الطبعة الأولى1422 هـ ـ 2001 م
الحمد لله وسلامٌ على عباده الذين اصطفى(2) آدمَ ونوحاً وآلَ إبراهيم وآلَ عمرانَ على العالمين ، ذريّة بعضها من بعضٍ واللهُ سميعٌ عليم(3) ، إنّه لقول رسول كريم(4) ، إني لكم رسولٌ أمين(5) ، أبلغكُم رسالات ربّي و(6) لا أسألكم عليه أجراً إلا المودّة في القربى(7) وآتِ ذا القُربى حقّه(8) ذلك خيرٌ للذين يُريدون وجه الله وأولئك هم المفلحون(9) . صدقَ الله(10) العليّ العظيم (11)
« إن الحسين مصباح هدى وسفينة نجاة وإمام خير ويمن وعز وفخر وبحر علم وذخر » (1) وصدق رسوله الكريم
لن ندخل في هذه المقدمة الموجزة في جدلية صحة نسبة نظم الشعر للأئمة عليهم السلام أو عدم صحتها ، فهذا أمر قد تناوله المؤلف في مقدمته التفصيلية الشاملة لهذا الكتاب ، لكن ما لابد من قوله في هذا المقام ـ أو ربما التذكير به ـ أن أئمتنا عليهم السلام هم سادة البلاغة كما هم سادة العلم والتقوى والخلق الرفيع ، وليس غريباً أن تكون لهم أبيات أو قصائد نظموها في مناسبات عديدة ، الغاية منها إيصال الحكمة ، والعبرة ، والمعرفة ، والموعظة إلى قلوب وعقول الناس ، كون الأزمنة التي عاشوها اشتهرت بوجود شعراء كبار ، وبحضور بارز للشعر في الحياة الاجتماعية لتلك العصور . على أية حال ، وكما أشرنا في بداية هذه المقدمة من تجنب خوضنا في جدلية نسبة نظم الشعر لهم عليهم السلام ، فإذا كانوا لم ينظموا الشعر وإنما نسب إليهم ، فهذا أمر قد تلافاه معظم المؤلفين والباحثين من خلال ذكرهم عبارة ( من الشعر المنسوب إليه ـ الإمام ـ عليه السلام ) ، أي أنهم لم يجزموا أو يؤكدوا انتماء هذه الأبيات أو تلك القصيدة لذلك الإمام أو لغيره . يبقى أم كونهم عليهم السلام قد نظموا الشعر فعلاً ، فهم عليهم السلام ، لابد من أنهم أرادوا تحقيق واحد من أمرين ، أو ربما الاثنين معاً :
الكريم بقوله عنهم ـ الشعراء ـ :« والشعراء يتبعهم الغاوون ، ألم تر إنهم في كل واد يهيمون ، وأنهم يقولون ما لا يفعلون ، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات» . أيها القارئ الكريم : هذا باب آخر من أبواب موسوعة « دائرة المعارف الحسينية» ألا وهو ديوان الإمام الحسين عليه السلام ، والذي يحتوي على جزئين ، يتضمن الأشعار التي تنسب إليه ، وهي ـ وذلك من نافلة القول ـ مدرسة متكاملة المناهج في الحكمة والموعظة الحسنة ، والتوعية الإسلامية والفلسفة الإسلامية ... الخ . والمؤلف لهذه الموسوعة أضفى على هذا الديوان بعض المعالم التي تميزه عن سائر النسخ المطبوعة حتى الآن بذكره لسبب الإنشاء ، وللبحور ، والسند ، والراوي ، ونوع القافية والإعراب ، واللغة ، والحكمة ، والنسبة ، وغيرها من الأمور الكثيرة التي لامجال لتعدادها هنا . وهذا الجزء هوالحادي والعشرون من أجزاء هذه الموسوعة الكبيرة التي طبعت حتى الآن ، والتي نواصل طباعتها ، على أن تصدر أجزاؤها تباعاً ، وكل هذا إنما هو بتأييد من الباري عز وجل ، ومباركة من الإمام الحسين عليه السلام ، وبدعم مشكور من محبي هذا الإمام العظيم من أئمة أهل البيت عليهم السلام الذين هم كما وصفهم الصادق الأمين ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق . وجعلنا الله وإياكم من ركاب هذه السفينة حتى بلوغها بر الأمان والطمأنينة ، يوم لاينفع فيه مال ولابنون إلا من أتى الله بقلب سليم . 14 / ربيع الأول / 1421 هـ
إلهي إياك أستمد حيث لطفك الثجج وبالصلاة على مبعوثك استسهل خوض اللجج ومن آله استلهم حيث اخترتهم لي نعم الحجج
لندن
إن من أسس الكتابة أن يضع الكاتب الهيكل العام من الأبواب والفصول إو ما شابهها ، بعد دراسة الموضوع الذي يريد الكتابة عنه ، ونحن بدورنا قمنا بما تحتمه هذه الحقيقة فوجدنا أنفسنا في هذا الباب أمام تراث كبير ولم نكن نتصور في بادئ الأمر أن هذا الفصل سيتحول إلى باب مستقل بحد ذاته ليستعرض فيه كل ما صدر عن الإمام الحسين عليه السلام من النثر والشعر ، إذ الكم الهائل من هذا التراث العظيم أخذ يفرض نفسه على تقسيمات الأبواب والفصول لذلك لم يعد بالإمكان حصره في كتاب أو كتابين ، ولذلك عمدنا إلى توزيعه على فصول ليحمل كل فصل اسماً خاصاً به يسهل على القارئ والباحث الوصول إليه بسهولة ، ومن هنا جاء تخصيص مؤلف خاص بالدعاء ، وآخر بالخطب وهكذا ، وقد نال الشعر أيضاً فصلاً خاصاً بنفسه وحمل عنواناً مستقلاً ، واخترنا له كلمة الديوان ليتماشى مع العرف السائد منذ قرون على هذه التسمية حيث وجدناها أوفى بالغرض من غيرها من التسميات الحديثة التي لم تجتمع فيها مواصفات العلمية ، ولاشك أن بعضها يحمل عناوين فيها من الجمالية والشاعرية ما لا يخفى ، ولعلها توحي بما يحمله الديوان من الأغراض والأهداف ولكنها تبقى بحاجة للإشارة إلى أنها شعر كماهو ملاحظ في طبعات أمثال هذه الدواوين حيث تلحق بتلك العناوين كلمة « شعر » أو تسبقها كلمة « ديوان » للدلالة على أن محتواها هو الشعر . هذا وسنبين في آخر بنود هذه المقدمة التمهيدية عملنا في هذا الديوان لتتضح منهجيتنا في هذا المقطع من الكلام المنسوب إلى الإمام الحسين عليه السلام. والله جل وعلا نسأل التوفيق لإتمام هذا الديوان بل وسائر الأبواب الأخرى بأحسن وجه وبالشكل الذي يليق بمقام أبي عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام إنه سبحانه وتعالى نعم المولى ونعم النصير .
منذ أن ولد الإمام الحسين عليه السلام في ليلة الخامس من شهر شعبان المعظم السنة الرابعة من الهجرة وحتى استشهاده في العاشر من شهر محرم الحرام السنة الحادية والستين من الهجرة برز عدد كبير من الشعراء بلغ عددهم نحو مئة شاعر ، ولكن عدد المتفوقين منهم لم يتجاوز الخمس أي عشرين شاعراً فولد صلوات الله وسلامه عليه وكان على قيد الحياة خمسة من كبار شعراء الجاهلية وهم أمية بن أبي الصلت (1) والأعشى ميمون بن قيس (2) وعامر بن الطفيل (3) ودريد بن الصمـة (4) ولبيد بن ربيعة (5) وكان أولهم موحداً هجر عبادة الأوثان وشرب الخمر وكاد أن يسلم إلا أنه لم يوفق بسبب موقف قومه ثقيف من الإسلام والرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، وكان في شعره
يذكر الله واليوم الآخر فمن ذلك قوله من الخفيف :
وكان ثانيهم عامر بن الطفيل الذي عرض عليه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الإسلام إلا أنه لم يوفق هو الآخر فمات من سنته إلا أن في شعره شيئاً من الحكمة ومن ذلك قوله من الطويل :
وأما ثالثهم أي الأعشى بن ميمون فكان من أهل الكتاب حيث كان يهودياً ووصل به قربه إلى الإسلام أن نظم قصيدة في مدح الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ووفد بها إلى الحجاز فخاف مشركو قريش أن يزيد مدحه للرسول صلى الله عليه وآله وسلم في سرعة انتشار الإسلام فساومه أبو سفيان بأن يدفع إليه مئة جمل إذا هو ترك إنشاد القصيدة بين يدي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فقبل عرضه ولم يوفق فمات من سنته وبداية قصيدته التي من الطويل هي :
وأما رابعهم وهو دريد معاوية فلم يتشرف باعتناق الإسلام ورغم أنه لم يكن قادراً على المبارزة إلا أن قومه اصطحبوه إلى معركة حنين فقتل فيمن قتل ولم يكن في شعره حكمة ومات مشركاً . وأما لبيد فإنه أسلم على يد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ضمن وفد بني عامر إلى المدينة ومن شعره قصيدة من ـ البسيط ـ مطلعها :
ورغم ذلك فلم يعدوه ممن حسن إسلامه بل عدوه في المؤلفة قلوبهم . وعلى أية حال ففي هؤلاء الخمسة اثنان من أصحاب المعلقات : الأعشى ولبيد وهما من فحول شعراء الجاهلية وفي عهدهم ولد الإمام الحسين عليه السلام . وقد التقى الإمام الحسين عليه السلام منذ نعومة أظفاره بعدد كبير من الشعراء المخضرمين ممن كانوا يفدون على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وينشدون شعرهم أو لاينشدونه ، فقد نشأ الإمام عليه السلام في أجواء ما بعد التوقف عن إنشاء الشعر ليتحول إلى شعر ذي طابع إسلامي يحمل المفاهيم التي نشرها جده الرسول صلى الله عليه وآله وسلم . ولا يخفى أنه عاش في أسرة كان أفرادها جميعاً ينظمون الشعر فهذا أبوه علي أمير المؤمنين عليه السلام وذاك جده أبو طالب هو الآخر كان ينظم الشعر، وتلك أمه السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام وذاك أخوه الإمام الحسن عليه السلام وأولئك أعمامه وأخواته وغيرهم كلهم كان ينظم الشعر ، فقد عاش الإمام في بيئة تستذوق الشعر وتمارسه إنشاء وإنشاداً وعايش احداثاً وحروباً كان للشعر فيها دور كبير سواء الفخر منه أو الحماسة أو السياسة ، وقد ترك فحول الشعراء مساجلاتهم كما انتشر الشعر العقائدي والديني بشكل واسع فكان في تلك الفترة أمثال حسان بن ثابت (1) المتوفى عام 54 هـ ، والحطيئة (2) المتوفى عام 59 هـ ، والمتوكل الليثي (3) المتوفى عام 64 هـ ، والنابغة الجعدي (4) المتوفى
عام 65 هـ ، وأبو الأسود الدؤلي (1) المتوفى عام 69 هـ ، ويزيد بن مفرغ (2) المتوفى عام 69 هـ ، وعبيد الله بن قيس الرقيات (3) المتوفى عام 75 هـ ، وأعشى همدان (4) المتوفى عام 83 ، وأعشى أبن أبي ربيعة (5) المتوفى عام 93 هـ ، والأخطل التغلبي (6) المتوفى عام 95 هـ ، والفرزدق (7) المتوفى عام 114 هـ ، وجرير (8) المتوفى عام 114 هـ ، فالتقى ببعضهم وسمع لبعضهم الآخر ، وحاور قسماً منهم وعايش آخرون ومدحته مجموعة منهم ورثته طائفة أخرى ، وللكثير من هؤلاء أخبار معه بشكل خاص أو بشكل عام أوردناها في باب السيرة ، فمن شاء فليراجع .
إن المتتبع لسيرة إمام الإباء أبي عبد الله الحسين عليه السلام يرى أنه كان يعير اهتمامه للشعر بل للشعراء أيضاً . فأما بالنسبة إلى الأمر الأول فيكفي إلقاء نظرة على القسم الثاني من هذا الديوان الذي اوردنا فيه عدداً من الأبيات التي استشهد الإمام عليه السلام بها في خطبه وكلامه وحواراته ، كما هو الحال في استشهاده بالآيات القرآنية الكريمة والأحاديث الشريفة ، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أمرين : الأول : اهتمام الإمام بالشعر وتذوقه للأدب الرفيع الذي حملته هذه الأبيات من الحكمة والمعاني السامية . الثاني : إن المجتمع كان ذواقاً للشعر ، وللشعر تأثير في تقبله للمفاهيم التي استهدفها الإمام عليه السلام من خلال كلامه وإنشاده ، والشعر كان وما يزال أكثر التصاقاً بالذاكرة من النثر خاصة إذا كان هذا الشعر من عيونه . وبغض النظر عن صحة نسبة إنشاء الشعر إلى الإمام الحسين عليه السلام فإن إنشاده للشعر هو الوجه الآخر لاهتمامه بهذا الجانب الأدبي . وقد تقدم الحديث عن شعر الإمام الحسين عليه السلام بشكل جانبي في مقدمة باب الدواوين « المدخل إلى الشعر العربي القريض »(1) . وأما الظاهرة الثانية فهي اهتمامه بالشعراء ، فقد ذكر المؤرخون موارد متعددة لحوار الإمام عليه السلام مع عدد من فحول الشعراء نذكر ما تيسر منها :
فلقد روى الجوهري (2) بإسناده (3) أنه أراد الرجوع إلى ديرته فدخل أيام عثمان (4)على الحسن والحسين ابني علي عليهم السلام فودعهما ، فقالا له : أنشدنا من شعرك يا أبا ليلى فأنشدهما قصيدته من المنسرح : والتي يذكر فيها ضروب التوحيد والإقرار بالبعث والجزاء والجنة والنار ومطلعها :
فقالا : يا أبا ليلى ما كنا نروي هذا الشعر إلا لأمية ابن أبي الصلت (5) . فقال : يابني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إني لصاحب هذا الشعر وأول من قاله ، وأن السروق لمن سرق شعر أمية(6) .
كان على صلة بالإمام الحسين عليه السلام وكانت له مكانة عنده ، ويروى (2) : « أن آخر لقاء للفرزدق بالإمام الحسين عليه السلام كان في التنعيم (3)يوم السادس من ذي الحجة عام 60 هـ فقال له الحسين عليه السلام ما وراءك ؟ قال : يابن رسول الله ، أنفس الناس معك ، وأيديهم عليك . قال عليه السلام : ويحك ، معي وقر (4) بعير من كتبهم يدعونني ، ويناشدونني الله . ووقع بينهما حوار وسأله عن مسائل شرعية ثم افترقا ولما قتل الحسين عليه السلام قال الفرزدق : انظروا فإن غضبت العرب لابن سيدها وخيرها فاعلموا أنه سيدوم عزها ، وتبقى هيبتها ، وان صبرت عليه ، ولم تتغير لم يزدها الله إلا ذلاً إلى آخر الدهر (5) ، وأنشد في ذلك من الطويل :
|