|
فالغرب : حد الشيء ، واغرب في الضحك : استغرق فيه ، والغرب : الدلو العظيمة .. وهكذا تتكدس المعاني حتى تفقد الصلة الطبيعية بين مشتقاتها ، فالمادة تأتي بالمعاني الرئيسية التالية ، ويشتق منها اسماً للمكان والزمان والفاعل والمفعول واسماً للحيوان والآلة ، ويشتق منها الفعل من خلال الأبواب التي وضعت لتحويلها إلى المزيد فيه فتشكل جمهرة من المعاني التي ابتعدت رويداً رويداًَ بأدنى مناسبة عن المادة والجذر ، وعلى أية حال فالمادة تأتي بمعنى البعد والتنحي والنزح عن الوطن والنفي عن البلاد ، كما تأتي لأفول الكوكب أو النجم ، وإلى البعد عن الفهم والكلام الغامض ، والخفي ، والشيء غير المألوف ، والصنيع القبيح ، كما تأتي بمعنى شدة جري الفرس وكثرته إلى أن يموت ، والعرق الذي في العين الذي لا ينقطع ، والدمع الذي يسيل ، إلى عشرات المعاني المتفرعة من هذه والأسماء المختارة للبلدان وللجهات والتي تنحصر في نهاية الشيء ، والشيء غير المألوف ، والبعد ، وهذه توصلنا إلى القاسم مشترك بينها هو الغياب المعروف سواء كان عن المألوف عن النظر أو عن الواقع المعاش أو ما إلى ذلك ، وحتى أن تسمية الغراب إنما جاءت لأنه دال على الغياب دون رجعة للتشاؤم الذي اقترن بصوته أو بسبب حطه على المنزل ، وفي قباله بعض المشتقات التي توحي بحسن الحال في مثل كلمة أغرب الرجل بمعنى حسن حاله وذلك لملازمته الاغتراب الذي أصبح مألوفاً لأجل كسب العيش ، أو كلمة الغرب الذي يطلق على الذهب والفضة والقدح والخمر وما إلى ذلك ، وكذلك أغرب الحوض إذا ملأته . إذاَ فالموت يسبب الغياب ، والعداء يسبب الغربة بين بني البشر ، والغراب يضرب به المثل للبعد والبين ، ومنه يقال للأسود الحالك بمناسبة شدة اسوداد لونه ، والليل أيضاً لأجل إحساس الإنسان بالغربة أو شدة اسوداده وهكذا تولدت المعاني واشتقت المفردات إلا أن معنى الجذر واحد وانتقلت إلى تلك لأدنى مناسبة . |