دفاع عن التشيع 342

وعترتي أهل بيتي» .
يقول ابن حجر : (ومر له طرق مبسوطة في حادي عشر السنة ، وفي بعض تلك الطرق أنه قال ذلك بحجة الوداع بعرفة ، وفي اخرى أنه قاله بالمدينة في مرضه ، وقد امتلأت الحجرة بأصحابه ، وفي اخرى أنه قال ذلك بغدير خم ، وفي اخرى أنه قال ذلك لما قام خطيباً بعد انصرافه من الطائف .
ثم قال : ولا تنافي ، إذ لا مانع من أنه كرر عليهم ذلك في تلك المواطن وغيرها اهتماماً بشأن الكتاب العزيز والعترة الطاهرة) (1) .
وأما دلالة الحديث على عصمة أهل البيت :
أ ـ لاقترانهم بالكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وتصريحه بعدم افتراقهم عنه ، ومن البديهي أن صدور أية مخالفة للشريعة سواء كانت عن عمد أو سهو أم غفلة تعتبر افتراقاً عن القرآن في هذا الحال ، وإن لم يتحقق انطباق عنوان المعصية عليها أحياناً ، كما في الغافل والساهي ، والمدار في صدق عنوان الافتراق عنه عدم مصاحبته لعدم التقييد بأحكامه ، وإن كان معذوراً في افتراقه عنه ، والحديث صريح في عدم افتراقهما حتى يردا الحوض .
ب ـ ولأنه اعتبر التمسك بهم عاصماً عن الضلالة دائماً وأبداً ، كما هو مقتضى ما تفيده كلمة (لن) التأبيدية .
جـ ـ على أن تجويز الافتراق عليهم بمخالفة الكتاب وصدور الذنب منهم تجويز للكذب على الرسول صلى الله عليه واله وسلم الذي أخبر عن الله عزوجل بعدم وقوع افتراقهما ، وتجويز الكذب عليه متعمداً في مقام التبليغ والإخبار عن الله في الأحكام وما يرجع إليها من موضوعاتها وعللها مناف لافتراق العصمة في التبليغ ، وهي مما أجمعت عليها كلمة المسلمين على الإطلاق ، حتى نفاة العصمة عنه بقول مطلق .
يقول الشوكاني بعد استعراضه لمختلف مبانيهم في عصمة الأنبياء : (وهكذا وقع الإجماع على عصمتهم بعد النبوة من تعمد الكذب في الأحكام الشرعية لدلالة

(1) الصواعق المحرقة : ج 2 ، ص 440 .
دفاع عن التشيع 343

المعجزة على صدقهم ، وأما الكذب غلطاً فمنعه الجمهور ، وجوزه القاضي أبو بكر) .
ولا إشكال أن الغلط لا يأتي في هذا الحديث ، لإصرار النبي صلى الله عليه واله وسلم على تبليغه في أكثر من موضع ، وإلزام الناس بمؤداه ، والغلط لا يتكرر عادة ، على أن الأدلة العقلية على عصمة النبي ـ والتي سبقت الإشارة إليها من استحالة الخطأ عليه في مقام التبليغ ، وكلما يصدر عنه تبليغ ، كما يأتي ـ تكفي في دفع شبهة القاضي أبي بكر ، وتمنع من احتمال الخطأ في دعواه عدم الافتراق (1) .
هذه سيرة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في طرح مسألة العصمة للامة ، وللأسف لم نجد الكاتب تطرق إليها أيضاً .
2 ـ العصمة في حديث علي عليه السلام وأبنائه عليهم السلام :
وأما موقف علي عليه السلام وأبنائه عليهم السلام من مصطلح العصمة ، فيقول الكليني : إن أمير المؤمنين عليه السلام قال : «إن الله تبارك وتعالى طهرنا وعصمنا ، وجعلنا شهداء على خلقه وحجة في أرضه ، وجعلنا مع القرآن ، وجعل القرآن معنا ، لا نفارقه ولا يفارقنا» (2) .
وقال الصدوق ، عن أمير المؤمنين علي عليه السلام : «أما الطاعة لله عزوجل ولرسوله ولولاة الأمر ، وإنما أمر بطاعة اولي الأمر لأنهم معصومون مطهرون لا يأمرون بمعصية» (3) .
ونقل ابن أبي الحديد في شرحه عن أمير المؤمنين قوله : «وإنما ينبغي لأهل العصمة والمصنوع إليهم في السلامة أن يرحموا أهل الذنوب والمعصية» (4) .
واستدل الإمام الحسن عليه السلام على عصمته بآية التطهير .
قول الحاكم : قال الحسن عليه السلام : «وأنا من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس

(1) الأصول العامة للفقه المقارن : ص 167 .
(2) الكافي : ج 1 ، ص 147 ، باب الأئمة شهداء لله على خلقه ، ح 5 .
(3) علل الشرائع : ج 1 ، ص 149 ـ 150 .
(4) شرح نهج البلاغة : ج 9 ، ص 59 ، الخطبة 140 .
دفاع عن التشيع 344

وطهرهم تطهيراً» (1) .
وقال الإمام زين العابدين عليه السلام : «الإمام منا لا يكون إلا معصوماً ، وليست العصمة في ظاهر الخلقة فيعرف بها ، ولذلك لا يكون إلا منصوصا» (2) .
وقال أيضاً في دعائه بعرفة : «واسألك بحق نبيك محمد صلى الله عليه واله وسلم ، وأتوسل إليك بالأئمة الذين اخترتهم لسرك ، وعصمتهم عن معاصيك» (3) .
وقال الإمام الصادق عليه السلام : «المعصوم هو الممتنع بالله من جميع محارم الله» (4) . وقد عد الإمام الصادق عليه السلام عشر خصال للإمام ، منها العصمة ، بل أولها (5) .
وتحدث الامام الصادق عليه السلام عن الانبياء واوصيائهم فقال : « الانبياء واوصيائهم لا ذنوب لهم لانهم معصومون مطهرون » .
وتحدث الإمام الرضا عليه السلام عن العصمة والمعصوم ، فقال : «الإمام المطهر من الذنوب والمبرأ من العيوب . . . . فهو معصوم مؤيد . . . » (6) .
ونقول مرة اخرى للأسف ، إن الكاتب لم يتطرق إلى ذلك أيضاً .
وعبر الأئمة عن العصمة بألفاظ اخرى ، وهذا منهج آخر للأئمة في التعبير عن الإمام المعصوم ، يقول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام : «إنه لا ينبغي أن يكون الوالي على الفروج والدماء والمغانم وإمامة المسلمين البخيل ولا الجاهل . . . ولا الجافي . . . والحائف للدول . . . ولا المرتشي ولا المعطل للسنة . . . » (7) .
وقال الإمام عليه السلام : «أيها الناس ، إن أحق الناس بهذا الأمر أقواهم عليه وأعلمهم بأمر

(1) المستدرك على الصحيحين : ج 3 ، ص 172 .
(2) معاني الأخبار : ص 132 ، باب معنى العصمة ، ح 1 .
(3) مصباح المتهجد وسلاح المتعبد : ص 636 .
(4) معاني الأخبار : ص 132 ، باب معنى العصمة ، ح 2 .
(5) الخصال : ج 2 ، ص 498 ، باب العشرة ، ح 5 .
(6) الكافي : ج 1 ، ص 258 ، باب نادر في فضل الإمام وصفاته ؛ عيون أخبار الرضا : ج 2 ، ص 197 ، ح 1 .
(7) نهج البلاغة : ص 247 ـ 248 ، خطبة رقم 131 .
دفاع عن التشيع 345

الله فيه» (1) .
وكذلك قال الإمام الحسين عليه السلام مخاطباً أهل الكوفة : «فلعمري ، ما الإمام إلا العامل بالكتاب ، الحابس نفسه على الله ، القائم بالقسط ، والدائن بدين الله» (2) .
وقال الإمام الباقر عليه السلام متحدثاً على لسان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم حول شروط الحاكم ، قال : «قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : لا تصلح امتي إلا لرجل فيه ثلاث خصال : ورع يحجزه عن معاصي الله ، وحلم يملك به غضبه ، وحسن الولاية على من يلي حتى يكون له كالوالد الرحيم» (3) .
فهذه الحدود التي وضعها أئمة أهل البيت ، مثل «أعلمهم بأمر الله ، الحابس نفسه على الله ، ورع يحتجزه . . . » ، وما إلى ذلك مما ذكره الإئمة ، فهي أسوار تحيط بالإمام وتجعله معصوماً من كل الذنوب والمعاصي ، هذه الأسوار أوقعت الكاتب في فخ عندما نظر إليها ، وبحث عن كلمة العصمة فيها فلم يجدها (4) ، قال : إن الأئمة لا يؤمنون بالعصمة ، حاذفاً الأحاديث التي نقلناها أولاً وفيها ألفاظ العصمة .
فللأئمة منهجان لطرح مفهوم العصمة خلط الكاتب بينهما :
المنهج الأول : التصريح بلفظ المعصوم والعصمة في أحاديثهم .
المنهج الثاني : ذكر الحدود التي تحيط بالإمام وتجعله معصوماً من دون أن يذكروا لفظ العصمة .
وطالعتنا السنة المطهرة والكتب الحديثية بكلا المنهجين ، فحذف الكاتب المنهج الأول ولم يشر إليه ، واستدل بالمنهج الثاني على عدم عصمة أهل البيت مغالطاً ومشوشاً لأذهان القراء ، ولكن عندما أحس في نفسه أن المطالع النبه لا تتطلي عليه هكذا أباطيل ، راح يفتش عن الطرق التي اتبعها الأئمة عليهم السلام في تربية الناس وتعليمهم .

(1) نهج البلاغة : ص 329 ـ 330 ، خطبة رقم 173 .
(2) الإرشاد : ج 2 ، ص 39 .
(3) الكافي : ج 1 ، ص 470 ، باب 104 .
(4) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 80 ـ 85 .
دفاع عن التشيع 346

فنقل كلمة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في قوله : «فإني لست في نفسي بفوق أن اخطئ ، ولا آمن ذلك من فعلي إلا أن يكفي الله من نفسي ما هو أملك به مني» .
وبهذا الحديث نفى الكاتب العصمة عن الإمام علي عليه السلام (1) ، متناسياً دور الإمام في الامة ، ذلك الدور الذي يقوم على التربية والتعليم ، وإلا إذا كان الأمر كما يقول الكاتب يكون الإمام علي عليه السلام مرتكباً كل الذنوب بلا استثناء ـ وحاشاه ـ لأنه الذي يقول : «اللهم اغفر لي الذنوب التي تهتك العصم ، اللهم اغفر لي الذنوب التي تنزل النقم ، اللهم اغفر لي الذنوب التي تحبس الدعاء ، اللهم اغفر لي الذنوب التي تنزل البلاء . . . » (2) ، وراح الإمام يعد الذنوب التي يجب التعوذ والاستغفار منها معلماً البشرية طريقة الكلام مع الله عزوجل ، ويربيهم على السير في هذه الحياة تجنباً لكل تلك الذنوب ، فإذا لم يحمل كلام الإمام على تعليم الأمة وتربيتها ـ وهكذا سار أصحاب الأئمة على هذا المنهاج ـ فتحل الكارثة بالإسلام ، لأن الإمام علي عليه السلام معروف عند الخاصة والعامة ـ من مهده إلى لحده ـ ، وكيف لا تحدث الكارثة بالإسلام إذا حملنا ذلك على ما حمله الكاتب ، وهذا الرسول صلى الله عليه واله وسلم يقول : «إنه ليغاف على قلبي ، وإني لأستغفر بالنهار سبعين مرة» .
وكذلك أبو الحسن موسى عليه السلام يقول : «ربي عصيتك بلساني ، ولو شئت وعزتك لأخرستني ، وعصيتك ببصري ، ولو شئت وعزتك لأكممتني ، وعصيتك بسمعي ولو شئت وعزتك لأصممتني ، وعصيتك بيدي . . . » ، إلخ .
ثم راح الكاتب يتكئ بعد أن تكسر كل ما اعتمد عليه ، على أحاديث لا سند لها ولا قيمة علمية فيها ، وأسانيد تحمل بين طياتها المهمل والمجهول .
ومن مصاديق ذلك ، ما ذكر من احتجاج الزهراء عليها السلام على علي عليه السلام في أمر المزرعة التي باعها وأنفق أموالها ، واستدل باحتجاج الزهراء عليها السلام على نفي عصمة الإمام (3) ، ولم يذكر الكاتب سند هذه الرواية الذي توزع بين المهمل وبين الضعيف ، أمثال

(1) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 81 .
(2) دعاء كميل .
(3) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 82 .
دفاع عن التشيع 347

عبد الملك بن عمير بن سويد ، الذي ضعفه أحمد بن حنبل ، وجعله يحيى بن معين مخلطاً ، وقال أبو حاتم بأنه ليس بحافظ (1) .
فهذا سند الرواية التي نفت العصمة عن علي عليه السلام ، والتي اعتمد عليها الكاتب .
ثم راح يضعف الرواية التي تحدثت عن العصمة من خلال سندها فقال : (الريان بن الصلت ضعيف) (2) . مع أن النجاشي قال عنه : (ثقة صدوق) (3) ، وقال الطوسي : (ثقة) (4) .
أما ما ذكره من المهملين في الرواية فهم من مشايخ الصدوق الذي ترضى عنهم ، كما يقول السيد الخوئي ، ولم يميز المهمل عند القدماء وهو ما عنونه الرجاليون ولم يضعفوه . . . وكا ابن داود يعنون المهمل كالممدوح ، وكان القدماء يعملون بالمهمل كالممدوح (5) .
ثم راح يعتمد على علي بن محمد بن الجهم ـ الذي كان يلعن أباه لأنه سماه علياً ، كما حدثنا التاريخ بذلك (6) ـ لنفي موضوع العصمة ، لأن الأخير نقل رواية ظاهرها يدل على أن الإمام الرضا تحدث عن عصمة الأنبياء ، ولم يتحدث عن عصمة الأئمة ، وهذا الاستدلال مثل الذي قبله ، لأن الإمام سئل عن عصمة الأنبياء أولاً ، ولم يسأل عن عصمة الأئمة حتى يتحدث عنها في هذا الحديث ، أضف إلى ذلك أنه تحدث الإمام الرضا نفسه عن العصمة قائلاً : «الإمام المطهر من الذنوب والمبرأ من العيوب . . . فهو معصوم مؤيد . . . » (7) .

(1) تهذيب الكمال : ج 18 ، ص 373 ، ر 3546 .
(2) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 85 .
(3) رجال النجاشي : ص 165 ، رقم 437 .
(4) رجال الطوسي : 415 .
(5) كليات علم الرجال : ص 120 ـ 123 .
(6) معجم رجال الحديث : ج 11 ، ص 297 ، رقم 7970 .
(7) الكافي : ج 1 ، ص 258 ، باب نادر في فضل الإمام وصفاته ؛ عيون أخبار الرضا : ج 2 ، ص 197 ، ح 1 .
دفاع عن التشيع 348

ولقد اعترف الكاتب بأن الإمام الرضا كان يتحدث عن الإمامة بصراحة ، وليس هي من صنع المتكلمين فقال : ( كان ـ الإمام الرضا ـ يتحدث عن الإمامة بصراحة وجرأة ، ولم يكن يخشى الخليفة العباسي المأمون . . . ) (1) . فتلاشى قوله : إن الإمامة من صنع المتكلمين .

معرفة الإمام بالنص عليه

لقد حفلت كتب الشيعة بالنصوص المتواترة والكثيرة ، والتي دلت على قيادة أهل البيت للمجتمع الإسلامي ، وجاءت هذه النصوص من رسول الله صلى الله عليه واله وسلم عليهم واحداً بعد الآخر في أحاديث كثيرة ، عبر عنها الشيخ المفيد بالمتواترة بقوله : (فإن قيل : ما الدليل على إمامة كل واحد من هؤلاء المذكورين ؟
الجواب : الدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه واله وسلم نص عليهم نصاً متواتراً بالخلافة ، مثل قوله صلى الله عليه واله وسلم : «ابني هذا الحسين إمام ابن إمام أخو إمام أبو أئمة تسعة ، تاسعهم قائمهم ، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً» ) (2) .
ونقلت كتب الحديث الشيعية المعتبرة إمامة اولئك بالنص المتواتر ، وخصصت لذلك أبواباً خاصة تحت اسم الإشارة والنص على إمامة كل واحد من الأئمة (3) ، وهذا جلي لكل من راجع كتب الحديث المعتبرة لديهم ، ولكن للأسف غش أحمد الكاتب القارئ عندما قال : (تعترف نظرية الإمامة بعدم وجود النص على عدد من الأئمة) (4) .
وبعد أن علم الكاتب أن هذا الكلام لا ينطلي على العقول المتحررة والنيرة والمطالعة والباحثة عن الحقيقة ، راح يبحث عن نظرية المعاجز ليفند نظرية الإمامة من خلالها ، وقال : (إن لجوء الامامة للمعاجز نتيجة عدم النصوص على الأئمة) ، وهذا

(1) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 83 .
(2) النكت الإعتقادية : ص 43 ـ 45 .
(3) الكافي : أبواب الإشارة والنص على الأئمة عليهم السلام .
(4) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 68 .
دفاع عن التشيع 349

الكلام ثبت بطلانه فيما تقدم ، لأن النص على الإمام ثابت عند الإمامية ، بالإضافة إلى أن المعجز قد حصل للأولياء المتقين ، كما حدثنا به التاريخ ، فضلاً عن الأئمة الذين يمتلكون مميزات ومؤهلات بنص القرآن الكريم ، ولهذا قال الشيخ المفيد : (فإن قيل : ما الطريق إلى معرفته (الإمام الحجة) حين ظهوره بعد استتاره ؟
الجواب : الطريق إلى ذلك المعجزة على يده) (1) .
وكلام الشيخ المفيد هذا لا يعني عدم وجود نص على الإمام المهدي فلجأ إلى المعجز ، ولهذا قال قبل هذا الكلام : (فإن قيل : ما الدليل على إمامة كل واحد من هؤلاء المذكورين ؟
الجواب : الدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه واله وسلم نص عليهم نصاً متواتراً بالخلافة . . .
فإن قيل : ما الطريق إلى معرفته (الإمام الحجة) حين ظهوره بعد استتاره ؟
الجواب : الطريق إلى ذلك المعجزة على يده) (2) .
وهذا يدل على أن النص عليهم ثابت بالتواتر ، وأن المعجز لمعرفة الإمام المهدي لطول غيبته على الناس ، فاختلط على أحمد الكاتب الأمر ، وقال : إن المعجز هو طريق الإمامية بعد فقدان النصوص .
وراح الكاتب يفتش التاريخ عن شواهد لذلك ، فلم يجد ، فلجأ إلى علم الغيب وقال : (إن هشام بن الحكم قد بنى قوله بإمامة الصادق على دعوى علم الإمام بالغيب) (3) .
وسر كلامه هذا ، أنه اعتمد على مناظرة واحدة لهشام بن الحكم ، استدعى الأمر أن يستدل هشام في بعض فروعها بعلم الإمام بالغيب ، ولكن نسي أن هشام بن الحكم له كتاب حول النص على الأئمة سماه (الوصية والرد على منكريها) ، كما ذكر ذلك السيد الخوئي (4) ، فكلام أحمد الكاتب أن هشام بن الحكم بنى على الغيب في

(1) النكت الإعتقادية : ص 43 ـ 45 .
(2) النكت الإعتقادية : ص 43 ـ 45 .
(3) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 69 .
(4) معجم رجال الحديث : ج 19 ، ص 271 ، رقم 13329 .
دفاع عن التشيع 350

الإمامة كلام خال من البحث والتحقيق ، بل لم يكتف بذلك ، فاتهم هشام بأنه لم يتحدث إلا عن دليل المعجز ، وعلم الإمام بالغيب (1) ، ونسي أن له كتاباً كاملاً باسم النص على الأئمة أسماه (الوصية والرد على منكريها) ، ثم راح يتهم المتكلمين الأوائل للشيعة بأن أمر النص لم يكن معتمداً عندهم (2) .
ولو سألنا أحمد الكاتب : من هم المتكلمون الأوائل للشيعة ؟ لأجاب : أن منهم محمد بن خليل المعروف بالسكاك ، صاحب هشام بن الحكم ، وكان متكلماً على حد قول أحمد الكاتب (3) ، وذكر أحمد الكاتب نفسه أن له كتاباً أسماه (الإمامة والرد على من أبى وجوب الإمامة بالنص) (4) ، وصرح بهذا الكتاب لهذا المتكلم الإمامي كل من العلامة الحلي ، والشيخ المفيد ، والصدوق ، والكشي والطوسي (5) ، فلعل أحمد الكاتب نسى كلامه في ( ص 51) واتهم المتكلمين الأوائل للشيعة في ( ص 69) وقال : (بل إن أمر النص لم يكن معتمداً عند المتكلمين الأوائل) .
وكذلك من المتكلمين الأوائل هشام بن الحكم ، وهو أيضاً له كتاب حول مسألة النص على الأئمة سماه (الوصية والرد على منكريها) كما يقول السيد الخوئي (6) .
فكلام الكاتب قائم على أساس الكذب والافتراء .
وبعد عجزه التام وتخبطه في طرح المواضيع راح يتهم السجاد عليه السلام بعدم النص عليه ، مع أن الثابت تاريخياً أن السجاد عليه السلام نص عليه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، كما صرح بذلك الكليني والطوسي (7) ، أضف إلى ذلك قول السجاد نفسه : «ثم انتهى الأمر إلينا» .

(1) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 69 .
(2) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 69 .
(3) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 51 .
(4) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 52 .
(5) رجال النجاشي : ص 328 ، رقم 889 ؛ الفهرست للطوسي : ص 207 ، رقم 595 .
(6) معجم رجال الحديث : ج 19 ، ص 271 ، رقم 13329 .
(7) الكافي : ج 1 ، ص 594 ـ 595 ، ح 4 ؛ الغيبة للطوسي : ص 91 .
دفاع عن التشيع 351

وصرح بذلك الشيخ الصدوق (1) .
وبهذا يتضح أن بحث الكاتب قائم على الشعارات الفارغة والتحريف والتزوير والقطع الذي يقوم به للحقائق ، والكذب والافتراء الذي طال حتى الأئمة عليهم السلام .

الإمامة في ولد الحسين عليه السلام

لقد اتفقت الكتب الشيعية وبعض الكتب السنية الحديثية على أن الإمامة سارية في ولد الحسين عليه السلام ، وأشار إلى تلك الحقيقة المقدسي الشافعي ، والقندوزي الحنفي ، والخوارزمي ، والحموئيني الشافعي ، وغيرهم من أهل السنة ، وكذلك الكليني والصدوق وغيرهم من علماء الشيعة ومحدثيهم . وتناقلت هذه الحقيقة ألسن الصحابة والفقهاء والمؤلفين من لسان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، ومن أمير المؤمنين علي عليه السلام ، ومن بعده من ولده .
فقد نقل الخوارزمي هذه الحقيقة عن سلمان الفارسي والحسين بن علي ، كما قال القندوزي في ينابيعه ، عن الحسين عليه السلام : «دخلت على جدي رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فأجلسني على فخذه ، وقال لي : إن الله اختار من صلبك يا حسين تسعة أئمة تاسعهم قائمهم ، وكلهم في الفضل والمنزلة عند الله سواء» (2) .
واتفق سلمان مع الحسين في نقله هذا بقوله : دخلت على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، وإذا الحسين على فخذه وهو يقبل عينيه ويلثم فاه وهو يقول : «أنت سيد ، ابن سيد ، ابن إمام ،أبو أئمة ، أنت حجة ،ابن حجة ، أبو حجج تسعة من صلبك ، تاسعهم قائمهم» (3) .
وانضم ابن عباس إلى نقل هذه الحقيقة ، كما يقول الحموئيني الشافعي ، الذي نقل عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه واله وسلم : «أنا وعلي والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهرون معصومون» .

(1) كمال الدين : ص 299 ، باب 31 ، ح 2 .
(2) ينابيع المودة : ج 3 ، ص 395 ، باب 94 .
(3) الخصال : ج 2 ، ص 595 ، ح 38 ، أبواب الاثنى عشر ؛ كمال الدين : 250 ، باب 24 ، ح 9 .
دفاع عن التشيع 352


وأكد الكليني هذه الحقيقة على لسان الباقر عليه السلام بقوله : «يكون تسعة أئمة بعد الحسين بن علي تاسعهم قائمهم» (1) ، وكذلك قول الإمام الصادق عليه السلام : «يكون تسعة أئمة بعد الحسين بن علي تاسعهم قائمهم» .
وهذه الحقيقة حملتها إلينا الأسانيد الصحيحة التي تجاهلها الكاتب ، ونذكر هنا سنداً واحداً من الكافي كدليل على ذلك :
سند الحديث : علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن سعيد بن غزوان ، عن أبي بصير .
أما علي بن إبراهيم فهو ثقة في الحديث ثبت معتمد صحيح المذهب كما يقول الحلي (2) ، وأما أبيه إبراهيم بن هاشم القمي من الذين اتفق الأصحاب على وثاقته (3) ، وأما ابن أبي عمير فهو جليل القدر عظيم المنزلة عندنا وعند المخالفين (4) ، وأما سعيد ابن غزوان فقال عنه النجاشي : ثقة .
وأما أبو بصير الذي قال عنه ابن الضغائري : عندي ثقة ، كما يقول السيد الخوئي .
أضف إلى ذلك العشرات من الأحاديث التي نقلت عن رسول الله (5) وعن أمير المؤمنين (6) ، والتي آمن بها الصحابة ، أمثال جابر بن عبد الله (7) وسلمان الفارسي (8) ، وغيرهم ، أكدت هذه الحقيقة أن الأئمة عليهم السلام من ولد الحسين عليه السلام .
وسأل أبو هريرة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم عن قول الله عزوجل : «وجعلها كلمةً باقيةً في

(1) أصول الكافي : ج 1 ، ص 599 ، باب 126 ، ح 15 .
(2) خلاصة الأقوال : ص 187 ، ر 556 .
(3) فلاح السائل : ص 284 .
(4) خلاصة الأقوال : ص 239 .
(5) ينابيع المودة : ج 3 ، ص 395 ، باب 94 ، ح 45 .
(6) الكافي : ج 1 ، ص 525 ، باب 126 .
(7) كمال الدين : ص 293 ، ح 3 .
(8) الخصال : ج 2 ، ص 955 ، ح 38 ، باب الاثني عشر .
دفاع عن التشيع 353

عقبه» قال : «جعل الإمامة في عقب الحسين يخرج من صلبه تسعة من الأئمة ومنهم مهدي هذه الامة» (1) .
وصرح بذلك علي بن الحسين بقوله : «فينا نزلت «وجعلها كلمةً باقياً في عقبه» والإمامة في عقب الحسين بن علي بن أبي طالب إلى يوم القيامة» (2) .
أضف إلى ذلك أن ابن أبي الحديد ذكر أن المهدي من ولد الحسين عليه السلام (3) .
وكذلك قال المقدسي الشافعي ، عندما روى عن علي عليه السلام في المهدي : «من ولد الحسين ، ألا فمن تولى غيره لعنه الله» (4) .
ولم يذكر الكاتب أي مناقشة لأسانيد ومتون هذه الأحاديث تحت عنوان الوراثة العمودية ، واكتفى بالقول بأن الإمامية استدلوا على ذلك بآية«أولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله» (5) ، ولم يذكر المستدل بهذه الآية ، ولكن نقل الصدوق أن الباقر وولده الصادق استدلاً بهذه الآية في إمامة علي بن الحسين (6) ، من جملة الاستدلالات على إمامة زين العابدين عليه السلام ، وذكر الشيخ الصدوق روايات الاستدلال بأسانيد صحيحة ، تركها أحمد الكاتب خوفاً من صحتها ، وإليك الأسانيد :
السند الأول : قال الصدوق : وعنه ـ أي عن سعد بن عبد الله ـ عن أحمد وعبد الله ابني محمد بن عيسى ، عن أبيهما ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن عبد الله بن مسكان ، عن عبد الرحيم القصير ، ثم ذكر الاستدلال .
فأما سعد بن عبد الله الأشعري ، فيقول الحلي بحقه : (جليل القدر ، واسع الأخبار ،

(1) كفاية الأثر : ص 86 .
(2) كمال الدين : ص 303 ، ح 8 .
(3) شرح نهج البلاغة : ج 1 ، ص 281 ـ 282 ، شرح الخطبة رقم 16 .
(4) عقد الدرر : ص 132 ، باب 4 ، فصل 2 .
(5) الأنفال : آية : 75 .
(6) الإمامة والتبصرة من الحيرة : ص 47 ـ 49 .
دفاع عن التشيع 354

كثير التصانيف ، ثقة ، شيخ هذه الطائفة وفقيهها) (1) .
وأما أحمد بن محمد بن عيسى بن عبد الله ، فهو شيخ قم وجهها وفقيهها من غير مدافع (2) . وذكر أخاه عبد الله السيد الخوئي في معجمه (3) ، وحسنه المامقاني (4) .
وأما محمد بن عيسى بن عبد الله ، فهو شيخ القميين باعتراف الحلي (5) ، ووثقه المامقاني في تنقيحه (6) .
وأما عبد الله بن المغيرة ، فهو ثقة ثقة لا يعدل به أحد من جلالته ودينه وورعه (7) .
وأما عبد الله بن مسكان ، فهو ثقة عين عند النجاشي (8) . وعبد الرحيم القصير حسنه المامقاني في نتايجه (9) .
فتجاهل أحمد الكاتب هذا السند لما في رجاله من مدح وأطرء من قبل علماء الرجال .
وأما السند الثاني : سعد بن عبد الله بن أبي خلف الأشعري ، عن محمود بن عيسى ابن عبيد ، عن حماد بن عيسى ، عن عبد الأعلى بن أيمن ، عن الصادق عليه السلام .
فأما سعد ، فقد تقدم في السند الأول ، وأما محمد بن عيسى بن عبيد ، فيقول النجاشي بحقه : (جليل في أصحابنا ، ثقة ، عين ، كثير الرواية ، حسن التصانيف) (10) .

(1) خلاصة الأقوال : ص 156 ، رقم 453 .
(2) خلاصة الأقوال : ص 61 ، رقم 67 .
(3) معجم رجال الحديث : ج 10 ، ص 311 ـ 312 ، رقم 7128 .
(4) تنقيح المقال : ج 1 ، ص 22 ، ر 1426 .
(5) خلاصة الأقوال : ص 257 ، رقم 881 .
(6) تنقيح المقال : ج 1 ، ص 143 ، رقم 11211 .
(7) خلاصة الأقوال : ص 199 ، رقم 619 .
(8) رجال النجاشي : ص 214 ، رقم 559 .
(9) تنقيح المقال : ج 1 ، ص 86 ، رقم 6575 .
(10) رجال النجاشي : ص 333 ، رقم 896 .
دفاع عن التشيع 355

وقبل روايته العلامة الحلي (1) .
وأما حماد بن عيسى ، فقد عبر عنه الكشي بقوله : (أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه ، وأقروا له بالفقه) (2) ، وقال النجاشي بحقه : (ثقة في حديثه صدوقاً) (3) .
وأما عبد الأعلى بن أعين ، فيقول الشيخ المفيد عنه : (هو من فقهاء أصحاب الصادقين عليهما السلام والأعلام والرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام الذين لا يطعن عليهم ، ولا طريق إلى ذم واحد منهم) (4) .
فهذه الأسانيد التي استدلت بها الشيعة على إمامة زين العابدين بآية : «أولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله» (5) ، والتي استغرب الكاتب من الاستدلال بها واستهزأ به (6) .
واستدلالات الشيعة لم تقتصر على ذلك فقط ، بل وردت روايات كثيرة تناقلتها كتب الشيعة بالقبول والتسليم لما تحمل من صحة في مضمونها وسندها .
كل ذلك أهمله الكاتب ، وأطلق شعارات بعبارات إعلامية لا تنطلي على الباحثين والمحققين للموضوع .

استمرار الإمامة إلى يوم القيامة

يقول الترمذي وأحمد بن حنبل بسنديهما عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، قال : «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي ، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض

(1) خلاصة الأقوال : ص 241 ـ 242 ، رقم 821 .
(2) خلاصة الأقوال : ص 124 ـ 125 ، ر 323 .
(3) رجال النجاشي : ص 142 ، رقم 370 .
(4) معجم رجال الحديث : ج 9 ، ص 254 ، رقم 6221 .
(5) الأنفال : آية : 75 .
(6) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 72 .
دفاع عن التشيع 356

وعترتي أهل بيتي ، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض . . . فانظروا كيف تخلفوني فيها» (1) .
وهذا الكلام له دلالات ودلالات ، منها أن العترة معصومة من الخطأ والزلل ، لأنها لا تفترق عن القرآن ، فمن جوز عليهم الخطأ جوز على القرآن الخطأ والاشتباه . ومنها أنهم مع القرآن إلى يوم الورود ، وهذه الحقيقة اعترف بها ابن حجر وقال : (وفي أحاديث الحث على التمسك بأهل البيت إشارة إلى عدم انقطاع متأهل منهم للتمسك به إلى يوم القيامة ، كما أن الكتاب العزيز كذلك) (2) .
وهذا ما يؤكد استمرار الإمامة فيهم إلى يوم القيامة ، وبهذه الحقيقة نطق الباقر عليه السلام بقوله في تفسير قوله تعالى : «يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم» (3) ، قال : «إنهم الأئمة من ولد علي وفاطمة إلى أن تقوم الساعة» (4) .
وكذلك قال الرضا عليه السلام : « إن الأئمة من ولد علي وفاطمة إلى أن تقوم الساعة» (5)بالإضافة إلى العشرات من أمثال هذه الأحاديث التي ملأت كتب الشيعة ، واتفقت عليها الإمامية .
فلا طريق للكاتب في إنكار استمرار الإمامة إلى يوم القيامة ، إلا إنكار هذه الأحاديث وما قبلها كحديث الثقلين ، ولكن أنى له ذلك وقد تسالم على حديث الثقلين مسلم والترمذي وأحمد واليعقوبي (6) وغيرهم .

(1) سنن الترمذي : ج 5 ، ص 3788 ؛ مسند أحمد : ج 3 ، ص 17 .
(2) الصواعق المحرقة : ج 2 ، ص 442 .
(3) النساء : آية 59 .
(4) كمال الدين : ص 213 ، ح 6 .
(5) مسند الرضا : ج 1 ، ص 108 ، ح 61 .
(6) صحيح مسلم : ج 4 ، رقم 2408 ؛ سنن الترمذي : ج 5 ، رقم 3788 ؛ مسند أحمد : ج 3 ، ح 10747 ؛ تاريخ اليعقوبي : ج 2 ، ص 102 .
دفاع عن التشيع 357

هل معرفة الإمام عند عموم الشيعة ؟


الذي يظهر من بعض الروايات أن الموقف يحتم على الإمام كتمان أمره ولو استلزم ذلك عدم معرفة الشيعة به ، وهذا ما صرح به الإمام موسى بن جعفر عليه السلام عندما سأله أحد أصحابه ، قال له : جعلت فداك ، شيعتك وشيعة أبيك ضلال ـ أي لا يعرفونك ـ فألقي إليه وأدعهم إليك ، فقد أخذت علي بالكتمان ، قال عليه السلام : «من آنست منهم رشداً فألق عليه وخذ عليه بالكتمان ، فإن أذاعوا فهو الذبح ، فإن أذاعوا فهو الذبح» (1) .
والجو الحاكم في هذه الرواية هو جو الإرهاب السائد في عصر الإمام موسى بن جعفر ، وصرح الكليني واصفاً هذا الإرهاب (إن أبا جعفر المنصور كان له بالمدينة جواسيس ينظرون إلى من اتفقت شيعة جعفر عليه السلام فيضربون عنقه) (2) .
فالإمام في الرواية أعلاه قسم شيعته إلى قسمين :
الأول : من آنست منه رشداً .
الثاني : من لم تؤنس منهم رشداً .
أما القسم الأول ، فاولئك صرح بهوية الإمام اللاحق ، وبعض الامور الاخرى التي يتحملونها بأمانة من دون شك ، وكل الروايات التي تنص على الأئمة والصحيحة تدل على أن ذلك الرجل الذي تحمل هذا النص هو من اولئك الذن آنس منهم رشداً ، ولهذا نجد أن الأئمة يصرحون بهوي الإمام اللاحق للبعض ، مثل قول الباقر عليه السلام : لأصحابه : «هذا خير البرية» ، وأشار إلى الصادق عليه السلام (3) .
وهذا القسم كان يعرف الإمام جيداً ، ولكن في بعض الحالات يشتبه عليه بداية إمامة اللاحق بعد وفاة السابق ، وسبب هذا الاشتباه بعده عن محل إقامة الإمام السابق الذي توفي ، وهذا ما نص عليه الصادق عليه السلام عندما سأله أحد أصحابه : أفيسع

(1) معجم رجال الحديث : ج 19 ، ص 299 ـ 300 .
(2) الكافي : ج 1 ، ص 413 ، ح 7 .
(3) الكافي : ج 1 ، ص 367 ، باب 7 ، ح 5 .
دفاع عن التشيع 358

الناس إذا مات العالم ألا يعرفوا الذي بعده ؟ فقال : الإمام عليه السلام : «أما أهل هذه البلدة ـ يعني المدينة ـ فلا وأما غيرها من البلدان فبقدر مسيرهم» (1) .
إذن ، القسم الأول يعرفون الإمام جيداً ، وعدم معرفتهم في بعض الحالات ليس بالإمام كما اشتبه أحمد الكاتب ، بل ببداية إمامته ، كما نص الصادق على ذلك .
وأما القسم الثاني (من لم تؤنس منهم رشداً) ، فهم عوام الشيعة ، فاولئك لا يستبعد منهم حتى عدم معرفتهم بالإمام ، فضلاً عن بداية إمامته ، لما يلزم من معرفتهم محذور ذبح الإمام ، كما نص على ذلك موسى بن جعفر عليه السلام (2) ، فهم يعرفون الإمام من الشيوع العام ، من دون امتلاك النص الصريح ، لأن معنى هذا الامتلاك تعريض الإمام للخطر ، وهذا ما صرح به الصادق عليه السلام لعبد الأعلى عندما تكلم الإمام عن صفات صاحب الأمر ، فسأله عبد الأعلى : هل هذه الصفات مستورة مخافة السلطان ؟ قال : «لا يكون في ستر إلا وله حجة ظاهرة ، إن أبي استودعني ما هناك فلما حضرته الوفاة قال : ادع لي شهوداً ، فدعوت أربعة من قريش فيهم نافع مولى عبد الله بن عمر ، قال : اكتب ، هذا ما أوصى به يعقوب بنيه : «يا بنى إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون» . وأوصى محمد بن علي إلى جعفر بن محمد ، وأمره أن يكفنه في برده الذي كان يصلي فيه الجمعة ، وأن يعممه بعمامته وأن يربع قبره ويرفعه أربع أصابع ، ثم يخلي عنه ، فقال : اطووه ، ثم قال للشهود : انصرفوا رحمكم الله ، فقلت بعدما انصرفوا : ما كان في هذا يا أبت أن يشهد عليه ؟ فقال : إني كرهت أن تغلب ، وأن يقال أنه لم يوص ، فأردت أن تكون لك الحجة ، فهو الذي إذا قدم الرجل البلد قال من وصي فلان ، قيل : فلان» (3) .
فالباقر عليه السلام وبتصريح الصادق يوضح إمامة ولده بامور عامة ـ أي بمجرد الوصية ـ خشيةً عليه ، ولكن هذا البيان ليس للجميع على حد سواء ، بل للخاصة

(1) الكافي : ج 1 ، ص 442 ، باب 89 ، ح 3 .
(2) معجم رجال الحديث : ج 19 ، ص 299 ـ 300 .
(3) الكافي : ج 1 ، ص 440 ، باب 89 ، ح 2 .
دفاع عن التشيع 359

بيان آخر من نوع : «هذا خير البرية» (1) .
ولم يستطيع أحمد الكاتب أن يميز بين هذين القسمين من الشيعة ، كما ميزت رواية موسى بن جعفر بينهم ، فاتهم عامة الشيعة بالجهل بالإمام اللاحق ، ووضع تلك تحت عنوان (ماذا يفعل الشيعة عند الجهل بالإمام ؟) (2) وراح تحت هذا العنوان ينقل روايات لا علاقة لها بجهل الشيعة للإمام ، من قبيل قول الراوي للإمام : إن أصبحت وأمسيت لا أرى إماماً أأتم به ما أصنع ؟ قال الإمام : «فأحب من تحب وابغض من تبغض حتى يظهره الله عزوجل» .
وهذه الرواية لا علاقة لها بجهل الشيعة بالإمامة ، بل هي ناظرة إلى زمن الغيبة ، أي غيبة الإمام الثاني عشر ، وكلمة (لا أرى) واضح معناها أي (لا اشاهد) ، وليس معناها (لا أعرف) ، كما حمل ذلك الكاتب ، ولهذا أجابه الإمام : فأحب من كنت تحب وابغض من كنت تبغض ، وقرينة «حتى يظهره الله عزوجل» واضحة لا تحتاج إلى بيان بأن الرواية ناظرة إلى الغيبة ، ولهذا نقل الشيخ الصدوق هذه الرواية في كمال الدين تحت باب إخبارات الصادق عليه السلام عن الغيبة ، أي غيبة الإمام الثاني عشر (3) ، وكذلك وضعها الكليني في باب الغيبة (4) .
فالرواية بعيدة كل البعد عما اعتقده الكاتب من جهل السائل بالإمام ، وعمم ذلك وقال بجهل الشيعة بالإمام .
ولما لم يجد الكاتب ما يسند كلامه راح يزور الروايات ، ويحذف منها بعض الكلمات ليستقيم المعنى على ما يريد ، فلقد زور كلام الصادق عليه السلام عندما نقل الكلام من كمال الدين ، يقول أحمد الكاتب : (يقول الصادق : «كيف أنتم إذا بقيتم دهراً من عمركم لا تعرفون الإمام» ؟ قيل : فإذا كان ذلك فكيف نصنع ؟ . . . قال : «تمسكوا بالأول

(1) الكافي : ج 1 ، ص 367 ، باب 7 ، ح 5 .
(2) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 74 .
(3) كمال الدين : ص 314 ، باب إخبارات الصادق عن الغيبة .
(4) الكافي : ج 1 ، ص 396 ، باب 31 في الغيبة .

السابق السابق الفهرس التالي التالي