دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 62

من شاعر متوسط الحال أو دونه ، ومما يؤيد استبعادنا نسبتها إلى المعصوم إن هذا اللون من الشعر هو من فنون الشعراء المتمحضين في النظم ، وهذا الأمر مستبعد من الإمام جداً ، وهذا لا يعني أنه عيب ونريد أن ننزههم عن ذلك فإن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام خطب خطبة بليغة ارتجالية خالية من الحروف المعجمة(1) التي هي نصف الحروف الهجائية ، أو أنه خطب أخرى خالية من حرف الألف الذي هو من أعمدة اللغة العربية ، ولكن بينهما اختلاف شاسع لجهات كثيرة أهمها البلاغة المستخدمة في الخطبتين وخلو هذه الأبيات منها .
وأما الاحتمالات الواردة في مثل هذه الأبيات فلعلها تكون إحدى الأمور التالية :
1ـ إن أحدهم كان يسمى بزين العابدين علي بن الحسين فتبادر إلى ذهن الناقل أنه الإمام علي بن الحسين عليه السلام لمجرد توافق الاسم واللقب واسم الأب ، غافلاً من أن الكثير كانوا ولا زلوا يتأسون بأئمة أهل البيت في التسميات والألقاب والكنى بل تعارف أن يكنى كل حسين بأبي علي ، وكل علي بابي حسين ، وكل محمد بابي القاسم وهكذا .
2ـ ولعل الناسخ عندما كان يستنسخ كلمة أضاف كلمة « رضي الله عنه » بعد اسم الشاعر كما يحدث ذلك كثيراً فزاد في الطين بلة فتصور القارئ أن المراد به الإمام المعصوم عليه السلام ، ولعله وضعها من باب الترحم فجاءت الغفلة من القارئ .
3ـ إن ظاهرة التحدث عن الحياة والموت والغفلة والإرشاد ربما كانت من وراء النسبة إلى أحد الإمامين عليهما السلام حيث يرون فيه الداعية إلى مثل هذه الأمور التي ظهرت من مجموعة كلماتهما وأحاديثهما وبالأخص الإمام السجاد عليه السلام وبما أن الأب اسمه الحسين بن علي والنجل علي بن الحسين بن علي قد يلتبس على الناسخ كما هو الحال في العديد من الموارد ، كما قد يلتبس بين الإمامين الحسن والحسين عليهما السلام لقرب لفظ اسميهما .

(1) الحروف المعجمة : هي المنقوطة وهي 14 حرفاً بينما الحروف المهملة أي غير المنقوطة أيضاً 14 حرفاً .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 63

4ـ إن وجود شخصيتين أحدهما قطب الدين زين العابدين والآخر حسن بن علو بن قاسم الملا باعلوي يؤكد كون هذه الأبيات إنما جاءت من باب التصحيف منسوباً إلى أحد الإمامين إذ الأول اسمه زين العابدين ، فلما ورد في بعض النسخ انصرف الذهن إلى الإمام السجاد عليه السلام والآخر اسمه حسن بن علو ، ربما وقع التصحيف أيضاً باسم الحسين بن علي ، حيث إن أكثر النسخ بل كلها خطها رديء قابل للتصحيف .
ونسبتهما إلى هذين واردة لأن أحدهما فارسي والآخر كيني وهما بطبيعة منطقتيهما لم يكونا من فحول أدباء العربية كما يستشم ذلك من الأشعار ، ولا أقل أنهما ليسا من فحول شعراء العربية رغم قدرتهما على النظم بالعربية .
5ـ هناك عدد من الأعلام لهم هذا المنحى الشعري وأسماءهم ليست بعيدة عن الإمام السجاد عليه السلام وهم من الفقهاء ، وشعر الفقهاء معالمه تختلف في العموم عن الأدباء ، وبما ان دواوينهم ليست بحوزتنا أو في متناول اليد بل بعضها أصبح أثراً بعد عين لذلك لايمكن أن نحكم في الأمر . ونبت فيه بل هو من باب الاحتمال إلى أن يكشفه المستقبل لنا ، ومن المرشحين إلى هذا الاحتمال على سبيل المثال لاغير الشيخ زين العابدين بن الحسن بن علي بن محمد الحر العاملي (1) المتوفى عام 1078 هـ بصنعاء وهو أخ الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي(2) المتوفى عام 1104 هـ صاحب وسائل الشيعة وأمل الآمل ، حيث انه كان فقيهاً شاعراً قال عنه أخوه في أمل الآمل : له ديوان شعر يقارب خمسة آلاف بيت(3) .
ومما حدا بنا إلى أختيار مثل هذه الشخصية لتوجيه الاحتمال إليها أمور :
1ـ كون اسمه زين العابدين بن الحسن والتصحيف في الحسن والحسين وارد كثيراً .

(1) زين العابدين العاملي :
(2) محمد الحر العاملي :
(3) أمل الآمل : 1/ 98 .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 64

2ـ كونه فقيهاً وشاعراً سكن إيران وكتب بالفارسية .
3ـ إن الديوان المطبوع بالهند التحفة السجادية جاء فيه أنه من جمع الحر العاملي مما لا نستبعد أن الحر العاملي جمع شعر أخيه أو أن الجمع كان من قبل الشاعر نفسه وهو ممن يلقب أيضاً بالحر العاملي وبما أن الحر العاملي صاحب الوسائل هو المشهور في الأواسط العلمية والأدبية فنسبت جمع الأشعار إليه بعدما وجدوا الفارق بين الاسم واللقب حيث اسمه زين العابدين بن الحسن ( الحسين ـ تصحيفاً ـ ) .
وعلى أية حال يبقى هذا احتمالاً إلى أن نحصل على شعره الذي نحن بصدده ليكتشف الأمر على حقيقته .

دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 65

الحسين والشعر

إن نسبة الشعر إلى الإمام الحسين عليه السلام لا ضير فيها بحد ذاتها وإنما الضير في نسبة الشعر المتدني إليه حيث لا يتناسب وكونه من أئمة البلاغة والفصاحة التي شهد بها القاصي والداني كما أنه لا ضير في نسبة الشعر إليه كأحد الأئمة المعصومين عليهم السلام بل الضير في نسبة الشعر إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وذلك لأجل مسألة الوحي والقرآن إذ كان النبي الأكرم قد اتهم بأن القرآن من نظمه ، وأما الأئمة الهداة فالأمر لا يطالهم ، وقد سبق الحديث عن هذا في محله (1) .
وأما لماذا هذه الحزازة من البت في نسبة الشعر إليه بل واليهم عليهم السلام إذ كلما يروى شعر لهم يضاف كلمة المنسوب ، فلأنه ولأنهم معصومون وكلامهم وسلوكهم حجة على العباد ، ولأن النسبة إليهم قد تكون تقولاً عليهم وهو إثم لايمكن استسهاله ولوثبتت النسبة إليهم لتركت بظلالها على التشريع لحجية قولهم وقد تحدثنا عن ذلك في محله (2) .
والحديث عن صحة نسبة الشعر إلى الإمام الحسين عليه السلام يتطلب طرح أمور قد تكون ضرورية في البحث وهي :
1ـ الحسين كواحد من سلسلة المعصومين الأربعة عشر المترابطة لم يشأ البروز بل لم يكن من شأنه ذلك إذ أن محاولة البروز تأتي لسد النقص الذي قد يشعر به الإنسان وما دام لم يشعر بهذا النقص فلا معنى لهذه المحاولة ، وما هذه القوافل من الأحاديث في فضل العترة الطاهرة إلا لدفع توهم النقص من ساحتهم ، ولو نظرنا بعيداً إلى المعاني اللغوية للكلمات

(1) راجع المدخل إلى الشعر العربي القريض من هذه الموسوعة .
(2) راجع باب الحسين والتشريع من هذه الموسوعة .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 66

لعلمنا أن الرجس هو القبيح من الأمر (1) فعندما يصرح القرآن الكريم بقوله : « إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا » (2) فإنه يبين لنا أن هذه السلسلة مطهرة من كل عيب ونقص وبعيدة عن كل قبيح وخبيث فما أقبح من أن يقوم الإنسان بإبراز نفسه ويعرض عضلاته لمن هو أدنى منه ، نعم هناك حالات خارجة موضوعاَ عما بيناه ، منها إظهار الحق وهذا حق طبيعي إن لم نقل فرض سماوي يستخدمه المعصوم كوسيلة لبيان شريعة السماء ويتحدى به المنكر .
هذا وإذا مابرز أحدهم في جانب ، فهذا لا يعني انه أراد ذلك بل إن حاجة مجتمعه فرضت عليه ذلك مضافاً إلى أن هذا لا يعني انه فيما ظهر عنه أقوى عما لم يظهره ، فلو برز الصادق عليه السلام في الفقه والحديث فهذا لا يعني أنه بالفقه أعلم منه بالأدب بل إنه عالم في جميعها دون تمييز فلذلك نرى أنهم إذا سألوا عن شيء جاء الجواب في منتهى الروعة بالنسبة إلى السائل ، ولعل الجواب عن مسألة واحدة يختلف باختلاف استيعاب السائل وباختلاف جوانبها فترى ان السائل في يكون فيلسوفاً وقد يكون شخصاً عادياً ، وتارة تكون المسألة رياضية وقد لا تكون كذلك ، فالجواب يأتي بمقتضى الحال والمقام .
فإذا لم يكونوا بالمستوى الأقصى من المعرفة والعلم لما تجرء علي أن يقول « سلوني قبل أن تفقدوني » (3) وما تفوه بهذا المقال أحد إلا فضح (4) وبمقتضى أنهم نور واحد فإن الأمر يسري في جميعهم مع حفظ المراتب .
2ـ كانت العرب في الجاهلية قد ألبست الشعر وشاح القدسية وقناع التنبؤ ورداء الفخر واستخدمته كوسيلة للتفوق وكرسي للسيطرة على

(1) لسان العرب : 5/ 147 .
(2) سورة الأحزاب ، الأية : 33 .
(3) بحار الأنوار : 10 / 117 .
(4) الغدير : 6 / 195 .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 67

النفوس . فلذلك برع العرب في الألفاظ والجمل وأهملوا في أكثر الأحيان الجوانب المعنوية التي تسمو بها النفوس ، وما شعر المعلقات (1) إلا مجرد مباراة شعرية جرت في سوق عكاظ وعلقت في الكعبة لهذا الغرض ، و تعتبر المعلقات مختزن حكمتهم ومستقر بلاغتهم وغاية ما وصل إليه الخيال من شاعريتهم(2) إذ يقول ابن عبد ربه (3) : « وقد بلغ من كلف العرب به ـ بالشعر ـ وتفضيلها له أن عمدت إلى سبع قصائد خيرتها من الشعر القديم فكتبتها بماء الذهب في القباطي المدرجة وعلقتها في أستار الكعبة » (4) وأشهرها معلقة امرئ القيس (5) التي هي من الطويل ومطلعها :
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل(6)

ولما بزغ نور الإسلام أراد أن يركز على تلك المعاني وينزه النفوس فلذلك عمد إلى الكف عن زبرجة الألفاظ وبريقها فعطل دور الشعر ليصوغه من جديد صياغة حديثة تضمنه المفاهيم الإسلامية السامية لتصقل بها النفوس ، ورسم بين أدب الشعر الذي كان متعارفاً عليه آنذاك وبين أدب القرآن المفعم بسعادة البشر خطاً فاصلاً ومن هنا جاء ابتعاد الإسلام

(1) المعلقات قيل هي سبع وقيل عشر ، وكل واحد منها لأحد فحول شعراء الجاهلية وهم على التوالي : 1ـ امرؤالقيس الكندي ، 2 ـ طرفة بن العبد ، 3ـ عنترة بن شداد ، 4ـ زهير بن أبي سلمى ، 5 ـ عمرو بن كلثوم التغلبي ، 6 ـ الحارث بن حلزة اليشكري ، 7ـ لبيد بن ربيعة ، 8 ـ الأعشى ميمون ، 9ـ النابغة الذبياني ، 10 ـ عبيد ابن الأبرص الأسدي .
(2) دائرة معارف القرن العشرين : 6 / 543 .
(3) ابن عبد ربه : هو أحمد بن محمد بن عبد ربه القرطبي ( 246 ـ 328 هـ ) أديب مؤرخ ، أشتهر في عصره ، كان من الموالين لبني أمية حتى أنه عد معاوية رابع الخلفاء ولم يذكر علياً عليه السلام .
(4) العقد الفريد : 6 / 130 .
(5) أمرؤ القيس : هو ابن حجر بن الحارث ( 126 ـ 85 ق . هـ ) لقب بأمير الشعراء في الجاهلية ، سئل الفرزدق عن أشعر الناس ؟ فقال : ذو القروح ، وسئل لبيد ؟ فقال : الملك الضليل ، هكذا قدموه على غيره .
(6) شرح المعلقات السبع للزوزني : 10 .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 68

وقادته عن الشعر كماً أو كيفاً وأراد الله أن يترفع نبيه عن قول الشعر الذي اتهموا القرآن به فقال :« وما علمناه الشعر وما ينبغي له » (1) فإذا أنشأ أئمة الإسلام الشعر اعتمدوا مايصلح الناس وشؤونهم وتعاطوا ما يوجب سعادتهم ورقيهم وتركوا ما سواه ، وهذا شأن من تعاطى الحكمة من الشعراء ومن ذلك قول أمير المؤمنين عليه السلام مثلاً في الحكمة من وراء السفر وهو من الطويل :
تغرب عن الأوطان في طلب العلى وسافر ففي الأسفار خمس فوائد
تفـرج هم و اكـتسـاب معيشـة وعلم وآداب وصحبـة ماجـد (2)

وإلى ما قدمناه يشير الأصمعي (3) عندما يقارن شعر حسان بن ثابت الأنصاري المتوفى عام 54 هـ « إن شعر حسان في الجاهلية كان أجود الشعر فقطع متنه الإسلام » ويبين سبب ذلك حسان بنفسه قائلاً في جواب من قال له « لان وهرم شعرك في الإسلام » فقال : « إن الإسلام يحجز عن الكذب وإن الشعر يزينه » (4) والمقولة المشهورة عن الشعر : « أعذبه أكذبه » توحي بما ذكرناه .
3ـ لم يعهد أن أحدهم أنشأ للإنشاء أو أنشد بغرض الإنشاد بل لو لم تدع الحاجة لما تفوه بالشعر ، كما لم يعهد أن أحدهم أنشأ مقطوعة أو قصيدة وقد تهيأ لها بل كان نظمهم أرتجالاً في ارتجال وهذا يدلنا على أن الغرض الشعري عندهم يختلف تماماً عما عليه كثير من الشعراء إذ أنهم عليهم السلام يستخدمونه كوسيلة لإثبات حق أو دحض باطل أو تفهيم موضوع أو التركيز عليه أو ما شابه ذلك وليس في نية أحدهم إثبات الوجود بل غرضهم أرضاء المعبود ، ويدلنا على ذلك ما ورد أن المتوكل

(1) سورة يس ، الآية : 69.
(2) ديوان الإمام أمير المؤمنين جمع الأمين : 60 .
(3) الأصمعي : هو عبد الملك بن قريب بن علي بن أصمع الباهلي (122 ـ 216 هـ ) ولد وتوفي في البصرة من أئمة اللغة والشعر والجغرافية له مؤلفات جمة وجليلة منها : الأضداد ، المترادف ، وخلق الإنسان .
(4) ديوان حسان بن ثابت : 6 .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 69

العباسي (1) أمر بجلب الإمام الهادي عليه السلام (2) إلى بلاطه وهو جالس في مجلس الشرب فدخل عليه الإمام والكأس في يده فلما رآه المتوكل ناوله الكأس التي كانت في يده فقال الإمام : والله ما يخامر لحمي ودمي قط ، فأعفاه وقال له أنشدني شعراً ، فقال عليه السلام : إني قليل الرواية للشعر فقال : لابد ، فأنشده القصيدة التالية من البسيط :
أنظر فمـاذا ترى ياأيهـا الـرجـل وكن على حذر من قـبـل تنتقـل
و قدم الـزاد من خـيـر تسـر بـه فكل سـاكن دار سـوف يرتـحـل
و انظر إلى معشر باتـوا على دعـة فأصبحوا في الثرى رهناً بما عملوا
بنـوا فلم ينفع الـبنيـان وادخـروا مالاً فلم يغنهم لـما انقضى الأجـل
باتـوا على قلل الأجبـال تحرسهم غلب الـرجال فـلم تنفعهم القـلل (3)
واستنزلـوا بعد عـز عن معاقـلهم وأودعـوا حفراً يا بئس مـا نزلـوا
ناداهم صارخ من بعـدما رحلـوا أين الأسـرة والتيجـان والحـلل
أين الـوجـوه التي كانت منعمـة من دونها تضرب الأستار والكلل (4)
فأفصح القبر عنهم حين سـاءلهم تلك الـوجـوه عليها الدود يقتتل
ياطالما أكلـوا يـوماً و قد شربوا فأصبحوا بعد ذاك الأكل قد أكلوا
و طـالما عمروا دوراً لـتسكنهم ففارقوا الدور والأهلين وانتقلـوا
و طالما كنزوا الأمـوال وادخروا ففرقـوها على الأعداء وارتحلوا
أضحـت منازلهم قفراً معطـلـة وساكنوها إلى الأجداث قد نزلوا

(1) المتوكل على الله : هو جعفر بن محمد المعتصم العباسي ، سادس ملوك بني العباس حكم ما بين عامي 232 ـ247 هـ كانت عاصمته سامراء ، هدم قبر الإمام الحسين عليه السلام أربعة مرات .
(2) الإمام الهادي : هو علي بن محمد الجواد عليهما السلام عاشر أئمة الاثني عشرة من أهل بيت النبوة المولود في المدينة عام 212 هـ والمغتال في سامراءعام 254 هـ تحمل أعباء الإمامة بعد أبيه عام 220 هـ .
(3) القلل : جمع القلة وهو أعلى كل شيء .
(4) الكلل : جمع الكلة وهو الستار الرقيق ويصنع منه على شكل الخيام يتوقى به البعوض .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 70

سل الخليفـة إذ وافت مـنيـتـه أين الجنود وأين الخيل والخول (1)
أين الكـنوز التي كانت مفاتحهـا تنوء بالعصبة المقوين لو حملوا
أين العبيد الـتي أرصدتهم عـدداًَ أين الحديث وأين البيض والأسل (2)
أين الفوارس و الغلمان ما صنعوا أين الصـوارم والخطيـة الذبل (3)
أين الكفاة ألم يكفـوا خلـيفتهم لما رأوه صريعاً و هـو مبتهـل
أين الكماة التي ماجوا لما غضبوا أين الحماة التي تحمى بها الدول (4)
أين الرمـاة التي تمنع بأسهمهـا لما أتتك سهام الـمـوت تنتصل
هيهات ما منعوا ضيماً ولا دفعوا عنك المنيـة إذ وافـاك الأجـل
ولا الرشا دفعتهـا عنك لو بذلوا و لا الرقى نفعت فيها و لا الحيل (5)
ما ساعدوك و لا واساك أقربهم بل سلمـوك لها يا قبـح ما فعلوا
ما بـال قبرك لايأتي بـه أحد و لا يطـوف به من بينهم رجل
ما بال ذكرك منسياً ومطرحـاً و كلهم باقتسام المال قد شغلـوا
ما بال قصرك وحشاً لا أنيس به يغشاك من كنفيه الروع والأهل (6)
لاتنكـرن فما دامت على مـلك إلا أناخ عليه المـوت والـرحل (7)
وكيف يرجو دوام العيش متصلاً و روحـه بحبال الموت متصل
وجسمـه لبنيات الردى عرض وملكه زائـل عنـه ومنتقـل (8)

(1) الخول : جمع الخولي ، العبيد والإماء والمستخدمين .
(2) الأسل : الرماح بل كل حديد ( رهيف من سيف وسكين ) والبيض : السيوف ، والحديد : أدوات الحرب المصنوعة من الحديد كالدرع والخوذة وما شابههما .
(3) الخطية : أي الرماح الخطية نسبة إلى خط عمان التي يصنع بها الرماح وقيل خط البحرين أو القطيف ، ورماحها معروفة وقد يحذف المضاف فيقال «الخطية » ، والذبل : يقال الرماح الذوابل أي الدقيقة وربما سموها بالذبل والذوابل من باب إقامة الصفة مقام الموصوف .
(4) الكماة : جمع الكمي وهو الشجاع بل المدجج بالسلاح .
(5) الرقى : جمع الرقية وهي الاحراز والأدعية التي يحملها الإنسان للحفظ .
(6) الكنف : الجانب .
(7) الرحل : الترحال .
(8) بحار الأنوار : 50 / 211 ، مروج الذهب : 4 / 11 ، وفيات الأعيان : 3/ 272 ، كشكول البحراني : 3/ 186 .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 71

فبكى المتوكل وبلت لحيته من دموع عينيه وبكى الحاضرون ، وكانت عبرة لمن اعتبر .
4ـ ليس الشعر الوسيلة الوحيدة لمعرفة بلاغة المنشئ وطبقته بل هو إحدى الطرق إن شاء برز فيه وإن لم يشأ برز في غيره ، فلو كان الشعر المنفذ الوحيد لذلك لما كان القرآن في قمة درجات البلاغة والأدب بحيث لم تصل إليه البشرية جميعها ، ولما تحداهم بقوله : « قل لئن اجتمعت الانس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله » (1) ، وبإجماع المفسرين والمؤرخين والمحدثين والأدباء أنفسهم أنه في قمة البلاغة بل أصبح منذ نزوله الميزان الوحيد للبلاغة والمعيار الأول للأدب فبآياته يستدل البلغاء والأدباء وعليه يعرض النحاة وأهل اللغة كلماتهم .
أضف إلى ذلك أن الأدباء أجمعوا على أن أبا تراب سيد البلاغة وإمام الفصاحة ولم يتجرأ أحد من نقض هذا الإجماع مع العلم ان شعره لم يحتل بمفهوم الأدب تلك المكانة فهل هذا ينقض بلاغته أم هل يعني هذا عدم قدرته على الإنشاء الأقوى والأبلغ ، هذا إن كانت نسبة ما ورد من الشعر إليه صحيحة .
ويدلنا على مكانة الفترة الادبية اعتراضاتهم المتتالية على الشعراء فيما أنشدوه وهم بدورهم يتقبلونها منهم قبول التلميذ من الأستاذ فهذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمـا أنشده كعب بن زهير قصيدته اللامية المعروفة بالبردة (2) وهي من البسيط وانتهى إلى قوله :
إن رسول الله لـنور يستضاء به مهند من سيوف الهند مسلول

فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : « قل من سيوف الله » فأنشدها كذلك(3) .
وهذه فاطمة بنت الحسين عليه السلام وهذا علي بن موسى الرضا عليه السلام

(1) سورة الإسراء ، الآية : 88 .
(2) عرفت بالبردة لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما أنشده القصيدة رمى عليه بردة كانت عليه فسميت بالبردة ومطلعها :
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول متيم إثرها لم يفد مكبول
(3) الدرجات الرفيعة : 538 .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 72

وغيرهما من أهل هذا البيت الذين تصرفوا في أبيات من أنشدهم من الشعراء فاستحسنوها ، ومن تلك ما روي أنه أقبل أبو رميح عمير بن مالك الخزاعي على فاطمة بنت الحسين عليه السلام فأنشدها في أبيها الحسين عليه السلام وقال فيما قاله من الطويل :
وإن قتيل الطف من آل هاشم أذل رقاباً من قريش فذلت

فقالت فاطمة : يا أبا الرميح هكذا تقول ! قال : فكيف أقول جعلني الله فداك ؟ قالت قل : « أذل رقاب المسلمين فذلت » فقال : لا أنشدها بعد اليوم إلا هكذا (1) . وقيل إنه لابن قتة صححه عبد الله بن الحسن المثنى فقال له ابن قتة أنت والله أشعر مني (2) .
ودخل دعبل بن علي الخزاعي على الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام فأنشده التائية المعروفة من الطويل ولما وصل إلى قوله :
و قـبر ببغداد لـنفـس زكيـة تضمنها الرحمان في الغرفات

(1) أدب الطف : 1/ 59 عن معجم الشعراء للمرزباني .
(2) لقد اختلف الرواة في نسبة هذا البيت إلى منشؤها كما أختلفوا في مصححها فقيل أنه لأبي دهبل وهب بن زمعة الجمحي المتوفى عام 63 هـ كما في معجم البلدان : 4/ 36 وقيل لأبي الرميح عمير بن مالك الخزاعي المتوفى في حدود عام 100 هـ كما في أعيان الشيعة : 7/ 308 ، وينسب إلى سليمان بن قتة العدوي المتوفى عام 126 هـ كما في مقاتل الطالبيين : 121 وقيل إنها للهاتف ( الجن) كما في كامل الزيارات : 96 وقيل للرؤيا كما في تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام : 203 وأما التصحيح فقيل إن فاطمة بنت الحسين عليه السلام هي التي صححته لأبي الرميح كما في أدب الطف : 1/ 59 وقيل إن عبد الله بن الحسن المثنى هو الذي صححه لسليمان ابن قتة كما في هامش مقاتل الطالبيين : 121 ، ولكن نقل عن الحماسة 3/ 13 أنه عبد الله بن الحسين وهو تصحيف ، وقيل أن الإمام الحسين عليه السلام هو الذي صححه لعمته أم هاني حين رأت في رؤياها وهو بعد في المدينة كما في تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام : 203 . وهناك أقوال أخرى حيث نسب إلى تيم بن مرة والذي احتملنا أنه هو ابن قتة وفي بعض المصادر كالكامل أن أحد عمات الحسين عليه السلام رأت الرؤيا والظاهر أنها هي أم هاني لتحديد بعض المصادر ذلك .
(3) هامش مقاتل الطالبيين : 121 عن الحماسة : 3/ 13 إلا أن فيه عبد الله بن الحسين والظاهر أنه تصحيف .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 73

فقال له الإمام عليه السلام أفلا ألحق لك بهذا الموضع بيتين ، بهما تمام قصيدتك فقال بلى يابن رسول الله فقال عليه السلام :
وقبر بطـوس يالها من مصيبـة ألحت على الأحشاء بالزفرات
إلى الحشر حتى يبعث الله قائماً يفرج عنا الهم و الـكـربات

فقال دعبل : هذا القبر الذي بطوس قبر من ؟ قال الإمام : هو قبري (1) .
وجرت الأبيات مجرى قصيدة دعبل وأصبحت تروى كقطعة أدبية واحدة .
ونرى أيضاً أنهم ينشدون لغيرهم ولكنهم يتصرفون فيه نصاَ أو استشهاداً ليتحول إلى غرض نبيل يستخدم في سبيل الحق .
وهذا الأمر كان دارجاً سواء في أتجاه الحق أو اتجاه الباطل ومن ذلك ما قام به يزيد بن معاوية الأموي (2) بأشعار ابن الزبعرى (3) المتوفى عام 15 هـ حيث يقول في مطلع قصيدته من الرمل :
يا غراب البين ما شئت فقل إنمـا تنعق أمراً قد فعـل

وقد أخذ منه يزيد بدايات قصيدته وتصرف في بعضها الآخر وقال فيما قاله :
لعبت هـاشم بالـملك فـلا خبر جـاء و لا وحي نزل
قد أخـذنـا من علي ثـأرنـا وقتلنا الفارس الليث البطل (4)

(1) ديوان دعبل الخزاعي : 137 .
(2) يزيد بن معاوية بن أبي سفيان الأموي : (26 ـ 64 هـ ) ثاني ملوك الأمويين نصب أبوه ولياً للعهد حكم بعده عام 60 هـ ، قاتل سبط الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الحسين بن علي ، وأمر باستباحة المدينة في وقعة الحرة ، كما امر بضرب الكعبة بالمنجنيق .
(3) ابن الزبعرى : هو عبد الله بن قيس السهمي القرشي ، كان شاعر قريش ، كان يهجو المسلمين ويحرض عليهم كفار قريش إلى أن فتح المسلمون مكة فهرب إلى نجران ثم ان حسان بن ثابت قال فيه أبياتاً فرجع إلى مكة وأسلم .
(4) راجع ديوان القرن الأول : 2 / 131 .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 74

وأما ما يروى من أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنشد بيتاً من الشعر لسحيم (1) من الطويل : مقلوباً تعمد في ذلك ليخرجه من قالب الشعر حتى لا يقال بأنه شاعر وهو دليل على أنه يمتلك المقومات (2) حيث قال : « كفى بالشيب والإسلام للمرء ناهياً » بينما هو « كفى الشيب والإسلام للمرء ناهياً » وأصر على ذلك (3) .
وهذه السيدة سكينة بنت الإمام الحسين عليه السلام التي كانت على درجة عالية من الأدب والبلاغة وصاحبة ذوق رفيع في الشعر بحيث كانت تستنكر بعض الأعمال الأدبية للشعراء وتؤيد بعضها الآخر في نطاق المفاهيم الإسلامية والقرآنية (4)
إن نسبة الأشعار في هذا الديوان إلى الإمام الحسين عليه السلام لعله كنسبة ما ورد في الديوان المنسوب إلى أبيه سيد البلغاء الإمام أمير المؤمنين عليه السلام الذي يقول عنه فروخ (5) : « كان علي بن أبي طالب خطيباً وشاعراً مجوداً (6) قال عليه السلام ـ من الطويل ـ :
ألا طرق الناعي بليل فراعني وأرقنـي لـما استقر مناديـاً

وللإمام علي ديوان متداول فيه نحو ألف وأربعمائة بيت أكثرها لا ينطق عن بلاغة عرف بها علي بن أبي طالب ، ووجه الصواب أن يقال إن

(1) سحيم : عبد بني الحسحاس ( نحو 13 ق . هـ ـ نحو 40 هـ ) كان عبداً نوبياَ أعجمي الأصل ، اشتراه بنو الحسحاس من بني الأسد فنشأ فيهم قتله بنو الحسحاس عندما تشبب بنسائهم ، له ديوان شعر ، وشعره رقيق .
(2) سبق وتحدثنا عن هذا بالتفصيل في المدخل إلى الشعر العربي القريض .
(3) راجع مجلة المجمع العلمي بدمشق : 1/ 109 ، المدخل إلى الشعر القريض العربي فصل شرعية الشعر من هذه الموسوعة .
(4) راجع ترجمتها في باب الشعراء ، ولنا بحث عن هذا في باب الشبهات والردود من هذه الموسوعة .
(5) فروخ : هو عمر بن عبد الله ( 1322 ـ 1407 هـ ) أديب شاعر ، كان عضواً في مجمع اللغة العربية بالقاهرة ، وعضو المجمع العلمي العربي بدمشق ، وعضو جمعية البحوث الإسلامية في بومباي ، من مؤلفاته : شاعران معاصران ، أربعة أدباء معاصرون ، الشابي شاعر الحب والحياة .
(6) نقل عن عمر فروخ عن العمدة : 1/ 21.
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 75

علياً كان مقتدراً على قول الشعر ولكن الذي وصل إلينا من الشعر المنسوب إليه منحول أكثره »(1) .
ويقول الأمين (2) عن الديوان المنسوب إلى الإمام علي عليه السلام : قد حوى كثيراً مما علم أنه ليس من نظمه عليه السلام والذي هو من نظمه قد زيد في كثير منه البيتان والثلاثة والأربعة والأكثر والأقل مما يظهر لأول وهلة أنها ليست من نسخ الأبيات الملحقة بها وأنه قد مزج الحصى بالجوهر مضافاً إلى الانفراد بنقل تلك الزيادات وعدم وجود ما في الكتب المعتبرة الموجودة فيها تلك الأبيات إلى غير ذلك من أنواع التغيير والتحريف وكان نصيب البعض الإفراط بإنكار صدور شعر منه عليه السلام » (3) .
وهذا الديوان الذي يبين يديك لا يمكن نسبة كل الشعر المودع فيه إلى الإمام الحسين عليه السلام ولا شك بأن النزر القليل منه هو من شعره ونظمه وقد أشرنا إلى ذلك في طيات الحديث عن كل مقطوعة عند البحث عن النسبة .
وقد يلاحظ المتتبع أن الشعر الوارد في هذا الديوان لم يكن متجانساً متآلفاً حيث تنقصه السنخية بين مقطوعاته ، إذ أن كل شاعر أو خطيب أو كاتب بل كل حرفي له نفسه الخاص ويترك أثر بصماته على إنتاجه فلا يشاركه غيره فيه ولا بد أن تظهر في كل صنيعة وهذا هو الخيط الرابط بين وحدات عمله ، فلكل شخصية مميزاته وخصائصه وأسلوبه الذي جبل عليها واتصف بها وتطبع عليها ومن مجموعها تكونت شخصيته وشخصه ، وهي بالطبع خاضعة للقوانين التكوينية التي أودعها الله في مخلوقاته لتكون الوسيلة في التعرف عليه من خلال هذه المميزات والخصائص ، إذ من المستحيل أن تتحد في مخلوقين ابداً وهي آية من آيات الله جل وعلا كما قال أبو العتاهية من المتقارب :

(1) تاريخ الأدب العربي : 1/ 309 .
(2) الأمين : هو محسن بن عبد الكريم العاملي ( 1282 ـ 1371 هـ ) ولد في شقراء وتوفي في بيروت ودفن في جوار السيدة زينب عليها السلام بدمشق ، من أعلام الإمامية ، من مؤلفاته : المجالس السنية ، خطط جبل عامل ، وكشف الارتياب .
(3) ديوان الإمام علي بن أبي طالب جمع الأمين : 2.

السابق السابق الفهرس التالي التالي