دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 149

لا شك فيه أنه في رثاء أبي الفضل العباس عليه السلام ، وتاريخها لم يتأخر عن عام وفاة أبي الفرج الأصبهاني 356 هـ .
التخريج :
حسب النسبة ننقل المصادر ، مقدمين تلك المصادر التي نسبتها إلى الإمام عليه السلام ثم التي نسبتها إلى الفضل وأخيراً التي نسبتها إلى القيل .
1ـ ناسخ التواريخ ( قسم حياة الإمام الحسين ) : 2/ 347 عن جلاء العيون لشبر ، التحفة الناصرية : 559 ، معالي السبطين : 1/ 448 عن الناسخ .
2ـ الغدير : 3/ 3 عن روض رياض الجنان في نيل مشتهى الجنان ، أدب الطف : 1/ 223 ، الحسن والحسين سبطا رسول الله : 163 .
3ـ مقاتل الطالبيين : 89 ، اللهوف : 49 ، المنتخب للطريحي : 442 .
إن أقدم النصوص من الطائفة الأولى هو جلاء العيون للسيد عبد الله شبر المتوفى عام 1242 هـ ومن الجدير ذكره أن كتابه هذا ترجمة لكتاب جلاء العيون للمجلسي المتوفى عام 1111 هـ والذي وضعه باللغة الفارسية ، ولا يخفى أن كتاب المجلسي هذا لا يوجد فيه هذه الأبيات كما وغيرها ، فأقدم النصوص تعد كتاب الجلاء لشبر وهو معاصر لأبي القاسم الأصفهاني صاحب التحفة الناصرية ولعل أحدهما نقل عن الآخر .
وأما أقدم المصادر من الطائفة الثانية فهو روض الجنان حيث إن مؤلفه أشرف علي (1) المتوفى على الظاهر نحو عام 1270 هـ .

(1) أشرف علي الهندي : وصفه الأميني في الغدير بالمؤرخ الهندي ، والظاهر هو أشرف علي بن نجف علي البلگرامي الهندي المتوفى نحوعام 1270 هـ ، الذي كان من الفقهاء الأصوليين ، والعلماء والأدباء ، له عدد من المؤلفات ـ راجع مطلع أنوار : 99 .

(1) الكلام لعبد الله بن عمار بن يغوث راجع مقتل الحسين للمقرم : 275 عن مناقب آل أبي طالب .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 150

وأما الطائفة الثالثة فأقدم نصوصها ومصادرها هو مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الأصبهاني المتوفى عام 356 هـ ويبدو أن الآخرين نقلوا منه ويعتبر هو أقدم من نقل هذه الأبيات على الإطلاق .
وهذا وقد أوردناها في ديوان القرن الثاني : 32 ، ونسبناها إلى الفضل بن الحسن .
عدد الأبيات : لم تختلف المصادر في عدد الأبيات فكلهم ذكروها ثلاثة .
السند :
كلهم أرسلوا سندها ونسبها أبو الفرج الأصفهاني صاحب أقدم النصوص إلى قائلها دون تحديد ، فإذا كانت النسبة إلى الفضل صحيحة وهو المتوفى في القرن الثاني الهجري فلا شك أن بينهما واسطتين أو ثلاثاً .
الراوي : يعتبر أبو الفرج الأصبهاني ( 284 ـ 356 هـ ) هو أول الرواة لها .
النسخ :
جاء في المقاتل : « إذا بكى » بدل « فتى أبكى » ، والثاني أنسب للمعنى .
وجاء في الناسخ : « لا يثنيه خوف » بدل « لا يثنيه شيء » ، والثاني أبلغ .
وفي الأدب : « فجاد » بالفاء بدل الواو وهو أنسب .
وأورد صاحب المنتخب « على ظمأ » بدل « على عطش » وكلاهما يصحان . والفرق بينهما أن الظمأ هو العطش الشديد ولذا فإن استخدام الظمأ أقرب للواقع وأبلغ للشعر .
الإعراب :
إن المخففة في قوله « أن يبكى » موصولة مصدرية تؤول ما بعدها إلى المصدر . فيصبح « أحق الناس بكاء عليه » .
وأما قوله : « فتى » فيحتمل فيه وجوه ، لكن أقواها أن يكون في محل رفع على أنه خبر لـ « أحق » وبما أن فتى من الأسماء المقصورة فهي مبنية ، وإما التنوين فيضاف إليه لأجل الجهالية ويبقى في الحالات الثلاث على حد سواء ، وأما من أوردها « إذا بكى الحسين » فإذا ظرف للزمان كما في قوله تعالى : « أرأيت

دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 151

عبداً إذا صلى » (1) ، ولكنها ليست بليغة وربما قالوا ، بجواز قراءتها إذاً بالتنوين وعندها لا بد وأن تجرد من معنى الشرطية ، والحاصل فإن المعنى هو : « إذا بكى الحسين بكربلاء فهو أحق الناس بالبكاء عليه » ، قوله : « بكربلاء » بالكسر لضرورة شعرية وإلا فهي ممنوعة من الصرف بالعلمية والتأنيث أو العجمة على قول وعلى التركيب على قول آخر ولعل الأسباب الأربعة اجتمعت فيها .
قوله : « أخوه » خبر لـ « أحق » .
قوله : « علي » بدل من « الوالد » .
قوله : « فجاد » الفاء فيه للتعقيب وهو أولى من الواو التي هي لمجرد الجمع .
اللغة :
الفتى هو السخي الكريم ذو المروءة ، وللفتى معنى آخر والمراد به الشاب الحدث بل الشاب من كل شيء ، ولكنه ليس مقصود فيما نحن فيه : السن المحدد بالسنين (2) بل المقصود القوة التي يمتلكها والشجاعة التي يتصف بها والأخلاق الذي يتحلى بها ، ولو قلت « فلان فتي » فإنه يحتمل المعنيين فتوة العمر وفتوة القوة ، فالمورد هو الذي يحدد أحد المعنيين ، والكلمة هنا كما في الآية التالية : « إنهم فتية آمنوا بربهم »(3) وقوله تعالى : « وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم ... » (4) فليس المقصود فيهما الفترة الزمنية من عمر الإنسان بل المراد كما هو الحال في الحديث النبوي الشريف « الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة » (5) والحديث الآخر « لا

(1) سورة العلق ، الآية : 10 .
(2) الفتى : حدد بأول الشباب ما بين المراهقة والرجولة ، والمراهقة ما بين البلوغ إلى سن الرشد ، والشاب ما بعد البلوغ حتى الثلاثين ويليه الكهل ويسبقه الغلام ، والعباس كان له من العمر يوم كربلاء 33 سنة وأشهراً .
(3) سورة الكهف ، الآية : 13 .
(4) سورة يوسف ، الآية : 62 .
(5) فضائل الخمسة من الصحاح الستة : 3/ 259 عن صحيح الترمذي .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 152

فتى إلا علي » (1) فإن المراد بالشباب وبالفتى تلك القدرات التي عادت تتواجد في هذه الفترة الزمنية من عمر الإنسان من القوة والإرادة والعزيمة ، ولما كانت هذه الصفات تتوفر في مرحلة الفتوة أكثر من غيرها اختص اللفظ بها دون ان تقيد من اطلاقه على من جاوز هذه الفترة بل ظل محتفظاً بقواه وعزيمته وإرادته .
أبكى : من الواضح الفرق بينه وبين أبكى فالأول لازم والثاني متعد بباب الأفعال ، ومن المعاني التي يمكن فهمها من هذا الباب هي كثرة الفعل .
الأخ : يطلق على كل من الأبي أو الأمي أو الأبويني ، وأما الشقيق فهو الأخ من الطرفين (2) .
أبو الفضل : كنية العباس بن علي عليه السلام وذلك لمكان ابنه الفضل .
المضرج : الملطخ .
واسى يواسي مواساة : بمعنى المشاركة والمساهمة في الأمر ومنه الحديث : « مواساة الإخوان » أي مشاركتهم ومساهمتهم في الرزق والمعاش ولا يكون ذلك إلا عن كفاف لا عن فضلة ، وقيل إن أصلها آسى ـ بالهمزة ـ قلبت واواً تخفيفاً ، ومنه قول سليمان بن قتة العدوي (3) من الطويل :
وإن الأولى بألطف من آل هاشم تآسـوا فسنـوا للكرام تآسـيا (4)
قوله : لا يثنيه أي لا يصرفه شيء .

(1) فضائل الخمسة من الصحاح الستة : 2/ 353 عن كنز العمال .
(2) كانت أم الإمام الحسين عليه السلام فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأم العباس عليه السلام كانت فاطمة بنت حزام الكلبية .
(3) سليمان بن قتة العدوي المتوفى عام 126 هـ في دمشق ، كان من التابعين المشهورين بالولاء لأهل البيت عليهم السلام اشتهر باسم أمه قتة واسم والده حبيب بن محارب القرشي الخزاعي .
(4) ديوان القرن الثاني : 233 من هذه الموسوعة .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 153

الجود : هو السخاء والكرم ولكن مع الفارق وسنأتي عليه (1) ، وأما الجود بالنفس فقد جاء في الحديث : « أجود الناس من جاد بنفسه وماله في سبيل الله » .
الظمأ : هو العطش في أشد حالاته ، فكل ظمأ عطش ولا عكس .
التصوير الفني :
إن الشطر الأول حمل إلينا عدداً من التصورات ، منها : مقابلة البكاء بالبكاء فمن يبكي الحسين عليه السلام فهو الجدير بالبكاء عليه ، ومنها بيان أن البكاء عليه حق ، بل خصص الأحقية به دون سواه ، ومنها أن الحسين عليه السلام قدوة يتأسى به ، ومنها أن لبكاء الحسين عليه السلام عليه الكثير من الدلالات والتي منها مكانته عنده . وأما استخدامه لكلمتي : « ابن والده » ففيه بيان لنوع من التلاحم حيث تستخدم فيما يراد بيان شدة العلاقة التي تربط الطرفين ، ومنها التفاخر بذلك الوالد المعروف بالشجاعة و ... ، بالإضافة إلى تفاخره بمن هو عضد له ، وأخيراً فيه بيان للحقية أنه أخ غير شقيق للحسين عليه السلام فقد جمع المعاني الثلاث في آن واحد .
وأما في استخدام « لا يثنيه شيء » ففيه قوة ليس في « لا يثنيه خوف » إذ أن الثاني يفيد وجود الخوف إلا أنه لا يثنيه ، بالإضافة أن فيه حصراً بنوع واحد من المثنيات ألا وهو الخوف ، بينما كلمة شيء غير محددة الجهة ففيها من العمومية المطلوبة في مثل هذا المقام .
وأما في تعقيبه الجود على المواساة لدليل على بيان إحدى تلك الظواهر التي نبعت من المواساة وعدم الانصراف عنه ، ولا يخفى أن مقاومة العطش للمحارب عسيرة جداً ، والعباس عليه السلام يصل إلى الماء فيؤثر على نفسه ولو كان به خصاصة (2) وجاءت كلمة الظمأ لتبين مدى عطشه عليه السلام ، وعلى كل فإن هذه الخصوصية من مميزات هذا البيت الطاهر .

(1) سنأتي في قافية التاء على بيان الفرق بين الجود والكرم والسخاء .
(2) فقد جاء في الآية الكريمة : « ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة » [ الحشر : 9 ] .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 154

الشرح والمعنى :
إن صدمة مصرع العباس عليه السلام كانت عظيمة بلا شك على أخيه الحسين عليه السلام بحيث يروي أرباب المقاتل أنه لما رأى حال أخيه العباس عليه السلام بكى بكاء عالياً وقال : الآن انكسر ظهري وقلت حيلتي و شمت بي عدوي ، إنها كلمات ثقيلة تفوه بها الإمام المعصوم عليه السلام في المعركة دون هوادة ، وهو الرجل الذي وصفه أعداءه وهو في المعركة : ما رأيت مكثوراً قط قد قتل ولده وأهل بيته وصحبه أربط جأشاً منه ولا أمضى جناناً ولا أجرء مقدماً ولقد كانت الرجال تنكشف بين يديه إذا شد فيها ولم يثبت له أحد (1) فإن الحالة التي عرضت على الإمام عليه السلام كانت كبيرة كما تنقلها الرواة إلينا بحيث أنه لم يكن قادراً على حمل جثمانه الشريف إلى المخيم الذي خصصه للشهداء وقد أصيب العباس بقطع اليدين وبعينه وفلق العدو رأسه بعامود ، ولم يبق من جسده الطاهر ما يقومه ، وأقل ما يقال فيه أنه كان مضرجاً بالدماء حيث تعددت مخارجه وتشتت جسمه . وإذا كان البيت الأول لم يحمل إلينا تحديد ذلك الفتى لمزيد الشوق إلى معرفته ، فقد كشف الستار عنه في البيت الثاني بما لا غبار عليه .
ويستمر الشاعر ليبين جانباً من فتوة هذا الشهيد العظيم الموصوف بالشجاعة والشهامة ليوضح فداءه لأخيه الحسين عليه السلام ومواساته بعدم شربه للماء وهو على الماء لأنه يعلم بأن أخاه وأهله عطاشى فآثر على نفسه ذلك ، ولقد أورد المؤرخون أن العباس عليه السلام كشف العسكر عن الفرات ودخله ثم أغترف من الماء غرفة وأدناها من فمه ليشرب فتذكر عطش أخيه الحسين وأهل بيته وأطفاله فرمى الماء من يديه وأخذ يرتجز ويقول :
يا نفس من بعد الحسين هوني
وبعده لا كـنت أن تكـونـي
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 155

هـذا الحسين وارد المنـون
و تشربيـن بـارد الـمعين
هيهـات ما هذا فعـال ديني
ولا فعال صادق الـيقين (1)
الحكمة :
أن في بيان وفاء الناصر وفاء لحقه وعبرة لمن يعتبر وإحقاق للحق ، والرثاء في الحقيقة هو عديل المدح ، والفارق بينهما أن الأول متعلقه الأموات والثاني متعلقه الأحياء ، وفي كليهما تعديد للصفات الحسنة التي يمتلكها الممدوح والمرثي ، والوفاء من الأقربين أولى ، ولا يقابل الوفاء إلا بمثله ، وهذا ما حصل ، فإن كانت النسبة إلى الإمام عليه السلام صحيحة فقد وفى أبوعبد الله الحسين ببيان وفاء أخيه أبي الفضل العباس وكفى ، وإن كانت النسبة إلى الفضل هي الصحيحة فقد وفى الحفيد بما تركه الجد من الفخر والعز لأبنائه بوفائه لسيد الأوفياء أبي عبد الله الحسين عليه السلام ، والحاصل : أن الأبيات فيها الرثاء والوفاء ، وفيها الافتخار والاعتبار .
النسبة :
سبق وأشرنا إلى أن الأبيات نسبها جماعة إلى قائلها ، بينما نسبها جماعة آخرون إلى الإمام الحسين عليه السلام ، وآخرون إلى الفضل بن الحسن (2) بن عبيد الله (3) بن العباس بن علي بن أبي طالب عليه السلام ، كان الفضل من وجهاء وشعراء أواخر القرن الثاني الهجري ، ومجمل ما ورد فيه من الوصف : أنه كان شاعراً لسناً فصيحاً ، عظيم الشجاعة ، محتشماً عند الخلفاء ، وهو أحد سادات بني هاشم ، يقال له ابن الهاشمية (4) .


(1) راجع ديوان القرن الأول : 2 / 281 من هذه الموسوعة .
(2) توفي الحسن بن عبيد الله وله من العمر 67 عاماً .
(3) توفي عبيد الله بن العباس وله من العمر 55 عاماً .
(4) راجع الفخري : 170 ، المجدي : 232 ، عمدة الطالب : 357 ، سر السلسلة العلوية : 116 .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 156

ومن الجدير ذكره إذا ما ورد نثر أو شعر منسوباً إلى شخصية وذكره آخرون غير منسوب يقدم المنسوب على غير المنسوب ، بل يحمل عليه إذا لم يكن في النسبة ما لا يمكن الركون إليه ، ورغم أن القدامى لم ينسبوه إلى شخصية معينة فلا بد أن نقدم المنسوب لأن دليل الوجدان مقدم على عدم الوجدان ، وبما أن المنسوب إليه فيما نحن فيه شخصيتان فلا بد الأخذ بما لا يمكن الطعن في النسبة إليه ، ومن باب ان الرواة كانوا حريصين على تدوين وتسجيل ما يتفوه به الإمام عليه السلام ولم يذكروا أنه أنشد هذه الأبيات فإننا نستبعد صدورها عنه ، وإلا فإن الأبيات من الناحية العروضية والبلاغية والحقائق التاريخية لا يوجد فيها ما ينافي نسبتها إليه عليه السلام .
ولم يبق أمامنا إلا نسبة واحدة وهي أن تكون من إنشاء الفضل بن الحسن الذي أشار إليه الشيخ أشرف علي الهندي والذي وصف بأنه من العلماء المتتبعين ومن أهل العلم والأدب .
وبما أن النسبة إلى الإمام عليه السلام تحتاج إلى مزيد من التثبت من جهة ، ومن جهة أخرى فإن المصدر الذي نسبها إليه عليه السلام هو كتاب الناسخ الذي نقل هذه النسبة حسب الظاهر من الجلاء العربي المترجم من الجلاء الفارسي الذي لم نعثر عليها فيه ، مضافاَ إلى أن صاحب الناسخ يستسهل في كثير من الموارد ، بالإضافة إلى نوع من الغموض الذي يكتنف بعض كلامه ، وإن نسخه مغلوطة غالباً ، لذلك لم نرجح نسبتها إلى الإمام الحسين عليه السلام بينما لم نجد في نسبتها إلى الفضل ما ينافي ذلك ، حيث كان شاعراً ، وعصره متقدم على عصر أبي الفرج الأصبهاني المتوفى عام 356 هـ الذي يعتبر أول الراوين لهذه الأبيات ، وقد جرى ديدن الأحفاد الشعراء على ذكر أجدادهم في أشعارهم ، كما هو الحال لحفيد الفضل الذي هو الآخر ذكره كما سيأتي

دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 157

الحديث عنه (1) ، ولهذه الاعتبارات رجحنا نسبتها إلى الفضل وأوردناها في ديوان القرن الثاني .
بقي أن نشير إلى أن شبر (2) أورد الأبيات في كتابه أدب الطف لدى ترجمته للفضل نقلاً عن الداودي في عمدة الطالب ما نصه : « وأما الفضل بن الحسن بن عبيد الله بن العباس فقد كان لسناً فصيحاً شديد الدين عظيم الشجاعة محتشماً عند الخلفاء ويقال له ابن الهاشمية وهو الذي يؤبن جده أبا الفضل شهيد الطف بقوله :
أحق الناس أن يبكى عليه فتى أبكى الحسين بكربلاء
الأبيات المتقدمة ، أقول وأعقب الفضل من ثلاثة : « جعفر والعباس ومحمد » (3) ويفهم من كلامه أن الداودي (4) نسب الأشعار إلى الفضل ولكن بعد مراجعتنا للأصل الموجود لدينا لم نعثر على هذا الشرح والأشعار ، حيث إن الموجود في العمدة ما نصه : « أما الفضل بن الحسن بن عبيد الله كان لسناً فصيحاً شديد الدين عظيم الشجاعة فأعقب من ثلاثة : جعفر والعباس الأكبر ومحمد » (5) .
ويمكن أن يعزى هذا الاختلاف إلى أمرين : الأول وجود نسخة أخرى من عمدة الطالب لدى شبر ، والثاني أن كلام الداودي ينتهي عند كلمة « الشجاعة » والباقي من صنيعه المستند إلى عدد

(1) لدى الحديث عن الإقتباس ، هذا ولأخيه العباس بن الحسن أشعار رائية في الفخر بآبائه والتي أولها ـ من المتقارب ـ :
وقالت قريش لنا مفخر رفيع على الناس لا ينكر
(2) شبر : هو جواد بن علي بن محمد ، من مواليد النجف عام 1335 هـ ، من الخطباء الشعراء ، والأدباء الكتاب ، منذ سنوات اعتقل ولا زال مصيره مجهولاً ، فرجه الله عنه ، له مؤلفات منها : إلى ولدي ، مقتل الحسين ، أدب الطف .
(3) أدب الطف : 1/ 128 .
(4) الداودي : هو أحمد بن علي بن الحسين الحسني المعروف بابن عنبة لأن اثنين من أجداده يسمون بعنبة ، من كبار النسابة ، كانت ولادته في حدود عام 748 هـ بالعراق ووفاته في كرمان ـ إيران ـ من مؤلفاته : بحر الأنساب .
(5) عمدة الطالب : 357 .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 158

من المصادر كالغدير الذي نسب الأبيات إليه ، والمجدي (1) الذي ذكر فيه بقية الصفات ، والله هو العالم بحقائق الأمور .
وعلى أية حال فإن الاحتمال الأول إذا كان هو الصحيح فإن سند النسبة إلى الفضل يرتقي إلى الداودي المتوفى عام 828 هـ .
الإقتباس :
لقد سبق الفضل هذا الإمام زين العابدين عليه السلام حيث وصف وفاء عمه العباس ومواساته لأخيه الحسين عليه السلام بقوله : « رحم الله العباس ، فلقد آثر وأبلى وفدا أخاه بنفسه حتى قطعت يداه ، فأبدله الله بهما جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة (2) ... » (3) .
وأما حفيده الفضل بن محمد بن الفضل بن الحسن بن عبيد الله ابن العباس بن علي عليه السلام فقد أقتبس من جده الفضل بن الحسن وبالذات من أبياته الثلاثة هذه فأنشأ في جده العباس الشهيد بكربلاء قائلاً من البسيط :
إني لأذكر للعبـاس مـوقـفـه بكربـلاء و هام القـوم تختطف
يحمي الحسين ويسقيه على ظمإ ولا يـولي و لا يثنـى فيختـلـف
فلا أرى مشهداً يـومـاً كمشهده مع الحسين عليه الفضل والشرف
أكرم بـه مشهداً بانت فصيلته وما أضاع لـه أفعـالـه خلف (4)
وهذه الأبيات إلى حد كبير تنقل الفكرة التي ضمنها جده وسميه عن جده العباس الشهيد بالطف .
هذا وقد أصبحت أبيات الفضل بن الحسن الثلاثة مورد اهتمام

(1) المجدي : هو مؤلف في أنساب الطالبيين لعلي بن محمد العمري ، من أعلام القرن الخامس الهجري .
(2) وهذا ليس غريباً فقد ورد مثله في عمه جعفر بن أبي طالب الطيار وقد وردت بذلك روايات عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ـ راجع كتب الحديث والتاريخ بمعركة مؤتة ـ وليس العباس بأقل من عمه .
(3) ناسخ التواريخ : 2/ 347 .
(4) المجدي في الأنساب : 232 ، ديوان القرن الثالث : 34 من هذه الموسوعة .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 159

الأدباء والشعراء وممن نذكر منهم الشيخ محمد علي الأردوبادي (1) الذي قام بتشطيرها فقال :
أحق الناس أن يبكـى علـيـه بدمع شـابـه علق الـدمـاء
بجنب الـعلـقمي سـري فهر فتى أبكى الحسين بكـربـلاء
أخـوه وابـن والـده عـلـي هزبر الـملـتقى رب اللـواء
صريعاً تحت مشتبك المواضي أبو الـفضل المضرج بالدماء
ومـن واسـاه لا يثنيـه شيء عن ابن المصطفى عند البلاء
وقد مـلك الفرات فلم يذقـه وجاد له على عطـش بمـاء (2)
ويقول بعض الشعراء في ان البكاء حق على الحبيب من الكامل الأخذ :
ولـئن بكيناه لـحق لـنا أو لا ففي سعـة من العذر
فلمثلـه جرت العيون دماً ولمثله جمدت فلا تجري (3)
ويقول آخر في رفيق دربه من الطويل :
فتى كان شـربا للعفـاة و مرتعاً فأصبح للهنديـة البيض مرتعا
فتى كلما ارتاد الشجاع من الردى مفراً غداة المأزق أرتاد مفزعا
فما كنت إلا السيف لاقى ضريبة فقطعهـا ثم انثنى فتقطـعـا (4)
وأخيراً : إذا كانت النسبة إلى المعصوم عليه السلام صحيحة (5) فإن الذي يفهم منها هو جواز الرثاء والبكاء على الشهيد وعد فضائله .

(1) محمد علي الأردوبادي : هو ابن محمد قاسم بن محمد تقي التبريزي النجفي ( 1312 ـ 1380 هـ ) من علماء الإمامية ، مولده في تبريز ووفاته في النجف ، كان بالإضافة إلى الفقاهة أديباً شاعراً من مؤلفاته : إبراهيم بن مالك الأشتر ، علي وليد الكعبة ، سبع الدجيل .
(2) الغدير : 3/ 3 ، ديوان القرن الرابع عشر قافية الهمزة من هذه الموسوعة .
(3) مجموعة المعاني : 1/ 567 .
(4) مجموعة المعاني : 1/ 556 .
(5) وقد استبعدنا صحتها .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 160

(4)
مصارع الشهداء
1ـ حطوا الرحال فذا محط خيامنا وهنا تكون مصارع الشهداء
2ـ حطوا الرحال فذا مناخ ركابنا و بهذه والله سـبي نسـائي
3ـ وبهذه الأطفـال تذبح والنسـا تعلـو على قتب بغير وطاء
4ـ وبهذه تعلى الرؤوس على القنا تهدى إلى ذي الكفر والشحناء
5ـ وبهـذه تتفتت الأكـبـاد من حر الظما وحرارة الرمضاء
6ـ وبهذه يعدو جـوادي صاهلاً ملقى العنان يجول في البيداء
7ـ وبهذه والله يسـلـبني الـعدا وتجول خيلهم على أعضائي
8ـ وبهذه نهب الخيام و حرقهـا و بهذه حرمي تقيم عـزائي
9ـ وبهذه زوارنا وحـش الـفلا والريح تكسونا ثرى الغبراء
* * *
البحر :
هو الكـامل « متفاعلن × 6 » ( / / / ه / ه ) دخل على بعض ضربه تارة القطع فاصبحت التفعلية « متفاعل » وتارة أخرى دخلها الإضمار ثم القطع فأصبح متفاعلن مستفعلن ثم أصبح مستفعل فقلب إلى مفعولن ( / ه / ه / ه ) . كمـا دخـل عـلى سـائر تفعيـلاته الإضمـار فـأصبحت مستفعلن ( / ه / ه / / ه )
القافية : من المتواتر وذلك بإشباع كسرة الهمزة .
سبب الإنشاء :
جاء في المصدر أن الحسين عليه السلام لما أخبر بأن الأرض التي حوصروا فيها تسمى كربلاء تنفس الصعداء ونزل عن فرسه وتوجه إلى أصحابه وأمرهم بالنزول وأنشأ يقول ... ومعنى هذا إن إنشاءه لهذه الأبيات على فرض صحة النسبة كان في يوم الخميس الثاني من شهر محرم الحرام عام 61 هـ يوم ورد كربلاء ، وفيها أخبار بما سيؤول أمره وأمر أنصاره وأهل بيته

دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 161

رضوان الله عليهم أجمعين ، وصح ما أخبرهم به .
التخريج : الدروس البهية : 66 وعنه عاشوراء في الأدب العاملي المعاصر : 258 .
عدد الأبيات : بما أن المصدر واحد فلا مجال للاختلاف فهي تسعة أبيات .
السند :
لم يذكر المصدر على أي شيء اعتمد في نقله هذا فكيف بالسند ، إذ أنه لم يتطرق في كتابه هذا إلى أي مصدر أو سند بتاتاً فجاء نقله أبتراً .
الراوي :
دأب في هذا الكتاب على عدم نقل السند أو الراوي أو المصدر ، والظاهر أن ذلك كان لأجل الاختصار ، ولكن كان لا بد له إسناد ما ليس بمعروف على أقل التقادير .
النسخ : نسخة واحدة لا خلاف فيها لعدم تعدد المصادر أو الاحتمالات .
الإعراب :
الفاء في « فذا » زائدة قد تفيد معنى الترتب لا الترتيب ، وهي غير لازمة إذ لا يختل المعنى بحذفها ، نعم يختل الوزن ، « ذا محط » مبتدأ وخبر .
وفعل الكينونة هنا تام وفاعلها المصارع المضاف إلى الشهداء .
والله : قسم معترض .
صاهلاً : حال للفاعل وهو جوادي ، وكذلك ملقى فهو حال للفاعل أيضاً إذ يصح أن يأخذ الفاعل بل وغيره أكثر من حال ، تقول جاءني الرجل راكعاً باكياً .
« وبهذه » في الأبيات متعلقة بالفعل أو المصدر الذي بعدها قدمها الشاعر عليها لضرورة شعرية وبلاغية .
ثرى : مفعول ثاني لتكسو ، تقول : كسا محمد علياً ثوباً فعلي والثوب كلاهما مفعولان للفعل كسا .
اللغة :
فالحط هو وضع الأحمال عن الدواب ، والمحط : بفتحتين اسم مكان للموضع الذي يحط الرحال فيه وعادة ما يكون المنزل الذي يقيم الراكب فيه فغلب عليه .

دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 162

والرحال : جمع الرحل وهو مركب البعير والناقة ، وخصه بعضهم بالرجال دون النساء ، ويقال لمنازل الرجال وسكناهم بل ولما يصحبونه من الأثاث الرحل مجازاً ، ويطلق الرحل على أعواد الرحل كما يطلق عليه وعلى أداته ومن ذلك قول الراجز :
كَـأَنَّ رحلـي وأداة رحلـي على خراب كأتان الضحلِ (1)
والمصرع : هو المكان الذي يصرع فيه الإنسان أي يطرح على الأرض ، وقيل إنه خاص بالإنسان دون غيره فلا يقال للدابة مثلاً أنها صرعت ، وهو أعم من أن يكون مع زهق الروح أو بدونه ، والظاهر اشتراط ما يلي : 1ـ أن يكون بفعل فاعل ، 2ـ أن يكون بالصريع رمق ، 3ـ أن يكون في تجاذب ومعالجة ، 4ـ أن يكون الطرفان إنساناً ، فلو سقط شخص من اعلى الجدار أو هوى من جبل أو أسقط بعد موته أو دون معركة بينهما فلا يسمى صريعاً ، ولا يعبر عن الفعل بصرع ، ومن المجاز قولهم مصارعة الثيران .
والمناخ : بالضم الموضع الذي تناخ فيه الإبل ، وأناخ الإبل إذا أبركها فبركت .
والركاب : جمعه الركب بضمتين وهي الرواحل من الإبل ، وللركاب معاني أخرى أطلق على غير ما ذكرناه بأدنى مناسبة كإطلاقها على السرج مثلاً .
والقتب بفتحتين وكذلك بكسر أوله وسكون ثانيه هو الأكاف والبرذعة ( أو البردعة ) والرحل ، والكساء الذي يلقى على ظهر الدابة .
والوطاء : على زنة الغطاء إلا أنه خلافه إذ الوطاء هو ما يفترشه المرء .
ذو الكفر : أراد به يزيد بن معاوية الأموي القائل من الرمل :

(1) لسان العرب : 5/ 169 .

السابق السابق الفهرس التالي التالي