دفاع عن التشيع 322

إلى هنا نجد أن الفكر العباسي قائم على الوصية والنص ، ولهذا قال أحمد الكاتب : (فقاموا ـ العباسيون ـ بالانسحاب من الفكر الشيعي القديم وتعديل نظريتهم السياسية ، وذلك بإعادة صياغة مصدر الشرعية لنظامهم الوليد استناداً إلى أولوية جدهم العباس بن عبد المطلب) (1) .
فوقع أحمد الكاتب في شباك النص والوصية الذي طارده طيلة مدة بحثه وإن حاول ان يضيف كلمة « اولوية جدهم العباس » ، فهذه الكلمة لا تنفع ؛ لاننا علمنا بان السلسلة التي غيرها العباسيون كانت سلسلة وصاية ونص السابق على اللاحق ، ولهذا قال أحمد الكاتب : (انسحب العباسيون من الفكر الشيعي القديم) ، ولو سألنا أحمد الكاتب : ما هو الفكر الشيعي القديم ؟ فإنه لن يستطيع أن يجيب بأكثر مماأجاب به أبو مسلم الخراساني بقوله : (وزويت الأمر عن اهله ووضعته في غير محله) (2) .
فأهله هم الحسن والحسين وأولاد الحسين عليهم السلام ، واحداً بعد واحد ، والفكر الشيعي القديم هو النص والوصية لهم ، كما نقلته كتب الشيعة وتسالمت عليه أقطاب الفكر الشيعي كابراً عن كابر .
إذن ، الإمامة العباسية كانت قائمة على مسألة النص والوصية ، وهذا يبرز لنا مدى التفكير الإسلامي بمسألة الخلافة المحملة بتبعات النص ، ولذلك حاول العباسيون استغلال ذلك .

موقف بعض الحسنيين

لقد تبين فيما مضى أن الفكر العباسي قائم على أساس النص والوصية ، كما رأينا في السلسلة المدعاة ، سواء كانت من علي بن أبي طالب أو من العباس ، المهم أن الفكرة واحدة ، وهي ادعاء الوصاية والنص لا الشورى والانتخاب والأولوية ، كما يحاول الكاتب إثبات ذلك ، هذا بالنسبة للفكر السياسي العباسي .

(1) أحمد الكاتب ، تطور الكفر السياسي : ص 42 .
(2) تاريخ بغداد : ج 10 ، ص 206 ـ 207 .
دفاع عن التشيع 323


أما بالنسبة لبعض الحسنيين الذين حاول أحمد الكاتب أن يستفيد من موقفهم المعارض لأهل البيت عليهم السلام ، فأضاف لبعض الكلمات التي وردت على لسان أحد الحسنيين كلمة (ليس) ليحرف المعنى الكلي للرواية ، حيث إن قول عبد الله بن الحسن : (لنا في هذا الأمر ما ليس لغيرنا) (1) ، وهو يؤكد مسألة النص والوصية ، فأضاف أحمد الكاتب له كلمة (ليس) ليحرف معناه ، ويستفيد منه كموقف حسني مؤيد للشورى ، وقال : إن عبد الله بن الحسن يقول : (ليس لنا في هذا الأمر ما ليس لغيرنا) (2) .
وحتى لو كانت هنا معارضة فلا تنفع الكاتب لأنها تدعو إلى الإمامة ، فهذا إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي عليهما السلام يدعو إلى إمامة أخيه محمد كما يقول الأشعري (3) ، مع أن محمداً لم يحصل على ذلك عن طريقة بيعة حتى تفسر الإمامة بهذا الطريق ، وكذلك قال السيد الخوئي : (إن عبد الله بن الحسن قد نصب نفسه للإمام) كما تقدم .
إذن ، موقف بعض الحسنيين لم ينفع أحمد الكاتب أبداً وإن حاول أن يحرف في بعض الموارد ـ كما ذكرنا سابقاً ـ أو يضع عنواناً باسم المعارضة الحسنية (4) ، ليوهم القارئ بأن الإمامة كانت لها معارضة شديدة .
وفي ختام هذا الكلام نقول : إن التاريخ قد ظلم الحسنيين في مواقفهم ، وإن وقف البعض أمام الأئمة عليهم السلام ـ كما وقف أولاد الأئمة أمثال جعفر الكذاب ـ ففي الحسنيين الحسن المثنى الذي كان كما يقول المفيد : (رجلاً جليلاً ، رئيساً ، فاضلاً ، ورعاً ، كان يلي صدقات أمير المؤمنين في وقته . . . ـ إلى أن قال ـ : ومضى ولم يدع الإمامة ولا ادعاها له مدع) (5) . وغيره من الحسنيين الذين كانت لهم مواقف مشرفة مع الأئمة عليهم السلام ، وكان

(1) بصائر الدرجات : ص 153 .
(2) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 31 .
(3) المقالات والفرق : ص 76 .
(4) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 44 .
(5) معجم رجال الحديث : ج 4 ، ص 301 ـ 302 ، رقم 2761 .
دفاع عن التشيع 324

بعضهم رواة حديث أمثال عبد العظيم الحسني وغيره ، ولدينا كلام كثير ليس هنا محله .

العدو يعترف بإمامة أهل البيت عليهم السلام


لا توجد شهادة أوثق وأدق وأصدق من شهادة العدو ، لأن العدو يسعى دائماً إلى أن يجعل من يعاديه صغيراً في أعين الناس ، كما اعترف المأمون بذلك عندما قال : (ولكننا نحتاج إلى أن نضع منه ـ الإمام الرضا ـ قليلاً قليلاً) (1) .
إذن ، فالعدو خير شاهد عندما يعترف لنا بإمامة أهل البيت عليهم السلام ، ولنأتي إلى أعداء الأئمة ، أمثال المنصور وابن مؤنس والرشيد والمأمون وأبي مسلم الخراساني الذين جردوا سيوفهم لتحجيم دور الأئمة عليهم السلام داخل المجتمع الإسلامي ، يقول المنصور : (قتلت من ذرية فاطمة ألفاً أو يزيدون ، وتركت سيدهم ومولاهم وإمامهم جعفر بن محمد) (2) .
فهل يحتاج هذا النص إلى شرح واستدلال على اعتقاد المنصور بأن الإمام هو جعفر بن محمد عند الشيعة الإمامية ؟ !
أما ابن مؤنس فقد أطلق تلك العبارة التي بينت موقع الإمام الرضا عليه السلام في قلوب المسلمين ، فقال للمأمون سراً ـ والرضا عليه السلام جالس إلى جانبه ـ : (ياأمير المؤمنين هذا الذي بجنبك والله صنم يعبد دون الله) (3) .
وكذلك المأمون عندما أراد أن يمرر المخطط على الرضا عليه السلام ويجعله جسراً شرعياً لمنصبه ، يقول المسعودي وابن الأثير : (إنه صرح بموقع الإمام في قلوب الناس) (4) .
والرشيد يشكو لعظيم البرامكة يحيى بن خالد غمه وحيرته في أمر الإمام موسى الكاظم عليه السلام ، وصرح له يحيى هذا بموقع الإمام ، فقال : (إن الكاظم أفسد علينا قلوب

(1) شرح شافية أبي فراس : ص 473 ؛ دلائل الإمامة : ص 198 ذكر معجزاته عليه السلام .
(2) الأدب في ضل التشيع : ص 63 . نقلاً عن شرح القصيدة الشافية : ص 161 .
(3) مسند الإمام الرضا : ج 1 ، ص 86 / باب ما وقع بينه وبين المأمون .
(4) مروج الذهب : ج 4 ، ص 34 ؛ الكامل لابن الأثير : ج 6 ، ص 326 .
دفاع عن التشيع 325

الناس) (1) .
ولا تجد أصرح من كلام أبي مسلم الخراساني ، عندما صرح برسالته الموجهة إلى المنصور ، فقال : (إن أخاك أمرني أن أجرد السيف وآخذ بالظنة ، وأقتل على التهمة ، ولا أقبل المعذرة ، فهتكت بأمره حرمات حتم الله صونها ، وسفكت دماءً فرض الله حقنها ، وزويت الأمر عن أهله ووضعته في غير محله) (2) .
والمتتبع لكتب التاريخ والحديث يجد الكثير من الشطحات التي اعترف بها الأعداء بإمامة أهل البيت عليهم السلام ، وما هي إلا وثيقة دامغة بحق كل من يدعي أن الإمامة والخلافة منصب شاغر تشغله المهاترات الكلامية واللغط وارتفاع الأصوات ، كما عبر بذلك عمر عن اجتماع السقيفة (3) .

اتهام لا محل له


عاد الكاتب من جديد لاتهام الفكر الإمامي بإسقاط الشورى كنظرية سياسية للحكم ، وقال : (يقوم الفكر الإمامي بإسقاط الشورى طريقاً لاختيار الإمام ، ويحل محلها النص . . . ) (4) .
فلم تكن هناك شورى حتى يسقطها الفكر الإمامي ، بل كان الفكر الإسلامي ، مستسلماً لفكرة النص والوصية آنذاك .
فأين الشورى مما خرجه الطبري ، وقال : إن الرسول صلى الله عليه واله وسلم قال لعلي : «إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوا» (5) ؟ !
وأين الشورى وأمير المؤمنين يناشد بحديث الغدير الذي نصب به ولياً على

(1) الغيبة للطوسي : ص 20 .
(2) تاريخ بغداد : ج 10 ، ص 206 ـ 207 ؛ البداية والنهاية : ج 10 ، ص 74 .
(3) فتح الباري في شرح صحيح البخاري : ج 14 ، ص 111 ، طبعة دار الفكر .
(4) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 63 .
(5) تاريخ الطبري : ج 2 ، ص 63 ؛ الكامل في التاريخ : ج 2 ، ص 62 ـ 64 ؛ السيرة الحلبية : ج 1 ، ص 461 .
دفاع عن التشيع 326

المسلمين ؟ وأين الشورى واثنا عشر بدرياً يشهدون لعلي بأنه ولي بعد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم (1) ؟ وأين الشورى والرسول صلى الله عليه واله وسلم يصرح بقوله : «يكون اثنا عشر أميراً كلهم من قريش» (2)؟ وأين الشورى وعمر يقول : (لو كان سالما حيا لما جعلتها شورى » (3) . واين الشورى وعمر يقول :بيعة أبي بكر فلتة) ؟
فأي شورى ينادي بها أحمد الكاتب ، هل هي التي وقف على رأسها صهيب الرومي فينتظر النتيجة لمدة ثلاثة أيام وإلا ضربت أعناقهم (4) ؟
هذه هي الشورى في التاريخ والفكر الإسلامي .
أما النص والوصية فتملك من الرصيد في الفكر ما لا تملكها مسألة مطلقاً ، وكيف لا تملك هذا الرصيد ورسول الله يقول لعلي : «أنت مني بمنزلة هارون من موسى ، إلا أنه لا نبي بعدي» (5) ، وكذلك يقول : «علي مني وأنا منه ، وهو ولي كل مؤمن بعدي» (6) ، وهنأ عمر أميرالمؤمنين بقوله : (هنيئاً لك يابن أبي طالب ، أصبحت مولى كل مؤمن ومؤمنة) (7) .
فلم يكن للشورى أي رصيد ـ كما وضحنا فيما سبق ـ حتى يسقطها الفكر الإمامي ، كما يقول الكاتب .

(1) مسند أحمد : ج 1 ، ح 642 و 672 و 953 و 964 ؛ سنن النسائي ، كتاب الخصائص : ح 8542 .
(2) صحيح البخاري : كتاب الأحكام ، باب الإستحلاف ، ح 6769 .
(3) طبقات ابن سعد : ج 3 ، ص 248 . نقلاً عن خلافة الرسول بين الشورى والنص : ص 36 .
(4) الكامل في التاريخ : ج 3 ، ص 67 .
(5) مسند أحمد : ج 1 ، ح 1466 و 1493 ؛ صحيح البخاري : فضائل علي ، ح 3503 ؛ صحيح مسلم : ح 2404 ؛ مصنف ابن أبي شيبة : ج 7 ، ص 496 ، ح 14 .
(6) مسند أحمد : ج 4 ، ص 19426 ؛ سنن الترمذي : ج 5 ، ح 3712 .
(7) مسند أحمد : ج 4 ، ص 18011 ؛ تفسير الرازي : ج 12 ، ص 42 ؛ تذكرة الخواص : ص 36 .
دفاع عن التشيع 327

النتيجة النهائية

تعتبر الإمامة السياسية ركيزة من مرتكزات الفكر الإسلامي الأصيل لما لها من تأكيدات حصلت عليها من القرآن والسنة ، ولذا نجد كل من له طموح سياسي للوصول إلى سدة الحكم يتشبث بتلك الركيزة ، فلقد تشبث الأمويون بها ، فرفعها معاوية كشعار يقول : (الأرض لله وأنا خليفة الله) ، وأطلق عبد الملك بن مروان كلمته المشهورة بحق السلطان ، حيث قال : (هو ظل الله في الأرض) .
وهذه الصفات هي صفات الإمام القائم بالحق والموصى إليه ، فأراد معاوية وعبد الملك وأمثالهما أن يشوشوا الفكر الإسلامي بهذه العبارات بتحريف مصاديقها ، ولكنهم فشلوا في كسب الأمة والسيطرة على شرعية الحكم بلقب الوصي أو الإمام .
وكذلك ادعاها العباسيون بعدما عدلوا في حلقات الوصية كما اتضح سابقاً ، حتى وصل الأمر إلى أن يخترعوا الفرق ، كالراوندية التي ادعت أن رسول الله قد قبض ، وأن أحق الناس بالإمامة بعده العباس بن عبد المطلب (1) . وفشل العباسيون كما فشل الأمويون ـ من قبل ـ في كسب امتيازات المصطلح ، وصرح بفشلهم هذا الدكتور أحمد محمود صبحي عندما قال : (ذلك المثل الأعلى للعدالة والمساواة الذي انتظره الناس من العباسيين قد أصبح وهماً من الأوهام ، فشراسة المنصور والرشيد وجشعهم وجور أولاد علي بن عيسى وعبثهم بأموال المسلمين يذكرنا بالحجاج وهشام ويوسف الثقفي ، وعم الاستياء أفراد الشعب) (2) .
ونستطيع أن نفهم من دراسة كل تلك الادعاءت أن الجميع يسعى للحصول على امتياز الإمامة ليكسب الشرعية والخلافة لعموم المسلمين ، وهذا يرجح لنا عمق هذه الفكرة في الذهن الإسلامي ، بحيث لم يستطع الكاتب أن يجد طريقاً لتأويل هذا التكالب على هذا المصطلح إلا الإنكار ، فأخطأ في تشخيص الموقف عندما جعل من

(1) المقالات والفرق : ص 180 .
(2) نظرية الإمامة للدكتور أحمد محمود صبحي : ص 381 .
دفاع عن التشيع 328

ادعاء الحركات المختلفة للإمامة من قبل السلطات تارة ، والانتهازيين اخرى ، جعل من هذا الادعاء دليلاً على عدم وجود الوصية السياسية ، ولكن نجد أن كل من له طموح في السيطرة والتحكم في امور المسلمين ادعى الوصية والإمامة ؛ لما لها من شرعية مرتكزة في أذهان المسلمين ، استحدثها من أقوال الرسول صلى الله عليه واله وسلم وأقوال الإمام علي عليه السلام والحسن والحسين عليهما السلام ، فمفهوم الإمامة والوصية ومصاديقها ثابتة على حالها ، وإن انحرفت الادعاءات في تشخيص المصداق هنا وهناك ، وجاء الكاتب من بعد ذلك الانحراف ليجعل نفي الإمامة هو السبيل الوحيد لتفسير الادعاءات الكثيرة والمتكررة للإمامة والوصاية .



دفاع عن التشيع 329


الفصل السادس

افتراءات أحمد الكاتب

على أركان نظرية

الإمامة الإلهية

دفاع عن التشيع 330




دفاع عن التشيع 331

نظرية الإمامة الإلهية

تعتمد نظرية الإمامة على النص كركن رئيسي لها ثم العصمة لهذا الإمام المنصوص عليه ، وترجم الشيخ الأشعري هذا الكلام بقوله : (وإن النبي صلى الله عليه واله وسلم نص عليه وأشار إليه باسمه ونسبه وعينه ، وقلد الأمة إمامته وأقامه ونصبه لهم علماً وعقد له عليهم إمرة المؤمنين ، وجعله وصيه وخليفته ووزيره في مواطن كثيرة ، وأعلمهم أن منزلته منه منزلة هارون من موسى ، إلا إنه لا نبي بعده ، وإذ جعله نظير نفسه في حياته وأنه أولى بهم بعده ، كما كان هو أولى بهم منهم بأنفسهم ، إذ جعله في المباهلة كنفسه بقول الله تعالى «وأنفسنا وأنفسكم» (1) ، ولقول رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لبني وليعة : «لتنتهن يا بني وليعة أو لأبعثن إليكم رجلاً كنفسي» ، فمقام النبي لا يصلح من بعده إلا لمن هو كنفسه ، والإمامة من أجل الامور بعد الرسالة ، إذ هي فرض من أجل فرائض الله ، وأنه لا بد مع ذلك من أن تكون تلك الإمامة دائمة جارية في عقبه إلى يوم القيامة ، تكون في ولده من ولد فاطمة بنت رسول الله ، ثم ولد ولده ، منها يقوم مقامه أبداً رجل منهم معصوم من الذنوب ، طاهر من العيوب ، نقي ، مبرأ من الآفات والعاهات في الدين والنسب والمولد ، يؤمن منه العمد والخطأ والزلل ، منصوص عليه من الإمام الذي قبله ،مشار إليه بعينه واسمه ، وأن الإمامة جارية في عقبه على هذا السبيل ، ما اتصل أمر الله ونهيه ولزم العباد التكليف) (2) .

(1) آل عمران : 61 .
(2) المقالات والفرق : ص 17 .
دفاع عن التشيع 332


ولكل فقرة من هذه الفقرات حجة عليها قامت من رسول الله صلى الله عليه واله وسلم .
فأما مسألة النص على أمير المؤمنين عليه السلام ، فيكفي حديث الغدير الذي تناقلته الألسن من مختلف المشارب والطبقات ، واحتج به أمير المؤمنين على القوم بقوله : «انشدكم الله من سمع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول يوم غدير خم : من كنت مولاه فعلي مولاه ، لما قام وشهد» ، فقام اثنا عشر بدرياً شهدوا بذلك (1) .
واحتج به الإمام الحسن عليه السلام بقوله : «وقد رأوه وسمعوه حين أخذ بيد ابي بغدير خم ، وقال لهم : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه» (2) .
وكذلك احتج به الحسين عليه السلام أمام سبعمائة رجل في الحج فيهم مئتا رجل من أصحاب النبي والتابعين (3) ، وقال : «انشدكم الله أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم نصبه يوم غدير خم فنادى له بالولاية» (4) .
وأما فقرة : (وجعله وصيه وخليفته ووزيره) فقد نقل الطبري في تاريخه حديث رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : «إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوا» (5) .
وأما أنه أولى بهم بعده ، فقول رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : «إن علياً مني وأنا منه ، وهو ولي كل مؤمن ومؤمنة بعدي» (6) .
وأما أنه بمنزلة هارون من موسى ، فقد دل عليه قول الرسول : «أنت مني بمنزلة

(1) مسند أحمد : ج 1 ، ح 642 و 672 و 953 و964 ؛ سنن النسائي : الخصائص ، ح 8542 ؛ البداية والنهاية : ج 5 ، ص 229 في نحو عشرين طريقاً .
(2) ينابيع المودة : ج 3 ، ص 369 ، باب 90 ؛ الغدير للأميني : ج 1 ، ص 398 .
(3) الغدير : ج 1 ، ص 399 .
(4) سليم بن قيس الهلالي : ج 2 ، ص 791 ، ح 26 .
(5) تاريخ الطبري : ج 2 ، ص 63 ؛ الكامل في التاريخ : ج 2 ، ص 62 ـ 63 ؛ السيرة الحلبية : ج 1 ، ص 461 ؛ شرح نهج البلاغة : ج 13 ، ص 210 و 244 ؛ وصححه مختصر تاريخ دمشق : ج 17 ، ص 310 ـ 311 ؛ معالم التنزيل : ج 3 ، ص 400 ؛ تفسير الخازن : ج 3 ، ص 333 .
(6) مسند أحمد : ج 4 ، ح 19426 ؛ سنن الترمذي : ج 5 ، ح 3712 ؛ مصنف بن أبي شيبة ، فضائل علي : ج 7 ، ص 504 ، ح 58 ؛ الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان : ج 6 ، ص 269 ، رقم 6938 .
دفاع عن التشيع 333

هارون من موسى ، إلا أنه لا نبي بعدي» (1) .
وأما أن الإمامة دائمة جارية في عقبه إلى يوم القيامة تكون في ولده من ولد فاطمة ، فقد دلت عليها أحاديث رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : «إن الله اختار من صلبك يا حسين تسعة أئمة تاسعهم قائمهم ، وكلهم في الفضل والمنزلة عند الله سواء» (2) .
وكذلك قوله : «أنا وعلي والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهرون معصومون» (3) .
وأما تشخيص هؤلاء التسعة الذين نص عليهم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، فلقد شخصهم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بأسمائهم ابتداءً بعلي ، وانتهاءً بالمهدي (4) .
أضف إلى ذلك ، نص السابق على اللاحق ، وهذا ما حفلت به كتب الشيعة الإمامية ، ولكثرة تلك النصوص عمد فقهاء الشيعة ومحدثوهم إلى تخصيص أبواب باسم الإشارة والنص على الأئمة واحداً بعد واحد ، وبمراجعة بسيطة للكافي أو غيره يجد القارئ نفسه أمام سيل من النصوص والوصايا التي دلت على إمامة كل واحد من الأئمة (5) .
وأما مسألة العصمة ، فقد نص عليها رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بقوله : «أنا وعلي والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهرون معصومون» (6) ، وغير ذلك من الأحاديث الكثيرة التي نصت على عصمة أهل البيت عليهم السلام ، وتوزعت هذه الأحاديث وأمثالها على حديث الثقلين (7) الذي نص رسول الله فيه على عدم افتراقهم عن كتاب الله

(1) صحيح مسلم ، فضائل علي : ح 2404 ؛ مصنف ابن أبي شيبة ، فضائل علي : ج 7 ، ص 496 ، ح 14 .
(2) ينابيع المودة : ج 3 ، ص 395 ، باب 94 .
(3) ينابيع المودة : ج 3 ، ص 384 ، باب 94 .
(4) ينابيع المودة : ج 3 ، ص 281 ، باب 76 .
(5) الكافي : أبواب الإشارة والنص على الأئمة عليهم السلام .
(6) ينابيع المودة : ج 3 ، ص 384 ، باب 94 .
(7) سنن الترمذي : ج 5 ، ح 3788 .
دفاع عن التشيع 334

الذي لا يأتيه الباطل أبداً ، وأكد ابن حجر هذه الحقيقة بقوله : (وفي أحاديث الحث على التمسك بأهل البيت إشارة إلى عدم انقطاع متأهل منهم للتمسك به إلى يوم القيامة ، كما أن الكتاب العزيز كذلك) (1) .
أضف إلى ذلك آية التطهير التي نصت على عصمتهم وطهرتهم من كل رجس ، وتناقلت هذه الحقيقة الكتب المعتمدة في الإسلام ، واختصت تلك الفضيلة بهم ، كما قال الخطيب البغدادي والسيوطي (2) .
إذن ، كل تلك الفقرات كانت مستندة إلى أقوال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم التي تناقلتها كتب التاريخ والحديث .
فنظرية الإمامة نظرية موافقة للعقل والنقل ، كما صرح بذلك الجراجكي بقوله : (إعلم ـ أيدك الله ـ إن الله جل اسمه قد يسر لعلماء الشيعة من وجوه الأدلة العقلية والسمعية على صحة إمامة أهل البيت ما يثبت الحجة على مخالفيهم ، فالعقليات دالة على الأصل من وجوب الحاجة إلى الإمام في كل عصر ، وكونه على صفات معلومة (كالعصمة) ليتميز بها من جميع الامة ليست موجودة في غير من أشار إليه ، والسمعيات منها القرآن الدال في الجملة على إمامتهم وفضلهم على الأنام) (3) .
وبالإضافة إلى النص والعصمة ، ظهرت عند الأئمة معاجز كثيرة وكرامات دلت على مواقعهم عند الله تعالى .
وعندما لم يجد الكاتب أي ثغرة في نظرية الإمامة ؛ للوثائق النبوية على كل فقراتها ، راح يشوش ذهن القارئ بإضافة كلمات لا تمت إلى نظرية الإمامة بصلة ، فقال : (ينتقل الفكر الإمامي من القول بضرورة العصمة في الإمام مطلق الإمام ، إلى ضرورة النص) (4) .

(1) الصواعق المحرقة : ج 2 ، ص 442 .
(2) تاريخ بغداد : ج 10 ، ص 277 ؛ الدر المنثور : ج 6 ، ص 603 .
(3) الإستنصار : ص 3 .
(4) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 65 .
دفاع عن التشيع 335


إن الفكر الإمامي لم يقل : إن العصمة في مطلق الإمام ، بل قال : إن العصمة في الإمام المنصوب المعين والمنصوص عليه ، والذي حصل على ذلك الوسام وتلك الدرجة من رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ومن آبائه ، فكلمة (مطلق الإمام) عند الكاتب أراد منها المعنى الذي روج له الأمويون ، ذلك المعنى الذي يشمل كل من أتى إلى الحكم بأي طريقة أو اسلوب ، وظهرت منه الأخطاء ، وظهر منه الزلل والاعتداء والظلم ،فاراد الكاتب ان يضرب التشيع بان بعض الائمة يظهر منهم الغلط و الزلل والظلم . فكيف ينعتون بالعصمة والنص ؟ وأراد من هذا الطريق توهين نظرية الإمامة ، ونسي أحمد الكاتب أن الأمويين هم الذين رفعوا شعار مطلق الإمام ، وطالبوا المسلمين بطاعة خلفائهم طاعة مطلقة ـ كما قال أحمد الكاتب ذلك بنفسه (1) ـ وليس أئمة أهل البيت عليهم السلام .

النص والتعيين في الفكر الإسلامي


بعد أن دل القرآن الكريم على عصمة أهل البيت بنص آية التطهير ، وباعتراف المفسرين من الفريقين ، نجد أن مفاهيم العصمة والنص والتعيين هي الركيزة الأساسية في الفكر الإسلامي ، ولهذا حاول الأمويون سرق هذه المفاهيم وإلصاقها بهم ، يقول يزيد مؤبناً أباه معاوية : (إن معاوية بن أبي سفيان كان عبداً من عبيد الله ، أكرمه الله واستخلفه وخوله ومكن له . . . . وقد قلدنا الله عزوجل ما كان إليه) (2) .
فالخلافة لمعاوية من الله تعالى كما يقول يزيد ، وإن الله قلده إياها .
وبهذا نطق الوليد بن يزيد بقوله : (استخلف الله خلفاءه على منهاج نبوته حين قبض نبيه) (3) .
وراح الحجاج يطلق صفة العصمة على أميره عبد الملك بن مروان ، حين قال له في رسالة موجهة إليه : (لعبد الله عبد الملك أمير المؤمنين وخليفة رب العالمين ، المؤيد

(1) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 50 .
(2) الإمامة والسياسة : ج 1 ، ص 174 .
(3) تاريخ الطبري : ج 5 ، ص 529 .
دفاع عن التشيع 336

بالولاية ، المعصوم من خطل القول وزلل العقل . . . . » (1) .
فهذه المفاهيم كانت متداولة في الفكر الإسلامي آنذاك ، ولكن حرفت مصاديقها الأساسية وهم أهل البيت عليهم السلام ، يقول ابن عباس : (قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : «أنا وعلي والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهرون معصومون») (2) .
وكذلك عن أبي هريرة : (سأل رسول الله عن قول الله عزوجل : «وجعلها كلمة باقية في عقبه» ، قال : «جعل الإمامة في عقب الحسين يخرج من صلبه تسعة من الأئمة ، ومنهم مهدي هذه الأمة» (3) .
وأكد هذه المفاهيم أئمة أهل البيت عليهم السلام ، يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام : «إنما الطاعة لله عزوجل ولرسوله ، ولولاة الأمر ، وإنما أمر بطاعة اولي الأمر لأنهم معصومون مطهرون لا يأمرون بمعصية» (4) .
وأكد السجاد هذه الحقيقة بقوله : «الإمام منا لا يكون إلا معصوماً ، وليست العصمة في ظاهر الخلق لتعرف» (5) .
وصرح الصادق عليه السلام بذلك فقال : «الأنبياء وأوصياؤهم لا ذنوب لهم لأنهم معصومون مطهرون» (6) .
وهذه المفاهيم من صلب الفكر الإسلامي ، وغالط الكاتب هنا عندما جعلها من مبتدعات القرن الثاني وقال : (هذه المفاهيم التي كانت تتبلور في مطلع القرن الثاني الهجري) (7) .

(1) العقد الفريد : ج 5 ، ص 25 .
(2) ينابيع المودة : ج 3 ، ص 384 ، باب 94 .
(3) كفاية الأثر : ص 86 .
(4) بحار الأنوار : ج 25 ، ص 200 .
(5) معاني الأخبار : ص 132 .
(6) بحار الأنوار : ج 25 ، ص 199 .
(7) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 51 .
دفاع عن التشيع 337


فكيف تتبلور في القرن الثاني الهجري وقد نطق بها القرآن في آية التطهير ، ورسوله في أحاديثه ، وصرح بها أمير المؤمنين والسجاد والصادق عليهم السلام ، وتناقلها الصحابة أمثال سلمان وجابر وغيرهم ، وسرقها الأمويون أمثال معاوية ويزيد ، فكل ذلك تجاهله الكاتب ولم يشر إليه .
ولكي يدعم الكاتب موقفه استعرض كلمات هشام بن الحكم حول الإمامة والعصمة ، ومناظراته ، وأراد من هذا الاستعراض أن يجعل من هشام بن الحكم هو المخترع لتلك المفاهيم ، ولكن اشتبه على الكاتب ، وخلط بين أمرين :
الأول : موقع هذه المفاهيم من الفكر الإسلامي .
الثاني : الاستدلال عليها .
أما الأمر الأول ، فإن هذه المفاهيم كانت مرافقة لرسالة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، لأنها المكملة لها ، ونطق بها رسول الإنسانية ، وصرح بها الأئمة ، وقال بها الصحابة ، وسرقها الأمويون ، ثم العباسيون ، ولكن في زمن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لم تحتج هذه المفاهيم إلى استدلال ونظر ، بل كانت واضحة للعيان .
وأما الأمر الثاني ، فإنه وبعدما حدث للأمة ما حدث من نهب التراث وتزوير الحقائق ، ورفع العصا أمام المعارضين ، بعد كل ذلك احتاجت هذه المفاهيم إلى من يفتق الكلام بها ويستدل عليها ، وكان هشام بن الحكم أهلاً لذلك ، فقد قال العلامة الحلي مترجماً لهشام : (فتق الكلام في الإمامة وهذب المذهب بالنظر) (1) .
إذ الأحداث الساخنة وما يرافقها من سياسات جعلت كل واحد يجر النار إلى قرصه فاحتاجت تلك المفاهيم إلى من يتفق الكلام فيها ، ويستدل عليها ، ويبرهنها ، فانبرى لذلك العمل التلميذ البارع الوفي للأئمة هشام بن الحكم .
فخلط أحمد الكاتب بين الأمرين ، فجعل هذه المفاهيم من مخترعات هشام بن الحكم .

(1) خلاصة الأقوال : ص 288 ـ 289 ، رقم 1061 .
دفاع عن التشيع 338


العصمة
وحاول الكاتب أن ينفذ إلى نظرية الإمامة من زاوية العصمة ليطلق شعاره بأن أهل البيت لم يكونوا يؤمنون بهذا المبدأ من قبل (1) . وقبل التعرف على موقف أهل البيت عليهم السلام لابد أولاً من التعرف على موقف القرآن منها ، وموقف الفكر الإسلامي من هذا المصطلح ، ثم نتعرف على موقف أهل البيت عليهم السلام من هذا الركن الأساسي لنظرية الإمامة ، ثم الحكم النهائي بناءً على ذلك .
العصمة في ضوء القرآن
قال تعالى : «إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً» (2) . استدلت الشيعة على عصمة أئمتهم بهذه الآية ، وذلك من خلال هذه المقدمات :
إنما : أقوى أدوات الحصر والتوكيد على الإطلاق ، وهذا ما نطق به النحاة .
يريد : الإرادة هنا حسب ما قسموها قسمان : تكوينية وتشريعية .
يقول علي المشكيني في اصطلاحات الاصول : (تقسم الإرادة إلى :
تكوينية : وهي إرادة الشخص صدور الفعل عنه بنفسه من دون تخلل إرادة غيره في صدوره ، كما في إرادة الله تعالى خلق العالم ، وإيجاد الأرض والسماء، وكإرادتك أكلك وشربك وصلاتك وصيامك ، ويسمى هذا القسم بالإرادة التكوينية .
تشريعية : هي إرادة الشخص صدور الفعل من غيره بإرادته واختياره ، كما في إرادة الله تعالى صدورالعبادات والواجبات من عباده باختيارهم وإرادتهم ، لا مجرد حصولها بأعضائهم ، وصدورها بأبدانهم بدون تخلل القصد منهم ، وكما في إرادتك صدور الفعل من ابنك وخادمك بلا إجبار منك وإلجاء ، ويسمى هذا بالإرادة

(1) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 80 .
(2) الأحزاب : الآية : 33 .
دفاع عن التشيع 339

التشريعية) (1) .
وتفسير الآية بالإرادة التشريعية ، وكما يقول السيد محمد تقي الحكيم ، يتنافى مع نص الآية بالحصر المستفاد من كلمة (إنما) ، إذ لا خصومية لأهل البيت في تشريع الأحكام لهم ، وليست لهم أحكام مستقلة عن أحكام بقية المكلفين ، والغاية من تشريعه للأحكام إذهاب الرجس عن الجميع ، لا عن خصوص أهل البيت ، على أن حملها على الإرادة التشريعية يتنافى مع اهتمام النبي صلى الله عليه واله وسلم بأهل البيت ، وتطبيق الآية عليهم بالخصوص (2) .
أما من هم أهل البيت المقصودون في الآية ؟ نقول عائشة : خرج النبي صلى الله عليه واله وسلم غداة ، وعليه مرط مرحل من شعر أسود ، فجاء الحسن بن علي فأدخله ، ثم جاء الحسين فدخل معه ، ثم جاءت فاطمة فأدخلها ، ثم جاء علي فأدخله ، ثم قال : «إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً» (3) .
وأما من ناحية السند ، يقول الحاكم النيسابوري : (هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه) (4) .
وتقول ام سلمة : في بيت نزلت هذه الآية : «إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت» ، قالت : فأرسل رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إلى علي وفاطمة والحسن والحسين (رضوان الله عليهم) وقال : «اللهم هؤلاء أهل بيتي» .
وقال الحاكم : (هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجه) (5) .
وقال علي بن أبي طالب عليه السلام : «كان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يأتينا كل غداة فيقول : الصلاة رحمكم الله الصلاة ، «إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم

(1) اصطلاحات الاصول : ص 29 .
(2) الاصول العامة للفقه المقارن : ص 150 .
(3) صحيح مسلم : ح 2424 .
(4) المستدرك على الصحيحين : ج 3 ، ص 59 ، ح 4707 .
(5) المستدرك على الصحيحين : ج 3 ، ص 158 ـ 159 ، ح 4705 .
دفاع عن التشيع 340

تطهيراً» (1).
فالمراد من أهل البيت هم : علي وفاطمة والحسن والحسين ، وبهذا قال أبو سعيد الخدري (2) وجابر بن عبد الله الأنصاري (3) وواثلة بن الأسقع (4) وأنس بن مالك (5) وسعد بن أبي وقاص (6) وعبد الله بن عباس (7) وأبو الحمراء خادم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم (8) .
وأما المقصود من أزالة الرجس ، يقول الطباطبائي : (إزالة كل هيئة خبيثة في النفس تخطئ حق الاعتقاد والعمل ، فتنطبق على العصمة الإلهية التي هي صور علمية نفسانية تحفظ الإنسان من باطل الاعتقاد وسيئ العمل) (9) .
وبهذا استدلت الشيعة على عصمة أهل البيت في هذه الآية ، وللأسف لم نجد الكاتب يتطرق لا من قريب ولا من بعيد لهذا الاستدلال ، وناقش الشيعة أي دعوى خلاف ذلك بالأدلة العلمية ، مستقبلين آراء الطرف الآخر بروح الحرية في الطرح ، والانصياع للعلم والبحث العلمي .
أضف إلى ذلك ، استدلال الشيعة بآيات اخر ، مثل : «قال إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين» (10) ، وقوله تعالى : «ولقد همت به وهم بها لو لا أن رأى برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه كان من عبادنا

(1) أمال المفيد : ص 318 ، المجلس 38 ، ح 4 .
(2) الدر المنثور : ج 6 ، ص 604 .
(3) شواهد التنزيل : ج 2 ، ص 29 .
(4) المستدرك على الصحيحين : ج 3 ، ص 159 ، ح 4706 .
(5) مسند أحمد : ج 3 ، ح 13317 ؛ سنن الترمذي : ج 5 ، ص 31 .
(6) المستدرك على الصحيحين : ج 3 ، ص 159 ، ح 4708 ؛ خصائص النسائي : ص 48 .
(7) مسند أحمد : ج 1 ، ح 3502 .
(8) الدر المنثور : ج 6 ، ص 603 .
(9) الميزان : ج 16 ، ص 317 ـ 318 .
(10) البقرة : الآية 124 .
دفاع عن التشيع 341

المخلصين» (1) .
هذا بالنسبة للنقل القرآني ، أما العقل فلقد استدل على هذا المورد السيد المرتضى والعلامة الحلي وغيرهما (2) ، ومن أراد فليرجع إلى مصادرهم المشار إليها .
العصمة في حديث رسول الله صلى الله عليه واله وسلم
أما بالنسبة لموقف أهل البيت عليهم السلام من العصمة ، فلقد طالعتنا كتب الحديث بالكثير من الروايات التي صرحوا فيها بلفظ العصمة ، ونسبوها إلى أنفسهم :
1 ـ موقف رسول الله صلى الله عليه واله وسلم من العصمة :
صرح رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بعصمته وعصمة ذريته وولده ، فعن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه واله وسلم قال : «أنا وعلي والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهرون معصومون» (3) .
وقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم متحدثاً عن الخلفاء من بعده علي وأبنائه : «فإنهم خيرة الله عزوجل وصفوته ، وهم المعصومون من كل ذنب وخطيئة» (4) .
وقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في حديث الثقلين الذي أخرجه مسلم والترمذي وأحمد بن حنبل والبزار والحاكم وابن كثير (5) ، وغيرهم كثير جداً ـ ليس محل بحثه هنا ـ وبألفاظ مختلفة بلسان : «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي ، كتاب الله

(1) يوسف : الآية 24 .
(2) الذخيرة : ص 430 ؛ الباب الحادي عشر : ص 41 ـ 42 .
(3) كمال الدين : ص 226 ، ح 28 ؛ عيون أخبار الرضا : ج 1 ، ص 64 ، ح 30 .
(4) عيون أخبار الرضا : ج 1 ، ص 62 ، ح 211 .
(5) صحيح مسلم : ح 2408 ؛ سنن الترمذي : ج 5 ، ح 3788 ؛ مسند أحمد : ج 5 ، ح 12068 ؛ البحر الزخار المعروف بمسند البزار: ج 3 ، ص 89 ، ح 864 ؛ المستدرك على الصحيحين : ج 3 ، ص 160 ـ 161 ، ح 4711 ؛ البداية والنهاية : ج 5 ، ص 228 ؛ تاريخ اليعقوبي : ج 2 ، ص 102 .

السابق السابق الفهرس التالي التالي