالك في صومه وأنّ الأعلى من قصد الصوم ماذا ؟
وأمّا الافطار فهو أيضاً يتفاوت بتفاوت درجات الصائمين .
فمن كان صومه من المأكل والمشرب وبعض التروك الفقهيّة ، خوفاً من العقاب ، أو شوقاً إلى جنّة النعيم ، ورأى صومه تكليفاً من الله جلّ جلاله ، لا بدّ من أن يكون إفطاره لدفع كلفة الجوع ، والخلاص من قيد التكليف ، أو

المراقبات 172

لمجرّد شهوة الغذاء عند ارتفاع التكليف المتخيّل .
ومن كان صومه عن كلّ ما حرّم الله جلّ جلاله من الأفعال والحركات تحصيلاً لرضا ربّه ، ووصولاً إلى الدرجات العلى لا بدّ أن يكون إفطاره أيضاً من بعض ما صام عنه لإذن مولاه ، وامتثال أمره في الاستقواء للعبادات ، وتحصيل المعرفة والكمالات ، مع الالتذاذ من المأكل والمشرب .
ومن كان صومه عن ذلك وعن كل ما يشغل عن الله من الأفكار الدنيّة ، ولو كان مباحاً من المباحات ، فإفطاره أيضاً لله وفي الله وبالله ، فإفطار أهل هذه المرتبة الثالثة لا يتصوّر أن يكون للشهوة ، ولا زائداً عن حدّ القوت ، ولا شاغلاً لهم عن الحضور .
فانظر يا مسكين ! أنّ إفطارك وأكلك من الحلال إذا كان لمجرّد الشهوة إنّما يشبه أكل الحيوانات ، لا سيّما إذا اكثرت منه ، وتكون أخسّ منها إذا كان ذلك من الحرام ، وأمّا إذا كان لامتثال أمر الله وللاستقواء على العبادات ، وتحصيل قرب الله ، إنّما يكون مشابهاً لأعمال الأنبياء والأولياء ، والملائكة المقرّبين فاختر لنفسك ما يحلو فإنّهم لو فرض لهم التذاذ عند الأكل من جهة الطبع فلا يخلو التذاذهم أيضاً عن شوب المقاصد الفاخرة ، كما أنّ نظرهم إلى هذه الدنيا ، وتنعّمهم منها ، وتقلّبهم فيها أيضاً كلّها يخالف تقلّبات العامّة ، فإنّهم مع كونهم في الدنيا وتنعّمهم بنعمها بالضرورة مشغولون عنها وعن نعيمها بحمد الله وثنائه ، بمعنى أنّهم ينظرون إلى النعيم ولكن لا من جهة أنّها نعمة ، بل يرون فيها أنّها من الله بل يرون فيها المنعم ، ويلتذّون من هذه الوجهة .
ثمّ إنّ السحور مستحبّ شرعاً ، وروي : «تسحّروا ولو بجرع الماء ، ألا صلوات الله على المتسحرين» ويستحبّ فيه زيادة على غيره من الذكر قراءة إنّا

المراقبات 173

أنزلناه ، روي أنّه : «ما من مؤمن صام وقرأ إنّا أنزلناه عند سحوره وعند إفطاره إلا كان فيما بينهما كالمتشحط بدمه في سبيل الله» ويقصد به استحبابه عند الله والتقوّي على العبادات طول النهار .
ثمّ إنّ من أهمّ الدعاء في شهر رمضان أن يكثر الإنسان دعاء توفيق عبادة ليلة القدر وليلة الفطر ، من أوّل الشهر إلى وقت حضورهما ، فإن صدق في الدعاء لا يردّ الكريم تعالى دعاءه ويفوز بهذا الأمر العظيم الذي يليق للمؤمن بالقرآن الكريم أن يرتاض سنة كاملة بالإحياء والعبادات ، لتحصيل الاطمئنان بدركها ، كيف والقرآن صريح في أنّها خيرٌ من ألف شهر ، وألف شهر أزيد من ثمانين سنة ، فمن عمل سنة واستفاد أجر ثمانين سنة فهو من الرابحين الفائزين ، وكيف للاهتمام بدعائه في أقلّ من شهر .
وبالجملة من لم يجد في نفسه اهتماماً لدرك ليلة القدر بهذا المقدار القليل أيضاً فهو مريض الإيمان ، فليعالج إيمانه ونظيرهما في لزوم الاهتمام بليلة الفطر ويومه لأنّه روي عن السجاد عليه السلام أنّه كان يقول : ليس ذلك بدون الليلة يعني ليلة القدر ، وذوو الهمم العالية كانت همّتهم أن يكشف لهم في هذه الليلة عمّا تنزّل من السماء إلى الأرض من الملائكة والتقديرات ، وكيف لنا أن نهتمّ لتوفيق عبادتها ، ولو لم نعلمها بالخصوص .
وقد روي للوصول إلى معرفتها : قراءة سورة الدخان في كلّ ليلة مائة مرّة إلى ليلة الجهنيّ ، وفي الأخرى : قراءة سورة القدر ألف مرّة بدلها إلى هذه الليلة .
وروى لدرك فضيلة ليلة القدر في «الإقبال» رواية وهي وإن لم يثبت اعتبارها إلا أنّها من أجل عظمة أمرها ينبغي أن يعمل بها رجاءً لصحّتها وثبوتها في الواقع وهي ما رواه عن ابن عبّاس أنّه قال : يا رسول الله صلى الله

المراقبات 174

عليك وسلّم طوبى لمن رأى ليلة القدر ! فقال له : «يا ابن العبّاس أُعلّمك صلاة إذا صلّيتها رأيت بها ليلة القدر كلّ ليلة عشرين مرّة وأفضل» فقال علّمني ـ صلّى الله عليك ـ فقال له : «تصلّي أربع ركعات في تسليمةٍ واحدة ، ويكون من بعد العشاء الأولى ، ويكون قبل الوتر ، في كلّ ركعة فاتحة الكتاب مرّة والجحد ثلاث مرّات ، والتوحيد ثلاث مرّات ، وإذا سلّمت تقول : ثلاث عشرة مرّة : أستغفر الله . فوَ حقّ من بعثني نبياً من صلّى هذه الصلاة وسبّح في آخرها ثلاث عشر مرّة واستغفر الله ، فإنّه يرى ليلة القدر كما صلّى بهذه الصلاة ويوم القيامة يشفّع في سبعمائة ألف من أمّتي ، وغفر الله له ولوالديه إن شاء الله» .
أقول : لم يعلم المراد من الرواية صريحاً ويمكن أن يكون المراد أنّه يحصل له من الثواب ما يعادل أفضل من لذّة رؤية ليلة القدر عشرين مرّة ، نظير ما روي أن ثواب تسبيحة خيرٌ من ملك سليمان ، فلا يبقى استبعاد وأمّا إن كان المراد أنّ ثواب هذه الصلاة أفضل من ثواب القدر وأزيد من ثواب عبادة ليلة القدر عشرين مرّة كما فهمه صاحب الكتاب الذي نقل عنه السيد (قده) هذه الرواية فهو مستبعد .
فإن قلت : وما معنى رؤية ليلة القدر وما معنى لذّته ؟
قلت : رؤية ليلة القدر كما أشرنا إليه سابقاً عبارة عن كشف ما يفتح فيها من نزول الأمر إلى الأرض كما يكشف لإمام العصر عليه السلام في هذه الليلة .
وإن أردت لهذا الإجمال توضيحاً ما فاعلم أنّ لله تعالى بين عالمي الأرواح والأجسام عالماً يسمّى عالم المثال والبرزخ ، وهو عالم بين العالمين ليس مضيّقاً مظلماً مثل عالم الأجسام ، ولا واسعاً نيّراً مثل عالم الأرواح ، لأنّ عالم الأرواح مجرّد عن كدر المادّة ، وضيق الصورة والمقدار ، وعالم

المراقبات 175

الأجسام مقيّد بالمادّة والصورة ، وعالم المثال مجرد عن المادّة ومقيّد بالصورة والمقدار ، وهو مشتمل على عوالم كثيرة ، وكلّ موجود في عالم الأجسام ، له صور مختلفة في هذه العوالم المثاليّة غير هذه الصورة التي في عالم الأجسام ، وكلّ ما في هذا العالم إنّما يوجد بعد وجوده في العالمين الأوّلين بنحو وجود يليق بهما ، بل كلّ موجود في عالم المثال إنّما ينزل إليه من خزائن الله التي أُشير في القرآن إليها بقوله تعالى : «وإن مِن شيءٍ إلاّ عندنا خزائِنُهُ» (الحجر : 21) وكلّ جسم وجسماني في هذا العالم إنّما ينزل إليه من عالم المثال بتوسّط ملائكة الله .
والذي يدلّ عليه الأخبار أنّ أحكام كلّ سنة من تقدير أرزاق موجودات هذا العالم وآجالها ، ينزل إلى الأرض في ليلة القدر ، وينكشف ذلك لمن هو خليفة الله في الأرض في هذه الليلة ، ويسمّى انكشاف نزول الأمر بتوسّط الملائكة له رؤية ليلة القدر ، ولذّة هذا الكشف ومشاهدة نزول الأمر والملائكة إنّما يعرفهما أهلهما ولعلّ ذلك من قبيل ما روئي لإبراهيم الخليل من ملكوت السماوات والأرض .
ولكلّ إنسان نصيب كامل من هذه العوالم مخصوص به ، وأغلب الناس غافلون عن عوالمهم المثاليّة ، وغافلون عن غفلتهم أيضاً ، وكذلك عن عوالمهم الروحانيّة إلا من منَّ الله عليه بمعرفة النفس ، ومعرفة عالم المثال في طريق معرفة النفس ، لأنّ حقيقة النفس من عالم الأرواح ، فمن كوشف له حجاب المادة عن وجه روحه ونفسه ورأى نفسه مجرّدة عنها في عالم المثال يسهل له الانتقال إلى حقيقة روحه المجرّدة عن الصورة أيضاً ، وهذه المعرفة للنفس هي المراد من قوله صلى الله عليه وآله وسلم : «من عرف نفسه فقد عرف ربّه» ووجه ارتباط معرفة النفس بمعرفة الرب لا يعرفه إلا من وفّق لهذه المعرفة ، وهذا المقدار

المراقبات 176

من البيان كاف فيما نحن بصدده من تعريف ما يزول به الإنكار والاستبعاد ، لدرك حقيقة ليلة القدر للعاملين العابدين ، لأجل تحصيل الشوق اللازم للوصول ، هذا .
ومن مهمات أعمال هذا الشهر إفطار الصائمين ، وقد سمعتَ أجر ذلك في خطبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأهمّ في ذلك أيضاً إخلاص النيّة والتأدّب بأدب الله جلّ جلاله ، وأن لا يكون باعثه على ذلك إلا تحصيل رضاه ، لا إظهار شرف الدنيا ، ولا شرف الآخرة ، ولا التقليد ، ولا رسوم العادات ، ويهتمّ في تخليص عمله من هذه المقاصد ، ويختبرها ببعض الكواشف ، ولا يطمئنّ من تلبيس الهوى والشيطان ، ويكون في ذلك مستمداً من الله جلّ جلاله ، في أصل إفطاره ، وفي تعيين من يفطره من المؤمنين ، وفيما يفطر به من الطعام ، وكيفيّة معاملته مع ضيفه ، فإنّ ذلك كلّه تختلف كيفيّاته مع المقاصد ، ويعرف أهل اليقظة مداخل الشيطان فيها ، فيجتنب عمّا يوافق أمره ، ويتّبع ما يوافق لأمر مولاه ، ورضا مالك دينه ودنياه ، فيفوز بقبوله ومثوباته فوق آماله ومناه .
وهكذا يهتمّ في إخلاص قصده بقبول دعوة الغير للإفطار ويجتهد في ذلك ، وقد ينتفع المخلص من قبول دعوة مؤمن وحضور مجلسه وإفطاره معه بما لا ينتفع غيره من عبادة دهر من الدهور ، ولذا كانت همّة الأولياء على تخليص الأعمال لا تكثيرها اعتباراً من عمل آدم وإبليس وقد ردّت من الخبيث عبادة آلاف السنين ، وقبل من آدم توبة واحدة مع الإخلاص ، وصارت سبباً لاجتبائه واصطفائه .
ثمّ إنّ من مهمّات الأعمال في هذا الشهر لأهل العلم أمر الإمامة والوعظ ، ومجمل القول فيهما : إنّه إن كان العالم من الأقوياء والمجاهدين ، الذين جاهدوا أنفسهم مدّة ، وعرفوا بطول الجهاد خفايا مداخل الشيطان ،

المراقبات 177

وتلبيسات الهوى ، فله أن يتركهما رأساً لما فيهما من اهتمام الشرع ، لا سيّما الوعظ فإنّه لا تفيد فائدته شيء من الأعمال الحسنة ، بل لا شيء من الأعمال إلا وهو من نتائجه ، ولو تعرّضنا لاستقصاء فوائدهما ، وبسط القول فيهما ، لخرجنا عمّا يقتضيه الكتاب ، بل للعالم أن يجتهد كثيراً في إخلاص النيّة ، والصدق في الإخلاص ، فإن آفاتهما أيضاً لا تقصر في الكثرة عن فضائلهما وفوائدهما .
فإن رأى بعد المراقبة الكاملة أنّ باعثه خالص في أمر دينيّ فليعمل ، وإن رآه بالعكس أو مشوباً لم يحرز الإخلاص والريب ، فليترك ويشتغل بتحصيل الإخلاص والصدق ، ولو صدق في تحصيل الصدق في الإخلاص لهداه الله إليه بحكم : «والذين جاهدوا فينا لنَهديَنّهم سُبُلَنا» (العنكبوت : 69) ومن أراد أن يعلم أنّ إمامته خالصة لله ، فليختبر ذلك ببعض الكواشف .
ومن طريقه أن يلاحظ نفسه وميله إلى الإمامة ، هل هو من جهة حبّ الجاه وعزّة الإمامة ؟ أو من جهة أمر الله ورضاه ؟ فإن وجد ميله إلى الإمامة في صورة قلّة المأمومين أو قلّة العالمين بإمامته أنقص ، أو رأى أنّ رغبته إلى إمامة الأعيان والأشراف والسلاطين أزيد من غيرهم ، يعلم من ذلك أنّ قصده إمّا خالص من الجاه أو مشوب به ، ولو سوَّلت له نفسه وشيطانه وقالا له : إنّ ميلك إلى زيادة المأمومين من جهة زيادة الثواب ، ومن جهة ترويج أمر الدين وتعظيم شعائر الله ، وهكذا رغبتك إلى كون المأمومين من الأشراف والسلاطين إنّما هو من جهة (ترويج) أمر الجماعة وتعظيم شعائر الله فلا تغترّ بمجرّد هذه الوسوسة حتى تلاحظ صدق قصدك في تحصيل زيادة الثواب .
ويعلم ذلك أيضاً بأن تفرض أنّ إمامتك لواحد واثنين إذا اتّفق كونهما من جهات شتّى أقرب إلى رضا الله وأزيد ثواباً من إمامة ملأ من الناس ، فهل يزيد

المراقبات 178

رغبتك وميلك في هذه الصورة إلى هذه الجماعة القليلة على إمامة العامّة أم لا ؟ وهكذا يعلم صدق قصدك إلى ترويج الدين وتعظيم الشعائر إذا فرضت أنّ ذلك يحصل بغيرك أزيد ممّا يحصل بك ، لا سيّما إذا فرضت ائتمامك به ، فهل تتفاوت رغبتك في الترويج والتعظيم ، مع ما فرضته بإمامتك أم لا ؟.
ولو سوَّل الوسواس في ذلك أيضاً بأنّ رغبتك في الترويج بإمامة نفسك من جهة رغبتك في أن تفوز أنت بهذه العبادة لا غيرك ، لأنّ هذه العبادة ممّا يتسابق بها العابدون ، فلا تطمئنّ فيه أيضاً حتّى تختبر صدق ذلك أيضاً بأن تفرض أنّ ائتمامك بغـيرك إذا صار سبباً لهـذا التعظيم والترويج فهـل تزيد رغبتك إلـى الائتمام على الإمامة ؟.
وبالجملة الأمر في الإخلاص والصدق فيه أدقُّ من الشعرة ، وقد يخفى على العاملين في مدّة متمادية ثمّ يعرض أمراً يصير سبباً لإرشاده .
وحكي عن بعض سادة العلماء أنّه كان يأتمَّ ثلاثين سنة لإمام في الصفّ الأوّل فعرض له بعد ثلاثين سنة مانع عن الصفّ الأوّل ، فقام في الصفّ الثاني ورأى في نفسه كأنّه تخجل عمّن يراه في الصف الثاني فتبيّن له بذلك أنّ مراقبته في هذه المدّة الطويلة للصفّ الأوّل إنّما كانت مشوبة بجهة الرياء ، فقضى صلوات هذه المدّة كلّها .
وانظر يا أخي إلى هذا العالم المجاهد ، وتأمّل في رتبته من المجاهدة ، كيف لم يفوّت صلاة الجماعة والصفّ الأوّل عنه في هذه المدّة الطويلة ، لم يتصدّ للإمامة وانظر لقضائه صلوات ثلاثين سنة بهذه الشبهة ، وتفطّن من ذلك إلى عظمة الأمر وشدّة اهتمام السلف في الإخلاص والمجاهدة .
ويعلم من ذلك حكم الوعظ أيضاً ويختصّ أمر الوعظ بآفات كثيرة دقيقة جدّاً وهي جلُّ آفات اللسان التي عجز عن الاحتراز عنها العظماء ، فالتزموا

المراقبات 179

السكوت ، وحكموا بترجيح السكوت على الكلام مطلقاً مع أنّ الكلام أشرف منه قطعاً ، حيث إنّ بالكلام نزل الخير كلّه وثبت وتحقّق ، وبالكلام يجري الخير في البريّة .
وبالجملة ينبغي للمجاهد أن يراقب أولاً في موعظته كلّ ما أشرنا إليه في الإمامة من مراتب الإخلاص والصدق فيه ، ثمّ يراقب زيادة عليها في آفات كلامه حتّى لا يقع في الكذب على الله ، والقول بغير علم ، وتزكية النفس ، وإيهام على الفضيلة ، وإغراء بالجهل ، وإيثار الفتن ، وبعث على القتل والنهب والأسر ، وسائر وجوه المضارّ على المسلمين ، وإضلال في العقائد ، ولو بأن يبيّن مثلاً شبهات إبليس وجوابها ولا يعقل المستمع الجواب ، فيقع في الضلال فيكفر ، والتجاوز في التخريف والترجئة بما يحصل للمستمعين القنوط والغرور ، أو يذكر ما يقع به المستمع في الغلوّ ، أو يسيء عقيدته في الأنبياء والأئمّة ، وهتك الأعراض لا سيّما الخواصّ وغيبة السلف والافتراء على الأنبياء ، والأوصياء والعلماء ، وتبغيض الخير والشرع والعبادات والعلوم والعلماء والأنبياء والله جلّ جلاله على العباد بتشديد الأمر وتنفيرهم بحمل ما لا يتحمّلون ثقله وإثارة الشرّ بحكاية أفعال الفسّاق والأشرار ، وتعليم الناس بعض الحيل الشرعيّة المرجّحة ، والتدلّل في المنابر لا سيّما إذا كانت بمرأى ومسمع من النسوان والتصريح بالقبائح فعلاً وقولاً .
وقد سمع عن بعض الواعظين أنّه : كان يعلّم كيفيّة الاستبراء على المنبر بالفعل من فوق الثياب ، وعن بعضهم : يسبّ من يعمل المعاصي بالفحش والقبيح ، وهذه كلّها من آفات الوعظ وفيه آفات كثيرة غير ذلك .
بل للواعظ أن يراقب بعد ذلك كلّه ـ تكميل مراتب الإخلاص والصدق فيه ـ قوله تعالى : «أتأمرونَ الناسَ بالبرِّ وتنسَونَ أنفُسَكُم» (البقرة : 44) .

المراقبات 180

وبالجملة يعظ أولاً نفسه ويتّعظ ثمّ يعظ بالرفق والمداراة والحكمة ، وإن لم يكن للمستمعين خصوصيّة ، يزيد لهم جانب الترهيب والإنذار ، وإن وجد فيهم من يضرّه ذلك ، فلا بدّ أن يمنعه من الحضور أو يراقب حاله .
وقد حكي عن زكريّا على نبيّنا وآله وعليه السلام أنّه كان إذا حضر يحيى على نبيّنا وآله وعليه السلام في مجلس وعظه يترك ذكر النار والعذاب والانذار ، وهكذا قد يكن المستمعون من المنهمكين في المعاصي الذين يضرّهم ذكر بعض أخبار الرجاء ، وعظيم كرمه ، وكثير حلمه ، فإنّ ذلك يهلكهم .
وبالجملة يكون حاله مع المستمعين حال الأب الحكيم ، في تربية أولاده بما يصلحهم ويقيمهم لا بما يضرّهم ويهلكهم ، ثمّ إنّ المفيد والمؤثّر من الوعظ ما يكون بالفعل والعمل ، لا بالقول المجرّد ، وقد تكون شدّة مخالفة عمل الواعظ مع قوله سبباً لجرأة المستمع على المعاصي ، وموجباً لسلب اعتقادهم من العلماء ، بل الأنبياء عليهم السلام بحيث يخرجهم ذلك من الدين .
بل لا يذكر ما في بعض الأخبار من الثواب الكثير على العمل القليل الذي يعسر على العقل تصديقه إلا ويضمّ إليه من ذكر قدرة الله وذكر لمّ هذا المقدار من الثواب على هذا العمل ما يزيل به إنكار العقل حتّى لا يؤثّر وعظه في إنكار الروايات أو إنكار الثواب والعقاب رأساً ، لا سيّما في أمثال زماننا الذي كثر من الملاحدة إلقاء بعض الشبه والشكوك ، والإيرادات على عوامّ المسلمين لإخراجهم من الدين .
لا أقول لا يذكر رأساً بل أقول يضمّ إلى ذكره ما يرفع الاستبعاد العقليّ ، مثلاً إذا حكى أنّ الله تعالى يعطي لمن صلّى ركعتين بعدد كلّ حرف

السابق السابق الفهرس التالي التالي