دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 192

شديد البأس ليس بذي عياء ولكني أبوء إلى الـفـلاح
سألبس ثـوبها وأذب عنهـا بأطراف العوالي والصفاح
فمـا يبقى لـعترتـه ذلـيل فتمنعـه من القدر الـمتاح
وأجمل من حياة الذل موت وبعض العار لا يمحوه ماح (1)
ويقول صفي الدين الحلي (2) من البسيط :
إنا لقـوم أبت أخـلاقنا شرفـاً أن نبتدي بالأذى من ليس يؤذينا
بيض صنائعنا سـود وقائعنـا خضر مرابعنا حمر مواضينـا
لا يظهر العجز منا دون نيل منى و لو رأينا المنايا في أمـانينـا(3)
وأخيراً : إذا صحت النسبة إلى الإمام المعصوم عليه السلام فيترتب عليها ما يلي :
1ـ شرعية حماية الأهل والأقارب بل لزومها .
2ـ جواز مقاتلة الباغي .
3ـ جواز المفاخرة .
4ـ جواز المبالغة .

(1) نفح الأزهار : 65 .
(2) صفي الدين الحلي : هو عبد العزيز بن السرايا بن علي الطائي ( 677 ـ 750 هـ ) ولد ونشأ في الحلة ـ العراق ـ اشتغل بالتجارة ورحل إلى الشام ومصر وغيرهما ، شاعر إمامي فحل ، له إبداعات في الشعر والأدب ، وله مؤلفات منها : العاطل الحالي ، الزجل والموالي ، ديوان شعر باسمه .
(3) نفح الأزهار : 67 .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 193

الباء المضمومة
(7)
سكينة والرباب
1ـ لـعمرك إنني لأحـب داراً تحل بها سكـينة و الـرباب
2ـ أحبها وأبذل جـل مـالـي و ليس لـعاتب عندي عتاب
3ـ ولست لهم وإن عتبوا مطيعاً حيـاتي أو يغـيبني الـتراب
4ـ كأن اللـيل مـوصول بليل إذا زارت سكينـة و الرباب
* * *
البحر :
من الوافر ( مفاعلتن × 6 ) إلا أن عروضه وضربه دخل عليهمـا القطف (1) فأصبحتا « فعولن » ، كما دخل العصب على بعض تفاعيل الحشو فأصبح « مفاعلين » ، وبما أن المورد مورد غزل فقد استخدم الوافر الذي خير مركب له .
القافية : من المتواتر .
سبب الإنشاء :
بما أن المصادر في أغلبها بل جميعها تنسب الرواية إلى أبي الفرج الأصفهاني المتوفى عام 356 هـ فهو يروي بإسناده إلى مالك بن أعين (2) أن سكينة بنت الحسين تقول له : عاتب عمي الحسن أبي في أمي فقال : ـ الأبيات ـ ، ظاهر هذه الرواية مع الأبيات أن الإمام الحسن عليه السلام عاتب أخاه الإمام الحسين عليه السلام في تمسكه بزوجته رباب (3) وحبه لها وكثرة

(1) وقد سبق وقلنا أن هناك من يقول بأن من الشاذ مجيء الوافر سالم العروض والضرب ، بل يرى بأن العروض والضرب مقطوفان هو الأصل في الوافر ، أي تكون تفعيلة الوافر التامة هكذا : « مفاعلتن مفاعلتن فعولن × 2 » .
(2) مالك بن أعين : ستأتي ترجمته .
(3) رباب : اختلف المؤرخون في نسبها بين الرباب بنت أنيف والرباب بنت امرئ =
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 194

اهتمامه بها وبابنتها سكينة وصرفه المال في راحتهما ، ولكن غالب الأصحاب أنكروا صدور مثل هذه الأبيات من الإمام الحسين عليه السلام لهذه الخلفية ، سنبين ذلك عند الحديث عن نسبة الأبيات إلى قائلها ، وسبب الإنشاء سيتحدد نسبياً مع تحديد النسبة ، ولكن الذي يمكن قوله : إن هناك من عاتب الشاعر على تكريم زوجته المسماة برباب وابنتها سكينة ، ولكن من المقصود بالعتاب ؟ ومن المقصود بالرباب ؟ هذا ما نحاول بحثه في النسبة .
هذا وعلى فرض صحة النسبة فإن تاريخ الإنشاء لا بد وأن يكون محصوراً ما بين عام 42 ـ 50 هـ (1) سنة ولادة سكينة وعام وفاة الإمام الحسين عليه السلام ، وعندها نرجح أن يكون عند ولادتها واهتمام الإمام الحسين عليه السلام بوليدته التي كان يعلم دورها ومكانتها في المستقبل .
التخريج :
الأغاني : 16 / 147 ، البداية والنهاية : 8 / 167 ، المنتخب لابن جرير الطبري : مقتل الحسين للخوارزمي : 1/ 143 ، ترجمة الحسين ومقتله المستل من طبقات ابن سعد : 128 ، بحار الأنوار 45 / 47 ، نسب قريش لمصعب الزبيري : 59 ، حسن الصحابة في شرح أشعار الصحابة : 89 ، جواهر المطالب لأبي البركات محمد الباغندي وعنه أدب الحسين وحماسته : 19 ، تاريخ من دفن في العراق من الصحابة : 141 ، السيدة سكينة للمقرم : 119 ، أهل البيت لتوفيق أبو علم : 439 ، حياة الإمام الحسين للقرشي 1/ 189 ، ذكرى الحسين : 1/ 139 ، أعيان الشيعة : 6 / 449 ، تاج العروس : 2/ 472 ، مستفاد الرحلة والاغترب للقاسم بن يوسف التجيبي السبتي : 287 ، كتاب المحبر لمحمد بن حبيب البغدادي ، عبير الرسالة : 45 ، معالي

= القيس والأكثر على الثاني وهو الصحيح ، وللتفصيل عنها راجع باب معجم الأنصار ـ قسم النساء ـ من هذه الموسوعة وهي أم سكينة وعبد الله .
(1) الموافق لسنة 662 ـ 670 م .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 195

السبطين : 2/ 126 ، تذكرة الخواص : 265 ، الحسين بن علي لمحمد كامل : 135 ، أعلام النساء : 1/ 439 ، المنتظم : 7 / 175 ، ابصار العين : 24 ، إحقاق الحق : 11 / 638 ، مقاتل الطالبيين : 94 ، المعارف لابن قتيبة : 213 ، ديوان الحسين بن علي : 116 عن تاريخ الطبري إلا أن الأبيات لا وجود لها في التاريخ ولعله خلط بين المنتخب والتاريخ ، أعيان النساء : 135 ، ومن مصادر أعلام النساء « ضبط من غير فيمن قيده ابن حجر » تألـيف يـوسف بن عبدالهادي (1) ، نسمة السحر : 1/ 403 ( مخطوط ) ، إلى غيرها .
عدد الأبيات :
منهم من نقلها واحدة ومنهم من أوردها اثنان ، ومنهم من ذكرها ثلاثة ومنهم من أثبتها أربعة ، ولعل مقصود من أوردها أقل من أربعة أو ثلاثة لم يكن إلا ذكر محل الحاجة دون الإشارة إلى عددها ، نعم قد يستفاد من بعض المصادر أن المقطوعة التي ذكرها أبو الفرج كانت من بيتين الأوليين فزاد الطبري عليهما الثالثة ، بينما زاد التيجي والأفندي الرابعة ، إلا أنهما فصلا البيت الثاني عن البقية وأعطياه الاستقلالية ، وعلى أي حال سنذكر المصادر ضمن أربع مجموعات ، نبدأ بمن ذكرها أربعة لننتهي بمن أوردها واحدة :
1ـ مستفاد الرحلة والاغتراب ، حسن الصحابة في أشعار الصحابة .
2ـ الأغاني ، مقاتل الطالبيين ، تاج العروس ، بحار الأنوار .
3ـ تذكرة الخواص ، ترجمة الحسين بن علي ومقتله المستل من الطبقات الكبرى لابن سعد ، مقتل الحسين للخوارزمي ، نسب قريش ، أعلام النساء ، أعيان الشيعة ، أبصار العين ، إحقاق

(1) يوسف بن عبد الهادي : هو يوسف بن حسن بن أحمد بن حسن بن عبد الهادي الصالحي ( 840 ـ 909 هـ ) يكنى بابن المبرد ، فقيه حنبلي من دمشق ، له عدد من المؤلفات منها : الدر الكبير ، تاريخ الإسلام ، الإقتباس .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 196

الحق ، البداية والنهاية ، سكينة بنت الحسين ، حياة الإمام الحسين للقرشي ، أدب الحسين وحماسته ، عبير الرسالة ، أهل البيت لتوفيق أبو علم ، ديوان الحسين بن علي .
4ـ المعارف لابن قتة ، معالي السبطين .
السند :
إن أقدم المصادر هو نسب القرشي لمصعب بن عبد الله الزبيري (1) المتوفى عام 236 هـ ويأتي بعده الأغاني ومقاتل الطالبيين لأبي الفرج الأصبهاني لعلي بن الحسين المتوفى عام 356 هـ وأما بقية المصادر فقد أخذوا عنهما ، أما المصدر الأول فقد رواه مباشرة عن زبير بن بكار القرشي (2) المتوفى عام 256 هـ مرسلاً ، وأما الثاني فقد رواه عن أحمد بن عبد العزيز (3) وإسماعيل بن يونس (4) ، كلاهما عن عمر بن شبة (5) عن أبي نعيم (6) عن عمر بن

(1) مصعب بن عبد الله الزبيري : ولد عام 156 هـ في المدينة ، كان أديباً شاعراً عارفاً بأخبار العرب ، سكن بغداد وتوفي بها ، له عدد من المؤلفات : منها : النسب الكبير ، حديث مصعب مضافاً إلى كتابه نسب قريش .
(2) زبير بن بكار القرشي : حفيد عبد الله الأسدي المكي ، من أحفاد الزبير بن العوام ( 172 ـ 256 هـ ) ولد في المدينة وولي قضاء مكة فتوفي فيها له : أخبار العرب ، الأوس والخزرج ، أخبار حسان .
(3) أحمد بن عبد العزيز : الظاهر هو الذي كان من مشايخ محمد بن يعقوب الكليني المتوفى عام 328 هـ وقد خرج التوقيع من الناحية المقدسة بارتداده ـ راجع مستدركات علم الرجال : 1/ 245 .
(4) إسماعيل بن يونس : لعله الخزاعي البصري ، له بعض الروايات كما في بحار الأنوار : 36 / 334 وهو الراوي عن هشيم بن بشير الواسطي ، وروى عنه محمد بن زيد ، إلا أن طبقته لا تناسب مع ما نحن بصدده ، ويبقى مجهولاً .
(5) عمر بن شبة : النميري البصري ( 173 ـ 262 هـ ) كان أديباً فقيهاً ، توفي في مدينة سامراء ، له عدد من المؤلفات منها : كتاب الأغاني ، كتاب الشعر والشعراء وكتاب تاريخ المدينة المنورة .
(6) أبو نعيم : لعله هو فضل بن دكين عمرو بن حماد بن زهير الكوفي التميمي المتوفى عام 219 هـ ، كان من العلماء المحدثين ، نقل عنه الفريقان واعتمدوا قوله ـ راجع ريحانة الأدب : 7 / 286 .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 197

ثابت (1) عن مالك بن أعين (2) قال : سمعت سكينة بنت الحسين تقول عاتب عمي الحسن أبي في أمي فقال : . . . الأبيات . . .
أما سند الأول ففي الراوي و المروي عنه نظر حيث إن مصعب كان منحرفاً عن أهل البيت عليهم السلام (3) وأما الزبير فقد خالف أمير المؤمنين عليه السلام في إدخاله بني ناجية في قريش إلى غيرها (4) ، وأما سند الثاني ففيه المجاهيل والضعفاء .
الراوي :
سبق وقلنا إن الراوي المباشر على ما ذكروا هو مالك بن أعين الجهني ولا شك في وثاقته إلا أن الطريق إليه لا يخلو من الضعفاء والمجاهيل ، وأما على الرواية الثانية فإن احتمال الوضع فيها كثير كما ذهب إلى ذلك بعض المحققين وسنأتي على ذكره .
النسخ :
في نسخة من بعض المصادر : « أحب » دون لام ، وهذا يوجب عقل (5) التفعيلة وهو قبيح إذ تتحول التفعيلة « مفاعلتن » إلى « مفاعلن » .
في التاج جاء : « أرضاً » بدل « داراً » ويصح إلا أن النسخ الأخرى على « دارا » . هذا وكل من اعتمد رواية الأغاني ذكر « تكون » بدل « تحل » ، وكلاهما صحيحان .
جاء في الطبقات : « تصيفها سكينة » وفي نسب قريش : « تضيفها »

(1) عمر بن ثابت : الظاهر هو حفيد هزمر الحداد الكوفي ، كان من أصحاب السجاد عليه السلام المتوفى عام 95 هـ والباقر عليه السلام المتوفى عام 114هـ والصادق عليه السلام المتوفى عام 148 هـ ، جاء في معجم رجال الحديث : 13 / 24 ضعيف جداً ، وهو غير عمر بن ثابت الذي كان يتنقل في الشام لحمل الناس على لعن علي عليه السلام والافتراء عليه ـ راجع بحار الأنوار : 34 / 325 .
(2) مالك بن أعين الجهني المتوفى قبل عام 148 هـ حيث كان من أصحاب الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام وقد نظم فيهما الشعر ، سكن الكوفة ، كان من الثقاة .
(3) راجع مستدركات علم الرجال : 7/ 427 .
(4) راجع قاموس الرجال : 4/ 407 .
(5) العقل : هو إسقاط خامس التفعيلة بعد إسكانه كما في مفاعلتن « / / ه / / / ه » يصبح مفاعلتن « / / ه / ه / ه » ثم مفاعلتن « / / ه / / ه » فينقلب مفاعلن « / / ه / / ه » .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 198

وفي مقتل الخوارزمي : « تقيم بها » وكله يصح معنى ويستقيم وزناً .
قوله : « جل مالي » جاء في الاعلام « كل مالي » وفي التاج والطبقات : « بعد مالي » وفي التذكرة : « فوق جهدي » وفي بعض نسخ التاج : « بعض مالي » ، وكلها صحيحة إلا أن « جل » فيها من القوة ما ليس في غيرها مع تطابقه مع الواقع .
وأما قوله : « لعاتب عندي » فقد أوردها التذكرة : « لعاذل عندي » وفي البداية والطبقات والمقتل « للائمي فيها » وفي التاج : « للائم فيهم » ولا ضير فيها ، وما جاء في الأدب « لعاتب في » وفي الديوان : « بلائمي فيها » يصح بتكلف في الوزن في الأول وبتكلف في المعنى في الثاني والقول بتصحيفهما أولى .
وقوله : « ولست لهم » جاء في أهل البيت والحياة : « فلست لهم » وفي التذكرة « وليس لهم » وما في التذكرة لا يصح إلا بالتقدير .
وأما قوله : « وإن عتبوا مطيعاً » فقد جاء في المقتل : « وإن رغبوا مطيعاً » ولا يختل الوزن ، وجاء في الأعيان : « وإن عابوا مطيعاً » وفي الأعلام والأهل : « وإن غابوا مضيعاً » فيستقيم الوزن أيضاً إلا أن التفعيلة تصبح معصوبة حيث تتحول « مفاعلتن » إلى « مفاعيلن » ، وجاء في نسخة من التاج : « مصيخاً » بدل « مطيعاً » .
وقوله : « يغيبني » جاء في البداية والإحقاق : « يعليني » وعليه تأتي التفعيلة معصوبة .
الإعراب :
قوله : « لعمرك » اللام للقسم وعمرك مبني على الضم في محل جر بلام القسم مضاف إلى الكاف ، قال أبو عبيدة (1) ارتفع لعمرك وهي يمين ، والأيمان تكون خفضاً إذا كانت الواو في أوائلها ، ولو

(1) أبو عبيدة : هو معمر بن المثنى البصري النحوي اللغوي (110 ـ 209 هـ ) كان من أئمة العلم بالأدب واللغة ، ولد وتوفي في البصرة ، سكن بغداد بطلب من هارون الرشيد ، له نحو 200 مؤلفاً منها : إعراب القرآن ، أيام العرب ، مجاز القرآن .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 199

كانت وعمرك لكانت خفضاً ولذلك قولهم : لحق لقد فعلت ذلك ، وإنما صارت هذه الأيمان رفعاً بدخول اللام في أولها ، لأنها أشبهت لام التأكيد ، فإما قولهم : عمرك الله افعل كذا ، فإنهم ينصبون « عمرك » وكذلك ينصبون « الله لأفعلن » قال المبرد (1) لا أفتحها يميناً بل هي دعاء ومعناه أسأل الله لعمرك (2) ، والعمر بالفتح وبالضم بمعنى واحد غير انه لا يجوز في القسم الا الفتح ، والتقدير : قسماً بحياتك ، ومنه قوله تعالى : « لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون »(3) . ويقول الطريحي (4) لا يقال بأن الحلف بغير الله تعالى منهي عنه ، لأنا نقول : ليس المراد به القسم الحقيقي بجعل غيره تعالى مثله في التعظيم بل المراد صورته لترويج المقصود أو الكلام على حذف المضاف أي فبواهب عمري وعمرك وهو أسم لمدة الحياة (5) .
وأما اللام في« لاحب » فهي للابتداء وهي غير عاملة تفيد التوكيد بالدرجة الأولى ، وربما فهم منها تخليص المضارع للحال أيضاً ، وإنما سميت بلام الأبتداء رغم أنها لم تكن في الابتداء لوجود أن في أول الجملة حيث إنهم زحلقوها عن مكانها كراهة ابتداء الكلام بمؤكدين « إن » و « اللام » كما في قوله تعالى : « وإن ربك ليحكم بينهم يوم القيامة » (6) .
قوله « ولست لهم » ليس من الأفعال الناقصة والضمير اسمها ،

(1) المبرد : هو محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الأزدي الثمالي البصري النحوي اللغوي ( 210 ـ 286 هـ ) من علماء الإمامية ومن أئمة العربية ، ولد في البصرة ، سكن بغداد وتوفي بها ، له مؤلفات جمة منها : الكامل ، المقتصب ، إعراب القرآن .
(2) التبيان : 6 / 348 .
(3) سورة الحجر ، الآية : 72 .
(4) الطريحي : هو فخر الدين بن محمد بن أحمد السلمي الأسدي ( 979 ـ 1085 هـ ) من علماء الإمامية ، فقيه مفسر ، لغوي ماهر ، له من المؤلفات : المنتخب ، غريب القرآن ، الضياء اللامع .
(5) مجمع البحرين : 3/ 411 .
(6) سورة النحل ، الآية : 124 .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 200

ومطيعاً خبرها وهي على الشكل التالي : « ولست مطيعاً لهم وإن عتبوا حياتي » ، ولعل حياتي وقع معمولاً لمطيعاً فيكون على الشكل التالي : « ولست مطيعاً حياتي لهم وإن عتبوا » ، وأما في التذكرة « وليس لهم وإن عتبوا مطيعاً حياتي » فلا يصح إلا بتقدير وتكلف .
اللغة :
العمر بالفتح والضم الفترة التي يعيشها الإنسان أو كل مخلوق ، الحياة ، وهناك تفسيران لغويان لقوله « لعمرك » فمنهم من يقول بأنها بمعنى « لدينك الذي تعمر » ومنهم من يقول إنها بمعنى الدعاء : « أطال الله عمرك » ، ويمكن أن تحذف منه اللام كما في قول الشاعر من الخفيف :
أيها المنكح الثريا سهيلاً عمرك الله كيف يجتمعان (1)
وحل المكان وبالمكان : نزل فيه ، وأقام بالمكان : دام فيه واتخذه وطناً أو منزلاً ، وكان في المكان : وجد فيه ، و صيّف بالمكان : أقام به في الصيف ، وضيفه : أنزله منزلة الأضياف ، وضاف : نزل ضيفاً ، وتضيف الرجل : مال .
والفرق بين الجل والكل واضح ، ومنه قولهم : « ما لا يدرك كله لا يترك جله » فالجل معظم الشيء والكل جميعه ، والبعد : ضد القرب كناية عن الكثرة ، والبعض واضحة الدلالة إلا أنها ليست قوية في هذا المورد ، وقوله « فوق جهدي » يريد أكثر من طاقتي .
وأما العاتب واللائم والعاذل كلمات ثلاث معانيها متقاربة إلا أن الفرق بينها أن الأول : هو الخطاب على تطبيع حقوق المودة والإخلاص في الإخلال بمفاهيمها ولا يكون إلا ممن يمت له بصلة .
وأما الثاني : فهو تنبيه الفاعل على موقع الضرر في فعله وتهجين طريقته فيه وقد يكون اللوم على الفعل الحسن ، وفي اللوم مواجهة في قبال الذي لا يكون إلا على القبيح ولا يتقيد بالمواجهة .

(1) ديوان عمر بن أبي ربيعة : 272 .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 201

وأما الثالث : فهو من اللوم ما كان فيه حرقة لقلب المعذول ، ولعل المثل الشائع : « سبق السيف العذل » أن القائل إنما قالها عن حرقة قلبه لأمور ثلاثة : أن القتل منه وقع في الحرم ، وإن الاعتذار من مقتوله وصله بعد قتله ، وأنه قتله قصاصاَ في قتل ابنه ، فلوم اللائم أحرق قلبه فاستخدم العذل .
قوله : « مطيعاً » اسم مفعول من الجذر طاع بمعنى انقاد ، والطاعة هو الانقياد . وما في بعض المصادر « مضيع » فهو من الضياع ، وما في بعضها الآخر « مصيخ » فهو بمعنى المنتزع والمنفصل .
غيبه التراب : كناية عن الدفن بعد الموت ، وما في بعض المصادر « يعليني » فهو من العلو وهو أيضاً كناية عن الدفن فيعلوه التراب .
قوله : « زارت » بمعنى مالت يقال قوس زوراء : معطوفة ، مائلة ، وقيل لبغداد الزوراء لأن أبواب الداخلة إليها جعلت مزورة أي مائلة ، والتقدير زارت عني سكينة والرباب ، ويمكن ان تكون بمعنى الزيارة المعروفة الا انه يوجب تقدير « زارت قومها » ليفهم منها معنى الابتعاد عن الشاعر .
التصوير الفني :
بغض النظر عن النسبة فإن الشاعر يصور مدى حبه لقرينته وكريمته عبر حبه لتلك الديار التي ضمتهما ، حيث يرى بأن للحب مساحة واسعة ، وفيه من الشمولية بحيث لا يختص بالشيء ذاته بل يتجاوزه حتى الجماد ، وبذلك يتفوق على قول الشاعر (1) من الوافر : في قوله :
أمر على الديار ديار ليلى أمسح ذا الجدار وذا الجدارا
وما حب الديار شغفن قلبي ولكن حب من سكن الديارا (2)
وبما أنه في البيت الأول بين الجانب المرتبط بالنفس فإنه في

(1) اختلفوا في نسبة البيتين ، فقيل أنهما للمجنون وقيل هما لجرير وقيل لغيرهما ، ولكن المشهور أنه لقيس بن الملوح .
(2) الاختيارين : 214 .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 202

البيت الثاني صور لنا الجانب المادي الذي يذكر بأنه لا يدخر شيئاً منه في سبيل استمرارية حبه لهما .
وأما في البيت الثالث فيصور شدة تمسكه بهذا الحب النبيل الذي لا يختلف بالوجود والعدم ، فما دام حياً فهو يحب وما دام ميتاً فهو عاجز عن مواصلة الحب .
وفي النهاية يصور حالة بعده عنهما بأن حياته ظلام في ظلام لا يتخلله نهار .
الشرح والمعنى :
يبدو أن الشاعر أولى ابنته وزوجته اهتماماً بالغاً حينما وجد فيهما ما يستحق ذلك فعاتبه بعض معارفه على ذلك فاقسم بحياة المعاتب أو خاطبه بود فدعا له بطول العمر (1) ، مؤكداً له مرتين أن حبه ليس فقط لهما بل لكل ما يرتبط بهما من دار ومنزل .
وذكر بأنه يبذل جل ما لديه في سبيل راحتهما رغم أن العاتب على ما يظهر إنما عاتبه في هذا الأمر ومع هذا فلا يبالي بذلك العتاب إذ يرى أنه في غير موقعه .
بل يذكر بأنه لا ينقاد إليهم في سلوكه اليومي وحياته لينصرف عن حبه لهما إلا إذا داهمه الموت وغيبه بالتراب وحال بينه وبين أحبته .
ثم إنه يذكر حاله حين يبتعد عنه الأحبة سواء بالموت أو بغيره فإنه سيقع في ظلام دامس لا يجد فيه نوراً يستضاء به في هذه الحياة بل لا يجد نور الحياة نفسه .
الحكمة :
رد على العتاب الذي وصله من بعض المقربين له ، ودفاع عن حبه الشريف والعلاقة الدافئة لعياله وأهله ، موضحاً في الآن نفسه أن مثل هذا الحب النبيل والطاهر لا يقدح فيه أياً كانت مظاهره .
النسبة :
إلى هنا تحدثنا عن الأبيات بتجرد دون أن نشير إلى شخصية الشاعر وما يحمله من الخلق الرفيع وإنه من الثلة التي لا تصاف

(1) كان متعارفاً عليه كما في بعض الأعراف حتى يومنا هذا فإنهم يصدرون كلامهم بالدعاء بطول العمر فيقولون : « طال عمرك » أو « لعمرك » أو ما شا به ذلك .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 203

مع سائر البشر ، رغم كونه منهم بل إن نزاهته تفوق كل شيء حتى الملائكة والكروبيين فهو من الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ، وهو من أئمة اهل البيت عليهم السلام الذين هم قادة البشرية جمعاء ، وهذا هو الذي حدا ببعض المحققين من إنكار نسبة هذه الأبيات إلى الإمام الحسين عليه السلام ، فإن المصادر التي بحوزتنا بين من ترك الحديث عن صحة النسبة وعدمها ، وبين من تناول الحديث عن هذا الجانب دون تحقيق ، ولكن غالب الأصحاب على أنها منتحلة فلا يؤيد النسبة إليه عليه السلام حيث يقول بعضهم : وهذه الأبيات فيما نحسب من المنتحلات والموضوعات ، فإن الإمام الحسين عليه السلام أجل شأناً وأرفع قدراً من أن يذيع حبه لزوجته وابنته بين الناس فليس هذا من خلقه ولا يليق به إن ذلك دون شك من المفتريات التي تعمد وضعها للحط من شأن أهل البيت عليهم السلام (1) .
ويقول آخر عن هذه الأبيات : إن صاحب الأغاني باء بإثمها حيث لم تقنعه هاتيك السفاسف في خدش عواطف الخفرة فطفق يمس بكرامة أبيها الإمام المعصوم عليه السلام بما ينافي العصمة أو يصادم العظمة والحفاظ فذكر في الرواية عن رجال مجاهيل لم يعرفهم علماء الرجال والتراجم أن سكينة قالت عتب عمي الحسن على أبي في أمي الرباب فقال الحسين راداً عليه ... الأبيات ، كل هذا جهل بمقام الإمامة وإغضاء عن ناحية العصمة وخفوق عن جهة الشهامة والحفاظ ، فإن الإمام عندنا المنصوب من قبل الله تعالى المعصوم عن كل خطل حتى من ترك الأولى لا يصدر منه ما يوجب العتاب حتى من معصوم مثله والسبط المجتبى عليه السلام لا يعاتب أحداً على مجرد حب حليلته المرغوب فيه ، إلا أن يكون خارجاً عن الحدود الشرعية ولا يعقل مثله في الحسين عليه السلام ، وعلى فرض وقوع العتاب المزعوم فشهيد الدين

(1) حياة الإمام الحسين : 1/ 189 .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 204

ـ الحسين ـ أبر وأتقى من أن يجابه حجة الوقت والإمام على الأمة أجمع بنظم البيتين (1) .
وفي الحقيقة إننا نتفق مع القوم في عدم صحة نسبة هذه الأبيات إلى الإمام الحسين عليه السلام ولكن نختلف في بعض الأسباب ، فإن أهم الأسباب هو ضعف السند بل عدم قبوله لجهل حال الراوي أو عدم وثاقته ، ويؤيد ذلك أن مصدر إشاعته ينسب إلى أبي الفرج الأصفهاني ومصعب الزبيري اللذين لا يطمأن إلى نقلهما في أهل البيت عليهم السلام حيث لا يرتدعا عن الطعن بهم عليهم السلام كما سبق وذكرا ما ينافي منزلتهم ولفقا عدداً من القضايا لاهواء من لا تروق لهم نزاهة هذا البيت الطاهر ، ومن تلك ما ذكراه في السيدة سكينة هذه .
مضافاً إلى أن عتاب السبط الأكبر من الأصغر بغض النظر عن المنزلة مناف للنصوص الصريحة والصحيحة فيهما وبأن الأصغر لم يخالف الأكبر في شيء أبداً بل كان مستشاره الأمين ومستنصحه القويم في أموره وشؤونه ، وهما إمامان قاما أو قعدا (2) ، وقد قال الأصغر في صلح الأكبر لمعاوية عندما سأله جابر بن عبد الله الأنصاري (3) : ألا تصالح كما صالح أخوك الحسن ؟ « إن أخي فعل بأمر من الله ورسوله وأنا أفعل بأمر من الله ورسوله » (4) مما يدل على كمال معرفته بواقع الأمر .

(1) سكينة بنت الحسين : 119 .
(2) في بحار الأنوار : 36 / 289 « الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا » .
(3) جابر بن عبد الله الأنصاري : هو حفيد عمرو بن حزام الخزرجي ( 16 ق . هـ ـ 78 هـ ) صحابي جليل غزا مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم تسع عشرة غزوة ، كان من الفقهاء والرواة حيث كانت له حلقة درس في المسجد النبوي تجاوزت رواياته 1540 حديثاً ، من أصحاب الأئمة أمير المؤمنين والحسنان والسجاد عليهم السلام والتقى بالإمام الباقر في حياة أبيه ، له كتاب المسند .
(4) موسوعة كلمات الإمام الحسين عليه السلام من الثاقب في المناقب : 322 ، نفس المهموم : 77 .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 205

وأما أن إظهار الحب لحليلته وابنته لا يليق به غير وارد ، لأن الحب إذا كان شريفاً ولأجل ما يحمله المحبوب من مفاهيم أقرها الله سبحانه وأرادها فلا معنى للقول بأنه يتنافى مع منزلة الإمام المعصوم عليه السلام ، فإن الإمام لما استشف كرم الأخلاق من زوجته رباب تلك الطاهرة التي عرفت بالوفاء والنبل (1) ، وامتلكت صفات الإيمان وعرف طيب أصل ابنته سكينة التي قال عنها « الغالب على سكينة الاستغراق مع الله عز وجل » (2) عندها أظهر حبه لهما حيث إنه جزء من حبه لله جل وعلا ، مضافاً إلى أن حب القرينة والكريمة هو من أبجدية الحياة التي ارتضاها الله لعبيده وقد كرمهما الإسلام غاية التكريم ووصف المؤمنين منهم بأزكى الأوصاف وأكرم النعوت مما لا مجال للقول بأنه لا يليق بإمام معصوم ، وقد كان علي أمير المؤمنين عليه السلام يصف زوجته السيدة فاطمة عليها السلام بأفضل الصفات كما كان يظهر حبه لها دون أي رادع أو مانع ، وقد رثاها بأرق الأبيات حين قال ـ من الوافر ـ :
حـبيب لـيس يعدلـه حـبيب و ما لسـواه في قلبي نصيب
حبيب غاب عن عيني وجسمي وعن قلبي حبيبي لا يغـيب (3)
وقوله عليه السلام من الكامل فيها أيضاً :
مالي وقفت على القبور مسلماً قبر الحبيب فلم يرد جوابي
أحبيب مـالك لا ترد جـوابنا أنسيت بعدي خلة الأحباب (4)
إلى غيرها ، إلا إذا قيل إنها من المنسوب أيضاً .

(1) إن وفاءها يظهر من أبياتها التي نظمتها بعد استشهاد الإمام الحسين عليه السلام والتي مطلعها ـ من البسيط ـ :
إن الذي كان نوراً يستضاء به بكربلاء قتيل غير مدفون
راجع ديوان القرن الأول : 2/ 237 ، حيث رفضت الزواج بعده وقد بقيت سنة لا يظلها سقف حتى ماتت عام 62 هـ .
(2) السيدة سكينة للمقرم : 43 .
(3) فاطمة الزهراء من المهد إلى اللحد : 644 .
(4) ديوان الإمام أمير المؤمنين للأمين : 42 .

السابق السابق الفهرس التالي التالي