دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 106

من وضع الهوامش فإنها كانت خطوة هامة على طريق التحقيق » وقلنا أيضاً : « إن لكلمات الترديد والترجيح الفضل الكبير على المحققين مثل ربما ولعل وكأنما والظاهر وأشباهها » فالهوامش في الواقع هي نصف التأليف وجل التحقيق ولكن الهامش بنفسه أسلوب من أساليب النظم والترتيب الذي له طابعان طابع التنوع والتقبل وطابع التنسيق والتجمل وسنمثل لهما بمثالين واقعيين عايشناهما إلا أنهما في مجال آخر من مناحي الحياة وسأسجل معهما الانطباعات التي دارت حولهما لتقريب المعنى فبالنسبة إلى الأول : فقد حضر جماعة مائدة متنوعة بأصناف الأطعمة فأعجبوا بها أيما إعجاب حتى طار صيتها بين الأقران والأتراب إلى درجة ان بعضهم قال : إنها من موائد الإسراف والتبذير ، والحال أنها لم يرصد لها أكثر من المواد العادية ، وبمعنى آخر أنها لم تكلف صاحبها بأكثر مما تكلفه أية مائدة عادية إلا أن الفرق يكمن في أمرين : الأول أن الثمن والمقدار وزع على المواد بدقة ، الثاني أن استهلاك الوقت جاء مضاعفاً عن تلك ، وإلا فإن كلتيهما رصد لهما مبلغ واحد ، وهذان الأمران أولدا خطأ في رؤية الحاضرين وسببا وصف المائدة بالإسراف والتبذير وإلا فإن الحقيقة غير ذلك ، والتنويع إنما جاء على حساب الوقت واستخدام الفكر ولكنهما كانا وراء قبول النفس لها بشهية بالغة ومنظر رائع .
وأما بالنسبة إلى الثاني : فإن ترتيب الأثاث والتنسيق بينها في اللون والتصميم والمقاييس بالنسبة إلى الطنافس والمقاعد ، والمعلقات الضوئية واللوحات وغيرها صور للزائرين رغم عدم سذاجتهم بأن السجاد الإيطالي المبتذل سجاد إيراني فاخر ، والمعلقات العادية تحولت إلى المصنوعة من الكرستال الثمين والمقاعد نظر إليها وكأنها من خشب الجوز القيم ومنضدة الطعام وملحقاته من صناعة إيطاليا المشهورة ، فالتنسيق والتنظيم كانا من وراء هذا الخيال الذي نسميه بخطأ الرؤية .
إن وضع الهوامش في كثير من الأحيان يأتي في الغالب ، من باب المقبلات والتنظيم اللذين يزيدان من شهية القارئ فإذا ما أخذ بعين الاعتبار الموضوعية والتحقيق كان أقرب إلى قلب القارئ ، والهامش في الحقيقة هو فصل لمقاطع كان القدامى يستخدمونها في المتن لتوضع في

دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 107

هذا المكان المميز لمزيد الترتيب ورفع التشويش وسهولة الوصول إلى المقصود ، وعلى سبيل المثال فالمصدر كان يوضع في المتن ضمن الكلام المنقول عنه كما أن الكلمة الغامضة كانت تفسر في المتن ضمن النص ولعلهم أخروا الخبر عن المبتدأ والفاعل عن الفعل بعشرات الأسطر لأجل توضيح أمر ارتأوه ضرورياً ويتعامل مع هذه الأسطر كما يتعامل مع الجمل المعترضة وربما ضاعت الفكرة على القارئ من كثرة التداخلات .
ومن هنا نقول إن الهامش تنظيم في مجال التأليف والتحقيق ومن شأنه الوصول إلى المعلومة بأقصر الطرق وأعذبها ، وفيه جمالية تشد القارئ إلى المزيد من المطالعة ويجنبها الكثير من العناء في القراءة والفهم ومراجعة المصادر والمعاجم والمراجع ، إذاً فبعض الهوامش متون همشت ، وبعض المتون هوامش متنت .
وفي هذا الديوان بالذات خففنا من وضع الهوامش لنعتمد المتن في عرض ما نريد طرحه أو مناقشته مراعين في ذلك عرض الفكرة بشكل متسلسل ومريح يتقبله القارئ بسهولة ، والنتيجة في كلا الأسلوبين واحدة ، ولعل المقولة التالية تعبر عن المقصود « عباراتنا شتى وحسن ظنك واحد » .

دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 108




دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 109


قافية الهمزة


وفيها أربع مقطوعات :
1 ـ الألف الممدودة 5 أبيات سكان القبور
2 ـ الهمزة المضمومة 7 أبيات الناصر والخاذل
3 ـ الهمزة المكسورة 3 أبيات فتىً ابكى الحسين
4 ـ الهمزة المكسورة 9 أبيات مصارع الشهداء
5 ـ الهمزة المكسورة 5 أبيات دار الفناء

دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 110




دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 111

الألف الممدودة
(1)
سكان القبور
1ـ ناديت سكـان القبـور فأسكتوا وأجابني عن صمتهم ترب الحصا
2ـ قالت أتدري ما فعلـت بساكـني مزقت لـحمهم وخرقت الـكـسا
3ـ و حشـوت أعينهم تراباً بعدمـا كانت تـأذى بالـيسير من الـقذا
4ـ أمـا العظـام فإنني فـرقتهـا حتى تباينت المفاصل و الـشـوا
5ـ قطعت ذا من ذا ومن هـذاك ذا فتركتها رمماً يطـوف بها الـبلا
* * *
البحر :
هو الكامل (1) ( متفاعلن × 6 ) إلا أن بعض عروضه (2) وضربـه (3) خضع للإضمار (4) وهو من العلل (5) التي غالباً ما يدخلهما فتقلب « متفاعلن » إلى « مستفعلن » ، ويدخل الإضمار أيضاً على تفاعيل الحشو (6) ، وهو أيضاً من الزحاف (7) الجائز ، ولكن القبيح أن يدخل الإضمار على كل تفاعيل البيت ، ومن المستحسن وحدة الضرب في كل الأيبات فإما أن تكون سالمة أو مضمرة ، وما حدث في هذه الأبيات أن الأول والثاني منهما جاءا مضمرين ،

(1) ولعل الشاعر استخدام هذا البحر ليساعده على غرضه الذي أنشأ لأجله هذه الأبيات حيث أن هذا البحر يساعد على تقبل الذهن له سريعاً لما فيه من العذوبة واللين والرقة .
(2) العروض : الجزء الأخير من الصدر .
(3) الضرب : الجزء الأخير من العجز.
(4) الإضمار : هو إسكان الثاني المتحرك فتصبح « متفاعلن » بعد إسكان التاء « مستفعلن » .
(5) العلة : تغيير مختص بثواني الأسباب واقع في العروض والضرب .
(6) الحشو : هو الجزء غير الأخير من الصدر والعجز .
(7) الزحف : تغيير مختص بثواني الأسباب واقع في الحشو .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 112

بينما جاءت باقي الأبيات سالمة ، كما أن من المفضل أن يطابق العروض الضرب في ذلك ، أو تكون الأبيات موحدة فيما بينها ، ولكن ما حدث أنها لا هي موحدة و لا هي مطابقة للضرب ، فقد جاء البيتان الأول والثاني سالمة بينما جاءت الأبيات الباقية مضمرة بعكس الضرب ، هذا بغض النظر عن تفعيلات الحشو ، والتي لا يضر معها استخدامها سالمة أو مضمرة ، فقد جاءت 13 منها مضمرة وسبعة سالمة (1) .
القافية : هي من المتدارك (2) ، ومن ذكره كأدب الحسين بالألف الممدودة لا يصح .
سبب الإنشاء :
يذكر الراوي أن الإمام الحسين عليه السلام أتى مقابر الشهداء بالبقيع فطاف بها وأنشأ الأبيات ، ونحتمل أن زيارته هذه كانت في الفترة الزمنية بين عام 50 ـ 60 هـ وذلك بعد وفاة أخيه الإمام الحسن عليه السلام حيث كان يأتي إلى البقيع (3) ويزور الأهل والأقارب وشهداء المسلمين .
التخريج :
تاريخ مدينة دمشق : 14 / 186 ، تهذيب تاريخ دمشق الكبير : 4 / 327 ، ترجمة ريحانة الرسول المستل من تاريخ ابن عساكر : 163 ، البداية والنهاية : 8 / 167 ، أعيان الشيعة : 1/ 621 ، قول على قول : 9 / 259 ، تاريخ من دفن في العراق من الصحابة :

(1) التفاعيل السالمة من الحشو هي الرابعة من البيت الأول ، والخامسة من الثاني ، والأولى والثانية من الثالث ، والثانية والسادسة من الرابع ، والرابعة من الخامس .
(2) المتدارك : هو ما كانت نهاية البيت يختم بسكونين بينهما حركتان هكذا ( ه // ه ) كما في جعفري ( / ه //ه ) .
(3) البقيع : هو بقيع الغرقد الذي يقع شرقي مرقد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في المدينة المنورة والذي فيه مراقد الأئمة الأربعة الزكي الحسن بن علي والسجاد علي بن الحسين والباقر محمد بن علي ، والصادق جعفر بن محمد عليهم السلام ، وفيها دفن عدد كبير من الصحابة ، كانت ولا زالت من أكبر وأشرف مقابر المدينة وذات الأهمية التاريخية ، والتي يؤمها المسلمون من كافة أقطار العالم ، وقد هدمت مراقد الأئمة وغيرها في الحادي عشر من شهر شوال عام 1344 هـ بحجة حرمة تعظيم القبور وتشييدها .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 113

142 ، أدب الحسين وحماسته : 15 ، أهل البيت لأبي علم : 439 ، إحقاق الحق : 11 /636 ، أئمتنا : 223 ، عبير الرسالة : 245 .
ويعتبر تاريخ دمشق والبداية والنهاية هما المصدران الأساس وأقدمهما هو تاريخ دمشق .
عدد الأبيات :
ولما كان الاعتماد على ابن عساكر وابن كثير حيث أن الآخرين نقلوا عنهما فالأول ذكرها أربعة أبيات أي بإسقاط البيت الرابع بينما الثاني عدها خمسة أبيات .
السند :
روى علي بن الحسن الشافعي (1) عن عبد الخلاق بن الواسع الهروي (2) عن محمد بن علي العميري (3) عن يحيى بن عمار الشيباني(4) عن هبة الله بن الحسن القاضي (5) عن الحارث بن عبيد الله (6) عن إسحاق بن إبراهيم قال : بلغني أن الحسين بن علي أتى مقابر الشهداء بالبقيع فطاف بها وقال .. الأبيات .

(1) علي بن الحسن الشافعي : هو حفيد عبد الله والمعروف بابن عساكر ( 499 ـ 571 هـ ) ولد وتوفي بدمشق ، كان شيخها ومحدثها ومؤرخها وله تصانيف كثيرة منها : الأشراف ، كشف المغطى ، معجم الصحابة .
(2) عبد الخلاق بن عبد الواسع الهروي : هو أبو الفتوح حفيد عبد الواسع بن عبد الهادي بن عبد الله ، كان أصله من هرات افغانستان ، درس ببغداد وروى بها ، ومن رواياته بها هذه الأبيات .
(3) محمد بن علي العميري : هو أبو عبد الله حفيد محمد بن علي بن عمير ، كان من أعلام القرن الرابع الهجري .
(4) يحيى بن عمار الشيباني : هو أبو زكريا حفيد يحيى بن عمار ، وكانت روايته لهذه الأبيات املاء .
(5) هبة الله بن الحسن القاضي بفارس : الظاهر هو حفيد منصور الطبري الرازي المتوفى عام 418 هـ كان من فقهاء الشافعية من أهل طبرستان سكن بغداد ، وخرج في آخر أيامه إلى الدينور فمات بها كهلاً ، له كتاب السنن ، أسماء رجال الصحيحين ، وشرح السنة ، ويعرف بأبي القاسم اللالكائي .
(6) الحارث بن عبيد الله سكن بغداد .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 114

الراوي :
هو أبو محمد إسحاق بن إبراهيم بن ميمون التميمي ولد عام 155 هـ ببغداد وتوفي بها عام 235 هـ ، اشتهر بابن النديم الموصلي ، وكان شاعراً مؤلفاً ، لغوياً مؤرخاً ، موسيقياً ، عاصر من حكام الدولة العباسية الرشيد (1) والمأمون (2) والواثق (3) ونادمهم ، ومن مصنفاته : الندماء ، أخبار ذي الرمة وغيرهما .
ويظهر من قول إسحاق بن إبراهيم أنه لم يتذكر الذي رواها له حيث يقول : « بلغني » وعليه فهي مرسلة ، ولا يخفى أن روايتها كانت ببغداد في كل مراحلها.
النسخ : جاء في الأعيان والتهذيب : « فأجابني » إلا أن الواو أنسب كما أثبتناه .
جاء في تاريخ دمشق : « ندب » وهو بمعنى الجواب والندبة أي البكاء .
جاء في تاريخ دمشق : « الجثا » بدلاً من الحصا ، وهو القبر أو كومة التراب أو مجموعة الحجارة ، وهو بضم الجيم أو بكسره وهو جمع الجثوة ، بينما جاء في أهل البيت : « الحشا » ونظنه تصحيف « الجثا » حيث لا يستقيم المعنى إلا بتكلف ، ومعنى الحشا بالفتح : ما في البطن أو ما انضمت عليه الضلوع . وعلى أية حال يصح « ترب الحصا » و « ندب الجثا » فالأول : الناعم من الحصا أو ترابه ، والترب : تقرء بالتاء المضمومة والمكسورة أيضاً ، والثاني : يعني أجابه ندبة القبر أو التراب .

(1) الرشيد : هو هارون بن محمد المهدي العباسي خامس من حكم من العباسيين وذلك ما بين عامي (170 ـ193 هـ ) .
(2) المأمون : هو عبد الله بن هارون الرشيد العباسي سابع من حكم من العباسيين وذلك ما بين عامي ( 198 ـ 218 هـ ) .
(3) الواثق بالله العباسي : هو هارون بن محمد المعتصم تاسع من حكم من العباسيين وذلك بين عامي ( 227 ـ 232 هـ ) .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 115

والحصى : هو صغار الحجارة ، ولعله أراد بترب الحصا الرمل .
جاء في تاريخ دمشق : « ما صنعت » وفي بعض نسخه : « ما قنعت » ولا يخفى أن الفعل والصنع هنا بمعنى واحد ، ولكن بينهما عموماً وخصوصاً من وجه إذ أن كل صنع فعل وليس العكس ، واما « قنعت » فالظاهر أنه تصحيف « صنعت » ولا معنى لها هنا إلا بتكلف وذلك بتقدير « ما قنعت بساكني حتى مزقت لحمهم ... » .
جاء في هامش تاريخ دمشق : « مرفت الجهم » وليس بشيء وهو ظاهر التصحيف ، وكذلك « مزقت لحمهم » ، وجاء في الأدب : « مزجت » وهو تصحيف أيضاً ، وأما في البداية والنهاية فجاء « ألحمهم » وهو جمع لحم ويستقيم الوزن بسكون آخره ولكن لا يفضل استخدام جمعه مضافاً إلى ضمير الجمع « هم » ، وجاء في الأدب والتهذيب « جثماناً » بدل « لحمهم » ولا يستقيم معه الوزن والمعنى ، كما لا يستقيم الوزن مع تسكين آخر « لحمهم » (1) .
جاء في نسخة من تاريخ دمشق : « ومزقت » بدل « وخرقت » إلا أن استخدام الثاني أنسب إلى الكساء ، وفيه تجنب لتكرار الفعل .
جاء العجز في تاريخ دمشق وتهذيبه « كانت تباينه المفاصل والشوا » وهذا هو عجز البيت الرابع ، وذلك لأن ابن عساكر أوردها أربعة أبيات وذلك بإسقاط عجز البيت الثالث مع صدر البيت الرابع .
وجاء في الأعيان « بالقليل » بدل « باليسير » ولا فرق في استخدامه هنا ولكن هناك فرق بينهما فالقلة تقتضي نقصان العدد ، واليسير من الأشياء ما تيسر تحصيله أو طلبه فلذلك يقال عدد قليل ولا يقال عدد يسير ، ولكن يقال مال يسير .

(1) لحمهم : لا بد من ضم الميم الثانية واشباعه ليتولد معه واو ساكنة ليستقيم الوزن بينما لو استخدمنا « الحمهم » يستقيم الوزن مع تسكين الميم الثانية « مَزْزَقْـثـُلَحْ + مَهْمُوْوَخَرْ » أو « مَزْزَ قْتُألُ + حُمَهُمْ وَخَرْ » فيطابق مستفعلن متفاعلن .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 116

جاء في البداية والنهاية : « مزقتها » وهي لا تناسب العظام ، وجاء في تاريخ من دفن في العراق : « هشمتها » وهو لا يناسب التراب والقبر ، والظاهر أن مزقتها تصحيف فرقتها ، وقد ورد في ترجمة ريحانة الرسول « مزقتها » وهو الأنسب للعظام والتراب والقبر .
وجاء في الأدب : « تبانت المفاصل والسوا » فهو من التصحيف .
جاء في التهذيب : « وقطعت » ولا ضير فيه حيث تبقى التفعيلة « مستفعلن » فيما إذا لم تقرء بالتشديد وإلا اختل الوزن .
جاء في البداية والنهاية : « ذا زاد من هذا كذا » ولا يستقيم الوزن ولا معنى ولكن لو قرء « زادي » لصح المعنى دون الوزن ، وجاء في الإحقاق « زار » بالراء المهملة إلا أن تصحيفه واضح .
جاء في حياة الإمام الحسين ومصادر أخرى : « مما » بدل « رمما » ولعل « رمما » أوقع للمعنى والوزن من « مما » ومع هذا فهو صحيح إلا أن التفعيلة في الثانية تكون « مستفعلن » ، وجاء في تاريخ دمشق والتهذيب « يطول » بدل « يطوف » وكلاهما يصحان إلا أن المعنى مع « يطوف » لعله أقوى ، إلا إذا أريد من البلاء غير الموت والهلاك .
الإعراب :
قوله « فاسكتوا » فعل ماض من باب الأفعال والواو ضمير فاعل ، والمفعول ضمير محذوف للضرورة الشعرية تقديره « فاسكتوني » ، ويصح أيضاً أن يقرأ مبنياً للمجهول وعندها فلا حاجة إلى التقدير ، ولكن الأول أقوى .
تأذى : فعل مضارع مؤنث من باب التفعل حذف منه إحدى تاآته والأصل تتأذى ، التاء الأولى للتأنيث كما في قولك « تلعب » والتاء الثانية جزء من اشتقاق الفعل من باب التفعل كما في المذكر منه تقول « يتأذى » ، والضمير المقدر « هي » فاعله يعود إلى « أعينهم » .
قوله : « قطعت » إن قرأت بدون حرف العطف « الواو » كانت الكلمة فعل ماض من التفعيل تقول قطع يقطع بتشديد الطاء ،

دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 117

والتاء من قطعت ضمير متكلم فاعل ، وإذا قرأت مع الواو « وقطعت » كانت من الثلاثي المجرد فلا تشدد الطاء ، والتاء فيها أيضاً فاعل .
وأما قوله : « ذا » فهو اسم إشارة وليس بموصول فالأولى مفعول للفعل « قطعت » ، والثانية مجرورة بالجار « من » ، والثالثة دخلت عليها هاء التنبيه وصورته الأولية « ذاك » للإشارة إلى البعيد فأصبح « هذاك » (1) ويجوز ذلك إلا أن الغالب عليه أن يستخدم دون هاء التنبية ، وذا الرابعة مفعول لفعل مقدر تقديره : وقطعت ذا من هذاك ، وبما أن اسم الإشارة مبني فلا يتغير في الحالات الأربع ، وأما « ذا » الموصولة فتتغير حسب اعرابه فتقول ذو ، ذا و ذي ، وأما ذا الإشارة تنقلب إلى ذي ليس لأجل الحركة الإعرابية بل كعلامة للتأنيث ، هذا ولا يخفى أن جميع المصادر اعتمدت كتابة اسمي الإشارة الأخيرتين كالتالي : « قطعت ذا من ذا ومن هذا كذا » حيث أدخلت الكاف على ذا الأخيرة بدل إلحاقها بذا الثالثة ، وهو غير صحيح .
اللغة :
قوله « نادى » بمعنى صاح ، ومنه النداء بكسر النون وضمه وهو الدعاء أو الصوت المجرد ، وأما جذر الكلمة كما يبدو لنا ـ والله العالم ـ من « ندو » الناقص الواوي وليس من « ندي » الناقص اليائي ، وبما أن الواو إذا سبقتها الكسرة أبدلت إلى الياء في بعض الاشتقاقات فقد اختلط اليائي بالواوي ، وتداخلت المعاني عند استخدام المجازات ، فالواوي في الأصل بمعنى الاجتماع ، واليائي في الأصل بمعنى البلل (2) ، وكل المعاني تعود إلى هذين الجذرين من باب المجاز على المختار (3) ، وبما أن الكلمة لها تلازم بالكلام

(1) ولا يخفى أن العامة كثيراً ما تستخدم ذاك مع هاء التنبيه فتقول هذاك ولكن بلهجتها أي بفتح الهاء دون مدها بالألف ، وأما اللغويون فيمدونها راجع لسان العرب 5/ 9 .
(2) ومن التكلف القول بأن جذرهما واحد باعتبار أن البلل هو تجمع الماء أو رطوبته .
(3) المختار : هو أن اللفظ وضع لمعنى واحد واستعمل في غيرها لأدنى مناسبة .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 118

حيث لا يتم الإجتماع إلا بالتحادث فلذلك لا يسمى النادي نادياً من غير أهله (1) ، فأطلق على حديثهم وصياحهم في النادي نداء وشاع ، وعلى أية حال فإن الجذر « ندا » (2) دال على التجمع (3) فالنادي والندي والمنتدى : المجلس يندو القوم حواليه ، وناديته في الأصل بمعنى جالسته في النادي ، ومنه قول الأعشى (4) من الطويل :
فتى لو ينادي الشمس ألقت قناعها أو القمر الساري لألقى المقالدا (5)
ومن هذا المعنى يتولد معنى النداء المنتقل إلى القول المتبادل بين اثنين فأكثر ، فهذا ينادي ذاك ، وذاك ينادي هذا أي يخاطبه ، ومنه ندى الصوت : أي بعد مذهبه وفلان أندى صوتاً من فلان ، ومنه ما ينسب إلى مدثار بن شيبان النمري (6) من الوافر :
فقلت ادعي وادع فإن أندى لصوت أن ينادي داعيـان (7)
وأما قوله : « سكان » فهو جمع ساكن وهو اسم فاعل من السكون الذي هو ضد الحركة ، وهذا من أظهر مصاديق السكون ، والسكن بفتح السين وسكون القاف : الأهل الذين يسكنون الدار ويطمئنون فيها بل نسبة سكونهم فيه أكثر من حركتهم خارجها في العادة ،

(1) جاء في العين : 6 / 109 « النادي مجلس يندو ـ يجتمع ـ إليه من حواليه ، ولا يسمى نادياً من غير أهله وهو الندي » .
(2) لقد تسالم اهل الصرف والإنشاء على أن حرف العلة الواو أو الياء إذا نقلبت إلى الألف فكتبت التي أصلها الواو ألفاً ، وإذا كان أصلها الياء كتبت على البطة ( رسم الياء ) ويوضع عليها ألفا قصيرة .
(3) معجم مقايس اللغة : 5/ 412 .
(4) الأعشى : هو ميمون بن قيس بن جندل الوائلي ، ولد في الجاهلية وتوفي عام 7 هـ ، الا أنه لم يسلم ، كان شاعراً فحلاً ، ولد باليمامة قرب مدينة الرياض الحالية .
(5) ديوان الأعشى : 49 .
(6) مدثار بن شيبان النمري :
(7) لسان العرب : 14 / 97 ، هذا وقد قرء « وادعو ان أندى » وبذلك استشهد به النحويون على نصب الفعل المضارع « وادعو » وقدروا قبله ان مضمرة وجوباً ـ راجع أوضح المسالك : 3/ 116 .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 119

ومنه السكينة وهي رديفة الوقار (1) ، ويقابلها الاضطراب والنزاع ، واللذان فيهما عادة حركتان حركة عضوية وحركة نفسية ، ومنه استكانة الإنسان كما في قوله تعالى : « ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها »(2)حيث السكن النفسي أولاً وعندها تخف الحركة العضوية لأنها في العادة تكون في الدار ثانياً . ومنه استكانة الطفل إلى أمه .
وأما قوله : « أسكتوا » يحتمل معنيين أن يكون مبنياً للمجهول وليس فيه قوة ، ويحتمل أن يكون مبنياً للمعلوم وفيه قوة ، فالأول أن الأموات أكرهوا على السكوت ، والثاني أن حالهم أسكت المتحدثين معهم ، وعليه فإنها تحمل معاني سامية .
وأما قوله : « الترب » بضم أوله وسكون ثانيه هو التراب بعينه ، ويفهم من إضافته إلى الحصى أن المراد به صغار الحصى فإذا كان نسبة الشعر إلى الإمام صحيحة فكلامه حجة لغوية ، وهي عندئذ تشمل الرمل أيضاً ، وربما كانت من المعاني المجازية كما تقول تراب الذهب وتريد نواعمه وصغاره التي أصبحت كالتراب ، ومن معاني التراب والترب ، الأرض مطلقاً ، وعليه فإذا أضيفت إلى شيء ، تشربت معنى الوصف ، فإذا قلت مثلاً : أرض الرمل عنيت أرضاً رملية ، وهو من إضافة الكل إلى الجزء أو العام إلى الفرد وهذه إحدى المعاني المستفادة من الإضافة ، ومن معاني الترب ، المقبرة (3) .
وأما قوله : « الحصى » بالمقصورة فهو صغار الحجارة ، وبالألف المنع ، والحصوة بمعنى الحصاة عامية ، فالأولى يائية والثانية واوية وكلا المعنيين وارد ، ومن الثانية قول بشير الفريري (4) من الرجز :

(1) ومنها جاءت التسمية في الإناث وأصبحت الكلمة علماً لهن .
(2) سورة الروم ، الآية : 21 .
(3) المنجد في اللغة : 60 .
(4) بشير الفريري :
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 120

ألا تخاف الله إذ حصوتني حقي بلا ذنب وإذ عننتني (1)
بمعنى منعتني حقي ، والمعنى بعد إضافة الترب إليه « تراب الممنوعين » أو قبورهم . حيث إنهم ممنعون عن الكلام بل الحركة مطلقاً ، ومن المنع جاء من معاني الحصاة العقل فيقال : فلان ما له حصاة ، أي لا عقل له ، والقاسم المشترك بينهما هو القوة والشدة والتماسك فأصحاب العقول هم الأقوياء الأشداء في الحق والمتماسكون في شخصياتهم وسلوكهم ، بل العقل له سلطة المنع والنهي . وهذا لا يتنافى في الاستخدام الأدبي من إطلاق اللفظ وإرادة معانيه المختلفة بما لا يوجب التعارض فلربما أراد المعاني جميعها .
وأما قوله : « مزقت » ثم « خرقت » كلمتان أولاهما أعم من الثانية ، فالتخريق جزء من التمزيق ، وبمعنى آخر أن التمزيق تخريق مكرر مرات ومرات وبقوة وشدة ، فالتمزيق أعم والتخريق أخص ، ومن عمومية التمزيق من حيث المتعلق تقول : مزقت القوم تمزيقاً بمعنى فرقتهم وبددت شملهم ولا تقول خرقتهم ، ومنه قولهم : ناقة مزاق إذا كانت سريعة جداً حتى كأن جلدها يتمزق من سرعتها ، وقال الله جل وعلا : « فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق » (2) وقال عز من قائل : « هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق انكم لفي خلق جديد » (3) .
وقال جل شأنه مستخدماً مادة الخرق في قوله : « فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها ، قال : أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئاً إمراً » (4) وقال تعالى اسمه : « إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ

(1) معجم مقاييس اللغة : 2/ 69 ، لسان العرب : 3/ 211 .
(2) سورة سبأ ، الآية : 19 .
(3) سورة سبأ ، الآية : 7.
(4) سورة الكهف ، الآية : 71 .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 121

الجبال طولا » (1) مما يتضح استخدام التمزيق والتخريق .
وأما قوله : « حشوت » إنه ملء الشيء بقوة حتى يمتلئ فيه أكثر ما يمكن ملؤه ، ومورد استخدامه يختلف عن الملء ، فإنك تقول ملأت الإناء بالماء ولا تقول حشوته لجهتين : لأن المادة سائلة ، ولأنه لا يحتاج إلى الدفع والقوة لملء الفراغ فإنه يمتلئ دون عناء وجهد ، إذاً فالحشو ملء ولكن بقوة وعنف واستقصاء بحيث لا يبقي فراغاً أبداً ، ثم إن في الحشو معنى الوضاعة كما في قولهم : فلان من حشوة بني فلان ، أي رذالهم ، ومن ذلك المنتسبين إلى القبائل بالولاء فإنهم حشو لتلك القبيلة حيث ليسوا برتبتهم ، ورغم أنهم عللوا ذلك بقولهم : « لأن الذي تحشى به الاشياء لا يكون من أفخر المتاع بل أدونه » (2) . إلا أنها لا عمومية لها ، إذ قد يستعمل في أفخرها ولكن المراد هنا هو الأدنى .
وأما قوله:« تأذى » سبق وقلنا أن أصلها تتأذى حذف التاء كما في قوله تعالى:«فأنذرتكم ناراً تلظى»(3) أي تتلظى فحذفت التاء الأولى للوضوح اختزالاً ، ومن الموارد حذف التاء لكلمة تستطيع فيقال تسطيع وقد جمعتا في آية واحدة وهي : « فما اسطاعوا ان يظهروه وما استطاعوا له نقباً » (4) ولا مجال للقول بأن « تأذى » فعل ماض للمفرد المذكر ليكون مؤنثه تأذت بل سبق وقلنا أنها فعل مضارع للمفرد المؤنث « تتأذى » ومذكره يتأذى .
وأما قوله : « قذى » ناقص يائي وهو صغار الشيء يقع في العين أو الشراب ، وبما أن أصله خلاف الصفاء والخلوص فيشمل ما هراقت الناقة والشاة من ماء ودم ، وبكسر القاف كإلى : التراب

(1) سورة الإسراء ، الآية : 37 .
(2) راجع معجم مقاييس اللغة : 2/ 64 .
(3) سورة الليل ، الآية : 14 .
(4) سورة الكهف ، الآية : 97 .

السابق السابق الفهرس التالي التالي