دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 163

لعبت هاشـم بالملك فلا خبر جاء ولا وحي نزل (1)
وإنما أضاف ذو إلى الكفر لمزيد الملاصقة والشهرة . وأما الشحناء : جذر الكلمة من الشحن وهو الامتلاء ، قال تبارك وتعالى « في الفلك المشحون » (2) أي المملوءة ، ومتعلق الشحن قد لا يكون الإنسان ولا الحيوان ، وقد لا يكون مادياً أصلاً كما أن موضع الشحن قد يختلف من موقع إلى آخر ، فقد يكون صدر الإنسان مشحوناً بالحقد والكراهية فيتحول عدواً لك ، وربما يصل إلى درجة يمكن أن يقال له : الشحن بذاته كما في زيد عدل فيطلق الشحن على العدو ، وكل معاني هذه الكلمة جاءت بالمجاز مع وجود علاقة تربطها بالمعنى الموضوع لها ، والشحناء هو الحقد والعداوة ، وهي أيضاً من المعاني الثانوية المستخدمة في هذه المادة ، ويزيد بن معاوية كان كذلك حيث كان يمتلك من الحقد والكراهية لبني هاشم ويعاديهم ، وقد نمى على ذلك ، ألم يقل جده أبو سفيان : « فو الذي يحلف به أبو سفيان ما من عذاب ولا حساب ولا جنة ولا نار ولا بعث ولا قيامة » (3) ، وقال معاوية بن أبي سفيان « يصاح به في كل يوم خمس مرات أشهد أن محمداً رسول الله فأي عمل يبقى بعد هذا لا أم لك والله إلا دفناً دفناً » (4) .
تفتت الكبد : تفطره كتفطر الأرض الترابية بعد إمساك السقي عنها لمدة طويلة ، والكبد أول الأعضاء تضرراً عند العطش الشديد .
الضمأ : العطش الشديد ، وحرارة العطش في الغالب تتولد من عدم تبريد الأعضاء ذات الفاعلية والحركة ، الظما بلا همز تعني ذبول الشفة من العطش ، وقد تخفف المهموزة لضرورة شعرية

(1) ديوان القرن الأول : 2/ 123 من هذه الموسوعة .
(2) سورة الشعراء ، الآية : 119 .
(3) مروج الذهب : 2/ 230 ، الإمام الحسين للعلايلي : 32 .
(4) كشف الغمة : 2/ 44 .

(1) سورة الزمر ، الآية : 67 .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 164

وغيره ، فالأول مهموز والثاني بالألف المقلوبة عن الياء ، والأول هو المراد به هنا وهو مهموز مقصور ، والممدود منه يأتي بمعنى سوء الخلق ، وقد يمد المقصور فيقال : الظماء فيبقى على معناه ومنه المثل : « الظماء الفادح خير من الري الفاضح » (1) .
والرمضاء : في الأصل شدة الحرارة إلا أنها أختصت بالأرض ومولداته كالتراب والرمل والحصى والحجر التي تشتد حرارتها من الشمس أو وهجها ، ومنهم من فسر الرمضاء بالرمل خاصة .
زوار : جمع الزائر من الفعل زار بمعنى الإتيان بقصد الالتقاء ، يقال : زاره إذا عاده ، ومن المجاز البلاغي : أن يعد وحش الفلا زائراً .
الثرى : التراب الندي .
والغبراء : الأرض وإنما سميت بذلك لغبرة لونها ، ومنه قوله صلى الله عليه وآله وسلم في أبي ذر رضوان الله عليه : « ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر » (2) حيث عبر عن السماء بالخضراء وعن الأرض بالغبراء ، وكلا الوصفين جاءا باللون .
التصوير الفني :
لا تحمل هذه الأبيات إلينا إلا تصوير الواقع الذي ستحمله الأحداث إليهم بعد أسبوع من الزمان ، فهو إذاً شعر يحكي الحقيقة والواقع ولا يمكن أن تحمل مفرداتها أكثر من معانيها المجردة عن اللف والدوران والاستعارة والمجاز ، حيث ابتعد الشاعر عن الرمزية والخيال كما ترك الشكليات ليوطن النفس بل النفوس على الواقع المر الذي لا بد منه وهو من هذه الناحية استخدم نوعاً آخر من البلاغة ألا وهو الصراحة المفاجئة والصدمة والتي لها التأثير الأعمق في النفوس وما البلاغة إلا الوصول إلى النتائج بشكل مؤثر وفاعل .

(1) لسان العرب : 8 / 270 .
(2) سفينة البحار : 3/ 191 ، من لا يحضره الفقيه : 1/ 188 .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 165

الشرح والمعنى :
يسرد الشاعر ما سوف يحل بركبه ـ إذا كانت النسبة إلى الإمام صحيحة ـ من الرجال والنساء والأطفال وبالمآسي وعددها كالتالي : كربلاء هذه منزلهم الأبدي ، حيث يقتل فيه وأنصاره ، تسبى النساء ، تذبح الأطفال ، تسير النساء على مراكب لا تناسبهم . ترفع رؤوس الشهداء على الرماح ، تهدى الرؤوس إلى يزيد الكافر بكل القيم والحاقد على كل شيء ، يصاب آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأنصارهم بالعطش على تلك الرمال الحارقة ، فرس الإمام عليه السلام يصهل بعد مقتله من هول المعركة ويركض دون هوادة ، الأعداء تسلب الإمام عليه السلام ما عليه من ثياب ، خيول الأعداء ترض جسد الإمام عليه السلام ، الأعداء ينهبون ما في خيام آل الرسول وأنصارهم ، الأعداء يحرقون خيام آل الرسول وأنصارهم ، تنوح النساء الأرامل على شهدائها والأيتام على آبائها ، يمنع الناس عن التقرب إلى أجساد الشهداء تاركين أمرها إلى الحيوانات المفترسة ، ويعلو الأجساد التراب ، هكذا كان بالفعل .
الحكمة :
لا شك أن الذي يتمعن في هذه الأبيات لا يجد فيها إلا توطين النفس على البلاء النازل سواء كانت النسبة إلى الإمام الحسين عليه السلام صحيحة أو قلنا بأنها على لسان الحال ، حيث تمكن الشاعر بالفعل حكاية الحال ، وبما أن سلوكية الإمام الوضوح المطلق لأنه يتعامل مع العقيدة ولا يفضل النتائج القصيرة الأمد أو القريبة المنال ، فلذلك يريد أن يثبت معه من يثبت وينصرف عنه من ينصرف عن بينة وقناعة ولا يهمه الزبد الذي يذهب جفاء بل يلتمس ما ينفع الناس وهو الذي يمكث في الأرض وفيه الثبات (1) ، هذا ما يلمسه الدارس لسيرة كل الائمة من آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، فالعمل على عواطف الناس مع التلاعب بالحقائق ليس من شيم أهل هذا البيت الطاهر .

(1) إشارة إلى الآية : 17 من سورة الرعد ، « فأما الزبد فيذهب جفاء ، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض » .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 166

النسبة :
الظاهر أن هذه المقطوعة من النظم على لسان الحال حيث لم ترد في أمهات المصادر ، بل الوارد أنه عليه السلام عندما وصل أرض كربلاء وقت الضحى من يوم الخميس الثاني من محرم توقف فرسه فلم يجر فنزل عنها وركب أخرى فلم تنبعث ولم يزل يركب فرساً بعد فرس حتى ركب سبعة أفراس وهن على هذه الحال فلما رأى الإمام الحسين عليه السلام ذلك سأل عن اسم هذه الأرض فقال له زهير بن القين البجلي إنها تسمى كربلاء ، فعند ذلك تنفس الصعداء وقال : ارض ذات كرب وبلاء ثم قال : اللهم إني أعوذ بك من الكرب والبلاء .
ثم التفت إلى مرافقيه من الصحابة والأنصار والأهل وقال :
أنزلوا :
ها هنا مـنـاخ ركـابـنـا
ها هنا تـسـفـك دماؤنـا
ها هنا والله تهتـك حريمنـا
ها هنا و الله تقتل رجـالـنا
ها هنا والله تذبح أطفـالـنا
ها هنا والله تـزار قبـورنا
ها هنا تخضب لحيتي بدمي
ها هنا والله تقطع أوداجـي
وبهذه التربـة وعدني جدي
ولا خلف لقوله (1) .
هكذا ورد عن مقولته عليه السلام ، أما الأبيات فلم نعثر عليها إلا في المصدرين السابقي الذكر ، فالسيد حسن نور الدين (2) وضع كتابه

(1) نقلناه باختزال عن الجزء السادس من باب السيرة من هذه الموسوعة راجع أيضاً نور العين بمشهد الحسين : 20 .
(2) حسن نور الدين : هو ابن جعفر ، ولد في النبطية ـ جنوب لبنان ، عام 1364هـ ، حاز على شهادة الدكتوراه في الأدب العربي من الجامعة اللبنانية ، له مؤلفات منها : المرشد إلى التعبير والإنشاء ، الشريف الرضي ، طرفة بن العبد .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 167

عاشوراء في الأدب العاملي المعاصر بعد كتاب السيد حسن اللواساني (1) وهو الدروس البهية فتنقل الأبيات منه ، فمصدر النسبة يعود إلى اللواساني فقط وهو لم يسند كلامه إلى مصدر يمكن الرجوع إليه ولولا أنه من العلماء المحققين لم نذكر الأبيات حيث يظهر أنها من لسان الحال .
الإقتباس :
بما أننا نعتقد أنها من لسان الحال فهي مقتبسة من كلمات الإمام التي ذكرنا جانباً منها ، وفي أشعار السيدة زينب عليها السلام والسيدة أم كلثوم عليها السلام والإمام زين العابدين عليه السلام ما يشبه هذه الأبيات فليراجع باب السيرة وديوان القرن الأول من هذه الموسوعة .
واخيراً : فالذي يمكن أن يستفاد من هذه الأبيات فيما إذا كانت النسبة إلى الإمام عليه السلام صحيحة ، إنهم يفصحون عما سيحدث لأصحابهم أولاً ، وإن السياسة الحق هو أن تتعامل القيادة بوضوح مع المرافقين والعاملين معها ثانياً .

(1) حسن اللواساني : هو ابن محمد بن إبراهيم الحسيني ( 1308 ـ 1400 هـ ) ولد ونشأ في النجف من العلماء الأفاضل سكن لبنان بالغازية وإيران ، له مؤلفات منها : تواريخ الأنبياء ، رسالة الشريعة السمحاء ، تاريخ النبي أحمد .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 168

(5)
دارالفناء

1ـ تبارك ذو العلى والـكـبرياء تفرد بالجـلال و بـالـبقـاء
2ـ وسوى الموت بين الخلق طراً فكـلـهم رهـائـن للـفنـاء
3ـ ودنيـانا وإن ملـنا إلـيهـا فطال بها المتاع إلى انقضـاء
4ـ ألا إن الـركـون إلى الغرور إلى دار الـفنـاء من الـعناء
5ـ وقـاطنها سريع الظعن عنها وإن كان الحريص على الثواء
* * *
البحر :
هو من الوافر ( مفاعلتن ×6) دخل على عروضه وضربه القطف فأصبحتا « فعولن » ، كما دخل على بعض تفاعيل حشوه العصب فأصبحت « مفاعيلن » .
القافية : من المتواتر وعليه فالكسرة تقرء بإشباع .
سبب الإنشاء :
لم يذكر في المصادر التي أوردت الأبيات إلا أن الظاهر هو كثرة انغماس الناس بملاهي الدنيا الفانية فأراد بيان مآلها .
التخريج :
المصادر التي أوردت هذه الأبيات على ثلاثة أنواع : الأول وهي التي نسبتها إلى الإمام الحسين عليه السلام ، والثاني هي التي نسبتها إلى الإمام علي بن الحسين عليه السلام ، والثالث : جاءت منسوبة إلى قطب الدين زين العابدين ، والرابع : جاءت غير منسوبة ، وقد فصلنا الحديث عن هذه المجموعة في المقدمة فلا نكرر وإنما نذكر المصادر فقط .
1ـ نصح الأبرار : 1 ( مخطوط ) ، كتاب المخمسات : 1 ( مخطوط ) وعنهما أدب الحسين وحماسته : 47 ، شرح أشعار الحسين : 1( مخطوط ) ، جمال الخواطر : 3/ 9 وعنه ديوان الحسين بن علي : 115 وعنه الألفين : 294 .

دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 169

2ـ الكشكول للبهائي : 3/ 250 وعنه عبير الرسالة : 70 ، ديوان المعصومين : ناسخ التواريخ ( حياة الإمام زين العابدين ) : مكتبة سوس ، التحفة السجادية : ، ديوان السجاد :
3ـ ديوان قطب الدين زين العابدين :
4ـ مجلة مجمع اللغة العربية ( الدمشقية ) : 3/ 579 / السنة : 51 / التاريخ : رجب 1396 هـ عن قصيدة إفريقية الورقة : 1.
عدد الأبيات : لم يختلف اثنان على أنها خمسة أبيات .
السند :
بعد التفصيل الذي قدمناه في التمهيد عن هذه المجموعة لا حاجة إلى التكرار ، نعم نشير إلى أن النسبة إلى الإمام الحسين عليه السلام مرسلة ، وأما نسبتها إلى الإمام زين العابدين عليه السلام فقد جاء في نسخة من ديوان السجاد عليه السلام المستنسخ 7 / محرم / 298 هـ بهذا الإسناد المرسل « روى الزهري أنه حكى عن علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام » .
الراوي :
وعلى ما قدمناه فلا وجود لراوٍ عن الإمام الحسين عليه السلام ، وأما الإمام السجاد عليه السلام فالراوي على ما ذكر هو الزهري محمد بن مسلم بن عبد الله بن شهاب القريشي ( 58 ـ 124 هـ ) الذي كان من أصحاب الإمام السجاد عليه السلام ، كان من أهل الفضل والعلم ، راجع التفاصيل في المقدمة .
النسخ :
قوله « تبارك » ذكر في المجلة أن في الأصل الإفريقي المخطوط جاء « اتبارك » . وتصحيفه واضح .
وقوله : « سوى » جاء في المجلة : « ساوى » فالأول من باب التفعيل والثاني من باب المفاعلة ، وكلاهما يستقيمان وزناً ومعنى .
قوله : « فكلهم » جاء في غير الكشكول والمجلة بالواو ، وما أثبتناه هو الصحيح لأنه فاء الجزاء ، وربما قالوا أن الواو للاستيناف .
وأما قوله « فطال » جاء في المجلة والشرح بالواو .

دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 170

وقوله « إلى الغرور » جاء في الكشكول : « على غرور » ، والأول هو الصحيح ، وجاء في المجلة : « على مرور » إلا أنه من احتماله لأن في الأصل بياض ، وليس بالقوي .
وجاء في ديوان الحسين بن علي « الفناء » بدل « العناء » ، وما أثبتناه هو المعنى المراد ، وفي إثبات « الفناء » تكرار لما قبله وهو معيب .
هذا وجاء في العبير : « وقايظها » بدل « قاطنها » ، والتصحيف فيه ظاهر ، ونظنه من خطأ الطباعة وآثامها .
وقوله : « على الثواء » فقد جاء في الكشكول : « على التواء » مثناة وفي العبير موحده « النواء » ، وكلاهما لا يناسب المقام وهو من التصحيف .
الإعراب :
تبارك : فعل ماض من باب التفاعل .
والعلى : مبني في محل جر بالإضافة .
وجملة « تفرد بالجلال » أما بدل عن الجملة الأولى ، وأما حال من فاعل تبارك الذي هو الله جل جلاله ، فيكون محلها النصب ، والتقدير « تبارك ذو العلى حال كونه متفرداً بالجلال والبقاء » .
وقوله : « سوى » إذا كان بمعنى صير فيأخذ مفعولين الأول « البيت » والثاني شبه الجملة الظرفية « بين الخلق » وإذا كان بمعنى قدر فيكون الموت مفعوله ويكون الظرف متعلقاً بالفعل ولا محل له .
وأما قوله : « طراً » فهو حال من الضمير المستتر في الخلق إذ هو بمعنى المخلوق كما في قوله تعالى : « والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة » (1) فإن جميعاً حال من الضمير في قبضته لأن معناه مقبوضه ، ولا يجوز أن يكون حالاً من الخلق لوجوب كون الحال مبيناً لهيئة الفاعل أو المفعول به والخلق ليس بواحد منهما ، والضمير المستتر في الخلق يعود إلى الألف واللام ، والخلق وإن
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 171

كان بمعنى المخلوق إلا أنه ليس بمفعول للفعل « سوى » .
وأما الفاء من « فكلهم » فهو على الظاهر جزاء لشرط محذوف تقديره إذا سوى الموت بين الخلق فكلهم ، وجاء الضمير في « كلهم » مذكراً من باب الغلبة إذ الخلق شامل لغير ذوي العقول أيضاً ، وإنما جمع الضمير العائد إلى الخلق ، لأن المصدر يتناول القليل والكثير .
قوله : « رهائن » خبر « كلهم » وإنما صح أن تكون الرهائن التي هي جمع الرهينة والتي هي مؤنث الرهين (1) خبر لكل الذي هو مذكر لأن الغالب في الرهن غير العقلاء فنزلهم منزلة غير العقلاء فجمعه على التأنيث ، والجار والمجرور « للفناء » متعلق بالرهائن .
قوله : « فطال » يصح أن يقرء « وطال » أيضاً ، إذ يمكن أن يراد بها الترتيب أو التعقيب وربما أريد منها الجمع فقط .
وأما « إلى انقضاء » لا بد وأن تقرء الألف على الوصل دون القطع وإلا لاختل الوزن .
قوله : « الركون إلى الغرور » الركون اسم لأن ، وهي لا تتعدى بعلى كما جاء في بعض النسخ بل تعديها بحرف الجر « الى » ، قال الله تبارك وتعالى : « ولا تركنوا إلى الذين ظلموا »(2) وقال أيضاً : « لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً »(3) وقد يتعدى بحرف الجر « في » فيقال : ركن في المنزل أي ضن به فلم يفارقه (4) ، ولم يرد في اللغة تعديه بحرف الجر « على » كما في بعض النسخ .
الحريص : خبر كان ، والمعنى وإن كان القاطن حريصاً على الثواء ، وإنما جيء بالألف واللام لمزيد التخصيص .

(1) الرهين : وجمعه يأتي على رهناء مثل كريم وكرماء .
(2) سورة هود ، الآية : 113 .
(3) سورة الإسراء ، الآية : 74 .
(4) لسان العرب : 5/ 305 .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 172

اللغة :
إن قوله « تبارك » من الاشتقاقات التي استخدمها القرآن الكريم لأول مرة إذ لم نعهده في نص فصيح قبل القرآن المجيد ، وقد وردت الكلمة بهذه التفعيلة تسع مرات في القرآن العزيز بينما وردت اشتقاقاته الأخرى ستاً وعشرين مرة ، ولا يستخدم اللفظ إلا مع لفظ الجلالة أو صفاته جل وعلا ، فمن الأول : « تبارك الله رب العالمين »(1) ومن الثاني : « تبارك الذي بيده الملك » (2) ، ومشتقاته الأخرى أربعة « بارك » (3) و« بورك » و « بركات » و « مبارك » وجذر هذه الاشتقاقات هو « برك » وهو بمعنى الثابت الذي لا يزول وجاء « تبارك » فعل ماضي من باب التفاعل الدال على وقوع الأمر بين طرفين أحدهما الفاعل والآخر المفعول وفيها من التظاهر كما لا يخفى ، وقد فسر المفسرون الكلمة بأنها من الثبات الذي لا يزول ، كان ولم يزل وما يزال ، وفصل الطوسي لدى تفسيره لها قائلاً : « وأصل الصفة من الثبوت ، ومن البرك ، وهو ثبوت الطائر على الماء ومنه البركة : ثبوت الخير بنائه ، وقيل : معناه تعاظم بالحق من لم يزل ولا يزال وهو راجع إلى معنى الثابت الدائم ، وقيل : المعنى تبارك من ثبوت الأشياء به ، إذ لولاه لبطل كل شيء لأنه لا يصح شيء سواه إلا مقدوره أو مقدور مقدوره ، الذي هو القدرة ، لأن الله تعالى هو الخالق لها ، وقيل : إن معناه تبارك لأن جميع البركات منه ، إلا أن هذا المعنى مضمن في الصفة غير مصرح به ،

(1) سورة الأعراف ، الآية : 54 وسورة المؤمنون ، الآية : 14 ، وسورة غافر ، الآية : 64 .
(2) سورة الملك ، الآية : 1 ، وسورة الفرقان ، الآيات : 1 و 10 و 61 وسورة الزخرف ، الآية : 85 وغيرها .
(3) مبارك وباركنا : منها قوله تعالى : « وبارك فيها » [ فصلت : 10 ] و « الذي باركنا حوله » [ الإسراء : 1 ] ، وبورك كما في قوله تعالى : « إن بورك من في النار » [ النمل : 8 ] ، وبركات كما في قوله تعالى : « لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض » [ الأعراف : 96 ] ، وقوله تعالى : « رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت » [ هود : 73 ] ، ومبارك كما في قوله تعالى : « وهذا كتاب أنزلناه مبارك » [ الأنعام : 92] ، وقوله تعالى : « من شجرة مباركة » [ النور : 35 ] .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 173

وإنما المصرح به تعالى باستحقاق التعظيم » (1) .
ويبدو أن الخلاف وقع في معنى اللفظ ودلالته في أصل الجذر اللغوي له ، وهو « البرك » حيث يطلق على مبارك الإبل ، فمنه يقولون : برك البعير يبرك بروكاً ، ونَصّ الخليل (2) على أن البرك يقع على ما برك من الجمال والنوق على الماء أو بالفلاة ، من حر الشمس أو الشبع ، الواحد بارك والأنثى باركة (3) ، غير أن ابن فارس (4) لا يقرن هذا اللفظ بذاك ، فهو يقول : وتبارك الله تعالى ، أي ثبت الخير عنده ، فمعادن الخير عنده وفي خزائنه ، وقال قوم : تبارك بمعنى : علا (5) .
ولكن الذي يستشم من الجذر والمشتقات أن القاسم المشترك بينها هو الثبات وكأن الإبل تثبت مواقعها على الماء أو عندما تحط على الأرض فإنما هي تثبت لنفسها موقعاً ، وكذلك عندما نقول : تبارك الله ، أي أنه سبحانه ثبت له الوجود وثبتت لوجوده الصفات وبه ثبوت الأشياء ، وعلى أية فإن متعلقه عندما يكون الله جل جلاله فيكون كأصل وجوده ثابت كما في سائر الصفات ، وأما من فسره بالعلو فإنه أخذ بالنتائج فإن كل من كان وصفه بهذه المعاني التي ذكرناها فهو تعالى وإلا فإن استخدامه مع كلمة تعالى يكون من التكرار ، وإنما قيل للبركة بركة بالكسر بمناسبة التصاقه بالمكان الذي تبرك الدابة حيث أن بطنها هي الملاصقة

(1) التبيان : 10 / 57 .
(2) الخليل : هو ابن أحمد الفراهيدي الأزدي ( نحو 100 ـ 175 هـ ) ولد في عمان ، كان من أئمة اللغة والعروض والبلاغة بل جميع العلوم العربية ، وكان من علماء الإمامية ، أول من وضع العروض ، وكتابه العين أقدم كتب اللغة
(3) راجع العين : 1/ 186 .
(4) ابن فارس : هو أحمد بن فارس بن زكريا القزويني الرازي ( 329 ـ 395 هـ ) من علماء النحو واللغة وكان إماماً في علوم شتى كما فيهما ، له مصنفات كثيرة منها : كتاب الحجر ، مسائل في اللغة ، سنن العرب ، توفي بالري .
(5) مجمل اللغة : 1/ 254 .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 174

فقيل لها بركة ، ومنها جاءت بركة الماء ، وفيها معنى ثبات الماء بها أيضاً .
وأما البركة بفتحتين والمراد بها النماء والزيادة فهما من نتاج الثبات ، وعندما تقول تبارك الله تريد القول بأنك تزداد تعظيماً له سبحانه كلما ذكر صفة من صفاته ، أو ذكر نعمة من نعمه ، وقالوا بأن معناه ثبت ودام واستحق وتقدس ، وكلها صادقة على الله سبحانه سواء بالحقيقة أو المجاز أو بالمآل ـ في اللغة ـ .
العلى : مصدر بمعنى الارتفـاع واسم الفـاعل منه العلي ، وأصله عليو على زنة رحيم قلبت الواء ياء (1) وهي من الأسماء الحسنى .
وأما الكبرياء : فهو الترفع عن الانقياد ، وهو من صفاته جل وعلا ، وقد ورد في الحديث القدسي : « الكبرياء ردائي والعظمة أزاري .. » (2) .
الجلال : العظمة لأنه الغني والملك القدوس العالم والقادر وغيرها ، أراد أنه تفرد بنعوت الجلال .
البقاء : هنا يراد منه في قبال الموت الذي كل نفس ذائقة له ، فلله سبحانه وجوده مستمر لا يأتيه الموت والفناء فهو الباقي المطلق بذاته وأما قوله : « سوى » فقد يكون بمعنى صير ، وباب التفعيل يأتي لبيان التكثير والمبالغة ، وقد يكون بمعنى التسوية بين أفراد الخلق في أمر الموت ، وعندئذ هو و سـاوى بمعنى واحد إلا أنه من باب المفـاعلة ، ومن الأول قولـه تعـالى : « فسواهن سبع سماوات »(3) ، ومن الثاني الذي مأخوذ من التسوية وهو التعديل قوله تعالى : « هل يستوي الأعمى والبصير » (4) . قوله : « الخلق »

(1) وذلك لأنه سبقت احداهما الأخرى بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء .
(2) بحار الأنوار : 1/ 152 .
(3) سورة البقرة ، الآية : 29 .
(4) سورة الأنعام ، الآية : 50.
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 175

بمعنى المخلوق وهو يشمل الجماد والنبات والحيوان والإنسان والملائكة والجن وغيرها .
قوله : « طراً » بالضم مأخوذ من الجذر « طرر » الدال على الحد ، والاستطالة والامتداد (1) ، ومن ذلك قولهم : « طر السنان » إذا حدده ، والسنان المطرور هو الذي كان محدداً ، ورمى فلان فأطر ، أي انفذ ، والطر هو الشل والطرد أيضاً .
هذا وقد ربط القدماء بين الطر والغضب فقالوا : الغضب المطر ، أي الذي تكاثر من جميع الأرجاء ، واستعاذوا بالله منه ، والطر : اللطم أيضاً .
ولكن طراً بهذه الصيغة مضموناً يأتي بمعنى جميعاً وموقعها في الكلام أنها تأتي حالاً ، وفيها من العمق في المعنى ما لا يوجد في الاشتقاقات الأخرى ، وعمقها يكمن في القوة والحسم والدلالة ، وقد استخدمها الإمام الحسين عليه السلام في مناجاته التي سنأتي عليها في قافية الكاف ـ من الوافر ـ :
تركت الخلق طراً في هواكا وأيتمت الـعيال لكي أراكا
فاللفظة حاسمة جامعة أكثر من غيرها مما هو دال على الجمع الشامل المستقصي لكل الأفراد .
وإذا أرادوا أن يثنوا على الرجل من حيث جلادته وقوته قالوا : « أطري انك ناعلة » (2) يضرب به المثل للمذكر والمؤنث ، ومعناه : اركب الأمر الشديد فإنك قوي وقادر عليه .
رهائن : جذره « رهن » دال على الثبات ـ خلاف الحركة ـ والاحتباس ، ومنه « نعمة الله راهنة » أي ثابتة ، ويقال رهن الشيء بالمكان أي أقام به ، والراهن هو الثابت المتين ، والدائم من كل شيء ، وما دامت ثابتة فهي قوية فلذلك يقال : « هذه حجة راهنة »

(1) مقاييس اللغة : 3/ 409 .
(2) مجمع الأمثال : 1/ 216 .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 176

أي قوية ، وهذا يقتضي أن تكون الرهينة هي الأقوى ليقنع المرتهن من الراهن بقبولها سواء كان حقاً أو غير حق .
وعلى أية حال فإن الرهين ثابت وملازم بنحو الاحتباس الذي لا يمكن التخلي عنه ، ومنه قوله تعالى : « كل امرئ بما كسب رهين » (1) وقال جل وعلا : « كل نفس بما كسبت رهينة » (2) فإن ما يكسبه الإنسان خيراً كان أم شراً يلازمه دائماً وأبداً ، دنيا وآخرة ، فلا فكاك منه إطلاقاً . الفناء : هي مرحلة أعظم من الموت وتترتب عليه ، كما أن البقاء مرحلة بعد الحياة .
دنيانا : الدنيا بالإضافة إلى أصحابها وهم نحن ، سمي بذلك لدنوه إلينا أو لدناءتها ، وهي من الألفاظ التي كثر الخلاف فيها أو حولها واستطال بين أهل اللغة والتفسير قديماً وحديثاً ، ولعل القول الفصل في ذلك أنها من القرب والانحطاط ، ألا ترى أنهم قرنوها بـ « الدنية » و « الدناءة » فكأن هذه من تلك ، ولا يعني هذا إلا شيئاً واحداً ، والدنيى مؤنث الأدنى مثل الكبرى والأكبر (3) .
المتاع : كل ما ينتفع من عروض الدنيا كثيرها وقليلها بل كلما ينتفع منه قليلاً وغير باق . ومنها قولهم : « إنما حياة الدنيا متاع » .
الركون : لعل كلمة « الركن » متقدمة على سائر الكلمات التي تحمل هذه المادة فيكون الركن بالضم الجذر الحقيقي لها ، والركن : هو الجانب الأقوى من الشيء ومنه قول الله جل وعلا : « قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد » (4) أي آوي إلى الجانب الذي فيه العز والرفعة والقوة ، وعليه فالفعل منه جاء باعتبار التوجه إلى من يملك هذه القوة والقدرة فتقول ركن إلى الله

(1) سورة الطور ، الآية : 21 .
(2) سورة المدثر ، الآية : 38 .
(3) أي إنها صيغة افعل التفضيل .
(4) سورة هود ، الآية : 80 .

السابق السابق الفهرس التالي التالي