ارشاد العباد الى استحباب لبس السواد 38

قال : قتل الحسين (ع) وعليه جبة خز دكناء (1) :
ولعل المقصود من لبسه عليه السلام اياها فأنه على تقديره أمر ممدوح مستحب شرعاً كما ورد في الاخبار المستفيضة (2) او غيره مما يخفى علينا ولا يخفى عليه صلوات الله عليه .
ولعل منه لبسه للتقية عن المخالف فانه ايضاً من المغير لذلك العنوان المكروه لا أنه مخصص بعموم أدلة التقية وعموم الضرورات تبيح المحظورات ونحوهما اذ التخصيص فرع دخول المستثنى في المستثنى منه .
وعلى ما ذكرناه ليس ذلك مما يشمله عموم العنوان المكروه

* قال الحر ره بعد نقل الحديث ( أقول ) هذا محمول على الجواز ونفي التحريم انتهي .
( قلت ) الظاهر أن مراده من الجواز هو بالمعني الاسم الذي لا ينافي الكراهة فلاحظ .
هذا وروى شيخنا الكليني ( قده ) ج 2 من فروع الكافي ص 205 عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن محمد بن عيسى عن سليمان بن راشد عن أبيه : قال رأيت علي بن الحسين عليهما السلام وعليه دراعة سوداء وطيلسان ازرق : والدراعة واحدة الدراريع وهو قميص .
(1) الدكناء بالضم لون الى السواد كما في القاموس وفي الصحاح لون يضرب الى السواد والقول بعدم عده من السواد في غير محله لغة وعرفاً كما لا يخفى .
(2) لعل المراد منه الاشارة الى الاخبار الدالة على استحباب التجمل بالملابس الفاخرة للمؤمن ونحوها : فراجع باب الزي والتجمل من كتب الحديث .
ارشاد العباد الى استحباب لبس السواد 39

ليخصص بها ولعل في قوله عليه السلام أما أني ألبسه وأنا اعلم أنه لباس أهل النار : اشارة لطيفة الى ذلك اي لا يتوهم المتوهم أني ألبسه ولا أعلم انه من لباس أهل النار بل ألبسه لكن لا للتلبس بلباسهم بل لغرض آخر لا يتأتى معه ذلك فلا يكون من المكروه والله أعلم .
هذا : وفي الوسائل (1) عن العلل بسنده المتصل الى داود الرقي .
قال : كانت الشيعة تسأل أبا عبد الله عليه السلام عن لبس السواد قال : فوجدناه قاعداً وعليه جبة سوداء وقلنسوة سوداء وخف أسود مبطن ثم فتق ناحية منه وقال أما أن قطنه أسود وأخـرج منه قطنـاً أسود : ثم قـال : بيض قلبـك وألبس ما شئـت (2) .
وفيه كما ترى اشارة لطيفة الى ما أشرنا اليه فكأنه صلوات الله عليه وعلى آبائه وأبنائه الطاهرين أراد بقوله ببيض قلبك انه بيضه بنور معرفتنا وولايتنا والتشبه بنا وبموالينا وألبس حينئذ ما شئت فلا بأس به ولو كان أسود : فهو بعد التأمل فيه والتحقيق بالنظر الدقيق مبين للمراد من كراهة لبس السواد التي تضمنتها النصوص السابقة على اختلاف مضامينها :
وبالجملة الانصاف يقتضي الاعتراف بعدم شمول أدلة كراهة لبس السواد بعد الاحاطة بما ذكرناه لو كان المقصود منه التحزن

(1) ج 3 ص 280 حديث 9 باب 19 .
(2) أقول وليس الحديث بمجمل كما توهم لان المراد من قوله (ع) والبس ما شئت اي من الالوان ونحوها من الاشكال التي لم يرد فيها نهي خاص كالذهب والحرير للرجال ولباس الشهرة مما هو منهي عنه وثابت حرمته بالنص والاجماع والضرورة : حيث ان قوله (ع) في بيان دفع التوهم المذكور من الحزازة في لبس السواد الذي كانت الشيعة تسأل عنه .
ارشاد العباد الى استحباب لبس السواد 40

بذلك على مولانا الحسين عليه السلام في أيام مأتمه بعد ما عرفت من كونه هو المعهود في العرف والعادة من قديم الزمان لكل مفقود عزيز جليل لهم سيما بعد صيرورته من شعار الشيعة قديماً وحديثاً من علمائهم فضلا عن غيرهم بل ربما يشعر بذلك أشعاراً بليغاً الحديث الذي رواه خالنا العلامة المجلسي رحمة الله في زاد المعاد (1) في فضل يوم التاسع من أول الربيعين وعظم شأنه وقدره عند الائمة عليهم السلام عن الشيخ الجليل القدر العظيم المنزلة أحمد بن اسحاق القمي عن مولانا العسكرى عليه السلام عن آبائه عليهم السلام عن أمير المؤمنين عليه وعليهم الصلاة والسلام ان لهذا اليوم من عظم قدرة عند الله وعند رسوله وخلفائه عليهم السلام سبعين اسماً وعدها واحداً بعد واحد وجعل من جملتها المناسب ذكره في هذا المقام انه يوم نزع لباس السواد اظهاراً للفرح والسرور المطلوب فيه للمؤمنين الذي لا يناسبه لبس السواد فيه (2) .
ولا يخفى ما فيه من الاشعار بل الظهور في معهودية لبس السواد عند الخواص وهم الشيعة قبل هذا اليوم لعدم شمول الامر بالنزع لغيرهم بالضرورة ومعلوم أن ذلك لا يكون الا لمفقود عزيز وهل هو الا للتحزن على ما جرى على مولانا الحسين عليه السلام وأهل بيته في الشهرين

(1) وراجع البحار الجزء الثامن منه ايضاً .
(2) لانه من الايام الشريفة التي يلزم على كل مؤمن ان يظهر الفرح والبشاشة لاخوانه واطعام الطعام لهم وانه مضافاً اليه يوم امامة بقية الله في الأرضين وحجته على العالمين الذي يظهر فيملأ الارض عدلا وقسطاً وينتقم من الذي ضرب الزهراء صلوات الله عليها واسقط محسنها عجل الله فرجه الشريف وجعلنا من خيار اصحابه .
ارشاد العباد الى استحباب لبس السواد 41

المعلومين الذين جرت عادت نوع الشيعة على لبس السواد فيهما من قديم الزمان لاجله وان احتمل كون المراد منه مطلوبية اظهار الفرح والسرور في هذا اليوم للخواص الذي لا يناسبه لبس السواد ولو كان لغيره عليه السلام ممن فقد منهم الا ان ما ذكرناه لعله أظهر الى المراد .
وعلى كلا التقديرين يدل دلالة وافية على أنه لباس حزن متعارف لبسه بين الناس لمن فقد منهم ممن ينبغي له ذلك فيشمله حينئذ عموم ما دل على مطلوبية شعار الحزن والتحزن عليه في مأتمه عليه السلام بما يصدق عليه ذلك في العرف والعادة بالاخبار المستفيضة البالغة حد الاستفاضة بل المتواترة معنى الدالة على ذلك على اختلاف مواردها ومضامينها من غير حاجة الى ثبوت كل فرد ومصداق منه بالخصوص بدليل مخصوص (1) بل يكفي مجرد كونه مما يصدق عليه ذلك في العرف والعادة سيما لو كان مما جرت عليه السيرة كما نحن فيه .
ومن هنا ينفتح باب واسع لتجويز مثل الطبول والشيپور ونحوها من الآلات التي تضرب حال الحرب لهيجان العسكر في عزاء ومأتم مولانا

(1) اقول يختلف نوع العزاء باختلاف العرف والعادة حيث لم يرد دليل بالخصوص على انه على كيفية خاصة بل هو ما تعارف عنه العرف والبلاد قال في الجواهر ص 376 من ج 4 من طبع تبريز 1324 هـ في بيان احكام عدة المتوفي عنها زوجها ما هذا نصه ضرورة كون المدار ( اي الحداد وترك الزينة ) على ما عرفت وهو مختلف باختلاف الازمنة والامكنة والاحوال ولا ضابطة للزينة والتزين وما يتزين به الا العرف والعادة الخ فلاحظ .
ارشاد العباد الى استحباب لبس السواد 42

الحسين أرواحنا له الفداء المتعارف ذلك في أعصارنا (1) سيما بين



(1) قال المحقق النائيني قده في فتواه الصادرة لاهالي البصرة ما هذا نصه : الرابع الدمام المستعمل في هذه المواكب مما لم يتحقق لنا الى الان حقيقته فان كان مورد استعماله هو اقامة العزاء وعند طلب الاجتماع وتنبيه الراكب على الركوب في الهوسات العربية ونحو ذلك ولا يستعمل فيما يطلب فيه اللهو والسرور وكما هو المعروف عندنا في النجف الاشرف فالظاهر جوازه والله العالم انتهى .
( أقول ) ومنه يعرف الوجه في مثل الصنوج والبوق حيث انهما لم يعدا لأستعمالهما في مجالس اللهو والطرب كما لا يخفى .
قال شيخنا الفقيه الرباني الشيخ زين العابدين المازندراني الحائري قده في ص 619 من ذخيرة المعاد في جواب من سئله عن استعمال آلات اللهو واللعب مثل الدف والطبل والدهل والصنج وغير ذلك في عزاء الحسين عليه السلام ما هذا نصه : ان شاء الله مثاب ومأجورمي باشي در شراكت جميع مصيبت وتكثير سواد اهل مصيبت با قطع نظر از رقت وبكاء وسبب ابكائي كه هر يك بخصوص مطلوب مي باشد واما همراه داشتن آلات مرقومه پس اگر مثلا غرض از طبل حرب باشد وغرض از زدن آنها تذكر زدن مخالفين در روز عاشورا طبل حرب يا طبل لهوايشان باشد چنانچه معروف است كه هر دسته كله از مخالفين از كوفه ميآمد طبل شادي ميزند ازجهت اين كه تازه لشگرى ومعينى رسيده آن هم انصافاً ضرر ندارد چون مقصود حكايت طبل ايشان ميباشد نه حقيقت قصد شادي وسرور وشعف داشته باشند غرض خداوند منان توفيق ما وشما را الى يوم القيامة بأقامة عزائي اولاد سيد انام زياد گرداند انتهى .
وقال هذه في الصفحة المذكورة ايضاً في جواب من سأله عن بعض
ارشاد العباد الى استحباب لبس السواد 43

الاتراك من الشيعة الذي له تأثير غريب في هيجان الاحزان والبكاء والصياح والنياح بحيث تراهم يخرجون بذلك عن الحالة الاختيارية وكذلك البوق المتداول بين نصف الدراويش ونحو ذلك مما تداولها عوام الشيعة في مأتم مولانا الحسين عليه السلام مما لا دليل على الحرمة سوى كونه من آلات اللهو المحرم بعمومه من حيث كونه لهواً لا لحرمته ذاتاً كاللعب

* تلك الآلات ايضا ما هذا نصه : ضرر ندارد بلكه مطلوب ومحبوب الست انتهى هذا وارتضى كلامه في الموردين شيخنا الفقيه التقي الشيرازي الحائري قده حيث لم يعلق على العبارة بشيء غير قوله : اگر خود مرتكب محرم نشود لان الرسالة مشاة بحاشيته الشريفة بخط بعض أصحابه .
وقال العلامة المجاهد الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء قده في رسالته المواكب الحسينية ص 19 في جواب السؤال المرسول اليه من فيحاء البصرة عن الطبل وصدح الابواق وقرع الطوس بنقل صاحب الانوار الحسينية ص 60 من طبع بمبي سنة 1346 .
ما هذا نصه كلها أمور مباحة فانك ايها السامع تحس وكل ذي وجدان انها لا تحدث لك بسماعها طرباً ولا خفة نشاطاً بل بالعكس توجب هولا وفزعاً وكمداً وحزناً فاذا قصد منها الضارب الاعلام والتهويل ونظم المواكب وتعديل الصفوف والمواكب حسنت بهذا العنوان ورجحت بذلك الميزان انتهى .
ونقل عن شيخنا كاشف الغطاء قده ايضاً صاحب الانوار الحسينية في ص 82 منه ما هذا نصه :
واما ضرب الطبول والابواق غير مقصود بها اللهو فلا ريب ايضاً في مشروعيتها لتعظيم الشعائر انتهى .
ارشاد العباد الى استحباب لبس السواد 44

بالشطرنج ونحوه من آلات القمار وان كان نوعاً منه ايضاً فان ما كان تحريمه من حيث كونه لهواً لا غيره كما أشرنا اليه لا يصدق عليه عنوان اللهو بالضرورة في مثل المقام المقصود منه اقامة العزاء وهيجان الاحزان ونحوهما به في أيام مأتمه عليه السلام وحيث لا يصدق عليه ذلك العنوان المحرم من حيث اللهوية بالقصد المغير له بالضرورة جاز بل ندب واستحب لاندراجه حينئذ في عموم مادل على مطلوبية شعار الحزن والتحزن عليه (ع) بما يصدق عليه ذلك في العرف والعادة وان لم يرد عليه دليلا بالخصوص كاللطم والضرب بالراحتين على الصدور الذي جرت عليه السيرة من الخواص (1) فضلا عن العوام من الشيعة في مأتمه عليه السلام سيما في أيام العشرة الاولى من المحرم ولياليها

(1) اقول وقد كانت مواكب العلماء والفقهاء تخرج في كل سنة ليلة عاشوراء في كربلاء المقدسة يتقدم الموكب السادة ثم الشيوخ وفيهم مراجع الفتيا والتقليد لاطمين بأيديهم على صدورهم حافي القدمين وقد لطخ بعضهم جباههم في غاية الانكسار والحزن والكابة بحيث كل من كان ينظر اليهم تنقلب احواله من البكاء والصراخ حيث انهم ممثلو ولي العصر عجل الله فرجه وهذا الموكب على ما قيل اسسه سيد فقهاء عصره السيد علي الطباطبائي صاحب الرياض وجد سيدنا المؤلف قده .
كما سمعت انهم كانوا يخرجون في كل سنة ليلة عاشوراء في قم المقدسة ايضاً وكان هذا الموكب من بركات مؤسس الحوزة العلمية آية الله الشيخ عبد الكريم الحائري قده وكان هو ره معهم خلف موكب السادة احتراماً لهم كما حدثني ولده الفقيه الشيخ مرتضى دامت بركاته الذي هو اليوم من اجلة علمائنا العاملين وعليه سيماء فقهائنا الاقدمين قد شابه أباه في العلم والعمل والكرم ومن يشابه اباه فما ظلم سلمه الله وابقاه ومن كل مكروه وقاه .
ارشاد العباد الى استحباب لبس السواد 45

بالخصوص حتى بلغ ذلك الى حد ينسب اليهم الاعداء فيها الجنون (1) ونحوه مع أنه لم يرد به نص بالخصوص ولو من الطرق الغير المعتبرة ولم نر مع ذلك احداً منا تأمل أو توقف في حسن هذا الفعل وهو الا لكونه مأخوذاً مدلولا عليه بالعموم المشار اليه .
وبالجملة لا ينبغي التأمل في عدم شمول أدلة كراهة لبس السواد لما نحن فيه كما لا ينبغي التأمل في رجحانه شرعاً لهذا العنوان المندوب

(1) نسبة الجنون الى الشيعة الامامية في ترويجهم الدين الحنيف واعلاء كلمة المذهب الشريف هو كنسبة اعداء الاسلام ذلك والعياذ بالله الى من لا ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى علمه شديد القوى وقد كشف المستقبل بحمد الله انهم كانوا اولى بالنسبة اليه واحرى بالاتصاف به اذ خسروا انفسهم في الدنيا وخزي عذاب الاخرة اشد وابقى هذا والاعداء هم يعلمون انهم لا يتمكنون من تضعيف قوى الشيعة أعزهم الله وتفتيت عزمهم على احياء أمر آل الله صلوات الله عليهم وانهم لا يقدرون على انفاذ تسويلاتهم في عقائدهم الحقة حيث انهم لا يبالون بهزء المستهزئين وسخرية الجاهلين ونسبة انواع التهم اليهم ولا ينبغي لهم لانهم قد أخذوا احكامهم عن معدن الوحي والتنزيل وقد شرح الله صدورهم للاسلام : فهم على بينة من أمرهم : وانهم قاطعون على أن الاعداء لحظهم اخطأوا وعن ثواب الله زاغوا وعن جوار محمّد ( ص ) في الجنة تباعدوا كما قال الامام الصادق ( ع ) وكما قال ( ع ) لذريح : يا ذريح دع الناس يذهبون حيث شاؤوا كن معنا : فهم على امرهم ثابتون ولا يضرهم شيء بعد دعاء أئمتهم عليهم السلام لهم بالمغفرة والرضا والحفظ في الدنيا والاخرة والخف على أهاليهم واولادهم ونسأل الله الثبات على محبة محمّد وآله والاقتفاء لسيرتهم والممات على ولاية علي واولاده والبراءة من اعدائهم وبالخصوص من الجبت والطاغوت ومن شك في كفرهما انشاء الله تعالى
ارشاد العباد الى استحباب لبس السواد 46

بعمومه كذلك بعد ارتفاع الكراهة عنه وهل هو الا كشق الثوب المرجوح او المحرم لكل ميت الا من الولد لوالده فترتفع المرجوحية او الحرمة فيه بالمرة بل ربما ينقلب راجحاً محضاً او يغلب رجحانه على المرجوحية التي فيه لغيره ولعله لكونه نوعاً من التعظيم والاجلال المطلوب شرعاً من الولد لوالده حياً وميتاً بل هو الظاهر فلا يكون كشقه لغيره مما فيه نوع من التجري عليه سبحانه وتعالى والانضجار ونحوه وكالبكاء والجزع والتأسف ونحوها المذمومة شرعاً لكل أحد الا مـن الولـد للوالـد فانه منـدوب (1) وليس ذلك من القياس المحرم بل المنقح مناطه كما لا يخفى .

(1) ففي التهذيب ج 2 ص 283 آخر الكفارات عن الصادق ( ع ) قال ولا شيء في اللطم على الخدود سوى الاستغفار والتوبة : وقد شققن الجيوب ولطمن الخدود الفاطميات على الحسين بن علي عليهما السلام وعلى مثله تلطم الخدود وتشق الجيوب فدلالته على الجواز والاستحباب فيما نحن فيه ظاهر جداً لاستشهاده بفعلهن وطلبه من الناس على الحسين عليه السلام ذلك وان بلغ من الضرب الاحمرار والسواد بل الادماء لما هو لازم الضرب عند اشتداد المصيبة .
وقال عليه السلام ايضاً كل الجزع والبكاء مكروه سوى الجزع والبكاء لقتل الحسين ( ع ) بناء على ارادة اللطم وشق الثوب وغير ذلك مما يصدر من الجازع غير مكروه على الحسين ( ع ) بل فيه الفضل والرجحان مع حرمته على غيره ( ع ) لحمل الكراهة على معناها الحقيقي .
وفي الجواهر المراد به فعل ما يقع من الجازع من لطم الوجه والصدر والصراخ ونحوها ولو بقريبة ما رواه جابر عن الباقر ( ع ) أشد الجزع الصراخ بالويل والعويل ولطم الوجه وجز الشعر مضافاً الى السيرة في اللطم والعويل
ارشاد العباد الى استحباب لبس السواد 47


ومما ذكرنا يظهر أنه لا وجه لما ذكره شيخنا الخال العلامة أعلى الله في الدارين مقامه معترضاً على كلام شيخنا المحدث البحراني رحمه الله المتقدم اليه الاشارة تارة بامكان تنزيل الحزن في مأتمه عليه السلام على ما هو المقرر في آدابه في الشرع التي ليس منها لبس السواد :
وأخرى بأن معارضة ما دل على رجحان الحزن وكراهة لبس السواد نظير معارضة دليل حرمة الغناء من المحرم ورجحان رثاء الحسين عليه السلام وكلما كان من هذا القبيل يفهم المتشرعة منهما تقييد الراجح بغير الممنوع في الشرع حرمة أو كراهة الى آخر ما مرت الاشارة اليه :
أذ لا داعي أولا الى تنزيل الحزن والتحزن عليه في مأتمه ( ع ) المندوب بعمومه كما عرفت الشامل لكل ما يصدق عليه ذلك في العرف والعادة الذي منه لبس السواد على غيره مع كونه من الفرد المتعارف

* ونحوهما مما حرام في غيره قطعاً فتأمل ولاحظ .
وفي زيارة الناحية المقدسة : قال ( ع ) فلما رأين النساء جوادك مخزياً الى ان قال ( ع ) برزن من الخدور ناشرات الشعور على الخدود لاطمات وبالعويل نائحات .
قال في الجواهر ص 384 ج ل وما يحكى من فعل الفاطميات ربما قيل انه متواتر فلاحظ : هذا وقد علم من كل ذلك أن اللطم على الصدور والخدود وشق الثوب وحث التراب على الرأس والصراخ والعويل ونحو ذلك كخمش الوجه والصدر وارخاء الشعر ونشره وجزه او نتفه يستحب على الحسين ( ع ) ويحرم على غيره بمقتضى هذه الروايات الشريفة والسيرة المستمرة عند أصحاب الائمة المعصومين ( ع ) في عصرهم حتى عصرنا الحاضر كما لا يخفى ومنه يعلم وجه ضرب السلاسل على الظهور وضرب القامات على الرؤوس .
ارشاد العباد الى استحباب لبس السواد 48

من قديم الزمان كما عرفت :
ثم لا داعي ثانياً الى تخصيص رجحان الحزن والتحزن عليه ( ع ) بخصوص ما ورد من العناوين التي تضمنتها الاخبار الكثيرة ان كان هو المراد من الادب المقررة في الشرع في ظاهر كلامه بعد القطع بعدم ارادة الاقتصار عليها بالخصوص بل من حيث كونها من آداب العزاء في العرف والعادة أو من أظهر أفرادها ونحوه .
و الا لخرج ما ليس منها مما لا اشكال في رجحانه شرعاً وعرفاً كاللطم والضرب على الصدور ونحوهما مما جرت عليه سيرة المتشرعة من الخواص فضلا عن العوام ولو لا كونه مدلولا عليه بما يعمه شرعاً لما جرت عليه العادة والسيرة .
على أن ذلك انما يتجه على تقدير شمول أدلة كراهة لبس السواد للبسه في هذا المقام بهذا العنوان وقد عرفت أنه في حيز المنع لظهورها في كراهته من حيث كونه لبس الاعداء وزيهم لا من حيث كونه لبس سواد فيكون الممنوع عنه لبسه بعنوان التلبس بلبسهم والتزيي بزيهم ولو باختياره للِّبس والملابس من بين سائر الالوان الغير المتحقق مع كون المقصود منه التلبس بلباس المصاب المعهود كما عرفت في العرف والعادة من قديم الزمان للتحزن به على مولانا الحسين ( ع ) كما يرشد اليه ما مر من حديث لبس نساء أهل البيت السواد في مأتمه عليه السلام بعد قتله بمرأى من مولانا زين العابدين صوات الله عليه ومسمعه بنحو ما مرت الاشارة اليه .
وحيث لا تشمله أدلة الكراهة بقى رجحانه من حيث دخوله

ارشاد العباد الى استحباب لبس السواد 49

في العنوان المندوب بعمومه بلا شرعاً بلا معارض معتضداً بقاعدة التسامح في أدلة السنن التي لا مجال للتأمل في جريانها في مثل المقام الغير المشمول لادلة الكراهة من وجه أصلا .
هذا مع أنه ورد في غير واحد من الاخبار (1) أنه ما ادهنت هاشمية على ما نقل منا أهل البيت ولا اكتحلت ولا رؤى دخان من بيوتهم بعد قتله عليه السلام الى خمس سنين حتى بعث المختار رضوان الله عليه برأس الكافر الفاجر عبيد الله بن زياد الى زين العابدين عليه السلام فغيروا بأمره عليه السلام حينئذ ما كانوا عليه وهو كما ترى يدل على رجحان كل ما يدخل في عنوان شعار الحزن والتحزن عليه الصلاة والسلام وتعظيم مصيبته الذي منه ترك اللذائذ في أيام مأتمه ومصيبته (2) لان ذلك كله بمرأى

(1) في البحار ص 206 ص 207 ج 45 من الطبعة الحديثة في طهران عن ابان بن عثمان عن زرارة : قال : قال أبو عبد الله ( ع ) يازرارة ان السماء بكت على الحسين أربعين صباحاً بالدم وان الارض بكت اربعين صباحاً بالسواد وان الشمس بكت أربعين صباحاً بالكسوف والحمرة وان الجبال تقطعت وانتثرت وان البحار تفجرت وان الملائكة بكت اربعين صباحاً على الحسين وما اختضبت منا امرأة ولا ادهنت ولا اكتحلت ولا رجلت حتى اتانا رأس عبيد الله بن زياد لعنه الله : وما زلنا في عبرة بعده : الحديث وهو طويل أخذنا منه موضع الحاجة فلاحظ .
(2) كما تقتضيه القاعدة لمن فقد محبوبه العزيز عليه وكما ورد في الاخبار الكثيرة في كيفية زيارته ( ع ) من ان الزاير لمرقده يلزم أن يكون كثيراً حزيناً مكروباً مغيراً جائعاً عطشاناً فلاحظ وراجع ص 130 و 131 من كامل الزيارات
وفيه ايضاً ص 108 عن أبي عمارة المنشد قال : ما ذكره الحسين ( ع ) عند ابي عبد الله ( ع ) في يوم قط فرأى ابو عبد الله ( ع ) يقول الحسين ( ع ) عبرة كل مؤمن انتهى .
ارشاد العباد الى استحباب لبس السواد 50

ومسمع من سيدهم الامام ابي الائمة عليه وعليهم السلام مع تضمنه لترك الاكتحال الذي هو من المستحبات سيما من النساء ذوات الازواج ونحوه من التزين المطلوب منهن لازواجهن بل لترك أكل اللحوم الظاهر من عدم رؤية الدخان من بيوتهن في هذه المدة مع شدة كراهة تركه اربعين صباحاً كما في بعض الاخبار (1) بل في بعضها أنه من دأب الرهبانية المنسوخ في هذه الشريعة وأعظم من ذلك ما روى من ان رباب (2) زوجة مولانا الحسين عليه السلام لم تزل ما دامت حية بعد شهادته تجلس في حرارة الشمس الى أن تقشر جلدها وذاب لحم بدنها حتى لحقت بسيدها فترق عليها الصديقة الصغرى أخت مولانا الحسين ( ع )

(1) ففي الوسائل ج 4 ص 672 باب 46 قال ( ع ) من لم ياكل اللحم أربعين يوماً ساء خلقه ومن ساء خلقه فأذنوا في اذنه فلاحظ وراجع كتاب الاطعمة والاشربة منه ومن غيره من كتب الأخبار .
(2) ففي الكامل لابن اثير ج 4 ص 36 من الطبعة الاولى في مصر وبقيت ( يعني الرباب ) بعده ( يعني بعد قتل مولانا الحسين ) سنة لم يظلها سقف بيت حتى بليت وماتت كمداً هذا وفي الكافي المطبوع بهامش مرآة العقول ج 5 ص 372 عن الصادق ( ع ) لما قتل الحسين ( ع ) أقامت امرأته الكلبية عليه مأتماً وبكت وبكين النساء والخدم حتى جفت دموعهن وذهبت فبينا هي كذلك اذ رأت جارية من جواريها تبكي ودموعها تسيل فدعتها فقالت لها : مالك أنت من بيننا تسيل دموعك ؟ قالت اني لما اصابني الجهد شربت شربة سويق قال : فأمرت بالطعام والاسوقة فاكلت وشربت واطعمت وسقت وقالت انما نريد بذلك ان نتقوى على البكاء على الحسين ( ع ) انتهى محل حاجة .
ارشاد العباد الى استحباب لبس السواد 51

وتسألها الجلوس مع النسوة في المأتم تحت الظلال فتأبى ذلك وتقول لها اني آليت على نفسي ما دمت حية أن لا استظل عن حرارة الشمس منذ رأيت سيدي الحسين في حرارة الشمس .
أترى أن ذلك كان مما يخفى على الامام عليه السلام أو أنه كان يمنعهن من ذلك ولم يمتثلن منعه لا سبيل الى شيء منهما بل انما هو لكونه داخلا في عنوان شعار الحزن والتحزن عليه عليه السلام ومن تعظيم المصيبة التي هي أعظم جميع المصائب :
وكيف كان فقد بان من ذلك كله انه لا وجه للحكم بكراهة لبس السواد في مصيبة سيد شباب أهل الجنة ارواحنا له الفداء بقصد التلبس بلباس الحزن المتعارف من قديم الزمان كما هو المفروض تمسكاً بعموم أدلة كراهته ولا لجعل معارضتهما من قبيل معارضة دليل حرمة الغناء ودليل رجحان رثاء مولانا الحسين عليه السلام كما هو صريح خالي العلامة أعلى الله مقامه لسلامة رجحان لبسه في المقام عن معارضته بأدلة الكراهة من وجوه شتى كما وقفت عليها وعمدتها عدم دخوله في موضوع أدلة الكراهة فلا يكون حينئذ من قبيل معارضة دليل حرمة الغناء المحرم ذاتاً مطلقاً من حيث كونه غناء ودليل رجحان رثائه بطريق الغناء ولو أشعر بعض الاخبار بتعليل تحريمه بكونه مورثاً للفساد من حيث كونه مطرباً الا أنه ليس بحيث يدور الحكم معه وجودا وعدماً اجماعاً منا على الظاهر المصرح به كذلك في ألسنة الاصحاب قديماً وحديثاً :
فما رجحه شيخنا المحدث البحراني قدس سره في حدايقه من رجحان لبسه في ماتم مولانا الحسين عليه الصلاة والسلام ومصيبته

ارشاد العباد الى استحباب لبس السواد 52

هو الاظهر لكن لا لتخصيصه أدلة الكراهة كما هو قضية قوله لايبعد استثناء لبس السواد في مأتم الحسين عليه السلام معللا باستفاضة الاخبار بشعار الحزن عليه عليه السلام مؤيداً له بالحديث الذي رواه عن خالنا العلامة المجلسي رحمه الله المتضمن للبس نساء بني هاشم السواد بعد قتله اذ هو انما يتجه على تقدير شمول عموم أدلة الكراهة لمثله ودخوله في موضوعها وقد عرفت عدمهما فال حاج معه الى استثناء المذكور الذي لا يخلو على تقديره عن نوع تأمل واشكال لان التعارض بينهما حينئذ تعارض العامين من وجه .
والمطلوب فيه الرجوع الى المرجحات السندية او غيرها ثم الاخذ بأحدهما المخير مع فرض التعادل والتساوي بينهما لا التخصيص الذي هو فرع كون أحدهما اخص من الاخر مطلقاً (1) وبالجملة التأمل

(1) لا يخفى ان استفادة الحدائق قده الدالة على رجحان لبس السواد في مأتم مولانا الحسين ( ع ) واستثنائه من عموم أدلة الكراهة انما هو لاجل العمومات الدالة على رجحان اظهار الحزن على الحسين ( ع ) لا الاستثناء بدليل خاص لفظي مثل ان يقول مثلا يكره لبس السواد الا في عزاء الحسين ( ع ) او يستحب حتى يكون المستثنى في هذا الفرض خارجاً عن المستثنى منه حكماً وعليه فالتعارض بينهما بالعموم من وجه محكم ولابد في مثله من الرجوع الي المرجحات السندية أو البراءة على ما هو المحرر في محله : نعم يمكن ان يقال ان من لبس الهاشميات السواد في مأتمه ( ع ) يظهر أن الكراهة تكون في غير هذه الصورة فيكون فعلهن بمنزلة التخصيص او الاستثناء لعموم دليل المنع كما يظهر حجية فعلهن من تقرير الامام ( ع ) لهن بعدم المنع من لبسه اياهن كما لا يخفى هذا وقد ظهر من كلام سيدنا المؤلف قده في المتن
ارشاد العباد الى استحباب لبس السواد 53

في مساق أدلة الكراهة بعد ضم بعضها الى بعض يقضي بما اخترناه وكان والدي العلامة أعلى الله مقامه في أواخر أمره وعمره يرى حسن التلبس بهذا اللباس في أيام مأتم مولانا الحسين ( ع ) (1) المعودة وندبيته



ان لبس السواد في مأتم الحسين ( ع ) خارج عن عموم دليل المنع تخصصاً الفرض عدم شمول الكراهة له لو كان المقصود به التحزن على مولانا الحسين سيد شباب أهل الجنة أرواحنا لتراب حافر فرسه الفداء كما لا يخفي فلاحظ .
(1) أقول : ذهب جماعة كثيرة من علمائنا الاعلام وفقهائنا الكرام الى استحباب لبس السواد في مأتم مولانا الحسين ( ع ) قولا وفعلا : كالفقيه المحدث البحراني في حدايقه كما عرفت والفقيه الدربندي قده في اسرار الشهادة ص 60 من طبع طهران سنة 1264 والعلامة الفقيد السيد اسماعيل العقيلي النوري قده في ج 2 من وسيلة المعاد في شرح نجاة العباد ص 170 وشيخنا المحدث النوري في مستدرك الوسائل وشيخنا الفقيه الرباني الشيخ زين العابدين المازندراني الحائري قده المتوفي سنة 1309 في رسالته الشهيرة المسماة بذخيرة المعاد ص 620 من طبع بمبئي سنة 1298 وشيخنا الفقيه التقي الشيرازي الحائري قده حيث لم يعلق عليها في هذا الخصوص بشيء حيث ان الرسالة محشاة بحاشيته ومقورئة عليه وشيخنا العلامة المجاهد الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء في حاشيته على العروة والعلامة الفقيه الشيخ محمد علي النخجواني في الداعات الحسينية وبعض معاصرين سلمه الله في شرح الشرايع ص 141 ج 6 : هذا ولسيدنا العلامة السيد حسن الصدر أعلى الله مقامه رسالة في هذا الباب يظهر من اسمها انه ذهب فيها الى الاستحباب لانه سماها ( بـ ) تبيين الرشاد في لبس السواد على الائمة الامجاد هذا : واما من كان يلبسه في طيلة هذين الشهرين فجماعة من علمائنا الكملين منهم العلامة الفقيه الزاهد الحاج آغا حسين الطباطبائي القمي قده كما
ارشاد العباد الى استحباب لبس السواد 54

فتوى وعملا الى أن انتقل الى رحمة الله بعكس ما كان عليه سابقاً



كان يلبسه في أيام الفاطمية ايضاً كما حدثني بذلك ولده العلامة المعاصر سلمه الله ومنهم سيد فقهاء عصره آية الله العلامة السيد محسن الطباطبائي الحكيم اعلى الله مقامه صاحب المستمسك كما حدثني شيخنا محيي الدين المامقاني دام ظله ومنهم العلامة الفقيه الورع التقي السيد ميرزا مهدي الحسيني الشيرازي الحائري قدس الله سره وبحظيرة القدس سره المتوفي في الحائر الشريف سنة 1380 هجري وكان رحمه الله من أجلة علمائنا الامامية علماً وعملا كما حدثني بذلك ولده الفاضل المعاصر السيد محمد سلمه الله ومنهم سيد فقهاء عصرنا الاعلم الافقه السيد ابو القاسم الموسوي الخوئي دامت بركاته كما حدثني بعض اصحابه وتلامذته سلمه الله تعالى ومنهم حجة الاسلام الشيخ يوسف الخراساني قده وقد رأيته أنا بأم عيني يلبسه في طيلة الشهرين وغيرهم مما يطول المقام بذكرهم قال العلامة البارع الجامع لمراتب الفضل والنبل الشيخ ابو الفضل الطهراني قده في شفاء الصدور ص 324 من طبع بمبئي سنة 1309 ما هذا نصه ( ولبس ) جامه سياه وسياه ‎‎‎‎پوشي خانه ها اؤ بابت قيام بوظيفه عزاداريست وتعظيم شعار واحياي أمر ائمه وأدلة كراهة لبس ثياب سود با اين كه در بعض آنها اشعار بترك سنت بني عباس است كه شعار خود را سواد كرده بودند حكم في نفسه ولولا المعارض باملاحظ طريان عنوان عزاداري وماسعدت عرف اين زمان بر اختيار سياه براي عزا سخن داريم لهذا جماعتي از فقهاء مثل صاحب جواهر وغيره فتوى داده اند در باب حداد كه بر معتدة بعد وفات واجب است ولازم او ترك تزين است بملابس مصبوغة كه اين بحسب عادات مختلف مي شود وظيفة آنست كه او لباس عزا پوشد خواه سياه باشد يا غير او ودر بعض أخبار وارد است كه حضرت صادق روز عاشورا جامه سفيد پوشيده بود وبعضي فقهاي معاصرين باين عمل كرده در روز عاشورا بالخصوص جامه سفيد پوشيده بيرون آمده

السابق السابق البداية التالي التالي