دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الأبوذية ـ 1 71

وأما زيادة حرف فمنها قول : حسين الكربلائي :
دليلي هلنصحتـه عـاف نصحاي (1)
سكرنا بالهـوى ما عـاد نصحاي (2)
نص ميت يسلمى أصبحت نصحاي(3)
غراحج هلك نـاس وعم علـيّـَه (4)
من الملاحظ أن الألف أُضيف في « نصحاي » لجمال الجناس .

(1) نصحاي : من النصيحة .
(2) نصحاي : من الصحو ، أراد نصحو .
(3) نصحاي : مركبة من(نص + حي) .
(4) الشاعر حسين الكربلائي : 85 .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الأبوذية ـ 1 72

نصوص من الأبوذية لأقدم الشعراء

وفي خاتمة المطاف عن الأبوذية لا بد من الإشارة إلى نصوص منها لأقدم من نظمها على ما توصلنا إليه :
1 ـ حسين بن عبد الله العبادي
نحو 1210 ـ نحو 1300 هـ
الكوت(1)
2 ـ جعفر بن مهدي الحلي
1253 ـ 1298 هـ
الحلة(2)
3 ـ زاير بن علي الدويچي
1277 ـ 1329 هـ
النجف(3)
4 ـ حسين بن علي الكربلائي
1283 ـ 1328 هـ
كربلاء(4)

ولا يخفى أنه سبق وقلنا أن هناك من يصر على أن الأبوذية من إبداع العبادي وتطوير الكربلائي حيث أن الثاني تتلمذ عليه ولازمه أيام إقامته في الشطرة .
ويقال : إن أقدم أبوذية أنشأها حسين العبادي هي :
لما الناهـي شفـه لعــلتـي تركته(5)
علـى اللـي مــن ذهب خدّه تركته(6)

(1) مجلة النافذة الدمشقية العدد 7 ـ 8 / السنة : 1/ الصفحة : 7 التاريخ : 1991 م(1411 هـ) ، وفي كتاب المغنون الريفيون وأطوار الأبوذية العراقية : 18 أن عشيرته كانت من الجبايش .
(2) البابليات : 2 /1 .
(3) ديوان الحاج زاير : 11 .
(4) المغنون الريفيون وأطوار الأبوذية العراقية : 21 .
(5) تركته : مركبة من « تره + كت » أي تراني أكت الدمع .
(6) تركته : مخففة تركيته أي « ترچيته » والمراد من الترچية الأقراط وأصلها تركية نسبة الى القرط التركي .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الأبوذية ـ 1 73

لا عن مـلل محبـوبـي تـركتـه(1)
جـنـى ذنبـاً يـؤل الـترك لـيّه(2)
وله أيضاً :
شنهـو اللّي على المخلـوگ داره(3)
إو شنهـو العاف بزره وسكن داره(4)
إو شنهـو الما يعـيـش أبغير داره(5)
أوشنهـو إلـما ينـام إلا إبتچيَّـه
وقد جاراه الكربلائي وأجاب على الأسئلة الأربعة التي طرحها في شعره بقوله :
الگمر يلي على الـمخلـوگ داره(6)
الزرافـة العاف بزره وسكن داره(7)
الـسمچ الـما يعـيش بغـير داره(8)
الفيـل الـما ينـام الا بتـچـيّـه(9)
هذا وقد وردت أبوذية في ديوان الحاج زاير منسوبة إلى العبادي ونظنه

(1) تركته : أهملته .
(2) مجلة النافذة العدد : 7 ـ 8 / السنة : 1 / الصفحة : 9 / التاريخ : 1991 م(1411 هـ) .
وهي من المولدات حيث أخذ المعنى من قول الشاعر الفصيح :
تركتُ حبيب القلب لا عن ملامة ولكن جنى ذنباً يؤول إلى الترك
(3) داره : من الدائرة والدوران .
(4) داره : من الدرّ وأراد در الحليب .
(5) داره : من الدار ، والماء يعتبر داراً للسمك .
(6) داره : من الدوران .
(7) داره : من الدرّ والسيلان .
(8) داره : من الدار بمعنى البيت .
(9) المغنون الريفيون وأطوار الأبوذية العراقية : 28 .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الأبوذية ـ 1 74

هو حسين العبادي حيث ذكر أنه كان معاصراً للحاج زاير وقد كتبها إلى فتاة قروية كان قد تعلق قلبه بها فقال :
هـوالـچ مـا هـوه الغـيرچ هوالچ(1)
علـيچ أو لـگـطـع ادروب الهوالچ(2)
نامـي ابحضـن الـعبادي هـوالـچ(3)
نجد(4) ما بيه بگ إو گارصيّه
فبلغ ذلك الحاج زاير فبعث إليها بعكس ذلك حيث قال :
وحگ من لـولح الـسبحـه أو ترابي (5)
تظـل عـينـي علـى دربـه ترابي(6)
أخـبـرچ حـضـن الـعبادي ترابي (7)
أزريجي(8) أو عگرب إنطبگوا سويّه(9)
ويذكر أن الملا حسين الكربلائي قال مغازلاً محبوبته سلمى(10) :
كـل مدنـف(11) برت علته وناداي(12)

(1) هوالچ : من الهوى وهو الحب .
(2) هوالچ : من الهلكة .
(3) هوالچ : من الهواء .
(4) نجد : موضع في الجزيرة العربية وهو الآن إقليم في وسط المملكة العربية السعودية قاعدتها الرياض .
(5) ترابي : من التربة .
(6) ترابي : من الرابية وهو النظر من العلو .
(7) ترابي : مركبة من تَرْين به .
(8) زريج : من أنواع البرغوث والبق .
(9) ديوان الحاج زاير : 191 .
(10) قيل أن حسين الكربلائي لما هاجر كربلاء الى الشطرة هام في حب فتاة صابئية اسمها سلمى فتغزل فيها بشعره الفصيح والدارج .
(11) مدنف : مريض .
(12) وأناداي : مركبة من أنا فيّ داء وهو المرض .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الأبوذية ـ 1 75

عـذبـنـي هــوه شــوگـه وناداي(1)
يسـايـر قف على الـبطـحـة وناداي(2)
يسـلمـى حسـين مشـرف على المنيّه(3)
وينقل الإيرواني(4) عن الشيخ عبد الكريم حرزان أن السيد جعفر الحلي كان يسمع بالمرحوم الحاج زاير ويستذوق شعره فبعث إليه يوماً بالبيت التالي مختبراً إياه .
أمـس ظعن الحمـولـه شــال بالليل(5)
أو حـاديهـم إمعلـي الصـوت بالليل(6)
مـا تعـلـم ابـدمـع الـعـيـن بليل(7)
هدمي والتريده صار بيَّه
فأجابه الحاج زاير جرياً لشعره ومبارياً للمعنى السابق :
بيـش اسـتر يمـاي الـعـين هدماك(8)
أو ناري اسـرجت يا مدلـول هدماك(9)
إنــچـان إنتـه ابدمـع بلّلت هدماك(10)

(1) وناداي : أصلها « وين أدواي » فخففت .
(2) وناداي : من النداء .
(3) المغنون الريفيون وأطوار الأبوذية العراقية : 21 .
(4) الإيرواني هو الحاج محمد باقر جامع ديوان الحاج زاير .
(5) بالليل : هو الليل خلاف النهار .
(6) بالليل : من ليالي وهو ضرب من الحدي .
(7) بليل : من البلل .
(8) هدماك : من الهدم .
(9) هدماك : مركبة ومخففة من « هدوء ماكو » أي لا هدوء لها ويحتمل أن تكون مركبة من « هدّ + ماءك » .
(10) هدماك : من الهدوم وهي الملابس ، الهدمة هي الثوب الخلِق .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الأبوذية ـ 1 76

أخـبـرك وجَّـن اهـدومي عليَّـه(1)
ويذكر أن الملا حسين الكربلائي دعى يوماً الحاج زاير فأجابه بهذا البيت :
كل شخص أبـودادك شغـف ينبيك(2)
أو خلّـي لك ونينـك بيـك ينبيـك(3)
جس نبضـي تره يحسـين ينبيـك(4)
مثلك والـهـوه حـاكـم علـيَّـه(5)
ومن شعر الشاعر حسين العبادي :
حي لـطروشـنا اطروشـك حيينه(6)
عـزيز ومـن تحـي لـيلك حيينه(7)
تمـوت إنمـوت من تحيـا حيينه(8)
صحيت أصحت تمرض مرض بيَّه(9)
وقال أيضاً :
همت بالچول وحدي أبغير ولماي(10)

(1) ديوان الحاج زاير : 189 .
(2) ينبيك : مركبة من ينّ بك أي جن بك .
(3) ينبيك : من المناوبة .
(4) ينبيك : من النبأ وهو الأخبار أي ينبئك .
(5) ديوان الحاج زاير : 191 .
(6) حيينه : من التحية .
(7) حيينه : من أحياء الليل .
(8) حيينه : من الحي ضد الموت .
(9) العروض في الشعر الشعبي العراقي : 78 .
(10) ولماي : من الموالمة أي ليس هناك من يناسبني ويوالمني كناية عن الوحدة .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الأبوذية ـ 1 77

ابشـوگ إلـيبري المعلـول ولماي(1)
جزت روحي مـن الماكـول ولماي(2)
لچن بس الـهـوى يسري علـيّـَه(3)
وقال الملا حسين الكربلائي :
اشحـلاتك يا ترف عندي وشبهاك(4)
صرت بالحـور أوصفنك وشبهاك(5)
دوه(6) چانونك(7) بگلبي وشبهاك(8)
جس نبضي تـره نـاري سريَّـه(9)
ونشاهد من هنا وهناك بعض الأسماء التي عاصرت بعض هؤلاء الشعراء وبالأخص الحاج الزاير المتأخر عنهم قليلاً قد جاروه في الأبوذية ولكنهم لم يشتهروا بها مما يظهر أن الأبوذية قد شاعت في نهاية عهد الحاج زاير .
منهم : محمد آل غضب(10) أحد رؤساء عشيرة الجراح الذي يقول في فتاة قروية وصفت بالحسن والجمال وسميت بـ « ثجيله » :

(1) ولماي : ولم محرفة الألم .
(2) ولماي : من الماء .
(3) العروض في الشعر الشعبي العراقي : 80 .
(4) وشبهاك : من البهاء والمعنى من أي شيء بهاك .
(5) وشبهاك : من الشبه أي أشبهك بالحور .
(6) دُوه : من الدوي .
(7) چانون : كانون .
(8) وشبهاك : من شب وهاك .
(9) روائع الأمثال : 100 .
(10) ولا يخفى أن البيت ورد في كتاب الشاعر حسين الكربلائي : 56 ، منسوباً إلى حسين الكربلائي إلا أن الشطر الثالث جاء بدل « شفت » « صدگ » كما جاء الشطر الرابع : « اشلون اتشم ورد والورد هيّه » .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الأبوذية ـ 1 78

خشـف هذه محلـه او مـحـل ورداه(1)
رمـه چبدي ابسـهم الـعـيـن ورداه(2)
شـفـت ورده تـشـم يا ناس ورداه(3)
شـفتهـا عد ثجـيلـه هـالــسجيَّـه
وبعد برهة التقاه الحاج زاير فانشده ما انشأ فرد عليه الحاج زاير بقوله :
ثجـيـلـه احـلـفت يـمحمد بيدها(4)
ثجيـل الـردف مـا تعــلـم بيدها(5)
انچـان انـتـه شـفـت ورده بيدها(6)
إعيـونـك سـوربت(7) والورد هيّه(8)
ومنهم مراد آل چوير البديري الذي كتب إليه الحاج زاير حيث كانت بينهما صداقة :
أودِّ الـمـوت كـل سـاعــة ولحيه(9)
ابسـبب مـا ظـلـتش غيـره ولحيه(10)
تشـوفـه امـعگَّـل إو نصبـه ولحيه(11)
إلعد مـرتـه وهـو الـعنده سـويـه

(1) ورداه : من الورد على الماء أو المكان .
(2) ورداه : أي وأرداه أي صرعه .
(3) ورداه : من الورد .
(4) بيدها : أي بجدها .
(5) بيدها : أي بيّدها بمعنى تعبها .
(6) بيدها : من اليد .
(7) سوربت : من السراب ، والمعنى أن عيونك رأت سراباً .
(8) ديوان الحاج زاير : 189 .
(9) لحية : أي ولا أحيى .
(10) لحية : أي ولا حياء .
(11) لحية : اللحية .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الأبوذية ـ 1 79

فلما أطلع عليه مراد البديري أجابه بقوله :
مـريـد الـنذل لا شـوفـه ومرته(1)
أو لـو يصبح مثـل جعفـر ومرته(2)
تشوفـه إمعگّـل أو نصبـه ومرته(3)
تگلـّه اسكت أو خلّـي الـرّاي إليّه(4)
وقد تبين مما ذكرناه أن هؤلاء الأربعة قد شكلوا هرم الأبوذية في العصر الأول لها حيث العبادي في قمته وكل من الكربلائي والدويچي في زاويتي قاعدته يتوسطهما الحلي ويستحق كل من الكربلائي والدويچي أن يطلق على كل منهما أمير الأبوذية أو عميدها حيث أنهما كانا الدعامتين الأساسيتين لهذا النوع من الشعر الدارج فالأول أبدع فيها وطورها والثاني أكثر في الإنشاء عليها . ولاحتمال تقدم الكربلائي على صاحبه في الإنشاء لملازمته للعبادي بالإضافة إلى ابداعاته ربما استحق تلقيبه بأمير الأبوذية وتلقيب الدويچي بعميدها ويكون الحلي في القلب كما هو وارد في الشكل الهرمي التالي .
وأما عن أول من استخدم الأبوذية في الأدب الحسيني فيقول العامري إن الشعراء الثلاثة عبد الأمير الفتلاوي المتوفى عام 1380 هـ وعبود غفلة

(1) مرته : من المرور .
(2) مرته : من الإمارة .
(3) مرته : من المرأة أي زوجته .
(4) ديوان الحاج زاير : 190 .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الأبوذية ـ 1 80

المتوفى عام 1356 هـ وحسين الكربلائي المتوفى عام 1328 هـ أول من نظموا الأبوذية الحسينية وبطريقة النعي(1) ومن الخليق بالذكر أن الشيخ حسين الكربلائي هو أقدمهم في ذلك ومن شعره الحسيني قوله :
روحي امـن الصبر ملّت وصاحت(2)
او مثلها مـا انسـبت حرّه وصاحت
على التل أوگـفت زينب وصاحت
نـادت يخـوتـي يهـل الـحميّـه(3)
ولعل عبود غفلة هو ثاني من نظم الأبوذية في الأدب الحسيني ويأتي الحاج زاير في المرتبة الثالثة حيث أنه بدأ بنظم الشعر الحسيني في آخر حياته ، ومن الجدير بالذكر أن عبود غفله كان أكبر من الحاج زاير بسنة واحدة إلا أن الثاني توفي قبله بـ 27 سنة ، ويأتي الفتلاوي في الدرجة الرابعة ، وحتى لا نصيب القارىء بجهالـة(4) نثبت هنا جداول مواليدهم ووفياتهم ونترك الأمر للقارىء وتقول : والله العالم بحقائق الأمور :
حسين الكربلائي 1283 هـ 1328 هـ
زاير الدويچي 1277 هـ 1329 هـ
عبود غفله 1276 هـ 1356 هـ
عبد الأمير الفتلاوي 1297 هـ 1380 هـ
ومن أبوذية الحاج زاير في الأدب الحسيني(5) قوله :
يحادي الـعيـس بالله اعلـيك ونهن(6)

(1) المغنون الريفيون وأطوار الأبوذية العراقية : 28.
(2) سيأتي في حرف النون من هذا الديوان .
(3) تراث كربلاء : 129.
(4) إشارة إلى قوله تعالى : « ان تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين »[ الحجرات : 6 ] .
(5) ولا يخفى اننا لم نعثر على أكثر من مقطوعتين من الأبوذية في الإمام الحسين عليه السلام هذه إحداهما راجع حرف الراء والنون من هذا الديوان .
(6) ونهن : من التأني.
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الأبوذية ـ 1 81

لـما يگـضن خـوات حسين ونهن(1)
هـاي الـجثث باجي الـرّوس ونهن(2)
خـذوهـن للدّعـي وابن الـدّعيّـه(3)
ومن أبوذية عبود غفله في الأدب الحسيني قوله :
هِمـومِـي طـودْ يَذْبُـلْ ماحِمَلْهَا (4)
عَلَى آلمابُگَه آبْوادِي الطَّفْ حِمَلْهَا (5)
لـو ما يِسْـگِطْ الـزَّهْـرَه حِمِلْـهَا (6)
مـا طـاحْ الـسِّبِطْ بِالْـغاضِرِيَّـه (7)
ومن أبوذية عبد الأمير الفتلاوي في الأدب الحسيني قوله :
الگَلبْ شاجِر عَلَى آبْنُ أمْي وَداوِي (8)
تِضَعْضَـعْ و ِآنْهِدَمْ حَيلـي وَداوِي (9)
لا مَجْـروحْ حتـى آگْعِـدْ وَداوي (10)
وَلا غايِبْ وَاگـولْ ايْعـودْ إليَّـه (11)

(1) ونهن : من الأنين .
(2) ونهن : مركبة من أين هن .
(3) ديوان الحاج زاير : 42 .
(4) حملها : من الحِمل بالكسر وهو الثقل .
(5) حملها : من الحماية .
(6) حملها : الحمل ما في بطن المرأة(الجنين) .
(7) جمر المصاب : 13 ، الأبوذية الكبرى : 58 .
(8) وداوي : من الدوّي .
(9) وداوي : الواهن ، والشيء الذي فيه العلة .
(10) وداوي : من المداواة بمعنى العلاج .
(11) سلوة الذاكرين : 155 .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الأبوذية ـ 1 82

هذا الديوان

لم أعهد أن استخدمت الأبوذية بهذا الكم الهائل في غير واقعة الطف الحزينة التي آلت إلى استشهاد الإمام الحسين عليه السلام والنخبة من أهل بيته مع الصفوة من أنصاره وكأنها ابتدعت لتكون المركب الذلول لرثائهم وقد أبدع الشعراء في استخدامها لأغراضهم في هذا المجال ، ورغم أن هذا اللون من الشعر الدارج لم يتطرق إليه إلا القليل منهم فقد تكونت عندنا خلال فترة زمنية قصيرة مجموعة كبيرة بلغت معنا لحد الآن ثمانية دواوين ولعلها تتجاوز العشرة فيما بعد وهي جديرة بالاهتمام من حيث التركيبة والغرض .
وهنا لا بد من الإشارة إلى أمور يناسب استعراضها في مقدمة هذا الديوان وهي كالتالي :
1 ـ لقد حاولنا جهد الإمكان إستقصاء كل ما ورد في حق الإمام وأهل بيته وأنصاره فما كان بوسعنا إلا الذي قدمناه ، ورغم يقيني بأن المنظوم من هذا اللون كثير جداً ربما كان ضعف الذي حصلنا عليه إلا أن صعوبة الوصول إليه هو الذي جعلني بأن أباشر بطبع هذا الديوان ولعلها الوسيلة الوحيدة لفك قيد ذلك الكم المحاصر في جنوب العراق حيث العمق الطبيعي لهذا اللون من الشعر وما زالت المحاولات جارية للوصول إليها رغم صعوبة ذلك بسبب الوضع الأمني لتلك المنطقة .
2 ـ لقد اتخذنا من الجناس المستخدم في الأبوذية عنواناً لها تماشياً مع التسمية التي ساد استعمالها عند من يتعاطونها ولعله الوسيلة الأفضل للتمييز بين المقطوعات ، وهذه أيضاً لا تخلو من محاذير كاتحاد بعض العناوين إلا أنها الأنسب ، وقد استخدمنا الأرقام في الفهرس للتمييز بين العناوين المتحدة ، وحيث أن ترتيبها وقع على أسبقية الشاعر فالرقم أيضاً يدلنا على ذلك .

دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الأبوذية ـ 1 83

ولا يخفى على القارىء أن ترتيب المقطوعات إنما جاء حسب الحروف الهجائية للعناوين ولكن الذي لا بد من التأكيد عليه أن استخدام الحروف الهجائية بالنسبة إلى العناوين إنما جاء من اليسار إلى اليمين وللتوضيح فإن عنوان المقطوعة المعنونة بـ « مرتاب » مثلاً جاء على الشكل التالي : ( ب ، ا ، ت ، ر ، م ) فالقافية هي الباء ويراعى بعد ذلك الحرف الذي قبله وهكذا إلى أن يتم الجناس ، وهو إذاً مقدم على « ولعتاب » باعتبار ما ذكرناه وهو على الشكل التالي : ( ب ، ا ، ت ، ع ، ل ، و ) فهو أيضاً من قافية الباء ويتحد مع الأول في أن الحرفان قبله الألف ثم التاء ، ولكن الحرف الرابع في الأول « راء » وهو مقدم على حرف العين كما في الثاني .
وفي الحقيقة لم نملك لحد الآن طريقة أفضل لترتيب المقطوعات غير الذي ذكرناه .
3 ـ قد يجد القارىء بعض النقص في هوية شاعر ما حيث لم نذكر أباه مثلاً أو لقبه المعروف به أو سنة وفاته على الأقل لقد حاولنا تلافي هذا النقص بأقصى ما نستطيع وبذلنا محاولات جادة في هذا المضمار ، إلا أن معظمها باءت بالفشل ويعزى سبب ذلك إلى أن هؤلاء الشعراء كانوا مغمورين ولم يفصح الزمان عنهم وعرفوا في منطقتهم بأسمائهم المجردة وتناقل الناس أشعارهم فبقيت أسماؤهم مجردة نأمل أن نوفق فيما بعد على الحصول عليها ، وإلى جانب هذا فإن هناك مقطوعات لم نتمكن من التعرف على ناظمها ولعلنا نحصل على شيء من ذلك في سير عملنا إن شاء الله تعالى .
4 ـ وأخيراً لا بد من الإشارة إلى أننا بذلنا جهوداً مضنية للتخلص من التصحيف الكثير الذي اكتنف هذه المقطوعات ولعل السبب في وقوع مثل هذه التصحيفات إنما هو أن الذين تعاطوا الشعر الدارج هم من عامة الناس الذين لم يعتنوا بالكثير من القواعد والأصول المتبعة ، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى أن المثقفين لم يعتنوا بهذا النوع من الشعر تدويناً وطباعة وتحقيقاً حيث أن الكثير منهم بعيدون عنه ولعل هذا هو السبب المباشر للتصحيف .
5 ـ من الملاحظ أننا قد وقعنا فيما كنا نحاول تجنبه وهو تكرار شرح الكلمات إلا أن الجناس المتخذ في مثل الأبوذية هو الذي أضطرنا إلى مثل هذا التكرار وذلك لضرورة بيان المراد منه في كل مقطوعة بحد ذاتها حيث

دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الأبوذية ـ 1 84

إن الجناس يحتمل معاني عديدة ولا بد من توضيح الفرق بين الكلمات الثلاث المستخدم في الجناس ولكنا حاولنا قدر الإمكان الإشارة إلى المعنى دون الخوض في أصوله فيما إذا مضى شرحها والتركيز على الكلمة التي وردت لأول مرة .
6 ـ هناك أمور كثيرة لا بد من التطرق إليها قبل سرد الشعر ، وبما أنها لا تختص بالأبوذية بل بمطلق الشعر الدارج فقد أوكل أمرها إلى باب مقدمة الشعر الدارج فليراجع .



دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الأبوذية ـ 1 85

نهاية المطاف

وهنا تجدر الإشارة إلى أمور يكثر وقوعها في الشعر الدارج كنا قد تحدثنا عنها في مقدمتنا عن الشعر الدارج بشكل عام لكن كون ديوان الأبوذية قد أخذ طريقه للطبع قبل تلك المقدمة لذا فإن الضرورة تدعوني إلى توضيح هذه الأمور ولو بإيجاز هنا وذلك لأهميتها وهي :
1 ـ لقد تعارف عند شعراء العامة إضافة حرف ساكن على بعض المصارع وبإضافته يضطر إلى إضافة همزة مكسورة لتجنب الابتداء بالساكن وبهذا تخرج عن التفعيلة إلا أن الأذن الموسيقية لا تأباه وكأن إدغاماً وخفة يتآلفان بين السبب الخفيف والوتد المجموع فيؤول على أرض الواقع إلى وتد واحد ، بينما في حال تقطيع التفعيلات تظهر زيادة الحرف أو الحرفين وحينئذ تخيل التفعيلة والظاهر أن طريقة الإنشاد عندهم تلعب دوراً في ذلك مما لا يتنافر منها صاحب السليقة وقد استخدمها كبار شعرائهم وتداولها دون نقد ، ولا يخفى أن بالإمكان اجتنابها ومع هذا فلا يكلفون أنفسهم ، وقد أشرنا إلى بعض العينات منها طي هذا الديوان الذي بين يديك وأشرنا إلى ما هو الأفضل .
مثال ذلك ما أنشأه الشاعر عبد الأمير الفتلاوي المتوفى عام 1380 هـ في الشطر الأول من الأبوذية :
« إلسفر ياهل الهوه غير شكلنه »(1)
فالتفعيلة هي مفاعيلن مفاعيلن فعولن ، إذا حذفنا الألف واللام من السفر وإلا فكانت التفعيلة الأولى المفاعيلن(/ه//ه/ه/ه) وهذه التفعيلة مرفوضة ممن يملك الذوق السليم إذ لولا الخفة والإدغام لفقدت جماليتها ،

(1) فاكهة القلوب : 62 .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الأبوذية ـ 1 86

إذاً فالسبب الخفيف أدغم في الوتد المجموع ادغام خفة فأصبح موسيقياً مفاعيلن(//ه/ه/ه) .
2 ـ إن مستوى بعض الأبيات لا يتناسب وقضية الإمام الحسين عليه السلام وشخصه فهناك من ينظم عن لسان حال الإمام الحسين عليه السلام أو أهل بيته وأنصاره ويستخدم كلمات لا يتناسب مع مقامهم مما يدل على عدم مقدرته على إنشاء الشعر بالمعنى الذي وضع له الشعر ، وهناك ومع الأسف بعض العينات لا يمكن اطلاق اسم الشعر والنظم عليها ويأباها الذوق الشعري لفقدها الكثير من الموازين التي لا بد من الالتزام بها ، ولعل السبب يعزي إلى أمرين :
أ ـ إن اهتمام الشاعر قد ينصب على صنع الجناس وينسى تلك الموازين التي تعد شرطاً أساسياً في النظم وبذلك يفقد الجمالية والمعنى وربما الوزن .
ب ـ قد يتوجه لكسب الأجر والثواب بتصور أنهما يتحققان بمجرد الإنشاء غافلاً عن أن اللأجر على قدر المشقة وأن خير الأمور أحمزها مضافاً إلى أن بعض المفردات قد تسيء بالممدوح والمرثي بل قد يكون هتكاً لحرمة الإمام عليه السلام مما يوجب حط الأعمال والأجر فيما إذا كان غافلاً وإلا فيعاقب عليهما ، ولا بد للشاعر أن يراعي أخلاقية الشعر .
3 ـ قد يلاحظ القارىء في طيات الديوان بعض الحروف قد رسمت كما هو في اللهجة الفصحى كالقاف مثلاً بينما يجدها قد رسمت في نفس الكلمة كما هو في اللهجة الدارجة فترسم گافاً ، ويعود السبب إلى أن الناظم قد يكون من غير جنوب العراق ، وقد فصلنا الكلام عنه في محله(1) .
4 ـ بالنسبة إلى المجاراة فقد غفل بعض شعراء الدارج عن شرطين أساسين أولهما أن يكون في البيت المجارى ما يستحق مجاراته ، وثانيهما أن يأتي المجاري بالمعنى البديع في إنشائه دون خلل أو نقص ، وإلا فينطبق عليه قول الشاعر : « يريد أن يعربه فيعجمه » .

(1) المدخل إلى الشعر الدارج .

السابق السابق الفهرس التالي التالي