دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 90

في اللحظات الأخيرة من إعداد هذا الديوان لكانت بالنسبة إلينا كارثة ، وللتأكيد راجعنا المصادر التي كتبت عن زيد بن علي بن الحسين عليه السلام فوجدنا أن الأبيات الأربعة ذكرت فيما أنشأه زيد بن علي عليه السلام فحمدنا الله على ذلك ، وهذا من فضل ربي اللامتناهي . ولقد اسعفتنا نسخة اسعاف الراغبين اللهم اجعلنا من الراغبين إليك عن غيرك .
وإليك ما كنا قد كتبناه في الديوان قبل أن يتبين الحق ، نورده بتمامه من دون زيادة أو نقصان ليتضح الأمر .
(8)
فضل علي
1ـ ومن فضل الأقوام يـومـاً برأيه فـإن علـيـاً فضلته الـمنـاقـب
2ـ وقـول رسول الله والحق قـوله و إن رغمت منه الأنوف الكـواذب
3ـ بـأنـك مني ياعلي معـالـنـا كهارون من موسى أخ لي وصاحب
4ـ دعـاه ببدر فـاستجـاب لأمره فـبـادر في ذات الإله يـضـارب
* * *
البحر :
هو الطويل ( فعولن مفاعيلن × 4 ) إلا إن عروضه وضربه دخل عليهما القبض فأصبحتا«مفاعلن» بعد ما كانت : « مفاعيلن » ولا بد من الالتزام بذلك في كل الأبيات ، وأما الحشو فقد يدخل على تفاعيله المفردة القبض أيضاً لتصبح : « فعول » بعدما كانت « فعولن » وهذا جائز ، وقيل في الخامس منها مستحسن ، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك .
القافية : من المتدارك وذلك بإشباع الباء .
سبب الإنشاء :
لا شك أنه في ذكر مناقب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ويبدو أنه رد بهذه الأبيات على من كان يعتقد بأن الخلافة إنما هي بالرأي ، بل أراد الإفصاح عن أن الخلافة إنما هي بالمؤهلات والتي كانت مجتمعة في أبيه علي عليه السلام .
التخريج :
لم تصلنا الأبيات إلا عن مصدر واحد وهو عبير الرسالة : 46 ، إلا أنه نقلها عن إسعاف الراغبين : 217 .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 91

عدد الأبيات : أربعة دون خلاف أو شك ، ولكن محتواها يدل على أنها لا بد وأن تكون أكثر من ذلك .
السند : مرسل .
الراوي :
الأخبار تنقطع عند الصبان محمد بن علي المتوفى عام 1206 هـ والذي كان من علماء مصر المشاركين في العلوم العربية والتاريخ والحديث وغيرها ، ولم يذكر في كتابه هذا مصدراً لهذه الأبيات .
النسخ : لم تذكر نسخ أخرى لها.
الإعراب : قوله « كواذب » صفة لـ « أنوف » .
وأما قوله : « معالنا » حال من صاحب الحال وهو الرسول صلى الله عليه وآله وسلم .
اللغة :
قوله « برأيه » . الرأي ما اعتقده الإنسان وارتآه وهو مأخوذ من الرؤية بالعقل ويعم ما كان صائباً أم لا . وما كان مستنداً بدليل أم لا ؛ وغلب استعماله في الأخير وهو المراد به هنا ، والفرق بين الرؤية والنظر في الاتجاه العقلي كالفرق بينهما في الاتجاه البصري ، فالرؤية في الأخير هي إدراك المرئي والنظر هو الإقبال بالبصر نحو المرئي ، ولذلك قد ينظر ولا يراه .
قوله « المناقب » جمع المنقبة وهي الفعل الكريم ، والمنقبة في الخير دائماً ، ومنه قولهم : في فلان مناقب جميلة ، أي أخلاق ، وهو حسن النقيبة ، أي جميل الخليقة ، وسمي النقيب نقيباً لأنه مطلع على أسرار القوم ويعرف مناقبهم (1) ويقال نقيب القوم ، أي شاهدهم وضمينهم .
وأما قوله : « الحق » هو خلاف الباطل ونقيضه وإنما أطلق على الشخص كما في« زيد عدل » لأنه جبل عليه فلا يصدر منه إلا الحق ، وقوله : « رغم » فالجذر يدل على الإكراه والقسر والقهر وبحسب متعلقه تتشعب معانيه ، وللأنف في كثير من الأقوام اعتبار غير عضوي ، فمنهم من يستخدمه كوسيلة للتحية بواسطة

(1) الصحاح : مادة « نقب » .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 92

تماس الأنفين معاً ، ومنهم من يستخدمه كوسيلة معاهدة فيشير بإصبعه إلى أنفه للدلالة على قطعية الوفاء بما تعهد بل يصرح بقوله على « خشمي » أنفي ، ومنهم يستخدمه كأداة لحط كرامة الآخر وإذلاله ومنه جاءت المقولة المعروفة « على رغم أنفه » حيث استخدمها مع كلمة الرغم ، والعبد إذا أراد أن يخضع لربه مرغ أنفه بالتراب ، إذاً فهو يستخدم لطرفي النقيض ، وهناك أمثال عربية شائعة بل غير عربية أيضاً بالإضافة إلى أمثال شعبية في معنى التكبر والتـواضع فمن أراد فليراجـع مظـانها (1) .
قوله : « الكواذب » جمع الكاذبة مؤنث الكاذب وهو نقيض الصادق ، فإن وصف الأنوف بالكواذب كناية عن إطلاق الكذب على المرء كله ، فقد يصفون واحداً بصفة تخص جزء من بدنه (2) ، وعادة ما يكون الأنف ، ليدل ذلك على صفة لازمة لذلك الواحد لا تزول ، وفي أمثالهم : هم لئام المعاطس ، أي الأنوف ، يريدون وصفهم باللؤم ، لا أن يصفوا أنوفهم لوحدها بذلك (3) .
وأما حرف : « من » فهي للتفسير كما لو قلت : « أنت بالنسبة لي» إذ يراد منه بيان النسبة حيث يقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام : « أنت مني بمنزلة هارون من موسى » (4) يريد صلى الله عليه وآله وسلم أن يبين نسبة علي عليه السلام من نفسه الشريفة ، ومن هنا فإنها وإن دخلت في من

(1) منها : « منك انفك وإن كان أجدع » يضرب لمن يلزمك خيره أو شره ، وإن كان ليس بمستحكم القرب .
ومنها : « انفك منك دان كان أذن » يضرب للمتبرئ من ضعفة قومه .
ومنها : « أنف في السماء وإست في الماء » يضرب لمن يكبر مقالاً ويصغر فعالاَ ، ويقال للمتكبر الصغير الشأن .
هذا ولكبر حجم الأنف وصغره أمثال ومعان ومستلزمات لسنا بصددها هنا .
(2) كقوله الله تعالى : « فك رقبة » [ البلد : 13] .
(3) فصل المقال : 402 .
(4) راجع فضائل الخمسة : 1/ 348 عن الجامع الصحيح لمسلم : 7/ 120 وأسد الغابة : 4/ 26 وغيرهما .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 93

المعروفة بالبيانية إلا أنها ليست هي بعينها بل لها نوع من الاستقلال في المعنى ولذلك يصح تسميتها بمن النسبية .
قوله : « معالنا » وهي مؤخوذة من العلن والعلانية أي الانكشاف والظهور ، فكأنه أراد أن يقول : « معلناً » أي أن هذه المقولة تمت علانية وعلى رؤوس الأشهاد . قوله : «الصاحب » هو الملازم المعاشرة ، ولم يعرف طيلة حياة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أكثر من لازمه وعاشره غير علي عليه السلام .
قوله : « في ذات الله » حرف الجر « في » جاء بمعنى اللام أي « بادر لأجل ذات الإله يضارب » أراد لوجه الله خالصاً ، والذات هنا كنه الله وحقيقته وهي الذات المستجمعة لجميع الصفات الكمالية والمنزهة عن جميع الصفات غير اللائقة به ، والفرق بين الذات والحقيقة بشكل عام أنه لم يعرف الشيء من لم يعرف ذاته ، وقد يعرف ذاته من لم يعرف حقيقته ، وقد تطلق الذات على المهجة والروح والنفس ، والفرق بين الذات وبينها : أن المهجة دم الإنسان الذي إذا خرج خرجت روحه (1) ، والنفس لفظ مشترك يقع على الروح وعلى الذات حيث يقال : « خرجت نفسه » أي روحه ، كما يقال : « جائني زيد نفسه » أي ذاته ، والنفس التي تستعمل بمعنى الذات لا يصح أن تدل على الشيء من وجه يختفي به دون غيره ، وربما أطلق لفظ الذات على الشيء والمعنى ، فالمعنى المقصود بعدما كثر استعماله سمي المقصود معنى ، وكل شيء ذات وكل ذات شيء إلا أنهم ألزموا الذات الإضافة فقالوا : ذات الإنسان وذات الجوهر ليحققوا الإشارة إليه دون غيره ، هذا ويعبر بالنفس عن المعلوم فتقول : صح ذلك في نفسي أي أصبح معلوماً عندي ، ولا يقال : صح في ذاتي (2) ، وعلى أية حال فالذات الإلهية هي كنه الله وحقيقته كما سبق وأشرنا إليه .

(1) وخصصه بعضهم بدم القلب كما في العين للخليل : 6 / 65 .
(2) راجع فروق اللغة : 241 ، 519 .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 94

قوله : « يضارب » أراد يقاتل لما أن القتال يقوم بآلة تضرب بها الخصم كالسيف سابقاً وكالقذائف حالياً .
التصوير الفني :
يصور الشاعر الأسلوب الذي تم لتعيين الحاكم ويذكر مفارقة مهمة في هذا الاتجاه فبينما يفضل أحدهم بالرأي وتحاك له الفضائل بعد اختياره حاكماً إلا أن الحقيقة تفرض علينا أن يكون الاختيار لمن فضلته مناقبة ومواهبه على الآخرين .
كما يعبر بصورة بديعة عن وجوب إظهار الحق وذلك حين يقول : « وإن رغمت منه الأنوف الكواذب » إذ لا بد وأن يكون المؤمن بالله ورسوله أن لا تأخذه في الله لومة لائم لإظهار الحق .
ثم انه أراد بيان نموذجين من الخصال يرتبط أحدهما بذات الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الذي عبره توصلنا إلى الأخرى ، وهي الارتباط بذات الله لأنهما ركيزتان لا يختلف عليهما اثنان من المسلمين ، فقد أشار إلى حديث المنزلة ، وإلى مسألة قتل صناديد قريش والمشركين والتي لم تكن إلا لوجه الله تعالى .
الشرح والمعنى :
يستهل الشاعر أبياته بقوله : إن من الناس من يفضل الصحابة بالآراء أو أنه يريد القول بأن من الناس من يتميز على الناس بفضل رأيه ورجحانه على الآخرين ، ولكن علياً عليه السلام يفضلهم في رجاحة رأيه وحده بل في جميع المناقب ، وقول رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في حقه هو القول الفصل والحق الذي لا يأتيه الباطل ، على رغم أنف الكاذب والمفتري الذي لا يستسيغ ذلك ، فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام : أنت مني وأنا منك (1) ، وقال فيه معلناً ذلك عندما خلفه على المدينة عند مسيره إلى غزوة تبوك (2) يا

(1) مسند أحمد بن حنبل : 4/ 165 وغيره .
(2) غزوة تبوك : تبوك واحة في شمال الحجاز تقع في طريق الشام الحجاز ، بينها وبين المدينة اثنتا عشرة مرحلة ، وقعت بها غزوة المسلمين بقيادة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وذلك في شعبان عام 9 هـ ، وكانت تسمى بالغزوة الفاضحة لأن الله فضح المنافقين فيها ، وكان بهذه الواحة قلعة وعين ونخيل .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 95

علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي (1) ، وكان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد آخى بين المسلمين (2) وخص علياً عليه السلام بأن يكون أخاً له فقال لعلي : أنت أخي وأنا أخوك في الدنيا والآخرة (3) ، كما قال في مورد آخر : يا علي أنت أخي وصاحبي (4) .
هذا وقد انتدب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم علياً ليلة البدر (5) إلى الماء دون غيره فسلم عليه ثلاثة آلاف وثلاثة ملائكة (6) ، ثم انتدبه لقتال المشركين وقادتهم فقتل مشاهير شجعان قريش وقد تولى شطر المقتولين بينما تولى المسلمون مع الملائكة الشطر الاخر(7) وفي انتصار المسلمين ببدر وامدادهم بالملائكة يقول الله عز وجل : « ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون * إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم ان يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين * بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين * وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم »(8) .
الحكمة : لا شك أن الشاعر لم يقصد مجرد بيان بعض الفضائل للإمام أمير

(1) صحيح البخاري : 6 / 1.
(2) لقد آخى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بين المسلمين مرتين الأولى كانت في مكة والثانية كانت في المدينة وهي المقصودة هنا وكان ذلك في الرابع والعشرين من شهر ذي الحجة السنة الأولى من الهجرة .
(3) جامع الترمذي : 2/ 213 وغيره .
(4) الاستيعاب : 2/ 460 وغيره .
(5) بدر الكبرى وقعت في السابع عشر من شهر رمضان السنة الثانية للهجرة .
(6) كان كل من جبرئيل وميكائيل وإسرافيل يقودون ألفاً من الملائكة ـ راجع علي من المهد إلى اللحد : 112 ـ .
(7) غزوات أمير المؤمنين : 126 .
(8) سورة آل عمران ، الآيات : 123 ـ 126 .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 96

المؤمنين عليه السلام كما لم يقصد بيان الحقائق فحسب بل رام إلى بيان حكمة تقديم صاحب المواهب على غيره حيث هي محور الأفضلية والخيار .
النسبة : لم يوجد في الأبيات ما ينافي نسبتها إلى الإمام الحسين عليه السلام لولا أنها مرسلة .
الإقتباس : المعاني الواردة مقتبسة من الأحاديث الواردة عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم .
وأخيراً : إذا كانت النسبة إلى الإمام المعصوم عليه السلام صحيحة فالمستفاد منها وجوب الاختيار حسب ما يمتلك المنتخب من مواهب .

دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 97

أسئلة وأجوبة

هناك عدد من التساؤلات نطرحها بهدف التوضيح :
1ـ قد يتساءل القارئ عن مدى ارتباط هذه التعليقات والشروح بجوهر الكتاب ، إذ كان بالإمكان التعامل مع النصوص الشعرية في هذا الجزء كما هو الحال في ديوان القرون (1) من بيان معنى الكلمة بإيجاز ، دون اللجوء إلى البحث اللغوي والتوسع في ذلك ، أو بيان الخلل العروضي أو ما شابه ذلك .
فالجواب عن ذلك ان مسألة نسبة الشعر إلى الإمام الحسين عليه السلام وعدمها تحتاج إلى دراسة وتعمق أكثر من غيره لمقامه وعصمته ، فالنسبة إليه من دون دليل أو إمعان النظر يعد تقولاً عليه ، والتقول بحد ذاته محرم ، فكيف على الإمام المعصوم عليه السلام وقد أعتبره فقهاء الإمامية من مفطرات الصوم إذ الكذب على الله ورسوله والأئمة المعصومين عليهم السلام مفطر للصوم بل من الافطار بالحرام الذي يتضاعف إثمه وأثره .
وعلى هذه النسبة يترتب الكثير من الأمور ، ولعل فيها أموراً شرعية وأحكاماً فقهية وعقائدية أو أخلاقية ـ بالإضافة إلى أنها بعيدة عن الأمانة الرائدة لدى المحققين .
وأما في عدم نسبته إلى الإمام المعصوم عليه السلام جزافاً فهو جريمة تاريخية بعيدة كل البعد عن الالتزام الأدبي الذي يلتزم به ضمير كل محقق وكاتب .
فلا بد إذاً من شوط الطريق للوصول إلى السلب أو الإثبات أو

(1) المقصود بديوان القرون ، ديوان القرن الأول إلى ديوان القرن الخامس عشر من هذه الموسوعة من الشعر الذي قيل في الإمام الحسين عليه السلام .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 98

التوقف بدليل وعندها يكون المرء معذوراً .
ويقول الدربندي (1) في هذا المجال عند الحديث عن وجوب ورع الخطباء عند نقل ما ينسب إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته ، ثم يعرج بالحديث على الشعر : « إن الحال في الكلام النظمي كالحال في الكلام النثري ، نعم إن دائرة الأشعار والكلام النظمي أوسع الدوائر ، وأما قضية لسان الحال وتصدر الكلام بلفظة « كأن » أو ما يؤدي مؤداها فالظاهر أنها حيلة حسنة في باب إخراج الكلام عن الكذب » وينقل في هذا المضمار ما رواه السكوني (2) عن الصادق قال قال أمير المؤمنين عليه السلام : إذا حدثتم بحديث فاسندوه إلى الذي حدثكم فإن كان حقاً فلكم وإن كان كذباً فعليه ، ونقل أيضاً : أنه جاء في خبر محمد بن علي (3) قال قال أبو عبد الله عليه السلام : « إياكم والكذب المتفرع فقيل : وما الكذب المتفرع قال : أن يحدثك الرجل بالحديث فتتركه وترويه عن الذي حدثك عنه » (4) .
2ـ لعل البعض يسأل لماذا أقحم الشعر الذي توصلنا إلى أنه ليس للإمام الحسين عليه السلام ضمن هذا الديوان وكان بالإمكان الإشارة إلى ذلك في المقدمة التمهيدية بدلاً من وضعه في الديوان والتعليق عليه وشرحه ؟
فالجواب ان النتيجة جاءت على أثر تحليل نصوص الشعر كجانب من جوانب الدراسة ، بالإضافة إلى جوانب أخرى كالسند والمناسبة وما إلى ذلك ، وكان لزاماً علينا أن نقوم بالدراسة وعرضها على القارئ كي يختار لنفسه رأياً ، مضافاً إلى أن تلك الأشعار التي استبعدنا أن تكون من إنشاء

(1) الدربندي : هو آغا بن عابد بن رمضان بن زاهد الحائري المتوفى عام 1286 هـ ، من أعلام الإمامية وفقهائها ، سكن الحائر ، وأخذ من أعلامها ، من مؤلفاته : عناوين الأدلة في الأصول ، قواميس القواعد في الرجال ، الفن الأعلى في العقائد .
(2) السكوني : هو إسماعيل بن مسلم الشعيري المكنى بأبي الحسن كان من أصحاب الصادق عليه السلام ، ومن الرواة الثقاة ، له كتاب في تفسير القرآن ، أصله من الشام .
(3) محمد بن علي : لعله هو محمد بن علي بن أبي شعبة الحلبي ، كان من وجوه الشيعة وكانت تجارته مع حلب ، صاحب كتاب تفسير ، كان من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام .
(4) أسرار الشهادة : 188 .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 99

الإمام عليه السلام بما أن بعض الأدباء والفضلاء نسبها إليه فلا بد وأن تقع تحت عملنا الموسوعي هذا والذي جمع كل الاحتمالات ، هذا ولا بد أن ينظر إلى المستقبل الذي قد يظهر لنا بعض المصادر ويكشف لنا الكثير من المجاهيل فنكون قد قدمنا أرضية خصبة لتلك الحقبة الزمنية والكتاب والمحققين .
3ـ ربما يتوقف القارئ أمام ظاهرة تناقضية في شرح الأشعار والتصوير الفني والبحث اللغوي وفي الحكمة أحياناً ، حيث يجد أن ما ورد في هذا لا يتطابق مع ذلك فيتساءل عن ذلك .
فالجواب : ان المفردة قد تفسر بمعزل عن الجملة التي وردت فيها وقد تشرح ضمن جملة كونتها تلك المفردات فلا شك أن معنى المفردة بمفردها ومعناها في الجملة قد يختلف بعض الشيء ، وربما زاد في الطين بلة إذا استخدم فيها بعض المجازات والاستعارات التي تفرضها البلاغة فعندها لا بد في المجال التحقيقي من الإشارة إلى معنى المفردة مجردة والى معناها في ضمن الجملة ، وفي ظل البلاغة تارة اخرى ، مضافا الى ذلك فان الجملة او المفردة قد تتحمل اكثر من معنى فلا بد للمحقق أن يبرز الجانبين لعل القارئ يستذوق ما لم يستذوقه الكاتب ، بالاضافة الى ان للنسخ البديلة دورا في تغيير المعنى واختلافه حسب المفردة وتقطيعاتها ، إذ قد تشكل مجموعة من الحروف كلمة واحدة باعتبار ما وربما شكلت كلمتين باعتبار آخر بفرض أن كليهما من حيث الوزن أو المعنى صحيحان .

دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 100

ظاهرة الديوان

إن الديوان الذي بين يديك يطغى عليه شعر الوعظ وهو الشعر الذي قد يتوشح بالحكمة تارة وبالزهد أخرى وبالعرفان تارة أخرى ، وهو بحد ذاته إحدى مناحي الأغراض الشعرية وله رواده وأربابه ، وربما جاءت هذه المسحة لوجود الأشعار الخماسية حيث يتمثل طابعها بذلك وعلى أية حال كان من الجدير بنا أن نشير إلى هذا الغرض الذي تبناه عدد من الشعراء في النظم على لون من ألوانه وممن برز من بينهم ثلاثة شعراء لا يمكن الإعراض عنهم في مثل هذا المجال وهم من فحول الشعراء ويعدون أشعر من نظم في هذه الاتجاهات الثلاث من شعر الوعظ وهم حسب التسلسل التاريخي :
1ـ أبو العتاهية إسماعيل بن القاسم بن سويد العيني الذي ولد على مقربة من كربلاء في منطقة يقال لها عين التمر عام 130 هـ نشأ على بيع الخزف واتخذ الزهد شعاره فنظم فيه وسلك مسلكه حتى وفاته عام 211 هـ ببغداد وقد أوصى أن يكتب على قبره من الخفيف :
إن عيشاً يكون آخره المو ت لعيش معجل التنغيص

وكان أبو العتاهية هذا فريد زمانه ووحيد أوانه (1) .
وشعر الزهد فيه الكثير من الحكمة ، كما أن شعر التصوف فيه الكثير من الرمزية وقد تجتمع الألوان جميعها حيث إنها من فصيلة واحدة .
2ـ أبو العلاء المعري أحمد بن عبد الله بن سليمان والذي ولد في معرة النعمان في سوريا عام 363 هـ كان نسيج وحده ورغم فقده للبصر إلا أنه كان شديد الذكاء واسع المواهب ، اختار لنفسه شعر الحكمة حتى

(1) راجع الكنى والألقاب : 1/ 121 ، وتاريخ الأدب العربي لفروخ : 2/ 191 .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 101

أصبح علماً فيها واختص بالنقد الاجتماعي وفلسفة الحياة ، سكن بغداد إلا أنه عاد إلى مسقط رأسه لتسقط رأسه بها من جديد و ذلك عام 449 هـ (1) . وشعر الفلسفة قد يجتمع مع شعر التصوف ( العرفان ) في مجال الرمزية ، بينما يجتمع شعر الحكمة مع الزهد في جانب آخر ، ويبدو لنا أن استخدام عنوان لزوم ما لا يلزم لديوانه لا يوحي فقط بالتزامه بروي القافية بل التزامه بجوانب أخرى كالجانب اللغوي والتوجه الحكمي ( الفلسفة والاجتماع ) .
3ـ ابن الفارض عمر بن علي بن المرشد الحموي المولود بالقاهرة عام 576 هـ في أسرة فقيرة والناشئ على الحياة الصوفية التي جعلته يعتكف للتعبد في جبل المقطم شرقي القاهرة ، ثم مكوثه في رحاب الكعبة خمس عشرة سنة مما جعله شيخاً عارفاً دهشاً في غالب الأوقات شاخص البصر لا يسمع من يكلمه ولا يراه ولا يشاهد منه حراكاً ولا حركة ولما يفيق من غيبته هذه يملي أبياته العرفانية ، بقي على هذه الحالة حتى التحقت روحه بالرفيق الأعلى وذلك في مسقط رأسه القاهرة عام 632 هـ (2) فكان فريداً في عرفانياته لا يضاهيه أحد في الأقطار العربية ولولا جلال الدين الرومي (3) الذي نبغ في التصوف والعرفان لكان هو الأوحد في جميع الأقطار الإسلامية دون منازع
.
(1) راجع الكنى والألقاب : 3/ 194 ، تاريخ الأدب العربي لفروخ : 3/ 124 .
(2) راجع الكنى والألقاب : 1/ 374 ، وتاريخ الأدب العربي لفروخ : 3/ 520 .
(3) جلال الدين الرومي : هو محمد بن محمد بن أحمد الخطيبي البلخي القونوي (604 ـ 672 هـ ) ولد في بلخ وتوفي في قونية ـ تركيا ، متصوف عارف وفقيه حنفي وحكيم متفلسف ، أسس الطريقة المولوية ، وشاعر بالفارسية والعربية ، له ديوان جلال الدين الرومي .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 102

عملنا في هذا الديوان

لقد حاولنا أن يكون الكتاب الذي يحمل اسم أبي عبد الله الحسين عليه السلام مختلفاً بعض الشيء عما قدمناه في ديوان القرون لذلك ألزمنا نفسنا فيه بما لم نلزمها في غيره .
كما أن محاولاتنا للحصول على الشعر المنسوب إلى سيد الشهداء عليه السلام كانت مضنية للغاية حيث طرقنا أبواباً كثيرة في اتجاهات مختلفة منها مكتبات الهند واليمن وتركيا وإيران وغيرها من الدول الإسلامية ومكتبات الدول الغربية فلم نحصل على أكثر مما سبقنا إليه ثلة من الفضلاء والأدباء مجموعة ، وفضلهم لا ينكر .
كان المفضل لدينا أن يحمل العنوان في طياته مادة النسبة لأن ما يحتويه هذا الديوان لايمكن البت بصدوره منه عليه السلام ، ولكن اعتبار جمالية العنوان وسهولته وقصره فرض علينا إقصاء كلمة النسبة ومشتقاتها من العنوان الرئيس ليوضع ضمن الكلمات الملحقة به فأصبح العنوان الرئيس كالتالي : ( ديوان الإمام الحسين ) والملحق به ( من الشعر المنسوب إليه ) .
بعد التمهيد قسمنا الديوان إلى قسمين : الأكبر والأول يضم الشعر المنسوب إنشاءه إلى الإمام الحسين عليه السلام ، والأصغر والثاني يضم الشعر المنسوب إنشاده إليه عليه السلام .
وأما كيف تعاملنا مع هذا الشعر المنسوب إليه فهو كما يلي :
أولاً : قمنا بتبويبه على القوافي كما هو متعارف عليه في وضع الدواوين غالباً .
ثانياً : قمنا في القافية الواحدة بالتصنيف المعهود في دواوين القرون والذي نراعي فيه حركة الروي مقدمين المفتوح منها على المضموم وهو على المكسور لننتهي بالقافية الساكنة .

دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 103

ثالثاً : رتبنا المقطوعات في القافية ذات الحركة الواحدة على التسلسل التاريخي ولو لمجرد الاحتمال .
رابعاَ : قدمنا المقطوعة ذات الاحتمال الأكثر نسبة إليه عليه السلام على غيره وذلك في النوع الواحد .
وبعد ذلك قمنا بالآتي :
1ـ ترقيم المقطوعات بشكل متسلسل .
2ـ اختيار عنوان من روح المقطوعة محاولين حد الإمكان التطبيق اللفظي مع جوهر النص .
3ـ ترقيم الأبيات .
4ـ تحريك النص الشعري .
5ـ اختيار النسخة المناسبة من حيث اللغة والعروض والبلاغة والمعنى ومقام الإمامة وما إلى ذلك .
وأما بالنسبة إلى التعليق على الأبيات فقد جاء كالتالي :
1ـ تحديد البحر وبيان وزنه والإشارة إلى ما دخل عليه من الزحاف والعلل ، وتقويم النص عروضياً .
2ـ تحديد قافية المقطوعة والروي بما اصطلح عليه في علم العروض .
3ـ بيان سبب الإنشاء والمناسبة التي نظم فيها الشعر.
4ـ التخريج ونعني به بيان المصادر التي أوردت المقطوعة والإشارة إلى المتقدم منها على المتأخر .
5ـ بيان عدد الأبيات حسب ما ورد في المصادر والاختلاف فيها .
6ـ ذكر السند الذي اعتمد عليه في نقل هذه الأبيات .
7ـ الحديث عن الراوي الأول للمقطوعة وجرحه أو تعديله وبيان حاله .
8ـ تثبيت اختلاف النسخ التي رويت لنص الشعر واختيار أقواها

دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 104

وأنسبها وبيان السبب في ذلك .
9ـ إعراب الغامض من النصوص مما له تأثير في توضيح النص .
10 ـ بحث لغوي عن بعض المفردات الواردة في النص وبيان الجذور اللغوية لها .
11ـ بيان التصور الفني المستخدم في الشعر .
12ـ شرح مجمل النص فيما إذا اقتضى توضيحه .
13ـ بيان الحكمة التي يمكن استنتاجها عن النص مع بيان الغرض الذي من أجله أنشأ .
14ـ إبداء الرأي في صحة نسبة المقطوعة إلى الإمام الحسين عليه السلام واختلاف الرواة في ذلك إلى جانب ذكر بعض المؤيدات سلباً أو إيجاباً .
15ـ بيان اقتباسات الشاعر من الكتاب والسنة والأمثال وشعر من تقدم عليه أو من اقتبس منه المعنى الوارد في هذه النصوص ولو بالإجمال .
16ـ وأخيراً ذكر ما يمكن أن يستفاد من هذه النصوص في الجانب الشرعي حسب الأحكام الخمسة (1) .
وقد ضم الجزء الأول بعد المقدمة التمهيدية هذه ست عشرة مقطوعة شعرية ، وأما بقية المقطوعات والقسم الثاني من الديوان والذي هو في الشعر المنسوب إلى الإمام عليه السلام إنشاده فسيقع في الأجزاء التالية لهذا الجزء والتي ستنتهي بالخاتمة إن شاء الله تعالى .
وفي نهاية كل جزء كالمعتاد توجد فهارس تغطي جوانب متعددة عما ورد في ذلك الجزء تسهيلاً للقارئ والباحث ، إلا أن في هذا الجزء بعض الفهارس الخاصة بها والتي منها تقسيم ما ورد من الشعرعلى الشكل الموضوعي كما عليه ديدن بعض من وضع الدواوين.
هذا ونسأل الله التوفيق والسداد لإكمال ما تبقى انه سبحانه نعم المولى ونعم النصير عليه توكلنا إنه لطيف بالعباد .

(1) الجواز والوجوب والحرمة والاستحباب والكراهة .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 105

الهامش

لقد أورد علينا بعض من لا معرفة له بالتحقيق على كثرة الهوامش في قبال مئات الرسائل الواردة إلينا من مجموعة من المفكرين وأهل الفضل والعلم المؤيدة لوضع هذه الهوامش التي تتوقف عند كل شاردة وواردة في النصوص فأجبناه بمقتضى « أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم » (1) فاستحسن الفكرة وطلب أن نبينها فأكدنا له أنها مبينة في المقدمة فقال أين تلك المقدمة ، فقلنا : إن المقدمة تقع في جزأين وستمثل للطباعة .
وعندما كنا نضع اللمسات الأخيرة على هذا الديوان تذكرنا صاحبنا هذا فوددنا أن نشير إلى حقيقة ترتبط بهذا الديوان وبما أورده علينا وهي أن هذا الديوان بالمقابلة مع دواوين القرون لا يختلفان في سرد المعلومات وتحقيق مالزم تحقيقه بشكل عام إلا أن المعلومات ، هناك جاءت على شكل هوامش وهنا وردت في المتن وذلك بمقتضى التوسع في الشرح والبيان ، ولعل هناك خطأ رؤيوياً ـ كخطأ النظر ـ وهي أن الهوامش لا تعد جزءاً من الكتاب وذلك لأن الغالب عليها هو تأصيل معلومة المتن وبيان المصدر الذي انتهل منه الكاتب ، ولكن الواقع ليس كذلك بل الهامش قد يكون له أهمية أكثر من المتن رغم أن المتن متقدم عليه تقدماً رتبوياً وزمنياً .
وفي الحقيقة فلقد غفل جماعة عن أن التهميش له فوائد جمة من أهمها الترتيب الحسن الذي لا يشوش على الكاتب لدى قراءته للنص ، ويدعمه بالمعلومات التي يحتاجها لمعرفة النص ، وفي الغالب لا يستسيغها القارئ ولا يتقبلها إلا بالرجوع إلى الهامش ، وقد ذكرنا في إحدى جلساتنا مع الذين كنت أقوم بتدريبهم على التحقيق في بيروت قائلاً : « رحم الله أول

(1) بحار الأنوار : 1/ 85 .

السابق السابق الفهرس التالي التالي