دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 235

هامش الكشف : « إلا كفاه البغي ربه » .
الإعراب :
قوله : « خنقاً » حال من الفاعل .
قوله : « به يشبه » التقدير « به ما يشبه » .
قوله : « أفلا يعيج » و « أفلا يثوب » استفهام استفكاري .
قوله « كافيا » اسم فاعل منون عمل عمل فعله فوقع ما بعده « ما اختشي » مفعولاً به ، فما الموصولة في محل نصب على أنه مفعول به واختشي صلته وذلك لأن اسم الفاعل منون ودال على الحال والاستقبال (1) .
اللغة :
السب هو الشتم مع بعض الفوارق ، والفرق بينهما أن الشتم تقبيح أمر المشتوم بالقول ، وأصله من الشتامة وهو قبيح الوجه ، يقال رجل شتيم إذا كان قبيح الوجه ، ولذا سمي الأسد شتيماً لقبح منظره ، وأما السب هو الإطناب في الشتم والإطالة فيه واشتقاقه من السب وهي الشقة الطويلة ، ويقال لها سبيب أيضاً ، وسبيب الفرس هو شعر ذنبه وإنما قيل له ذلك لطوله ، والسب أيضاً العمامة الطويلة فهذا هو الأصل فإن استعمل في غير ذلك فهو توسع (2) .
قوله : « المغيب » اسم مفعول من غاب ضد ظهر أراد المختفي .
قوله : « يبغي » تقديره يريد ويطلب بغياً وعدواناً ، وأصله من بغى الشيء بغواً : إذا نظر إليه كيف هو ، والبغية : الطلبة يطلبها المرء .
غير أن اللفظ بحد ذاته يتضمن معنى البغي والعدوان ، لا الطلب المطلق ، ذاك هو الحقيقة اللغوية ، فإذا ما أطلق على معاني الخير فإنما هو من باب التضمين أو استعارة لفظ لدلالة لفظ آخر .
قوله : « الفساد » أراد عدم الإصلاح ، والفساد فساد النفس وفساد

(1) راجع شرح ابن عقيل : 2/ 59 ، ومنه قوله تعالى : « وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد » [ الكهف : 18 ] .
(2) راجع فروق اللغة : 294 .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 236

الأمر والحال ، وكلما خرج عن الصلاح فهو فساد وله درجات .
قوله : « اربه » أي أفسده من إرب يأرب على زنه علم يعلم ، وأصله بمعنى تساقط الأعضاء ومنه قوله إرباً إرباً أي قطعة قطعة ، وأما أرب يأرب على زنة ضرب يضرب فهو أحكم واحتاج وصار ماهراً .
قوله : « الحنق » بفتحتين بمعنى اغتاظ أراد غيظاً .
قوله : « يدب » من الجذر « دب » بمعنى جرى وسرى ومشى ، وكثيراً ما يستعمل الدب في السوء ، كأن يدب بين الناس بالشر والضغينة والوقيعة ، ووصفوا المولى الجيد أنه لا يدب مع القراد كما في قول الشاعر من الوافر :
لـنا عز و مرمانا قريب ومولى لا يدب مع القراد (1)
كما وصفوا اللص بالدباب ، ومنه الدابة التي تدب على الأرض ، والضبع : دباب ، ويقال لكل أجوف دباب ، حتى لو كان امرءاً يمشي على رجلين .
قوله : « الضراء » خلاف « السراء » ، والضراء هي الشدة ، والفرق بين الضراء والضر ، أن الضراء هي المضرة الظاهرة وذلك أنها خرجت مخرج الأحوال الظاهرة مثل الحمراء والبيضاء ، والضر : بالضم الهزال وسوء الحال ، وأما الضر بالفتح وهو خلاف النفع ويكون حسناً وقبيحاً فالقبيح منه كالظلم ، والحسن منه شرب الدواء المر رجاء العافية ، هذا ويقال : يدب له الضراء وذلك إذا ختل الرجل صاحبه ومكر به ، ولكن لا بد من الاشارة الى ان الوزن لا يستقيم مع تشديد فلا بد من قراءتها مخففة : للضرورة الشعرية ، وإلا فإن الضراء بكسر أوله وفتح ثانيه جمع الضروة وهي الشدة ، ومنه قول المحدثين ضراوة الحرب أي شدتها ، ومنه الحيوان الضاري الشديد الافتراس .

(1) النوادر لابن الإعرابي : 87 .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 237

قوله : « ذباب » هي الحشرة الطائرة المعروفة ولها أصناف ، أيضاً الطاعون ، الشؤم ، الشر الدائم ، وذباب السيف طرفه الذي يضرب به ، ومن العين إنسانها ، يقال في المثل : « هو أعز من ذباب العين » ، وكلها من الجذر « الحشرة » حيث كثيراً ما تتغذى بالأوساخ فتنقل الجراثيم والأمراض ، ولذلك أصبح مصدراً للشر فأطلق على الطاعون والشوم والشر الدائم وطرف السيف ، وإما إطلاقهم لها على إنسان العين فلأدنى مناسبة بين حجميهما ، والعرب تطلق الذباب أيضاً على النحلة والبعوض والزنابير لوجود الشبه إما بالطنين أو بنقل الجراثيم أو غير ذلك ، وعلى أية حال فالمراد بـ « ذباب الشر» هنا الناس الذين يبغون الإيذاء وحرب الآخرين .
قوله : « يطن » مأخوذ من الطنين وهو الصوت غير المفهوم ، ويطلق على مثل صوت الحشرات .
وأما الذب فهو الدفاع عن الشيء بحركة ومنه قولهم : ذببنا ليلتنا أي تعبنا من السير وكثرة الحركة ، والذبذبة : تحرك الشيء المعلق في الهواء .
قوله : « خبا » سكن وخمد ، يقال خب النار إذا انطفأت ، وخبا غضبه إذ سكنت حدته ، وخمدت .
و « الوغر » حرارة الغيظ التي يجدها المرء في صدره ، والوغرة شدة الحر ، ووغر صدره يوغر بمعنى اغتاظ .
وقوله : « يشبه » من شب النار ، فالنيران هي التي تشب ، وهي التي تبعث بشبوبها الحرارة ، تقول شبت النار إذا اشتعلت وتوقدت .
قوله : « يعيج » أي يرجع ومثله قول جرير من الوافر :
تمرون الديار ولم تعوجوا كلامكم علي ، إذاً حرام (1)
يقال : فلان يعيج بعقله أي يلوذ به ، ويرجع إليه ، ويعنى به ، ومن

(1) ديوان جرير : 1 / 27 .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 238

أمثالهم : « ما عجت بفلان » أي ما اهتممت به (1) ولا اعتنيت ولا صدقت بما يقول (2) .
وأما قوله : « يثوب » بالمثلثة بمعنى يرجع من الفعل الماضي « ثاب » وهو دال على العودة والرجوع ، وأخذ منه « الثواب » فكأنه نتيجة عمل يؤديه المرء ، وتلك النتيجة تثوب إليه أي تعود إليه ، ومنه ثاب إليه رشده ، أي عاد .
و « اللب » هو العقل وأصلها الخالص من كل شيء ومغزاه فمن الإنسان عقله ومن النبات وسطه ، وعليه فكل عقل لب وليس العكس ، نعم إذا كان بالمعنى الأول الخالص من كل شيء تنقلب المعادلة فكل لب عقل وليس العكس ، وعلى أية حال فالمراد به هنا العقل ومنه قوله تعالى : « ولكم في القصاص حياة يا أولي الألـباب » (3) .
قوله : « من » حرف جر وهناك من أوردها « أن » مخففة من المثقلة ، وتأتي للتأكيد وتقع بعد فعل اليقين « يرى » (4) واسمه ضمير الشأن المقدر و « فعله » خبره كما في قوله « ان الحمد لله رب العالمين » (5) .
قوله : « يسور » بمعنى يدور التي يراد منها يعود ، وإنما قيل لسور البلد سوراً لأنه يحيط به ، ويقال تسور الخمر في رأسه سريعاً أي تدور ، وليس فيه العودة فحسب ، لأن الجذر يتضمن مع الاستطالة أيضاً والإحاطة ، ومنه السور المرتفع العالي ويقال : « إن لغضبه لسورة » أي ارتفاع واستطالة (6) ، والسوار المتغضب

(1) المقاييس : 4 / 191 .
(2) راجع العين : 4/ 339 .
(3) سورة البقرة ، الآية : 179 .
(4) راجع جامع المقدمات : 510 .
(5) مغني اللبيب : 1/ 30 .
(6) مجمع الأمثال : 124 .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 239

غضياَ شديداً كما جاء في قول الأخطل من البسيط :
وشارب مربح في الكأس نادمني لا بالحصور ولا فيها بسـوار (1)
ومنه السوار الذي يحيط بالمعصم ، ومنها سورة السلطان : سطوته واعتداؤه وسورة الخمر : حدتها .
وأما « الغب » فهي النتيجة والعاقبة .
وقوله : « حسبي » أي أكتفي ومن قوله تعالى : « يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين » (2) . وقوله : « اختشي » من الجذر « خشي » بمعنى خاف واتقى .
وأما البغي فهو الظلم ومنه جاء المثل : « البغي مرتعه وخيم » (3) والفرق بينهما أن البغي : شدة الطلب لما ليس بحق بالتغليب ، وأصله في العربية شدة الطلب ، ومنه يقال : دفعنا بغي السماء خلفنا أي شدة مطرها ، وبغى الجرح يبغي إذا ترامى إلى فساد يرجع إلى ذلك ، وكذلك البغاء وهو الزنا وقيل في قوله تعالى : « والإثم والبغي بغير الحق » (4) أنه يريد الترؤس على الناس بالغلبة والاستطالة ، والظلم ضرر لا يستحق ولا يعقب عوضاً سواء كان سلطان أوغيره ، وأصل الظلم نقصان الحق ، ويقال في نقيض الظلم الإنصاف .
التصوير الفني :
حاول الشاعر أن يستخدم شيئاً من الطباق والجناس بين شطري كل بيت من أبياته فقد قابل النفي بالإثبات اللفظي في كل من الحب والسب والدب في البيتين الأولين والرابع ، بينما استخدم الكلمتين المتضادتين في كل من خبا ويشبه في البيت السادس ، وأورد الكلمتين المترادفتين في كل من الفساد والإرب ، يعيج

(1) ديوان الأخطل : 116 .
(2) سورة الأنفال ، الآية : 64 .
(3) المنجد في اللغة : 44 .
(4) سورة الأعراف ، الآية : 33 .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 240

ويثوب ، والعقل واللب في البيت الثالث والسابع ، بينما كرر اللفظ مع مراعاة تغيير النسبة كما في حسبي وحسبه وذلك في البيت التاسع واستعمل الجناس بين ذباب ويذبه في البيت الخامس ، وإذا كان الشاعر قد استعمل في البيت السابع لفظة « يعيج » و « يثوب » بمعنى يرجع فإنه في البيت الثامن يعبر عن معنى يرجع بلفظ « يسور » ، وذلك ليخلق جواً من الحركة في الأبيات يخرجها من الجمود الذي قد يكتنف شعر الحكمة .
وأما البيت الأخير فبصورته هذه لا تناسب والأبيات التي قبله ، ذلك أن الشاعر قد ذكر في البيت السابق أن الله تعالى يكفي من اعتمد عليه كل المكائد ، أما في البيت الأخير فليس المعنى شاملاً لجميع المتوكلين على الله سبحانه ، فهناك من لا يكفيه الله ولا يرد عنه كيد الكائدين ، والتقليل هذا أيضاً يتنافى مع قوله تعالى : « ومن يتوكل على الله فهو حسبه » (1) إلا إذا أريد غير المتوكلين أو نقرءها هكذا :
ولعل من يبغى عليـ ـه إلا كفاه الله ربه
إلا أن المعنى ليس بالمطلوب ، ولعل فيها نوع من التورية حيث يريد القول : إن القليل من الناس من يظلمون في هذه الدنيا وذلك من منظار قوله تعالى : « ومـا ظلمناهم ولكن كـانوا انفسهم يظلمون » (2) فغالباً ما يقع الظلم على الإنسان بسبب سوء تصرفه ، ولعل ما في « فما » زائدة وليست نافية والله العالم .
الشرح والمعنى :
يشكو الشاعر زمانه ورفاقه حيث يقول : ذهب الذين كنت أحبهم وبقيت في جملة من لا أحبهم وهم الذين اشاهدهم يسبوني ومع ما ظهر لي عن نواياهم فلم أعاملهم بالمثل ، يريد الساب ظلماً أن يفسد حياتي مهما استطاع ، وأمر هذا الساب الساعي في الإفساد هو فاسد في حقيقة أمره وحاله ويسعى إلى عدم إسعادي

(1) سورة الطلاق ، الآية : 3 .
(2) سورة النحل ، الآية : 118 .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 241

غيظاً منه لي ولكنني لا أسعى له بالسوء إلا أنه يشاهد من يحاربني ويؤذيني ولا يذمهم عني ، وإذا ما هدء غيظ الصدور فإنه لا زال يملك بداخله ما يمكنه أن يثيره ويشعله ، إنني أناشده أن يعود إلى صوابه وعقله ويرجع إلى لبه وضميره ليوقفه عن ذلك ، أفلا يرى أن فعله هذا سيعود بسيئاته إليه ويحيط به من كل جانب وصوب ، وسوف يتضرر به أكثر من غيره ، وقد قال الله سبحانه : « ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله » (1) كفاني الله شر ما أخاف منه وكفاه ظلمه وقل من لا يكفيه الله ظلم الباغي وذلك فيما لو لم يتوكل عليه .
الحكمة :
يشكو الشاعر من الدنيا حيث أصبح غريباً بها بعد فقد من يؤتمن لهم وبقاءه بين من لا يحملون من الوفاء والصدق حرفاً واحداً ، لينبه بذلك من تنفعه الذكرى ويحذر من اعتمد على هذه الدنيا وعول عليها ويعتبر من يعتبر .
النسبة :
لا يعيق أمام النسبة إلا إرسال الرواية ، والإرسال لا يدلنا على عدم صحة النسبة بل على عدم الدليل عليها ، وأما مضامينها فلا تتنافى مع صدوره عن الإمام المعصوم عليه السلام إلا البيت الأخير إن لم يكن فيه بعض التحريف أو التصحيف والله العالم .
الإقتباس :
لقد تناول هذا المعنى الكثير من الشعراء وهو الشكوى من الزمان وفراق الأحباب المخلصين بالموت وممن تطرق إلى هذا المعنى لبيد (2) في قوله من الكامل :
ذهب الذين يعاش في أكنافهم وبقيت في خلف كجلد الأجرب (3)
بينما تناول المتنبي المعنى الذي حمله البيت السادس حيث يقول من الخفيف :
كلمـا أنبت الـزمـان قنـاة ركب المرء ، في القناة سناناً (4)

(1) سورة فاطر ، الآية : 43 .
(2) لبيد : مضت ترجمته .
(3) ديوان لبيد : 46 .
(4) ديوان المتنبي : 2 / 347 .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 242

فالشكوى من الزمان وأهله متواصلة مستمرة ، وليس ثمة من امتدح الزمان وأهله . وينسب إلى علي عليه السلام من الكامل الأخذ :
ذهب الذين عليهم وجدي وبقيت بعد فراقهم وحدي (1)
يقول أبو العلاء المعري من الوافر :
و ليس أخـوك إلا ليث غاب يسور إلى افتراسك بافتراص (2)
ويقول أيضاً من الخفيف :
يغدر الخـل إن تكفل يـومـاً بوفاء والغدر في الناس طبع (3)
وله في هذا المعنى من الكامل :
لم تلق في الأيام إلا صاحباً تأذى به طول الحياة وتألم
ويعد كونك في الزمان بليـة فاصبر لها فكذاك هذا العالم (4)
ومن الشعر المشهور الذي لم يعرف قائله بيتان من الطويل :
ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى عدوا له مـا من صداقـتـه بد
فيـا نكد الدنيا متى أنت مقصـر عن الحر حتى لا يكون له ضد (5)
ولأبي العلاء من المتقارب :
فلا تأمنوا الشر من صاحب وإن كان خّلاً لكم وابن عم(6)
ويقول من أخرى من البسيط :
أكرم نزيلك واحذر من غوائله فليس خلك عند الشر مأمونا (7)

(1) روائع الحكم : 187 .
(2) ديوان لزوم ما لا يلزم : 1/ 603 .
(3) ديوان لزوم ما لا يلزم : 2/ 32 .
(4) ديوان لزوم ما لا يلزم : 2/ 302 .
(5) نفح الأزهار : 52 .
(6) ديوان لزوم ما لا يلزم : 2/ 382 .
(7) ديوان لزوم ما لا يلزم : 2/ 409 .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 243

وأخيراً : إذا كانت النسبة صادقة فإن الأبيات تحتوي على عدد من المسائل الأخلاقية إن لم تكن من المسائل الشرعية :
1ـ السب لا يقابل بالسب .
2ـ من البغي فساد أمر الغير .
3ـ من الظلم القضاء على سراء الغير .
4ـ لا بد من ذب الأذى عن الآخر وبالأخص الصديق .
5ـ نزع فتيل الحقد والكراهية من النفس .
6ـ لا بد من مراجعة العقل .
7ـ لا بد من محاسبة النفس وتدارس الأعمال .
8ـ عدم الانتقام من الصديق وإيكال أمره إلى الله .

دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 244

الباء المكسورة
(10)
بني رباب
1ـ أحب لحبها زيداً جميعاً ونتلة كلها وبني الرباب
2ـ وأخوالاً لها من آل لأم أحبهم وطر بني جناب
* * *
البحر :
من الوافر « مفاعلتن ×6 » إلا أن القطف دخل على ضربه وعروضه فأصبحت « مفاعلتن » بعدها « فعولن » كما دخل العصب على بعض تفاعيل الحشو فأصبحت « مفاعيلن » وقد سبق الحديث عن هذا .
القافية : من المتواتر وذلك بإشباع حركة الباء .
سبب الإنشاء :
لم تذكر المصادر شيئاً عن ذلك ، ولكن إذا صحت النسبة فاحتمال أن يكون البيتان في سياق الأبيات الأربعة السابقة التي أنشأها الشاعر في زوجته الرباب ، والتي عوتب على حبه لها ، والله العالم ، فعليه يكون تاريخ إنشاءها في تلك الفترة أيضاً .
التخريج :
تاج العروس : 2/ 472 ، وعنه أعيان الشيعة : 6 / 449 ، حسن الصحابة في شرح أشعار الصحابة : 91 عن الروض الآنف للسهيلي عبد الرحمان بن عبد الله بن أحمد الأندلسي ( 508 ـ 581 هـ ) (1) ، وهو أقدم من نقل البيتين .
عدد الأبيات : بيتان فقط .
السند : مرسل .

(1) السهيلي : كان مؤرخاً محدثاُ ، نحوياً ، لغوياً ، أديباً ، ولد بسهيل قرية بالقرب من مالقة بالأندلس ، توفي في مراكش حيث أقام بها ثلاثة أعوام بطلب من واليها ، له من المؤلفات : التعريف والأعلام ، نتائج النظر ، شرح الجمل .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 245

الراوي : تنتهي روايتهما إلى السهيلي المتقدم الذكر وقد نسبهما إلى الإمام الحسين عليه السلام دون ذكر الرواة .
النسخ :
كلها متطابقة إلا الأعيان حيث ورد البيت الثاني « أخوالاً » دون حرف عطف والظاهر أنه من الخطأ المطبعي إذ المعنى والوزن لا يستقيمان بدونه .
الإعراب :
قوله : « جميعاً » و « كلهم » لفظان من التوابع فهما للتأكيد ، وهما منصوبان بالتبعية للمؤكد وهو في الأول « زيداً » وفي الثاني « نتلة » .
الظاهر أن الضمير المجرور بالإضافة في « حبها » يعود إلى الرباب التي لا بد أن تكون قد ذكرت في الأبيات السابقة أو اقتضى المقام ذلك كما لو قال لك أحد : أين زيد ؟ قلت : « ذهب إلى المدرسة » فالضمير المستتر يعود إلى زيد الذي ورد في مقولة السائل .
وأما « زيد » فقد جاء في البيت مصروفاً حيث نون ، وقد اختلف النحاة في الاسم الثلاثي المذكر الساكن الوسط إذا سمي به مؤنث ـ كما في هذا المورد ـ هل يعامل معاملة الاسم غير المنصرف أم لا ؟ فذهب الخليل وسيبويه وأبو عمرو إلى أنه ممنوع من الصرف كما في ماه وجور ، وذهب أبو زيد وعيسى والجرمي إلى جواز منعه وعدمه ولكن الصرف عندهم أفضل كما في هند ، وأما الشاعر إنما صرف زيداً بناء على أصله ونظراً لإطلاقه على القبيلة بحيث انسلخ عن تسميته للأنثى .
قوله : « أخوالاً » رغم أن الكلمة مجردة عن واو العطف لا يستقيم الوزن معها فإنهم قالوا في تصحيح إعرابها على النصب أنه يجوز ذلك بالإضمار على شريطة التفسير وبما أن كلمة « أحبهم » بعدها تفسيره فجاز التقدير « وأحب أخوالاً » لهم ، ولكن بما أن الوزن لا يستقيم بدون الواو ، وهناك نسخة مع الواو فلا حاجة إلى الإضمار والتكلف فهي إذاً عطف على ما قبلها .
اللغة : قوله : « زيد » قبيلة من بني كعب بن عليم بن جناب عرفوا بأمهم

دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 246

زيد بنت مالك .
وأما « نتلة » قبيلة عربية والظاهر أنها من الهبلات .
« بني الرباب » : قبيلة عرفوا بأمهم الرباب بنت أنيف بن حارثة من لأم الطائي وهي أم الأحوص وعروة ابني عمرو بن ثعلبة بن حصن بن ضمضم بن عدي بن جناب بن هبل ، وهبل أبو الهبلات من كلب بن وبرة وهو هبل بن عبد الله بن كنانة بن بكر ابن عوف بن عذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة من قضاعة .
« لأم » هم بنو لأم بن عمرو بن طريف بن مالك بن جدعان بن هذيل بن رومان بن جندب بن خارجة بن سعد بن قطرة ، منهم أوس بن حارثة بن لأم الطائي الجواد المعروف .
وأما « طر ‌» أراد جميع أو كل ، وفي المثل : « جاؤوا طراً » أي جميعاً (1) والمطرور في أصله : المحدد ، وطر شارب فلان ، أي : بدا ، وطرهم بالسيف قطعهم ، فمعنى القطع ملحوظ حين يستعمل « طراً » في آخر الكلام للتوكيد ، فانت حين تقول احببت المؤمنين طراً ، فكأنك قد قطعتهم ممن عداهم ومحضتهم حبك ومودتك ، ولا وجه لتقديمه على مؤكده ـ كما سنأتي على بيانه ـ .
وأما « بنو جناب » فجناب هو ابن هبل أبي الهبلات الذي سبق ذكره .
التصوير الفني :
لا يوجد في البيتين ما يميزها ، بل في إضافة كلمة « طر » إلى بني رباب ضعف حيث ان العادة جرت على أن تأتي بعد الكلام الذي يراد توكيده لا قبله حيث تقول : أحببت الناس طراً ، أو جميعاً كما في الشعر المنسوب إلى الإمام الحسين عليه السلام من الوافر :
تركت الخلق طراً في هواكا وأيتمت العيال لكي أراكا

(1) مجمع الأمثال : 2 / 86 .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 247

ولو قيل إن الضرورة الشعرية ألجأته إلى ذلك ، قلنا بأنه كان بإمكانه استخدام كلمة « كل » وعندها يكون أقرب إلى اللغة العربية .
الشرح والمعنى :
يريد القول بأنه يحب زوجته الرباب وجميع من يرتبط معها أسرياً سواء كان من جهة الأب أم الأم .
الحكمة :
لا شيء يمكن الحديث عنه إلا أنه يريد أن يعبر عن حبه الشديد والعميق لزوجته وفيه مبالغة كبيرة ولكنه يصور المثل المعروف : « لأجل عين ألف عين تكرم » .
النسبة :
لا شيء في هذين البيتين يؤيد نسبتهما إلى الإمام الحسين عليه السلام بالإضافة إلى إرسال سندهما وليس لدينا المصدر الرئيسي حتى نحكم ولكن الذي نحتمله أن السهيلي عندما أورد الأبيات المنسوبة إلى الإمام الحسين عليه السلام في حق زوجته رباب وابنته سكينة والتي سبق واستعرضناها أورد بعض الأبيات التي قيلت فيمن تسمى بالرباب كما فعل ذلك صاحب التاج (1) وإلا فالأبيات لا ارتباط لها بالسيدة رباب زوجة الإمام الحسين عليه السلام والقبائل التي ذكرت لا ارتباط لها من قريب بها ، نعم إلا على الجذور والارتباطات غير العادية ، وهذا مرفوض ، كما ان النص المبالغ الوارد فيهما غير مناسب للإمام بهذه الصورة وهي بعيدة عن الحقيقة والواقع أيضاً ، والغريب أن السيد الأمين (2) أوردها في ترجمة الرباب بنت امرئ القيس زوجة الإمام الحسين عليه السلام دون أي تعليق مما يفهم منه أنه من المسلمات عنده ، ولكن الصحيح أن الأمين له حالتان كما يظهر من مؤلفاته وبالأخص أعيان الشيعة : الأولى التحقيق والتنقيب ولذلك نجده يعلق

(1) صاحب التاج : هو محمد ( المرتضى ) بن محمد بن محمد بن محمد بن عبد الـرزاق الـزبيدي الـحسـني ( 1145 ـ 1205 هـ ) كان من أئمة اللغة والأدب ، وكان شاعراً له مؤلفات منها : الروض المعطار ، إتحاف السادة المتقين وبلغة القريب ، وقد اشتهر بكتابه تاج العروس في اللغة .
(2) الأمين : هو محسن بن عبد الكريم العاملي وقد مضت ترجمته .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 248

ويقرب ويبعد وهو الغالب عليه ، والثانية : مجرد السرد دون أي تعليق ، ولعل هذه الحالة تعزى إلى أن المعلومة لا زالت غير محققة عنده ولم يصلها الدور فطلعت دون تحقيق ، والله العالم .
وعلى أية حال نستبعد كل البعد صحة النسبة ولذلك نجد أن أكثر المصادر أهملتهما لدى إيراد الشعر المنسوب إليه عليه السلام .
الإقتباس :
جاء في المثل : « ألف عين لأجل عين تكرم » ويقال : إنه شطر من بيت قالها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم :
يـا حمـيراء سـبـك محرم فألف عين لأجل عينك تكرم
إلا أن الوزن لا يستقيم فيه وقد عللوا ذلك بأنه عليه السلام ليس بشاعر ، ويستقيم لو قيل :
أيـا حميراء سـبك محـرم فألف عين لأجل عين تكرم
لكان من الكامل ، إلا أننا لم نعثر على هذه النسبة والرواية بل هي مجرد مسموعات تتناقل فلا يعتمد عليها ، نعم إن المثل من الأمثال الشائعة .
وأخيراً : على فرض صحة النسبة والتي لا وجه لها فإنها تحمل إلينا ما حملته الأبيات السابقة الذكر .

دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان الإمام الحسين(ع) ـ 1 249

(11)
أنا الحسين
1ـ أنـا الحسين بن علي بن أبـي
2ـ طـالب ألبـدر بأرض العرب
3ـ الـم تروا و تعلمـوا أن أبـي
4ـ قـاتل عمـرو ومبير مرحب
5ـ و لم يـزل قبل كشوف الكرب
6ـ مجليـاً ذلك عن وجـه النبي
7ـ أليس من أعجب عجب العجب
8ـ أن يطلب الأبـعد ميراث النبي
9ـ و الله قد أوصى بحفظ الأقرب
* * *
البحر :
مجزوء الرجز ، ( مستفعلن × 3 ) إلا أنه دخل على بعض تفاعيله الخبن فأصبحت « مستفعلن » بعدها « مفاعلن » كما دخل على بعضها الآخر الطي فأصبحت « مفتعلن » حيث أسقط الفاء الساكن من « مستفعلن » فأصبحت « مستعلن » فقلبت « مفتعلن » ، وبقي بعضها سالماً ، إن مجموع تفاعيل هذه الأبيات 27 تفعيلة ( 9 × 3) ست سالمة ، وسبع مخبونة والباقي (14 ) مطوية ، ولا يخفى أن الخبن في الحشو جائز والطي فيه حسن ، وأما دخولهما على التفعيلة الأخيرة فجائز ، ومن الجدير ذكره أنه يجوز في الرجز ما لا يجوز في غيره وهو أقرب إلى النثر ولذلك سمي بحمار الشعراء لسهولة النظم عليه .
هذا والتفعيلة الرابعة من هذه الأبيات لا بد أن تقرأ على قطع الهمزة « ألبدر » ، كما لا بد من قراءة التفعيلة العشرين « عجب »

السابق السابق الفهرس التالي التالي