دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان القرن الثاني 1




دائرة المعارف الحسينية
ديوان
القـرن الثاني


دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان القرن الثاني 2




دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان القرن الثاني 3

دائرة المعارف الحسينية

ديوان
القرن الثاني

24/7/719 ـ 29/7/816 م

محمد صادق محمد
( الكرباسي )

المركز الحسيني للدراسات
لندن ـ المملكة المتحدة


دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان القرن الثاني 4


الطبعة الأولى
1416 هـ ـ 1996 م


دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان القرن الثاني 5

بسم الله الرحمن الرحيم(1)

الحمد لله وسلامٌ على عباده الذين اصطفى(2) آدمَ ونوحاً وآلَ إبراهيم وآلَ عمرانَ على العالمين ، ذريّة بعضها من بعضٍ واللهُ سميعٌ عليم(3) ، إنّه لقول رسول كريم(4) ، إني لكم رسولٌ أمين(5) ، أبلغكُم رسالات ربّي و(6) لا أسألكم عليه أجراً إلا المودّة في القربى(7) وآتِ ذا القُربى حقّه(8) ذلك خيرٌ للذين يُريدون وجه الله وأولئك هم المفلحون(9) .

صدقَ الله(10) العليّ العظيم (11)


(1) سورة النمل ، آية : 30 .
(2) سورة النمل ، آية : 59 .
(3) سورة آل عمران ، آية : 33 ـ 34 .
(4) سورة الحاقة ، آية : 40 .
(5) سورة الشعراء ، آية : 107 .
(6) سورة الأعراف ، آية : 62 .
(7) سورة الشورى ، آية : 23 .
(8) سورة الأسراء ، آية : 26 .
(9) سورة الروم ، آية : 38 .
(10) سورة آل عمران ، آية : 95 .
(11) سورة البقرة ، آية : 255 .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان القرن الثاني 6

قال الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم :

« إن الحسين مصباح هدى
وسفينة نجاة
وإمام خير ويمن
وعز وفخر
وبحر علم وذخر »
(1)

وصدق رسوله الكريم

(1) عيون اخبار الرضا : 2/ 62 .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان القرن الثاني 7

مقدمة الناشر
تعجز هذه الأسطر ، بل حتى هذه الصفحات عن الإحاطة بكل جوانب عظمة شخصية عظمى كالإمام الحسين عليه السلام الذي تنطلق عظمته من ميزات عدة أهمها ثلاث اجتمعت في شخصيته عليه السلام فتشكلت منها تلك العظمة التي لايدانيه فيها مخلوق آخر سوى آبائه النجب وأولاده الطهر . فإذا ما اجتمع النسب الطاهر لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولفاطمة الزهراء وعلي عليهما السلام مع الفعل العظيم وهو التضحية بالنفس والولد وهو أعظم فعل إنساني مارسه رجل في تاريخ الإنسانية ، مع الهدف السامي الذي من أجله كانت تلك التضحية ، لاتضحت عظمة تلكم الشخصية .
أمام هذه الميزات ، لايملكن امرؤ منتمٍ لخط الحسين عليه السلام أو لامنتمٍ له إلا أن يطأطئ الرأس ويحني الهامة إجلالا وخشوعا أمام تلكم الشخصية العضمى التي نذرت حياتها من أجل دين السماء . بل أفنت حياتها من أجل أن يحيى ذلكم الدين الذي تتمثل حياته باستقامته ومنع تحريفه كما قال بلسان حاله شيخ الشعراء محسن أبو الحب الشاعر الكبير :
« إن كان دين محمد لم يستقم إلا بقتلي .. ياسيوف خذيني ».
إن مايؤكد تلكم العظمة وفرادتها أنه وعلى مر العصور ، لم تنطلق شخصية ما لتسعى من أجل الحق وإقامة العدل ورفض الظلم والطغيان إلا وتمثلت شخصية الإمام الحسين عليه السلام وكانت لها قدوة ومصدر إلهام ، وعامل دفع وقوة .
وهذا الكتاب الذي بين يديك عزيزي القارئ والباحث هو ديوان القرن الثاني من موسوعة الإمام الحسين عليه السلام الكبرى المسماة بـ ( دائرة المعارف الحسينية ). ولاشك عزيزي القارئ أنك قرأت وطالعت كتبا كثيرة عن الإمام الحسين عليه السلام كتبا مفردة وكتبا مجزأة في اجزاء عدة ، ربما حوت الكثير عن تلكم الشخصية ، لكنها ـ بكل تأكيد ـ لم تبلغ مستوى احتواء كل جوانب تلك الشخصية العظمى .

دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان القرن الثاني 8

من هنا كانت رغبة مؤلف هذه الموسوعة في تأليفه ووضعه لها ، كونها مجموعة من الكتب تتناول مختلف جوانب ومزايا شخصية ذلكم الإمام وكل جوانب حياته وسيرته . وثورته ، وسيرة رجلاته ، ومبادئه ، وأهدافه ، ومواقفه ، وما قيل فيه وعنه ، ومن قال ، ومن كتب .. و .. و ..
ولقد عرف العالم أهمية الموسوعات منذ زمن وعرف فوائدها كونها تسعى إلى أوسع عملية إحصاء واحتواء لعلوم ومواضيع شتى مختلفة وشخصيات تاريخية عدة . لكن أهمية هذه الموسوعة التي جاوزت حتى الآن الثلاثمئة وخمسين جزءا تنبع من كونها الفت من أجل شخصية واحدة هي شخصية الإمام الحسين عليه السلام .
وهذا الكتاب هو الكتاب الثالث في هذه الموسوعة وهو ( ديوان القرن الثاني ) بعد أن صدر ديوان القرن الأول بجزئيه الأول والثاني .
ونعلم أننا لن نضيف شيئا إذا ما قلنا أن الشعر في أغراضه المتعددة ، غزلا ، ونسيبا ، ورثاء ، وحماسا ، وفخرا ، ومدحا ، وذما شغل المرتبة الأولى بين أقرانه من جوانب الأدب الأخرى وكان العامل الأول والوسيلة الأفضل في إيصال المبادئ والأفكار والفلسفات والعلوم ، والتعبير عما تجيش به الصدور من أحاسيس ومشاعر إنسانية غزلا وحماسا ورثاء ومديحا وغير ذلك وهو بالتالي أجمل كلام نطق به اللسان وأريد به إيصال تلكم المشاعر والمبادئ والقيم ، فالشعر عندما يلفظه اللسان يتسلل بخفة البرق وسرعة الريح إلى الألباب ليرسخ فيها .
لابد في ختام هذه الوريقات من اعتذارين :
ـ اعتذار عن التأخر في طباعة هذه الأجزاء وهو ما نسعى إلى انتفائه في الأجزاء القادمة التي نأمل أن تبصر النور تباعا وبالسرعة التي نريد .
ـ واعتذار عن الأخطاء التي وردت في الاجزاء التي طبعت ، وهو للأسف أمر خارج عن إرادتنا ، إذ ان هدفنا كان دائما أن تكون كل أجزاء هذه الموسوعة خالية تماما من تلكم الأخطاء ، وهذه ما نعد أيضا بتلافيه إن شاء الله في الأجزاء القادمة .
ومن الله نستمد العون والتوفيق إنه نعم المولى ونعم النصير .

المركـز الحسـيني للدراسـات
لندن ـ المملكة المتحدة

دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان القرن الثاني 9


قسم

الحسين في الشعر العربي القريض


دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان القرن الثاني 10




دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان القرن الثاني 11


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله ، عدد ما لا يحصيه إلا نفسه والصلاة على محمد صلى الله عليه وآله وسلم نبيه وخاتم رسله .
والسلام على أشرف آل لخير خلقه
.

لندن
محمد صادق
صيف
1415هـ ـ 1994م .



دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان القرن الثاني 12




دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان القرن الثاني 13

تمهيد

إن لهذا الديوان ارتباط وثيق بديوان القرن الأول لجهات :
1ـ كانت ولاتزال قضية استشهاد الإمام الحسين عليه السلام وأنصاره حية في الذاكرة حيث أن عددا من شخصيات هذا القرن التي أنشأت في الإمام ونهضته المباركة قد عايشت أحداث معركة الكرامة (1)بل إن بعضها حضرها وشاهد بأم عينه المآسي التي ارتكبها النظام الحاكم (2).
2ـ لم يزل النظام الحاكم الذي تلوثت يداه بجريمة التصفية الجسدية للإمام عليه السلام والنخبة الطاهرة من أهله وأعوانه مسيطرا على رقاب الأمة رغم تحول السلطة من عائلة مالكة إلى أخرى اتحدت في الطينة وانحدرت من شجرة واحدة(3).
3ـ لم تزل حالة المأساة والحزن التي كانت مسيطرة على الأمة في أواخر القرن الأول قائمة في بداية هذا القرن فكانت الأمة تعيش حالة الإحباط والحزن العميق من جراء قمع شخصياتها الثائرة بوجه الظلم والطغيان .
ولكن هناك فوارق بين القرنين جديرة بالإمعان لعلها تنحصر في أمور :
1ـ استهل القرن الثاني وفي رأس النظام رجل سياسة كعمر بن عبد العزيز (4)الذي تمكن من نبذ بعض القوانين القبلية وسن جملة من الأنظمة

(1)أمثال سليمان بن قتة العدوي .
(2) أمثال فاطمة وسكينة ابنتي الإمام الحسين عليه السلام .
(3) الدولتان الأموية والمروانية كلتاهما من عنصر واحد ومن قبيلة واحدة والشجرة هي الشجرة الملعونة التي وردت في القرآن الكريم في سورة الإسراء ، الآية : 60 .
(4) عمر بن عبد العزيز : بن مروان بن الحكم الأموي خامس حكام المروانيين وثامن حكام الأمويين تولى الحكم عام 99 هـ وتوفي عام 101 هـ .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان القرن الثاني 14

السياسية للدولة حينما رأى أن الدولة بدأت في انحدار خطير بسبب ما ارتكبه النظام من أخطاء فادحة أودت به إلى هذا الانزلاق فأقدم على مجموعة من الإصلاحات والتي شهد بها التاريخ له التي منها رفعه للظلامة التي فرضها مؤسس الدولة الأولى معاوية بن أبي سفيان ألا وهي سب صهر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسبطيه والخلص من أصحابه من على منابر المسلمين في كافة الأقطار الإسلامية (1).
2ـ في السنة الأولى من هذا القرن تسلم رجل من نوع آخر زمام الأمر واعتلى عرش الملك وهو منغمس في شهواته وملاذه ألا وهو يزيد بن عبد الملك (2) الذي كان لاينظر إلا من زاوية عشيقته حبابة (3) ولا يقرع

(1) الأعلام للزركلي : 5/ 50 .
(2) يزيد بن عبد الملك : ابن مروان بن الحكم الأموي الذي حكم مابين 101 ـ 105 هـ .
(3) حبابة : جارية مولدة من مولدات المدينة وكانت مغنية من ألحن من رؤي في عصرها كانت لرجل من أهل المدينة يعرف بابن رمانة أو ابن مينا أخذت الغناء عن ابن سريج وابن محرز ومالك ومعبد وجميلة وعزة الميلاء ، اشتراها يزيد بن عبد الملك بأربعة آلاف دينار في قصة رواها المؤرخون وقد غلبت على عقله فهام بها هياما عظيما فأصبح لها نفوذ كبير في نفسه فتأمره فيخضع لأمرها وتشاغل بها عن النظر في الأمور وفي أصحاب الظلامات حتى قال لها يوما قد استخلفتك على ما ورد علي ونصبت لذلك مولاي فلانا واستخلفيه لأقيم معك أياما واستمتع بك فقالت فإني قد عزلته فغضب عليها وخرج من عندها مغضبا فلما ارتفع النهار وطال عليه هجرها دعا خصيا وقال انطلق فانظر أي شيء تصنع حبابة فانطلق الخادم ثم أتاه فقال : رأيتها بإزار خلوتها قد جعلت له ذنبين وهي تلعب بلعبها فقال : ويحك احتل لها حتى تمر بها علي فانطلق الخادم إليها فلاعبها ساعة ثم استلب لعبة من لعبها وخرج فجعلت تحضر في أثره فمرت بيزيد فوثب وهو يقول : لقد عزلته وهي تقول قد استعملته فعزل مولاه وولاه وهو لايدري فمكث معها خاليا أياما فلامه أخوه مسلمة وقال : ضيعت حوائج الناس واحتجبت عنهم أترى هذا مستقيما لك وهي تسمع مقالته فغنت له لما خرج :
ألا لاتـلـمـه الـيـوم أن يتبلـدا فقـد غلـب المحـزون أن يتجلـدا
بكيت الصبا جهدي فمن شاء لامني ومن شـاء آسى في البكـاء واسعدا
وإنـي وإن فندت في طلب الغنـى لأعلـم أني لست في الحـب أوحـدا
إذا أنت لم تعشق ولم تدر ماالهوى فكن حجرا من يابس الصخر جلمدا
=
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان القرن الثاني 15

صماخ أذنيه إلا نغمات صوتها فالأمة ومصالحها تجسدت فيها ، والأمر الملكي بالعزل والتولية كان يصدر من حنجرتها واستشهد حامي الأمة في معركة العشق للأمة تاركا وراءه المآسي والويلات .
3ـ عم التذمر من السلطات الحاكمة من جديد وأخذت معاول الاضطهاد والانغماس في اللهو تهدم قواعد الدولة المروانية وهيأت أرضية خصبة للإنقلابات على النظام الحاكم .
وهنا أسئلة تطرح نفسها عن النتاج الشعري في هذا القرن وهي كالتالي :
1ـ لماذا بقي الشعر الحسيني ضئيلا في هذا القرن رغم أن السلطات الأموية باتت مهددة بالزوال ، وكذلك الدولة العباسية لا تزال فتية وفي بداية نشوئها ؟
2ـ لماذا لم تحتل القصائد مكانتها في هذا القرن بدل المقطوعات ؟
3ـ لماذا اقتصر الشعر الحسيني على شعراء الشيعة بالذات ؟
أما عن الأول فيعزى السبب بالإضافة إلى ما بيناه في ديوان القرن الأول أن الإضطهاد الأموي في بداية القرن ظل مستمرا رغم انهيار السلطة وأفول نجمها وما كانت حكومة عمر بن عبد العزيز إلا ظاهرة استثنائية لم تتمكن من تطهير أجهزة الدولة من العناصر الطاغية ، والحقيقة ان كل نظام يولد طبقة قريبة من جهاز الحكم تحمل أفكار النظام الحاكم بشكل مفلسف حيث أن الأنظمة عادة تزرع بذورا في أول حكمها بغرض الحصاد ولو بعد حين لتكون ضمانة لاستمرارية حكومتها ، وهذا الجيل يتخرج من مدرسة تختلف تماما عن مدرسة أصحاب النظام والمتعاملين معها حيث ان منهجهم الدراسي يقترن بفلسفة فكرة النظام وعلى أساسه تربى الأجيال منذ نعومة أظفارها ومن الصعب جدا التغلب على هذا الجيل سريعا .
والشعراء بشكل عام كانوا في هذه الفترة فئتين (1) : فئة اشترت السلطة

= فما العيش إلا ماتلذ وتشتهي وإن لام فيه ذو الشنان وفندا
وأخباره معها كثيرة تراجع مظانها وأخيرا توفيت عام 105 هـ فحزن عليها يزيد ومات بعدها بأربعين يوما «راجع أعلام النساء : 1/ 232 ، الاعلام للزركلي : 2/ 163» .
(1) يمكن تقسيم الشعراء إلى أكثر من فئتين كما سيأتي الحديث عنهم .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان القرن الثاني 16

ضمائرها وطلبت منها أن تكون الوسيلة الإعلامية لها وبوقا من أبواقها فلم تتوان عن ذلك .
والفئة الأخرى كانت على صلة بالواقع فكانت تعيش حالة من الاضطهاد والعزلة الأدبية ، بعيدة عن مظاهر الإعلام وقد وصفها أبو الفرج الأصفهاني المتوفى عام 356 هـ بقوله : « وقد رثى الحسين بن علي صلوات الله عليه جماعة من متأخري الشعراء استغني عن ذكرهم في هذا الموضع كراهية الإطالة ، وأما من تقدم فما وقع إلينا شيء رثي به وكانت الشعراء لا تقدم على ذلك مخافة من بني أمية وخشية منهم » (1).
هذا بالنسبة إلى العهد الأموي (2) وأما عن العهد العباسي الذي بدأ عام 132 هـ فيحدثنا أيضا أبو الفرج الأصبهاني عن الشاعر كلثوم بن عمرو العتابي (3) : أنه أراد أن يوقع بين هارون الرشيد (4) والشاعر منصور بن سلمة المتوفى عام 190 هـ لجفاء كان بينهما فأخبره بأن النميري يميل إلى العلوية (5) ثم قال : فإن اراد امير المؤمنين ان انشده شعره في مديحهم فعلت ، فقال الرشيد : انشدني فأنشده قصيدته (6) التي في رثاء الإمام الحسين عليه السلام والتي مطلعها :
شاء من الناس راتع هامل يعللون النفوس بالباطـل

فلما بلغ إلى قوله :
ألا مساعير يغضبـون لها بسلة البيض والقنا الذابل

غضب الرشيد في ذلك غضبا شديدا وقال للفضل بن الربيع أحضره

(1) مقاتل الطالبيين : 121 .
(2) انتهى ملك بني أمية عام 132 هـ في عهد مروان الحمار على يد العباسيين .
(3) كان العتابي من معاصري النمري ومن رفاقه توفي عام 202 هـ ولهما أخبار معا ذكرهما المؤرخون .
(4) الرشيد : هو هارون بن محمد المهدي بن عبد الله المنصور المتوفى عام 193 هـ وهو خامس حكام العباسيين تولى الحكم عام 170 هـ .
(5) العلوية : نسبة إلى الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ويطلق على شيعة الإمام عليه السلام ومواليه .
(6) القصيدة مذكورة في هذا الديوان تحت رقم 61 وعنوانها العترة المظلومة .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان القرن الثاني 17

الساعة فبعث الفضل (1) في ذلك فوجده قد توفي فأمر بنبشه ليحرقه فلم يزل الفضل يلطف له حتى كف عنه (2) وقد سبق أن سجنه الرشيد بتهمة الرفض (3)



(1) الفضل : هو أبو العباس الفضل بن الربيع بن يونس من أحفاد كيسان مولى عثمان ابن عفان ، ولد عام 138 هـ ، وحينما كان والده وزيرا للمنصورالعباسي كان هو حاجبا للمنصور ثم لما آل الحكم إلى هارون الرشيد استوزر البرامكة إلا أن الفضل كان من ألد خصومهم فلما أراد الرشيد القضاء على البرامكة استوز الفضل وكلفه أمرهم فكانت نكبتهم على يديه واستمرت وزارته إلى عهد الأمين العباسي فعمل على مقاومة المأمون ولما ظفر المأمون استتر الفضل وذلك عام 196 هـ إلا أن المأمون عفا عنه ولكنه أهمله إلى أن توفي بطوس عام 208 هـ .
(2) الأغاني : 13 / 167 .
(3) الرفض : في اللغة ترك الشيء ، وقد استخدم لأول مرة في قاموس الأديان والمذاهب للمجموعة التي رفضت الالتحاق بزيد بن علي السجاد عليه السلام وإلى هذا يشير أبن منظور المتوفى عام 711 هـ قائلا : والروافض جنود تركوا قائدهم وانصرفوا فكل طائفة منهم رافضة والنسبة إليهم رافضي ، والروافض قوم من الشيعة سموا بذلك لأنهم تركوا زيد بن علي « لسان العرب : 5/ 267 » وقال السجستاني المتوفى عام 250 هـ والنوبختي المتوفى عام 310 هـ ما حاصله « إن المغيرة بن سعيد هو الذي سماهم الرافضة لما رفضوا زيدا وفارقوه في الكوفة وتركوه حتى قتل » ( راجع كتاب الزينة : 270 وفرق الشيعة : 44 ) .
ثم إن بعضهم أطلقها ظلما على مطلق الشيعة حيث قال :«الروافض هم الغلاة في حب علي وبغض أبي بكر و عمر وعثمان وعائشة » ( راجع المدخل إلى دارسة الأديان والمذاهب : 3/ 27 ) ويبدو أن هذه التسمية لم تتلق قبولا من كثير من المؤرخين فأهملوها كالشهرستاني في الملل حيث لم يتطرق إليها وكذلك أئمة المسلمين ومنهم فهذا الشافعي المتوفى عام 204 هـ نسب هذه التسمية المغلوطة إلى الجهلة قائلا :
إذا نحـن فضلنـاعليـا فإننـا روافض في التفضيل عند ذوي الجهل
ويقول أيضا :
إن كان رفضا حب آل محمد فليشهد الثقلان إني رافضي
«المدخل إلى دراسة الأديان والمذاهب : 3/ 159 ، ديوان الشافعي » ولا يخفى أن هذه التسمية كأختها « السنة» يعود تاريخها إلى فترة استيلاء معاوية على الحكم حيث أمر بلعن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وسبطي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وادعى أنها من سنن رسول الله (ص) فقدم عليه ابن عباس واعظا ومؤنبا فرد عليه : لا والله حتى يموت بها الشيوخ ويتسيب بها الشباب ويقال : إذا رفعت رفعت السنة ووضعت البدعة ، =
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان القرن الثاني 18

وشعره في آل علي عليهم السلام (1) .
وأما عن الثاني وهو قلة القصائد الشعرية في هذا القرن في قبال المقطوعات الشعرية فنقول : قد تحدد القصيدة بثلاثة أبيات فصاعدا وقد يحددها بعضهم بستة عشر بيتا فصاعدا ، كما يراد بالمقطوعة دون ذلك وقد يراد بها المقتطع من القصيدة حتى وإن تجاوزت الستة عشر بيتا وعلى أي الاعتبارات فإن الشاعر بصورة عامة لاينشئ قصيدته إلا إذا كانت هناك مناسبة قائمة بالفعل والتي من مواردها وقوع حدث يعير اهتمامه كحرب طاحنة مثلا أو انتصار ساحق ، ومنها إقامة ذكرى محتفل بها ، أو المثول أمام شخصية أيا كانت تلك الشخصية مما يستوجب إنشادها إلى غيرها من الموارد بغض النظر عن دواعي الإنشاء من جلب منفعة أو دفع مضرة بترغيب أو ترهيب أو غيرهما .
وكل هذه لم تكن لتتحقق في قضية أبي عبد الله الحسين عليه السلام حيث أن معركة الطف قد مضى عليها عقود أربع كما لم يكن من السهل الاحتفال بذكراه في تلك الظروف الصعبة التي كان مجرد ذكره فيها جريمة لاتغتفر .
كما لم تتح لأبنائه وأحفاده فرصة لاستقبال الشعراء بحرية تامة إلا من خلال بعض الفجوات التي استغلت حين ضعفت السلطة ومن أبرزها الفترة الزمنية ما بين الدولتين الأموية والعباسية (2) التي تمكن أئمة المسلمين فيها من

= وبالفعل فقد تفوهوا بمثل هذه المقالة حين منع عمر بن عبد العزيز اللعن وهموا بقتله وكانوا بعد ذلك يلاقي الواحد منهم صاحبه في السر ويسأله هل أنت سني يعني به المتسنن بسنة معاوية في سب علي أم لا ؟ إلى أن استقرت التسمية على التدريج ( راجع روضات الجنات : 1/ 322 ، وإلى هذا المعنى يشير ابن خلكان في ذيل ترجمته لعلي بن جهم القرشي قائلا : « إن حب علي بن أبي طالب عليه السلام ليس يجتمع مع التسنن تبعا لما قد يسند إلى قدماء علماء السنة من اتفاقهم على أن السني لايكون سنيا إلا أن يوجد في قلبه من عداوته عليه السلام » ( روضات الجنات عن مجالس المؤمنين عن وفيات الأعيان ) .
ومن المؤسف أن التسميتين انحرفتا عن المسميات عن مسميهما فقيل لأتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام» رافضة ولأتباع المدارس الأخرى سنة .
(1) الإغاني : 13 / 168 .
(2) وذلك بدءا بيزيد بن الوليد الأموي الذي تولى الحكم عام 126 هـ وانتهاء بالمنصور العباسي الذي حكم عام 136 هـ .
دائرة المعارف الحسينية ـ ديوان القرن الثاني 19

نشر معالم الدين وأسس المعارف الإسلامية وبيان فضائل أهل البيت عليهم السلام عبر محاضراتهم العلمية ومناقشاتهم المتواصلة مع أهل الفكر والنظر .
ولذلك فقد قصد الشعراء في تلك الفترة بالذات بيت الباقر عليه السلام والصادق عليه السلام وأنشدوهما قصائدهم في جدهما الحسين عليه السلام بل وطلبا من بعضهم إنشاد ما لديهم من القصائد الحسينية وقد حثا جماعة من الشعراء على الإنشاء ولو ببيت من الشعر ، ومن المأثور : « لكل بيت بيت في الجنة »(1) .
وما هذه القصائد التي أوردناها إلا نتاج هذه الفترة المتخللة بين عهود الطواغيت حيث كان الشاعر الموالي يستغل الفرص ليذكر الحسين عليه السلام ولو من خلال قصيدة أنشأها في مناسبة أخرى ومن هنا جاء اقتطاعنا لتلك الأبيات التي تعرضت لذكره عليه السلام دون إيراد القصيدة بتمامها حيث قد تعهدنا بعدم إيراد ما ليس له ارتباط بساحته المقدسة .
ومن الملاحظ أن عددا من قصائد هذه القرن قد فقدت ولم يصلنا إلا خبرها أو مطلعها كما في قصيدة سفيان بن مصعب العبدي المتوفى عام 178 هـ التي أنشدها الإمام الصادق عليه السلام حيث يقول في مطلعها :
« فرو جودي بدمعك المسكوب »(2)

ولعل هناك الكثير مما لم يصلنا حتى خبره وهكذا ظل مصير القصائد الحسينية في هذا القرن حيث لم يدم الإفراج عنها لتتحرر من نير الظلم والطغيان .
وأما الكلام عن النقطة الثالثة ـ وهي : اقتصار الشعر الحسيني على شعراء الشيعة ـ فمن الطبيعي في مثل هذه الظروف الخانقة والاجواء الملبدة ألا يجرأ الشاعر على الجهر بالقول إلا إذا كان جزءا من عقيدته التي ترى وجوب التولي لأئمة المسلمين ووجوب التبري من أعدائهم وهذا الأمر قد ينحصر في أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام المجاهرين بولائهم والذين لا تأخذهم في الله لومة لائم .

(1) مأخوذ من قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لرجل من بني كنانة عندما أنشده أبياته فقال صلى الله عليه وآله وسلم :« يا كناني بوأك الله بكل بيت قلته بيتا في الجنة»« بحار الأنوار 18 / 3 عن أمالي المفيد : 305 وأمالي الطوسي : 74 » ، أو من قول الإمام الصادق عليه السلام :« من قال فينا بيت شعر بنى الله له بيتا في الجنة» . ـ سفينة البحار : 1/ 430 ـ .
(2) أوردناه في هذا الديوان تحت عنوان« فرو جودي» رقم 12.

السابق السابق الفهرس التالي التالي