دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 48

طبعات العجم (1) فهي وان اشتملت على الجانب الفارسي الا انها مملوءة بالاخطاء الفاحشة ، وخيرها طبعتا نجم الدولة ، وبالرغم من كونهما من الطبعات الحجرية الا ان في صحتهما ما يفضلهما على سائر طبعات الكشكول السابقة على طبعتنا هذه » (2) .
والظاهر انه اعتمد طبعة نجم الدولة ، واما هاتان الطبعتان اللبنانيتان فقد اعتمدت هذه الطبعة ، وقد علمتَ ما ذكره الطهراني عن طبعة نجم الدولة وتصرفه في وضع جميع المخمسات في الكتاب ورغم انه كتب ذلك في المقدمة الا ان المقدمة لم تطبع فيما بعد ولكن الأبيات ظلت في طيات الكتاب ، وجاء من ينقل الاشعار من الشيخ البهائي مباشرة كما فعل صاحب عبير الرسالة حيث يقول : « اورد الشيخ بهاء الدين محمد بن الحسين بن عبد الصمد الحارثي العاملي (3) في كشكوله صفحة 14 ـ 17 ، 175 ـ 160 الجزء الثالث من طبعة مؤسسة الاعلمي هذه القصيدة الرائعة في المواعظ و الارشاد والمنظومة حسب حروف الهجاء . . . » (4) .
3 ـ وهناك بعض المصادر نسبتها الى قطب الدين زين العابدين ، هكذا جاء في ادب الحسين وحماسته حيث قال : « ونسب ـ الديوان ـ ايضا الى قطب الدين زين العابدين (5) ، انه لم يوضح عن شخصيته شيئا كما لم يفصح عما اعتمده في نقله هذه المعلومة ، وقد تحرينا كل ما في متناول اليد من معاجم تجمع بين المركبين « قطب الدين + زين العابدين » فلم نجد من سمي او لقب بهما ، كما حاولنا تحري كتب الخاصة بالمصنفات لنجد ديوانا باسم قطب الدين ينطبق على زين العابدين او بالعكس فلم نعثر في

(1) الطبعات الايرانية ست ، وطبعة الهند واحدة .
(2) الكشكول : 1/89 ـ 90 .
(3) بهاء الدين العاملي ولد في بعلبك عام 953 هـ و توفي باصفهان عام 1031 هـ كان من اعلام الإمامية شارك في معظم العلوم الرياضية والفلكية والغريبة بالاضافة الى الفقاهة والعربية وكان شاعرا اديبا له العديد من المؤلفات الجليلة منها : العروة الوثقى في التفسير ، والحبل المتين في الحديث ، والجامع العباسي في الفقه .
(4) عبير الرسالة : 70 .
(5) ادب الحسين وحماسته : 10 .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 49

مظانها لا في العرب ولا في العجم ، وتتبعنا اخبار الشعراء فيما لدينا من معاجم خاصة بهم على من يناسب ما جاء في ادب الحسين وحماسته فلم نصل الى مبتغانا .
واتصالاتنا مع الشيخ الصابري لم تكن مجدية حيث لا يتذكر شيئا عما كتبه .
4 ـ هذا وقد عثرت على هذا الديوان منسوبا الى بعض السواحليين العرب كما في مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق عام 1396 هـ وفيه : انه لبعض السواحليين العرب والنسخة المخطوطة كانت لاحد ابناء والي كينيا المرحوم مبارك علي الحنائي (1) ، وقد اعتبرها قصيدة واحدة كل خمسة ابيات منها على قافية حسب ترتيب الحروف الهجائية ، وقد ترجم كل بيت مباشرة بعد كل بيت عربي الى السواحلية وجاء في اولها « قصيدة تبارك ذو العلا ، نظم . . . سيد موني منصب بن عبد الرحمان (2)الحسني بقلم محمد ابن ابي بكر بن عمر البكري ملقب بمحمد بن كجوم في بلاد لامو (3)رب اغفر وارحم وانت خير الراحمين » .
كما جاء في نهاية الأبيات : « ملك الشريف حسن بن سيد علو بن قاسم الملا باعلوي ، تم الكتاب بعون الملك الوهاب بقلم محمد بن ابي بكر بن عمر البكري (4)ملقب بمحمد كجوم في بلد لامو ، رب اغفر وارحم وانت خير الراحمين بتاريخ رمضان سنة 1337 هـ والذي بينها سيد منصب ابن عبد الرحمان الحسني عالم في بلاد لامو (5)والسلام » .

(1) مبارك علي الحنائي :
(2) موني منصب : يظهر من النص انه كان من العلماء الاشراف في مدينة لامو ـ كينيا بافريقية ومن الشعراء في اللغة السواحلية ، له معرفة باللغة العربية .
(3) مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق العدد : 3/ السنة : 51/ الصفحة : 574 ـ 591/ التاريخ رجب 1396 هـ = تموز 1976 م .
(4) محمد بن ابي بكر : كان من اهل الفضل في مدينة لامو عاش النصف الاول من القرن الرابع عشر .
(5) لامو : مدينة ساحلية تقع على المحيط الهندي من بلاد كينيا قريبة من الحدود الصومالية .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 50

هذا وقد نشر الدكتور عمر الأسعد(1) ـ جامعة الملك عبد العزيز ـ مكة المكرمة هذا الديوان بمجلة مجمع اللغة العربية بدمشق باسم « قصيدة من إفريقية » ومع الأسف لم ينشر الترجمة السواحلية كما لم ينشر صورتها الخطية إلا أنه قال : « المخطوطة مكتوبة بالخط النسخي الواضح المقروء والمشكول الا انه أصابها في مواقع كثيرة البلل والرطوبة فامحى بعض كلماتها » وقال : « المخطوطة تنطوي على قصيدة من نظم أحد الشعراء العرب السواحليين وقد تفضل بتقديمها إلي الأستاذ الفنان إبراهيم أبو نور شريف البكري(2) مدرس اللغة السواحلية وعلم الفن في قسم اللغات بجامعة روتجرز(Rutgers) بولاية نيوجرزي(3) ـ أمريكا ـ وهو سواحلي الجنسية وإفريقي اللون حصل على هذه المخطوطة ، كما أخبرني أحد أبناء والي ساحل كينيا المرحوم مبارك علي الحنائي » .
وقد قام الدكتور الأسعد بتقويم النص بتقدير ماترك بياضاً في الأصل أو أسقط منه وإصلاح ما فسد نتيجة البلل والطمس ووضعها بين معقفات تدل عليه ، وزودها ببعض الهوامش الضرورية المعينة على جلاء بعض الكلمات .
ومن هنا فإن اختلاف النسخ التي تتفرد بها هذه المخطوطة إنما هو من الدكتور الأسعد . وسنشير إلى ذلك في الهامش عند نقل الأبيات .
ويظهر مما ورد في المجلة ، مايلي :
1ـ ان الكتاب كان ملكاً للشريف حسن بن سيد علو بن قاسم الملا باعلوي .
2ـ استنسخها محمد بن أبي بكر بن عمر البكري الملقب بمحمد كجوم الساكن في لامو وذلك في رمضان عام 1337 هـ .
3ـ ترجمها إلى اللغة السواحلية نظماً سيد منصب بن عبد الرحمان الحسني عالم لامو .

(1) عمر الأسعد .
(2) إبراهيم أبو نور شريف البكري :
(3) نيوجرسي : ( Newjersey) إحدى مقاطعات الولايات الأمريكية الواقعة على المحيط الأطلسي قاعدتها ترانتون .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 51

وأما ناظمها بالعربية فلم يحدده في المخطوطة ، ومن الغريب ان الدكتورالأسعد لم يحقق في ذلك بل اكتفى بقوله: وهي من نظم أحد الشعراء العرب السواحليين .
والحاصل : أن هذه النسخة لاتتنافى مع النسخ المتقدمة التي ذكرناها .
ومن الجدير بالذكر أن هذه المخطوطة تقع في 42 ورقة وقد أشار الدكتور الأسعد إلى بداية كل ورقة منها .
الثانية : التسمية :
هل هي قصيدة أم هي مجموعة مقطوعات ، للوهلة الأولى يتصور المرء بأن هذه المخمسات مقطوعات شعرية حكمية نظمت كل مقطوعة منها بشكل مستقل ، والسبب في هذا التوهم هو تنوع قافيتها وانتقالها من الهمزة إلى الباء وحتى الواو والياء ، ولكن بعد الإمعان في معانيها والتريث عند مداخلها ونهاياتها يجد المتتبع أنها مرتبطة بعضها ببعض ارتباطاً وثيقاً في اتجاهات أربعة :
1ـ الاتجاه المعنوي :
حيث ان معانيها متسلسلة كما هو الحال في القصيدة الواحدة حيث لاتنفصل المعاني بعضها عن البعض الآخر ولتوضيح الحال سنستعرض بعض نهايات القوافي مع بدايات القوافي التي تليها لملاحظة الترابط الوثيق بينهما :
1ـ وقاطنها سريع الظعن عنها وإن كان الحريض على الثواء
يحول عن قريب إلى قصـور مزخرفـة إلى بيت الـتراب
* * *
2ـ لقد آن الـتزود إن عقلنا و أخذ الحظ من باقي الشباب
فعقبى كـل شيء نحن فيـه من الجمع الكثيف إلى الشتات

هذه من بداياتها وأما عن نهاياتها فيقول :

دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 52

1ـ فهذا شغله طمع وجمع وهذا غافل سكـران لاه
يبذر مـاأصاب ولايبـالي أسحتاً كان ذلك أم حلالا
* * *
2ـ فلا تغتر بالدنيا فذرها فما تسـوى لك الدنيا خلالا
وكن بشاً كريماً ذا انبساط وفيمن يرتجيك جميل راي

كل الأبيات جاءت على هذا النسق حيث ترابط المعنى الوثيق بين القافيتين السابقة واللاحقة .
2ـ الاتجاه اللفظي :
وكثيراً ما يلاحظ أن البيت الأخير من القافية السابقة يرتبط بالبيت الأول من القافية اللاحقة بأدوات الربط والإعراب والعطف وما إلى ذلك ومن ذلك على سبيل المثال :
1ـ تخلى عن مروته وولى ولم تحجبه مأثرة المعالي
ولـم يمرر بـه يـوم فظيع أشد عليه من يوم الحمام
* * *
2ـ إليه أتوب من ذنبي وجهلي وإسـرافي وخلـعي للـعنان
فــإن الله تــواب رحـيـم ولي قبول تـوبـة كل غاوي

وترابطها اللفظي واضح لايحتاج إلى بيان .
3ـ الاتجاه في الغرض :
إن الأبيات جميعها تهدف إلى معنى واحد دون الخروج عن الهدف المنشود له ، وكلها تحيك قصة واحدة ، وهي قصة الحياة والموت ، حكاية الدنيا والآخرة ، ومسألة البقاء والفناء ، يريد أن يعظ الإنسان بأن لا يغتر بالدنيا فيصف سيئاتها ويذكره بالموت والرحيل عنها دون أن يأخذ معه غيرعمله الصالح الذي سيصونه عن أهوال القبر ويوم النشر وعند الحساب وفي دار مقامه ، إذ يقول في إحدى أبياته الأولى :
لمن ياأيها المغرور تحوي من المال الموفر والأثاث

دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 53


ثم يقول في أخرى :
عليك بصرف نفسك عن هواها فما شـيء ألذ من الصلاح

ثم ينتقل إلى غيرها فيقول :
هل الدنيا و ما فيها جميعاً سوى ظل يزول مع النهار

إلى أن يقول :
لكل تفرق الـدنيا اجتماع وما بعد المنون من اجتماع
ومن الواضح أنه لم يخرج عن الاتجاه الذي رسمه لنفسه .

4ـ الاتجاه العروضي :
إنه اختار من البحور الوافر التام ذا التوجه المرن حيث يشتد إذا شددته ويرق إذا رققته بما يتناسب وطرح غرض الشاعر ، ويصلح للأنشودة والترنم به ، ومن جهة أخرى فإنه التزم في تفعيلة القافية بوزن « فعولن » المعصوب من تفعيلته السالمة « مفاعلتن » والذي قافيته من المتواتر كما التزم فيها بحرف الروي المكسور مضافاً إلى الألتزام بحرف الألف قبله .
كل هذه الاتجاهات الأربعة توحي بل تؤكد أنها قصيدة واحدة محبوكة أولها بآخرها ولا ينتقض ترابطها باختلاف قوافيها حيث هناك قصائد متعددة القوافي اعتاد الشعراء على النظم على شاكلتها ولو بقلة .
الثالثة : التقييم (1) :
إن هذه المخمسات لاشك أنها ليست من عيون الشعر العربي بل لم

(1) التقييم والتقويم : لاشك أن اللفظين على زنة التفعيل ، والذي هو مصدر فعل يفعل ، تقول : قوم يقوم تقويماً هذا هو الأصل ولاخلاف في ذلك ولكن ساد في الفترة الأخيرة استخدام لفظ التقييم للتثمين بينما استخدم لفظ التقويم للإصلاح ، وفي الحقيقة أن كلمة قوم ـ الفعل الماضي ـ هو بمعنى عدل ، يقال : قوم الشيء اذا عدله ومنه قولهم : تقويم البلدان ، وكذلك يأتي بمعنى سعر تقول : قوم المتاع إذا سعره وثمنه ، ولعل فلسفة استخدام اللفظ في معنيين جاء من أن التعديل يوجب زيادة التثمين ، وعلى أية حال : وبما أن الواو والياء من حروف العلة قد يتبادلان أدوارهما ويتناوبان كما في « بون » و« بين » و« الحول » و « الحيل » وهناك عدد كبير من الألفاظ اعتادوا على استخدامها بالواو تارة وبالياء تارة وقد يغلب أحدهما على =
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 54

يستخدم فيها شيء من المحسنات البديعية ولا براعة بلاغية ، بل إنها تمتلك مقومات النظم فقط ، ونعني بذلك الوزن والقافية ، وتحمل إلينا موضوعاً ثابتاً مقنناًَ بعيداً عن الحركة المعهودة في الشعر ، فلو سلب منها الوزن (1) لأصبحت نثراً عادياً لايدغدغ مشاعر السامع ولايحرك فيه شيئاً وليس فيه ما



= الآخر ومن ذلك أيضاً يقال : اشتداد « حمو الشمس وحميها » وهو « بلو سفر وبلي سفر » إلى غيرها ، وتقول في جمع الصائم والنائم صوم وصيم ، ونوم ونيم ، وفي تثنية الرضا والرحى تقول : رضوان ورضيان ، ورحوان ورحيان ، ومن ذلك قول مهلهل عدي بن ربيعة بن معاوية الأكرمين ـ من الوافر :
كأنا غدوة وبني أبينا بجنب عنيزة رحيا مدير
فلذلك جازلنا في المصدر ان نقول تقويم وتقييم وفي جمع القوم أقاوم وأقايم ، وقال الفراء في جمع أمثال هذه الألفاظ : « من قاله بالواو فعلى أصله ومن قاله بالياء فعلى خائف ونائم بنوا جمعه على واحدة » فيقال خوف وخيف ونوم ونيم . حيث يريد أنهم لما أعلوا المفرد بقلب الواو همزة في خائف وصائم أعلوا الجمع بقلب الواو ياء فهما متشابهان في مجرد وقوع الإعلال عليهما .
هذا وقد ذكر أرباب الاشتقاق والصرف أن لكل تصرف وزيادة ونقيصة فائدة متوخاة ولذلك نجد أنهم في لفظي « البون والبين » ذوي الأصل الواحد استخدم الأول في الفصل والثاني في البعد بحيث لا يقال في البعد إلا بين .
ومن هنا فإذا خصص التقويم لاستقامة الشيء وتعديله وخصص التقييم لتثمين الشيء وتقديره لم نرتكب جناية ، وفي الحديث قالوا يارسول الله لو قومت لنا ، فقال : الله هوالمقوم فلو قيل لو قيمت لنا لتخصص بالتسعير والتثمين دون التعديل والإصلاح . ومن التثمين جاء قيمة الشيء ثمنه ، ولذلك قالوا : القيمة واحدة القيم واصله الواو لانه يقوم مقام الشيء ، وقال الفراء في قوله تعالى :« التي جعل الله لكم قياماً » ـ النساء : 5 ـ التي جعل الله لكم قياماً يعني التي بها تقومون قياماً وقواماً ، وذكر ابن منظور : والجمع قوم وقيم » فإذا جاز أن تقوم الياء بدل الواو أو العكس وجاز تخصيص كل لفظ لمعنى فرعي يشمله المعنى كما في بون وبين فلماذا الجمود إلى هذه الدرجة ، والحال أن الأصل هوالاشتقاق ، ونحن ممن لا نقول بانسداد باب العلم حتى في اللغة وإلا لأصبحت اللغة العربية التي تميزت عن غيرها بالاشتقاق لغة الجمود وهذا ما لا يناسب الحاجة والتطور العلمي ـ راجع لسان العرب : 11 / 357 ، أدب الكاتب : 460 ، وغيرهما لمزيد الاطلاع .
(1) وإنما قيدنا ذلك بالوزن فقط دون القافية لأن في النثر ما يشبه القافية ألا وهو السجع والذي قد يلزم الناثر نفسه به .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 55

هو المطلوب من الشعر ، إنها مجرد قالب شعري استخدمت فيه عبارات لا تخرج عن قواعد اللغة ، قد تغير الكلمة من موضعها لأجل تعديل الوزن والتفعيلة ، فهذا يصح إطلاق النظم عليه دون الشعر كما أوضحنا ذلك في محله (1) .
ورغم أنه يحمل معاني سامية في مجال الوعظ إلا أنه لايمكن وصفه بأنه شعر حكمي كما هو مصنف في الأدب ، إذ أن من مقومات شعر الحكمة أن يحمل صورة غفل عنها الناس بأسلوب يهز الأعماق ، ولايختص بجانب معين من مناحي الحياة كالاجتماع والدين والسياسة والعلم والعمل والأخلاق وغيرها ، ومن ذلك على سبيل المثال ما أنشأه ابن الوردي (2) من الرمل :
إنما الـورد من الشـوك وما ينبت النرجس إلا من وصل (3)

وقد ترتقي الحكمة لتكون مثلاً يشاع بين الناس كقول المتنبي (4) من البسيط :
ماكـل مـايتمنى المرء يدركـه تجري الرياح بما لا تشتهي السفن(5)

ومن شعر الحكمة الحديث عن الفناء والرحيل عن هذه الدنيا والزهد عنها وهذا لايخرجه عن كونه حكمة منشودة ليوصف بشعر التصوف أو العرفان ومن ذلك قول ناصيف اليازجي(6) من الوافر :

(1) راجع المدخل إلى الشعر العربي القريض .
(2) ابن الوردي : هو عمر بن مظفر بن عمر البكري (ـ 749 هـ) حلبي معري شافعي المذهب ، كان من الفقهاء النحويين والأدباء الشعراء ، له كتاب : التاريخ ، وشرح ألفية ابن مالك ، وأرجوزة في تعبير المنام .
(3) نفح الأزهار : 50 .
(4) المتنبي : هو أبو الطيب أحمد بن الحسين ( 303 ـ 354هـ ) ولد بالكوفة وقتل على مقربة من كربلاء ، كان من فحول الشعراء ، ومن الموالين لأهل البيت ، جمع ديوانه فكان جزأين . وقد شرحه أكثر من خمسين أديباً وشاعراً .
(5) ديوان المتنبي : 2 / 344 .
(6) ناصيف اليازجي : هو ابن عبد الله بن ناصيف بن جنبلاط ( 1214 ـ 1278 هـ ) شاعر من حمص ـ سوريا ـ مولده في كفر شيما ـ لبنان ، ووفاته ببيروت ، استخدمه الأمير بشير الشهابي في الكتابة ثم انقطع بعد ذلك للتأليف فصنف مجموعة جليلة منها : الجوهرالفرد ، مختارات اللغة ، مجمع البحرين .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 56

وكم يمضي الفراق بلا لقاء و لكن لا لقاء بلا فـراق (1)

وهذه المخمسات لا تحمل معاني عرفانية حيث لم يستخدم فيها تلك الاستعارات والمجازات بل المبالغات المتعارف استخدامها من قبل أرباب العرفان ، ولايخفى أن للشعر العرفاني صوراً متعددة إلا أن محوره الأولي هو الزهد عن الدنيا ومتاعها وعدم الركون إليها والتوجه نحو الله المستجمع لجميع الصفات الكمالية والتي لايستحقها غيره كما نجد ذلك في قول الإمام الحسين عليه السلام نفسه حيث يقول من الوافر :
تركت الخلق طراً في هواكا وأيتمت العيال لـكي أراكا

وربما عبر عن الشعر العرفاني في بعض المجالات بالتصوف فيما إذا كان زهداً عن زبرج الدنيا كما في قول ابن الفارض(2) من الطويل :
و أبعـدني عـن أربعـي بعد أربـع شبابي ، وعقلي ، وارتياحي وصحتي
فلي بعد أوطـاني سكون إلى الفـلا وبالوحش أنسي إذ من الإنس وحشتي
وزهد في وصلـي الـغواني إذ بدا تبلج صبح الـشيب في جنح لـمتي (3)

وللعرفان صور أخرى حيث يصبح للمفردة ظاهر وباطن ويعتبرونه من الصور البديعة جداً يفتخر أهلها بتحويلهم لتلك المعاني الفاسقة إلى معاني ربانية عرفانية ، فلو أخذت بظواهرها كان كفراً وضلالاً وإن أخذ بباطنها كان زهداً وتقى ، وهذه الظاهرة أكثر تفشياً في الشعر العرفاني الفارسي من غيره ، وعلى اية حال لسنا بصدد ذلك ، وما نحن بصدده ان هذه الأبيات لاتصل الى مصاف الشعر الحكمي ولا العرفاني ولا إلى شعر الوعظ الذي طرحه الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ومن بعده أبناءه الكرام القائل على سبيل المثال في الحكمة من السريع :
لاتصنع المعروف في ساقط فذاك صنع ساقط ضـائع

(1) نفح الأزهار : 57 .
(2) ابن الفارض : هو عمر بن علي بن المرشد الحموي مضت ترجمته.
(3) ديوان ابن الفارض : 115 ، الكنى والألقاب : 1 / 375 .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 57

وضعه في حر كريم يكن عرفك مسكاً عرفه ضائع (1)

ومن نظمه عليه السلام في العرفان قوله من السريع :
اغن عن المخلـوق بالخالـق تغن عن الكاذب بالـصادق
واسترزق الرحمان من فضله فلـيس غير الله من رازق (2)

وأما قوله عليه السلام في الوعظ وعدم الركون إلى الدنيا من الطويل :
أرى عـلل الـدنيا علي كثيرة وصاحبها حتى الممات عليل
لكل اجتماع من خليلين فرقـة وكل الذي دون الممات قليل (3)

فأين الثرى من الثريا .
الرابعة : مسألة التاريخ أو النشأة :
إن هذا النمط من الشعر أي الالتزام بكل القوافي والذي هو نوع من أنواع المسمطات فقد سمي قسم منها بالمخمسات في عهود متأخرة عن القرنين الأول والثاني ، قال ابن رشيق (4) : « ونوع آخر ـ من المسمطات ـ يسمى مخمساً وهو أن يؤتى بخمسة أقسمة على قافية ثم بخمسة أخرى في وزنها على قافية غيرها كذلك إلى أن يفرغ من القصيدة هذا هو الأصل » (5) ، ويضيف قائلاً : « وقد رأيت جماعة يركبون المخمسات والمسمطات ويكثرون منها ولم أر متقدماً حاذقاً صنع شيئاً منها لأنها دالة على عجز الشاعر وقلة قوافيه وضيق عطنه (6) ... » (7) .

(1) روائع الحكم في أشعار الإمام علي بن أبي طالب : 41 .
(2) ديوان الإمام أميرالمؤمنين جمع الأمين العاملي : 97 .
(3) من الشعر المنسوب إلى الوصي علي بن أبي طالب : 109 .
(4) ابن رشيق : هو الحسن بن رشيق القيرواني ( 390 ـ 456 هـ ) ولد في المسيلة بالمغرب ، عمل في صياغة الذهب ثم اختار الأدب والشعر وانتقل إلى جزيرة صقلية إلى أن توفي فيها ، له عدد من المصنفات منها : قراضة الذهب ، ميزال العمل ، ديوان شعره .
(5) العمدة : 1/ 335 .
(6) العطن : مبرك الإبل حول الماء ، ويقال على المجاز ضيق عطن الشاعر : أي قلة مادته .
(7) العمدة : 1/ 338.
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 58

ولا يخفى أن نشأة شعر المخمسات هذا كانت في القرن الرابع الهجري هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فإن المراد بالمخمسات هي المقطوعات ذات الأشطر الخمسة ، وأما الذي نحن بصدده فهو الشعر الخماسي أي المقطوعة التي تحتوي على خمسة أبيات وهذا حدث في أواخر القرن الحادي عشر أو أوائل القرن الثاني عشر الهجريين ، ولم يكن معروفاً قبله ، مضافاً إلى ذلك فإنها لم تكن مقيدة بالنظم على كل القوافي ، ولكن الشاعر ألزم نفسه بالنظم على جميع القوافي وهذا النوع من النظم يسمى بالروضة وله أصوله وقواعده وهو على شكلين روضة كبرى وروضة صغرى أما الأول فينظم بعدد حروف الهجاء قصائد يخص كلاً منها بقافية من القوافي إلا أن جميعها على بحر واحد ووزن واحد ، ويستحسن أن يلتزم الشاعر بأن تكون بداية الأبيات كنهاياتها متجانسة الحروف إلا أن هذا ليس بشرط .
وأما الروضة الصغرى فهو أن ينظم الشاعر قصيدة يكون عدد أبياتها بعدد حروف الهجاء ويلتزم في كل بيت بأن يبدء وينهي البيت بحرف من حروف الهجاء على شكل متسلسل ، متحد البحر والوزن ومحبوك المعاني ، وهذا تاريخه متأخر جداً حيث يعود إلى القرن الثاني عشر الهجري .
ومن المعلوم أن هذه الأبيات المنسوبة إلى المعصوم عليه السلام لا هي من تلك ولا هي من هذا بل هي برزخ بينهما وهي كما سميناها فيما تقدم (1) بالشعر الخماسي وهي حديثة وقليلة النظم ، ولم يعهد أنه نسب مثل هذا اللون لا في ديوان ولا في معجم إلى القرون الأولى . ولا يعتمد على نسخة ديوان الإمام السجاد المخطوط الذي ذكر في آخره أنه « تم الكتاب في السابع من محرم سنة ثمان وتسعين ومائتين» (2) حيث يقول الطهراني معلقاً عليه : « وصحة التواريخ هذه مشكوك فيها » وفي أحسن الأحوال لعل المراد 1298 هـ حيث جرى ديدن الكثير من الكتاب عدم كتابة الألف لظهوره وبالأخص إذا تم ذكره سابقاً .

(1) راجع المدخل إلى الشعر العربي القريض ، وكذلك ديوان الشعر الثلاثي وأخواته .
(2) راجع الذريعة : القسم الثاني من الجزء التاسع : 431 .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 59

الخامسة : عدد القوافي :
إن ناظم هذه الأسفار عد الحروف الهجائية 29 حرفاً حيث نظم على 29 قافية ، وعد « لا » حرفاً مستقلاً ، ولا شك أن أهل اللغة قد اختلفوا في عدد حروف الهجاء على أقوال أهمها قولان : أنها 28 أو 29 حرفاً ، والخلاف إنما وقع في الهمزة والألف فمنهم من عدهما حرفاً واحداً (1) كالمبرد (2) ، ومنهم من عدهما حرفين (3) كسيبويه (4) ، ولكن ليس فيهم من عد « لا » حرفاً حتى الذين توسعوا في عدد الحروف الهجائية وقالوا : إنها 35 حرفاً أو أكثر ، ومهما يكن من أمر فالزائد على هذين القولين من الحروف لا يعد أصلياً ، وأمثال المبرد من الذين اختاروا القول الأول ( 28 ) حرفاً لا ينكرون دور الهمزة ، ولكن الذي حدث واختاره عامة الشعوب اعتبار أحدها حالة من حالات الآخر ، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع في محله (5) وكلهم لايعترفون بوجود حرف « لا » مستقلاَ ، نعم هناك بعض الطبعات لجزء عم والذي كان يعد جزءاً من المنهج الدراسي القديم في الكتاب في تعليم المبتدئين القراءة والكتابة كنا نجد قد طبعت في مقدمته الحروف الهجائية . وقد جاءت الحروف 29 وأخرها « لا» وكلهم كانوا يقرؤونها ولكنها سرعان ما كانت تختفي عند تحريك الحرف بالحركات الثلاث « الفتحة والضمة والكسرة » أو بإلحاق حروف العلة ( المد ) الثلاث « الألف والواو والياء » ، وهناك أيضاَ من كان يذكرها في نهاية الترتيب الأبجدي للحروف « أبجد ، هوز ، حطي ، كلمن ، سعفص ، قرشت ، ثخذ ، ضظغ ، لا » وقد حفظها القدامى على هذا الشكل إلا أنهم في حساب

(1) المنهل : 31 .
(2) المبرد : هو محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الأزدي ( 210 ـ 286 هـ ) ولد بالبصرة وتوفي في بغداد من أئمة العربية كان من الإمامية ، ولا ينافسه أحد في زمانه ، له مؤلفات جليلة منها : المقتضب ، التعازي والمراثي ، المقرب .
(3) الكتاب : 2 / 404 ، راجع أيضاً مقدمة لسان العرب .
(4) سيبويه : هو عمرو بن عثمان بن قنبر الشيرازي ( 148 ـ 180 هـ ) ولد في إحدى قرى شيراز وانتقل إلى البصرة ولازم الخليل ، كان إماماً في النحو ، صنف كتابه الكتاب فكان إمام الكتب النحوية واشتهر باسمه .
(5) راجع كتاب البداية من هذه الموسوعة .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 60

الجمل في الأبجد الصغير وفي الأبجد الكبير ماكانوا يقيمونها برقم فكانت « لا » تخرج عن المعادلة .
إذا فهي ليست معتمدة علمياً بل تعود جذور استخدامها إلى الخلاف السابق الذكر القائم بين اللغويين في الهمزة والألف فاعتبر بعضهم الهمزة الحرف الأول من الحروف الهجائية بينما اعتبر الألف الحرف الأخير وبما أن الفصل بينهما يحتاج إلى ظهور فقد كتب الألف مع اللام ليتبين الفرق بينهما ولذلك لاتجد كلمة تبتدء بالألف بل بالهمزة بينما الألف تشارك الهمزة في مجيئها في الوسط والأخير إلا أنها تأتي لتمد الحرف الذي قبلها وقد مضى شرح ذلك فلا نكرر .
وعلى أية حال فإن الشعراء دأبوا على النظم على 28 حرفاً وإن أرادوا وضع الفوارق بينهما نظموا الألف في صورتها المقصورة أو الممدودة بعد حذف الهمزة من آخرها فالأول كالمرضى والثانية كالسماء تكتب وتلفظ « السما » في قبال الهمزة التي تكتب « سماء » و « رجاء » مثلاً .
هذا وإن استخدام الناظم حرف « لا » في هذه المخمسات كحرف مستقل يبعده عن المسار العلمي أولاً ، وعن كونه قديماً ثانياً ، حيث إن هذه الأمور جاءت متأخرة ، ولا يخفى أننا أوردناها في قافية اللام المفتوحة .
السادسة: إرسال السند :
إن أخبار هذه المخمسات تنقطع حتى بداية القرن الرابع عشر الهجري ، وخطها وورقها لا يسبق القرن الثامن الهجري ، إذ لم تذكر المصادر أنهم تناقلوها قبل هذه العهود ، والمصادر القديمة خالية منها وإنما تم ظهورها في أوائل القرن السابق أو أواسطه سواء التي ظهرت في الأردن أو تركيا أو السودان أو إيران ، وكلها أرسلت في سندها إذ لم تجد من عنونها ولو لطبقة واحدة بل الأسوء من ذلك أن جامع هذه الدواوين وناسخها مجهول أيضاً ، نعم سبق وأشرنا إلى أن الشيء الوحيد الذي ورد في سندها هو ما جاء في آخر المجموعة المعنونة بالعنوان التالي : « ديوان الإمام السجاد » حيث ألحق بها 37 ورقة نثراً أوله بعد البسملة روى عن الزهري أنه حكى عن علي بن الحسين زين

دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 61

العابدين عليه السلام أنه كان يحاسب نفسه ويناجي ربه جل ذكره : يا نفس حتى مَ الحياة سكونك وإلى الدنيا ... » وفي آخره : « وكتب هذا كله أبو سعد رافع بن نوح بن إدريس الغنوي في 9 صفر 299 والحمد لله ... » .
و لكن لا يمكن الاعتماد عليه كما ذهب إليه الطهراني حيث قال معلقاً على ذلك بقوله : « وصحة التواريخ هذه مشكوك فيها »(1).
هذا ولعل الصحيح 1299 هـ حيث إن كثيراً من المؤلفين والناسخين يخففون الأرقام في التواريخ لوضوحها . و لكن اسم الناسخ هذا غير معروف في عالم الكتب والتأليف ، مضافاً إلى أن نسبة روايتها إلى الزهري (2) عن الإمام زين العابدين عليه السلام على فرض صحتها مرسلة ، وقد تنسب رواية شيء إلى الزهري لاشتهار صحبته للإمام عليه السلام بل قد ينسب كل ما اصطبغ بصبغة الدعاء والزهد أو ما شابه ذلك إلى الإمام زين العابدين عليه السلام للمنهجية التي اختارها في تلك الظروف حيث بث عبر الدعاء معارف وأحاديث تحتوي على الأخلاقيات والحقوق والوعظ والإرشاد .
وعلى أية حال فإن سندها مرسل لا يعتمده العلماء والمحققون .
السابعة : صحة النسبة :
مما تقدم نستبعد بشدة أن تكون هذه الأشعار صادرة عن إمام معصوم عليه السلام سواء كان الحسين أم نجله عليهما أفضل الصلاة وأزكى السلام ، حيث إن نفسها نفس جديد وليس فيها مايدل على أنها صدرت عنهم عليهم السلام من قوة المعاني وحبك الألفاظ ، كما أن إرسال سندها وعدم اعتبار مصادرها ، وعدم تناقل القدامى لها كل ذلك يساعد على عدم الوثوق بالنسبة إليه عليه السلام بل نمطها نمط حديث لايتجاوز القرون الأخيرة صدر

(1) الذريعة : القسم الثاني من الجزء التاسع : 431 .
(2) الزهري : هو محمد بن مسلم بن عبد الله بن شهاب ( 58ـ 124 هـ ) كان من علماء المدينة ، صاحب الإمام زين العابدين عليه السلام وتتلمذ عليه نزل الشام واستقر بها ، كان يحفظ ( 2200 ) حديث ، توفي بشغب .

السابق السابق الفهرس التالي التالي