دفاع عن التشيع 380

فإن نظرية الاثني عشرية والنص على الأئمة جاء بطرق وكتب مختلفة ، ولم يكن فيها سليم ، وإليك بعضها :
1 ـ مختصر إثبات الرجعة للفضل بن شاذان :
قال محمد بن إسماعيل : ثم قال حماد بن عيسى : قد ذكرت هذا الحديث ـ حديث التشخيص ـ على الأئمة بالأسماء عند مولاي أبي عبد الله عليه السلام ، فبكى وقال : «صدق سليم ، فقد روى لي هذا الحديث أبي عن أبيه ، عن علي بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن علي ، قال : سمعت هذا الحديث من أمير المؤمنين» (1) .
فهذا طريق آخر غير طريق سليم ، لم يتوصل إليه الكاتب ، وبعبارة أدق : أهمله حتى يشوش ذهن القارئ .
2 ـ ذكر الطبرسي في الاحتجاج هذا الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام برواية مسعدة ابن صدقة (2) .
3 ـ ذكر هذا الحديث ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة عن أبان ، عن الإمام الباقر عليه السلام (3) .
4 ـ إعلام الورى (4) .
5 ـ تفسير العياشي (5) .
6 ـ تذكرة الخواص ، عن الشعبي ، عمن سمع علياً (6) .
فهذه المصادر وغيرها نقلت حديث الأئمة اثنا عشر وأسماءهم من غير طريق سليم .

(1) مختصر إثبات الرجعة ؛ ص 1 ، ونقلته عن مجلة تراثنا عدد 10 ، تحقيق مختصر إثبات الرجعة .
(2) الإحتجاج : ج 1 ، ص 626 .
(3) كتاب سليم بن قيس : ج 3 ، ص 974 .
(4) اعلام الورى : ص 275 .
(5) تفسير العياشي : ج 1 ، ص 246 .
(6) تذكرة الخواص : ص 124 .
دفاع عن التشيع 381


ولقد ورد حديث الاثني عشرية من غير طريق سليم في أصل عباد العصفري (ت 150 هـ) حيث جاء فيه : عباد بن عمرو ، عن أبي حمزة ، قال : سمعت علي بن الحسين عليه السلام يقول : «إن الله خلق محمداً وعلياً وأحد عشر من ولده من نور عظمته ، فأقامهم أشباحاً في ضياء نوره يعبدونه قبل خلق الخلق ، يسبحون الله ويقدسونه وهم الأئمة من ولد رسول الله» (1) .
أضف إلى ذلك ما نقله الكليني في النص على الأئمة الاثني عشر من قبل الصادق عليه السلام ، ولم يكن في الطريق سليم بن قيس (2) .
ونقل هذه الحقيقة البرقي في محاسنه ، فأتى على الأئمة واحداً واحدا على لسان الإمام أمير المؤمنين ، ولم يكن سليم في طريقه (3) .
ونقل ذلك الشيخ الطوسي في (غيبته) .
ولقد كتم أبو سلمة حديث الأوصياء والخلفاء وأسماءهم ، بناءً على وصية من عائشة ، وكشف ذلك لأمير المؤمنين بعد وفاتها عندما طالبه بذلك ، كما روى ذلك الخزاز (4) كل هذه الحقائق مر عليها الكاتب من دون التفات .

هل توجد روايات تقول : الأئمة ثلاثة عشر ؟


انتقد الكاتب علماء الشيعة بأنهم لم يبحثوا المسائل بحثاً علمياً ، واتهم البعض بأنهم بعيدون عن الواقع ، وكان هو بانتقاده أولى عندما بنى نظريته على أغلاط النساخ ، والتأويلات القسرية للأحاديث ، وراح يتتبع عثرات النساخ ويدونها ويعتمد عليها من دون أي مطالعة لما كتبه العلماء بحقها ، وأخذ يطلق الشعارات الإعلامية بناءً على

(1) الأصول الستة عشر : ص 15 ، أصل عباد العصفري .
(2) الكافي : ج 1 ، ص 244 ـ 245 ، كتاب الحجة ، باب فرض طاعة الأئمة ، ح 15 .
(3) المحاسن للبرقي : ج 2 ، ص 59 ـ 60 / 1170 .
(4) كفاية الأثر : ص 189 ـ 190 ، باب ما روي عن عائشة من النصوص .
دفاع عن التشيع 382

تلك الأغلاط ، فقال : (برزت . . . . روايات تقول بأن الأئمة ثلاثة عشر) (1) .
ونسب تلك الروايات إلى ثقة الإسلام الكليني الذي دون أبواباً كثيرة في كتابه لإثبات إمامة الاثنى عشر ، فلكي نوقف القارئ والكاتب على هذه الروايات سنعرضها ليتبين زيف هذه الدعوى .
الرواية الأولى : رواها الكليني بسنده إلى أبي سعيد العصفري ، عن عمرو بن ثابت ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر ، قال : «قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إني واثنا عشر من ولدي ، وأنت يا علي زر الأرض ، يعني أوتادها وحبالها» (2) .
وكما هو واضح فإن الكليني رواها عن أبي سعيد العصفري ، وهذا الرجل له أصل من الأصول ، كما صرح بذلك صاحب الذريعة ، وبمراجعة ذلك الأصل نجد الرواية بنفسها موجودة ، ولكن بهذا الشكل :
عن عمرو ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : «إني وأحد عشر من ولدي وأنت يا علي زر هذه الأرض ـ يعني أوتادها وحبالها أوتد الله الأرض أن تسيخ بأهلها ، فإذا ذهب الأحد عشر من ولدي ساخت الأرض بأهلها» (3) .
فهذه الرواية الاولى من أصلها الذي اعتمد عليه الكليني وليس فيها ما يشير إليه الكاتب ، وما وقع في الكافي هو من أغلاط النساخ .
الرواية الثانية : أيضاً رواها الكليني ، عن أبي سعيد العصفري ، عن أبي جعفر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : «من ولدي اثنا عشر نقباء نجباء مفهومون ، آخرهم القائم بالحق يملأها عدلاً كما ملئت جوراً» (4) .
ومادام أصل العصفري بأيدينا ، بحثنا عن الحقيقة هناك ، فوجدنا الرواية بالأصل تقول :

(1) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 204 .
(2) الكافي : ج 1 ، ص 599 ، ح 17 ، باب 126 .
(3) الاصول الستة عشر : أصل عباد العصفري ، ص 16 .
(4) الكافي : ج 1 ، ص 600 ، باب 126 ، ح 18 .
دفاع عن التشيع 383


عن أبي جعفر قال : «قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : من ولدي أحد عشر نقباء نجباء محدثون مفهمون ، آخرهم القائم بالحق يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً» (1) .
فهي تدل على إمامة اثني عشر وليس ثلاثة عشر .
الرواية الثالثة : رواها الكليني ، محمد بن الحسين ، عن ابن محبوب ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر ، عن جابر ، قال : دخلت على فاطمة عليها السلام وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء من ولدها ، فعددت اثني عشر آخرهم القائم ، ثلاثة منهم محمد وثلاثة منهم علي (2) .
وبمراجعة بسيطة إلى ما نقله الصدوق في كمال الدين وتحت عنوان خبر اللوح ، حيث ذكر عدة طرق لهذا الخبر ، وبمراجعة لسند نفس الرواية نجد أن الاختلاف يزول ، يقول الشيخ الصدوق : حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار ، قال : حدثنا أبي ، عن محمد بن الحسين ، عن ابن محبوب ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر .
وحدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس ، قلا : حدثنا أبي عن أحمد بن محمد بن عيسى ، وإبراهيم بن هاشم ، جميعاً عن الحسن بن محبوب ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر ، عن جابر قال : دخلت على فاطمة عليها السلام وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء فعددت اثني عشر آخرهم القائم ، ثلاثة منهم محمد وأربعة منهم علي (3) .
فالألفاظ الزائدةفي رواية الكافي المشوشة لمعنى الرواية هي :
1 ـ من ولدها .
2 ـ وثلاثة منهم علي .
ولا توجد هذه الألفاظ عند الشيخ الصدوق ، وقد نقل ذلك بسندين كلاهما ينتهي إلى الحسن بن محبوب ، ويتفقان مع الكليني في النقل بهذا الرجل ، كما في المخطط أدناه .

(1) الاصول الستة عشر : أصل عباد العصفري ، ص 15 .
(2) الكافي : ج 1 ، ص 598 ، باب 126 ، ح 9 .
(3) عيون أخبار الرضا : ج 1 ، ص 52 ، ح 7 ؛ كمال الدين : 294 ، باب 28 ، ح 4 .
دفاع عن التشيع 384


إذن ، طريق الصدوق وطريق الكليني واحد إلى ابن محبوب ، وما نقله الصدوق هو الأدق ، وأما ما نقله النساخ لكتاب الكافي فقد أضافوا إليه .
وقد نقل الشيخ الصدوق طرقاً عديدة لخبر اللوح وصلت إليه ، ومن أراد المزيد فليراجع .
الرواية الرابعة : رواها الكليني عن ابن سماعة ، عن علي بن الحسين بن رباط ، عن ابن اذينة ، عن زرارة ، قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : «الاثنا عشر الإمام من آل محمد ، كلهم محدث من ولد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ومن ولد علي ، فرسول الله صلى الله عليه واله وسلم وعلي هما الوالدان» (1) .
نقل المفيد هذه الرواية من الكافي بهذا الشكل :

(1) الكافي : ج 1 ، ص 596 ـ 597 ، باب 126 ، ح 7 .
دفاع عن التشيع 385


«الاثنا عشر الأئمة من آل محمد ، كلهم محدث ، علي بن أبي طالب وأحد عشر من ولده ، ورسول الله وعلي هما الوالدان» (1) .
ونقلها الشيخ الصدوق عن الكليني أيضاً ، فقال : «اثنا عشر إماماً من آل محمد ، كلهم محدثون بعد رسول الله ، وعلي بن أبي طالب منهم» (2) .
ومن الواضح أن الشيخ المفيد والصدوق نقلاً الرواية من الكافي من دون تلك الاشتباه الذي وقع فيه النساخ بعد المفيد والصدوق .
فمثل هذه الروايات اعتمدها الكاتب وجعلها ركناً لنفي نظرية الإمامة الاثني عشرية .
ولو سلمنا بوجود هذه الروايات في المرتبة الثانية ، فهل تقف أمام التراث الإمامي القائم على أن الأئمة اثنا عشر ؟ ولماذا لا يبحثها الكاتب سندياً ؟ أضف إلى ذلك ، وعلى حد تعبير السيد العسكري الذي أخضع هذه الروايات للمنهج العلمي الذي اعتمدنا عليه ، قال :
(إن فقهاء مدرستهم ـ مدرسة أهل البيت ـ لم يسموا أي جامع من جوامع الحديث لديهم بالصحيح كما فعلته مدرسة الخلفاء ، حيث سمت بعض جوامع الحديث لديهم بالصحاح ، ولم يحجروا بذلك على العقول ، ولم يوصدوا باب البحث العلمي في عصر من العصور ، وإنما يعرضون كل حديث في جوامعهم على قواعد دراية الحديث لأن رواة تلك الأحاديث غير معصومين عن الخطأ والنسيان اللذين يعرضان على كل بشر لم يعصمه الله . . . ) ، إلخ (3) .
إذن ، ما اعتمد عليه الكاتب كان من أغلاط النساخ ، وكان علماء الشيعة ملتفتين إلى ذلك قبل ولادة أحمد الكاتب ، وأخضعوه للبحث العلمي ، وهو ما لم يذكره الكاتب حتى بالإشارة .

(1) الإرشاد : ج 2 ، ص 347 .
(2) عيون أخبار الرضا : ج 1 ، ص 60 ، ح 25 ؛ الخصال : ج 2 ، ص 566 ، باب الاثني عشر ، ح 49 .
(3) معالم المدرستين : ج 3 ، ص 327 .
دفاع عن التشيع 386




دفاع عن التشيع 387


الفصل الثامن

التسرع في الأحكام من دون

بحث ودراية


دفاع عن التشيع 388




دفاع عن التشيع 389

ثورة التوابين ومشكلة القيادة


يقول الكاتب : (نتيجة للفراغ القيادي فقد انتخب الشيعة في الكوفة بعد مقتل الحسين سليمان بن صرد الخزاعي زعيماً لهم) (1) .
وأراد الكاتب من هذا الكلام أن يوجد سنداً يدعم مقتوله السابقة باعتزال الإمام زين العابدين ، ولكن المتتبع للأحداث وبنظرة شمولية لذلك الوضع ، يجد أن سليمان بن صرد الخزاعي من الذين كاتبوا الحسين ليبايعوه ، ولكنه عجز عن نصرته ودعمه ، وبعدما قتل الحسين تولدت لدى الشيعة ردة فعل عنيفة جداً ، هزت ضمائرهم ، وأخذوا يلومون أنفسهم في عدم نصرة الإمام عليه السلام .
أضف إلى ذلك أن يزيد وبعد مقتل الحسين لم يترك حرمة إلا وانتهكها ، فأخذ الشعور بالندم يدب في ضمير الامة الإسلامية ، وأحست أنها مقصرة بحق أئمتها وقادتها ، وأرادت أن تعبر عن تقصيرها ذلك ، وتعيد زمام المبادرة بالقيام بعمل معين ، ولا يوجد عمل ينقذهم إلا الثورة على الواقع الفاسد الذي يعيشونه ، ولكن من يقودهم لذلك العمل ؟
علي بن الحسين بالأمس القريب كان مع أبيه ، ويصك مسامعه استنهاض أبيه لهم بدون إجابة ، وعلى رغم هذا الشعور فقد كتب سليمان بن صرد إلى علي بن الحسين ليبايع له ، ويقول بإمامته ويظهر دعوته (2) ، فأبى الإمام عليه السلام ؛ لما يحمل من نظرة شمولية

(1) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 29 .
(2) مروج الذهب : ج 3 ، ص 83 .
دفاع عن التشيع 390

للأوضاع آنذاك ، والتي أدت بالناس إلى التخلي عن أبيه الحسين عليه السلام ، فاضطر سليمان إلى أن يكتب إلى محمد بن الحنفية (1) ، لاكتساب الشرعية لما يقوم به من عمل ، ولما يمثله محمد من موقع في هذا البيت القيادي في الامة .
وما كتابة سليمان إلى محمد بن الحنفية إلا خير شاهد على المركز الذي يحتله بيت علي بن أبي طالب في فكر الامة ، ولم يتصد ابن الحنفية للأمر ، بل لجأ إلى زين العابدين فأذن له الإمام في ذلك ، وخرج محمد بن الحنفية وأنصاره من الإمام وهم يقولون : (إذن لنا زين العابدين) (2) . وقامت الثورة ، وسميت بثورة التوابين ، لأنهم قالوا : (ما لنا من توبة مما فعلنا إلا أن نقتل أنفسنا في الطلب بدمه) (3) .
إذن ، ما استفاده الكاتب من هذا الموقف ليس إلا تحريفاً لنصوص الأدلة ، أضف إلى ذلك ما قاله المسعودي : (لم تكن إمامة محمد بن الحنفية إلا بعد أن أبى علي بن الحسين عليهما السلام قبول كتاب سليمان بن صرد الخزاعي ، وبعد الإلحاح المستمر رفض الإمام ، فتوجه سليمان إلى محمد بن الحنفية ليكتب له ويمده بالشرعية) (4) .

عقيدة المختار بن أبي عبيدة الثقفي


بعد أن خرج المختار للطلب بدم الحسين رافعاً هذا الشعار ، وبعد أن كتب إلى زين العابدين (5) ليمده بالشرعية السياسية كما يقول المسعودي ، بعد كل ذلك نجد أن بعض التهم قد الصقت بالمختار ، أمثال ادعائه النبوة ونزول الوحي عليه (6) .
تلك الشعارات ، وهذه التهم تدعو الباحث إلى التأمل ، فكيف يطلب إمداده

(1) نفس المصدر السابق .
(2) معجم رجال الحديث : ج 18 ، ص 100 ـ 101 ، ر 12156 .
(3) تاريخ بغداد : ج 1 ، ص 216 .
(4) المسعودي ، مروج الذهب : ج 3 ، ص 87 بتصرف .
(5) مروج الذهب : ج 3 ، ص 87 .
(6) الفرق بين الفرق للبغدادي : ص 33 .
دفاع عن التشيع 391

بالشرعية وهو نبي يوحى إليه ؟ وهذا هو الذي ألجأنا إلى دراسة عقيدة المختار كي نستوضح موقفه العقيدي والسياسي .
وبمطالعة النشاط السياسي لتلك الفترة المربكة في حياة الامة الإسلامية نجد ثلاث أحزاب سياسية يحاول كل منها الإطاحة بالآخر .
الأول : التجمعات الشيعية .
الثاني : الدولة الأموية .
الثالث : حركة ابن الزبير وأنصاره .
ومن الواضح جداً أن التهم الصقت بالمختار كانت بعد وفاته ، أمثال أنه زعيم الحركة الكيسانية ؛ لأنه من المعلوم أن هذه الحركة ولدت بعد وفاة محمد بن الحنفية ، والمختار توفى قبل محمد بن الحنفية (1) .
إذ كيف يكون زعيماً لحركة لم تولد بعد ؟ ! إذ كل ما الصق بالمختار كان بعد وفاته ، وهذا واضح لا يختلف عليه اثنان ، ولا يتناطح عليه عنزان، ويؤيد ذلك شكوى الحكم بن المختار بعد وفاة أبيه إلى الإمام الصادق عليه السلام من تلك التهم التي الصقت بأبيه (2) .
ولكن نتساءل : من الصق هذه التهم بالمختار ؟
وبعودة إلى النشاطات السياسية التي تمارس في تلك الفترة نجد أن الدولة الأموية التي كانت إحدى التيارات السياسية العاملة آنذاك ، والتي ثار المختار عليها وانتزع الحكم منها في بعض المناطق ، نجدها جندت مرتزقيها لنيل من هذه الشخصية التي جرعتها المنون ، وأفضل وسيلة للنيل من الرجل في أي مجتمع من المجتمعات رميه بعقائد تخالف عقائد المجتمع السائدة ، وبما أن المجتمع كان إسلامياً ، رموه بادعاء النبوة ونزول الوحي عليه (3) .

(1) معجم رجال الحديث : ج 18 ، ص 101 .
(2) معجم رجال الحديث : ج 18 ، ص 95 .
(3) الفرق بين الفرق : ص 33 .
دفاع عن التشيع 392


واستطاعت الدولة الأموية أن تحجم هذه الشخصية ، وتؤطر ثورتها بإطار خاص ، لا يتعدى تحقيق المطامع الشخصية لذلك الثائر البطل .
أضف إلى ذلك ، النشاط السياسي الفعال الذي قام به ابن الزبير ضد هذه الشخصية الإسلامية التي انتزعت الحكم من الزبيريين ، حتى قاتل المختار مصعب بن الزبير ، الذي سيطر الأخير على الحكم ، ولقد ترجم الزبيريون هذا الموقف ضد المختار عندما بعث ابن الزبير أخاه عروة إلى محمد بن الحنفية يقول له : (إني غير تاركك أبداً حتى تبايعني أو اعيدك في الحبس ، وقد قتل الله الكذاب الذي كنت تدعي نصرته) (1) .
فتحجيم شخصية المختار وتأطيرها بإطار ضيق إجتمع عليه المتضادان ، الدولة الأموية والزبيريون ، ورموه بالتهم والأباطيل ، وحاولوا إخفاء حقيقة ثورته ؛ لأن في حقيقة ثورته الاعتراف بإمامة زين العابدين عندما كتب إليه ، كما يقول المسعودي ، وهذا الاعتراف يدين كلا الطرفين ، يدين الدولة الأموية لاستلامها مقاليد السلطة في المجتمع الإسلامي مع وجود أئمة الحق ومصابيح الدجى الذين جعلهم الله عزوجل أئمة للناس وأوجب عليهم طاعتهم (2) ، كما يقول الإمام زين العابدين عليه السلام .
ويدين الزبيريين الذين يدعون الناس إليهم ، ويحاولون كم الأفواه بالنار والحديد ، كما هو واضح في تهديدهم لمحمد بن الحنفية ، إما بالبيعة أو بالحبس (3) .
إذن ، عقيدة المختار اجتمع على تشويهها الأعداء ـ الأمويون والزبيريون ـ لأن تلك العقيدة أرادت نصرة أهل البيت عليهم السلام وإرجاع الحق إليهم ، ولقد وفى بعض هذه الأهداف ، وقال بحقه الإمام الصادق عليه السلام : «ما امتشطت فينا هاشمية ولا اختضبت حتى بعث إلينا المختار برؤوس الذين قتلوا الحسين عليه السلام» ، وهذه الرواية صحيحة السند كما يقول السيد الخوئي (4) .

(1) الطبقات الكبرى : ج 5 ، ص 79 / 680 .
(2) كمال الدين : ص 299 ـ 300 .
(3) الطبقات الكبرى : ج 5 ، ص 79 / 680 .
(4) معجم رجال الحديث : ج 18 ، ص 94 .
دفاع عن التشيع 393


ونهى الإمام الباقر عليه السلام عن سب المختار ، وقال : «لا تسبوا المختار ، فإنه قتل قتلتنا وطلب بثأرنا ، وزوج أراملنا ، وقسم فينا المال» (1) .
إذن ، عقيدة المختار عقيدة واضحة ، لا غبار عليها ، لخصها السيد محمد صادق آل بحر العلوم بقوله : (الذي انعقد عليه اتفاق الإمامية صحة عقيدة المختار ، كما هو مذكور في كتبهم الرجالية والتاريخية ، وكتب الحديث ، وما نبز به من القذائف ، فهو مفتعل عليه وضعته أعداؤه تشويهاً لسمعته ، وقد دعا له الإمام السجاد علي بن الحسين عليهما السلام ، وشكره الإمام الباقر عليهما السلام على صنيعه ، وأطراه وترحم عليه هو وابنه الصادق عليهما السلام ، وتواتر الثناء عليه والذب عنه من علماء الشيعة) (2) .
إذن ، لن يستطيع الكاتب أن يتفق مع الأمويين والزبيريين لتشويه هذه العقيدة ، بعد أن انعقد اتفاق الإمامية على صحتها ، وإن حاول تشويش الأذهان في الجملة .

نظرية الإمامة واستفسارات الشيعة


كانت نظرية الإمامة واضحة في الفكر الإسلامي بما لا يقبل الشك ، ووضوح هذه النظرية نتيجة لما حملته من موروث نصي عليها من قبل الرسول صلى الله عليه واله وسلم ومن قبل أئمة أهل البيت ، ولهذا نجد كلاً من الأمويين والعباسيين ادعوا الإمامة كما يقول الكاتب ، فكل يحاول جر هذا المفهوم لمصاديقه التي يؤيدها ، وأما المصاديق الحقيقية له فقد فرضت عليها الظروف الموضوعية في بعض الأحيان التكتم وعدم إذاعة السر ، لما يواجهونه من محن من طغاة العصر ، ونتيجة لوضوح فكرة الإمامة وغموض مصداقها في بعض الأحيان ، وعدم الإيمان بالمصاديق الاموية والعباسية لذلك المفهوم نجد الجميع يسأل عن الإمام ، وتمد الأعناق إلى البيت العلوي في كل فترة وكل عصر ، ولهذا نجدهم تارة لا يؤمنون بموت إمام ، ويتمسكون به حتى بعد وفاته ، كما حدث للبعض مع الإمام الصادق عليه السلام عندما توفي ، ولم يتشخص عند اولئك المصداق الذي

(1) معجم رجال الحديث : ج 18 ، ص 94 .
(2) هامش فرق الشيعة للنوبختي : ص 41 ، هامش رقم 1 .
دفاع عن التشيع 394

يمثل الإمامة ، فتمسكوا بالإمام الصادق وقالوا : إن الإمام لم يمت ، وسموا الناووسية .
والبعض الآخر نجده يتمسك ببعض أبناء الأئمة الذين يحملون بعض المواصفات مثل أكبر ولده ، أو ما شابه ذلك ، ويجعلونه الإمام مع رفضه لهذا الموقع .
والبعض الآخر نجدهم يتمسكون حتى بأبناء الأئمة الذين توفوا في حياتهم ، فكل ذلك نتيجة لغموض المصداق لديهم ؛ لما فرضته الظروف ، وخصوصاً في زمن الإمام الصادق عليه السلام الذي تحدث عنه محمد أبو زهرة فقال : )فلا ريب من وجود التقية في عصر الصادق ومن بعده ، وهي كانت مصلحة للشيعة ، وفيها مصلحة الإسلام ، لأنها كانت مانعة من الفتن المستمرة) (1) .
ولكن رغم تلك الظروف نجد في كل عصر وزمان ثلة من المؤمنين يحملون فكرة الإمامة مشعلاً وهاجاً ، ويعرفون مصداقها الحقيقي باسمه ونسبه ، وصرح الأئمة لهم في ذلك ، كما قال الإمام الكاظم عليه السلام لهشام بن سالم مع مجموعة من الشيعة ، قال له : «سل تخبر ، ولا تذع ، فإن أذعت فهو الذبح» (2) .
فهذا هو الواقع الذي عاشه الشيعة مع أئمتهم على مر العصور ، وأكثر من ذلك فلقد كان المنصور يبعث جواسيسه بمعية الأموال حتى يسلموها إلى الإمام الصادق عليه السلام ليتمكن المنصور من قتله بهذه الطريقة ، كما حدث بذلك ابن المهاجر (3) .
فهذه هي الظروف التي تحكم الأئمة في بعض الأحيان في طرح ما يؤمنون به داخل الساحة الإسلامية ، وعلى أساس هذا الواقع يجب دراسة تحركات الأئمة وتصرفات الشيعة في بعض الأوقات ، فلم يعط الكاتب لهذا الواقع أي أهمية في دراسته ، وأكثر من ذلك راح يكذب على الإمامية بقوله : (وكان الإماميون قد التفوا حوله) (4) أي

(1) الإمام الصادق : ص 243 ـ 244 بتصرف .
(2) الإرشاد : ج 2 ، ص 222 ؛ بصائر الدرجات : ص 250 ـ 252 ؛ رجال الكشي : ترجمة هشام بن سالم ، ص 282 ـ 283 ، رقم 502 .
(3) مناقب ابن شهر آشوب : ج 4 ، ص 239 ـ 240 .
(4) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 87 .
دفاع عن التشيع 395

اسماعيل ابن الإمام الصادق عليه السلام .
ولكن التاريخ حدث بخلاف ذلك تماماً ، يقول النوبختي : (إن الإمامية لا زالوا ثابتين على إمامة أبي عبد الله جعفر بن محمد في أيام حياته غير نفر يسير) (1) .
واولئك النفر الذين حسبهم الكاتب جميع الإمامية قد اختلطت عليهم الحسابات ، أما الإمامية أمثال هشام بن سالم ، وعبد الله بن أبي يعفور ، وعمر بن يزيد السابري ، ومحمد بن النعمان أبي جعفر الأحول مؤمن الطاق ، وعبيد بن زرارة ، وجميل بن دراج ، وأبان بن تغلب ، وهشام بن الحكم ، وغيرهم من وجوه الشيعة وأهل العلم منهم والنظر والفقه ـ كما يقول النوبختي ـ قد ثبتوا على إمامة موسى بن جعفر ، وحتى اولئك النفر اليسير الذين جعلهم الكاتب العمود الفقري لنظريته ، حتى اولئك بعدما تبين الحق وتوفي الإمام الصادق عليه السلام وورث الكاظم الإمامة وابطلت الدعاوى التي اثيرت عادوا إلى القول بإمامة موسى بن جعفر ، كما صرح بذلك النوبختي ، اجتمعوا جميعاً على إمامة موسى بن جعفر (2) .
وكما قلنا ـ نتيجة لخفاء المصداق ـ تعلق بعض الشيعة بإسماعيل ابن الإمام الصادق عليه السلام ، بدون دليل عليه ، سوى علاقة الوالد بولده ، من قبيل تقبيل الإمام لإسماعيل في حالة وفاته ، وبعض الأدعية مثل قول الإمام : «سألت الله في إسماعيل أن يبقيه بعدي» (3) .
وهذه دعوى لا تسقط من فم أي أب ، فضلاً عن الإمام الصادق ، فهذا المدح والحب ولد ـ مع غموض الشخص الخلف من بعد الصادق عليه السلام ـ عند البعض الذين لم يكونوا مقربين من الإمام هذا التشويش ، ولهذا قالوا : إن أباه أشار إليه بالإمامة (4) ، ولم

(1) فرق الشيعة : ص 75 .
(2) فرق الشيعة : ص 89 .
(3) رجال الكشي : ترجمة عبد الله بن شريك ، ص 217 ، رقم 391 .
(4) فرق الشيعة : ص 79 .
دفاع عن التشيع 396

يقولوا نص عليه ، وقد اعترف الكاتب أيضاً بعدم وجود نص عليه (1) ، ورغم كل ذلك قاوم الإمام الصادق عليه السلام هذه الشبهة عند البعض ، فأنزل جثمان ابنه إسماعيل عدة مرات ودعا المشيعين للنظر إلى وجهه والتأكد من وفاته ، وقد اعترف بذلك أحمد الكاتب نفسه (2) .
وفعل الإمام هذا تقريراً لهم بأن الإمام من بعده ليس إسماعيل كما توهموا ، ولم يقف الأمر عند هذا الحد ، بل التف عليهم أبو الخطاب الذي لعنه الإمام الصادق (3) ، وتحول الأمر من إمامة إسماعيل إلى نبوة أبي الخطاب نفسه (4) ، ثم ساد الهرج والمرج فيهم .
أما وجوه الشيعة ، وأهل العلوم منهم ـ كما يقول النوبختي ـ والنظر والفقه ثبتوا على إمامة موسى بن جعفر بعد أبيه ، حتى رجع إلى مقالتهم عامة من كان قال بإمامة عبد الله بن جعفر (5) .
وكان ذلك نتيجة للمنهاج الذي وضعه الإمام الصادق عليه السلام لأصحابه في التعرف على من بعده ، بحيث قسمهم إلى قسمين : قربوا من المدينة وبعدوا عنها ، فأما اولئك الذين في المدينة وهم من المقربين لن يجهلوا الإمام بعد أبيه ، على حد تعبير الإمام ، وأما اولئك الذين بعدوا عن محل إقامة الإمام ، لعلهم يجهلون الإمام من بعد أبيه ، فسأله محمد بن مسلم في شأن اولئك البعيدين من إقامة الإمام إذا قدموا المدينة ، ما هي مواصفات الإمام ؟ قال : يعطى السكينة والوقار والهيبة (6) .
وهذه المواصفات تميز الإمام الكاظم عليه السلام عن غيره من ولد الصادق عليه السلام ، لأن الكشي قال بحق عبد الله الأفطح : (ظهر منه من الأشياء التي لا ينبغي أن تظهر من

(1) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 89 .
(2) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 87 .
(3) معجم رجال الحديث : ج 14 ، ص 248 .
(4) فرق الشيعة : ص 81 .
(5) فرق الشيعة : ص 89 .
(6) الإمامة والتبصرة من الحيرة : ص 88 .
دفاع عن التشيع 397

الإمام) (1) . ويقول المفيد : (كان متهماً بالخلاف على أبيه في الاعتقاد) (2) .
فالسكينة والوقار والهيبة لم تكن مواصفات عبد الله الأفطح ، حتى يقول الكاتب : (أجمع فقهاء الشيعة ومشايخهم على إمامته) (3) . فأين هذا الإجماع من قول النوبختي : (هشام بن سالم ، وعبد الله بن أبي يعفور ، وعمر بن يزيد السابري ، ومحمد بن النعمان أبي جعفر جعفر الأحول مؤمن الطاق ، وعبيد بن زرارة ، وجميل بن دراج ، وأبان بن تغلب ، وهشام بن الحكم ، وغيرهم من وجوه الشيعة وأهل العلم منهم والنظر والفقه ، ثبتوا على إمامة موسى بن جعفر حتى رجع الى مقالتهم عامة من كان قال بامامة عبد الله بن جعفر ، فاجتمعوا جميعاً على إمامة موسى بن جعفر) (4) . فحدث تعارض بين قول النوبختي هذا ، وقول أحمد الكاتب : (أجمع فقهاء الشيعة ومشايخهم على إمامة عبد الله) ، وحل التعارض هذا لا يحتاج إلى كلام .
وبعد إفلاس الكاتب من كل ذلك ، راح يتهم الصفار والكليني والمفيد والكشي بالقول بأن أقطاب النظرية الإمامية كهشام بن سالم ومحمد بن النعمان ذهبوا في البداية إلى إمامة عبد الله الأفطح (5) ، مع أن اولئك الذين ذكرهم الكاتب لم يقولوا هذا ، بل نقلوا رواية أن هؤلاء ذهبوا إلى عبد الله الأفطح ليسألوه عن مسائل ، ليبطلوا جلوسه مكان أبيه فسألوه فخرجوا منه ووردوا على موسى بن جعفر عليه السلام (6) .
ثم راح الكاتب يتكلم في (ص 89) بكلام يناقض كلامه المتقدم في ( ص 88) ، أي بصفحة واحدة ، فقال في ( ص 88) : أجمع فقهاء الشيعة ومشايخهم على إمامة عبد الله الأفطح . وفي ( ص 89) قال : كاد أن يحظى بإجماع الشيعة .

(1) رجال الكشي : ترجمة عمار بن موسى الساباطي ، ص 254 ، رقم 472 .
(2) الإرشاد : ج 2 ، ص 210 .
(3) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 88 .
(4) فرق الشيعة : ص 89 .
(5) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 88 .
(6) الكافي : ج 1 ، ص 412 ـ 413 ، ح 7 .
دفاع عن التشيع 398


فهذا التناقض والإضطراب ينم عن ضعف في دراسة الواقع دراسة متكاملة ثم إصدار حكم بحقه .

إسماعيل في نظر الشيعة


لم تنظر الشيعة إلى إسماعيل بأنه إمام من أئمة أهل البيت عليهم السلام ، كما يقول الشيخ المفيد :
(أنه ليس أحد من أصحابنا يعترف بأن أبا عبد الله عليه السلام نص على ابنه إسماعيل ، ولا روي ذلك في شاذ من الأخبار ، ولا في معروف منها ، وإنما كان الناس في حياة إسماعيل يظنون أن أبا عبد الله عليه السلام ينص عليه لأنه أكبر أولاده ، وبما كانوا يرونه من تعظيمه ، فلما مات إسماعيل رحمه الله زالت ظنونهم وعلموا أن الإمامة في غيره) .
وفتش الشيخ عن وجود نص أو خبر على إمامة اسماعيل ، ولم يجد ، وقال : (لا يوجد أثر ولا خبر يعرفه أحد من نقلة الشيعة) (1) .
فكان إسماعيل رجلاً محترماً ، من أولاد الإمام ، ومن البيت العلوي ، ولهذا كانت وفاته أمراً عادياً عند أصحاب الإمام جعفر بن محمد ، لأنه سئل عن إمامة إسماعيل فنفاها في حياته أكثر من مرة (2) .
ولكن بعض المتصيدين بالماء العكر ، أراد أن يدخل إلى السور الذي ضربه أئمة أهل البيت عليهم السلام على الإمامة من هذا الطريق ، والبعض الآخر استعاروا مغفلين مدح الإمام الصادق عليه السلام لولده كدليل على الإمامة ، مع أن الإمام الصادق عليه السلام نفى إمامة إسماعيل أكثر من مرة (3) .
وأكثر من ذلك عندما توفي إسماعيل كشف الإمام عن وجهه حتى لا يدعوا حياته ، وراح يقبله مراراً وتكراراً .

(1) الفصول المختارة : ج 2 ، ص 308 ـ 309 .
(2) هامش فرق الشيعة : ص 75 ، رقم 1 .
(3) المصدر السابق .
دفاع عن التشيع 399


ووجد الكاتب ضالته في موقف هؤلاء من دون أن ينقل أي نص لهم على إمامة إسماعيل ، بل أطلق عبارة اعلامية قال فيها : (سببت وفاة إسماعيل هزة في الفكر الإمامي) (1) .
ولو سألنا النوبختي عن هذه الهزة لقال : (إن القائلين بإمامة جعفر بن محمد لم يزالوا ثابتين على إمامته أيام حياته غير نفر يسير) (2) .
فهذه الهزة المدعاة لم يصدق بها ولا نقلها أي شخص سوى الكاتب ، وقد نسجها من خياله وقدمها للقارئ لكي يشوش الحقيقة ويضيعها .

الإمامة الإلهية


لفظ الإمام من الألفاظ القرآنية التي وردت في القرآن الكريم ، ونسبها إلى بعض أنبياء الله تعالى بقوله :«وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين» (3) .
فالإمامة مفهوم قرآني اعطي لإبراهيم عليه السلام ، وتساءل نبي الله إبراهيم عليه السلام عن مواصفات من يشغل هذا المنصب ، فأجابه تعالى «لا ينال عهدى الظالمين» ، فاطلقت كلمة الظالمين هنا ولم تحدد ، فشملت كل أنواع الظلم للنفس وللغير ، فتدل الآية على عصمة ذلك الشخص الذي يحمل هذا المفهوم (4) .
وثبت ذلك المفهوم لأميرالمؤمنين عليه السلام بنص القرآن الكريم : «إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون» (5) ، واتفق أنها نزلت في علي عليه السلام ، والمراد من كلمة «وليكم» من كان متحققاً بتدبيركم ، والقيام

(1) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي : ص 106 .
(2) فرق الشيعة : ص 75 .
(3) البقرة : 124 .
(4) تفسير الرازي : ج 4 ، ص 31 ـ 42 .
(5) المائدة : آية 55 .
دفاع عن التشيع 400

باموركم ، وثبت أن المعني بـ«الذين آمنوا» أمير المؤمنين ، وفي ثبوت هذين الوصفين ـ كما يقول الشيخ الطوسي ـ دلالة على كونه إماماً لنا (1) .
وكذلك ثبتت إمامته عليه السلام بنصوص رسول الله صلى الله عليه واله وسلم من قبيل : «من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه» (2) ، «إن علياً مني وأنا منه وهو وليكم بعدي» (3) ، «أنت ولي كل مؤمن بعدي ومؤمنة» (4) ، «إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوا» (5) ، إلى غير ذلك من العشرات ، بل المئات من الأحاديث النبوية الشريفة التي توجت أمير المؤمنين عليه السلام إماماً للمسلمين ، وخليفة لرسول رب العالمين ، ونقلتها كتب الخاصة والعامة على السواء .
وأما سريان هذه الإمامة في ولد أمير المؤمنين علي عليه السلام فجاء أيضاً على لسان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ونقلته كتب الشيعة والمنصفين من السنة .
فلقد خاطب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم الحسين عليه السلام بقوله : «أنت سيد ابن سيد أخو سيد ، أنت إمام ابن امام أخو إمام ، أنت حجة ابن حجة اخو حجة ، وأنت أبو حجج تسعة ، تاسعهم قائمهم» (6) .
وكذلك قول سيد البشر : «إن الله اختار من صلبك يا حسين تسعة أئمة ، تاسعهم خاتمهم وكلهم في الفضل والمنزلة عند الله سواء» (7) .
وصرح أئمة أهل البيت بهذه الحقيقة ، يقول السجاد عليه السلام : « فينا نزلت« وجعلها كلمةً

(1) تلخيص الشافي : ج 2 ، ص 10 .
(2) مسند أحمد : ج 1 ، ح 642 و 672 و 953 و 964 ؛ سنن النسائي : كتاب الخصائص ، ح 8542 ؛ البداية والنهاية : ج 5 ، ص 229 ـ 232 .
(3) مسند أحمد : ج 4 ، ح 19426 ؛ سنن الترمذي : ج 5 ، ح 3712 ؛ مصنف بن أبي شيبة ، فضائل علي : ج 7 ، ص 504 ، رقم 58 .
(4) المستدرك على الصحيحين : ج 3 ، ص 143 ـ 144 ، ح 4652 .
(5) تاريخ الطبري : ج 2 ، ص 63 ؛ الكامل في التاريخ : ج 2 ، ص 62 ـ 64 ؛ السيرة الحلبية : ج 1 ، ص 461 .
(6) ينابيع المودة : ج 3 ، ص 394 ، باب 94 ، ح 44 ؛ مقتل الحسين للخوارزمي : ص 212 ـ 213 ، ح 7 .
(7) ينابيع المودة : ج 3 ، ص 395 ، باب 94 .

السابق السابق الفهرس التالي التالي