دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 177

باعتباره مركز القوة الحقيقية والعز الذي لا نظير له ، فتولد من ذلك معنى الميل ، ومنه قوله تعالى : « ولا تركنوا إلى الذين ظلموا » (1) أي لا تميلوا ، ويأتي في نفس السياق بمعنى سكن ووثق به ، والركن من الإنسان قوته وشدته ، وركن البيت ما يستند عليه قوامه ، والركن من كل شيء مركز القوة منه .
الغرور : بالفتح من أوصاف هذه الدنيا (2) ، وهو ما يسبب الانخداع ، ومنه قوله تعالى : « فلا تغرنكم الحياة الدنيا ، ولا يغرنكم بالله الغرور » (3) وبالضم « الغرور » مصدر بمعنى ما اغتر به من متاع الدنيا (4) ، الخداع ، وفيه احتمال آخر اشتقاقاً ومعنى ولعل الغرور بالفتح اسم مصدر (5) ، وربما من أوردها « على غرور » قرأها بالرفع ليناسب حرف الجر « على » ، والمعنى وهو على غرور ، بمعنى أنه مغتر .
العناء : المشقة والتعب .
والقاطن : من قطن بمعنى أقام بالمكان واستوطنه .
الظعن : مصدر بمعنى السير والرحيل .
الثواء : جذره « ثوى » يقال ثوى في المكان وبه أقام .
التصوير الفني :
يصور لنا الشاعر كيف أن تلك الصفات ثابتة في الله الخالق وهو المتصف بأنه ذو العلى والكبرياء وأنه المتفرد بالجلال والبقاء بينما المخلوق بكل أشكاله مصيره إلى الموت ثم إلى الفناء ،

(1) سورة هود ، الآية : 113 .
(2) في قاموس المحيط : 2/ 143 . « الغرور : الدنيا » ، وفي تاج العروس : 13 / 215 « صفة غالبة للدنيا » .
(3) سورة فاطر ، الآية : 5 .
(4) لسان العرب : 10 / 41 .
(5) اسم المصدر : هو اسم الجنس المنقول عن موضوعه إلى إفادة الحدث كالكلام والثواب حيث كان اسم لغير الحدث ثم استعمل للحدث وذلك لأنه في الأصل اسم للملفوظ من الكلمات ثم نقل إلى معنى التكليم ، والثواب كان في الأصل اسماً لما يثاب به العمال ثم نقل إلى معنى الإثابة ـ راجع شرح شذور الذهب : 412 .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 178

فالبيت الأول يحتوي على « تبارك » و « العلى » و « الكبرياء » و « الجلال » و « البقاء » وهي ألفاظ قوية الجرس قوية المعاني ، ويقابلها في البيت الثاني « طراً » و « الرهائن » و « الفناء » وهي جميعاً تتضمن معنى الحسم والقطع ، أي القوة المعنوية المتناسبة مع قوة الألفاظ ، لتقابل الصفات المذكورة في البيت الأول ، ثم تأتي كلمة « الفناء » بفراغها المهول وهوتها التي بلا قرار لتعادل لانهائية الجلال ، وتقابل « البقاء » .
ثم إن الشاعر ينتقل إلى وصف هذه الدنيا التي لا بقاء فيها ولا قرار وتلك هي مفارقة أخرى ، وهي مفارقة مفجعة أن نميل إليها ، ولا تميل إلينا ، وأن نركن إليها وهي في ذاتها لا ركن لها ولا قرار فهي أيضاً زائلة فانية ، ثم يأتي على ذكر الدنيا بصفتين متأصلتين فيها بشكل أصبحتا لا يفهم منهما إلا هي بل تأتي على سبيل البدلية ألا وهي الغرور ودار الفناء ، ويصور كيف أن الإنسان يركن إليها وهي كالسراب الذي يتعبه وما أن يصل إليه لا يجد مبتغاه ، فهي تخدع الإنسان في النهاية وليست بالوفية معه كما هو الحال في الشيطان (1) الذي عبر عنه الله جل وعلا : « كمثل الشيطان إذ قال للإنسان أكفر فلما كفر قال : إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين »(2) ويقول في آية أخرى : « والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً و وجد الله عنده فـوفاه حسابـه والله سريع الحساب »(3) .
ثم ينتقل إلى مقطع آخر ليصور لنا كيف حال القاطنين في هذه الدنيا وكيف هم حريصون على البقاء بها ومتشبثون ولكنهم سرعان ما يرحلون عنها .

(1) لا يخفى أن من معاني المصداقية للغرور بالفتح الشيطان .
(2) سورة الحشر ، الآية : 16 .
(3) سورة النور ، الآية : 39 .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 179

الشرح والمعنى :
لقد ثبت باستحقاق جميع الصفات الكمالية لله وبذلك استحق التعظيم حيث هو صاحب الخير كله ومنشؤه منه ، فهو ذو العلى والرفعة وصاحب الكبرياء الذي ترفع عن الأنقياد ، وقد تفرد سبحانه بهذه الصفات وبالجلال والعظمة وبأن البقاء له وحده ، وهو الخالق لكل شيء غيره ، وهو الذي قدر لهم الموت وساوى فيه بين جميع مخلوقاته بكل فصائلها وأشكالها فلا ريب أنهم آيلون إلى الموت ثم إلى الفناء .
وإن ما ينتفع به الإنسان في هذه الدنيا وإن طال فهو غير باق ومصيره الزوال ولكن كثيراً من الناس لا ينظرون إلى هذه الدنيا على أنها دار عمل وإن من بعدها حياة أخرى باقية خالدة ، لذا تراهم يستنفرون كل أطماعهم وجشعهم وظلمهم وعدوانهم لاغتصاب حقوق الآخرين وتسخيرهم لخدمتهم ، وبذلك تتحول الدنيا إلى ذلك المعنى المرادف للدنية والدناءة ، وأما إذا نظرنا إلى الدنيا بالاعتبار الذي حدده الله تبارك وتعالى لها بقوله : « وابتغ فيما آتاك الله دار الآخرة ولا تنسَ نصيبك من الـدنيا » (1) فإنها حينذاك تكون شيئاً آخر ويفهم بأنها كما قال عنها الإمام أمير المؤمنين عليه السلام : « اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا » (2) ويعلم بأن « الدنيا مزرعة الآخرة » (3) .
فتلك الدنيا التي لا ركن لها حيث لا يوجد فيها ما يستقوي به لا يصح الركون والميل إليها ، فإن من يركن إليها وهي دار زوال إنما يتعب نفسه ويعذبها من غير طائل وذلك هو العناء الأكبر حيث ان الإنسان لو أتعب نفسه وعناها ووصل إلى بغيته التي تدوم له لكان لعنائه مبرر ومسوغ أما أن يتعب ويكد ثم لا يحظى إلا بالسراب والخديعة فتلك إذاً قمة مأساة البشر .

(1) سورة القصص ، الآية : 77 .
(2) بحار الأنوار : 44 / 139 .
(3) بحار الأنوار : 67 / 353 .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 180

نعم ان أهل الدنيا حريصون عليها شديدو الكلَف بها ولكن أنى تدوم لهم وهي دار الفناء وهم سرعان ما يرحلون عنها فكأنهم فيها على سفر دائم لا على إقامة واستقرار .
الحكمة :
ما وراء هذه المقطوعة أن لا ينجر المرء نحو مباهج هذه الدنيا الفانية ويجعل نفسه رهينة لها على حساب سعادته الأبدية في الآخرة .
النسبة :
سبق وتحدثنا في المقدمة عن هذه المخمسات ، فلو ثبت أنها للمعصوم عليه السلام فهي إلى الإمام السجاد عليه السلام أنسب .
الإقتباس :
قال أمير المؤمنين عليه السلام من الطويل في عقد الأمل بالدنيا الفانية :
تؤمل في الدنيا طويلاً ولا تدري إذا جن ليل هل تعيش إلى الفجر (1)
وقال أيضاً في غرور الدنيا من الطويل :
تحرز من الدنيا فإن فناءها محل فناء ، لا محل بقاء
فصفوتها ممزوجة بكدورة وراحتها مقرونة بعناء (2)
ويقول عن سرعة زوال الدنيا من الرمل :
إنمـا الـدنيا كـظـل زائـل أو كضيف بات ليلاً فارتحل
أو كـطـيف قد رآه نـائـم أو كبرق لاح في أفق الأمـل (3)
ويضيف في آخرى من الرجز :
مـا الدهر إلا يقظة ونوم ولـيلـة بينهمـا ويـوم
يعيش قـوم ويموت قوم والدهر قاض ما عليه لوم (4)
ويقول أبو العتاهية من الكامل عن سرعة انقضاء الدنيا :

(1) روائع الحكم في أشعار علي بن أبي طالب : 49 .
(2) روائع الحكم في أشعار علي بن أبي طالب : 81 .
(3) روائع الحكم في أشعار علي بن أبي طالب : 83 .
(4) روائع الحكم في أشعار علي بن أبي طالب : 86 .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 181

جمعوا فما أكلوا الذي جمعوا و بنوا مساكنهم فما سكنوا
فكأنهم ظـعن بهـا نـزلـوا لما استراحوا ساعة ظعنوا (1)
وله أيضاً في أن الموت يقع على كل حي ومخلوق وهو من الخفيف :
كـل حي إلى الـممـات يصير كل حي من عيشـه مغرور
لا صغير يبقى على حادث الدهر ولا يـبـقـى مـالك وقدير (2)
وقال في أخرى من الطويل :
ألا كل مـولـود فللموت يولد و لست أرى حياً لشيء يخلد (3)
وأخيراً : إذا كانت الأبيات للمعصوم عليه السلام سواء كان الأب أو الابن فالذي يمكن معرفته منها هو « كراهية الركون إلى الدنيا » .

(1) ديوان أبي العتاهية : 273 .
(2) ديوان أبي العتاهية : 103 .
(3) ديوان أبي العتاهية : 74 .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 182




دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 183


قافية الباء


وفيها سبع مقطوعات :
1ـ المفتوحة 3 أبيات (6) بحار الموت
2ـ المضمومة 4 أبيات (7) سكينة والرباب
3ـ المضمومة 12 بيت (8) أأدهن رأسي
4ـ المضمومة 10 أبيات (9) ذهب الذين أحبهم
5ـ المكسورة 2 بيتان (10) بني رباب
6ـ المكسورة 9 أبيات (11) انا الحسين
7ـ المكسورة 5 أبيات (12) التزود

دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 184




دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 185

الباء المفتوحة
(6)
بحار الموت

1ـ إذا المرء لا يحمي بنيه و عرسه و عترتـه كان اللئيـم الـمسببـا
2ـ و من دون ما يبغي يزيد بنا غداً نخوض بحار الموت شرقا ومغربا
3ـ و نضرب ضرباً كالحريق مقدماً إذا مـا رآه ضـيغم فر هـاربـا
* * *
البحر :
هو الطويل « فعولن مفاعلين ×4 » إلا أن ضروبه وعرضه دخل عليهما القبض فأصبح « مفاعيلن » بعد حذف الياء الساكنة « مفاعلن » ، وقد وجب الالتزام به وقد تقدم الحديث عن ذلك فلا نكرر .
القافية : من المتدارك .
سبب الإنشاء :
يروي الخوارزمي وأبو مخنف أن الإمام الحسين عليه السلام لما خرج من المدينة (1) إلى مكة لزم الطريق الأعظم فجعل يسير وهو يتلو قـوله تعالى (2) : « فخرج منها خائفاً يترقب ، قال رب نجني من القوم الظالمين » (3) فقال له ابن عمه مسلم بن عقيل (4) : يابن رسول الله لو عدلنا عن الطريق وسلكنا غير الجادة (5) كما فعل عبد

(1) كان خروجه من المدينة ليلة الأحد : 29 / رجب / 60 هـ الموافق : 6 / 5/ 680 م ـ راجع المفكرة الحسينية من هذه الموسوعة .
(2) سورة القصص ، الآية : 21 .
(3) مقتل الحسين للمقرم : 140 .
(4) مسلم بن عقيل : حفيد أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي ولد نحو عام 7 هـ في المدينة واستشهد في الكوفة في التاسع من ذي الحجة عام ستين للهجرة وهو في سفارته من قبل أبي عبد الله الحسين عليه السلام كان شجاعاً فارساً وخطيباً شاعراً ، ومجاهداً صنديداً وتقياً عالماً .
(5) في مقتل الحسين لأبي مخنف : 25 « لو سلكت الطريق الأقرع لكان أصلح » .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 186

الله بن الزبير (1) ، كان لي عندي خير رأي فإني أخاف أن يلحقنا الطلب ، فقال له الحسين عليه السلام : لا والله يابن عم لا فارقت هذا الطريق أبداً أو أنظر إلى أبيات مكة ويقضي الله في ذلك ما يحب ويرضى (2) وقال عليه السلام فيما قال : أخاف أن أحيد الطريق حذر الموت وأنشأ الأبيات (3) .
التخريج :
مقتل الحسين لأبي مخنف : 25 ، وعنه وعن هامش مهيج الأحزان : 106 ، قادتنا : 6/ 62 ، وعنه عبير الرسالة : 65 ، ينابيع المودة : 2/ 159 ، هامش الفتوح : 5/ 36 ، عن مقتل الحسين لأبي مخنف ، ناسخ التواريخ ( حياة الإمام الحسين ) : 2/ 16 وعنه أدب الحسين وحماسته : 25 ، ويعتبر مقتل الحسين لأبي مخنف هو أقدم المصادر .
عدد الأبيات : كل المصادر أوردتها ثلاثة أبيات باستثناء ينابيع المودة حيث اقتصر على البيت الأول .
السند : ينتهي السند إلى أبي مخنف ومنه إلى الإمام الحسين عليه السلام مرسل .
الراوي : هو أبو مخنف لوط بن يحيى الأزدي المتوفى عام 157 هـ .
النسخ :
جاء في الفتوح والينابيع « لم يحم » بدل « لا يحمي » ، يصح المعنى إلا أن الوزن لا يستقيم إلا بإشباع الكسرة من الميم وهو مناف مع الجزم أساساَ .
قوله : « وعرسه » جاء في الينابيع « وعرضه » .
وأما قوله : « وعترته » فقد جاء في الفتوح والينابيع « ونسوته » .

(1) عبد الله بن الزبير : حفيد العوام القرشي الأسدي (1ـ 73 هـ ) وهو أول مولود في المدينة بعد الهجرة ، قتل على يد الجيش الأموي في مكة عندما أعلن استقلال الحجاز عن الدولة الأموية ، وكان قد استتب له الأمر نحو 9 سنوات .
(2) النص للخوارزمي في مقتل الحسين : 1/ 189 .
(3) مقتل الحسين لأبي مخنف : 25 .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 187

وحرف الجر « من » أبدل في الفتوح بـ « في » وليس بشيء .
جاء في مقتل أبي مخنف : « ينعى » وفي الناسخ « نبغي » بدل من « يبغي » وكلاهما لا يصحان .
وأما « يزيد » فقد أوردها الناسخ بالراء المهملة بدلاً من الزاي المعجمة وبذلك تكون الكلمة فعلاً لا علماً .
جاء في الفتوح : « حياض الموت » يصح أيضاً ، وربما أراد البعض القول بأن الأصل هو « غمار الموت » وربما جاء « بحار الموت » من التصحيف .
وجاء في الناسخ « شرفاً » بالفاء الموحدة بدلاً من القاف المثناة وتصحيفه ظاهر .
وقوله : « مغرباً » كل المصادر ذكرته مع واو العطف إلا قادتنا ، ولكنه من التصحيف لأن المعنى والوزن لا يستقيمان إلا به ولأن الأصل الذي اعتمد عليه ذكره مع الواو
واما قوله : « فر » فقد اوردها الفتوح : « راح » ولعله افضل من فر لما إن الهروب والفرار واحد ، وغالب المصادر ذكرته « فر » .
وقوله : « هارباً » في كل المصادر باستثناء الفتوح جاء « مهرباً » ولا وجه له .
الإعراب : قوله : « مسبباً » صفة لـ « اللئيم » الذي هو خبر كان .
اللغة :
العرس : بالكسر إمرأة الرجل وأهله ، وعرس المرأة رجلها ، وأصله الإلفة والمؤالفة وسائر المعاني جاءت لتحقيق هذا المعنى ولذلك تحوم حومه وتحصيل لهذا الأمر ، وهناك من اختار لفظة « العرض » بدلاً من « العرس » في هذه المقطوعة وهي بمعنى ما يصونه ويحافظ عليه ، وكثيراً ما يخصص بحريم الرجل ونساءه ، وعترة الرجل : ولده وذريته ، وعشيرته ، ومن ذكر « نسوته » بدل « عترته » فهو يناسب « عرضه » .
اللئيم : الدنيء الأصل وخلافه الكريم .
المسبب : اسم مفعول من السب وهو الشتم ، والقطع .
دون : اسم بمعنى القرب ويستعمل معها من لمزيد التأكيد ، تقول :
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 188

دون ذلك أي أقرب منه ، وغالباً ما يستخدم لصعوبة الأمر المقدم عليه حيث يراد بأن أقل منه صعب فكيف به ، ومنه المثل العروف « دونه خرط القتاد » أي أقرب منه ( أي أقل منه ) خرطه للقتاد (1) فكيف به ، ويستخدم بمعنى غير كما في قوله تعالى « ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً » (2) أي من غير الله ، والمعنى الأول هو المراد به هنا ، وعلى كلا التقديرين دون اسم لدخول من عليها .
بحار الموت : أراد المبالغة كما يتضح من بعده شرقاً ومغرباً ، أي بحاراً من الدم .
مغرباً : أراد غرباً وكلاهما بمعنى واحد وهو مكان غروب الشمس ، ولكن المألوف استخدام الغرب مع الشرق والمغرب مع المشرق ، ولكنه لم يفعل ذلك للضرورة الشعرية .
الحريق : على زنة فعيل اسم من الاحتراق ، ويطلق على الشيء المحرق فيكون اسم مفعول ، وجذر الكلمة « حرق » تعني بالإضافة إلى الحرق بالنار هو الحرق بالمبرد أي برده ، وحك بعضه ببعض ، ويبدو أن كلاهما يؤدي إلى مؤدى واحد ، والمقصود المباشر هنا هو المعنى الثاني ليتناسب مع الغرب والقتال بالسيف .
المقدم : من كل شيء أوله من الإنسان وجهه ومن الجيش الكتيبة الأولى منه ومن هنا قيل للناصية والوجه المقدمة ، كما قالوا لديباجة الكتاب المقدمة .
الضيغم : من أسماء الأسد ، ولعله إنما سمي بذلك لأنه يعفى الشيء بملء فمه ، ولذلك يقال : « ضغمه ضغمة الأسد » ، والمراد به الشجاع الفتاك .

(1) القتاد : شجر له شوك أمثال الأبر ، والخرط هو جذبك بالكف أغصان هذه الشجرة .
(2) سورة البقرة ، الآية : 165 .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 189

هارب : هو الفار ، وقد كرره للتأكيد إلا أنه أتى به بصيغتين ولفظين وهو بمثابة قولك هرب هرباً أو هروباً وفر فراراً وفاراً .
التصوير الفني :
يحمل البيت الأول حكمة عرفها المجتمع العربي والإنساني حيث يقال إن المرء الذي لا حمية له من أجل أهله سبه الناس وثلبوه وعابوا عليه ذلك .
ومن الجدير ذكره أن الشاعر اعتبر جميع الأمة بجنسيها اللطيف والخشن بمثابة عياله وذويه وعرضه وناموسه ، ومن هنا جاءت عظمة الشاعر .
والبيت الثاني يحمل اعتزازاً بالنفس وثقة ما فوقها ثقة حيث يرى في نفسه القدرة على أن يحمي هذه الأمة ويحول دون وصول الطاغي إلى مآربه وهو كرامة الأمة في خوض غمار الحرب غرباً وشرقاً ، ولعل من التنبؤ الصادق الذي قامت بعده انتفاضات وثورات إثر نهضته المباركة .
وفي البيت الثالث يفتخر بالشجاعة التي يمتلكها لأنه صاحب حق ولم يخرج أشِراً ولا بطراً وإنما خرج لطلب الإصلاح في أمة جده (1) .
الشرح والمعنى :
لا حاجة إلى الشرح وبيان المعنى المراد بعدما قدمناه ولكن بإيجاز أن الإمام إن صحت نسبة هذه الأبيات إليه أجاب على مقولة ابن عمه مسلم بن عقيل باتجاهين : الأول أنه قادر على حماية هذا الركب الذي صحبه ، والثاني : أنه لا يرضخ لمثل يزيد فإنه سيحول دون تنفيذ مخططه الجهنمي لهدر كرامة الأمة وإعادة الجاهلية .
الحكمة : تحديد هدفه في مقاومة يزيد وآلية هذه المقاومة .
النسبة : هناك احتمالان لا ثالث لهما : الأول أن يكون من التمثيل حيث لا

(1) إشارة إلى قوله عليه السلام في كتاب وصية كتبها لأخيه ابن الحنفية كان منها : « وإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً ، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي » ـ راجع مقتل الحسين للمقرم : 139 وفصل الرسائل في باب كلمات الحسين من هذه الموسوعة .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 190

أحد يشكك بصدور الأبيات وإنشاد الإمام لها ، وهناك بعض النصوص ذكرت هذا الشعر بصيغة الإنشاد لا الإنشاء ، الثاني أن يكون من إنشاء الإمام عليه السلام وصنعه كما ورد في أكثر المصادر وبالأخص القديمة منها بصيغة الإنشاء الدال على أنها له ، وربما ذكره ليزيد فيها يكون مؤيداً للاحتمال الثاني ، وإن كانت بعض النسخ جاءت « يريد » بالراء المهملة ، أو يقال بأنها لغيره وإنما تصرف فيها ليربطها بقضيته إلا أنه خلاف الظاهر .
ولعل هناك من ينكر نسبتها إلى الإمام عليه السلام للأسباب التالية :
1ـ ليست من عيون الشعر العربي ، 2ـ ليس فيها الأسلوب القراني ، 3ـ فيها الكثير من اللحن ، 4ـ صيغتها محددة بالأهل والعيال فلا يناسب مقام الإمامة .
ولكن بعد القبول بأن لا ضرورة أن يكون شعر الإمام من عيون الشعر كما سبق وتحدثنا عن ذلك وإلا لأنكرنا كل ما نسب إليهم من الشعر أولاً ، وإن الأسلوب القرآني لم يكن دائماً هو المستخدم في الشعر ، ففي الرجز المنسوب إليهم في دائرة الحرب لا يتصف بأسلوب قرآني ، كما أن التفاخر وإظهار القوة من الألحان القرآنية إذا كانت في سبيل الحق ثانياً ، وأما مسألة اللحن فقد تمكنا من السيطرة عليها بعد اختيار النسخة المناسبة ، وكلها يعود إلى التصحيف ثالثاً ، وأما ان صيغتها محدودة فهذا إنما يتم إذا أردنا تفسيرها تفسيراً جامداً ، وأما إذا أردنا استخدام الأدب والمجاز والمبالغة وتنزيل الشيء منزلة شيء آخر (1) فهو

(1) فقد قالوا : بأن ثورة الإمام الحسين عليه السلام لم تكن من أجل أن يحمي أبناءه وعرسه أي امرأته وأهل بيته وإنما كانت ثورته من أجل الأمة والحق ، وقالوا أيضاً : إنه في مجال الافتخار الذي لا يصح صدوره إلا من قبل قائد جيش يغطي الآفاق كثرة وسلاحا ، وليس ذلك هو واقع ثورة الإمام الحسين عليه السلام حيث لم يكن معه إلا نفر ضئيل هم صفوة الأمة الإسلامية آنذاك فلا مجال لخوض غمار الموت شرقاً وغرباً ، فإن فيه مبالغة هائلة في البيت لا يسمح بها واقع الحال ، ولا يقدم على قبول مثلها الإمام الحسين عليه السلام .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 191

المطلوب كما في قوله تعالى : « يد الله فوق أيديهم » (1) وقد فسرناها باللامحدود كما عرفت وبالمعاني المجازية والأدبية رابعاً ، ومع ما ذكرناه لا نستبعد النسبة إليه عليه السلام وإن كان لا يمكننا البت بذلك ولكن لا يمكننا نفيه أيضاً .
الإقتباس :
يقول السموأل (2) من الطويل :
إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه فـكـل رداء يرتديـه جمـيـل (3)
وإن هو لم يحمل على النفس ضيمها فلـيس إلى حسن الـثنـاء سبيل (4)
إلى أن يقول :
فإن بني الريان قطب لقومهم تدور رحاهم حولهم وتجول (5)
ويقول مرة بن ذهل (6) من الوافر :

(1) سورة الفتح ، الآية : 10 .
(2) السموآل : هو ابن غريض بن عادياء الأزدي المتوفى نحو عام 65 ق . هـ ، من سكان خيبر شمالي المدينة المنورة ، كان يتنقل بينها وبين حصن له سماه الأبلق ، وله شعر جيد ، وجمع له ديوان وطبع باسمه .
(3) وقد خمس القصيدة التي أخذنا منها هذه الأبيات صفي الدين الحلي وقال :
قبيح بمن ضاقت عن الرزق أرضه وطول الفلا رحب عليه وعرضه
ولم يبل سربال الدجى منه ركضه
(4) وقال صفي الدين في التخميس للبيت الثاني :
إذا المرء لم يحجب عن العين نومها ويغل من النفس النفيسة سومها
أضيع ولم تأمن معاليه لومها
(5) نفح الأزهار : 68 و 71 . وقد خمسه صفي بقوله :
لئن ثلم الأعداء عرضي بلومهم فكم حلموا بي في الكرى عند نومهم
فإن أصبحوا قطباً لأبناء قومهم
(6) مرة بن ذهل : هو حفيد شيبان ، جد جاهلي هو أبو جساس قاتل كليب وأبو همام ، من نسله المثنى بن حارثة وبسطام بن قيس الشيباني .

السابق السابق الفهرس التالي التالي