عصمة الحوراء زينب (عليها السلام) 33

التعمّق بمعرفة أهل البيت ( عليهم السلام ) وندع الدنيا لأهلها، فنقول إذا جاؤوا لنا بجديد في علومهم البشرية علينا أن نأتي بجديد وعميق في العلم الإلهي والنبوي والولوي، فإنّ زيادة المعرفة والعلم تعطي الإنسان الأدب والخضوع والخشوع والمودّة والإطاعة، ومن ثمّ ينال الإنسان القرب من الله ويفوز بسعادة الدارين. إذن لا بدّ أن نتكلّم عن زينب الكبرى ولا بدّ أن نتعمّق في شخصية زينب وأن نعرفها معرفة جمالية، لأنّ الأئمة (عليهم السلام) هم الذين حثّونا على ذلك وقالوا : « نزّلونا عن الربوبية ، وقولوا فينا ما شئتم ولن تبلغوا ، وكلّ ما تقولوا فينا إنّما هو معشار عشر » (1) ، نعم إنّنا لا نبلغ كنههم كيف نصفهم ونحن في وصف الجنّة التي هي مكان لهم ولشيعتهم في حيرة ؟ هذا ما أكّده الحديث الشريف : « إنّ في الجنّة ما لا عينٌ رأت ولا اُذن صمعت ولا خطر على قلب بشر » (2) ، فكيف نعرف سادات الجنّة (3) لا نعرفهم إلاّ من خلال أقوالهم ، فهو ( عليه السلام ) الذي قال عن نفسه: « أنا النقطة التي تحت الباء » ، فبالنقطة تبدأ الحروف والأعداد، والخطّ المستقيم الذي هو أقصر خطّ ما بين

(1) بحار الأنوار 26: 6، كما للاُستاذ رسالة بعنوان (جلوة من ولاية أهل البيت) يذكر فيها وجوه هذا الحديث الشريف في موسوعته (رسالات إسلامية ـ الجزء الخامس).
(2) رسالات إسلامية ; للسيّد الاُستاذ، الجزء الخامس ، جلوة من ولاية أهل البيت: 13.
(3) هذه العبارة مراده فيها الحديث الشريف في فضل الحسنين(عليهما السلام) حينما قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في حقّهما « الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة وأبوهما خيرٌ منهما » سنن ابن ماجة في باب فضائل أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وجاء في سنن الترمذي 2 : 306 ، وجاء في مسند أحمد بن حنبل، وغيرها...
عصمة الحوراء زينب (عليها السلام) 34

نقطتين يبدأ بنقطة وينتهي بها ، وهكذا عليّ ( عليه السلام ) هو البداية والنهاية (1) ، فكلّ ما تقول فيه أو في ابنته زينب الكبرى هو معشار العشر من فضله وفضلها ، فهي صاحبة الفضل علينا كما أنّ الأرض تثبت بوجود الحجّة وبيمنه يُرزق الورى، فلذلك نقول: « اللهمّ عرّفني نفسك ، فإنّك إن لم تعرّفني نفسك لم أعرف رسولك ، اللهمّ عرّفني رسولك فإنّك إن لم تعرّفني رسولك لم أعرف حجّتك ، اللهمّ عرّفني حجّتك فإنّك إن لم تعرّفني حجّتك ضللت عن ديني ، اللهمّ لا تمتني ميتة الجاهلية » (2) ، فلنلتجئ إلى الله تعالى ليعرّفنا نفسه ورسوله وحجّته في زمن كثرت فيه الشبهات والإشكالات والضلالات وعدم الالتفاف حول الحقائق ، اللهمّ لا تمتني ميتة الجاهلية(3) ، وهذه زينب الكبرى لنقف على أعتابها ونستلهم من روحها العلم والمعرفة فهي التي تعرّفنا الله تعالى .
والحمد لله ربّ العالمين.

(1) كما للاُستاذ كتاب مفصّل عن هذا الحديث « عليّ نقطة باء البسملة » وهو مطبوع. (2) هذا الدعاء يسمّى بدعاء الغيبة الوارد في مفاتيح الجنان للمحدّث القمّي. (3) هذا إشارة إلى الحديث المتّفق عليه : « من مات ولم يعرف إمام زمانه فقد مات ميتةً جاهلية » .
عصمة الحوراء زينب (عليها السلام) 35

(المحاضرة الثالثة)

بعد البسملة والحمد والصلاة :
لا زلنا وإيّاكم في رحاب عصمة الحوراء زينب ( عليها السلام ) ، لا زلنا في روضة العلم والنور ، وذكرنا في ما سبق شيئاً من المعرفة وأهمّيتها في حياة الإنسان ، وقلنا بأنّها كلّي تشكيكي أي أنّ لها مراتب طولية وعرضية ، وتختلف من حيث الشدّة والضعف.
وهذه المراتب التي تمّ ذكرها هي اُمّهات المراتب إذا صحّ التعبير ، فأوّلها المرتبة الجلالية ، ثمّ المعرفة الجمالية ، وآخرها المعرفة الكمالية . فعندما نريد تعريف أيّ شيء لا بدّ أن نعرفه بالمعرفة الجلالية أي بذكر صفاته السلبية وذكر حدوده، وإذا أردنا أن نعرفه بالمعرفة الجمالية فنعرفه بذكر صفاته الجمالية ، وإذا أردنا أن نقف على كنهه وذاته فهذا يتمّ بالمعرفة الكمالية .
وفي دعاء سحر شهر رمضان المبارك إشارة إلى هذه المعارف الثلاثة في قوله ( عليه السلام ) : « اللهمّ إنّي أسألك من جلالك بأجلّه وكلّ جلالك جليل، اللهمّ إنّي أسألك بجلالك كلّه ، اللهمّ إنّي أسألك من جمالك بأجمله وكلّ جمالك جميل اللهمّ إنّي أسألك بجمالك كلّه ، اللهمّ إنّي أسألك من كمالك بأكمله وكلّ كمالك كامل اللهمّ

عصمة الحوراء زينب (عليها السلام) 36

إنّي أسألك بكمالك كلّه » (1)، وذكرنا أيضاً أنّه كما تتقدّم البشرية في العلوم الحديثة والعصرية ، فمن العدل الإلهي أن يتقدّم العلماء الإلهيون في العلوم الإلهية أيضاً ، فإذا لمسنا تأخّراً في العلوم الإلهية فليس هذا التأخّر من جهة الفاعل وإنّما هو من جهة القابل ، أي أنّ القصور في المتلقّي وإلاّ فالعلماء الإلهيون على درجة عالية من الفاعلية للفيض (2) على من يريد معرفة العلوم الإلهيّة، وذكرنا أيضاً أنّ للإنسان علوم معاشية ، فلا بدّ له من علوم معادية أيضاً، وقلنا إنّ العلوم المعادية تنحصر بحسب ما جاء في الحديث الشريف في علوم ثلاثة(3) ، تبعاً لحاجة الإنسان إليها ، فالعلم الأوّل الذي هو علم العقائد والذي يسمّى عند أهل الفنّ بعلم الكلام (4) ، هو الذي يعتني بكمال العقل وتربيته والترقّي فيه إلى الدرجات العلى ، والعلم الثاني هو علم الأخلاق وهذا يهتمّ ببناء الروح الإنسانية وتهذيبها وصيقلة القلب وتزكيته ، والعلم الثالث هو علم الفقه فوظيفته تربية البعد المادّي والروحي معاً

(1) مفاتيح الجنان : أعمال شهر رمضان ، دعاء السحر .
(2) إنّ العلماء لهم القدرة على العطاء والإفاضة على من يريد تحصيل هذه العلوم بشرط استعداده لتلقّيها .
(3) إشارة إلى الحديث الذي تقدّم « إنّما العلم ثلاثة : آية محكمة ، وفريضة عادلة ، وسنّة قائمة ، وما خلاهن فضل ... » .
(4) عُرّف علم العقائد بعلم الكلام لدواعي متعدّدة منها أنّ العلماء عندما بحثوا في أنّ كلام الله تعالى هل هو مخلوق أو قديم وهل إنّ كلامه كلام نفسي أو إيجاد الكلام في الأشياء وصار في هذه الأبحاث خلاف كبير أدّى إلى محاربة بعضهم البعض فسمّي البحث في العقائد بعلم الكلام للغلبة في ذلك، وهناك وجوه ستّة اُخرى ذكرها سيّدنا الاُستاذ في ( دروس اليقين في معرفة اُصول الدين ) المجلّد الأوّل من موسوعته الكبرى ( رسالات إسلامية ) فراجع .
عصمة الحوراء زينب (عليها السلام) 37

للإنسان أي يهتمّ بتربية البدن وفيه نصيب للروح والعقل أيضاً .
وعلم العقائد كما تعلمون هو علم اُصول الدين أي يعتني يمعرفة المبدأ والمعاد (1) وما بينهما من النبوّة والإمامة ومن صفات الله تعالى كالعدل الإلهي، أي يكون البحث فيه عن الله تعالى وعن فعله وعن إرسال الرسل للناس وإنزال الكتب ونصب الإمام من قبل الله تعالى، وعلم الأخلاق : يبحث عن الأخلاق الحميدة والحثّ عليها وذكر آثارها الدنيوية والاُخروية ، وذكر الأخلاق الذميمة والنهي عنها والترفّع عن التلبّس بها وذكر آثارها أيضاً ، وعلم الفقه : يبحث عن فروع الدين كالصلاة والصوم والحجّ وغيرها وبيان فلسفة هذه التكاليف ومعرفة آثارها كالاقتصادية المتمثّلة بدفع الزكاة وأداء الخمس وكالاجتماعية المتولّدة عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك، وكذلك يبحث عن المعاملات بالمعنى الأعمّ والأخصّ .
فهذه العلوم التي فصّلنا الحديث فيها هي العلوم التي تنفع الإنسان فيما لو علمها، وتضرّه فيما لو جهلها . ربما يسأل السائل لماذا هذا التعمّق في هذه العلوم ؟ فنجيب عن هذا التساؤل ، بأنّنا قد ذكرنا قول الإمام السجّاد ( عليه السلام ) وذكرنا أنّ من العدل الإلهي أن تتساوى على أقلّ التقادير كفّتي العلم البشري والعلم الإلهي ، فإذا استطاع الإنسان من خلال علومه البشرية تسخير الفضاء والصعود إلى الكواكب الاُخرى ، فلا بدّ له أيضاً من تسخير الروح الإنسانية والصعود فيها إلى أعلى

(1) المبدأ والمعاد هما مصطلحان في علم الكلام ويراد بالأوّل إثبات وجود وتوحيد الله تعالى وما يتعلّق ببحث التوحيد ويراد بالثاني ما يتعلّق بيوم الحساب ويوم المعاد الذي ترجع فيه الناس للحساب .
عصمة الحوراء زينب (عليها السلام) 38

درجات الكمال والرفعة، فإذن لا بدّ من التعمّق في اُصول الدين وفي الأخلاق وفي الفقه ، ولا بدّ من التعمّق في معرفة القرآن الكريم وكلمات أهل البيت ( عليهم السلام ) ، فبهذه المعرفة وبهذا العمق يزداد الإنسان عملاً ، فإنّه جاء في الحديث الشريف : « المعرفة تدلّ الإنسان على العمل والعمل على المعرفة » (1). فعلى هذا القول يتّضح لنا أنّ هناك ارتباطاً وثيقاً بين معرفة الإنسان وعمله .
وإذا عرفنا السيّدة زينب ( عليها السلام ) بمعرفة جمالية بعدما كنّا نعرفها بمعرفة جلالية ، تلك المعرفة التي يعرفها بها الوضيع والشريف والجاهل والعالم ، وتجد الجميع عندما يدخل إلى حرمها يعظّمها ويحترمها ، ولو كان إنساناً غير متأدّب بالآداب الدينية ، فنراه يقبّل الضريح والباب حبّاً وتعظيماً ولسان حاله يقول:
وما حب الديار شغفن قلبي ولكن حبّ من سكن الديارا

نراه يعرف عظمة زينب وأهل زينب ( عليهم السلام ) ، ولكن هذه الزيارة السطحيّة غير كافية في أن تمنع هذا الإنسان من المعصية ، لأنّها بُنيت على معرفة جلالية ، ولذلك تجد ذلك الرجل المسيحي (2) عندما يكتب عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ويعرف أنّ عليّاً رجل عظيم شديد العدل ولشدّة عدله قتل في المحراب ، لكنّه لا يترك مسيحيّته، ولم يتمسّك بنهج علي ( عليه السلام ) مع أنّه يعترف بعظمة علي وسموّ علي وجلال علي ( عليه السلام ) ، إلاّ أنّه يبقى على مسيحيّته ، فمعرفة هذا الرجل هي معرفة

(1) عن حسين الصيقل قال : سمعت أبا عبد الله ( عليه السلام ) يقول : « لا يقبل الله عملا إلاّ بمعرفة، ولا معرفة إلاّ بعمل، فمن عرف دلّته المعرفة على العمل ... » ، الكافي 1: 94 .
(2) الكاتب العربي المسيحي المعروف جورج جرداق في كتابه ( الإمام علي صوت العدالة الإنسانية ) .
عصمة الحوراء زينب (عليها السلام) 39

جلالية ، ثمّ تراه يقول في حقّ نهج البلاغة إنّه كلام دون الخالق وفوق كلام المخلوق ، ولكن مع ذلك لا تجده يوالي أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في عقيدته ، ولا يتّبعه في سلوكه وأفعاله ، فهذا دليل على أنّ معرفته لم تصل إلى رتبة المعرفة الجمالية التي لها الأثر الكبير في علاقة العارف بأهل البيت ( عليهم السلام ) ، وهكذا معرفة البعض لزينب ( عليها السلام ) فإنّه يعرفها أنّها شقيقة الإمام الحسين ( عليه السلام ) وهي البطلة التي تحدّت الطغاة في عصرّها وعلّمت الأجيال كيف يعيش الإنسان حرّاً، وهي التي كان لها الدور الأكبر والأوسع في نشر ثورة الحسين ( عليه السلام ) لكنّه مع ذلك لا يتورّع عن النظر إلى المرأة الأجنبية وهو في حرم زينب ( عليها السلام ) ، وهذا ينطبق على كلّ عارف بزينب معرفة جلالية إذا لم يكن هناك ورع ومانع للمعصية ، ومن جهة اُخرى لو خلّيناه ومعرفته الجلالية فإنّها غير كافية عن منعه من ارتكاب المعصية.
إنّ المذياع ومكبّرات الصوت في الصحن والحرم الشريف يكرّر مراراً بقوله : على الشباب أن لا يكونوا في قسم النساء من الصحن الشريف، لهو دليل على أنّ الداخل إلى الحرم الشريف لا يراه حرماً ولا يراه شريفاً ، وإلاّ كيف يجرؤ على المعصية ، إنّه لشيء عجيب، مسلم غيور يحتاج إلى منعه عن سوء الأدب في الحرم الشريف ، إلى تنبيه، بل إلى وجود رجال شرطة وأمن ، من هذا الذي يحتاج إلى ذلك؟ المسلم الغيور لا يحتاج إلى ذلك ، والشيعي الحقيقي لا يحتاج إلى ذلك، مع أنّ الكلّ يحترم زينب (عليها السلام) لكنّ المعرفة متفاوتة ، فمنهم يعرفها بمعرفة جلالية فقط، فلذلك لا يتورّع عن المعصية ، ولو كان عارفاً بحقّها معرفه جمالية لصدرت منه أعلى درجات التقديس لصاحبة المكان ، وتراه يدخل إلى حضرتها خاشعاً متأدّباً بآداب المكان ، وتتجلّى فيه الآية الكريمة :
« قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أزْكَى لَهُمْ إنَّ

عصمة الحوراء زينب (عليها السلام) 40

اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أبْصَارِهِنَّ » (1). فهذا الغضّ البصري فيه دلالة على أنّ الداخل عارف بجمال زينب ( عليها السلام ) وعلوّ قدرها ، لكن هل يستطيع الإنسان أن يعرف ذات زينب وحقيقتها ؟ نقول قد يرتقي الإنسان إلى معرفة زينب ( عليها السلام ) إلى أعلى درجات المعرفه الجمالية ولكنّه ربما لا يمكن له أن يقف على الذات الزينبية إلاّ من كان محيطاً بها كالمعصومين ( عليهم السلام) .
فإذا عرف الإنسان أنّ المعرفة تدلّه على العمل، وأنّ هناك ارتباط وثيق بين المعرفة والعمل ، تجده حينها يغتنم كلّ الفرص لينهل من المعارف الإلهيّة لما يؤهّله أن يكون الأفضل في يوم القيامة ، لأنّ الفضل على درجة المعرفة، وهذا ما أشار إليه إمامنا الصادق ( عليه السلام ) بقوله : « ليس الفضل بالصلاة والصوم والحجّ وإنّما الفضل بالمعرفة » (2) فربما يحجّ المرء ولا يعرف الحقّ وربما يحجّ ولا يعرف إمام زمانه ، فمثل هذا الحجّ لا ينفع ، لأنّ الله سبحانه ابتلى الإنسان ليرى من هو أحسنهم عملا لا من هو أكثرهم عملاً ، فالتعرّف إلى كيف العمل لا إلى كمّ العمل، حتّى أنّه ورد في كتاب الكافي أنّه يستحبّ قلّة العمل (3) ، لأنّ كثرة العمل ربما تؤدّي إلى العجب أو

(1) النور : 30 ــ 31 .
(2) إشارة إلى الحديث الشريف في ميزان الحكمة ــ كلمة عرف .
(3) إشارة إلى الحديث الشريف عن حنان بن سدير، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إنّ الله عزّ وجلّ إذا أحبّ عبداً فعمل قليلا جزاه بالقليل الكثير ... اُصول الكافي 2: 92 ، وعنه ( عليه السلام ) عن عليّ بن الحسين ( عليه السلام ) يقول : « إنّي لاُحبّ أن اُداوم على العمل وإن قلّ » ، وهناك أحاديث كثيرة في هذا الباب ــ اُصول الكافي 2: 88.
عصمة الحوراء زينب (عليها السلام) 41

إلى الرياء والسمعة ، ولهذا أيضاً يعتمد علماء الأخلاق على حسن العمل ولكن لكي يكون العمل حسناً لا بدّ من شروط ، وأهمّ هذه الشروط حسن العقيدة ، أي أنّ أوّل الشروط: الإيمان حيث أنّ العمل بلا إيمان لا ثواب فيه ولا قيمة له (1) ، فإذن الكفر يحبط العمل مهما كان هذا العمل كثيراً وكبيراً (2) ، وخير شاهد على ذلك ما حصل للشيطان ذلك العابد الذي تعجّبت من عبادته الملائكة إلاّ أنّه في لحظة غرور وعجب أنهى كلّ شيء ، واضطرّ لمطالبة الله تعالى بأجره الدنيوي، فأعطاه الله تعالى أجره حيث أنظره إلى يوم معلوم (3) ، وهكذا كلّ من يعمل عملا جبّاراً لا ثواب له في الآخرة طالما هو كافر، وترى ذلك واضحاً في هذا العالم الذي خدم البشرية خدمةً لا يستهان بها وأقصد بذلك ( أديسون ) مكتشف الكهرباء ، إنّما أجره حصل عليه في الدنيا ، فكلّما بقيت الكهرباء ونفعت بقيت ذكرى أديسون قائمة إلى حين ، وأمّا في يوم القيامة فإنّه يحبط العمل بالكفر ، لأنّ حسن العمل مشروط بالإيمان .

(1) في هذا إشارة إلى الآيات الكريمة في سورة العصر حيث تقول السورة : « وَالعَصْرِ * إنَّ الإنسَانَ لَفِي خُسْر * إلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ » ( العصر : 1 ــ 3) ، ولم تكتفِ الصورة بقوله تعالى : « إلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا » ، كما أنّها لم تكتفِ فقط بالإيمان بل أردف ذلك بالعمل الصالح « وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ » بل « وَتَوَاصَوْا بِالحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر » ِ.
(2) إشارة إلى الحديث الشريف عن أبي اُميّة يوسف بن ثابت، قال : سمعت أبا عبد الله ( عليه السلام ) يقول : « لا يضرّ مع الإيمان عمل ، ولا ينفع مع الكفر عمل ... » الكافي 2 : 453 .
(3) إشارة إلى الآية الكريمة التي تبيّن المحاورة بين الله سبحانه والشيطان الذي طلب من ربّه أجره فقال كما في الآية الشريفة : « قَالَ أنظِرْنِي إلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ إنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ » ( الأعراف : 14 ــ 15 ) .
عصمة الحوراء زينب (عليها السلام) 42

الشرط الثاني ــ العلم والمعرفة : فإنّ العالم خيرٌ من العابد الجاهل(1) حتّى لو عبد الله تعالى ليل نهار فإنّ عمله لا يرتقي إلى مستوى عمل العالم، فلذلك قال أمير المؤمنين روحي فداه: «قصم ظهري اثنان: جاهل متنسّك، وعالم متهتّك»، فترى الذي قصم ظهر أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ذلك العابد الجاهل لأنّ حسن العمل بالمعرفة ، وحسن العقيدة بالمعرفة ، والفضل بالمعرفة .
الشرط الثالث ـ التقوى : لأنّ الله تعالى لا يتقبّل من الفاسق :
« إنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ المُتَّقِينَ »(2) . وإن كان العمل مسقطاً للتكليف ، ولكن قبول العمل غير سقوط وجوبه ، فصلاته قد أسقطت التكليف لكن لا تكون مقبولة(3)، ولا ناهية عن الفحشاء والمنكر، ولا معراجاً إلى السماء، ولا تكون هذه الصلاة الفارغة عن المضمون قرباناً، لأنّ الصلاة قربان كلّ تقيّ ومعراج كلّ مؤمن، ففي هذه الصلاة الفارغة لا يحسّ بالمعراجيّة إلى الله سبحانه .

(1) إشارة إلى أحاديث كثيرة في هذا المعنى ، ومنها قوله ( صلى الله عليه وآله ) : « فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر » ، قصار الجمل للمشكيني 2 : 62 ، ولا يكون للعالم فضل على العابد إلاّ إذا كان العابد ليس بعالم .
(2) المائدة : 27 .
(3) إشارة إلى الأحاديث التي تبيّن أنّ الصلاة إذا كانت فارغة المضمون ليس لها قيمة تذكر كما جاء عن الإمام الصادق (عليه السلام): «إنّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر » ، قال الصلاة حجزة الله وذلك أنّها تحجز المصلّي عن المعاصي ما دام في صلاته . وكما في قوله ( عليه السلام ) : « أوّل ما يحاسب به العبد الصلاة ، فإن قبلت قبل سائر عمله وإذا ردّت ردّ عليه سائر عمله » ــ قصار الجمل 1: 387 ــ 388.
عصمة الحوراء زينب (عليها السلام) 43

إذا عرج بالنبيّ (صلى الله عليه وآله) في ليلة إلى السماء، فإنّ المؤمن يعرج في كلّ صلاة إلى الله تعالى، وهذا ما يؤكّده الحديث الشريف: «الصلاة معراج المؤمن»، فالنبيّ (صلى الله عليه وآله)عرج به إلى السماء ورأى ما رأى عند سدرة المنتهى، وما كذب الفؤاد ما رأى .فلماذا لا نرى في صلاتنا شيئاً ، إذا كانت الصلاة معراج المؤمن ؟
فالجواب واضح جدّاً وهو أنّ الحجب التي بيننا وبين الملكوت هي الحائل دون الرؤية. ونجد أنّ نبيّ الله إبراهيم (عليه السلام) حينما طلب من ربّه رؤية الملكوت، تفضّل عليه ربّه وأراه ملكوت السماوات والأرض(1) أي اراه ظاهر وباطن كلّ شيء ، لأنّ لكلّ شيء ظاهر وباطن حتّى الجنّة والنار لهما ظاهر وباطن ، مع أنّ من الأشياء ظاهره الرحمة وباطنه الغضب ، وربما العكس ظاهره الغضب وباطنه الرحمة.
فظاهر هذه الأشياء التي أمامنا تسمّى بالملك وباطنها يسمّى بالملكوت ، ولهذا نرى الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) في دعائه يقول : « اللهمّ أرنا حقائق الأشياء » (2) ، يعني اللهمّ أرنا ملكوت الأشياء وأرنا هذه الحالة التي تعمّ جميع الكون وهي تسبيح هذا الكون لبارئه ، إلاّ أنّنا لا نفقه تسبيحهم بسبب الذنوب التي صارت حجاباً بيننا وبين هذا التسبيح ، فكلّ شيء يسبّح ويهلّل لله سبحانه وتعالى ، وذلك في سيره التكاملي في حركته الجوهرية ، وكلّ شيء يمشي لكي يصل إلى معشوقه الأوّل وهو الله تعالى ، وهذا التسبيح هو مقام الجلال ، والحمد لله هو مقام

(1) إشارة إلى الآية الكريمة : « وَكَذَلِكَ نُرِي إبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ المُوقِنِينَ » (الأنعام: 75).
(2) إشارة إلى الدعاء الوارد في الصحيفة السجّادية للإمام زين العابدين (عليه السلام).
عصمة الحوراء زينب (عليها السلام) 44

الجمال ، والشواهد والقصص في هذا الباب كثيرة ، فإنّ أحد أولياء الله تعالى يسمع حفيف الشجر ويسمع من خلاله التهليل والتسبيح ، وذلك من ضرب الورق بعضه ببعض، فيمكن للإنسان أن يصل إلى هذه المرحلة ، فلا تعجب من ذلك ، فقد اتّفق الفريقان ــ السنّة والشيعة ــ على أنّ الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله ) قال في الحديث القدسي عن الله تعالى : « العبد يتقرّب إليَّ بالنوافل حتّى اُحبّه فإذا أحببته أكون سمعه الذي به يسمع، وبصره الذي به يبصر، ويده التي بها يبطش » ، فيكون سمعه سمع الله ، وبصره بصر الله ، ويده يد الله ، ويد الله فوق أيديهم ، ينقل أنّ شابّاً اشتكى عند عمر ابن الخطّاب على أبي الحسن عليّ بن أبي طالب أسد الله الغالب ( عليه السلام ) بأنّه ضربه في السوق فاحمرّ وجهه ، فقال عمر : يا أبا الحسن ، لِمَ ضربته ؟ قال : لأنّه نظر إلى امرأة أجنبية ورأيت ذلك منه ، فضربته كي يمتنع عن هذا ، فقال عمر بن الخطّاب : عين الله رأت ويد الله ضربت . هذه معرفة عمريّة ، فكيف بالمعرفة العلويّة ، فأكثر أولياء الله وصلوا إلى هذا المقام، وكلّ أحد له أن يصل إلى هذه المرحلة سيّما الشباب، فإنّه يكفيهم التحرّك بقدمين: القدم الاُولى أن يضعها على النفس (1) ، والقدم الثانية في الجنّة ، فإنّ في مخالفة الهوى ومخالفة النفس الجنّة ، وهذا ما أشارت إليه الآية الكريمة :
« وَأمَّا مَنْ خَافَ مَـقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّـفْسَ عَنِ الهَوَى * فَإنَّ الجَـنَّةَ هِيَ

(1) مراد السيّد الاُستاذ أن يسحق المؤمن العاقل هوى النفس ويضع جميع شهواتها تحت قدمه لكي ينتصر على هواه ويخالفه ، فإنّ في مخالفته دخول الجنّة، وكما في الآية الشريفة : ( وَأمَّا مَنْ خَافَ مَـقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّـفْسَ عَنِ الهَوَى * فَإنَّ الجَـنَّةَ هِيَ المَأوَى ) ( النازعات : 40 ــ 41) .
عصمة الحوراء زينب (عليها السلام) 45

المَأوَى»(1).
والجنّة يمكن رؤيتها لأنّها من الملكوت ، وكلّما وصل الإنسان إلى الرتبة التي تؤهّله لرؤية الملكوت فإنّه يراها ، وخير شاهد على ذلك الرجل الذي جاء إلى اُستاذنا ( قدس سره ) وهو رجل قروي يقول : عندما قمت إلى صلاة الليل نظرت إلى السماء وإذا بي أرى عرش الله تعالى، وقطعاً إنّه رأى العرش المسمّى وليس العرش الإسمي (2)، وهذا يتمّ بشروطه ، التي هي حسن العمل ، والعلم والمعرفة ، والتقوى ، لأنّ الله سبحانه إنّما يتقبّل من المتّقين .
الشرط الرابع ــ الولاية : جاء في الحديث الصحيح في مناقب عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) لابن المغازلي : « لو عبد الإنسان ربّه بين الركن والمقام في الليل والنهار حتّى يكون كالشنّ البالي قائماً ليله صائماً نهاره ولم يوالي عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) فإنّه لا يقبل منه » (3) ، فحسن العمل ولاية أهل البيت ( عليهم السلام ) ، فهذا هو الذي جعل العدوّ يشهد لعليّ ( عليه السلام ) بقوله (4):
قـسـمــاً بــمـكّة والحظيم وزمزم والراقصـات وسـعيهنّ إلى منى
بــغـــض الـوصيّ علامة مكتوبة كـتبت على جبهات أولاد الزنى
مـن لـم يوالي في البريّة حيدراً سـيّـان عـنـد الله صلّى أم زنى

(1) النازعات: 40 ـ 41 .
(2) تفصيله في كتاب ( الإمام الحسين ( عليه السلام ) في عرش الله ) للسيّد المحاضر ، وهو مطبوع .
(3) مناقب عليّ بن أبي طالب ; لابن المغازلي ، وللسيّد الاُستاذ بحث مفصّل عن الولاية في كتابه القيّم ( هذه هي الولاية ) المجلّد الخامس من موسوعة ( رسالات إسلامية ) فراجع .
(4) قال ذلك أحد العباسيين ، وهو الناصر العباسي .
عصمة الحوراء زينب (عليها السلام) 46

فحسن العمل يعتمد على المعرفة والتقوى والإيمان والولاية ، إذن من عرف أهل البيت ( عليهم السلام ) حقّ المعرفة فإنّه لا يرتكب ذنباً ، وكذلك من عرف الله تعالى وأنّه يرى عمله كما أنّ رسوله والمؤمنون الذين هم أهل البيت ( عليهم السلام ) يرون الأعمال(1) ، وقد يراه أيضاً الأمثل فالأمثل أي من كان قريباً من الأئمة كزينب الكبرى وإن كانت هذه الرؤية جزئية وليست كلّية ، فإنّه لا يقدم على أيّ ذنب حياءً وخجلا ممّن يرى ، فإذا عرفنا أنّ الإمام الحجّة ( عليه السلام ) تُعرض عليه الأعمال في كلّ خميس واثنين (2) ، وتيقّنّا ذلك وآمنّا به ، فعندها لا يمكن أن يصدر منّا ذنباً .
وهكذا فإنّ من يدخل إلى حرم السيّدة زينب الكبرى ( عليها السلام ) وهو يعلم أنّها تراه ، فإنّه لا يعصي الله سبحانه خجلا منها واحتراماً لها ، فتكون زينب ( عليها السلام ) سبباً في منعه عن المعصية ، لأنّ الدخول في رحابها يجعل الداخل في عالم آخر، ولكن لو دخل إليها ومع كلّ ذلك عصى ربّه وأساء الأدب في الحرم الزينبي ، فهذا مثله مثل اُولئك الذين قالوا لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ما لنا يا رسول الله عندما نجلس إليك وتحدّثنا عن الدنيا نزهد فيها ونتوجّه إلى الله ، ولكن إذا خرجنا منك ولقينا

(1) إشارة إلى الآية الشريفة: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالمُؤْمِنُونَ ) ( التوبة : 105 ) .
(2) إشارة إلى الحديث الشريف عن النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) : « تعرض أعمال الناس كلّ جهة مرّتين، يوم الاثنين ويوم الخميس ، فيغفر لكلّ عبد مؤمن إلاّ من كانت بينه وبين أخيه شحناء ، فقال اتركوا هذين حتّى يصطلحا » ، قصار الجمل : 72. وهناك أحاديث كثيرة تشير إلى عرض العمل في يومي الخميس والاثنين .
عصمة الحوراء زينب (عليها السلام) 47

الأهل والأولاد نسيناً كلّ ذلك فأدركنا يا رسول الله لعلّنا صرنا من المنافقين ، فأجابهم النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) : « لولا هيام الشياطين على قلوبكم لرأيتم ما أرى ، ولسمعتم ما أسمع » .
ومن الشواهد على هذا وصيّة سيّدنا الاُستاذ المرعشي النجفي رحمة الله عليه إلى ولده السيّد محمود، يقول : « ولدي محمود ، إنّي من خلال الأوراد والأذكار وصلت إلى مقام أسمع ما لا يسمعه غيري ، وأرى ما لا يراه غيري » (1) ، وكثير معي عاصروا هذا السيّد الجليل فليس الكلام عن هذا من المثاليات ، بل هو قدوة حاضرة ، فإذن لا بدّ من المعرفة والعمق فيها لنزداد عملا حسناً ، ونحصل على سلوك أخلاقي رفيع ، ولكي نزداد خضوعاً وخشوعاً وتقرّباً إلى الله تعالى ، لا بدّ من معرفة أهل البيت ( عليهم السلام ) والتعمّق في معرفتهم ومعرفة مقامهم الشامخ ، لأنّهم الوسيلة إلى الله تعالى ، ولكن إنّما تتمّ المعرفة من خلالهم ، بل حتّى لو أردنا معرفة القرآن الكريم فلا بدّ أن يكون من طريقهم وهذا ما يؤيّده حديث الثقلين المتواتر عند الفريقين في أنّ النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) قال : « إنّي مخلّف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض » (2) ، فهما لن يفترقا في كلّ شيء فمتى ما كان القرآن الكريم كان ترجمانه معه ، لأنّ القرآن الكريم هو القرآن الصامت التدويني ، وأهل البيت ( عليهم السلام )

(1) كما جاء في كتاب السيّد الاُستاذ العلوي ( قبسات من حياة سيّدنا الاُستاذ ) .
(2) هذا الحديث جاء في كتب الفريقين ، أخرجه الترمذي 5 : 338 ، الحديث 3874 ، وفي ينابيع المودّة : 33، كنز العمّـال : 153، وغيرها من الكتب السنّية المعتبرة ، وهو عندنا من باب أولى .
عصمة الحوراء زينب (عليها السلام) 48

هم القرآن الناطق العلمي (1) ، وإنّي أرى أنّ القرآن كان قبل خلق الإنسان ، ويدلّ على ذلك ما جاء في سورة الرحمن في قوله تعالى :
« الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ القُرْآنَ * خَلَقَ الإنسَانَ * عَلَّمَهُ البَيَانَ » (2) .
فالإنسان يكون بين علمين علم القرآن وعلم البيان ، بل إنّ الإنسان خلق بين علم القرآن وعلم بيان القرآن، ولكن لا بدّ للقرآن من مبيّن ألا وهم أهل البيت (عليهم السلام) ومن حذا حذوهم من العلماء الصالحين، وبما أنّنا عرفنا أنّ أهل البيت لن يفترقوا عن القرآن ، فيلزم أن يكونوا مع القرآن في أوّل وجوده ، وبهذا يكونوا قد سبقوا الخلق بوجودهم.
فإذا اردنا أن نعرف القرآن فلا بدّ أن يكون من خلالهم ( عليهم السلام ) ونعرفهم من خلال القرآن، ولا نقول كما قال غيرنا حسبنا كتاب الله، ولا نقول كما قالوا : حسبنا أهل البيت (عليهم السلام) (3) ، بل نقول القرآن مع أهل البيت لن يفترقا، ولهذا الترابط الوثيق نجد أهل البيت ( عليهم السلام ) يحثّون شيعتهم على عرض أقوالهم وأحاديثهم على القرآن الكريم ، فما وافق القرآن نأخذ به، وما خالفه نضرب به عرض الجدار ،

(1) لأنّ للقرآن مراتب ووجودات متعدّدة ومن مراتبه القرآن العيني الذي يترتّب عليه الأثر وهم أهل البيت ( عليهم السلام ) .
(2) الرحمن : 1 ــ 4 .
(3) أوّل من قال ذلك هو عمر بن الخطّاب في مرض النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) عندما طلب منهم ( صلى الله عليه وآله ) دواة وكتف ليكتب لهم كتاب وحصل نزاع بين القوم بين من يؤيّد إحضار الدواة والكتف وبين من لا يؤيّد ذلك ، فحسمها عمر بقوله هذا : « حسبنا كتاب الله » ، أي لا حاجة بنا إلى غيره ، ولا نقول إنّ أهل البيت (عليهم السلام) يغنونا عن كتاب الله تعالى لأنّهما لن يفترقا فلا بدّ من التمسّك بهما لا بأحدهما دون الآخر .

السابق السابق الفهرس التالي التالي