دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 206

وكان النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم من ذي قبل يمتدح السيدة خديجة رضوان الله عليها ويردد صفاتها العالية ويظهر حبه لها امام أصحابه .
وعلى أية حال إن كان سند الأبيات صحيحاً وكان العتاب موجهاً إليه من غير أخيه عليه السلام فلا نجد ضيراً في نسبة الأبيات إلى الإمام الحسين عليه السلام .
الإقتباس :
لقد سبق وذكرنا بعض الأبيات المناسبة لهذا المعنى ، وأما بالنسبة إلى العتاب فيقول عباس بن الأحنف (1) من الطويل :
فأقسم ما تركي عتابك عن قلى و لكن لعلمي أنه غير نـافع
وإني إذا لم ألزم الصبر طائعا فلا بد منه مكرهاً غير طائع (2)
ويقول أبو فراس الحمداني (3) في أن العبد يطول في عمر الليل من البسيط :
إن زار قصر ليلي في زيارته وإن جفاني أطال الليل أعمارا (4)
وقال المهلل (5) من الوافر :
وصار الليل مشتملاً علينا كأن الليل ليس له نهار(6)
وأخيراً : إذا كانت النسبة إلى الإمام المعصوم عليه السلام مقبولة (7) يمكن فهم ما يلي :

(1) عباس بن الأحنف : هو حفيد الأسود الحنفي اليمامي ، توفي في عام 192 هـ ، شاعر غزل معروف ، توفي في البصرة وكانت نشأته في بغداد ، لم يمدح ولم يهجو أحداً على خلاف الشعراء بل كان جميع شعره في الغزل والتشبيب ، له ديوان شعر معروف ، وكان خالاً لإبراهيم بن عباس الصولي .
(2) نفح الأزهار : 78 .
(3) ابو فراس الحمداني : هو الحارث بن سعيد ( 320 ـ 357 هـ ) ابن عم سيف الدولة .
(4) ديوان أبي فراس الحمداني : 170 .
(5) المهلل : هو عدي بن ربيعة التغلبي مضت ترجمته .
(6) من أروع ما قيل في الرثاء : 10 .
(7) وقد سبق وقلنا بأن النسبة إليه مرفوضة .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 207

1ـ جواز الغزل النبيل .
2ـ جواز إظهار الحب للزوجة والأقارب كالبنت .
3ـ جواز المبالغة .
4ـ جواز صرف المال للحبيب لأجل الحب الذي بينهما .


دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 208

(8)
أأدهن رأسي
1ـ ءأدهن رأسي أم تطـيب محـاسني و خدك معفـور وأنـت تـريـب
2ـ و أشـرب ماء المزن ام غير مائه و قد ضمن الأحشـاء منك لـهيب
3ـ و أستمتع الـدنيا لـشيء أحـبـه ألا كـل ما أدنـى إلـيك حـبيب
4ـ فلا زلت أبكي ما تغنت حمـامـة عليك و ما هبت صبـاً وجنـوب
5ـ وما هملت عين من الـماء قطرة وما اخضر في دوح الرياض قضيب
6ـ بكائي طـويل و الدمـوع غزيرة وأنـت بعـيد و الـمزار قـريب
7ـ غريب وأطراف البيوت تحوطـه ألا كل من تحت الـتراب غريب
8ـ أروح بغم ثـم أغـدو بمـثـلـه كئيباً و دمع الـمقـلـتين صبيب
9ـ فللـعين مني عـبرة بعد عـبرة وللـقـلب مني رنـة و نحـيب
10ـ ولا يفرح الباقي ببعد الذي مضى فكل فتى للـمـوت فيـه نصيب
11ـ و ليس حريباً من أصيب بماله و لكن من وارى أخـاه حـريب
12ـ نسيبك من أمسى يناجيك طيفه و لـيس لمن تحت التراب نسيب
* * *
البحر :
هو الطويل « فعولن مفاعيلن × 4 » إلا أن القبض دخل على عروضه فأصبحت « مفاعيلن » بذلك « مفاعلن » ، بينما دخل على ضربه الحذف فأصبحت « مفاعيلن » بذلك « فعولن » ، قيل يجب القبض في عروض الطويل بينما يجب إحدى الأمور في العروض : الحذف أو القبض ، وأضاف بعضهم القصر (1) كخيار للوجوب ، وأما بالنسبة إلى الحشو فيجوز القبض لتصبح « فعولن » بعد حذف

(1) القصر : هو إسقاط ساكن السبب وتسكين متحركه مثل : « مفاعيلن » نسقط النون الساكنة ثم نسكن اللام المتحركة فتصبح « مفاعيل » .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 209

النون « فعول » بل يستحسن ذلك في التفعيلة الخامسة (1) وربما قيل بكراهة إيرادها سليمة ، فإذا قبضت لزمت في القصيدة كما في العروض ، والضرب ، وهذا ما فعله الشاعر ، هذا وقد وقع القبض في أولى التفعيلات من البيت الأول والبيت الأخير وهو جائز كما قلنا (2) .
القافية : فهي من المتواتر ، حيث لابد من إشباع الباء لتتولد واواً ساكنة فأصبحت التفعيلة فعولن « / / ه / ه » .
سبب الإنشاء :
اتفقت المصادر على أن الأبيات أنشدت على قبر الإمام الحسن عليه السلام وفي رثائه ، كما اتفقوا على أن الذي أنشأه هو أخوه ولكن اختلفوا فيما إذا كان الأخ الشقيق « الحسين » أو الأخ غير الشقيق « محمد بن الحنفية » ، ولكن الأكثر على أنه هو الأول ، وقد تفرد المسعودي (3) في مروج الذهب ، والسبط ابن الجوزي (4) في تذكرة الخواص على أنه للثاني ، وعلى أية حال ، فإن السابع من صفر عام 50 هـ (5) كان زمان إنشاءه ، وأما مكان إنشاءه فكان البقيع الغرقد ، وذلك أن الأمويين عندما منعوا دفن الإمام الحسن عليه السلام عند جده وفي بيته الموروث من أبويه ، ورموا جنازته بالنبال والسهام ، أخذ الهاشميون ويتقدمهم الإمام الحسين عليه السلام جنازته إلى البقيع ووسدوه هناك فنهض الإمام

(1) وقيل لا يكاد يجيء إلا مقبوضاً ، وربما قالوا بأن في هذه الحالة لا يجوز الحذف في سائر التفعيلات إلا إذا كان البيت مصرعاً فيقع في عروضه الحذف ، أو كان ضربه مقبوضاً ، وأما في غير المصرع فهو نادر وشاذ ـ راجع الأوزان الشعرية ( مخطوط ) للمؤلف .
(2) والطويل من الأوزان الذي ينظم عليه كل الأغراض .
(3) المسعودي : هو علي بن الحسين بن علي المتوفى عام 346 هـ وقد مضت ترجمته .
(4) السبط ابن الجوزي : هو يوسف بن فرغلي بن عبد الله البغدادي ( 581 ـ 654 هـ ) سبط عبد الرحمن بن الجوزي ، ولد في بغداد وتوفي بدمشق ، مؤرخ فاضل ، له مصنفات منها : مرآة الزمان ، وكان شاعراً أديباً .
(5) الموافق لـ 6/ 2/ 670 هـ .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 210

الحسين عليه السلام على قبره والهاشميون محيطون به يعزونه بالبكاء فعندها صاغ العظمة والإجلال كلمات كانت فيها الرثاء لأخيه وسلوى للحضور في حين كان أبناء الطلقاء يريدون الاستهانة بذلك الجسد الطاهر فتفوه فيما تفوه قائلاً :
« رحمك الله يا أبا محمد إن كنت لتباصر الحق مظانه ، وتؤثر إليه عند التداحض في مواطن التقية بحسن الروية ، وتستشف جليل معاظم الدنيا بعين لها حاقرة ، وتفيض عليها يداً طاهرة الأطراف ، نقية الأسرة ، وتردع بادرة غرب أعداءك بأيسر المؤونة عليك ، ولا غرو فأنت ابن سلالة النبوة ، ورضيع لبان الحكمة ، فإلى روح وريحان ، وجنة ونعيم ، أعظم الله لنا ولكم الأجر عليه ، ووهب لنا ولكم حسن الأسى عنه » (1) .
ثم إنه جلس على القبر وأخذ ينشد الأبيات ويخاطب شقيقه المغيب بالشهادة وأخذ بعده آخرون يرثونه ومنهم أخوهما محمد ابن الحنفية .
التخريج :
أما المصادر التي نسبته إلى الإمام الحسين عليه السلام فهي : مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب : 4/ 45 ، مقتل الحسين للخوارزمي : 1/ 142 هـ ، المنتخب للطريحي : 226 ، بحار الأنوار : 44 / 160 ، التحفة الناصرية : 521 ، حياة الإمام الحسن للقرشي : 2 / 492 ، أدب الحسين وحماسته : 30 ، عبير الرسالة : 47 ، أهل البيت لتوفيق أبو علم : 410 ، هامش شرح الأخبار : 3/ 132 ، وعنه الألفين في أحاديث الحسن والحسين : 3/ 296 .
وأما المصادر التي نسبته إلى محمد بن الحنفية فهي : مروج الذهب : 2/ 429 ، تذكرة الخواص : 214 .
ويعتبر أقدمها من الصنف الأول مقتل الحسين للخوارزمي المتوفى عام 568 هـ « ثم مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب

(1) حياة الإمام الحسن للقرشي : 2/ 492 .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 211

المتوفى عام 588 هـ ، وأما من الصنف الثاني فمروج الذهب للمسعودي المتوفى عام 346 هـ » .
عدد الأبيات :
اختلفت المصادر في نقل الأبيات وعددها فمنهم من أوردها تسعة كحد أقصى ، ومنهم من نقلها ثلاثة كحد أدنى ، ولكن لم يكن اختيارهم متحداً ، فمن ذكرها تسعة مثلاً لم يتفق مع الآخرين في تحديد الأبيات لذلك سنتذكر المصادر والاختيارات ، وقبل ذلك لا بد أن نشير إلى أن الأدب والعبير وهامش شرح الأخبار ومن في فلكهم نقلوها عن البحار وهو بدوره نقلها عن المناقب ، وأما الأهل فقد اعتمد على الحياة وهو على المقتل إلا أنه زاد على المقتل المطبوع البيت الثاني عشر ، ولعله استند إلى نسخة أخرى منه ، وأما التحفة فقد اعتمد على المنتخب ظاهراً فما بقي عندنا إلا خمسة مصادر رئيسية وهي : المروج والتذكرة والمقتل والمناقب والمنتخب ، وبما أن المقتل في نسخة منه تطابق المناقب ، وفي أخرى ينقص منها البيت الثاني عشر فالمصادر تصبح أربعة : المروج والتذكرة والمناقب والمنتخب ، فالثاني : أوردها ثلاثة حيث اختار منها الأول والرابع والسابع .
والأول : أثبتها أربعة حيث زاد على التذكرة ( المصدر الثاني ) البيت الثاني .
والرابع : نقلها خمسة حيث أصطفى منها الأول والثاني والسادس والثامن والتاسع .
والثالث : جاء بها تسعة حيث زاد على المصدر الرابع ، البيت الثالث والرابع والخامس والسابع والعاشر والحادي عشر والثاني عشر .
ولا يخفى أن المقتل يختلف مع المناقب في تسلسل الأبيات حيث توسط البيت الحادي عشر في المقتل بين السادس والسابع .
وسنأتي على بعض التفصيل عن هذا عند الحديث عن النسبة .

دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 212

السند :
لم نجد في أمات المصادر من أسند هذه الأبيات ، وكلها مرسلة ، جاء لفظها بالمبني للمفعول كقولهم حكي ، وقيل ، وروي ، وما شابه ذلك ، شأنها شأن سائر المعلومات التاريخية .
الراوي :
و على ما سبق في السند فالاعتماد على المسعودي والسبط ابن الجوزي والخوارزمي وابن شهر آشوب والطريحي .
النسخ :
قوله : « تطيب » جاء في المقتل والتحفة « أطيب » وما أثبتناه أوقع ، وقوله : « محاسني » جاء في المروج والمناقب والبحار والمنتخب ومن نقل عنها « مجالسي » ولكن ما أثبتناه أنسب مع رأسي ، كما جاءت كلمة « خدك » في المقتل والمناقب والبحار ومن في فلكهم : « رأسك » وهو الأنسب مع الرأس في الصدر وأقرب إلى الريب ، وجاء في التذكرة « معفوراً » بالنصب ولا مجال لنصبه ، والظاهر أنه خطأ مطبعي ، بينما جاء في كل من المروج والتذكرة والمناقب والبحار والمنتخب وكل الناقلين عنها : « سليب » وهو لا يناسب ورثاء الإمام الحسن عليه السلام إلا إذا أريد أنه سليب الحق وفيه تكلف رغم كونه منع من حقه في الخلافة ثم في الدفن عند جده .
وأما كلمة : « واشرب » فقد وردت في المروج والمنتخب : « أأشرب » وكلاهما يصح ولكن العطف أولى ، وجاء في المروج « من غير » بدلاً من « أم غير » وما أثبتناه هو الأولى ، وجاء في المنتخب والتحفة « ويدخل في الأحشاء » بدل « وقد ضمن الأحشاء » يصح المعنى ويستقيم الوزن حيث ان التفعيلة يجوز قبضها « ويدخ » على زنة « فعول » مقبوضة بدل « فعولن » سالمة ، بل قالوا باستحسانها إلا أن الأفضل أيضاً بل المتعين أن تأتي سالمة كما في مثيلاتها من الأبيات الأخرى إلا في التصريع الذي أجازوه ولو في حالة الانفراد وعدم تطابقه مع بقية الأبيات فعليه « وقد ضم » على زنة « فعولن » هو الأنسب .
وأما قوله : « واستمتع » فقد أوردها المناقب ، والبحار الذي نقل عنه ، وكل من نقل عنهما « أو استمتع » وكلاهما يصحان معنى

دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 213

ويستقيمان وزناً لأن الألف الثانية تصبح حرف وصل بينما في الأول تكون حرف قطع فلا تخرج عن فعولن ، وربما كان « أو استمتع » أفضل يلاحظ عدم تكرار حرف العطف المماثل فليكن في البيت الثاني عطفاً بالواو وفي الثالث عطفاً بأو ، وقوله : « لشيء » فقد ذكره المناقب ومتبعيه كذلك ، وأما غيرها ممن أورد هذا البيت ذكره بالباء بدلاً من اللام حيث جعل الفعل « استمتع » متعدياً إلى الشيء لا إلى الدنيا وهو صعب ، وقوله : « ألا » جاء في المقتل : « بلى » وفي بعض نسخ البحار : « إلى » حرف جر ومثله الحياة والأهل ، والظاهر أن « إلى » تصحيف لـ « ألا » وأما « بلى » فيصح إلا أن « ألا » أنسب .
وأما صدر البيت الرابع فقد ورد في المروج والتذكرة ومن تبعهما هكذا : « سأبكيك ما ناحت حمامة أيكة » ويستقيم معنى ووزناً إلا أن وزن ما أثبتناه اضبط في التفعيلة الثالثة حيث ان مجيئها سالمة فيما نحن فيه هو المطلوب .
وأما الصدر من البيت الخامس فقد ذكرها كل من المناقب والبحار الذي نقل عنه كالتالي : « وما هملت عيني من الدمع قطرة » يستقيم وزنه إلا أن المناسب لما قبله وبعده ما اثبتناه ، وقوله : « الرياض » هو الذي اثبته هكذا ، وإلا فإن المصادر جميعها التي أوردت هذا البيت ذكرته « الحجاز » إلا أن ما في التذكرة أقوى لعدم الحصر .
وأما البيت السابع فقد ورد بدل « وأطراف البيت » في كل من المروج والتذكرة ومن اعتمد عليهما « اكناف الحجاز » إلا أن ما أثبتناه هو الأقرب للمعنى المراد إذ هو الأنسب مع ما قبله وما بعده بالإضافة إلى أن البقيع أرض حجازية .
وأما البيت الثامن فجاء في المنتخب « سكوب » بدل « حبيب » ولا يختل به المعنى والوزن إلا أن الأخذ بالتزام الشاعر في القافية بالياء والباء في بقية الأبيات بشكل عام هو الأولى وإن خرج منها في البيت الرابع .

دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 214

وأما البيت العاشر : ففي غرته أبدل بعضهم الواو العاطفة بالفاء التفريعية كالمقتل والمناقب ومن أخذ منهما ، وكلاهما يصحان .
وأما قوله « ببعد » فقد ذكروا بدلها « خلاف » كما في المناقب والبحار الذي نقل عنه ، وكل من نقل عنهما فلا يتغير المعنى والوزن ، ولكن بعض المصادر المتأخرة ذكرته « خلال » فهو من الخطأ المطبعي ، والخلاف في الفاء من « فكل » وارد فمنهم من ذكرها واواً كالمناقب والبحار والناقلين عنهما ، فصحيح أيضاً كما في صدر الصدر .
وأما البيت الحادي عشر فقد ذكر صاحب المناقب « فليس » بدلاً من « وليس » وليس فيه ضير ، وأما نقل غير المناقب « الحريب » الأولى مرفوعة فهو خلاف الظاهر لأنها خبر ليس ، وفي التقدير أو إهمال « ليس » عن العمل تكلف .
وأما البيت الثاني عشر فقد جاء في المناقب « طرفه » بدل « طيفه » ولكن الطيف أولى من حيث الواقع والمعنى .
الإعراب :
قوله : « وخدك معفور » الواو للحال والجملة في محل نصب حال ، وقوله : « واشرب » عطف على الجملة الاستفهامية ومن قرأها « أأشرب » جعلها استفهاماً مستقلاً ، ولعل الهمزة فيها تكون للتسوية لا الاستفهام ، وهو الأفضل ، وأم هنا تأتي طرفاً للتسوية وهي للعطف وعندها لا يحتاج إلى جواب ومنه قوله تعالى : « أأنتم أشد خلقاً أم السماء بناها » (1) وقول الشاعر من الطويل :
ولست أبالي بعد فقدي مالكاً أموتي ناء أم هو الآن وقع (2)
فالهمزة في كلا البييتين إذاً للتسوية لا الاستفهام ، ومن هنا يتضح أن كلمة « أم » هنا أنسب من حرف الجر « من » كما في بعض المصادر ، والتقدير : « أم أشرب من غير ماء المزن » ، ولهيب فاعل لضمن ، وقوله « الدنيا » مفعول للفعل « استمتع » وبما أنه فعل

(1) سورة النازعات ، الآية : 27 .
(2) مغني اللبيب : 1/ 41 .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 215

لازم فلا يتعدى إلا بالباء (1) فالتقدير بالدنيا وإنما حذف لوضوحه كما في قول الشاعر من الوافر :
تمرون الديار ولم تعوجوا كلامكم علي إذاً حرام (2)
وهو على قول الأخفش (3) ان حذف حرف الجر قياسي خلافاً لأخرين ، ومن المعلوم أن الجذر « متع » لازم ، واللازم لا يتعدى إلا بإحدى ثلاث : نقله إلى باب الأفعال او باب التفعيل او بحرف الجر ، واما باب الاستفعال فلا يوجب التعدية ، وهناك ستة استخدامات لهذه المادة من باب الاستفعال في القرآن الكريم كلها جاءت متعدية بحرف الجر الباء منها قوله تعالى : « فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم » (4) .
وقوله « لشيء » فاللام فيها إما للتعليل أو التبيين ويكون على قول بعضهم مفعولاً له ( لأجله ) لا مفعولاً به (5) والتقدير : « استمتع بالدنيا لأجل شيء أحبه » ، ويمكن أن يكون التعدية بحرف الجر « من » وأما « شيء » يكون مجروراً بالباء ويكون التقدير هكذا « استمتع من الدنيا بشيء أحبه » ، ولكن الأول أولى لأن الباء إحدى خصائصها التعدية ، وقوله « إلا » أداة تنبيه تدل على تحقيق ما بعدها كما في قوله تعالى : « ألا يـوم يأتيهم ليس مصروفاً عنهم » (6) ، وأما من قرأها « بلى » فإنها تأتي حرف جواب تفيد إبطال ما قبله ويتقدم في بعض صوره ـ كما هنا ـ استفهام من أي نوع كان (7)

(1) يتعدى الفعل « متع » بالباء وفي ، ومن ذلك قول الله جل وعلا : « فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام » [ هود : 65 ] .
(2) شرح ابن عقيل : 1/ 538 ، وقوله : « ولم تعوجوا » أي لم تميلوا .
(3) الأخفش الصغير : هو علي بن سليمان البغدادي المتوفى عام 315 هـ في بغداد ، من علماء النحو سكن مصر ، وحلب ، له شرح كتاب سيبويه ، وكتاب الأنواء ، والمهذب .
(4) سورة التوبة ، الآية : 96 .
(5) راجع شذرات الذهب : 354 .
(6) سورة هود ، الآية : 8 .
(7) الاستفهام قد يكون حقيقياًً وقد يكون تقريرياً وقد يكون توبيخياً .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 216

كما في قوله تعالى : « أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه ، بلى قادرين على أن نسوي بنانه » (1) ، « وحبيب » خبر « كل » .
وأما قوله : « هملت » فهو من باب التفعيل .
وأما قوله : « حريباً » فهو خبر ليس واسمه « من » وحريب الثانية خبر« لكن » .
اللغة :
أدهن رأسه : طلاه بالدهن والزيت (2) ، وكان الرجال أيضاً تطلي الرؤوس بالدهن وهو إحدى الخيارين المندوبين في الإسلام تربية الشعر وتنظيفه وإطلائه بالدهن (3) أو حلقه ، قال الصادق عليه السلام : « من أتخذ شعراً فليحسن ولايته أو ليجزه » (4) وقال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : « المشط يذهب بالوباء والدهن يذهب بالبؤس » (5) .
وكلمة رأسي المراد به الشعر ، وهو بحذف المضاف وتقديره « شعر رأسي » أو من باب المجاورة كما يقول جرى النهر تريد جرى ماء النهر .
والجذر « طاب » يعني أصبح طيباً وذا رائحة عطرة ، ومن الطيب ( العطر ) اشتق تطيب بالطيب ، بمعنى تعطر به ، ومن الجدير ذكره أن التطيب من الأمور التي حببها الإسلام فكان المحاسن من

(1) سورة القيامة ، الآية : 3ـ 4 .
(2) الادهان : تليين ، فأما الادهان بكسر الهمزة وسكون الدال فهو من المداهنة أي المصانعة ، وادهنت ادهاناً : غششت ، وكان كل ذلك عائد إلى الليونة في السلوك والكلام بحيث ينخدع الآخرون بزلاقة اللسان ولين الجانب ، وهو مأخوذ من طبيعة الدهن نفسه ، وهي الزلاقة حيث تنزلق الأشياء حين تكون مدهنة .
(3) كانوا يستعملون الدهن طيباً وتزييناً ، قال الشاعر ، كما في مجالس ثعلب : 2/ 132 ـ من الطويل :
فما ريح ريحان بمسك بعنبر برند بكـافور بدهنة بـان
باطيب من ريا حبيبي لو أنني وجدت حبيبي خالياً بمكان
(4) مكارم الأخلاق : 1/ 164 ، الكافي : 6 / 485 ، من لا يحضره الفقيه : 1/ 75 .
(5) مكارم الأخلاق : 1 / 165 ، الكافي : 6 / 519 ، وقال الصادق عليه السلام : « الدهن يذهب بالبؤس » .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 217

أبرز موارد التطيب فقد قال الرضا عليه السلام : « من أخـلاق الأنبيـاء الطيب » (1) .
والمحاسن : جمع الحسن على غير القياس ، وهي المواضع الحسنة من البدن ، وقد يخصص باللحية لأنها تحسن صورة المرء ، وأما من أوردها « مجالسي » فإنه أراد بالتطيب الجودة والحسن ، تقول طاب مجلسه إذا حلا وحسن ، وطاب عيشه إذا رغد .
والخد : من الوجه معروف ، ومما شرعه الإسلام استحباباً أن يجعل خد الميت على الأرض وأن يعمل له وسادة من تراب (2) ، قال الصادق عليه السلام : « يجعل له وسادة من تراب ، ويجعل خلف ظهره مدرة لئلا يستلقي » (3) ، ولذلك ما جاء في بعض المصادر « رأسك » بدل « خدك » لا يناسب .
قوله : « مفعور» اسم مفعول من الجذر « عفر » الذي يعني التمريغ بالتراب حيث أن العفر بفتح ثانيه أو سكونه هو ظاهر التراب ، والعفرة بالضم ثم السكون لون التراب ، والمعفور هو المعفر بالتراب ، ومنه جاء اشتقاق الكلمة ، ورغم تعدد معاني الكلمة إلا ان جميعها تعود إلى معنى التراب سواء بلفظ العفر أو بصفة من صفات التراب ، ومنه قولهم : عفرت الشيء بالتراب تعفيراً ، فكأنك بذلك قد غيرت لونه إلى غبرة في حمرة (4) وعليه جاء المثل : « وقعوا في عافور شر » (5) أي وقعوا في شر لا يدرون كيف ينجون منه ، فكأنهم وقعوا في كثيب مهيل من التراب فابتلعهم ، وبما أن من معاني الجذر أيضاً الشدة والقوة وبذلك

(1) مكارم الأخلاق : 1/ 102 ، الكافي : 6/ 510 .
(2) العروة الوثقى : 1/ 440 .
(3) وسائل الشيعة : 3/ 173 ، من لا يحضره الفقيه : 1/ 108 .
(4) الجمهرة لابن دريد : 2/ 380 .
(5) راجع المقاييس : 4/ 62 .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 218

فإن كلمة التعفير ليس تتريباً فحسب ، بل هو تتريب بشدة وقوة وإنما اكتسبت الكلمة هذا المعنى لأنه انتقل إلى باب التفعيل وهذا شأنه ، ولذلك استخدم في الفقه كلمة « التعفير » عند غسل الأواني التي ولغ فيها الكلب والخنزير البريان (1) ، وكلمة معفور قد يكون اسم مفعول من عفر بغير تشديد ، وقد تأتي من حل التضعيف من كلمة معفر بتشديد الفاء مفتوحاً لتقلب الفاء الثانية واواً كما في مغلق قالوا مغلوق وهو إحدى الاستعمالات وإن كان قليلاً في اللغة إلا أنه مما سمحت به قوانين اللغة .
والتريب : فعيل من ترب المكان كثر ترابه ، وترب المرء : إذا افتقر كالذي يلصق بالتراب ، وترب الشيء أيضاً : أصابه تراب ، وكذلك جعل عليه التراب ، والتريب من أصابه التراب وأهيل عليه التراب .
وأما قوله : المزن فهو ماء المطر وإنما جازت الإضافة على غرار قولهم مسجد الجامع وكلاهما بمعنى واحد ، حيث أجازوا إضافة الشيء إلى نفسه حين يتغير لفظ الثاني عن الأول (2) ، بل إذا كان نوعاً منه وعندها يراد به التحديد ، كما أن المزن حسب الاستعمال معنى آخر ألا وهو السحاب (3) باعتباره الماء المبخر ، وكأنه أراد بماء المزن كله ، والمزنة هي السحابة البيضاء (4) والقطعة من المزن ، وتأتي بمعنى المطرة .
قوله : « غير مائه » أراد الأنواع الأخرى من المياه ، كمياه الآبار أو الأنهار مثلاً ، حيث إن الضمير يعود إلى المزن .
والأحشاء : جمع الحشا وهو ما انضمت عليه الضلوع .

(1) جاء في العروة الوثقى : 1/ 110 « يجب في الأواني إذا تنجست بالولوغ التعفير بالتراب » .
(2) راجع شرح ابن عقيل : 2/ 27 .
(3) راجع لسان العرب : 13 / 96 .
(4) بل المزن هو السحاب ذو الماء منه .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 219

واللهيب : حر النار ، السيال المضيء الخارج من الأجسام المحترقة ، لسان النار .
وأما المتعة : الاستلذاذ ، الانتفاع .
الأدنى : الأقرب .
وأما قوله : تغنت ، من الغناء بالكسر هو الترنم ، والغناء من الصوت ما طرب به ، والطرب ما يوجب الوجد ، والوجد هو غاية الحزن أو الفرح ، وفي بعض المصادر : « سأبكيك ما ناحت حمامة ايكة » كما سبقت الإشارة إلى أفضلية ما أثبتناه من حيث الوزن ، ولكن كلمة « ناحت » أقرب إلى المراد إلا أن تفعيلتها : « فاعلن » بينما تفعيلة « تغنت » « فعولن » ، والأيك : الشجر الكثير الملتف ، الواحدة الأيكة ، ولا يخفى أن هديل الحمام يعد من الأصوات الحزينة ، في قبال صفير البلبل ، وتغريد العصافير .
والصبا والجنوب هما نوعان من الرياح إذا قرءا بفتح أولاهما ، فالأولى الرياح الشرقية ، والثانية الرياح الجنوبية ، والدبور هي الرياح الغربية ، كما أن الشمول هي الرياح الشمالية ، وقيل إن الصبا هي الرياح التي تحن إلى البيت العتيق في مكة المكرمة (1) ، وقيل إن الريح التي تهب من الجنوب فهي في كل مكان حارة إلا في نجد فإنها باردة ، وقد ذكرها كثير عزة في قوله من الطويل :
جنوب تسامي أوجه القوم مسها لذيذ ومسراها من الأرض طيب (2)
وأما قوله : هملت بالتشديد وبالتخفيف بمعنى انصب يقال : هملت السماء إذا دام مطرها في سكون ، وهملت العين إذا فاضت دموعاً ، وأنهملت عينه إذا فاضت وسالت ، وأصل الكلمة مأخوذ من الترك وكأن السماء والعين تتركا سبلها لتدر ماء أو دمعاً دون أن توقفهما .

(1) راجع الحكم لابن سيدة ، مادة « صبا » .
(2) ديوان كثير عزة : 214 .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 220

الرياض : جمع الروضة مؤنث الروض وهو أرض مخضرة بأنواع النبات ، والدوح مأخوذ من الدوحة وهي الشجرة العظيمة المتسعة من أي الشجر كانت ، واشتق منها الفعل فقيل : داحت الشجرة تدوح ، إذا عظمت فهي دائحة وجمعها الدوح .
الطويل من كل شيء : ما امتد زمانه أو مكانه ، فالطويل من الأول كطول النهار أو الليل ، ومن الثاني الطول من المساحات والإنسان والشجر فالطويل مقابل القصير تقول رجل قصير ونهار قصير .
والغزير فعيل أيضاً : ما كثر من الشيء مادة أو معنى تقول : الناقة كثر درها والرجل كثير العلم فتلك غزيرة لبنها وهذا غزير العلم .
والبعيد على زنة ما قبله : هو البعد الزماني والمكاني وربما المنزلتي والرتبي ، حيث يصدق على من بعد عنك مكانه إنه بعيد ، كما يصدق على من لا تربطك به صلة وإن كان بجنبك ، كما يصدق على من بعد زمانه عن زمانك حيث وقع الفصل بينك وبينه بسبب تراكم الزمان ، وأيضاً يصدق على من لا تناله يدك لمانع أو حاجب مادياً كان أو معنوياً ومنه الذي فارق الحياة ، وهو المقصود في هذا البيت ، ومثل البعيد القريب زنة وخلافه معنى في كل الاتجاهات والمراد به هنا القرب المكاني حيث إن قبره بأطراف بيته .
والمزار : معروف وهو من زار يزور ، فهو زائر ومزور والمراد به المرقد والقبر ، وإنما سمي كذلك لأنه يزار فهو اسم مكان .
وأما قوله : « غريب » فهو بالفعل غريب إذ أنه من الجذر ( غرب ) التي تشعب اشتقاقها كثيراً فكأنها من الألفاظ التي كادت أن تفقد ارتباطها بين مشتقاتها بسبب أن الغربة كانت صفة من صفات الحياة العربية وبخاصة قبل ظهور الإسلام ، في انتقال الناس من مكان إلى مكان سعياً وراء الكلأ والماء ، وأما بعد الإسلام فقد كانت الهجرات صفة أخرى للحياة إما طلباً للرزق ، وإما للفتح وإما للحصول على الأمان في أرض لا تطالها يد الطاغوت .

السابق السابق الفهرس التالي التالي