موسوعة عبدالله بن عباس- الحلقة الاولى - الجزء الخامس 194

« فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاّ الضَّلالُ » (1)، « وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ » (2).
- أمّا عن تهكمه واستخفافه بالنبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فحسبك ما رواه السيّد ابن عقيل في النصائح الكافية نقلاً عن كتاب المعمّرين لأبي حاتم السجستاني ـ وهذا ممّا ابتلعته بطون الآثام وهو بعض جنايات الأقلام فلم يذكر في المطبوع من كتاب المعمرين بتحقيق عبد المنعم عامر ط دار احياء الكتب العربية سنة 1961 وكم له من نظير ـ قال في أثناء محاورة ذكرها لمعاوية مع المعمّر أمد بن أبد الحضرمي قال: «قال معاوية: أرأيت هاشماً؟ قال: نعم والله طوالاً حسن الوجه، يقال انّ بين عينيه بركة، قال: فهل رأيت أمية؟ قال: نعم رأيته رجلاً قصيراً أعمى يقال انّ في وجهه لشراً أو شؤماً، قال: أفرأيت محمداً؟ قال: ومن محمّد؟ قال: رسول الله، قال: أفلا فخّمت كما فخّمه الله فقلت رسول الله؟»(3).
« وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنْ الْمُجْرِمِينَ » (4)

خاتمة السوء:

لقد طال الكلام حول أباطيل الدكتور إبراهيم عليّ شعوط الاستاذ بجامعة الأزهر فيما يتعلق بجملة مفتريات على ابن عباس ساقها شعوّط وقد تبع فيها ابن كثير وابن عبد ربه وأضرابهما ممّن زكموا بحب معاوية حتى غلب الزكام على

(1) يونس /32.
(2) الأنعام /93.
(3) النصائح الكافية /118 ط الحيدرية.
(4) الفرقان /31.
موسوعة عبدالله بن عباس- الحلقة الاولى - الجزء الخامس 195

الأفهام « أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ » (1).
والآن نختم الكلام مع شعوط بآخر ما في جعبته من افتراء على ابن عباس في حقّ معاوية وابنه يزيد:
فقد قال في كتابه: «وهذه شهادة أخرى لابن عباس (رضي الله عنه) في معاوية، نقلها ابن عبد ربه فقال: سئل عبد الله بن عباس عن معاوية فقال: سما بشيء أسرّه، واستظهر عليه بشيء أعلنه، فحاول ما أسرّ بما أعلن فناله، كان حلمه قاهراً لغضبه، وجوده غالباً لمنعه، يصل ولا يقطع، ويجمع ولا يفرّق، فاستقام له أمره، وجرى إلى مدته. قيل: فأخبرنا عن ابنه؟ قال: كان في خير سبله، وكان أبوه قد أحكمه، وأمره ونهاه فتعلق بذلك، وسلك طريقاً مذللاً له (المختار من العقد الفريد ص2343ط وزارة الثقافة والارشاد، هامش الكتاب) »(2).
ويبدو أنّ شعوّط استروح الرجوع إلى المختار من العقد ـ وهو اختيار لجنة من علماء وأدباء مدرّسي مدرسة القضاء الشرعي ـ صحّحه وراجعه الاستاذ محمّد محمود، هكذا كتب على ظهر الطبعة الثانية من الكتاب وقد طبعته المكتبة المحمودية التجارية بمصر سنة 1389، ولدى الرجوع إلى هذه الطبعة فلم أقف على النص في الكتاب، ولعل تفاوت الطبعات نتيجة لتلاعب من لا حريجة له في الدين، ومهما يكن فإنّ الرجوع إلى المصدر الثانوي الحديث مع وجود المصدر الأوّل القديم أمرٌ معيب لا يُغفر عند الباحثين. وقارنت بين النص في العقد الفريد - وهو في الجزء الرابع ص363 تح ـ أحمد أمين ورفيقيه - وبين ما نقله شعوّط

(1) الحج /46.
(2) أضاليل يجب أن تمحى من التاريخ /232.
موسوعة عبدالله بن عباس- الحلقة الاولى - الجزء الخامس 196

فلم أجد فارقاً يذكر سوى قوله في يزيد: «كان في خير سبله» عند شعوط، بينما الموجود في العقد الفريد: «كان في خير سبيله» وأخاله الصحيح، ومع غض النظر عن هذه الملاحظات فإنّ النص مرسل لا يُعلم من رواه، ولا من أين نقله ابن عبد ربه، ولم أقف عليه عند غيره فيما بحثت. ولعل الباحث المتتبع يجده فيفيدنا مشكوراً.
وإذا تجاوزنا ذلك أيضاً والإشارة إلى ظاهر أثر الصنعة عليه فنقول: إنّ النص على فرض صحته ـ وأنّى ذلك ـ فليس فيه ما يدل على فضل معاوية وابنه يزيد من جديد، فإنّ وصف معاوية بأنّه كان ويسرّ ويبطن خلاف ما يعلن، ويعلن غير ما يبطن، وبذلك بلغ مراده وأحكم قياده، فهذا وصف له بالمكر والخديعة والنفاق، فهو بالذم أظهر منه بالمدح لأنّ ذلك من صفات المنافقين الّذين ذمّهم الله سبحانه في كتابه بقوله « يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ » (1).
وأمّا ما ورد من وصفه بالحلم والجود، فأحسبه على أحسن تقدير من تزيد الرواة، وعلى أسوء تقدير فمن غير المقبول والمعقول نسبته إلى ابن عباس للمجافاة والمنافاة مع طبيعته، إذ كيف يمكن تصديق النص بأن ابن عباس وصف معاوية بالحلم وهو في محاوراته الّتي نيّفت على العشرين، وهو في لقاءاته طيلة حكم معاوية لم تبدر منه يوماً بادرة رضى عليه، ولم يقصر عن قولة حقّ يصك بها سمعه، فيردُ معاوية أحياناً كثيرة بالتهديد والوعيد، إلاّ انّه يصادف سيلاً يدمغه، وحجة تقمعه، فيتراجع مخذولاً، فأين هو الحلم الّذي يصفه به ابن عباس فيما يزعمون؟ ألا يكفي موقف معاوية بالأمس بصفين وهو يريد قتل

(1) البقرة /9.
موسوعة عبدالله بن عباس- الحلقة الاولى - الجزء الخامس 197

الإمام وابن عمه وجميع من كانوا معه في نفي الحلم عنه؟ أليس ذلك الموقف كان حجة الأعمش وسفيان بن عيينة في نفي الحلم عنه؟ فهل كان ابن عباس دونهما فهماً وعلماً؟ ألم يقل معاوية: «ما أعد نفسي حليماً بعد قتلي حجراً واصحاب حجر»(1) ومعلوم تاريخياً أنّ قتل حجر كان سنة إحدى وخمسين من الهجرة، وفحوى ما نسب إلى ابن عباس من الوصف كان بعد عشر سنين تقريباً وفي أيام يزيد بعد عهد معاوية الّذي هلك سنة 60 من الهجرة، وتولى ابنه بعده، وكم جرائم رآها وشتائم سمعها تبعد وصف الحلم عن معاوية.
وأمّا وصفه بالجود فيكفي في تكذيبه حوار ابن عباس معه وقد مرّ قريباً حيث لحقه إلى الروحاء ليأخذ عطاء بني هاشم وقد حرمهم معاوية لعدم مبايعة الإمام الحسين (عليه السلام) ليزيد، فأخذه ابن عباس بعد تهديد ووعيد فراجع.
وأمّا نسبة وصف يزيد بأنّه كان في خير سبيله وكان أبوه قد أحكمه وأمره ونهاه فتعلق بذلك وسلك طريقاً مذللاً له فأحسن ما أراه لو صحت الأنباء هو حكاية واقع حال، فقد وطأ له أبوه المسالك، وذلّل المصاعب بارتكاب الموبقات والمهالك، وتعجبني كلمة طه حسين فقد قال: «وكان يزيد فتى من فتيان قريش صاحب لهو وعبث، محباً للصيد، مسرفاً على نفسه في لذاته، مستهتراً لا يتحفظ وكان ربّما أضاع الصلاة، فأخذه أبوه بالحزم، وأغزاه الروم، وأمّره على الحج، يمهد بهذا كلّه لتوليته العهد، فلمّا رأى من سيرة يزيد ما أرضاه، حزم أمره وأعلن تولية يزيد عهده، وكتب في ذلك إلى الآفاق...
وكذلك استقر في الإسلام لأوّل مرة هذا الملك الّذي يقوم على البأس والبطش والخوف، والّذي يرثه الأبناء عن الآباء، وأصبحت الأمة كأنها ملك

(1) تاريخ اليعقوبي 2/206 ط الغري.
موسوعة عبدالله بن عباس- الحلقة الاولى - الجزء الخامس 198

لصاحب السلطان ينقله إلى من أحبّ من أبنائه، كما ينقل إليه من سائل المال وجامده... اهـ»(1).
ثمّ كيف لنا أن نصدّق شعوّط عن ابن عبد ربه عن مرسل الأنباء بأنّ ابن عباس قال ذلك في معاوية وابنه، ورأي ابن عباس في معاوية ومن يواليه من آله وبنيه، وصحبه ومواليه، معروف لا يقبل التأويل.
فهم عنده القاسطون(2) وقد قال الله تعالى: « وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا » (3)، وهم عنده من حزب إبليس(4) وقد قال الله تعالى: « وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ » (5)، وقال تعالى: « إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِير » (6)، وهم عنده من الكفّار(7)، ولا أقول كفّار نعمة، بل كفّار تنزيل وتأويل

(1) الفتنة الكبرى 2/247 ط دار المعارف.
(2) راجع محاورة الشامي مع ابن عباس في المصادر التالية: المحاسن والمساوي للبيهقي 1/30، وكتاب الهمة في اداب اتباع الأئمة للقاضي نعمان ن س ط القاهرة، واليقين لابن طاووس /106 و 129، وفضائل ابن شاذان /106ط حجرية، والدر النظيم مخطوط، ومصباح الأنوار مخطوط، وقارن بحار الأنوار 8/464 و 5/294 ط حجرية، وتمام المحاورة تأتي في الحلقة الثانية ان شاء الله.
(3) الجن /15.
(4) راجع مستدرك الحاكم 3/149 فقد روى عن رواته عن ابن عباس قال قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف، فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس). قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرّجاه.
أقول: ومخالفة معاوية وبني أمية لأهل بيته ظاهرة العيان، غنية عن اقامة البرهان. وحسبك دليلاً على مدى بغضه انّه لم يطق سماع اسم عليّ وكنيته وقد قال لابن عباس في ابنه عليّ لك اسمه وقد كنيته أبا محمّد العقد الفريد 5/103.
(5) سبأ /20.
(6) فاطر /6.
(7) راجع كنز العمال 12 / 203 ط حيدر اباد الثانية فقد روى عن الدار قطني في الإفراد عن ابن عباس مرفوعاً عنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: (عليّ بن أبي طالب باب حطة من دخل منه كان مؤمناً، ومن خرج منه كافراً) ولا شك أن معاوية كان خارج ذلك الباب، قال الله تعالى: « وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ * فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنْ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ » البقرة /58 - 59.
موسوعة عبدالله بن عباس- الحلقة الاولى - الجزء الخامس 199

ـ قال الله تعالى: « وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ » (1)، ومعلوم أنّ استلحاق زياد حكم بغير ما أنزل الله تعالى.
ومن شاء الاستزادة من معرفة رأي ابن عباس فليرجع إلى محاوراته ومراسلاته مع معاوية وأصحابه، فسيجد الكثير الكثير ممّا يكذّب المفتريات عليه الّتي تشدّق بها شعوّط في أضاليله المضلِلة، وقد بيّنا عوار المسندة منها والمرسلة « مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاّ كَذِبًا » (2)، « الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا » (3)، « فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ » (4).


ابن عباس ومعاوية في أكذوبة شعر النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم):

وما دمنا بعدُ نعيش تاريخ ابن عباس أيام حكم معاوية، وقد ذكرنا بعض ما افتراه الّذين لا يوقنون على ابن عباس ممّا ظنوه يرفع خسيسة معاوية، ولو بالزور والبهتان، عسى أن تنطلي تلك الأكاذيب على السذّج من الناس، وقد غفلوا أنّ حبل الكذب قصير، والباحث ناقدٌ بصير، لا يغشّه التزوير والتحوير.
وإنّي لأعجب من أئمّة الحديث أصحاب الصحاح والسنن والمسانيد كيف تهالكوا في سبيل معاوية ليثبتوا له ما ظنّوه له فضيلة، وقد مرّت بنا شواهد ذلك،

(1) المائدة /44.
(2) الكهف /5.
(3) الكهف /104.
(4) البقرة /79.
موسوعة عبدالله بن عباس- الحلقة الاولى - الجزء الخامس 200

أمّا الآن إلى أكذوبة افتراها معاوية نفسه ليزعم لنفسه نحو خدمة قام بها للنبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فيتبجح بها على من لا دربة له بحقيقة الحال، وبلغت القحة به أن استشهد عليها، وبالأحرى طلب تصديق زعمه من ابن عم النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عبد الله بن عباس، ليكون ذلك له سنداً فيما افترى. ولكن باء بالفشل، بل ساءه ما حصل، حيث كشف ابن عباس حقيقة كان معاوية ينكرها وهي مسألة التمتع بالعمرة إلى الحج فألزمه بها لو صح زعمه. وإليك الحديث عن تلك الفرية:
أخرج البخاري ومسلم والنسائي وأبو داود وأحمد والروداني والبيهقي وغيرهم في دواوينهم الحديثية، وكلّ منهم رواه أكثر من مرة وبأكثر من صورة، حتى أنّ أحمد روى ذلك أكثر من عشر مرات، وفي جل الصور يقتصرون على صدر الخبر ويحذفون ما قاله ابن عباس في آخره. لماذا؟ لأن ابن عباس الذكي الألمعي لم تخف عليه فرية معاوية، فبدل أن ينتزع منه معاوية تصديقه، بادره ابن عباس بدحض فريته ثمّ بإدانته.
فلنقرأ ذلك بلفظ مسلم في صحيحه قال ابن عباس: «قال لي معاوية أعلمتَ أني قصّرت من رأس رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عند المروة بمشقص؟ فقلت: له لا أعلم هذا إلاّ حجة عليك»(1).
فهذه رواية عند مسلم وإذا قارناها مع رواية عند النسائي نجد فرقاً واضحاً في جواب ابن عباس فقد روى النسائي بسنده: «قال معاوية لابن عباس: أعلمتَ أني قصَرت من رأس رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عند المروة؟ قال: لا، يقول ابن عباس: هذا معاوية ينهى الناس عن المتعة، وقد تمتع النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) »(2).

(1) صحيح مسلم 4/58 كتاب الحج ط صبيح بمصر.
(2) سنن النسائي 5/244 ـ 245.
موسوعة عبدالله بن عباس- الحلقة الاولى - الجزء الخامس 201

واضطرب معاوية في روايته أضطراباً فاحشاً حتى كان الناس ينكرون ذلك عليه، فمن شواهد اضطرابه: قال في رواية عند أبي داود في صحيحه والطبراني في المعجم: «في حجته»(1) وهذا ما أربك شرّاح الصحيحين، حيث أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان في حجة الوداع قارناً فلم يحل هو إلاّ بالحلق؟ بعد أداء مناسك الحج في منى. بينما أمر من كان معه ممّن لم يسق معه الهدي أن يحل، وكان منهم الزبير فأحل وسطع المجمر بينه وبين زوجته أسماء، وهو أوّل مجمر سطع يومئذ، وبذلك كان رد ابن عباس على عبد الله بن الزبير في أيامه حين أنكر على ابن عباس فتياه بالمتعة فقال له: «سل أمك عن بردي عوسجة»، وستأتي المحاورة بطولها في الحلقة الثانية إن شاء الله. فكيف يزعم معاوية أنّه قصّر من شعر رأس رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عند المروة في حجته؟ إن هذا إلاّ اختلاق.
ولرفع الإصر عنه فقد تمحّل غير واحد في توجيه ذلك، فقال الألباني في ضعيف أبي داود: «إنّ ذلك ـ يعني (في حجته) ـ ضعيف»(2)، وهذا منه دفع بالصدر من دون بيان حجة.
وقال النووي والطيبي: «إنّ ذلك ـ يعني تقصير معاوية لشعر رأس رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ـ كان في عمرة الجعرانة»(3). لأنّ عمرات النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كانت أربعاً معدودات معلومات وهي: عمرة الحديبية، وعمرة القضاء وعمرة الجعرانة، وعمرة التمتع إلى الحج مع حجة الوداع، ولمّا كان معاوية لم يسلم في العمرتين الأوليين، وإنّما أدرك العمرتين الأخيرتين لأنّه من مسلمة الفتح، لذلك رأى النووي والطيبي أنّ خبر معاوية إنّما هو في عمرة الجعرانة، وهذا لو صح لما كان معنى

(1) المعجم الكبير 19/267 ط الثانية.
(2) ضعيف سنن أبي داود /142 مكتبة المعارف الرياض.
(3) أنظر فتح الباري 4/ 313 ط مصطفى البابي الحلبي وأولاده سنة 1378.
موسوعة عبدالله بن عباس- الحلقة الاولى - الجزء الخامس 202

لإنكار ابن عباس عليه وقوله: «هذا معاوية ينهى الناس عن المتعة وقد تمتع النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) » كما مرّ.
ومن شواهد اضطرابه الدالة على كذبه ـ إذ ليس لكذوب حافظة ـ تعيين صاحب المشقص الّذي زعم أنّه استخدمه في التقصير. ففي رواية عند أبي داود والنسائي(1) وغيرهما (بمشقص اعرابي)، وفي رواية عند النسائي: «قال معاوية: أخذت من أطراف شعر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بمشقص كان معي بعدما طاف بالبيت وبالصفا والمروة في أيام العشر» (؟).
وفي رواية ثالثة عند الطبراني: «بمشقص من كنانته»(2) يعني كنانة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
ولذلك الاضطراب فقد اضطر المحدثون ستراً على معاوية فرووا (بمشقص) ولم يعيّنوا لمن هو(3)! وما بال المحدثين لم يذكروا عن المشقص في عُمرُات النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الأخرى هل كان تقصيره بمشقص أو بجَلَم ـ مقص ـ؟ وهل أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان أعدّ لنفسه من يقصّر له وما يقصّر به، أو أنّه كان تاركاً ذلك لمن يتيحه الله كما أتاح لمعاوية؟
ومن شواهد اضطرابه الدال على كذبه: انّه روى صريحاً أنّه المتولي للتقصير كما هو في البخاري ومسلم وغيرهما. بينما روى أحمد وأبو داود قوله: «أو رأيته يُقصر عنه بمشقص على المروة»(4) وهذا يعني أنّه لم يكن هو الّذي تولى التقصير.

(1) سنن النسائي 5/245.
(2) المعجم الكبير / 19/ 268 ط / الثانية بالموصل.
(3) راجع صحيح البخاري آخر باب الحلق والتقصير عند الإحلال.
(4) أنظر مسند أحمد 4/96 ط الأولى.
موسوعة عبدالله بن عباس- الحلقة الاولى - الجزء الخامس 203

وأحسب أنّ قول قيس بن سعد الراوي عن عطاء عن معاوية الخبر عند النسائي: «والناس ينكرون هذا على معاوية»(1) قول صحيح لا مرية فيه.
والآن هلم الخطب في تفسير المشقص، فإنّه سهم فيه نصل عريض (يرمى به الوحش كما في القاموس) وليس يستعمل في تقصير الشعر، ولم يسمع أنّه استعمل إلاّ من معاوية، وهذا أيضاً زاد في إرباك بعضهم، لذلك قال الملا عليّ القاري في مرقاته: «وقيل: المراد به المقص وهو الأشبه في هذا المحل»(2) (؟!) وهذا تكلف زائد بارد.
والآن وقد عرفت جانباً من التهالك على اثبات خبر معاوية، أتدري لماذا كان ذلك؟
إنّهم يريدون تصحيح ما رووه عن معاوية عند حضور أجله أوصى أن يكفّن في ثوب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الّذي زعموا إنّه كساه إياه، وكان مدّخراً عنده لهذا اليوم، وأن يجعل ما عنده من شعره وقلامة أظفاره في فمه وأنفه وعينيه وأذنيه(3).
وروى لنا الذهبي: «قال معاوية ليزيد: إنّ أخوف ما أخاف شيئاً عملته في أمرك، وإنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قلّم أظفاره وأخذ من شعره، فجمعت ذلك، فإذا مت فاحش به فمي وأنفي...»(4). وهذا أيضاً لم يحصل لأنّ معاوية مات وابنه يزيد بحوارين، وتولى كفنه ودفنه الضحاك بن قيس.
فقد روى الطبري عن رجاله أنّ معاوية لمّا مات خرج الضحاك بن قيس حتى صعد المنبر وأكفان معاوية على يديه تلوح فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال:

(1) سنن النسائي 5/245 المطبعة المصرية بالأزهر.
(2) مرقاة المفاتيح 5/552 ط دار الكتب العلمية بيروت.
(3) تاريخ ابن كثير 8/143.
(4) تاريخ الإسلام 2/323 ط القدسي بمصر.
موسوعة عبدالله بن عباس- الحلقة الاولى - الجزء الخامس 204

«إنّ معاوية.... فهذه أكفانه فنحن مدرجوه ومدخلوه قبره ومخلّون بينه وبين عمله ثمّ هو البرزخ إلى يوم القيامة، فمن كان منكم يريد أن يشهده فليحضر عند الأولى ـ يعني الظهر ـ وبعث البريد إلى يزيد...»(1). فلو كان لأصل القضية المزعومة أساس ثابت لأعلنه الضحاك، ولا أقل من الإشارة والإشادة بأنّ في أكفانه هذه ثوب كساه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأدخره لهذا اليوم، ونحن مكفنوه فيه، وأنّ ثمة شعر وقلامة ظفر (؟) ولكن القضية كلّها من نسج الهوى فلا قميص ولا شعر ولا قلامة ظفر « إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ » (2).


وجاءت سكرة الموت بالحق:

لقد مرّ بنا تهديد ووعيد لمن لم يبايع يزيد، ومرّ بنا إقامة معاوية الحرس بالسيوف على رؤوس الأربعة ممّن أبى مبايعته، وخادع الناس وضلّلهم بأنّ أولئك النفر قد بايعوا، ومرّ بنا حرمان بني هاشم من جوائزهم أسوة ببقية قريش كوسيلة ضغط على الحسين (عليه السلام) ولا أقل من بذر الخلاف بين بني هاشم لتفتيت مجتمعهم وتشتيت تضامنهم. ومرّ بنا لحوق ابن عباس له فادركه بالروحاء ـ موضع على خمسة أو ستة وثلاثين ميلاً من المدينة وبه آبار كثيرة معروفة(3) وهدده إن لم يخرج جوائز بني هاشم ليلحقنّ بساحل من سواحل الشام ويقول ما يعلم وليتركنّهم عليه خوارج، فأحسّ معاوية بخطر ذلك التهديد فانصاع وقال: بل أعطيكم جوائزكم وكان هذا الموقف آخر لقاء بين ابن عباس وبين معاوية، وآخر ما سمعه معاوية من تهديد ينذر بنجوم خطر عليه ما لم يعط بني هاشم

(1) تاريخ الطبري 5/328.
(2) آل عمران /62.
(3) المناسك تحقيق محمّد الجاسر /445.
موسوعة عبدالله بن عباس- الحلقة الاولى - الجزء الخامس 205

جوائزهم فبعث بها من الروحاء، ومضى راجعاً إلى الشام وقد أصابته اللقوة ـ داء يكون في الوجه يعوّج منه الشدق ـ لأنّه لمّا مرّ بالأبواء ـ وهو موضع منه إلى الجحفة ثلاثة وعشرون ميلاً، وبالابواء بئر تعرف بعثمان بن عفان وآبار غير ذلك(1) اطّلع في بئر عادية(2) فضربته اللقوة.
«قال الشعبي: لمّا أصاب معاوية اللقوة بكى، فقال له مروان: ما يبكيك؟ قال: راجعت ما كنت عزوفاً، كبرت سنّي ودق عظمي، وكثر دمعي، ورُميت في أحسني وما يبدو مني، ولولا هوي في يزيد لأبصرت قصدي»(3)، وفي أنساب الأشراف، والبصائر والذخائر، ومختصر تاريخ دمشق، ومحاضرات الراغب: «ولولا هواي في يزيد لأبصرت رشدي»(4)، وفي مجمع الزوائد: «ولولا هواي في يزيد أبصرت قصدي»(5)، ومثله في تطهير الجنان واللسان(6)، وفي معجم الطبراني: «ولولا هوىً مني في يزيد أبصرت قصدي»(7).
وفي فتوح ابن أعثم الكوفي: «فأخاف أن يكون عقوبة عجّلت لي لما كان مني من دفعي بحق عليّ بن أبي طالب، وما فعلت بحجر بن عدي وأصحابه، ولولا هواي في يزيد لأبصرت رشدي وعرفت قصدي»(8).

(1) نفس المصدر /454.
(2) أي قديمة، نسبة إلى عاد بن شداد من العرب البائدة.
(3) سير أعلام النبلاء 4/310 دار الفكر.
(4) أنساب الأشراف 1/28 ق 4، والبصائر والذخائر لأبي حيان 1/19، والفاضل للمبرّد /123، ومختصر تاريخ دمشق 25/78، ومحاضرات الراغب 1/155 و 2/22.
(5) مجمع الزوائد 3/355.
(6) تطهير الجنان واللسان لابن حجر الهيثمي المكي /25 ط محققة.
(7) المعجم الكبير للطبراني 19/269 ط الثانية.
(8) الفتوح 4/250.
موسوعة عبدالله بن عباس- الحلقة الاولى - الجزء الخامس 206

قال ابن حجر المكي: «وقوله: ولولا هواي...الخ، فيه غاية التسجيل على نفسه بأن مزيد محبته ليزيد أعمت عليه طريق الهدى، وأوقعت الناس بعده مع ذلك الفاسق المارق في الردى، لكنه قضاء انحتم، وقدر انبرم، فسلب عقله الكامل، وعلمه الشامل، ودهاءه الّذي كان يضرب به المثل، وزيّن له من يزيد حسن العمل وعدم الانحراف والخلل، كلّ ذلك لما أشار إليه الصادق المصدوق (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من أنّه إذا أراد الله انفاذ أمره سلب ذوي العقول عقولهم حتى ينفذ ما أراده تعالى، فمعاوية معذور فيما وقع منه ليزيد، لأنّه لم يثبت عنده نقص فيه. بل كان يزيد يدس على أبيه من يحسّن له حاله حتى اعتقد انّه أولى من أبناء بقية أولاد الصحابة كلّهم، فقدّمه مصرّحاً بتلك الأولوية الّتي تخيلها ممّن سلّط عليه ليحسّنها له واختياره للناس على ذلك، إنّما هو لظن أنّهم إنّما كرهوا توليته لغير فسقه من حسد أو نحوه، ولو ثبت عنده أدنى ذرة ممّا يقتضي فسقه بل واثمه لم يقع منه ما وقع، وكلّ ذلك دلّت عليه هذه الكلمة الجامعة المانعة وهي قوله: ولولا هواي في يزيد أبصرت قصدي...»(1).
أقول: اللّهمّ احفظ على أمة محمّد نبيّك عقولها ليميّزوا بين الحقّ والباطل، ولا تجعله عليهم متشابهاً فيهرفوا مثل ابن حجر الهيتمي دفاعاً عن معاوية وبوائقه، فالله سبحانه وتعالى يقول في كتابه المنزل على نبيّه المرسل: « إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا » (2)، وابن حجر محبّر يقول بالجبرية كما حكى الله سبحانه وتعالى عنهم بقوله: « وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا

(1) تطهير الجنان واللسان /125 ـ 126.
(2) الإنسان /3.
موسوعة عبدالله بن عباس- الحلقة الاولى - الجزء الخامس 207

بِهَا » (1)، وقد رد في محكم التنزيل تلك المقولة فقال: « إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ » (2)، وقال: « فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ النَّارِ * أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ » (3)، ورسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان يقول: (انّ الله لم يسترع عبداً برعيته الا وهو سائله عنها)(4)، أمّا ابن حجر فهو يبرر استخلاف معاوية لابنه حيث اعتقد أنّه أولى من أبناء بقية أولاد الصحابة كلّهم (؟!) يعني بما فيهم الحسين وابن عباس وابن عمر وابن الزبير وأضرابهم من الصحابة فضلاً عن أبنائهم ممّن لا يساوي يزيد شسع نعل واحد منهم في هديه وسمته.
ومع اصرار ابن حجر على تصحيح الاستخلاف حيث قال: «ولو ثبت عنده أدنى ذرة ممّا يقتضي فسقه بل وإثمه لم يقع منه ما وقع». كيف يصح هذا ومعاوية يعترف بأن استخلافه إنّما هو لهواه فيه على ما هو فيه؟ ولذلك لمّا حاق به ما كان عزوفاً عنه في مرضه عند موته فقال الكثير ممّا يُدين به نفسَه، حتى ظهر منه ما تخيلوه من الهجر والهذيان وما هو إلاّ سوء الخاتمة حيث كانت تتراءى له جرائم أعماله فيفزع ويقول ما يقول.
فقد روى البلاذري عن أبي الهيثم الرحبي قال: «قال معاوية ليزيد: ما ألقى الله بشيء أعظم في نفسي من استخلافك»(5)، فلو كان معتقداً صلاحه كما يقول ابن حجر فلماذا هذا التهويل والتسويل.

(1) الأعراف /28.
(2) الأعراف /28.
(3) ص /27 ـ 28.
(4) تطهير الجنان /60.
(5) أنساب الأشراف 1/60 ق 4.
موسوعة عبدالله بن عباس- الحلقة الاولى - الجزء الخامس 208

وروى ابن قتيبة ـ في حديث معاوية ويزيد ـ: «قال معاوية: وقد علمت أني تخطأت الناس كلّهم في تقديمك ونزلتهم لتوليتي إياك، ونصبتك إماماً على أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وفيهم من عرَفت، وحاولت منهم ما علمت»(1).
وحسب القارئ في تكذيب ابن حجر نفسه ما ذكره هو في كتابه تطهير الجنان واللسان من وصية معاوية لابنه لمّا حضره الموت قال ليزيد: «قد وطأتُ لك البلاد وفرشتُ لك الناس، ولست أخاف عليك إلاّ أهل الحجاز فإن رابك منهم ريب فوجّه اليهم مسلم بن عقبة المرّي فإني جرّبته»(2).
وروى البلاذري في أنسابه(3)، وابن الأثير في الكامل(4) عن الوليد بن مسلم انّه قال: «معاوية يهذي في مرضه ويقول كم بيننا وبين الغوطة؟ فقالت ابنته: واحزناه فأفاق وقال: إن تنفري فقد رأيتُِ منفَرا».
وروى البلاذري أيضاً: «إنّ معاوية لمّا احتضر جعلوا يقلّبونه فيقول أيّ جسد يقلّبون إن نجا من ابن عدي ـ يعني حجر بن عدي ـ»(5).
وفي رواية ابن كثير قال: «إن نجاه الله من عذاب النار غداً»(6).
وفي رواية الطبري عن ابن سيرين قال: «فبلغنا أنّه لمّا حضرته الوفاة جعل يُغرغر بالصوت ويقول: يومي منك يا حجر طويل»(7).

(1) الإمامة والسياسة 1/160 مط الأمة بمصر سنة 1328 هـ.
(2) تطهير الجنان واللسان /60.
(3) أنساب الأشراف 1/152 ق 4.
(4) الكامل في التاريخ 4/3 ط بولاق.
(5) أنساب الأشراف 1/266 ق 4.
(6) تاريخ ابن كثير 8/142.
(7) تاريخ الطبري 5/257 ط دار المعارف.

السابق السابق الفهرس التالي التالي