المأتم الحسيني - مشروعيته وأسراره 27

الحزن ويجدد اللوعة بمدح الميت وذكر محاسنة.
ولمّا توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله) تنافست فضلاء الصحابة في رثائه، فرثته سيدة نساء العالمين (عليها السلام) بأبيات تهيج الاحزان، ذكر القسطلاني(1) في إرشاد الساري بيتين منها، وهما قولها (عليها السلام):
ماذا على مَن شمّ تربة أحمد أن لا يشمّ مدى الزمان غواليا
صبّت عليّ مصائب لو أنّها صبّت على الايام صرن لياليا

ورثته أيضاً بأبيات تثير لواعج الاشجان، ذكر ابن عبد ربه المالكي بيتين منها في أوائل الجزء الثاني من العقد الفريد، وهما:
إنّا فقدنـاك فقْد الارض وابلـهـا وغاب مذ غبتَ عنّا الوحي والكتب
فليت قبلك كان المـوت صادفنـا لمـا نعيت و حالـت دونك الكثب

(1) ص218 ج3 في باب رثي النبي سعد بن خولي «المؤلّف».
المأتم الحسيني - مشروعيته وأسراره 28

ورثته عمته صفية بقصيدة يائية، ذكر ابن عبد البر في أحوال النبي (صلى الله عليه وآله) من استيعابه جملة منها.
ورثاه أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب بقصيدة لامية، ذكر بعضها صاحبا الاستيعاب والاصابة في ترجمة أبي سفيان المذكور.
ورثاه أبو ذويب الهذلي ـ كما يعلم من ترجمته في الاستيعاب والاصابة ـ بقصيدة حائية.
ورثاه أبو الهيثم بن التيهان بقصيدة دالية، أشار إليها ابن حجر في ترجمة أبي الهيثم من إصابته.
ورثته أم رعلة القشيرية بقصيدة رائية، أشار إليها العسقلاني في ترجمة أم رعلة من إصابته.
ورثاه عامر بن الطفيل بن الحارث الازدي بقصيدة جيمية، أشار إليها بن حجر في ترجمة عامر من الاصابة.
ومَن استوعب الاستيعاب، وتصفّح الاصابة، وأسد الغابة، ومارس كتب الاخبار، يجد من مراثيهم المشتملة على تهييج الحزن بذكر محاسن الموتى شيئاً يتجاوز حدّ الاحصاء.
وقد أكثرت الخنساء ـ وهي صحابية ـ من رثاء أخويها

المأتم الحسيني - مشروعيته وأسراره 29

صخر ومعاوية وهما كافران، وأبدعت في مدائح صخر وأهاجت عليه لواعج الحزن، فما أنكر عليها منكر.
وأكثر أيضاً متمّم بن نويرة من تهييج الحزن على أخيه مالك في مراثيه السائرة، حتى وقف مرة في المسجد وهو غاص بالصحابة أمام أبي بكر بعد صلاة الصبح واتكأ على سية قوسه فأنشد:
نعم القتيل إذا الرياح تناوحت خلف البيوت قتلت يا ابن الازور

ثم أومأ إلى أبي بكر ـ كما في ترجمة وثيمة بن موسى ابن الفرات من وفيات ابن خلكان ـ فقال مخاطباً له:
أدعوته بالله ثم غدرته لو هو دعاك بذمة لم يغدر

فقال أبو بكر: والله ما دعوته ولا غدرته.
ثم قال:
ولنعم حشو الدرع كان وحاسراً ولنعم مأوى الطارق المتنـور
لا يمسك الفحشاء تحت ثيابـه حلـو شمائلـه عفيف المأزر

المأتم الحسيني - مشروعيته وأسراره 30

وبكى حتّى انحط عن سية قوسه، قالوا: فما زال يبكي حتى دمعت عينه العوراء.
فما أنكر عليه في بكائه ولا في رثائه منكر، بل قال له عمر ـ كما في ترجمة وثيمة من الوفيات ـ لوددتُ أنّك رثيت زيداً أخي بمثل ما رثيت به مالكاً أخاك، فرثى متمم بعدها زيد بن الخطاب فما أجاد، فقال له عمر: لِمَ لمْ ترثي زيداً كما رثيت مالكاً؟ فقال: إنه والله ليحركني لمالك مالا يحركني لزيد.
واستحسن الصحابة ومن تأخر عنهم مراثيه في مالك، وكانوا يتمثلون بها، كما اتفق ذلك من عائشة إذ وقفت على قبر أخيها عبد الرحمن ـ كما في ترجمته من الاستيعاب ـ فبكت عليه وتمثلت:
وكنّا كندمانـي جذيمـة حقبـة من الدهر حتى قيل لن يتصدّعا
فلمـا تفرقنـا كأنـي ومالكـا لطول اجتماع لم نبت ليلة معا

وما زال الرثاء فاشياً بين المسلمين وغيرهم في كلّ عصر ومصر لا يتناكرونه مطلقاً.

المأتم الحسيني - مشروعيته وأسراره 31




المأتم الحسيني - مشروعيته وأسراره 32

المطلب الثالث

في تلاوة الاحاديث المشتملة على مناقب الميت ومصائبه

كما كانت عليه سيرة السلف، وفعلته عائشة إذ وقفت على قبر أبيها باكية، فقالت: كنتَ للدنيا مذلاً بادبارك عنها، وكنتَ للاخرة معزاً باقبالك عليها، وكان أجل الحوادث بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) رزؤك، وأعظم المصائب بعده فقدك.
وفعله محمد بن الحنفية إذ وقف على قبر أخيه المجتبى (عليه السلام)، فخنقته العبرة ـ كما في أوائل الجزء الثاني من العقد الفريد ـ ثم نطف فقال: يرحمك الله أبا محمد، فإن عزّت حياتك فقد هدّت وفاتك، ولنعم الروح روح

المأتم الحسيني - مشروعيته وأسراره 33

ضمّه بدنك، ولنعم البدن بدن ضمه كفنك، وكيف لا تكون كذلك وأنت بقيّة ولد الانبياء، وسليل الهدى، وخامس أصحاب الكساء، غذتك أكف الحق، وربيت في حجر الاسلام، فطبت حياً وطبت ميتاً، وإن كانت أنفسنا غير طيبة بفراقك، ولا شاكة في الخيار لك.
ثم بكى بكاءاً شديداً، وبكى الحاضرون حتى سمع نشيجهم(1).
ووقف أمير المؤمنين على قبر خباب بن الارت في ظهر الكوفة ـ وهو أول من دفن هناك كما نصّ عليه ابن الاثير في آخر تتمة صفين ـ فقال: «رحم الله خباباً، لقد أسلم راغباً، وجاهد طائعاً، وعاش مجاهداً، وابتلى في جسمه أحوالاً، ولن يضيع الله أجر من أحسن عملاً».
ولما توفي أمير المؤمنين، قام الخلف من بعده أبو محمد الحسن الزكي (عليهما السلام) خطيباً، فقال ـ كما في حوادث سنة 40 من تاريخ ابن جرير وابن الاثير وغيرهما ـ: «لقد

(1) العقد الفريد 2 / 8 و 3 / 197، تذكرة الخواص: 213.
المأتم الحسيني - مشروعيته وأسراره 34

قتلتم الليلة رجلاً، والله ما سبقه أحد كان قبله، ولا يدركه أحد يكون بعده، إن كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليبعثه في السرية وجبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره، ما ترك صفراء ولا بيضاء...».
ووقف الامام زين العابدين على قبر جدّه أمير المؤمنين (عليهما السلام)، فقال: «أشهد أنّك جاهدت في الله حق جهاده، وعملت بكتابه، واتبعت سنن نبيه (صلى الله عليه وآله)، حتى دعاك الله إلى جواره فقبضك إليه باختياره، لك كريم ثوابه، وألزم أعداءك الحجة مع مالك من الحجج البالغة على جميع خلقه».
وعن أنس بن مالك ـ كما في العقد الفريد وغيره ـ قال: لمّا فرغنا من دفن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بكت فاطمة ونادت: «يا أبتاه أجاب رباً دعاه، يا أبتاه من ربّه ما أدناه، يا أبتاه إلى جبرئيل ننعاه، يا أبتاه جنة الفردوس مأواه».
ولو أردنا أن نستوفي ما كان من هذا القبيل، لخرجنا عن الغرض المقصود.
وحاصله: أنّ تأبين الموتى من أهل الاثار النافعة بنشر

المأتم الحسيني - مشروعيته وأسراره 35

مناقبهم وذكر مصائبهم ممّا حكم بحسنه العقل والنقل، واستمرت عليه سيرة السلف والخلف، وأوجبته قواعد المدنية، واقتضته أصول الترقي في المعارف، إذ به تحفظ الاثار النافعة، وبالتنافس فيه تعرج الخطباء إلى أوج البلاغة.
والقول بتحريمه يستلزم تحريم قراءة التاريخ وعلم الرجال، بل يستوجب المنع من تلاوة الكتاب والسنة، لاشتمالهما على جملة من مناقب الانبياء ومصائبهم، ومن يرضى لنفسه هذا الحمق أو يختار لها هذا العمى، نعوذ بالله من سفه الجاهلين.

المأتم الحسيني - مشروعيته وأسراره 36

المطلب الرابع

في الجلوس حزناً على الموتى من أهل الحفائظ والايادي المشكورة

وحسبك في رجحان ذلك: ما تواتر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من الحزن الشديد على عمّه أبي طالب وزوجته الصديقة الكبرى أم المؤمنين (عليهما السلام)، وقد ماتا في عام واحد، فسمّي عام الحزن، وهذا معلوم بالضرورة من أخبار الماضين.
وأخرج البخاري ـ في باب من جلس عند المصيبة يعرف فيه الحزن من الجزء الاول من صحيحه ـ بالاسناد إلى عائشة، قالت: لمّا جاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قتل ابن حارثة وجعفر وابن رواحة، جلس ـ أي في المسجد كما في رواية أبي داود ـ يعرف فيه الحزن.

المأتم الحسيني - مشروعيته وأسراره 37

وأخرج البخاري ـ في الباب المذكور أيضاً ـ عن أنس، قال: قنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) شهراً حين قتل القرآء، فما رأيته حزن حزناً قط أشدّ منه... (1) .
والاخبار في ذلك أكثر من أن تحصى أو تستقصى.
والقول: بأنه إنما يحسن ترتيب آثار الحزن إذا لم يتقادم العهد بالمصيبة.
مدفوع: بأنّ من الفجائع ما لا تخبو زفرتها ولا تخمد لوعتها، فقرب العهد بها وبعده عنها سواء.
نعم يتمّ قول هؤلاء اللائمين إذا تلاشى الحزن بمرور الازمنة، ولم يكن دليل ولا مصلحة يوجبان التعبد بترتيب آثاره.
وما أحسن قول القائل في هذا المقام:
خلي أميمـة عن مـل مك ما المعزى كالثكول
ما الراقد الوسنان مثـ ـل معذب القلب العليل

(1) وأخرجه مسلم أيضاً في باب التشديد في النياحة من صحيحه «المؤلّف».
المأتم الحسيني - مشروعيته وأسراره 38

سهران من الم وهـ ـذا نائم الليل الطويل
ذوقي أميمـة ما أذو ق وبعده ماشئت قولي
على أنّ في ترتيب آثار الحزن بما أصاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) من تلك الفجائع، وحلّ بساحته من هاتيك القوارع، حكماً توجب التعبد بترتيب آثار الحزن بسببها على كلّ حال، والادلة على ترتيب تلك الاثار في جميع الاعصار متوفرة، وستسمع اليسير منها إن شاء الله تعالى.
وقد علمت سيرة أهل المدينة الطيبة واستمرارها على ندب حمزة وبكائه مع بعد العهد بمصيبته، فلم ينكر عليهم في ذلك أحد، حتّى بلغني أنهم لا يزالوا إلى الان إذا ناحوا على ميت بدوا بالنياحة عليه، وما ذاك إلاّ مواساة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) بمصيبته في عمه، وأداءً لحق تلك الكلمة التي قالها في البعث على البكاء عليه، وهي قوله: «لكن حمزة لا بواكي له».
وكان الاولى لهم ولسائر المسلمين مواساته في الحزن على أهل بيته، والاقتداء به في البكاء عليهم، وقد لام بعض أهل البيت (عليهم السلام) مَن لم يواسهم في ذلك فقال: «يا لله

المأتم الحسيني - مشروعيته وأسراره 39

لقلب لا ينصدع لتذكار تلك الاُمور، ويا عجباً من غفلة أهل الدهور، وما عذر أهل الاسلام والايمان في إضاعة أقسام الاحزان، ألم يعلموا أن محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) موتور وجيع وحبيبه مقهور صريع»؟، قال: «وقد أصبح لحمه (صلى الله عليه وآله)مجرداً على الرمال، ودمه الشريف مسفوكاً بسيوف أهل الضلال، فيا ليت لفاطمة وأبيها، عيناً تنظر إلى بناتها وبنيها، وهم ما بين مسلوب وجريح، ومسحوب وذبيح...» إلى آخر كلامه.
ومن وقف على كلام أئمّة أهل البيت في هذا الشأن، لا يتوقف في ترتيب آثار الحزن عليهم مدى الدوران، لكنّا منينا بقوم لا ينصفون، فانّا لله وإنا إليه راجعون.

المأتم الحسيني - مشروعيته وأسراره 40

المطلب الخامس

في الانفاق على الميت في وجوه البرّ والاحسان

ويكفي في استحبابه:
عموم ما دلّ على استحباب مطلق المبرات والخيرات، على أنّ فعل النبي (صلى الله عليه وآله) وقوله دالان على الاستحباب في خصوص المقام، وحسبك من فعله: ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما (1) بطرق متعددة عن عائشة:
ما غرت على أحد من نساء النبي (صلى الله عليه وآله) ما غرت على خديجة، وما رأيتها، ولكن كان النبي (صلى الله عليه وآله) يكثر ذكرها، وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء ثم يبعثها في صدائق خديجة، فربما قلت له: كأن لم يكن في الدنيا إلاّ خديجة، فيقول: «إنما كانت وكان لي منها ولد».

(1) فراجع من صحيح البخاري: باب تزويج النبي خديجة وفضلها، ومن صحيح مسلم: باب فضائل خديجة أم المؤمنين (عليها السلام) «المؤلف».
المأتم الحسيني - مشروعيته وأسراره 41

قلت: وهذا يدلّ على استحباب صلة أصدقاء الميت وأوليائه في الله عز وجل بالخصوص.
ويكفيك من قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما أخرجه مسلم ـ في باب وصول ثواب الصدقة عن الميت إليه، من كتاب الزكاة، في الجزء الاول من صحيحه ـ بطرق متعددة، عن عائشة: أنّ رجلاً أتى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا رسول الله إنّ أمّي افتلتت نفسها، ولم توص، أفلها أجر أن تصدقت عنها؟ قال (صلى الله عليه وآله): «نعم».
ومثله: ما أخرجه أحمد من حديث عبد الله بن عباس ـ في ص333 من الجزء الاول ـ من مسنده: من أنّ سعد بن عبادة قال: إنّ ابن بكر أخا بني ساعدة توفيت أمّه وهو غائب عنها، فقال: يا رسول الله، إنّ أمي توفيت وأنا غائب عنها، فهل ينفعها إن تصدقتُ بشيء عنها؟ قال: «نعم»، قال: فاني أشهدك أنّ حائط المخرف صدقة عليها.
والاخبار في ذلك متضافرة، ولا سيما من طريق العترة الطاهرة (1) .

(1) وربما كان المنكر علينا فيما نفعله من المبرات عن الحسين (عليه السلام)، لا يقنع بأقوال النبي (صلى الله عليه وآله) ولا بأفعاله، وإنما تقنعه اقوال سلفه وأفعالهم، وحينئذ نحتج عليه بما فعله الوليد بن عقبة بن أبي معيط الاموي، إذ مات لبيد بن ربيعة العامري الشاعر، فبعث الوليد إلى منزله عشرين جزوراً، فنحرت عنه، كما نصّ عليه ابن عبد البر في ترجمة لبيد من الاستيعاب «المؤلف».
المأتم الحسيني - مشروعيته وأسراره 42
فصل
[مآتمنا المختصّة بسيّد الشهداء]

كلّ من وقف على ما سلف من هذه المقدمة، يعلم أنه لا وجه للانكار علينا في مآتمنا المختصة بسيد الشهداء (عليه السلام)، ضرورة أنه لا تشتمل إلاّ على تلك المطالب الخمسة، وقد عرفت إباحتها بالنسبة إلى مطلق الموتى من كافة المؤمنين.
وما أدري كيف يستنكرون مآتم انعقدت لمواساة

المأتم الحسيني - مشروعيته وأسراره 43

النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأُسست على الحزن لحزنه؟
أيبكي ـ بأبي هو وأمي ـ قبل الفاجعة، ونحن لا نبكي بعدها؟!
ما هذا شأن المتأسّي بنبيه والمقتصّ لاثره، إن هذا إلاّ خروج عن قواعد المتأسين، بل عدول عن سنن النبيين.
بكاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على الحسين (عليه السلام)
في مصادر العامة

ألم يرو الامام أحمد بن حنبل من حديث علي (عليه السلام) ـ في ص85 من الجزء الاول ـ من مسنده، بالاسناد إلى عبد الله بن نجا عن أبيه: أنه سار مع عليّ (عليه السلام)، فلما حاذى نينوى وهو منطلق إلى صفين، نادى: «صبراً أبا عبد الله، صبراً أبا عبد الله بشط الفرات»، قال: قلت: وما ذاك؟ قال: «دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذات يوم وعيناه تفيضان، قلت: يا نبي الله، ما شأن عينيك تفيضان؟ قال: قام من عندي جبرئيل قبل، فحدثني أن ولدي الحسين يقتل بشط الفرات، قال: فقال: هل لك إلى أن أشمّك من

المأتم الحسيني - مشروعيته وأسراره 44

تربته؟ قال: قلت: نعم، فمدّ يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها، فلم أملك عيني إن فاضتا» (1) .
وأخرج ابن سعد ـ كما في الفصل الثالث من الباب الحادي عشر من الصواعق المحرقة لابن حجر (2) ـ عن الشعبي، قال: مرّ علي (رضي الله عنه)بكربلاء عند مسيره إلى صفين، وحاذى نينوى، فوقف وسأل عن اسم الارض؟ فقيل: كربلاء، فبكى حتى بلّ الارض من دموعه، ثم قال: «دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو يبكي، فقلت: ما يبكيك ـ بأبي أنت وأمي ـ؟ قال: كان عندي جبرائيل آنفاً، وأخبرني أن ولدي الحسين يقتل بشاطئ الفرات، بموضع يقال له كربلاء...» (3) .

(1) الصواعق المحرقة 2 / 566.
وراجع أيضاً: مسند أبي يعلى (363)، مسند البزار (884)، والذخائر للمحب الطبري: 148، المعجم الكبير: (2811)، مجمع الزوائد 9 / 187 وقال: رجاله ثقات، سير أعلام النبلاء 3 / 288.
(2) كلّ ما ننقله في هذا المقام عن الصواعق، من هذا الحديث وغيره، موجود في أثناء كلامه في الحديث الثلاثين، من الاحاديث التي أوردها في ذلك الفصل، فراجع «المؤلف».
(3) الصواعق المحرقة 2 / 566.
وراجع أيضاً: المعجم الكبير للطبراني (2811)، مجمع الزوائد 9/187 وقال: رجاله ثقات.
المأتم الحسيني - مشروعيته وأسراره 45

وأخرج الملاّ ـ كما في الصواعق (1) أيضاً ـ: أنّ علياً مرّ بموضع قبر الحسين (عليهما السلام)، فقال: «هاهنا مناخ ركابهم، وهاهنا موضع رحالهم، وهاهنا مهراق دمائهم، فتية من آل محمد يقتلون بهذه العرصة، تبكي عليهم السماء والارض» (2) .
ومن حديث أم سلمة ـ كما نصّ عليه ابن عبد ربه المالكي (3) ، حيث ذكر مقتل الحسين في الجزء الثاني من العقد الفريد ـ قالت: كان عندي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومعي الحسين، فدنا من النبي (صلى الله عليه وآله)، فأخذته، فبكى، فتركته،

(1) الصواعق المحرقة 2 / 566.
(2) وهذا الحديث رواه أصحابنا بكيفية مشجية، عن الباقر عليه الصلاة والسلام، ورووه عن هرثمة وعن ابن عباس، وإن أردت الوقوف عليه فدونك ص108 ومابعدها إلى ص112 من الخصائص الحسينية «المؤلّف».
(3) في سطر 15 من ص243 من جزئه الثاني المطبوع سنة 1305، وفي هامشه زهر الاداب «المؤلّف».
المأتم الحسيني - مشروعيته وأسراره 46

فدنا منه، فأخذته، فبكى، فتركته، فقال له جبرئيل: أتحبه يا محمد؟ قال: «نعم»، قال: أما إنّ أمتك ستقتله، وإن شئت أريتك الارض التي يقتل بها، فبكى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (1) .
وروى الماوردي الشافعي ـ في باب إنذار النبي (صلى الله عليه وآله) بما سيحدث بعده (2) ، من كتابه أعلام النبوة ـ عن عروة، عن عائشة، قالت: دخل الحسين بن علي على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو يوحى إليه، فقال جبرائيل: إن أُمّتك ستفتتن بعدك وتقتل ابنك هذا من بعدك، ومدّ يده فأتاه بتربة بيضاء، وقال: في هذه يقتل ابنك، اسمها الطف، قال: فلما ذهب جبرائيل، خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)إلى أصحابه والتربة بيده ـ وفيهم: أبو بكر، وعمر، وعلي، وحذيفة، وعثمان، وأبو ذر ـ وهو يبكي، فقالوا: ما يبكيك يا رسول الله؟ فقال: «أخبرني جبرائيل: أن ابني الحسين يقتل بعدي

(1) وأخرج البغوي في معجمه وأبو حاتم في صحيحه من حديث أنس ـ كما في الصواعق ـ نحوه «المؤلّف».
راجع: الصواعق المحرقة 2 / 564 و 565.
(2) وهو الباب الثاني عشر في ص23 من ذلك الكتاب «المؤلّف».
المأتم الحسيني - مشروعيته وأسراره 47

بأرض الطف، وجاءني بهذه التربة، فأخبرني أنّ فيها مضجعه».
وأخرج الترمذي ـ كما في الصواعق وغيرها ـ: أنّ أم سلمة رأت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ فيما يراه النائم ـ باكياً، وبرأسه ولحيته التراب، فسألته؟ فقال: «قتل الحسين آنفاً» (1) .
قال في الصواعق: وكذلك رآه ابن عباس نصف النهار، أشعث أغبر، بيده قارورة فيها دم يلتقطه، فسأله؟ فقال: «دم الحسين وأصحابه، لم أزل أتتبعه منذ اليوم» (2) ، قال: فنظروا فوجدوه قد قتل في ذلك اليوم (3) (4) .

(1) سنن الترمذي (3774)، الصواعق المحرقة 2 / 567، ذخائر العقبى: 148.
(2) وأخرجه من حديث ابن عباس أحمد بن حنبل في ص283 من الجزء الاول من مسنده، وابن عبد البر والعسقلاني في ترجمة الحسين (عليه السلام)من الاستيعاب والاصابة، وخلق كثير «المؤلف».
(3) وراجع أيضاً: الصواعق المحرقة 2 / 567، المعجم الكبير: (2822)، مختصر تاريخ ابن عساكر 7 / 152، سير أعلام النبلاء 3 / 315، البداية والنهاية 8 / 200، ذخائر العقبى: 148.
(4) وللمزيد حول بكاء النبي (صلى الله عليه وآله) على الحسين (عليه السلام) في مصادر أهل السنة راجع: مستدرك الحاكم 3 / 176 و 4 / 398، تاريخ الخميس 1 / 300 و 418، الامالي للشجري: 165، كنز العمال 13 / 111 و 6 / 223، مقتل الحسين 1 / 158 و 159 و 163، وسيلة المآل: 183، الفصول المهمّة: 154، ينابيع المودة: 318 و 320، الفتح الكبير 1 / 55، روض الازهر: 104، الكواكب الدرية 1 / 56، الخصائص الكبرى 2 / 126، تاريخ الخلفاء: 10، التاج الجامع 3 / 318، الكامل في التاريخ 3 / 303، ذخائر المواريث 4 / 300، تاريخ الاسلام 2 / 350، كفاية الطالب: 286، مصابيح السنة: 207، تاريخ الرقة: 75، نظم درر السمطين: 215، الغنية لطالبي طريق الحق 2 / 56، لسان العرب 11 / 349، النهاية 2 / 212.
وراجع أيضاً: كتاب سيرتنا وسنتنا للعلامة الاميني، وكتاب أنباء السماء برزية كربلاء للمحقق الطباطبائي، وكتاب إحقاق الحق: المجلد 11.
المأتم الحسيني - مشروعيته وأسراره 48

بكاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على الحسين (عليه السلام)
في مصادر الشيعة

وأما صحاحنا، فانها متواترة في بكائه (صلى الله عليه وآله وسلم) على الحسين (عليه السلام) في مقامات عديدة: يوم ولادته، وقبلها،

المأتم الحسيني - مشروعيته وأسراره 49

ويوم السابع من مولده، وبعده في بيت فاطمة، وفي حجرته، وعلى منبره، وفي بعض أسفاره.
تارة يبكيه وحده، يقبله في نحره ويبكي، ويقبله في شفتيه ويبكي، وإذا رآه فرحاً يبكي، وإذا رآه حزناً يبكي.
بل صحّ أنه قد بكاه: آدم، ونوح، وإبراهيم، وإسماعيل، وموسى، وعيسى، وزكريا، ويحيى، والخضر، وسليمان (عليهم السلام).
وتفصيل ذلك كلّه موكول إلى مظانّه من كتب الحديث (1) .
[إقامة الائمة (عليهم السلام) المأتم على الحسين (عليه السلام) ]
وحث أولياؤهم على ذلك


(1) فراجع: ص105 وما بعدها إلى ص232 من الخصائص الحسينية، وإن شئت فراجع: جلاء العيون، أو البحار، أو غيرهما «المؤلّف».
وراجع: أمالي الصدوق: المجلس 92، كامل الزيارات: 67 و 68 و 83 و 84 و 92 و 115 و 192، علل الشرائع 1 / 154، الكافي 1 / 283 و 534، مناقب آل أبي طالب 4 / 55، المحتضر: 146 و 147، بحار الانوار 45 / 220 ـ 229 الباب 41.

السابق السابق الفهرس التالي التالي