دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 76

و لله في كل تحـريكـة و في كل تسكينة شاهد
وفي كل شيء لـه آيـة تدل على أنـه واحـد (1)

نعم قد يصعب كشفها بل فهمها ولكن التطور العلمي بدء يكشف هذه الحقيقة ليزيدنا بذلك ثباتاً .
وقد يستغرب البعض أن الله جل وعلا يذكرنا في كلامه الحكيم بالبنان حيث يقول : « بلى قادرين على أن نسوي بنانه » (2) والبنان هو رأس الأصبع الذي يحمل تلك الخطوط الفريدة والمعقدة ومنه قول عمر بن أبي ربيعة في البنان من الطويل :
بدا لي منها معصم حين جمرت وكف خضيب زينت ببنـان (3)

والبنان ليس المكان الوحيد لتمييز شخص عن آخر بل من أوضح تلك الأماكن وقد كشفه الإنسان منذ العهود القديمة وإلا فإن كل شيء في شخصيتين يختلف عن الآخر إلا أن الأمر بحاجة إلى دقة ونحن لازلنا في أول الطريق فنبرات الصوت وكتابة اليد وأشعة البصر بل حدقته . بل كل شيء دال على حقيقة تلك الوحدية المخلوقة وتميزه عن غيره هكذا شاءت مشيئته جل وعلا .
وعلى أية حال فإن شعر الشاعر ومقولته تدلان على شخصيته وتلك الحقيقة هي التي تربط ما بين كل منظوماته وهذا ما يجعل البعض القول بأن هذا البيت ليس من نفس هذا الشاعر وهناك من له القدرة على تمييزه بسرعة فائقة فيتخذه دليلاً على صحة النسبة وعدمها .
فالشعر الوارد في هذا الديوان ليس من نفس واحد فإن كنا لانمتلك قدرة التشخيص نتمكن من درك عدم تساويها على الأقل وعليه فيمكن البت بأنه لم يصدر من شخصية واحدة .
هذا ولعل الكثير من الملابسات بشكل عام وقع من جراء إحدى الأمور التالية :

(1) ديوان أبو العتاهية : 70 .
(2) سورة القيامة ، الآية : 4.
(3) مغني اللبيب : 1/ 14 .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 77

1ـ لسان الحال :
من البلاغة أن يتقمص الشاعر شخصية أخرى فينظم عن تلك الشخصية بما يتناسب مع قضيته وما يختلج به صدره . وهذا ما يسمى بلسان الحال فإن كانت قدرة الشاعر فائقة تمكن من ذلك بشكل بديع مما يقطع معه السامع بأنه من نظم تلك الشخصية ، هذا فيما إذا حذفت القرائن والأدوات الدالة على أنه من لسان الحال ولعل في الشعر المنسوب إلى الإمام الحسين عليه السلام ما نظم على لسان الحال فدرج رويداً رويداَ حتى نسب إليه ، من ذلك ، البيت المشهور من الكامل :
إن كان دين محمد لم يستقم إلا بقتلي ياسيوف خذوني (1)

والذي هو من نظم الشاعر محسن أبو الحب الكبير (2) إلا أنه شاع عبر الخطباء والمنشدنين بأنه للإمام الحسين عليه السلام حيث كان الخطباء ينشدونه من على المنابر بالمناسبة وفي يوم العاشر بالذات دون أن يذكروا اسم الشاعر أو ما يدل على أنه ليس للإمام كالقول مثلاً : « وكأنه قال » ولعلهم في البداية ذكروا ما يدل ثم غاب على السامع ، فتلقفه وكأنه من نظم الإمام عليه السلام ، ولقد وجدت في الكثير من المؤلفات التي صدرت في العراق ومصر ولبنان بل وفي غيرها منسوباً إلى الإمام الحسين عليه السلام مباشرة ، والألطف من ذلك ان خطيباً نقل لي أنه عندما كان يتلقى العلم في قم المقدسة وجد مدرس العرفان يشرح لتلامذته مسألة عرفانية وقد استشهد بهذا البيت باعتباره صادراً عن الإمام الحسين عليه السلام قائلاً : بأن السيوف لم تكن لتؤثر في الإمام إلا بعد ما قال الإمام « فيا سيوف خذوني » حيث أذن لها بأن تقطع جسمه ، يقول الخطيب فقلت له : « مولانا ثبت العرش ثم انقش » فاستغرب من ذلك وأخذ يؤكد أنه من شعر الإمام وكلامه .

(1) راجع ديوان القرن الثالث عشر الهجري من هذه الموسوعة ـ حرف النون ـ ، شعراء من كربلاء : 1/ 174 .
(2) محسن أبو الحب الكبير : لقب بالكبير في قبال حفيده محسن أبو الحب الصغير بن محمد حسن بن محسن أبو الحب الكبير بن محمد الحويزي الحائري ( 1245 ـ 1305 هـ ) كان شاعراً فحلاً وخطيباً مفوهاً ، له ديوان شعر مخطوط .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 78

2ـ شعر التمثيل :
كثيراً ما يستشهد الخطيب أو المتكلم وحتى الكاتب بشعر غيره بما يناسب حديثه وقد لا يذكر ما يدل على أنه لغيره فيأخذه السامع مأخذ الإنشاء ، وهذا الأمر لا يختص بالشعر بل قد يستشهد بآية أو حديث أو مثل إلا أن الأمر في الأول واضح حيث لا يقع فيه لبس ويأتي الحديث في الدرجة الثانية من هذه الناحية ، كما أن الأيام رفعت اللبس بالنسبة للثالث والرابع بفضل التدوين وكثرة النشر ، اللهم إلا إذا وصل بأمة الجهل إلى درجة عدم التمييز ولكن بالنسبة إلى العصور الغابرة والبعد الزمني بيننا وبينها فقد أسدل الجهل بأستاره فلم نعد نعرف ما إذا كان من شعر التمثيل أم من الإنشاء إلا إذا ذكرت لنا تلك القرائن أو التصريحات عن البيت المنشود ونسبته ، وعلى أية حال فالتمييز بين ما هو من إنشاء الشاعر أو إنشاده ليس بالسهل ، وبالأخص إذا لم يلتزم الراوي بنقل كل الحيثيات التي من شأنها توضيح مثل هذا الأمر ، أو عدم التصافق على استخدام كلمة الإنشاد في شعر غيره والإنشاء في شعر نفسه إذ هناك من استعمل الكلمة الأولى في شعر نفسه باعتبار أنه إنشاد ، واستخدم الكلمة الثانية في شعر غيره ، وربما جاء من تصحيف الرواة والنساخ .
3ـ التناسب :
قد يناسب بعض الأبيات أكثر من مورد ، أو يتطابق مع بعض الأحداث والقضايا فالشاعر إنما أنشأ في القضية التي تعينه ولكن الكاتب أو المتكلم قد يجد في هذا البيت ما يناسب حالة أخرى فينشده بهذه المناسبة فيقع الخلط إلا إذا استخدم القرائن ومن ذلك على سبيل المثال قول أبي زيد العلوي (1) : « كأن أبيات أبي تمام(2) في محمد بن حميد

(1) أبو زيد العلوي : هو يحيى بن زيد البصري .
(2) أبو تمام الطائي : هو حبيب بن أوس ( 188 ـ 231 هـ ) ولد على مقربة من حوران السورية وتوفي في الموصل ، كان شاعراً فحلاً ، ينتمي إلى مذهب أهل البيت عليهم السلام ، له : ديوان الحماسة ، فحول الشعراء ، ومختار أشعار القبائل .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 79

الطوسي » (1) ما قيلت إلا في الحسين عليه السلام وهي من الطويل :
وقد كان فـوت الموت سهلاً فرده إليـه الحفاظ المر والخلق الـوعر
و نفس تعاف الضيم حتى كـأنـه هو الكفر يوم الروع أو دونه الكفر
فـأثبت في مستنقع الموت رجلـه وقال لها من تحت أخمصك الحشر
تردى ثياب المـوت حمراً فما أتى لها الليل إلا وهي من سندس خضر (2)

وقد يكون الشعر من المناسب لأن يكون من مقالة شخص فعندها يقع الخلط في القائل دون الغرض لو اختفت القرائن كما في الشعر المنسوب إلى الإمام الحسين عليه السلام وأخيه ابن الحنفية في رثاء الإمام الحسن عليه السلام .
ومما يناسب المقام أن شاع بين الخطباء إنشاد أبيات لأبي الحسن التهامي (3) فيه رثاء ابنه في رثاء علي الأكبر بن الإمام الحسين عليه السلام وهو من الكامل :
حكم المنيـة في البريـة جـار مـا هذه الـدنيا بـدار قـرار
يا كـوكباً ما كان أقصـر عمره وكذاك عمر كواكب الأسحار
و هلال أيام مضى لـم يسـتدر بدراً ولم يمهـل لوقت سرار (4)
عجل الخسـوف عليه قبل أوانه فمحـاه قبل مظنـة الإبـدار (5)

(1) محمد بن حميد الطوسي المتوفى عام 214 هـ كان من قواد المأمون العباسي ، استعمله على الموصل ، وقاد الجيوش لإخضاع الثوار في أذربايجان ولما قتل عظم مقتله على المأمون .
(2) نفس المهموم : 223 ، ديوان أبي تمام : 329 وفيه « تعاف العار حتى كأنما » وفيه أيضاً « فما دجى لها الليل » ، وجاء في نفس المهموم محمد بن حميد الطائي وهو تصحيف .
(3) أبو الحسن التهامي : هو علي بن محمد التهامي المتوفى عام 416 هـ ، ولي خطابة الرملة ، زار الشام والعراق ومصر فاعتقل بها وقتل سراً في سجنه ، وهو شاعر مشهور من أهل تهامة بين الحجاز واليمن له ديوان شعر .
(4) وقت السرار : هو آخر ليلة في الشهر .
(5) أروع ما قيل في الرثاء : 75 .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 80

4ـ التذييل :
هناك من الشعراء من يذيل شعر الشاعر لما يجد فيه من الفائدة أو المناسبة وبما أن النظم يكون على نفس القافية والوزن ومتمماً لتلك المعاني والأغراض فغالباً ما يقع بنفس قريب من نفس الشاعر المذيل شعره ، فإذا لم تشر المصادر أو المنشد لها إلى أن هذا الشعر مذيل يقع السامع أو القارئ في الخلط فلا يميز بين الأصل والذيل ، ومن ذلك على سبيل المثال ما ألحقه الإمام الرضا عليه السلام : بأشعار دعبل عندما أنشده تائيته المعروفة من الطويل ، والتي مطلعها :
تجاوبن بالأرنان والزفرات نوائح عجم اللفظ والنطقات

فلما وصل إلى قوله :
وقبر ببغداد لـنفـس زكيـة تضمنها الرحمان في الغرفات

قال له الإمام الرضا عليه السلام : « أفلا الحق لك بهذا الموضع بيتين بهما تمام قصيدتك ؟ » فقال : بلى يابن رسول الله ، فقال : الإمام :
وقبر بطـوس يالها من مصيبة ألحت على الأحشاء بالزفرات
إلى الحشر حتى يبعث الله قائماً يفرج عنها الهم والكربات (1)

وقد غاب هذا الأمر على بعض الأدباء وأوردوا جميعها أي بضميمة البيتين من شعر دعبل ، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك .
بل إن هناك أبياتاً مشهورة يروى أن السيدة سكينة ابنة الإمام الحسين عليه السلام لما ألقت بنفسها على جسد أبيها يوم الحادي عشر من محرم 61 هـ لتوديعه سمعتها من منحره ـ من مجزوء الرمل ـ :
شيعتي ما إن شربتم عذب ماء فاذكروني
أوسـمعتم بغـريب أوشـهيد فـاندبوني

اتفق المؤرخون على صدور هذين البيتين من منحره ولكنهم اختلفوا في الزائد عليهما حتى ان بعضهم أوصلها إلى عشر أبيات مع العلم أنها من

(1) ديوان دعبل : 137 ، ديوان القرن الثالث : 48 من هذه الموسوعة .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 81

الملحقات كما هو المختار وسنأتي على تفاصيل ذلك في حرف النون المكسورة إن شاء الله تعالى .
5ـ التضمين :
وهناك لون آخر من الفنون الشعرية وهو أن الشاعر يضمن بيتاً من شعر غيره في قصيدته وذلك إعجاباً منه بذلك البيت وربما غاب هذا الأمر على الكثير فيعده من شعر المضمن وبالأخص إذا اشتهر الثاني وضمر الأول ومن ذلك على سبيل المثال البيت التالي من الطويل :
أرى عـلل الـدنيا علي كثيرة وصاحبها حتى الممات عليل

حيث جاء في ديوان الإمام أمير المؤمنين عليه السلام منسوباً إليه مع بيتين آخرين هما :
لكل اجتماع من خليلين فرقة وكل الذي دون الممات قليل
وإن افتقادي واحداً بعد واحد دليل على أن لا يدوم خليل (1)

حيث أوردها الأمين العاملي المتوفى عام 1371 هـ في الديوان الذي جمعه باسم الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ورغم دقته في الجمع وتتبعه فإنه لم يشر إلى أن البيت الأول ورد في ديوان أبي العتاهية ضمن قصيدة مطلعها :
ألا هل إلى طول الحياة سبيل وأنى وهذا الموت ليس يقيل (2)

هذا وقد نقل الأمين الأبيات الثلاثة عن كتاب القاضي القضاعي (3) المتوفى عام 454 هـ وذكر بعد تمحيص أمر نسبتها إلى الإمام عليه السلام قائلاً : وأورده جامع الديوان وقال : إنه في رثاء الزهراء عليها السلام وزاد فيه

(1) ديوان الإمام أمير المؤمنين جمع الأمين : 107 عن دستور معالم الحكم للقاضي القضاعي . وفي بعض الدواوين المنسوبة إلى الإمام : « وان افتقادي فاطم بعد أحمد » .
(2) ديوان أبي العتاهية : 221 .
(3) القاضي القضاعي : هو محمد بن سلامة بن جعفر الفقيه المصري المولود والمتوفى في مصر ، تولى القضاء فيها وله عدد من التصانيف الجليلة ، منها : تواريخ الخلفاء ، خطط مصر ، وكتاب الشهاب .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 82

زيادة كثيرة أشرنا إلى حالها وعدم صحتها وأنه لم يصح منها إلا هذه الأبيات الثلاثة التي أوردها القضاعي .
ويبدو لنا ـ اعتماداً على تحقيق الأمين ـ أنها من شعر الإمام عليه السلام ضمنه أبو العتاهية في قصيدته هذه وذلك لتقدم الإمام عليه السلام على أبي العتاهية .
ومن التضمين التشطير والذي هو إضافة عجز إلى صدر بيت وإضافة صدر إلى عجز ذلك البيت .
هذه وجوه من أسباب الخلط في نسبة الشعر إلى غير قائله وربما تكون هناك موارد أخرى غابت عنا نرجو أن يسامحنا القارئ عليها ، كما ونرجو أن يضيفها المحققون إليها .

دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 83

شعر الرؤيا

هناك أشعار ليست بحد ذاتها قليلة وطريق معرفتها انحصرت بالرؤيا بمعنى أنها انشدت في الرؤيا لصاحب الرؤيا أو أمامه ولما استيقظ يكون قد حفظها وهي من الأشعار التي لم يكن قد سمعها من قبل بل ولا وجود خارجياً لها والسؤال الذي يطرح نفسه هو : لمن تنسب هذه الأشعار ؟
وفي الحقيقة ان هذا الباب واسع والحديث عنه يتطلب بحث جهات مختلفة وسنوجز مناقشته ضمن النقاط التالية :
1ـ في البداية لا بد من بحث مسألة الرؤيا من جهة الاعتبار وعدمه ، وحتى لا نكرر الحديث فلقد بحثنا الموضوع في باب الرؤيا وقلنا بأن ما يراه الإنسان إما هو رؤيا أو أحلام ، ونعني بالأول الصادق منها وبالثاني غير الصادق منها ، وقد تحدثنا عن إمكان وقوع كليهما ، إذاًَ فمنها ماهي صادقة يعتمد عليها ومنها ماهي اضغاث أحلام لايعتنى بها (1) .
2ـ هل هذا الشعر من الإنشاء أو الإنشاد ، فلو أنك رأيت زيداً في رؤياك وأنشدك أبياتاً لم تنظم من قبل فهل يعد هذا من إنشائه أم من إنشاده ، والواقع أن حكمه حكم حالة اليقظة ، فلو أن أحداً أنشدك بيتاً في حالة اليقظة فهل هو من الإنشاء أو الإنشاد فكما أننا في هذه الحالة نتحرى القرائن والدلالات فكذلك في حالة النوم لا بد من تتبع القرائن والدلالات . هذا فيما إذا كانت الرؤيا صادقة ، وكانت صريحة المعالم وفيما عدا ذلك يبقى من الشعر المجهول قائله ، وقد بسطنا الكلام عنه في محل آخر (2) .
3ـ على فرض تحقق الرؤيا وكونها صادقة يأتي السؤال حول حجيتها

(1) راجع باب الرؤيا مشاهدات وتأويل من هذه الموسوعة .
(2) راجع مقدمة ديوان الهاتف من هذه الموسوعة .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 84

والاستناد عليها والكلام فيه يطول وقد بحثنا جوانب منه في باب التشريع (1) وتوصلنا هناك إلى أن الرؤيا ليست حجة شرعية إلا عند المعصوم عليه السلام حيث هي جزء من الوحي ، وأما رؤيا سائر الناس فهي من المبشرات ليس إلا ، ولا يمكن الحكم بحجيتها شرعاً مع الاحتفاط بصدقها حيث لا تلازم بين صدق الرؤيا وعدم شرعيتها بمعنى أن الأحكام لا يعول عليها حيث أن الشارع لم يعتمد طريقتيها فلو أنك رأيت في المنام أن زيداً سرق مال عمرو فهل تحكم على زيد بالسرقة وإجراء الأحكام عليه ، فعلى فرض صدق الرؤيا فالشرع لم يرد منا الوصول إلى إثبات السرقة عبر هذه الوسيلة بل اختار لنا في إثباتها طريق الاعتراف أو الشهادة فقط ، ولذلك فلا يحق لأحد أن يعتمد على الرؤيا في الاحكام الشرعية فلو أنك رأيت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في النوم وقال لك بجواز أمر أو بحرمته وأخضعته للقواعد المتبعة في قبول الحديث ورده فهل يمكن الإعتماد على هذه الرؤيا ليكون حكماً شرعياً وتعتبر ما ينقله صاحب الرؤيا حديثاً نبوياً مروياً عنه صلى الله عليه وآله وسلم مباشرة ، إن هذا ليس بالمقبول ، نعم غاية ما يمكن أن يقال بجواز العمل به فيما لا يوجب البت في الحكم وذلك من باب التسامح في أدلة السنن أو من باب رجاء المطلوبية بما لا ينافي الحكم الشرعي ، كما لو أوصى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في الرؤيا بملازمة قراءة دعاء ما بعد صلاة العشاءين وليس فيه ما ينافي الشرع فلا بأس بالالتزام من باب رجاء المطلوبية دون النسبة إليه ، ولا بد من غلق هذا الباب نهائياً لأنه خطير فلا يصاب دين الله بالرؤيا .
نعم فيما لم يكن حكما شرعياً لا بأس بالتصديق به فيما إذا ثبت أنه من الرؤى الصادقة حسب الشروط المذكورة والدقة المرجوة ، ومع هذا فإنه لا إشكال فيما نحن فيه من نسبة الشعر إلى قائله إذا لم يترتب عليه حكم شرعي .
وأما قول بعضهم بأن تشريع الأذان جاء بالاعتماد على رؤيا بعض الصحابة فمردود من جهات ذكرناها في مقدمة باب الحسين والتشريع ، ومع هذا فإن نسبة شعر الرؤيا إلى المعصوم عليه السلام محل نظر لأن قوله وفعله وتقريره حجة فالنسبة تتبعها أحكام وهو مورد الإشكال .
ومن شعر الرؤيا الذي لابأس بتقبل أخلاقياته دون التعويل عليه في

(1) راجع مقدمة باب الحسين والتشريع من هذه الموسوعة .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 85

الأحكام الشرعية ما ذكره الشاعر ابن عنين (1) في قصة طويلة نذكر ما يهمنا وهو أنه نظم قصيدة حرض فيها صاحب اليمن (2) على بعض الأشراف الذين سلبوه مالاً وأقمشة كانت معه قال فيها من البسيط :
طهر بسيفـك بيت الله من دنـس و من خسـاسـة أقـوام به و خنا
ولا تقـل إنهم أولاد فـاطـمـة لو أدركوا آل حرب حاربوا الحسنا

فلما انتهى من قصيدته رأى في الرؤيا السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام وهي تطوف بالبيت فسلم عليها فلم تجبه فتضرع وتذلل وسأل عن ذنبه الذي أوجب عدم جواب سلامه فأنشدته عليها السلام من السريع :
حـاشـا بني فـاطمـة كلهم من خسة تعرض أو من خنا
و إنمـا الأيـام في غدرهـا وفعلها السـوء أسـاءت بنا
أإن أسـا من ولـدي واحـد جعلت كل الـسب عمداً لنا
فـتب إلى الله فمن يقـترف ذنباً بنا يغفـر له ما جـنى
وأكرم بعين المصطفى جدهم و لا تهـن من آله أعـينـا
فكـل مـا نالك منهم عـنـاًَ تلقى به في الحشر منا هنـا

قال ابن عنين : فانتبهت من منامي فزعاً مرعوباً ... فكتبت هذه الأبيات وحفظتها وتبت إلى الله تعالى مما قلت وقطعت تلك القصيدة وقلت :
عذراً إلى بنت نبي الـهـدى تصفح عن ذنب مسيء جنى

إلى آخر كلامه (3) .
فلا شك أنها كرامة من كراماتها ولكنها لا تصل إلى حد النص الشرعي بل يبقى في إطار التنبيه واللطف وما شابه ذلك .

(1) ابن عنين : هو محمد بن نصر الله بن مكارم بن الحسن بن عنين الحوراني الدمشقي ( 549 ـ 630 هـ ) كان أعظم شعراء عصره ، مولده ووفاته بدمشق ، نفاه صلاح الدين فذهب إلى العراق والجزيرة وأذربيجان وخراسان والهند واليمن ومصر وعاد إلى دمشق بعد وفاة صلاح الدين ، من مؤلفاته : مقراض الأعراض ، التاريخ العزيزي ، ديوان شعره .
(2) صاحب اليمن : الملك الناصر ابن أيوب .
(3) عمدة الطالب : 130 ـ 132 .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 86

شعر الإعجاز

هناك نوع آخر من الشعر والذي وصلنا عبر الكرامة أو الإعجاز وهذا الأمر بحد ذاته يحتاج إلى قبول أصل مسألة الإعجاز من جهة وعمن يصدر الإعجاز من جهة أخرى حتى يتم قبول ما صدر من الشعر إلى قائله بطريقة الإعجاز .
ومن تلك على سبيل المثال ما رواه زيد بن الأرقم (1) عن مسيرة الرأس الحسيني الشريف في طرقات الكوفة قال : كنت في غرفة لي فمروا علي بالرأس وهو يقرأ « أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجباً » (2) فوقف شعري وقلت : والله يابن رسول الله رأسك أعجب وأعجب (3) .
وأما بالنسبة إلى الشعر فقد سبق وذكرنا رواية السيدة سكينة بنت الحسين عليه السلام أنها سمعت من نحره الشريف بيتين من الشعر والتي أولاهما ـ من مجزوء الرمل ـ :
شيعتي ما إن شربتم عذب ماء فاذكروني

فهذا النوع من الشعر بعد تمحيص رواته سيدخل في مثل ديواننا بلا شك حيث لا خلاف بأنه من كلامه ، ويبقى مسألة الحجية فإنه من مسائل التشريع التي تقدم الحديث عنها بأنها تختلف عن بقية الأبواب ، هذا وقد تحدثنا عن شعر الإعجاز بتفصيل في محله (4) .

(1) زيد بن الأرقم الخزرجي المتوفى عام 68 هـ كان من أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة علي والحسنين ، غزا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم سبع عشرة غزوة وشهد مع علي عليه السلام صفين ، توفي في الكوفة ، كتم شهادة الولاية في علي عليه السلام ثم تاب .
(2) سورة الكهف ، الآية : 9.
(3) مقتل الحسين للمقرم : 332 عن الكامل في التاريخ لابن الأثير : 4/ 24 ، البداية والنهاية لابن كثير : 8 / 191 ، الخطط المقريزية : 2/ 288 .
(4) راجع باب الكرامات والمعاجز من هذه الموسوعة .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 87

آثار النقل والطباعة

قد يتساءل المرء من أين يأتي التصحيف وكيف تتم النسبة الخاطئة ، وبما أننا واجهنا في هذا المقطع من العمل ثلاث عينات من هذا القبيل وتمت الإشارة إلى عينتين منها على وجه الاحتمال وثالثة على وجه اليقين لذلك أحببنا استعراض الثالثة بشيء من التفصيل حيث وقعنا على أثرها في خطأ كبير ولولا فضله سبحانه وتعالى لانطلى علينا الخطأ ، وأما العينتان الاحتماليتان فقد سبق وتحدثنا عنهما بإيجاز ونشير هنا إليهما فأولاهما طباعة الأسفار الخماسية السابقة الذكر منسوبة إلى الإمام السجاد عليه السلام وذلك باسم « التحفة السجادية » في الهند لمجرد المشاركة الاسمية ، وثانيهما إدخالها في كشكول البهائي من قبل مسؤول الطباعة في طهران (1) حتى

(1) وبهذه المناسبة نود ان نذكر ما يهم الالتزام في طبع المؤلفات بأن لا نخرج عما رسمه المؤلف لنفسه وهنا عينات عايشتها وسأذكرها في موقعها منها طباعة كتاب لواعج الأشجان وأعيان الشيعة وغيرهما ، ومن تلك ما يناسب هذا المقام كتاب مفاتيح الجنان للشيخ عباس القمي المتوفى عام 1359 هـ الذي ألحق بكتابه هذا ملاحق في طبعات متأخرة عن الطبعة الأولى ولم يشأ أن يدخلها في أصل الكتاب مخافة أن تستغل العملية من طرف آخر ويقوم بإدخال معلومات لا يرضى بها صاحبها به ويبدو أنه كان قد انتبه إلى هذه الاختراقات منذ زمن بعيد فقال في مقدمة الملحق الأول لكتابه مفاتيح الجنان : « لقد خطر بالبال بعدما فرغت من تأليف كتاب مفاتيح الجنان وانتشرت نسخه في الأقطار ، أن أضيف إليه للطبعة الثانية إضافات تشتد الحاجة إليها ، وهي ... ولكن الإضافة إلى الكتاب فيما رأيت كانت فتح الباب للتصرف في كتاب مفاتيح الجنان ، وهو باب قد يغنم فتحه بعض الفضوليين متصرفين في الكتاب إضافة أو حذفاً ، فينشرون ماعبث به الأهواء باسم مفاتيح الجنان كما هو المشاهد في كتاب مفتاح الجنان ولأجل ذلك لم أغير من أصل الكتاب شيئاً ، وإنما ذيلته بمحلق يحتوي على هذه المطالب الثمانية ، وإني أدع إلى لعنة الله القهار ، ولعنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة الأطهار عليهم السلام من عبث في كتاب =
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 88

أصبحت كجزء من الكتاب بعد حذف المقدمة التي كان قد أشار فيها إلى ذلك ، وقد وقع في هذا الخلط جمع من المحققين كالسيد الخرسان الذي اعتبر هذه الطبعة من أفضل الطبعات التي يمكن الاعتماد عليها دون الإشارة إلى ذلك أو عدم حذف المقدمة منها ، كما أن بعض الكتاب نقلها عن الشيخ البهائي مباشرة لعدم اطلاعه على الطبعات السابقة كما هو الحال في نقل عبير الرسالة هذه الأبيات عن البهائي (1) .
وأما الثالثة فقد ورد في عبير الرسالة : « وقال الإمام الحسين عليه السلام :
ومن فضل الأقوام يوماً برأيه فإن علياً فضلتـه الـمناقب (2)

إلى آخر الأبيات وهي أربعة .
وقد أورد في الهامش بأنه نقلها من إسعاف الراغبين للشيخ محمد الصبان (3) ، ونحن بدورنا تلقيناه تلقي المسلمات وأوردناه كمقطع ثامن من هذا الديوان منسوباً إلى الإمام الحسين عليه السلام ، وذكرنا بأن المصدر الوحيد الذي نقل هذه الأبيات هو كتاب عبير الرسالة عن كتاب اسعاف الراغبين ، حيث لم يكن لدينا كتاب الإسعاف ليسعفنا إلى تدارك أخطائنا ، وقمنا بالتعليق عليها وكأنها من شعر سيدنا وإمامنا الحسين عليه السلام ، وكنا نسعى ـ كما هو دأبنا ـ إلى مراجعة الأصول وإلى أكثر عدد ممكن من المصادر وما كتب عنها فحصلنا على نسخة اسعاف الراغبين وكان من حسن الحظ انها هي الطبعة التي نقلت عنها الاشعار فوجدنا انها مطبوعة بهامش كتاب نور الابصار للشبلنجي (4) ، وراجعنا حياة الإمام الحسين عليه السلام من أوله إلى

= مفاتيح الجنان بشيء » ـ راجع مفاتيح الجنان : 1054 طبعة الوفاء بيروت ـ ومع هذا فقد قامت دار الأضواء بإدخال كل هذه الملاحق بشكل غير فني ، مما جعلنا أن نذكر صاحبها فواعدنا أن يتدارك ذلك في طبعة أخرى .
(1) عبير الرسالة : 70 .
(2) عبير الرسالة : 46 .
(3) محمد الصبان : هو محمد بن علي ( ... ـ 1206هـ ) الآتي ذكره .
(4) الشبلنجي : هو مؤمن بن حسن مؤمن( 1252 ـ 1368 هـ ) ولد في مصر وتوفي بها ، كان من العلماء الفضلاء ، تعلم في الأزهر وكان يميل إلى العزلة ، له كتاب : فتح المنان ، مختصر الجبرتي ، ونور الأبصار .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 89

آخره فلم نجد فيه هذه الأشعار ، ثم إن الصبان بدء بترجمة السيدة زينب عليها السلام وفي نهاية الصفحة في الهامش طبعاً وجدنا الأشعار إلا أن علامة عددية قد سبقتها وكانت الرابط بينها وبين كتاب نور الأبصار الذي وصل به البحث في هذه الصفحة إلى نهاية ترجمة زيد بن علي بن الحسين عليه السلام وفيه « وكان سيبويه يحتج بشعر السيد زيد » فان المؤلف ـ الشبلنجي ـ علق على كلمة « بشعر السيد زيد » في الهامش بهذه العبارة : « ومن شعره رضي الله عنه ـ الأبيات الأربعة ـ انتهى ، من خط مؤلف نور الأبصار » ، ولكن صاحب عبير الرسالة الذي يبدو أنه كان على عجلة من أمره تصور أن هذه العبارة تابعة لإسعاف الراغبين التي جاءت مطبوعة في الهامش ، ثانياً : الخط الفاصل بين كتابة الإسعاف وهذا المقطع من الكلام ، ثالثاً : إن الكلام في الإسعاف قد انتهى عن الإمام الحسين عليه السلام وبدء بأخته زينب بنت علي عليه السلام ، ووجد أن الضميرين المذكورين في قوله : « ومن شعره رضي الله عنه » لايناسب السيدة زينب فأحالهما إلى ما قبلها وهو الإمام الحسين عليه السلام ، رابعاً : التصريح الذي جاء بعد الأسفار مباشرة : « من خط مؤلف نور الأبصار» حيث ظنها تعليق على كتاب إسعاف الراغبين .
ومن المؤسف جداً أن الدار العالمية ببيروت طبعت كتاب نور الأبصار وغفلت عن هذا الهامش الذي استدركه مؤلفه الشيخ الشبلنجي (1) رغم أن صاحب الدار ذكر بأن طبعته هذه هي الأولى وأرخها بعام 1405 هـ ( 1985 م ) مع العلم بأن الطبعة التي وردت فيها الأشعار هي الطبعة الأخيرة (2) على ما جاء فيها وتاريخها عام 1367 هـ ( 1948 م ) أي بفارق 37 عاماً ، وتأتي دار الغد العربي في القاهرة وتستنسخ طبعة بيروت هذه ويثبت عليها الطبعة الأولى وتؤرخها عام 1988 م وكل ذلك خلط في خلط فمن يتحمل عبء هذه الأخطاء فلو لم نحصل على كتاب إسعاف الراغبين

(1) ولعله كانت عن طبعة أخرى .
(2) مع الأسف لم يحدد أية طبعة هذه إذ لا يكفي أن يقال الأخيرة لأنها كلمة نسبية لا تحدد شيئاً .

السابق السابق الفهرس التالي التالي