دفاع عن التشيع 360


حتى يستبين لكم » (1).
فحذف الكاتب كلمة من هذه الرواية ، وهي أن الإمام لم يقل : (تمسكوا بالأول) ، بل قال : «تمسكوا بالأمر الأول» ، أي تمسكوا بما جاءكم من أهل البيت حول هذا الموضوع ـ موضوع الإمامة ـ وأن هناك اثني عشر إماماً ، الثاني عشر هو الذي لا تعرفونه ، أي لا تتصلون به مباشرة ، فأراد الكاتب من حذفه كلمة «الأمر» أن يشوش ذهن القارئ بأن الإمام يوصي بالتمسك بالإمام الاول عند الجهل بالإمام اللاحق ـ الثاني ـ ولكن عندما اضيفت كلمة «الأمر» ، صار واضحاً بأن الإمام يأمرهم بالتمسك باثني عشر إماماً وإن غاب الثاني عشر (2) .
أضف إلى ذلك ، أن الرواية ناظرة إلى زمن الغيبة ، ولا علاقة لها بجهل الشيعة بالإمام اللاحق بعد فقد السابق ، فالرواية ناظرة إلى غيبة الثاني عشر المشخص عند الشيعة نسبه ، فلا يجهلونه ، ولكن لا يرونه حتى يأخذون معالم دينهم كما تعودوه من الأئمة السابقين ، فأمرهم الصادق عليه السلام أن يتمسكوا بامور دينهم التي حصلوا عليها من الأئمة السابقين ، والتي في طليعتها إمامة الثاني عشر حتى يظهره الله تعالى .
وراح الكاتب يسوق أحاديث وروايات لا علاقة لها بجهل الشيعة للإمام مطلقاً ، بل هي روايات خاصة بالغيبة ، ووضعها العلماء في أبواب الغيبة ، فلعل الكاتب غفل عن ذلك .

ضرورة وجود العالم الرباني المفسر للقرآن


استغرب أحمد الكاتب تحت هذا العنوان قول الشيعة بأن علياً قيم القرآن ، كما جاء في رواية الكافي ، وشهد بذلك منصور بن حازم ، فقال : (فأشهد أن علياً كان قيم القرآن) (3) ، فاستغرب الكاتب ذلك ، ورفض هذا المنصب لعلي عليه السلام بين طيات بحثه ، فلنترك استدلالات الشيعة وأحاديثهم في هذا الخصوص ، ولنأت إلى العامة لنرى هل

(1) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 74 .
(2) كمال الدين : ص 327 ، ح 39 ، باب 33 .
(3) الكافي : ج 1 ، ص 245 ، باب 8 .
دفاع عن التشيع 361

هذا الاستغراب في محله أم لا ؟
يقول النسائي : (لما رجع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم عن حجة الوداع ونزل غدير خم ، أمر بدوحاف فقممن ، ثم قال : «كأني دعيت فأجبت ، إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض» (1) .
وكلمة «لن يفترقا» تدل على أن كل ما عند أهل البيت هو القرآن بعينه ، وإلا لجاز الكذب على رسول الله وحاشاه من ذلك ، ومصاديق أهل البيت أوضح من أن نقيم الاستدلال عليها ، أضف إلى ذلك أن علياً عليه السلام نفسه نطق بهذه الحقيقية وقال :
«إن الله تبارك وتعالى وعصمنا وجعلنا شهداء على خلقه وحجته في أرضه ، وجعلنا مع القرآن وجعل القرآن معنا ، لا نفارقه ولا يفارقنا» (2) .
ولا نجد في التاريخ كله أن رجلاً وقف بوجه علي وأبنائه ورد كلامهم ، ألا يكون ذلك دليلاً عل أنه قيم للقرآن ؟ فلماذا لا يكون يماً للقرآن وهو القائل :
«ما نزلت آية إلا وقد علمت فيما نزلت وأين انزلت وعلى من نزلت ، إن ربي وهب لي لساناً طلقاً وقلباً عقولاً» (3) .
وقال ابن ماجه عن ابن جنادة ، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول : «علي مني وأنا منه ، ولا يؤدي عني إلا علي» (4) .
والمورد لا يخصص الوارد ، فعلي يؤدي كل ما أداه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، والقرآن صلب الشريعة التي أداها رسول الله صلى الله عليه واله وسلم للناس ، ولا يؤدي للناس بعد رسول الله بنص الحديث إلا علي عليه السلام . ومن زاوية اخرى أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يؤدي لقرآن بلا خطأ أو اشتباه ، ومن غير المعقول أن ينصب للناس من يخطئ ويشتبه ، ويدعوهم إلى

(1) السنن الكبرى للنسائي : ج 5 ، ص 45 ، ح 8148 .
(2) الكافي : ج 1 ، ص 247 ، ح 5 .
(3) مناقب الخوارزمي : ص 90 ؛ الطبقات الكبرى : ج 2 ، ص 257 .
(4) سنن ابن ماجه : ج 1 ، ح 119 ، باب الفضائل .
دفاع عن التشيع 362

طاعته ، وإلا كان ذلك ترخيصاً في اتباع الخطأ ، وهو محال على رسول الإنسانية .
ويقول البخاري : ان النبي صلى الله عليه واله وسلم قال لعلي : « اما ترضى ان تكون مني بمنزلة هارون من موسى » (1) .
وهل يستطيع الكاتب أو غيره أن يقول : إن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ليس بقيم على القرآن ، فإذا كان كذلك ، وعلي منه بمنزلة هارون من موسى ، أفلا يكون قيماً على القرآن بعده ؟ !
ويقول الترمذي : قال النبي صلى الله عليه واله وسلم : «أنا دار الحكمة وعلي بابها» (2) .
فلماذا هذا الاستغراب وهذه الجعجعة ، وهذا تراث المسلمين أعم من كونه شيعياً أو سنياً يصرح بهذه الحقائق لأمير المؤمنين ؟ !
وبعد أن أفلس الكاتب من إيجاد الخدشة بعلي من هذا الجانب ، وراح يؤجج نار حقده بين المسلمين بدعوى أن معنى علي قيم القرآن : (عدم استطاعة المسلمين التعامل مع القرآن والاستفادة منه مباشرة) (3) .
وهذا ما لم يقله علي ولا أبناؤه ولا أتباعه ، ومعنى قيمومة علي أنه عليه السلام عالم بجميع الأحاكم دقيقها وجليلها ، الظاهر منها والباطن ، وكل ما ورد في القرآن ، وصرح بهذه الحقيقة هو بقوله : «ما نزلت آية إلا وقد علمت فيما نزلت ، وأين نزلت ، وعلى من نزلت ، إن ربي وهب لي لساناً طلقاً وقلباً عقولاً» (4) .
وفرق واضح بين عدم استطاعة المسلمين التعامل مع القرآن ، وبين علم أمير المؤمنين بالقرآن ، فأراد الكاتب أن يخلط بين المعنيين ليؤجج الفتنة .
وراح الكاتب يحرف استدلالات الشيعة على أنها دالة على عدم استطاعة المسلمين التعامل مع القرآن والاستفادة منه مباشرة وهذا تزوير منه وتحريف

(1) صحيح البخاري : كتاب الفضائل ، باب مناقب أمير المؤمنين ، ح 3503 .
(2) سنن الترمذي : ج 5 ، ص 596 ، ح 3723 .
(3) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 60 .
(4) مناقب الخوارزمي : ص 90 ؛ الطبقات الكبرى : ج 2 ، ص 257 .
دفاع عن التشيع 363

لكلمات كبار علماء التشيع وفقهائهم .
ونذكر هنا مقالاً واحداً للمرتضى ، ذكره الكاتب دليلاً على عدم استطاعة المسلمين التعامل مع القرآن مباشرة ، وقول المرتضى هو :
(لا بد من أن يكون الإمام عالماً بجميع الأحكام ، حتى لا يشد عليه شيء منها ، وإلا لزم ذلك أن يكون قد كلف القيام بما لا سبيل له إليه . . . أما الذي يدل على وجوب كون الإمام عالماً بجميع الأحكام فهو أنه قد ثبت أن الإمام إمام في سائر الدين ، ومتول للحكم في جميعه جليله ودقيقه ، ظاهره وغامضه ، وليس يجوز أن لا يكون عالماً بجميع الدين والأحكام) (1) .
وهذه العبارة نقلها أحمد الكاتب ليستدل بها على أن المسلمين لا يستطيعون التعامل مع القرآن مباشرة ، وواضح الحقد الدفين لإثارة الفتنة بين المسلمين عند الكاتب ، وهذه العبارة لا علاقة لها بما ذكر ، بل تؤكد أن الإمام عالم بجميع الأحكام ، فالذي يختلف فيه المسلمين فالمرجع لهم فيه الإمام عليه السلام ، والذي لا يختلفون فيه واضح يتعاملون به مباشرة مع القرآن وإن كان المعنى الدقيق للقرآن عند أمير المؤمنين وعترته ، فلقد خلط الكاتب بين مسألتين :
الأولى : عدم استطاعة المسلمين التعامل مع القرآن والاستفادة منه مباشرة .
الثانية : الإحاطة الكاملة بمعاني القرآن ، دقيقه وجليله ، ظاهره وغامضه .
أما بالنسبة إلى المسألة الأولى ، فقول الشيعة واضح في قدرة المسلمين على التعامل مع القرآن والاستفادة منه ، فالأئمة يأمرون شيعتهم بالرجوع إلى القرآن في معرفة الحديث الصحيح من غيره ، يقول الصادق عليه السلام : «كل شيء مردود إلى الكتاب والسنة ، وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف» (2) .
فكيف يأمر الإمام شيعته بالرجوع إلى القرآن لمعرفة صحة الحديث وكذبه ، وكيف ينقل الشيعة ذلك في موسوعاتهم الحديثية المعتمدة وهم يقولون بعدم استطاعة

(1) نقلها أحمد الكاتب في ص 61 عن الشافي للمرتضى : ص 14 ـ 15 .
(2) الكافي : ج 1 ، ص 121 ، باب 22 الأخذ بالسنة وشواهد الكتاب ، ح 3 .
دفاع عن التشيع 364

المسلمين التعامل مع القرآن .
نعم ، الإحاطة الدقيقة والكاملة بمعاني ومعارف القرآن اختص بها أهل البيت عليهم السلام ، ونسبوها لأنفسهم ، ولم يقف أحد بوجههم ويرد ذلك عليهم ، يقول أمير المؤمنين عليه السلام : «ما نزلت آية إلا وقد علمت فيما نزلت وأين انزلت وعلى من نزلت ، إن ربي وهب لي لساناً طلقاً وقلباً عقولاً» (1) .
عدم اعتراض أي من المسلمين عليه يثبت هذه الحقيقة ، أضف إلى ذلك قوله عليه السلام : «وجعلنا مع القرآن وجعل القرآن معنا ، لا نفارقه ولا يفارقنا» (2) .
وكيف يفارقون القرآن وقد جعلهم الله ورسوله أحد الثقلين على لسان الصادق الأمين : «إني تركت فيكم الثقلين ، أحدهما أكبر من الآخر ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي» (3) ، واستدلال الشيعة حول الإحاطة الكاملة بالقرآن ، وليس التعامل المطلق مع القرآن .
ومما يؤكد قول الشيعة ما نقله سعيد بن المسيب بقوله : (كان عمر بن الخطاب يتعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو الحسن) (4) .
فلماذا يتعوذ ؟ ألم يكن القرآن بين يديه ويرجع إليه ويخرج ما يريد ؟! ولهذا كان الإمام علي عليه السلام يقول : «سلوني» بملء فمه ، ولم يقل ذلك أحد من الصحابة ، كما صرح بهذا سعيد بن المسيب (5) .

الفاضل والمفضول أو أفضلية الإمام


ونتيجة للمؤهلات الذاتية والربانية ـ كالعصمة والعلم وغيرهما ـ يتوج الإمام وسام الأفضلية على غيره ، يقول الشيخ الطوسي : (الإمام يجب أن يكون أفضل من

(1) مناقب الخوارزمي : ص 90 ؛ الطبقات الكبرى : ج 2 ، ص 257 .
(2) الكافي : ج 1 ، ص 247 ، ح 5 .
(3) السنن الكبرى : ج 5 ، ص 45 ، ح 8148 (12) .
(4) ينابيع المودة : ج 2 ، ص 405 ، ح 66 .
(5) ينابيع المودة : ج 2 ، ص 405 ، ح 67 .
دفاع عن التشيع 365

رعيته في الظاهر ، والدليل ما تقرر في عقول العقلاء من قبح جعل المفضول رئيساً وإماماً في شيء بعينه على الفاضل ، ألا ترى أنه لا يحسن منا أن نعقد لمن كان لا يحسن الكتابة إلا ما يحسنه المبتدئ المتعلم الرياسة في الكتابة على من هو في الحذق بها والقيام بحدودها بمنزلة ابن مقلة حتى نجعله حاكماً عليه فيها وإماماً له في جميعها ، وكذلك لا يحسن أن نقدم رئيساً في الفقه وهو لا يقوم من علوم الفقه إلا بما يتضمنه بعض المختصرات على ما هو في الفقه بمنزلة أبي حنيفة ، وهذه الجملة لا يدخل على أحد فيها شبهة لأنها معلومة بالضرورة ، ومن نازع فيها لا يحسن مكالمته) (1) .
واستدلال الشيعة هذا ينبع من فيوضات رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في هذا المجال عندما قال : «من ولى رجلاً وهو يعلم أن غيره أفضل منه فقد خان الله في أرضه» (2) .
وعندما خلص أحمد الكاتب إلى هذا البحث لم يستطع أن يتكلم حرفاً واحداً عليه لما فيه من موافقته للنقل والعقل ، واكتفى بنقل كلمات المفيد والطوسي في هذا الخصوص (3) .

هل طفولة بعض الأئمة مشكلة واجهت الشيعة ؟

مما لا شك فيه أن بعض الأئمة توفي آباؤهم وهم دون سن البلوغ ، ولكن هل هذه مشكلة حقاً أم اريد بإثارتها بعد عشرات السنين من حياة الأئمة ، التشويش على أذهان الناس ، والانتقاص من مذهب التشيع .
وقبل كل شيء ، فالشيعة تعرض اعتقادها على القرآن الكريم لترى هل حصل هذا بنص القرآن ، وأن الله نصب لقيادة الناس من هو دون سن البلوغ أم لا ؟
قال تعالى بحق يحيى عليه السلام :«وآتيناه الحكم صبياً» (4) ، وقال تعالى بحق عيسى عليه السلام :

(ذ) تلخيص الشافي : ج 1 ، ص 205 ـ 207 .
(2) الإمامة وأهل البيت : ج 1 ، ص 68 .
(3) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 62 ـ 63 .
(4) مريم : الآية 12 .
دفاع عن التشيع 366

«قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبياً قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبياً» (1) .
قال الرازي في الحكم الذي اعطي ليحيى : إنه النبوة (2) ، وذلك لأن الله تعالى قد أحكم عقله في صباه ، وأوصى إليه ، ذلك لأن الله تعالى بعث يحيى وعيسى عليهما السلام وهما صبيان .
إذن ، مسألة تقليد منصب النبوة والقيادة والحكم لمن هو صبي لا ضير فيه بنص القرآن .
ولما كانت الإمامة الإلهية تجري مجرى النبوة ، وأن أمر الإمامة ليس بيد أحد ، بل بيد الله تعالى يضعه حيث يشاء ، كما يقول أبوبصير : كنت عند الصادق عليه السلام ، فذكروا الأوصياء وذكرت إسماعيل ، فقال : «لا والله يا أبا محمد ، ما ذاك إلينا ، وما هو إلا إلى الله عزوجل ينزل واحداً بعد واحد» (3) .
ويقول الإمام الصادق عليه السلام لأحد أصحابه : «أترون الموصي منا يوصي إلى من يريد ؟ لا والله ، ولكن عهد من الله ورسوله صلى الله عليه واله وسلم لرجل فرجل حتى ينتهي الأمر إلى صاحبه» (4) .
إذن ، وبعد ما تقدم ، فلا ضير أن يكون الجواد أو غيره من الأئمة عليهم السلام بأعمار معينة ويستلمون الحكم والقيادة للشيعة .
يقول الشيخ المفيد : (إن كمال العقل لا يستنكر لحجج الله تعالى مع صغر السن ، قال الله سبحانه : «قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبياً قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبياً» ، فخبر عن المسيح عليه السلام بالكلام في المهد ، وقال في قصة يحيى عليه السلام :«وآتيناه الحكم صبياً» ، وقد أجمع جمهور الشيعة مع سائر من خالفهم على أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم دعا علياً عليه السلام وهوصغير السن ، ولم يدع الصبيان غيره ، وباهل بالحسن والحسين عليهما السلام وهما طفلان ، ولم ير مباهل قبله ولا بعده باهل بالأطفال ، وإذا كان

(1) مريم : الآية 29 ـ 30 .
(2) تفسير الفخر الرازي : ج 21 ، ص 164 .
(3) الكافي : ج 1 ، ص 337 ، ح 1 .
(4) الكافي : ج 1 ، ص 337 ، ح 2 .
دفاع عن التشيع 367

الأمر على ما ذكرناه من تخصيص الله تعالى حججه على ما شرحناه ، بطل ما تعلق به هؤلاء القوم) (1) .
وقال أيضاً : (أجمع أهل التفسير إلا من شذ منهم في قوله : «وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين» ، أنه كان طفلاً صغيراً في المهد أنطقه الله تعالى حتى برأ يوسف عليه السلام من الفحشاء وأزال عنه التهمة) (2) .
إذن ، مسألة تصدي من هو دون سن البلوغ أمر واقع ولا مانع منه لحجج الله تعالى أبداً .
وبعد الفراغ من جواب القرآن على ذلك ، نأتي إلى قرناء القرآن ، الذين لم يفارقوا القرآن ، ولن يفارقهم حتى يردوا على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم الحوض بنص الصادق الأمين صلى الله عليه واله وسلم ، يقول صفوان بن يحيى : عندما أشار الإمام الرضا عليه السلام إلى الجواد عليه السلام ونصبه ودل عليه ، وهو ابن ثلاث سنين ، قلت للإمام : جعلت فداك ، هذا ابن ثلاث سنين ، فقال : «وما يضره من ذلك ، فقد قام عيسى بالحجة وهو ابن ثلاث سنين» (3) .
وقد قيل للجواد : إن الناس ينكرون عليك حداثة سنك ، فقال : «وما ينكرون من ذلك وقد قال الله تعالى لنبيه :«قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعنى» ، فوالله ما اتبعه حينئذ إلا علي وله تسع سنين ، وأنا ابن تسع سنين» (4) .
فقد اتفق القرآن وقرناؤه على رد تلك الشبهات ، فكل ذلك أهمله الكاتب ولم يشر إليه ، ولم يناقشه بكلمة واحدة .
ثم رد الشيخ المفيد الشبهة التي طعمت بالآية :«وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح

(1) الفصول المختارة : ص 316 .
(2) الفصول المختارة : ص 275 .
(3) الكافي : ج 1 ، ص 382 ، ح 10 .
(4) الكافي : ج 1 ، ص 447 ، ح 8 .
دفاع عن التشيع 368

فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم» (1) ، فقال : هذا كلام يوهم الضعفة ويوقع الشبهة لمن لا بصيرة له ، ويروع بظاهره قبل الفحص عن معناه ، والعلم بباطنه وحجية القول فيه .
إن الآية التي اعتمدها هؤلاء القوم في هذا الباب ، خاصة وليست بعامة ، بدلالة توجب خصوصها ، وتدل على بطلان الاعتقاد لعمومها ، وذلك أن الله سبحانه وتعالى قد قطع العذر في كمال من أوجب له الإمامة ، ودل على عصمته من نصبه للرئاسة ، وقد وضح بالبرهان القياسي ، والدليل السمعي ، إمامة هذين الإمامين فأوجب ذلك خروجهما من جملة الأيتام الذين توجه نحوهم الكلام) (2) .
وراح يسوق الآيات التي خصصت بدليل العقل والنقل والإجماع ، فقال :
(كما أوجب العقل خصوص قوله تعالى :«والله على كل شيء قدير» ، وقام الدليل على عدم العموم في قوله تعالى : «وأوتيت من كل شيء» ، «وفتحنا عليهم أبواب كل شيء» ، وكما خص الإجماع قوله تعالى : «فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع» فأفراد النبي صلى الله عليه واله وسلم بغير هذا الحكم ممن انتظمه الخطاب) (3) .
فأبطل الشيخ المفيد عمدة الاستدلال على الشيعة بالقرآن الكريم ، حيث أورد عليهم آيات تدل في ظاهرها على العموم ، ولكن خصصت تارة بالدليل العقلي ، واخرى بالدليل الشرعي ، وثالثة بالإجماع ، فهذا لم يذكره الكاتب ، بل ذكر فقط قول الشيخ المفيد :
(إن الخصوص قد يقع في القول ولا يصح وقوعه في عموم العقل ، والعقل موجب لعموم الأئمة بالكمال والعصمة ، فإذا دل الدليل على إمامة هذين النفسين ـ الجواد والهادي ـ وجب خصوص الآية فيمن عداهما بلا ارتياب) (4) .

(1) النساء : الآية 6 .
(2) الفصول المختارة : ص 149 ـ 150 .
(3) الفصول المختارة : ص 150 ـ 151 .
(4) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 113 ـ 114 .
دفاع عن التشيع 369


وجعل هذا الكلام من مبتدعات الشيخ المفيد ، ولم ينقل رد الشيخ المتقدم ، والسر في عدم نقله لكلام الشيخ كاملاً ، هو إيقاع السامع في فخ نصبه الكاتب له ، بأن نظرية الإمامة من صنع المتكلمين ، ولهذا ذكر رد المفيد العقلي ، ولم يذكر النصوص التي استدل بها المفيد ، وأهمل كل ردود الشيعة على هذه الشبهة بطريقها النقلي والعقلي .
وراح الكاتب يتهم الشيخ المفيد بعدم مراجعة التاريخ (1) ، وخالف باتهامه هذا واقع الشيخ المفيد الذي ألف في التاريخ عدة مؤلفات ، مثل الإرشاد ، والجمل ، والتواريخ الشرعية ، والمعراج ، إضافة إلى مؤلفاته الحديثية والكلامية ، وقد اتفق علماء الرجال السنة والشيعة ـ عدا أحمد الكاتب ـ على تضلع الشيخ المفيد بالتاريخ ، ووصفوه بأنه صاحب التصانيف الكثيرة ، ومن أراد فليرجع إلى أي كتاب رجالي ليعرف مكانة الشيخ المفيد في التاريخ الإسلامي (2) .
وأشكل الكاتب على كلام الشيخ (والعقل موجب لعموم الأئمة بالكمال والعصمة) ، وذلك بنفي موضوع العصمة والإمامة بدون ذكر مصدر لكلامه هذا ، بل وضعه في خانة الإعلام الخالي من التوثيق . والشيعة لا يؤثر عليها من يطلق الشعارات ، فلقد تعودت على هذا التيار من قديم الزمان ، لأن التهمة من هذا التيار مصداق لقول الشاعر : وإذا أتتك مذمة من ناقص
واستعار الكاتب إشكال الشيعة على السنة ، بأن أخبار الآحاد لا تخصص القرآن في مسألة«يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف » فأشكل الشيعة على السنة ، لماذا أخرجتم ولد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم من عموم هذه الآية بخبر واحد ينقضه القرآن ويرده اتفاق آل محمد (3) .

(1) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 114 .
(2) تاريخ الإسلام : وفيات سنة 413 ، ص 332 ؛ العبر : ج 2 ، ص 225 ؛ دول الإسلام : ج1 ، ص 216 ؛ مرآة الجنان : ج 3 ، ص 22 .
(3) الفصول المختارة : ص 153 .
دفاع عن التشيع 370

استعار أحمد الكاتب هذا الإشكال من الشيعة ليشكل عليهم بأن أخبار الآحاد لا تخصص القرآن ، ومن قال لك بأن أخبار الآحاد تخصص القرآن ؟ فالشيعة لا تستدل بأخبار الآحاد ، ولا بالأدلة العقلية والفلسفية الظنية ، بل تستدل وكما يقول الشيخ المفيد : (بدليل العقل وبرهان القياس وتواتر الأخبار) (1) ، وما قاله الكاتب بأن الخبر الضعيف لا يخصص القرآن تتمسك به الشيعة على خصومهم ، وتعلمه الكاتب منهم ، وأشكل به عليهم .



(1) الفصول المختارة : ص 153 .
دفاع عن التشيع 371


الفصل السابع

حديث الخلفاء اثنا عشر


دفاع عن التشيع 372




دفاع عن التشيع 373

حديث الخلفاء اثنا عشر كلهم من قريش


أكدت النظرية الإمامية الاثنا عشرية هذا الحديث الذي نقلته كتب المسلمين ، وتسالموا عليه ، وجعلت هذا النقل حجة عليهم ، وطالبتهم بإعطاء مصداق حقيقي لهذا الحديث .
ولم يجهد الكاتب نفسه بإعطاء مصداق لذلك ، بل نفى هذه النظرية من الأساس ، وقال : (إن الأحاديث السنية بالذات لا تحصرهم في اثني عشر) (1) .
وعلى الباحث أن يستقرئ التاريخ في إثبات قضية ونفيها ، فلو استنطقنا التاريخ حول هذه المسألة لوجدنا البخاري يقول في صحيحه بسنده إلى جابر بن سمرة ، قال : سمعت النبي صلى الله عليه واله وسلم يقول : «يكون اثنا عشر أميراً ، فقال كلمة لم أسمعها ، فقال أبي إنه قال : كلهم من قريش» (2) .
وقال مسلم في صحيحه ، بسنده عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، قال : «لا يزال الإسلام عزيزاً إلى اثنى عشر خليفة» ، ثم قال كلمة لم أفهمها ، فقلت : لأي ما قال ؟ فقال : «كلهم من قريش» (3) .
وكذلك نقل مسلم الحديث بلفظ قريب ، وبسند آخر عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : «لا يزال هذا الأمر عزيزاً إلى اثنى عشر خليفة . . . كلهم من قريش» (4) .

(1) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 206 .
(2) صحيح البخاري : كتاب الأحكام ، باب الاستخلاف ، ح 6796 .
(3) صحيح مسلم : ح 1821 ، كتاب الإمارة .
(4) المصدر السابق .
دفاع عن التشيع 374

ونقله أيضاً بسند ثالث وبلفظ : «لا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة ويكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش» (1) .
وروى الترمذي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : «يكون من بعدي اثنا عشر أميراً . . . كلهم من قريش» (2) .
وتسالم الفريقان على هذه النظرية الاثني عشرية التي نطق بها لسان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم .
وإليك جملة من المصادر التي نقلت هذا الحديث :
1 ـ صحيح البخاري : ج 4 ، ص 164 ، كتاب الأحكام ، باب الاستحلاف .
2 ـ صحيح مسلم : ج 12 ، ص 202 و ج 13 ، ص 319 ، دار الكتب العلمية بيروت .
3 ـ سنن الترمذي : ج 4 ، ص 501 .
4 ـ سنن أبي داود : ج 4 ، ص 106 ، رقم 4279 ـ 4281 .
5 ـ مسند أحمد : ج 5 ، ح 90 و 93 و 97 و 100 و 106 و 107 .
6 ـ المعجم الكبير للطبراني : ج 2 ، ص 238 ، رقم 1996 .
7 ـ مستدرك الحاكم : ج 3 ، ص 618 .
8 ـ حلية الأولياء : ج 4 ، ص 333 .
9 ـ البداية والنهاية : ج 1، ص 153.
10 ـ الحاوي للفتاوي : ج 2 ، ص 85 .
11 ـ مشكاة المصابيح للتبريزي : ج 3 ، ص 327 ، رقم 5983 .
12 ـ السلسلة الصحيحة للأنباري : حديث رقم 376 .
13 ـ كنز العمال : ج 12 ، ص 32 ، ح 33848 وم 33858 و 33861 .
14 ـ فرائد السمطين : ج 2 ، ص 145 ، ح 42 .

(1) صحيح مسلم : ح 1821 ، كتاب الإمارة .
(2) سنن الترمذي : ج 4 ، ص 434 ، ح 2223 .
دفاع عن التشيع 375

15 ـ ينابيع المودة : ج 3 ، ص 104 ، باب 707 .
16 ـ صحيح مسلم بشرح النووي : ج 12 ، ص 201 .
17 ـ شرح ابن الجوزية لسنن أبي داود : ج 11 ، ص 363 ، رقم 4259 .
18 ـ عون المعبود ، شرح سنن أبي داود : ج 11 ، ص 362 ، ح 4259 .
19 ـ فتح الباري : ج 13 ، ص 211 .
كل هذه المصادر وغيرها خرجت ولادة النظرية الاثني عشرية من لسان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ومن كتب الفكر الإسلامي المعتمدة ، ومن أراد أن يستوعب هذا الحديث بكل أبعاده ، فليراجع إحقاق الحق (1) ، حيث استعرض المؤلف ما ورد في كتب العامة لهذا الحديث ، ثم ذكر الصحابة الراوين له ، فكل ذلك أنكره أحمد الكاتب وجعل ميلاد النظرية الاثنا عشرية في القرن الرابع .

مصاديق حديث «الخلفاء اثنا عشر»

ولو سألنا الفكر الإسلامي عن مصاديق هذا الحديث ، انشعب القوم إلى قسمين :
القسم الأول : تخبط في طرح مصداق حقيقي لهذا الحديث ، بحيث انتهى إلى عد يزيد بن معاوية من مصاديقه .
قال ابن كثير : الخلفاء الأربعة ـ أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ـ وعمر بن عبد العزيز وبعض بني العباس ، واستظهر أن المهدي منهم (2) .
وجعل ابن القيم الجوزية معاوية ويزيد ابنه من مصاديق اولئك الخلفاء (3) .
وقال القاضي الدمشقي : (الخلفاء الأربعة ، ومعاوية ، ويزيد بن معاوية ، وعبد الملك ابن مروان وأولاده الأربعة ـ الوليد وسليمان ويزيد وهشام ـ وعمر بن عبد العزيز) .
فلقد عد يزيد منهم ، متناسياً أن الحديث يحمل صفات خاصة لتلك المصاديق ،

(1) إحقاق الحق : ج 13 ، ص 1 ـ 48 .
(2) تفسير ابن كثير : ج 2 ، ص 24 ، تفسير الآية 12 من سورة المائدة .
(3) عون المعبود شرح سنن أبي داود : ج 11 ، ص 244 ، شرح حديث 4271 .
دفاع عن التشيع 376

منها أن الدين لا يقوم إلا بهم ، ، وهم القيمون على دين الله ، أما يزيد فهو شارب للخمور بالاتفاق ، يقول عنه سعيد بن المسيب : (كانت سنوات يزيد شؤماً ، في السنة الأولى قتل الحسين بن علي وأهل بيت رسول الله ، وفي الثانية استبيحت حرم رسول الله وانتهكت حرمة المدينة ، وفي الثالثة سفكت الدماء في حرم الله وحرقت الكعبة) (1) .
وأخيراً أجمل الرأي السني في إعطاء مصداق لهذا الحديث السيوطي ، بفشل هذه النظرية في تحديد معنى محدد لذلك الحديث ، فقال : (لم يقع إلى الآن وجود اثني عشر) (2) .
وأشار الدكتور أحمد محمود صبحي إلى ذلك ، أي باعترافه بعجز النظرية السنية عن إعطاء نظرية سياسية متماسكة ،فقال : (أما من الناحية الفكرية فلم يقدم أهل السنة نظرية متماسكة في السياسة) (3) .
إذن ، حديث الخلفاء اثنا عشر ، مجرد ألفاظ لا يمثله مصداق على أساس النظرة السنية له .
القسم الثاني : أعطى مصاديق واضحة لحديث الخلفاء اثنا عشر ، وهم أئمة أهل البيت عليهم السلام ، ولم يحتج هذا القسم إلى عناء البحث والتحقيق لإثبات ذلك ، لأن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قد أشار إليهم في أحاديث عديدة ، منها ما نقله الترمذي وأحمد بن حنبل وابن حجر والحاكم النيسابوري وغيرهم ، حيث نقلوا حديث الثقلين الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : «إني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الأخر ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي . . . . لن يفترقا حتى يردا علي الحوض» (4) .
وهذا الحديث المتسالم عليه ، قد ترجم مصاديق «الخلفاء اثنا عشر» لما في ذلك

(1) تاريخ اليعقوبي : ج 2 ، ص 240 .
(2) الحاوي للفتاوي : ج 2 ، ص 85 .
(3) الزيدية : ص 35 ـ 37 .
(4) سنن الترمذي : ج 5 ، ص 662 ، ح 3786 ؛ الصواعق المحرقة : ج 2 ، ص 653 ؛ المستدرك على الصحيحين : ج 3 ، ص 160 ـ 161 ، ح 4711 .
دفاع عن التشيع 377

الحديث من صفات لا تجتمع بأي كان إلا أن يكون قريناً للقرآن ، ومن تلك الصفات : «لا يزال الإسلام عزيزاً» ، «لا يزال الدين قائماً» ، «لا يزال هذا الأمر عزيزاً» ، «يكون لهذه الأئمة اثنا عشر قيماً» ، فعزة الدين وقيمومته اقترنت باولئك الاثني عشر الذين ذكرهم الحديث .
ونقل أيضاً هذا الاتجاه أحاديث عن رسول الله تشخص مصاديق ذلك الحديث فنقل الكليني حديث اللوح بسند صحيح (1) ، والذي قال فيه جابر بن عبد الله الأنصاري : دخلت على فاطمة عليها السلام وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء ، فعددت اثني عشر اسماً ، آخرهم القائم ، ثلاثة منهم محمد ، وأربعة منهم علي صلوات الله عليهم (2) .
وذكر الكليني بسنده عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري ، عن أبي جعفر قال : «أقبل أمير المؤمنين عليه السلام ومعه الحسن بن علي . . . حتى ذكر الأئمة الاثني عشر جميعاً» (3) .
وروى الكليني والصدوق بسند صحيح (4) النص على الأئمة من قبل رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، ابتداءً بعلي وانتهاءً بالمهدي المنتظر .
ونقل هذه الحقيقة الشيخ الصدوق في كمال الدين أيضاً (5) ، والقندوزي الحنفي في ينابيع المودة (6) ، ونقلها الخزاز في كفاية الأثر (7) .
نقل الصدوق بسنده عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال : «الأئمة بعدي اثنا عشر ، أولهم علي ابن أبي طالب ، وآخرهم القائم ، فهم خلفائي وأوصيائي وأوليائي ، وحجج الله على امتي بعدي ، المقر بهم مؤمن ، والمنكر لهم كافر» (8) .

(1) المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي : ص 87 .
(2) الكافي : ج 1 ، ص 598 ، باب 126 ، ح 9 .
(3) الكافي : ج 1 ، ص 591 ، باب 126 ، ح 1 .
(4) المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي : ص 91 .
(5) كمال الدين : 294 ، باب 28 ، ح 4 .
(6) ينابيع المودة : ج 3 ، ص 384 ، باب 94 .
(7) كفاية الأثر : ص 10 ـ 22 .
(8) من لا يحضره الفقيه : ج 4 ، ص 132 ، باب الوصية من لدن آدم ، ح 5 .
دفاع عن التشيع 378


وقال النعماني بسنده إلى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال : «إن من أهل بيتي اثني عشر محدثاً» (1) .
ونقل المفيد بسنده عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال : «وإن لذلك ولاة من بعدي ، علي بن أبي طالب ، وأحد عشر من ولده» (2) .
وكذلك نقل المفيد قول الإمام علي بسنده : «أنا وأحد عشر من صلبي أئمة محدثون» (3) .
واستجاد العلامة الحلي من كتاب الإرشاد هذا المعنى ، فنقل في كتابه المتسجاد من الإرشاد قول رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : «أنا وأحد عشر من صلبي أئمة محدثون» (4) .
فبعد أن اتفق السنة والشيعة على حديث «الخلفاء اثنا عشر» ، أنكرها الكاتب بلا بحث ولا تحقيق ، فقال :
(دليل الاثني عشرية دليل متأخر ، بدأ المتكلمون يستخدمونه بعد أكثر من نصف قرن من الهجرة ، أي في القرن الرابع الهجري) (5) .
بينما شاهدنا أن دليل الاثني عشرية اتفق على نقله السنة والشيعة ، وأن تسمية الخلفاء اثنا عشر من قبل رسول الله صلى الله عليه واله وسلم نقلها الكليني المعاصر للغيبة الصغرى ، واستدل به المفيد وغيره من أقطاب الفكر الشيعي ، وليس دليلاً متأخراً كما يقول الكاتب الذي عودنا على شعاراته الإعلامية الخالية من التوثيق .
أضف إلى ذلك السيرة الشخصية لحيا اولئك البررة ، والتي نقلها علماء الرجال من السنة والشيعة ، تؤكد بأنهم الأجدر في تمثيل مصداق الحديث الذي أنكره الكاتب وجعله من مبدعات القرن الرابع الهجري .

(1) الغيبة للنعماني : ص 66 ـ 67 ، باب 4 ، ح 6 .
(2) الإرشاد : ج 2 ، ص 345 ـ 346 .
(3) الإرشاد : ج 2 ، ص 346 .
(4) المستجاد من الإرشاد : ص 258 .
(5) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 200 .
دفاع عن التشيع 379


وأخيراً ، يقول الشهيد الصدر :
(إن هذا الحديث ليس انعكاساً لواقع ، وإنما هو تعبير عن حقيقة ربانية نطق بها من لا ينطق عن الهوى ، فقال : «إن الخلفاء بعدي اثنا عشر» . وجاء الواقع الإمامي الاثنا عشري ابتداءً من الإمام علي وانتهاءً بالمهدي ليكون التطبيق الوحيد المعقول لذلك الحديث النبوي الشريف) (1) .
مع أن أصل الحديث ، وكما ثبت بالتحقيق ليس «كلهم من قريش» ، بل «كلهم من بني هاشم» ، يقول القندوزي الحنفي : ( عن جابر بن سمرة ، قال : كنت مع أبي عند النبي صلى الله عليه واله وسلم فسمعته يقول : «بعدي اثنا عشر خليفة» ، ثم أخفى صوته ، فقلت لأبي :ما الذي أخفى صوته ؟ قال : قال : «كلهم من بني هاشم» . وعن سماك بن حرب مثل ذلك (2) .
وبعد أن علم أحمد الكاتب بمصادر حديث «الاثني عشر» ، وعلم بمصاديق ذلك الحديث ، وأن كلامه لا ينطلي على القارئ ، أراد أن يلتف على تلك المصاديق باتهام سليم بن قيس الهلالي بهذا الطرح ، حتى يضعف كتاب سليم ، ويقتضي على تلك المصاديق المطروحة ولكن الكاتب اخطأ في ذلك ، لان نظرية الاثني عشرية قام عليها الفكر الإسلامي ـ أعم من كونه شيعي أو سني ـ وتحديد مصاديق تلك النظرية جاء إلينا من غير طريق سليم ـ كما سيتضح في البحث اللاحق .

النص على الاثني عشر إماماً من غير طريق سليم

عندما عجز الكاتب من إيجاد أي ثغرة في نظرية الإمامة الاثني عشرية ، راح يفتش عن اصولها ، وجعل الركن الأساسي لهذه النظرية كتاب سليم بن قيس الهلالي (الثقة) ، ومن ثم راح يبحث عن المضعفين لكتاب سليم (3) ، ولكنه لم يستقرئ التاريخ جيداً ، ولا التاريخ الروائي حول هذه النظرية ، ولو سلمنا ـ جدلاً ـ بضعف كتاب سليم ،

(1) بحث حول المهدي : ص 67 .
(2) ينابيع المودة : ج 3 ، ص 290 ، ح 4 .
(3) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 204 ـ 205 .

السابق السابق الفهرس التالي التالي