دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 135

البيت مع ثلاثة أبيات منها بشكل مستقل (1) مما يدل على الخلط والسهو .
السند :
ليس لدينا ما يثبت سندها ، غاية ما في الأمر أن الأربلي ، إما أنه نقلها عن الديوان الذي جمعه ابن الخشاب المتوفى عام 567 هـ أو أنه نقلها من الديوان الذي جمعه أبو مخنف المتوفى عام 157 هـ .
الراوي :
على ما تقدم فالراوي يكون في الأصل هو أبو مخنف حيث إن ابن الخشاب هو الآخر نقلها عنه ، وقد سبق الحديث عن أبي مخنف فلا نعيد .
النسخ :
لم تختلف المصادر كثيراً في ألفاظها فقد ورد في النور بدل « لا يدي له » قوله « لأذية » والظاهر أنه تصحيف ، إذ لا يستقيم الوزن ولا المعنى . وأما الطخاء فجاء في الفصول والنور بالحاء المهملة فلا يناسب فلا بد أن يكون تصحيفاً أيضاً ، وأما ما جاء في أهل البيت « طماء » بدل « طخاء » فيصح أيضاَ حيث تأتي الكلمة هنا بمعنى الارتفاع ، ولكن فيه تكلف حيث لم تأت في اللغة ممدودة واستعمالها ممدوداً يجوز بضرورة شعرية .
وأما كلمة « خلا » فقد وردت في أكثر المصادر وقد تفرد النور بذكر « حل » محلها ، ولا يستقيم المعنى بـ « خلا » لأن الجملة تصبح هكذا « أنا البدر إن فرغ ورحل خفاء النجوم » ، بل الصحيح « أنا البدر إن حل و وقع الخفاء النجوم » اي نزل الخفاء بالنجوم ولكن الوزن لا يستقيم معها .
وربما كانت الكلمة « خلا » تصحيف « خفى » والمعنى أنا البدر إن خفى الخفاء النجوم أي إذا ستر النجوم ستر فأنا البدر ، ولا يخفى أن « خلا » واوي وليس يائياً فلا يصح رسمه بالياء المقصورة كما فعل بعضهم .

(1) راجع ديوان الحسين بن علي : 114 .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 136

وعلى أية حال فإننا نرجح أن تكون الكلمة « خفى » إذ لا يختل بها الوزن والمعنى ، ولا حاجة إلى تحويلها إلى باب الأفعال ليقال « أخفى » بحجة أن خفى لازم ولا بد من تعديته بل الصحيح أن خفى يستخدم متعدياً إذ يقال خفى الشيء إذا ستره ، نعم يصح الوزن والمعنى أيضاً مع أخفى أيضاً والتفعيلة عندئذ تكون « مفاعيلن » سالمة بدلاً من « مفاعلن » المقبوضة ، وهي أولى لأن التفعيلة السادسة جاء كلها « مفاعيلن» .
الإعراب :
قوله « لا يدي » اللاء نافية للجنس ، ويدي مثنى أصله « يدان » حذفت منه النون تخفيفاً (1) وتحولت الألف ياء (2) لأنه اسم لا النافية للجنس وبنيت عليه ، و لا هذه إذا دخلت على المثنى والمجموع (3) كان حكمهما البناء على ما ينصبان به ، إذاً فقوله « يدي » مثنى مبني على الياء ، ومن المعلوم أن لا النافية للجنس لا تدخل إلا على النكرة فتقول لا رجل في الدار ولا تقول لا الرجل في الدار ، ولو دخلت على المعرفة ، لا بد من تأويلها إلى النكرة ومنه المقولة المشهورة عن ابن الخطاب (4) في أبي الحسن (5) « قضية ولا أبا حسن لها » (6) إذ يقدر اسمها نكرة ، وما فيما نحن فيه فإن المراد باليد القوة وهي نكرة وليس المراد به يدي بالإفراد

(1) وهناك أقوال أخرى ذكرنا أرجحها .
(2) تقول : يدان في حالة الرفع ويدين في حالة النصب والجر ، إلا أن اسم « لا » مبني على الياء .
(3) يستخدم اللفظان أحدهما في قبال الثاني كما يستخدم اللفظان التثنية والجمع أحدهما في قبال الآخر .
(4) ابن الخطاب : هو عمر بن الخطاب العدوي (40 ق . هـ ـ 43 هـ ) ثاني الراشدين حكم بعد أبي بكر عام 13 هـ وحكم بعده عثمان بن عفان ، ومن مقولاته في هذا الباب لولا علي لهلك عمر .
(5) أبو الحسن : هو علي بن أبي طالب الهاشمي ( 23 ق . هـ ـ 40 هـ ) وصي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصهره على ابنته فاطمة والذي قال فيه صلى الله عليه وآله وسلم : أقضاكم علي .
(6) راجع الكتاب لسيبويه : 2/ 297 ، الأمالي النحوية : 4/ 143 ، شرح ابن عقيل : 1/ 394 .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 137

المضاف إلى ياء التمليك لتكون معرفة ، إذاً فليس المقصود اليد الجارحة ، ومن هنا ظهر خطأ من قرأ الياء بالتشديد كما ورد في بعض المصادر الحديثة الوضع .
قوله : « قد » في البيت الثاني فهي للتحقيق رغم دخولها على الفعل المضارع كما سنبين ذلك لدى الحديث عن اللغة .
قوله في البيت الخامس : « ينازعني ، والله بيني وبينه يزيد » فإن جملة « والله بيني وبينه » جاءت معترضة بين الفعل والفاعل إذ الأصل « ينازعني يزيد والله بيني وبينه » فالفاعل لينازع هو يزيد والمفعول هو ضمير ياء في ينازعني .
اللغة :
قوله « استنصر » فعل ماضي من باب الاستفعال وتعني الكلمة طلب النصر وهذا الباب دال دلالة قياسية على هذا المعنى ، والنصر هو الظفر والفوز والعون والعطاء وكلها صادقة فيما نحن فيه وربما سمي كل إتيان نصراً ، كما في قولهم : نصرت أرض بني فلان ، أي أتيت إليها واستوطنتها .
قوله : المرء وامرء تعنيان الإنسان ، والألف في الثاني للوصل تحذف عن النسبة والتصغير ولا جمع لهما لفظاً فيجمعان على رجال وتؤنثان على مرأة وإمرأة ولا يدخل أل التعريف على الثاني لوجود ألف الوصل إلا نادراً وشاذاً ، وهناك من يحرك الميم في الأولى حسب إعراب الهمزة فيقرء في جاء المرء ورأيت المرء ، ومررت بالمرء ، وإنما استعمل الشاعر الكلمتان للتفنن واحتراز التكرار وضبط الوزن .
قوله : « يد » قد يراد منها اليد الجارحة ولكن المراد منها هنا القوة والطاقة وهي المعنى الأساس في الكلمة وبما أن اليد الجارحة تقوم بكل الأعمال التي من شأنها فهي مصدر قوة ووسيلة أعطيت معنى القوة والاستطاعة والاستطالة بل والفضل أيضاً ، واختلفوا في حدود اليد الجارحة إلى أقوال : فمنهم من قال إنها الكف ، ومن قائل إنها أطراف الأصابع ومن قائل أنها من أطراف الأصابع إلى الكف ولعل جميعها صادقة تحددها الموارد ففي آية

دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 138

الوضوء (1) عرف منها أنها من المرافق إلى رؤوس الأصابع ، وفي حد السرقة حددها الإمام الجواد عليه السلام (2) بأطراف الأصابع إلى الكف (3) وفي آية التيمم أريد منها الكف (4) وربما جاءت من باب صدق الكل على الجزء كما في صدق القرآن على الآية الواحدة أيضاً ، فيكون المراد باليد ( الكل ) من مفصل الكتف إلى رؤوس الأصابع (5) .
وعلى أية حال فإن المقصود به هنا غير الجارحة كالفضل مثلاً كما في قول الشاعر من البسيط :
له علي أياد لـست أكفرها وإنما الكفر أن لا تشكر النعم (6)
أي له علي منناً وفضائل ، وتقول لفلان علي يد ، وتضيف قائلاً : وأنا أحفظ له يده ، تريد له علي فضل واحفظ له ذلك و ارده فضلاً بفضل .
وكالقدرة والقوة في مثل قوله تعالى : « يد الله فوق أيديهم » (7) وقوله جل شأنه « قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء » (8) ويقول

(1) وهي قوله تعالى : « فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق » [ المائدة : 5 ] .
(2) الإمام الجواد : هو محمد بن علي بن موسى بن جعفر (195 ـ 220 هـ ) هو الإمام التاسع من أئمة المسلمين آلت إليه الإمامة بعد وفاة أبيه علي الرضا عام 203 هـ ولد في المدينة وتوفي في بغداد .
(3) في وسائل الشيعة : 28 / 253 في حديث طويل سأل المعتصم العباسي الإمام الجواد عليه السلام عن حد قطع يد السارق فقال : « فإن القطع يجب أن يكون من مفصل أصول الأصابع فيترك الكف » ، وقد قال الله سبحانه : « والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما » [ المائدة : 38 ] .
(4) وهي قوله تعالى : « فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه » [ المائدة : 6 ] .
(5) ولعل من مصاديقها هذه الآية : « لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف » [ الاعراف : 124 ] .
(6) لسان العرب : 15 / 440 .
(7) سورة الفتح ، الآية : 10 .
(8) سورة آل عمران ، الآية : 73 .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 139

كعب بن سعد الغنوي (1) من الكامل :
فاعمد لما يعلو فمالك بالذي لا تستطيع من الأمور يدان (2)
فالمقصود به القوة كما في قولك ما لي بفلان يدان أي طاقة وقوة . وغالباً ما يأتي جمع اليد الجارحة على زنة أفعل فتقول : « أيد » وأما التي بمعنى القوة والطاقة فتأتي على زنة أفاعل فتقول : « أياد » وقد يستخدم أحدهما بدل الآخر أيضاً .
والحاصل أن ما ورد هنا هو تثنية اليد « يدان » و « يدين » وهو بمعنى الطاقة والقوة والقدرة .
وأم قوله : « الخاذلون » يأتي في قبال الناصرون حيث يدل الخذل على ترك الشيء والقعود عنه (3) والتقاعس عن النصرة ، ويقال خذلت رجلاه إذا ضعفت فهي خذول ومنه قول الأعشى ـ من الرمل ـ :
كـل وضـاح كـريم جـده و خذول الرجل من غير كسح (4)
وعلى أية حال فالناصر والخاذل متقابلان .
والسواء : هو تساوي الطرفين كما في قوله جل شأنه « سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون » (5) . قوله : « قد » في البيت الثاني إذا دخلت على المضارع تفيد تقليل احتمال وقوع الحدث كما تقول قد ألتقي بزيد ، حيث يفهم منه أنه مجرد إمكانية الالتقاء واحتمال الالتقاء به ، ولكن المراد به في هذا البيت هو المعنى الآخر لقد وهو التحقيق والتوكيد كما هو الحال عند دخولها على الفعل الماضي كما تقول قد فعل ، ومن

(1) كعب بن سعد الغنوي :
(2) لسان العرب : 15 / 439 .
(3) معجم مقاييس اللغة : 2/ 165 .
(4) ديوان الأعشى : 163 .
(5) سورة البقرة ، الآية : 6.
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 140

دخولها على المضارع وتحققها قوله تعالى : « قد نعلم أنه ليحزنك الذي يقولون » (1) حيث لا مراء في علمه جل وعلا ، حيث ينزل ما هو متحقق الوقوع بمنزلة الماضي فيدخلون عليه حرف التحقيق ولذلك جاء تأكيده باللام في قوله تعالى : « ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر » (2) ، وبما أن مكانة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام لا مراء فيها فجاءت « قد » بمعنى التحقيق ، بل أنه قصد الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم . وأما قوله : « الحق المبين » إذ قد يكون الحق واضحاً وقد لا يكون ، فجاء الوصف مبيناً لتحديده وأراد به الواضح .
وأما « طخاء » فهو كل ما هو مبهم وغامض فالطخياء : هي الليلة المظلمة لإبهامها وعدم وضوحها ، ومنه قول الشاعر من البسيط :
في ليلـة حرة طخيـاء داجيـة ما تبصر العين فيها كف ملتمس (3)
ويعبر عن السحابة المرتفعة بالطخاء أيضاً لغموض ما يحلمه من آثار .
قوله في البيت الثالث « والدي » فكلمة الوالد تطلق على الجد أيضاً إذ يصدق عليه أنه ولده ولو بالواسطة كما يقال للأجداد الآباء كذلك يقال لهم الوالد أيضاً . والبدر : هو القمر ليلة تمامه ولا يكون في الشهر إلا مرة واحدة وهي ليلة الرابع عشر ، ويقابله الهلال .
قوله : « ألم » في البيت الرابع ، استفهام تقريري وهذا شأن من شؤون أداة الأستفهام الداخل على النفي ، وعليه فلا حاجة إلى الجواب ، إذ الهدف منه هو تقرير الحقيقة عن طريق إثارة أنتباه السامع وإلفات نظره إلى الحقيقة فقط ليتمكن من إلحاق ما يريد

(1) سورة الأنعام ، الآية : 33 .
(2) سورة النحل ، الآية : 103 .
(3) لسان العرب : 8 / 134 ، ومن الملاحظ أنه وضع الكلمة بين الصرة والداجية ، حيث أراد شدة الظلام والبرد ، والتي يشترك طخياء معهما في الإبهام والغموض .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 141

بيانه اعتماداً على هذه الحقيقة .
وأما كلمة « خلف » فقيل إنها بمعنى « في » بطريقة التضمين وإلا فلا معنى للظرفية إلا على سبيل المجاز وتشريب معنى العمق فالمراد في عمق بيوتنا حيث أن الخلف هو نهاية البيت وعمقه .
وأما قوله الصباح والمساء فلا يريد تحديد الأمر بالوقت بل يريد الاستغراق والشمولية لقولك الأول والآخر ، إذ المراد منهما عموم الزمان ، ومنه قول أمير المؤمنين عليه السلام عن نزول القرآن : « سلوني فو الله ما من آية إلا وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار أم في سهل أم في جبل » (1) .
وقوله : « ينازعني » من باب المفاعلة التي من شأنها الأخذ والرد بين طرفي النزاع ، والنزع هو الأقتلاع .
وأما قوله : « والله بيني وبينه » بتقدير والله يحكم بيني وبينه ، وقد جاء في قوله تعالى : « فالله يحكم بينهم يوم القيامة »(2) .
وكلمة : « الأمر » المراد به الحكم كما في قوله تعالى : « لله الأمر من قبل ومن بعد » (3) والمراد به هنا أمر الخلافة ، ومنه قوله تعالى : « يقولون هل لنا من الأمر شيء » (4) ، ولعل الأمر الأولى التي هي محذوفة لوضوحها والتي محل إعرابها مفعول ثان للفعل ينازعني هو بالمعنى الذي ذكرناه ، وأما الأمر الثاني وهو الظاهر فالمراد به الإرادة ، وعلى أية حال فالجذر واحد وهو يعني الشأن .
وتجتمع في هذا اللفظ معان سامية .
قوله « نصحاء » في البيت السادس فهو جمع ناصح اسم فاعل من الجذر نصح والذي بمعنى الخلوص والصفاء ، فالنصحاء هم المخلصين ، وقد ورد هذا التعبير في قوله تعالى : « ولا على


(1) راجع الصاحبي في فقه اللغة : 79 .
(2) سورة البقرة ، الآية : 113 وغيرها .
(3) سورة الروم ، الآية : 4 .
(4) سورة آل عمران ، الآية : 154 .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 142

الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله » (1) وفي زيارة أبي الفضل العباس بل وغيره « اشهد أنك نصحت لله ولرسوله » (2) فالنصح لله وللرسول الخلوص إليهما ومنه القول المأثور ( الدين النصيحة ) أي الدين هو الخلوص لله أو في كل الأعمال ، وإنما جاءت النصيحة بمعنى الوعظ والإرشاد بمناسبة النتائج فمن يقدم النصح لا بد وأن يكون مخلصاً في عمله هذا ولا يشوبه شيء كمصلحة نفسه وما شابه ذلك ، ومنه أيضاً « توبة نصوح » أي خالصة فالنصيحة خلاف الغش وقولهم ناصح العسل أي خالصه الذي لا يخالطه ما يشوبه .
وأما قوله : « تناولها » في البيت السابع فتعني الأخذ والاستيلاء ، وهو من باب التفاعل الدال على أن الطرفين لهما موقع الفاعلية بخلاف باب المفاعلة ، ويؤتى به للدلالة على إظهار ما ليس بحاصل كقولهم في تمارض وتجاهل ، ونال الفعل المجرد يأتي بمعنى الإعطاء ، أما تناول فيأتي بمعنى الأخذ يقال تناول الشيء إذا أخذه واستولى عليه ، وفيه تضمين لمعنى الاغتصاب الذي سمح به اللفظ ، ولعل هناك صورة أخرى للتناول وهو الأخذ عن طريق التراضي إلا أنه غير مراد .
التصوير الفني :
يصور لنا الشاعر حالة المستنصر ممن لا قدرة له ويشير إلى سواسية النتيجة المتوخاة من العاجز مع الخاذل بالنسبة إلى المستنصر ، وقد جمع الشاعر في البيت بين عجز اليد التي هي مظهر القدرة وبين عجز الرجل ـ المعبر عنه بالخذلان والتقاعد ـ التي هي مظهر الحركة . ثم يصور مكانته النسبية العالية بارتفاعها كالشمس التي لا يختلف في حقيقتها اثنان بحيث أن السحب ( الطخياء ) غير قادرة على حجب نورها ، ويشير إلى كونه الحق الذي لا يمار فيه .

(1) سورة التوبة ، الآية : 91 .
(2) مفاتيح الجنان : 818 .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 143

ويصور قربه من الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم لينتقل بهذه القرابة بالواسطة ( الجد ) إلى القرابة دون واسطة ( الأبوة ) وكأنه يريد القول بأنه جدي بل والدي وذلك لأنه منه وهو منه .
ثم يحدد موقعه من الآخرين ويقارنه بالبدر الذي لا خفاء له بينما للنجوم خفاء بل به تستنير الأمة ، وبسيرته يصنع التاريخ وتتم فصوله ، كما الحال في البدر الذي به تعرف الأيام والشهور والسنين وتكتمل في ليلة بدريته ، ومن هنا في استخدامه لفظ البدر لطف .
ولم يكتف بالفخر بأبيه وجده كما كان يفعل الآخرون بل افتخر بما يمتلكه من مواهب ، وقد دأب الشعراء على الفخر بالآباء والأجداد فهذا الفرزدق يفخر على جرير في قوله من الطويل :
أولـئك آبائي فجئني بمثلـهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع (1)
ولذلك نجده يعدد بعض المؤهلات التي يتمتع بها منها نزول القرآن في بيته ، وتعبيره في هذا لطيف وبديع إذ لم يقل في بيته بل قال خلف بيته لمزيد تعمق النزول ، وأما تعبيره عن النزول المتتالي بالصباح والمساء يفهم منه التوالي والاستمرارية .
ثم يأتي إلى خصمه في أمر الخلافة فيصوره بالخصم العاجز الفاقد للمؤهلات والذي يحاول انتزاع الأمر منه بالقوة والحيلة ، بينما يؤكد على أن هذا المنصب رباني خطير لا يناسب من اشتغل بالفسوق والفجور .
ثم إنه يوجه خطابه إلى أرباب الحل والعقد ممن ارتضاهم الله لدينه وجعلهم بحيث لهم المقدرة أن يكونوا أمناء مخلصين وولاة ناصحين . ويشير أخيراً إلى أن خصمه لا يحمل أية شهادة من الكتاب والسنة لتأهله إلى هذا الأمر الخطير فهو إذاً مغتصب للأمر .

(1) ديوان الفرزدق : 168 .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 144

الشرح والمعنى :
قد يكون التفصيل في الجانب السابق جاء على حساب إيجاز هذا الجانب ، إلا أن أحدهما مكمل للآخر ، ومن خلال المعاني التي حملتها الأبيات هذه يرجح أن الأبيات غير تامة ولا بد أن تكون أكثر من ذلك ، وعلى أية حال فالقصة كالتالي :
بعدما لمح معاوية بن أبي سفيان بترشيح ابنه يزيد وأخذ يمهد لأخذ البيعة له ، استعرض الشاعر كون البيعة للخليفة لا بد وأن تنبع من الرعية والتي ترى فيه القوة والقدرة والفضل والاستطالة ليتمكن من أن يستنقذها وتستنصر به ، إلا أن معرفتها بيزيد الفسوق والأرعن لا يجد فيه القدرة على استنصار الأمة لأن فاقد الشيء لا يعطي فهو والخاذل المتقاعس عن النصرة سواء ، حيث ان كليهما لا يوصلان الأمة إلى ساحل النجاة والفوز المطلوب .
بينما يستعرض من جهة أخرى مؤهلاته التي جعلته المرشح الإلهي لهذا الأمر الخطير واتفقت عليه الكلمة في صلح الإمام الحسن عليه السلام مع معاوية لأن تكون الخلافة بعد معاوية للحسن ثم من بعده للحسين ، إذ يجد في نفسه الكفاءة لهذا المنصب فيذكر الأمة بمكانته العائلية أولاً أبيه أمير المؤمنين عليه السلام وفضائله الحقة والجمة التي لا يمكن لأحد إنكارها لجلائها ووضوحها بحيث لا يمكن أن يغشيها شيء .
ويواصل الحديث عن نفسه وما يمتلكه من المؤهلات حيث إنه سبط الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بل ابنه الذي صرح له الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بذلك بل أكثر من ذلك حيث قال : « حسين مني وأنا من حسين » (1) .
ولم يكتف بنسبه ومكانة أبيه وجده بل ذكر مؤهلاته الذاتية والشخصية حيث عرف نفسه بالبدر في ليلة كماله وتمامه من بيان سائر الأصحاب الذين هم من أهل الحل والعقد وعرفهم بالنجوم التي قد تغيب ضوؤها وسناؤها وأما عطاؤه وسناؤه فلا غياب لها وتفوقه هذا مما لا كلام فيه ولا مراء .

(1) صحيح الترمذي : 2/ 307 .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 145

ويذكر الأمة بأنه من أهل الذكر الذي نزل في عمق بيته بشكل متتال دون انقطاع في حياة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأنه من أهل البيت الذين هم أدرى بما في البيت الذي نزل فيه الوحي الإلهي .
وعندها يبين كيف آل الأمر حتى أن يزيد الفسوق أخذ ينازعه على الخلافة وقد استلها منه استلالاً وانتزعها منه انتزاعاً مع العلم بأن الخلافة من الأمور الإلهية التي لا يحق لمثل يزيد التدخل بها والله يعلم أين يضع رسالته ، وذكر أن الله سوف يحكم بينهما يوم القيامة .
وأخذ يوجه خطابه إلى المخلصين في الأمة من الذين لهم موقع يمكنهم من أن يكونوا ولاة الله وأمناءه على دينه وأمره فيتساءل منهم أبكتاب الله أم بسنة رسوله اغتصب يزيد البعيد عن كل الفضائل هذا الحكم من أهلها ، ولعله يعاتبهم على صمتهم تجاه هذه الظلامة .
الحكمة :
إن الغرض من إنشاء هذه الأبيات هو الشكوى من حالة شاذة تعامل معها المجتمع السياسي والديني دون المستوى ، وبيان الحقائق في أمر الخلافة والمؤهلات ، والمقارنة بين خليفة الحق والباطل لإلقاء الحجة على الأمة .
النسبة :
إن عدم قوة الأبيات قد توحي بل تقف عائقاَ أمام نسبتها إلى الإمام ، بل إن استخدام بعض المفردات كقوله « خلا » التي سبق الحديث عنها ، وكذلك استخدام الجملة المعترضة « والله بيني وبينه » والتي ليست من معهود الكلام الفصيح بل هي أقرب إلى اللغة الدارجة ، يبعد صدورها عن أئمة البلاغة والفصاحة كالحسين ابن علي عليه السلام .
ولكن هناك من يرى أن أيدي التحريف وعوامل التصحيف هي التي تدخلت فأزالت الكلم عن مواضعه وبدلت الحروف والألفاظ بحيث وصلت إلى هذا المستوى ، وربما بما قدمناه من اختيار النسخ التي تستقيم مع العروض واللغة والمعنى يؤيد هذا المعنى بل ويرفعه من دون الوسط إلى حد الشعر المتوسط وبذلك يزيد

دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 146

في كفة النسبة بعض الأرقام .
وأما بالنسبة إلى المصادر فليس فيها إشارة إلى هذا المعنى بل كلها نسبتها إليه .
وأما بالنسبة إلى مضامين الشعر نفسه ففي البيت الثاني منه شبه تصريح بأنها له ولكنه ليس بالدليل القاطع إذ يمكن أن يكون من شعر لسان الحال .
والحاصل : لايمكن البت بأنها ليست له إذا ما أخدنا بعين الاعتبار ما أخذناه في المقطوعة الأولى .
الإقتباس :
يقول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في مثل هذا الموقف في الخطبة الشقشقية : أما والله لقد تقمصها (1) فلان (2) وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى ، ينحدر عني السيل ولا يرقى إلي الطير ، ... فصبرت وفي العين قذى ، وفي الحلق شجا ، أرى تراثي نهبا حتى مضى الأول (3) لسبيله فأدلى بها إلى فـلان (4) بعده ... حتى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم أني أحدهم فيا لله وللشورى متى اعترض الريب فيَّ مع الأول منهم حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر (5) . ويرى الشريف الرضي أنه أولى بالخلافة من العباسيين فيقول من الطويل :
أبعد الـنبي والـوصي تروقنـي مناسب من يعزى لمجد وينسب
يقر بفضلـي كل بـاد وحـاضر ويحسدني هذا العظيم الـمحبب (6)
ويقول مفتخراً بنسبه ويخاطب نفسه من الكامل :

(1) أي الخلافة .
(2) فلان : كناية عن أبي بكر .
(3) الأول : هو أبو بكر بن أبي قحافة التيمي .
(4) فلان : كناية عن عمر بن الخطاب .
(5) راجع نهج البلاغة : 84 ـ 88 .
(6) ديوان الشريف الرضي : 1/ 83 .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 147

هـذا أمـير الـمـؤمنين محمد (1) كرمت مغارسه وطاب المولد
أوما كفـاك بـأن أمك فـاطم و أبـوك حيدرة و جدك أحمد
يمسي ومنزل ضيفـه لا يحتوى كـرمـاً وبيت نضاره لا يقلد (2)
ويقول في أخرى من الطويل :
يقدر أن الـملك طـوع يمينـه ومن دون ما يرجو المقدر أقدار (3)
وأخيراً : إن كانت النسبة إلى الإمام صحيحة وقلنا بأنها من إنشائه فيستفاد منها جواز المفاخرة .

(1) محمد : يريد به نفسه .
(2) ديوان الشريف الرضي : 1/ 409 .
(3) ديوان الشريف الرضي : 1/ 536 .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 148

الهمزة المكسورة
.
(3)
فتى أبكى الحسين
1ـ أحق الناس أن يبكى عليه فتى أبكى الحسين بكربـلاء
2ـ أخـوه وابن والـده علي أبو الفضل المضرج بالدماء
3ـ ومن واساه لا يثنيه شيء فجـاد له على ظمـأ بمـاء
* * *
البحر :
هو الوافر (1) ( مفاعلتن × 6 ) إلا أن عروضه وضربه تعرضا للقطف(2) فأصبح « مفاعلتن » بعد تسكين اللام ثم إسقاط التاء والنون « مفاعل » فقلب إلى « فعولن » وهو الغالب فيه حتى قيل من الشاذ بقاء عروضه وضربه سالماً ، وأما الحشو منه فقد دخل على بعض تفاعيله العصب فأصبح « مفاعلتن » بعد سكون اللام « مفاعلتن » فقلب إلى « مفاعيلن » .
القافية : من المتواتر ، وذلك بإشباع الكسرة .
سبب الإنشاء :
لو صحت النسبة فقد أنشأت بعد استشهاد أبي الفضل العباس عليه السلام بعد الظهر يوم معركة الكرامة بكربلاء في العاشر من محرم عام 61 هـ ، وإما إذا صحت النسبة إلى الفضل فهي من شعر القرن الثاني الهجري ، كما سيأتي الحديث عن ذلك ، ومما

(1) الوافر : من أكثر الأوزان مرونة فيشتد إذا شددته ويرق إذا رققته وأكثر ما يناسب المراثي والغزل والفخر ، ويسمى بالوافر لوفور أوتاد أجزاءه ، وقيل لوفور حركاته ، حيث لا يوجد في أجزاء البحور الأخرى أكثر منه حركات ، واسمه في الأصل الهزج الوافر ، لأنه تولد من الهزج بعد تطوره .
وربما استخدمه الشاعر لأنه أراد به الرثاء .
(2) القطف : هو الحذف بعد العصب ، والعصب هو إسكان الخامس المتحرك فالأول أي الحذف سبق وقلنا هو إسقاط السبب الخفيف من آخر الجزء .

السابق السابق الفهرس التالي التالي