موسوعة عبدالله بن عباس- الحلقة الاولى - الجزء الخامس 381

وأحسب تحريفا في ذلك والصحيح ما ذكره ابن سعد في الطبقات بسنده عن عكرمة قال: «سمعت معاوية بن أبي سفيان يقول: مولاك والله أفقه من مات ومن عاش. وليس يعني ذلك قاله بعد موته»(1).

سادساً: ضرب ابن الحنفية فسطاط على قبره:

لقد ذكر غير واحد من المحدثين والمؤرخين(2) أنّ محمّد بن الحنفية أمر بضرب فسطاط على قبر ابن عباس ثلاثة أيام. وهو لم يكن بدعاً في ذلك، فقد صنعه من قبل عمر بن الخطاب فقد مرّ على حفّارين يحفرون قبر زينب في يوم صائف فقال: لو اني ضربت عليهم فسطاطاً، وكان أوّل فسطاط ضرب على قبر بالبقيع، وقد صار ذلك سنّة لمن بعده، فعمله عثمان مع عمه الحكم وكان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد لعنه وطرده إلى الطائف فأعاده عثمان أيام خلافته، ولما مات صلّى عليه وضرب على قبره فسطاطاً(3).
وصنعته عائشة مع أخيها عبد الرحمن بن أبي بكر، فإنّها قدمت ذي طوى حين رفعوا أيديهم عن عبد الرحمن بن أبي بكر، فأمرت بفسطاط فضرب على قبره، ووكّلت به إنساناً وارتحلت(4). وقد ذكره البخاري في صحيحه في الجنائز؟(5) وأربك ذلك شراح صحيحه في تلمس المناسبة بينه وبين الباب.

(1) الطبقات الكبرى 2/319 تح ـ د. عليّ محمّد عمر ط 1 الخانجي بمصر.
(2) راجع طبقات ابن سعد ومصنف عبد الرزاق والمعجم الكبير للطبراني والاستيعاب وأنساب الأشراف وذخائر العقبى في ترجمة ابن عباس. وقارن الإرشاد لأبي يعلى القزويني 1/185 تح ـ محمّد سعيد عمر ادريس ط الرياض وغيرها.
(3) الهداية والإرشاد في معرفة أهل الثقة والسداد للكلاباذي 2/715 ط دار المعرفة في ترجمة مروان.
(4) فتح الباري 3/466 ط مصطفى محمّد.
(5) صحيح البخاري كتاب الجنائز باب /81 باب الجريد.
موسوعة عبدالله بن عباس- الحلقة الاولى - الجزء الخامس 382

كما صنعته فاطمة بنت الحسين (عليه السلام) مع زوجها الحسن بن الحسن بن عليّ ابن أبي طالب فقد ضربت على قبره فسطاطاً سنة كاملة(1). وهذا ذكره البخاري أيضاً في صحيحه في الجنائز(2)، وتلمّس له ابن حجر في فتح الباري المناسبة بينه وبين عنوان الباب(3).
ومهما يكن فقد كان ضرب الفسطاط على القبر معروفاً ومألوفاً، ولم ينقل انكاره الا عن ابن عمر أنكر ضربه على قبر عبد الرحمن بن أبي بكر وقال للغلام انزعه فإنما يظله عمله، ولعل انكاره ذلك لحاجة في نفسه لم يبدها لهم، وإلا لماذا لم ينكر ذلك يوم ضرب عثمان فسطاطاً على قبر الحكم الطريد اللعين؟ وقد نهى أبو سعيد الخدري أن يضربوا على قبره فسطاطاً(4).
كما روى أحمد في المسند(5) والبيهقي في سننه(6): «انّ أبا هريرة قال حين حضرته الوفاة: لا تضربوا على قبري فسطاطاً».
وهذا يدل أيضاً على أنّ ضرب الفسطاط من السنن العرفية، فما رواه ابن حجر في اعتذاره عن ايراد البخاري لخبر الفسطاط الّذي ضربته فاطمة بنت الحسين تلو عنوان (باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور) غير وجيه، فقد

(1) مستدرك الحاكم 3/651 ط دار الكتب العلمية تح ـ مصطفى عبد القادر والسنن الكبرى للبيهقي 4/4.
(2) صحيح البخاري كتاب الجنائز باب /61 (ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور).
(3) فتح الباري 3/443، وذكره ابن حجر أيضاً في كتابه تعليق التعليق 2/482 ط الأردن عمان سنة 1405 وابن أبي الدنيا في كتاب الهواتف 2/92 تح ـ مصطفى عبد القادر عطا مؤسسة الكتب الثقافية بيروت سنة 1413 هـ.
(4) المستدرك للحاكم 3 / 651 ط دار الكتب العلمية تح ـ مصطفى عبد القادر والسنن الكبرى للبيهقي 4/ 4.
(5) مسند أحمد 15/39 تح ـ محمّد شاكر.
(6) السنن الكبرى 4/21.
موسوعة عبدالله بن عباس- الحلقة الاولى - الجزء الخامس 383

قال: «ومناسبة هذا الأثر لحديث الباب أنّ المقيم في الفسطاط لا يخلو من الصلاة هناك فيلزم اتخاذ المسجد عند القبر، وقد يكون القبر في جهة القبلة فتزداد الكراهة»(1). ومهما يكن تعليله العليل، فلا شك في أنّ الميت ينتفع بوجود من يبقى عند قبره لما يتلوه من قرآن ودعاء وحتى الصلاة، كما يستدعي توافد الناس على المصاب للتعازي والسلوان. وفي ذلك إعزاز للميت وتخفيف من ألم فقده على أهله.


سابعاً: أخطاء يجب التنبيه عليها:

لئن ظلم ابن عباس في حياته بتجاهل قدره من قبل أعدائه الأمويين والزبيريين، فقد لاحقه الظلم بعد وفاته من قبل الرواة والمؤرخين، فقد نحمّل تبعات ما أسميناه بالظلم الرواة أكثر ممّا نحمّله على المؤرخين، خاصة أولئك الرواة الّذين أدركوا ابن عباس فشاهدوه، ثمّ هم رووا لنا تاريخ حياته. فقد ذكروه وأطروه علماً وفهماً وسيرة وسلوكاً، ثمّ هم سكتوا عمداً أو غير عمد عمّا له مزيد أثر في ضبط تاريخه، فجرى المؤرخون على نحو ما رواه الراوون. ومن ذلك على سبيل المثال الاختلاف في سنة ولادته كما مرت الإشارة إليه في الجزء الأوّل، والآن وجدنا الاختلاف في سنة وفاته يتبع بعضه ما تقدم وبعضه الآخر حدث جديداً. ومن ذلك أيضاً الأختلاف في مكان وفاته. وكأنّ الاختلاف في ضبط ولادة ووفيات الأعلام سنة جارية، فمن راجع تاريخ الرسول الكريم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يجد ذلك في ولادته وهجرته ووفاته. وكذلك في تواريخ الإمام أمير المؤمنين وفاطمة الزهراء والحسنين (عليهم السلام)، وحتى في أبي بكر وعمر وعثمان نجد نحو ذلك الاختلاف. فلا بدع لو أخذ تاريخ ابن عباس نصيبه من ذلك الاختلاف.

(1) فتح الباري3/443.
موسوعة عبدالله بن عباس- الحلقة الاولى - الجزء الخامس 384

والآن إلى نماذج من تلك الأخطاء نتيجة ذلك الإختلاف:
أوّلاً- في سنة الوفاة.
لقد ذكر ابن سعد في طبقاته في ترجمته وأحمد بن حنبل والواقدي والطبري في تاريخه والحاكم في المستدرك وابن عساكر وابن كثير وغيرهم: أنّ وفاته كانت سنة 68، وهذا هو المشهور عند الحفاظ كما يقول ابن كثير.
غير أنّ ثمة أقوال شاذة وغريبة ذكرها مترجموه منها، وقيل: سنة ثلاث وسبعين، وقيل: سنة سبع وستين، وقيل: تسع وستين، وقيل: سنة سبعين. وأغرب منها جميعاً ما رواه الحاكم بسنده عن شعبة مولى ابن عباس قال: «وتوفي ابن عباس سنة ثمان وسبعين وهو ابن احدى وثمانين سنة»(1).
قال ابن كثير في تاريخه: «والأوّل أصح، وهذه الأقوال كلّها شاذة وغريبة ومردودة والله سبحانه وتعالى أعلم»(2).
وليت الرواة الّذين ذكروا ذلك ذكروا لنا اليوم والشهر ممّا لم ترد عنهما أي إشارة في كتاب، بالرغم من كثرة فحصي الكثير عن ذلك. نعم يمكن أن نستفيد من آخر نص قد أورده الذهبي في ترجمة محمّد بن الحنفية في كتابه سير أعلام النبلاء نقلاً عن الواقدي جاء فيه: «...ثمّ خرجوا إلى الطائف، وبها توفي ابن عباس وصلّى عليه محمّد، فبقينا معه فلمّا كان الحج وافى محمّد بأصحابه فوقف، ووقف نجدة بن عامر الحنفي في الخوارج ناحية، وحجت بنو أمية على لواء»(3). فمن هذا النص عرفنا أنّ موت ابن عباس كان قبل أيام الحج من سنة68هـ.

(1) المستدرك على الصحيحين 3/544.
(2) تاريخ ابن كثير 8/308.
(3) سير أعلام النبلاء 5/144.
موسوعة عبدالله بن عباس- الحلقة الاولى - الجزء الخامس 385

ثانياً- في مكان الوفاة:
ما كنت أحسب أن يشذ أحد في تعيين مكان الوفاة، لشهرة موته بالطائف ودفنه بوادي وجّ بالطائف وشاهد قبره قائم إلى سنة 1217هـ حيث هدمه الوهابيون، غير أنّ أبا بكر بن أبي عاصم ذكر أنّ ابن عباس مات بمكة، حكاه عنه غير واحد، قال المحب الطبري في الذخائر: «خرّجه ابن الضحاك»(1)، وأغرب منه ابن الطقطقي أورد اسم عبيد الله بدل عبد الله!!(2). وكيفما كان الصحيح في الإسم، فإنّ ذلك من غرائب الأوهام أن يقول ابن الطقطقي: فإنّ عبد الله ـ عبيد الله ـ تولى إمارة سمرقند وبها مات وفيها قبره؟!
وقد وقع في نفس الخطأ عبد الرزاق الحصّان(3).


ثامناً: قبره مزار شريف:

لقد بنى خلفاء بني العباس على قبره مسجداً كبيراً رآه الرحالة ناصر خسرو وقد ذكره في رحلته وقال: «وبجوارها ـ الطائف ـ قبر عبد الله بن العباس، وبني خلفاء بغداد هناك مسجداً كبيراً يقع القبر في زاويته على يمين المحراب والمنبر، وبنى الناس هناك بيوتاً كثيرة...»(4).
قال تقي الدين الحسني الفاسي المكي المتوفى سنة 832هـ في العقد الثمين في أواخر ترجمة ابن عباس بعد ذكر ما مرّ من صلاة وتأبين محمّد بن الحنفية ودخول الطائر الأبيض في أكفانه وسماع المشيّعين صوت قارئ لا يرون

(1) ذخائر العقبى/237.
(2) الفخري /53 ط مصر الأولى وفي /73 ط صادر.
(3) كتاب الحسبة /34 ط التفيض الأهلية ببغداد.
(4) رحلة ناصر خسرو /88 سفرنامة ناصر خسرو.
موسوعة عبدالله بن عباس- الحلقة الاولى - الجزء الخامس 386

شخصه يقرأ الآية المباركة « يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ » (1) الآية، قال: «وقبره مشهور بالطائف في مسجد كبير بُني في زمن الناصر لدين الله العباسي ثمّ قال: وأخبرني غير واحد أنّه يشم من قبره رائحة المسك...»(2).
أقول: وإذ علمنا أنّ التقي الفاسي هو حسني النسب وكان من أهل القرن التاسع، فلا يتهم بمالاة العباسيين لأنّهم قد انقرضوا قبل عصره بقرنين من الزمان تقريباً، وحسنيته النسبية تبعده عن التهمة بالممالاة، لما هو معروف من عداء بين الحسنيين والعباسيين، وأوّل ثورة كانت على العباسيين هي ثورة بني الحسن بقيادة محمّد النفس الزكية وأخيه إبراهيم احمر العينين في أيام المنصور الدوانيقي.
فما رواه لنا الفاسي الحسني أنّه أخبره غير واحد أنّه يشم من قبره ـ ابن عباس ـ رائحة المسك لا استبعاد فيه.
وذكر الفاسي أيضاً في كتابه شفاء الغرام: «ومنها ـ الآثار النبوية بالطائف مسجد ينسب للنبيّ صلّى الله عليه (وآله) وسلّم في مؤخر المسجد الّذي فيه قبر السيّد عبد الله بن العباس رضي الله عنهما، لأنّ في جداره القبلي من خارجه حجراً مكتوباً فيه: أمرت السيدة أم جعفر بنت أبي الفضل أم ولاة عهد المسلمين أطال الله بقاءها بعمارة مسجد رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم بالطائف، وفيه أنّ ذلك سنة اثنتين وتسعين ومائة. والمسجد الّذي فيه قبر ابن عباس رضي الله عنهما أظن أنّ المستعين العباسي عمّره مع ضريح ابن عباس رضي الله عنهما بسبب عمارته لها»(3).

(1) الفجر /27.
(2) العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين 5/192 تح ـ فؤاد سيّد ط القاهرة سنة 1385 هـ.
(3) شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام 1/89 ـ 90 ط دار إحياء الكتب العربية.
موسوعة عبدالله بن عباس- الحلقة الاولى - الجزء الخامس 387

وذكر السمهودي في وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى في حديثه عن مسجد النبيّ صلّى الله عليه (وآله) وسلّم بالطائف فقال: «قال المطري: وهو جامع كبير فيه منبر عالٍ عمل في أيام الناصر أحمد بن المستضيء. وفي ركنه الأيمن القبلي قبر عبد الله بن عباس بن عبد المطلب في قبّة عالية...
قلت ـ والقائل هو السمهودي ـ قال التقي الفاسي: إنّ المسجد الّذي ينسب للنبيّ صلّى الله عليه و (آله) وسلّم هناك في مؤخر المسجد الّذي فيه قبر عبد الله ابن عباس، لأن في جداره القبلي من خارجه حجراً فيه: أمرت أم جعفر...»(1).
ومهما يكن فقد بقي قبره مشيداً معموراً مقصوداً بالزيارة، فقد زاره هياج الفقيه(2) مفتي مكة في القرن الخامس الهجري، وأرخ زيارته ابن الجوزي في المنتظم وابن القيسراني في الأنساب المتفقة(3).
وبقي مزاراً يتبرّك به ويتوسل إلى الله تعالى بصاحبه في قضاء الحوائج، حتى أنّ الشيخ يوسف بن عبد الكريم الأنصاري المدني الحنفي المتوفى سنة 1177 هـ والمترجم في سلك الدرر، زاره وتوسّل به فاستجيبت دعوته وقضيت حاجته فقال ممتدحاً له:

(1) وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى 2/185 ط مصر سنة 1327 هـ.
(2) قال ابن القيسراني في الأنساب المتفقة /43 - 44 الفقيه الزاهد أبو محمّد هيّاج بن عبيد الحطيني المقيم بالحرم سمع من أبي الفرج النحوي ببيت المقدس وجماعة من مشايخ الشام ومصر والعراق، وانتخب له أبو القاسم هبة الله بن عبد الوارث الشيرازي. وكان هياج أوحد عصره في الزهد والورع، كان يصوم ويفطر بعد ثلاث، ويعتمر كلّ يوم ثلاث عُمَر، ويدرّس عدة من الدروس، ولم يكن يدّخر شيئاً ولا يملك غير ثوب واحد، وكان قد نيّف على الثمانين، يزور رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في كلّ سنة ماشياً حافياً، ويزور كذلك عبد الله بن عباس بالطائف، وكان يأكل بمكة أكلة، وبالطائف أخرى، استشهد بمكة في وقعة وقعت بين أهل السنة والرافضة، فحمله أميرها محمّد بن أبي هاشم. وضربه ضرباً شديداً على كبر السنّ، ثمّ حُمل إلى منزله بمكة فمات وذلك سنة 472.
(3) الأنساب المتفقة /44.
موسوعة عبدالله بن عباس- الحلقة الاولى - الجزء الخامس 388

بالحبر لذ وببابه المعروف بالجبر والإحسان والمعروف
تلقاك منه كرامة فورية عجلاء مذهبة لكلّ مخوف
فلطالما والله أنقذ لائذاً فيما مضى بجنابه الموصوف
رحب الفناء أبي عليّ ذي التقى حامي الذمار وملجأ الملهوف
يحمي ويمنع جاره ونزيله بين الورى من حادث وصروف
مذ كان أيام الحياة وهكذا بعد الممات بحاله المألوف
يا ربّ بلّغنا المرام بجاهه وأبيه عمّ نبيّك الغطريف
فلقد مددنا للنوال أكفّنا يا من نوالك ليس بالمكفوف
أمنن علينا بالسماح وبالرضا عنا فإن القلب في تخويف
ثمّ الصلاة على الموافي رحمة للعالمين وخصّ بالتشريف
والآل والأصحاب أقمار الدجى مَن بالصلاة نخصّهم بألوف
ما أنشد الوجِل المجرّب قائلاً بالحبر لذ وببابه المعروف(1)

وزاره العلاّمة السيّد عليخان المدني الشيرازي المتوفى سنة 1120 مراراً فقد قال في أواخر ترجمته لابن عباس في كتابه الدرجات الرفيعة قال المؤلف عفي عنه: «زرت قبر عبد الله بن العباس مراراً بالطائف، وهو معظم بتلك الديار، وعليه قبة عظيمة يقصده الناس للزيارة من الأطراف، وينذرون له النذور، ويعتقدون فيه اعتقاداً عظيماً، وهو أهل لذلك رحمه الله تعالى»(2).

(1) سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر للمرادي 4/248 ط أفست مكتبة المثنى ببغداد.
(2) الدرجات الرفيعة /141.
موسوعة عبدالله بن عباس- الحلقة الاولى - الجزء الخامس 389

ورأيت بهامش نسخة مخطوطة من كتابه الدرجات الرفيعة بمكتبة الإمام كاشف الغطاء برقم 46 تراجم، أنّه أقام عشرة أيام في زيارته وذلك سنة 1304هـ (كذا في النسخة والصواب 1104هـ)(1).
أقول: ولا ينقضي أسفي أني تشرفت في حج البيت الحرام للمرة الثانية سنة 1398 هـ عن طريق الطائف ومكثت فيها سويعات ولم أتشرف بزيارته، وحاولت بعدها مراراً فلم يتيسر لي ذلك، عسى الله سبحانه وتعالى أن يوفقني لزيارته والاستشفاع إليه به إنّه على كلّ شيء قدير وبالإجابة جدير. ومن المؤسف حقاً أنّ الوهابيين هدموا قبته لمّا أغاروا على الحجاز سنة 1217هـ قال الجبرتي: «وهدم المضايفي قبة ابن عباس بالطائف الغريبة الشكل والوصف»(2).
وإلى هنا فلنختم الفصل الثالث من تاريخ حياته في أيام حكومة ابن الزبير والأمويين.
وهو هنا قد فارق الحياة بأحسن خاتمة يغبط عليها، ولم ينقل التاريخ مثلها عن غيره، وهي تقربه إلى الله (عزّ وجلّ) بولاية أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، فمات ولسانه رطب بذكرها، وهي آخر ما سُمع منه رضوان الله تعالى عليه، لما كان يعلمه من النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في أمرها، وأنها شرط قبول الأعمال، وقد أثبتها النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لعليّ، وإنّ المرء المسلم مسؤول عنها يوم القيامة(3)، وقد روى الحاكم

(1) كتبت النسخة سنة 1326 هـ في رمضان في كربلاء في محلة العباسية.
(2) كشف الأرتياب للسيد الأمين «قدّس سرّه» /18 وجاء في /59 منه: لمّا دخل الوهابيون إلى الطائف هدموا قبة ابن عباس كما فعلوه في المرة الأولى.
(3) أنظر مقتل الحسين للخوارزمي الحنفي 1/41، و فرائد السمطين للحمويني الشافعي 1/79.
موسوعة عبدالله بن عباس- الحلقة الاولى - الجزء الخامس 390

الحسكاني(1) والحمويني(2) عن أبي سعيد الخدري عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في قوله (عزّ وجلّ): « وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ » (3) قال: (عن ولاية عليّ بن أبي طالب).
وحكى الحمويني عن الواحدي قوله: «والمعنى أنّهم يُسألون هل والوه حقّ الموالاة كما أوصاهم به رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم). وتلك وصية رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى أمته كما روى عمّار بن ياسر قال قال رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم: أوصي من آمن بي وصدقني بولاية عليّ بن أبي طالب، من تولاّه فقد تولاّني، ومن تولاّني فقد تولّى الله (عزّ وجلّ)، ومن أحبّه فقد أحبني ومن أحبني فقد أحب الله تعالى، ومن أبغضه فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض الله (عزّ وجلّ) »(4).
وقال أنس بن مالك: «والله الّذي لا إله إلاّ هو لسمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول: (عنوان صحيفة المؤمن حب عليّ بن أبي طالب) »(5).
فهنيئاً لك أبا العباس على حسن تلك الخاتمة الّتي تميّزت بها عن سائر شيعة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقد حفظت وصية النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في ابن عمه أمير المؤمنين (عليه السلام) وتوليته حتى الممات.

(1) شواهد التنزيل 2/106.
(2) فرائد السمطين 1/79.
(3) الصافات /24.
(4) رواه الطبراني وعنه في مجمع الزوائد 9 / 108 - 109 وقال الهيثمي: رواه الطبراني باسنادين احسب فيهما جماعة ضعفاء وقد وثقوا كما رواه الحمويني في فرائد السمطين 1/55.
(5) تاريخ بغداد 4/410، والجامع الصغير للسيوطي 2/182 ط دار الفكر، كنز العمال 11/601 ط مؤسسة الرسالة، فيض القدير للشوكاني 4/481 ط دار الكتب العلمية، ينابيع المودة 1/272 و 376 ط دار الاسوة ببيروت و 2/78 و 97 و 230 و 401، ومناقب ابن المغازلي /243 ط المكتبة الإسلامية، وتاريخ ابن عساكر كما في منتخبه 1/454، ولسان الميزان 4/471، وذيل اللئاليء للسيوطي /63.
موسوعة عبدالله بن عباس- الحلقة الاولى - الجزء الخامس 391

وهنيئاً لك أبا العباس على الكرامة الّتي رآها الناس، فتحدثوا بها عن الطائر وجثمانك الطاهر.
وهنيئاً لك على ما سمعه المشيّعون من تلاوة هاتف لا يرون شخصه يتلو الآية الكريمة« يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي » (1).
ولئن كانت السحابة تهمي فوق قبرك ثلاثة أيام ـ كما مرّ ـ من محض الصدفة ـ كما ربما يقال ـ فليس الطائر وتلاوة الآية كذلك.
فسلام عليك يوم ولدت ويوم قبضت ويوم تبعث حياً

(1) الفجر /27 - 30.
موسوعة عبدالله بن عباس- الحلقة الاولى - الجزء الخامس 392




موسوعة عبدالله بن عباس- الحلقة الاولى - الجزء الخامس 393


الفصل الرابع


في بقية تاريخ حياته بامتداد ابنائه وبناته وأسماء زوجاته


موسوعة عبدالله بن عباس- الحلقة الاولى - الجزء الخامس 394



موسوعة عبدالله بن عباس- الحلقة الاولى - الجزء الخامس 395

لقد ذكر المؤرخون والنسابون لابن عباس ذراري ذكوراً واناثاً أنهاهم بعضهم إلى عشرة، سبعة منهم ذكور والباقي إناث.
وهم على النحو التالي:


الأبناء الذكور:

1- العباس وهو أكبر ولده، وبه كان يكنى، وأحسب انّه سمّاه باسم أبيه إحياء لذكره، وكان يلقب بالأعنق. وأمه وأم إخوته محمّد والفضل وعبيد الله وعليّ زرعة بنت مشرح الكندية. ولم يعرف عنه شيء من العلم وإن ذكره ابن سعد في الطبقات فقال: «وقد روي عن العباس بن عبد الله بن عباس، بل وحتى تاريخ حياته ليس فيه ما يذكر، نعم ورد انّه اشترك في تجهيز أبيه ونزل مع أخويه مع محمّد بن الحنفية في قبره، وورد أيضاً أنّه لمّا توفي أبوه لحق بمصعب بن الزبير، ولا شك أنّ هذا على خلاف سيرة أبيه، اللّهمّ إلاّ أن تكون الظروف القاهرة وراء ذلك، وقد ذكر ابن سعد وغيره أنّه لمّا توفي أبوه لحق بمصعب بن الزبير بالعراق، ولما انتهى أخوه عليّ إلى عبد الملك ـ حسب وصية أبيه إليه في ذلك ـ فسأله عن أخيه العباس فقال: أتى العراق لحاجة له. فقال: لا بل اختار مصعباً، أمّا إنّي إن ظفرت به عرفت حقه، ووصلت قرابته، ولم اعتد عليه بذلك»(1)، وقال ابن الكلبي في جمهرة النسب: «لا عقب له»(2). وقال ابن سعد: «وقد انقرض ولد العباس... فلم يبق منهم أحد».

(1) الطبقات الكبرى 5/111 تح ـ السلمي، وأخبار الدولة العباسية /131 ونسب قريش لمصعب الزبيري / 28 و 31.
(2) جمهرة النسب /138 تح ـ عبد الستار أحمد فرّاج ط الكويت.
موسوعة عبدالله بن عباس- الحلقة الاولى - الجزء الخامس 396

2- محمّد بن عبد الله أمه زرعة بنت مشرح الكندية ذكره ابن سعد في الطبقات في ترجمة أبيه كما ذكره ابن الكلبي في جمهرته(1)، وأحسب أنّه سمّاه تيمناً باسم النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وإحياء لذكره لأنّه ولد بعد وفاته (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، قال النيسابوري: «ولا بقية له وقد توفي سنة 124»(2).
3- الفضل بن عبد الله أمه أم أخوته زرعة بنت مشرح، ذكره ابن سعد في الطبقات في ترجمة أبيه، وابن الكلبي في جمهرته(3)، وابن حزم في جمهرته(4) وغيرهم وهذا لا بقية له.
4- عبيد الله بن عبد الله ذكره ابن الكلبي في جمهرته(5)، والبُرّي في كتابه الجوهرة(6)، ولا عقب له، وأمه أم أخوته زرعة بنت مشرح الكندية، وقد تزوج بابنة عمه أم محمّد بنت عبيد الله بن العباس(7).
5- عبد الرحمن بن عبد الله ذكره في تاريخ الخلفاء(8)، وابن حزم في الجمهرة(9)، ولا بقية له، وذكر ابن قتيبة في عيون الأخبار عنه قال: «رأيت ابن عباس في وليمة فأكل وألقى للخبّاز ودرهماً»(10).

(1) نفس المصدر /149.
(2) أنظر المحبر /30 ط حيدر آباد.
(3) جمهرة النسب /140.
(4) جمهرة أنساب العرب /19.
(5) جمهرة النسب /139.
(6) الجوهرة 2/22 نشر دار الرفاعي.
(7) أنظر المحبر لمحمّد بن حبيب الهاشمي ط حيدرآباد.
(8) تاريخ الخلفاء ط موسكو سنة 1967 في ورقة /241 ب.
(9) جمهرة أنساب العرب /19.
(10) عيون الأخبار 3/234.
موسوعة عبدالله بن عباس- الحلقة الاولى - الجزء الخامس 397

6- عليّ بن عبد الله وهو أصغر أخوته سناً وأكبرهم شأناً وأمه أم أخوته زرعة بنت مشرح الكندية، وقد مرّ بنا خبر ولادته في الكوفة وأن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) أتى أباه عبد الله بن عباس فهنّأه به، وهو الّذي سمّاه عليّاً وكناه أبا الحسن حين أخذه وتفل في فيه وحنكه بتمرة لاكها وقال لأبيه خذ إليك أبا الأملاك، كما مرّ خبر معاوية مع أبيه لا أجمع لك بين الاسم والكنية قد كنيته أبا محمّد فجرت عليه(1) ويبدو أنّ الكنية عادت كما كانت بعد موت معاوية، لكن في أيام عبد الملك بن مروان جرى التغيير مرة ثانية أيضاً.
فقد ذكر ابن سعد في الطبقة الثالثة من أهل المدينة ذلك فقال: «ولد ليلة قتل عليّ في شهر رمضان سنة 40 فسمي باسمه وكني بكنيته أبي الحسن فقال له عبد الملك بن مروان: لا والله لا أحتمل لك الأسم والكنية جميعاً فغيّر أحدهما فغيّر كنيته فصيّرها أبا محمّد»(2).
وقال ابن سعد أيضاً: «وكان اصغر ولد أبيه سناً، وكان أجمل قرشي على وجه الأرض وأوسمه، واكثره صلاة، وكان يقال له السجاد لعبادته وفضله، وقال: وكان ثقة قليل الحديث»(3).
وحكى عن الواقدي أنّه توفي سنة 118هـ، وقال أبو معشر وغيره توفي بالشام سنة 117هـ، وقال أبو حسان الزيادي توفي بالبلقاء من أرض الشام في الحميمة سنة 119هـ.
قال ابن حجر في تهذيب التهذيب: «وقد حكى ابن حبان الأقوال في وفاته وجزم بما عليه الأكثر إنها سنة 118 هـ، وكان أبوه يأمره وغلامه عكرمة بالذهاب

(1) الكامل للمبرّد 2 / 217.
(2) الطبقات الكبرى 5/229.
(3) نفس المصدر /230.

السابق السابق الفهرس التالي التالي