دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 20

والديوان في الفارسية جمع ديو وهو الجن والجمع جنّة وجنّان .
ولابن خلدون رواية أخرى في ذلك حيث يقول : إن أصل هذه التسمية أن كسرى نظر يوماً إلى كتّاب ديوانه وهم يحسبون على أنفسهم كأنهم يحادثون فقال « ديوانه » أي مجنون بلغة الفرس فسمي موضعهم بذلك ، وحذف الهاء لكثرة الاستعمال تخفيفاً فقيل ديوان ثم نقل هذا الاسم إلى كتّاب هذه الأعمال المتضمن للقوانين(1) ولكن هناك من ينكر نسبة هذا القول إلى كسرى(2) ويقول إنها وكلمة دبير بالفارسية من اشتقاق واحد ودبير هو الكاتب(3) .

ب ـ آشورية

قال اندِرآس : إنها من مفردات الآشوريين وأصلها « dap » ـ (4) وحرفت إلى الفارسية القديمة(5) .

جـ ـ آكدية :

وذهب آخرون إلى أنها من مفردات الآكديين وأصلها « duppu » وحرفت إلى الفارسية القديمة فأصبحت « dipi » ـ(6) .

د ـ سومرية :

ويرى آخرون أنها من مفردات السومريين وأصلها « dub » ـ (7) بمعنى لوحة الخط .

هـ ـ عربية :

ويظهر من مجموعة من اللغويين أنها أصلية وليست دخيلة ، منهم

(1) تاريخ ابن خلدون : 1/243 .
(2) هامش لغت نامه دهخدا : 24/593 .
(3) ويذكر أن أصلها أيضاً « dipi » بمعنى الخط وهي من المفردات الفارسية الپهلوية (القديمة) .
(4) dap :
(5) دائرة المعارف اسلام ـ مادة الديوان ـ .
(6) مجلة ايرانشهر السنة : 1/العدد : 8/الصفحة : 195 .
(7) هامش برهان قاطع : 2/918 .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 21

الفيروزآبادي حيث اعتبرها من مشتقات التدوين (1).
واستدل البعض على أنها دخيلة بأن عمر بن الخطاب عندما طرح عليه الهرمزان (2) وضع الديوان للجيش سأل عن معناه فَعُبِّرَ له (3) .
كما يستدل لذلك أيضاً بأن ديوان الخراج بالشام كان يكتب بالرومية إلى أيام عبد الملك بن مروان فأمر سليمان بن سعيد واليه على الأردن أن ينقله إلى العربية وكان من قبل يشغل هذه الوظيفة كتّاب الروم من أهل الكتاب.
ويستدل أيضاًَ بأن ديوان الخراج في العراق كان يكتب بالفارسية والعربية إلى عهد الحجاج بن يوسف الثقفي فأمر كاتبه صالح بن عبد الرحمان أن يكتب بالعربية فقط وكان قد لقن ذلك عن زادان فروخ والذي كان كاتبا للحجاج قبل الصالح (4).
ونقول إن الكلمة مادام يمكن إرجاعها غلى أصول عربية فلماذا الإصرار على أنها دخيلة ، واستدلالهم بما بما سبق مردود .
أما الأول فلم يثبت رواية سؤال ابن الخطاب عن معناها أولاً ، ولو سلمنا بأنه فمن أين لنا أن نثبت بأنه سأل عن معناها اللغوي بل لعل سؤاله كان عن مورد استخدامها الجديد ثانياً ، وعلى فرض عدم معرفة عمر بمعناها فهذا لايدل على أنها غير عربية حيث سبق ولم يعرف عمر معنى الكلالة التي وردت في قوله تعالى : «وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة»فأنزل الله سبحانه وتعالى :«يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة» (6) ثالثاً (7) .

(1) القاموس المحيط : 4/ 318.
(2) الهرمزان: ستأتي ترجمته .
(3)دائرة المعارف للبستاني: 8/ 257.
(4) دائرة المعارف للبستاني: 8/ 257.
(5) سورة النساء الآية :12.
(6) سورة النساء الآية :176.
(7) وقد أورده السيوطي في تفسيره الدرالمنثور ، وأورده الهندي في كنز العمال :=
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 22

وأما الاستدلال بأن الديوان في الشام كان يكتب بالرومية من قبل كتّاب روم فهذا إن دل على شيء فإنما يدل على عدم المعرفة بهذه المهنة ، أو أن الأمية كانت متفشية آنذاك ، بالإضافة أن الكتابة في الديوان بلغة أخرى لا تدلّ على أن كلمة الديوان غير عربية .
وأما الاستدلال بأن الديوان في العراق كان يكتب بالعربية والفارسية من قبل الفرس فهو أيضاً لا يدل على المقصود ، كما أنه كان يكتب في مصر باللغة القبطية واليونانية .
وبما أن للكلمة جذوراً في اللغة العربية فلا بد من حملها على العربية وهذا لا ينافي أن تكون لها في اللغات الأخرى معانٍ قريبة من ذلك كما هو الحال في العديد من المفردات الأخرى ولأن جذور اللغات واحدة ، والإصرار على إرجاعها إلى العربية هو المستفاد من عمل أئمة الإسلام كما سبق البحث عنه في محله والتي منها عند البحث عن مادة « كربلاء » حيث أرجعها الإمام الحسين عليه السلام إلى كونها مركبة من كرب وبلاء .
والغريب أن البستاني يصرّ على كونها دخيلة وأصلها فارسي ويستدل على ذلك بأمور :
1 ـ إن لفظة « ديوا » أو « ديوه » معناها الجن بالحقيقة ، والإفرنج يكتبونها « ديفه » أو « ديفاس » .
2 ـ ليس في لغة العرب مادة ترجع إليها معنى هذه اللفظة .
3 ـ ليس في لغتهم ـ العربية ـ اسم على وزن فِعّال أو فيعال كما ورد منه مثل ديوان وديبار وقيثار وكيوان وايوان ونيشان ونيسان وغير ذلك فلا بد أن يكون معرباً .
4 ـ إن أعمال الديوان لم تكن موجودة عندهم ، وإنما يظهر أنهم اقتبسوها من الفرس كما قالوا : من أن ذلك أحدثه عمر بن الخطاب ، ثم اشتقوا منها لفظة دوّن لأن دان ليس فيها شيء من هذا المعنى فلا تكون

= 6/20 . ورواه كل من ابن راهويه وابن مردويه ومسلم وابن جرير والبيهقي وعبد الرزاق وغيرهم راجع السبعة من السلف : 85 .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 23

ديوان مشتقة من دوّن كما أن دون لا تصح أن تكون مزيد دان العربية لارتباط لغة العرب جميعها بمعاني موادها(1) .
ويرد عليه بأن ما قدمه لا ينهض بالدليل على مدعاه .
أما الأول فلأن مجرد كون جزء من الكلمة مطابقة لمفردة من لغة أخرى لا يبرر البت بأنها من مفردات تلك اللغة حتى يبني عليه مدعاه .
وأما الثاني فإن جميع اللغويين أرجعوها إلى لفظة دوّن كما عرفت .
وأما الثالث فإن وزن فعّال ـ بالكسر ثم التشديد ـ من أوزان المصدر الذي من باب التفعيل مثل كذّاب كما سبقت الإشارة إليه ، وأما وزن فيعال فهو أيضاً مصدر باب المفاعلة كما في قاتل وضارب يقال قيتالاً وضيراباً .
وإذا ما كانت بعض المفردات الدخيلة جاءت على هذا الوزن فلا يعني ذلك أن كل ما جاء على زنته فهو دخيل كما في إيمان مثلاً .
وأما الرابع فإن عدم إنشاء دائرة أو مؤسسة بهذا الاسم عند العرب أو عدم استخدامها لا يعني بالضرورة أن الكلمة ليست بعربية مع العلم أن من مميزات هذه اللغة أنها لغة الاشتقاق ، وقد سبقت الإشارة إلى كلمتي المذياع أو الهاتف اللتين أطلقتا على الآلات الحديثة أيمكن أن يقال أنهما أجنبيتان باعتبار أنهم لم يستخدموها من ذي قبل على آلة « الميكروفون » أو على آلة « التلفون » .
وأما قوله أنهم أخذوها من الفرس فمن الواضح أنهم أخذوا فكرة إنشاء هذه الدائرة التي سموها بالديوان من الفرس ، حيث ان ابن الخطاب أحدث الديوان في عهده وسماها بالديوان لتناسب الاسم مع ما يستفاد منه فجاء الاسم على المسمى كما يقولون .
وأما قوله بأنها لم تكن معروفة عند المسلمين إلى أن استحدثها عمر ابن الخطاب ، فغير صحيح ، حيث نرى أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم استخدمها ومن ذلك
(1) دائرة المعارف للبستاني : 8/256 .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 24

قوله لعلي عليه السلام : « يا علي إن اسمك في ديوان الأنبياء الذين لم يوح إليهم »(1) وقوله صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة عليها السلام : « انظري عند الدواوين إذا نشرت الصحف وأنا أنادي رَبّ حاسب أمتي حساباً يسيراً »(2) وفي خطبة الزهراء عليها السلام بعد وفاة أبيها صلى الله عليه وآله وسلم في تعريفها عن كتاب الله جل وعلا : « فيه تبيان حجج الله المنيرة ومحارمه المحرمة وفضائله المدونة »(3) .
هناك مقولة جاهلية : « اختص العرب بأربع . العمائِم تيجانها والجنن حيطانها ، والسيوف سيجانها والشعر ديوانها »(4) .
وأما قوله انهم اشتقوا منها دوّن بعد أن استحدثها عمر بن الخطاب فغريب جداً ، حيث يذكر في مكان آخر « أن خالد بن الوليد أشار عليه بوضع الديوان وقال : رأيت ملوك الشام يدونون فقبل به عمر » فإذا اشتق دون من الديوان فكيف استخدم خالد كلمة « يدونون » لإفهام عمر بن الخطاب بذلك ، وهذا يؤيد أن عمر كان يفهم معنى الديوان لغة ، وإنما لم يفهم المؤسسة التي كانت قائمة عند الروم أو الفرس ، ولعل التسمية أيضاً جاءت من النقلة لا من الفرس والروم حيث انهم رأوا مؤسسة قائمة وتعرفوا عليها فسموها بالديوان كما لو سافر أحدنا إلى بلاد تختلف لغتها عن لغتنا فشاهد ما شاهد ولما عاد سُئل عما رأى أو قصَّ على الناس ما شاهد ، فهل تظن سيستخدم مصطلحات تلك البلاد أثناء حديثه مع من لا يفهمون مصطلحاتها أم سيترجمها إلى لغة بلده .
مضافاً إلى أن السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام استخدمتها كصيغة

(1) بحار الأنوار : 39/81 عن الخصائص للنطنزي في حديث أبي نعيم الأصبهاني بإسناده إلى الأشج عن علي عليه السلام .
(2) بحار الأنوار : 7/111 عن جامع الأخبار : 217 .
(3) علل الشرائع : 1/236 .
(4) دائرة المعارف للبستاني : 8/256 .
وهناك من يذكر بأن كلمة الديوان كانت تستخدم منذ أيام الجاهلية لتسمية الكلاب حالها حال الدرباس ومنه قول بعضهم ـ من الكامل ـ :
أعددت ديوانا لدرباس الحَمِتْ متى يعاينْ شخصه لا ينفَلِتْ
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 25

المفعول « مدونة » فلو لم يكن لها أصل وفعل ماضٍ لما بني منها اسم المفعول .
وأما قوله « لأن دان ليس فيها شيء من هذا المعنى فلا تكون ديوان مشتقة من دوّن » فمردود لأن الدون بمعنى القرب والأخذ ، وقد ذكر ذلك جمع من اللغويين فإذا ما دونت شيئاً في الديوان قربته وعندها سهل الأخذ منه وتداوله ، وكثيراً ما يختلف المعنى المراد من الثلاثي المجرد مع الثلاثي المزيد ، وذلك لأن من أغراض بناء الثلاثي المزيد اشتقاق معاني أخرى للكلمة كما هو مدوّن في محله ، ومن ذلك قولهم قتل وقاتل فالأول أريد منه مجرد القتل ولكن أريد من الثاني مشاركة طرفي النزاع(1) .
وأما قوله : « كما أن دون لا تصح أن تكون مزيد دان العربية لارتباط لغة العرب جميعها بمعاني مواردها » .
لقد سبق وحددنا علاقة الفعل الثلاثي المجرد بمعنى التدوين ، وعليه فيصح أن يبنى منه الثلاثي المزيد من باب التفعيل ، وكثير من المعاني عند العرب جاء لمجرد التقارب ، فيكون على الأقل : الاستخدام في المعنى الثاني من باب المجاز ، وهذا لا ينافي ما اخترناه من أن اللفظ وضع لمعنى واحد ثم استخدم في غيره على سبيل المجاز .
ولا نستبعد أن تكون عربية الأصل دخيلة على اللغات الأخرى ولكنها دخيلة الاستخدام في العربية للمؤسسات والدوائر الرسمية .
وأما ما نقلوه عن كسرى فهو غير ثابت ، بل صرح بذلك بعض المعاجم الفارسية(2) ويؤيد ذلك أن ليس للكلمة جذور في اللغة الفارسية بينما لها جذور في العربية ، كما لم يثبت أن لها جذوراً في اللغات الأخرى ، ومجرد كون جزءاً منها له بعض المعاني في لغة ما لا يكفي لاثبات المدعى .

(1) وفي تحويل قتل إلى باب التفعيل قتّل نستفيد معنى آخر وهو كثرة القتل ، ويقال في ضرب اضرب والمعنى يختلف عن الأول جوهرياً .
(2) هامش لغت نامه دهخدا : 24/593 .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 26

وعلى المختار بأنها عربية فهي مصدر من باب التفعيل كما سبق وأشرنا إلى ذلك حيث ان لباب التفعيل ثلاثة مصادر فعّال وتفعلة وفعال مثل كذّاب وتبصرة وسلام في كذّب وبصّر وسلّم ، وإنما يبنى باب التفعيل لأغراض ثلاثة التكثير أو المبالغة أو التعدية فتقول فتّح الأبواب ، وصرح الأمر وفرّح الرجلَ .
وإذا أمعنا النظر في كتب اللغة نرى أن واضعيها اشتقوا لـ « دون » بعض الاشتقاقات رغم تصريحهم بأن دون الظرفية جامدة وليست مشتقة ، وهذه الاختراقات تجعلنا نميّز دون الظرفية عن دان « الواوية » ونقول بأن دون الظرفية والتي تأتي على المعاني التالية : 1 ـ بعد ، 2 ـ قبل ، 3 ـ الوراء ، 4 ـ تحت ، 5 ـ فوق ، 6 ـ على ، 7 ـ عند ، 8 ـ سوى ، 9 ـ بين ، 10 ـ خلف ، 11 ـ قدام ، 12 ـ غير ، يمكن القول بأنها جامدة ، وأما دان يدون دوناً والتي تأتي بمعنى الأخذ والاقتراب وما شابه ذلك فلا يصح أن نسوقها سوق الظرف لمجرد التشابه اللفظي بل الصحيح أن نعدها من المشتقات قياساً إلى غيرها من المفردات ، إذ الأصل في الكلمة الاشتقاق .
هذا وقد أورد الفيروزآبادي بعض مشتقاتها مثل دان يدون دوناً ، وأُدين بالضم أي صار خسيساً وضعف ، وأدنُ دونك أي اقترب مني ، وقال أيضاً : هذا دونه أي أقرب منه ، والتدون : الغني التام ، وتقول : دانت له الرقاب أي ذلت .

تاريخ الاستخدام :

يذكر المؤرخون أن أول من استخدم لفظة الديوان في مؤسسات الدولة هو عمر بن الخطاب وذلك في محرم عام عشرين من الهجرة حين أتى أبو هريرة(1) ـ واليه على البحرين ـ بالمال الكثير فتعبوا في قسمته

(1) أبو هريرة : هو عبد الرحمان بن صخر الدوسي (21 ق . هـ ـ 59هـ) اشتهر بكنيته بعدما رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في كمه هرة فقال له يا أبا هريرة ، واختلف في اسمه على نيف وثلاثين قولاً ، أسلم بعد الهجرة بسبع سنين وسكن المدينة ، قال الزمخشري في كتابه الفائق أن عمراً استعمله على البحرين فلما قدم عليه قال له يا عدو الله وعدو رسوله سرقت من مال الله .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 27

فسعوا إلى إحصاء الأموال وضبط العطاء والحقوق فأشاروا عليه بتدوينها في الديوان ، ويقال : إن خالد بن الوليد(1) هو الذي أشار إليه حيث قال له : رأيت ملوك الشام يدونون ذلك ، كما يقال إن هرمزان(2) هو الذي أشار عليه حيث رأى عمراً يبعث البعوث بغير ديوان فقال له : ومن يعلم بغيبة من يغيب منهم فإن من تخلف أخل بمكانه وإنما بضبط ذلك الكتاب فأثبت لهم ديواناً وسأل عمر بن الخطاب عن اسم الديوان فعبر له ، ولما اجتمع ذلك كلف عقيل بن أبي طالب(3) ومخرمة بن نوفل(4) ، وجبير بن مطعم(5) وكانوا من قريش فكتبوا ديوان العساكر الإسلامية على ترتيب الأنساب مبتدءاً من قرابة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وما بعدها الأقرب فالأقرب(6) .
ويؤيد ذلك ما ورد عن علي عليه السلام أنه قال : كان خليلي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يحبس شيئاً لغد وكان أبو بكر يفعل ـ كذلك ـ وقد رأى عمر بن الخطاب في ذلك أن دوّن الدواوين وأخر المال من سنة إلى سنة ، وأما أنا فاصنع كما صنع خليلي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، قال الضحاك ابن المزاحم وكان

(1) خالد : هو ابن الوليد بن المغيرة المخزومي ، اسلم في السنة السابعة للهجرة ولاه أبو بكر قيادة الجيش لما انتفض الناس على أبي بكر ، سيره إلى العراق عام 12هـ ثم إلى الشام ، إلا أن عمر عزله لخلاف قديم بينهما ، رحل إلى المدينة عام 14هـ ، ثم أنه توفي في حمص عام 21هـ .
(2) هرمزان : الأهوازي كان والي الدولة الساسانية على الأهواز اسلم بعد الأسر أيام عمر بن الخطاب وشارك مع أبي لؤلؤة في قتل عمر بن الخطاب ، وعلى أثر ذلك قتله عبد الله بن عمرو بن العاص عام 23هـ .
(3) عقيل : هو ابن أبي طالب عبد مناف الهاشمي القرشي (43 ق . هـ ـ 60هـ) كان من أعلام النسب والتاريخ بل اعلمهم ، كانت تفرش له قطيفة في مسجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يجتمع الناس إليه في النسب وأيام العرب .
(4) مخرمة : هو ابن نوفل ابن أهيب بن عبد مناف ، كان يكنى بأبي المسور (69 ق . هـ ـ 54هـ) اسلم يوم الفتح وهو من المؤلفة قلوبهم ، وكانت زوجته أم المسور أخت عبد الرحمان بن عوف واسمها رملة ، وله رواية واحدة .
(5) جبير : هو ابن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف القرشي المتوفى عام 59هـ والمولود قبل الهجرة ، كان من علماء قريش وسادتهم ، توفي في المدينة ، وكان نسابة قريش والعرب .
(6) دائرة المعارف للبستاني : 8/257 .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 28

علي عليه السلام يعطيهم من الجمعة إلى الجمعة(1) وكان يقول ـ من الرجز ـ :
هذا جَنايْ وخيارُه فيه إذ كلّ جانٍ يدُه إلى فيه(2)

هذا وقد نقل ابن سلام مقولة عن عمر بن الخطاب استخدم فيها مادة الديوان فيما يخص الشعر حيث يقول في كلام طويل في المقارنة بين الجاهلية والاسلام : « فلما كثر الإسلام وجاءت الفتوح واطمأنت العرب بالأمصار راجعوا رواية الشعر فلم يألوا إلى ديوان مدوّن ولا كتاب مكتوب فالّفوا ذلك »(3) وفيه أنه كان عند النعمان بن المنذر منه ديوان فيه اشعار الفحول وما مدح به هو وأهل بيته فصار ذلك إلى بني مروان .

موارد الاستخدام :

استخدمت كلمة الديوان في الكثير من المؤسسات والفعاليات ولكنها تلخصت في أمرين : السجل ، والمكان .
أ ـ السجل : وهو الدفتر الذي تسجّل فيه أسماء الجيش وأهل العطاء وهو أيضاً مجمع الصحف والجريدة التي تكتب فيها الأشياء .
ب ـ المجلس : وهو المكان الذي يستقبل الوالي فيه أعوانه للمفاوضة في أمور البلاد .
ويظهر من التاريخ واللغة أن المسمى الثاني متأخر عن المسمى الأول حيث إن الثاني جاء بمناسبة تجمع الناس على السجلات التي دونت أسماءهم فيها فعرف المكان الذين فيه السجلات بالديوان .

(1) العطاء والراتب : قد يكون يومياً وقد يكون أسبوعياً وقد يكون شهرياً وقد يكون سنوياً ، في البلاد العربية بل الإسلامية في هذا العصر يعطي شهرياً وفي الغرب يعطي أسبوعياً ، وأما العمال فالغالب يكون يومياً وقد يكون في الغرب أيضاً أسبوعياً ، وهناك بعض الوظائف الكبيرة فإن محاسبتها تكون مع موظفيها سنوياً ، ويبدو أن علياً عليه السلام فضل في العطاء أن يكون أسبوعياً .
(2) بحار الأنوار : 97/59 عن الغارات : 43 راجع لسان العرب : 2/393 والبيت لعمرو بن عدي اللخمي وقد جرى مجرى الأمثال حيث يضرب مثلاً للرجل يؤثر صاحبه بخيار ما عنده .
(3) طبقات الشعراء لابن سلام : 10 .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 29

ومنذ أن اشتقت كلمة الديوان استخدمت في المعنيين وتفرع من الأول ديوان الشعر ، ومن الثاني ديوان الضيافة والاستقبال ولا زالا قائمين ، وأصبحت الكلمة فيهما علماً منذ أمد غير بعيد فإذا أطلق الديوان عند الأدباء تبادر إلى أذهانهم ديوان الشعر ، وإذا أطلق عند الفريق الآخر تبادر إلى أذهانهم ديوان الاستقبال ، وأخيراً شاهدت ولأول مرة كتاباً طبع باسم « الديوان النثري » حيث قام مؤلفه(1) بجمع ما راق له من مقدمات ومقالات وبيان حول الشعر العربي الحديث وأودعه في كتابه الذي أسماه الديوان النثري .

(1) المؤلف : هو منيف موسى أستاذ الأدب العربي الحديث في الجامعة اللبنانية ـ صيدا ـ وهو كاتب معاصر ، له عدد من المؤلفات منها : الشعر العربي الحديث في لبنان ، مواسم الحب والموت ، لبنان على الخشبة .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 30

تعريف الأدب

الأدب في اللغة : الفضيلة ، حسن الأخلاق ، فعل المكارم ، وهي ملكة تعصم من يتصف بها عمّا يشينه ، واسم الفاعل منها أديب ، والجمع أدباء .
وفي اصطلاح أهل العربية : العلم بالألفاظ ومعانيها واستخدامها ، وعند العرب خاصة يشمل علم الاشتقاق والصرف والنحو واللغة والبلاغة بقسميه المعاني والبيان ، والتي تسمى مجموعها بالعلوم العربية(1) ، ويقال للعالم بها أديب .
ولا يخفى أن الصلة بين هذا الاستخدام وبين المعنى اللغوي هي الفضيلة ، فالعالم بهذه العلوم تطلق عليه تسمية أديب ويرادفه الفاضل وهو صاحب الفضيلة ، إذاً بينهما عموم وخصوص من وجه .
وهذا الاستخدام في الحقيقة تحجيم لذلك المعنى الموضوع له ، وهذا شأن كل المصطلحات ، ثم إنه استخدم في معنى أضيق حيث اصطلح عليه بفن التعبير ، وعلى هذا فإن معنى الأدب تقلص مرتين مرة عندما استخدم في العلوم العربية عند العرب ، ومرة عندما استخدم في فن التعبير .
ويذكر الزبيدي(2) أن إطلاقه على علوم العربية مولّدٌ حدث في

(1) جاء في دائرة معارف القرن العشرين : 1/107 « إن علوم الأدب اثنا عشر علماً وهي اللغة والخط والشعر والعروض والقافية والنحو والصرف والاشتقاق والمعاني والبيان والبديع والمحاضرات والنثر » .
(2) الزبيدي : هو محمد المرتضى بن محمد بن عبد الرزاق الحسيني (1145 ـ 1205هـ) لغوي نحوي محدث أصولي ، أديب ناظم ، مؤرخ نسابة ، له مؤلفات جليلة منها : تاج العروس ، الروض المعطار ، بلغة الغريب .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 31

الإسلام ، هذا وقد شاعت في هذه العصور إطلاق تسمية الأديب على كل قادر على التعبير نثراً أو نظماً ، بينما يطلق على صاحب الفضيلة الأخلاقية « المؤدب » ، ومن جمع الصفتين ، فهو أديب لغوي .
وربّما عرَّفَ بعضهم الأدب بما أُجيد من الكتابة وتوفر فيه الجمال الفني الذي تلهمه القرائح وتحول في جوانبه يدُ الذوق(1) .
ويرد عليه : أولاً بأنّ المتعارف عليه الاختصار في الحدود مهما أمكن مع مراعاة كونها جامعة مانعة .
وثانياً : أن الأدب لا يقتصر على الكتابة بل يشمل الخطابة أيضاً .
وثالثاً : ليس كل ما أُجيد فهو أدب بل هو كل ما أُجيد أداؤه فنياً وكان معبراً .
وقال آخرون : الأدب يسع كل تعبير جميل مهما كان موضوعه(2) .
وأورد عليه بأن مجرد وصف حقيقة طبيعية مثلاً وصفاً علمياً بحتاً ليس بالأدب ، وإن كانت صيغة التعبير موحية إلى ذلك ، وإلا لوجب دمج جميع الكتب العلمية والتاريخية في مخازن الأدب .
وعبر الشيرازي(3) عن العمل الأدبي بأنه : « التعبير الموحي عن تجربة شعورية » ، وبينه بقوله : العمل الأدبي ينظر إلى كل شيء في الكون والحياة والإنسان ولكن بمنظار الشعور لا بمنظار الذهن ومثّل لذلك بأن عملية تحطيم الذرة مثلاً حقيقة علمية قد يصفها خبير المعمل فيكون عملاً علمياً ، وربما يتأثر بها شاعر يرى فيها مولد عصر جديد ويلمح من ورائها وحدة الأشياء والحركات الكونية ويصف تأثره بها بتعبير موح فيكون عملاً أدبياً(4) .

(1) الموجز في الأدب العربي : 1/13 .
(2) أصول النقد الأدبي للشايب :
(3) الشيرازي : هو حسن بن مهدي بن حبيب الحسيني (1354 ـ 1400هـ) من علماء الإمامية ، أديب شاعر ، قتل في بيروت غدراً ، له العديد من المشاريع والمؤلفات منها : كلمة الله ، كلمة الإسلام ، الأدب الموجه .
(4) العمل الأدبي : 11 .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 32

وعرفه ابن خلدون(1) بقوله : « هو الإجادة في فني المنظوم والمنثور »(2) .
وخلاصة القول في الأدب : فعن آلية التعامل معه : « فهو قنطرة لممارسه ومطيته » .
وعن انعكاساته وظرفيته : « فهو مرآة صافية يحمل من الصور أبدعها وأحسنها » .
وعن استخداماته : « فهو فن التلاعب بالألفاظ والتركيبات بكل ما في الفن من مميزات جمالية » .
وعن محطته الأخيرة : « فهو تطبيق لما يحمله ممارسه من أفكار على أرض الواقع » .

(1) ابن خلدون : هو عبد الرحمن بن محمد بن محمد الحضرمي الأشبيلي (732 ـ 808هـ) ولد في تونس وسكن الأندلس ، تولى القضاء بمصر ، أديب كانت له مؤلفات جليلة منها : شفاء السائل ، شرح البردة ، كتاب الحساب .
(2) تاريخ ابن خلدون : 1/553 .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 33

ولادة الأدب

إن البذرة الأولى للأدب هي التجربة الشعورية التي تتولد في مخيلة الأديب نتيجة لتلاقح مؤثرات خارجية مخزونة أو حاضرة ، ولكي تتحول هذه البذرة إلى عمل أدبي لابد وأن يتم اختيار المفردات المناسبة لتتم بعدها عملية المخاض العسيرة أحياناً والميسرة أحياناً أخرى للتعبير الموحي(1) .
وحتى يكون المولود مستوي الخلقة فلا بد أن يكون الاختيار دقيقاً والتعبير موحياً ، وإلا تضاءلت نسبة القيمة التعبيرية بالتوازي مع نسبة الدقة والإيحاء ، وكشفت تبعاً عن خفة القيمة الشعورية أحياناً .
ومن هنا يتضح أن الأدب ليس فكراً مجرداً بل عمل وتطبيق على أرض الواقع ولا يوصف أحد بالأديب إلا إذا مارس الأدب وحينئذ ينم ذلك عن امتلاكه ملكة الأدب ، وبالفعل صح أن ينتحل صفة الأديب .

(1) وجاء في كتاب قضايا في الأدب والنقد : 9 « إن التجربة الشعرية تمر بثلاث مراحل : الانفعال ، الاختمار ، والميلاد » هذا وعد عناصر التجربة الشعرية أربعة : الصدق الفني ، الخيال ، الصورة ، والموسيقي ، وجاء في العمل الأدبي : 215 « إن الانتاج الأدبي لا يتم تبلوره إلا في ثلاث مراحل : الانفعال والمعاناة والتعبير » .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 34

قيمة الشعور الأدبي

إن القيمة الشعورية تعادل القيمة الوجودية حيث لا حياة بدون نواة ، تعايشاً مع سُنَّةِ الكون في الوجود والإيجاد ، وإلى جانب القيمة الوجودية فإن لها قيمة أخرى لا تقل عنها أهيمة ألا وهي قيمة الإعجاز الذي يواصل العلم كشفه يوماً بعد يوم فبعد أن كشفت لنا التجارب العلمية المميزات البشرية الواحدة تلو الأخرى خصوصاً بعدما اظهر بعض الحقائق المرتبطة بالجينات فقد اتضح أن الشعور الإنساني في كل امرئ نسيج وحده ، ولعل تطور الكشف العلمي يضع نتائج الشعور الإنساني والذي منه التعبير الموحي على رأس قائمة المميزات البشرية لكشف الشخصيات من خلال نتاجها الأدبي النابع عن شعورهم .

دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 35

قيمة الاختيار الأدبي

ليس بِدعاً إذا قلنا أن الجزئيات هي التي تشكل الكليات وإن الجزء ليس له تأثير تركيبي فحسب بل يحمل معه الكثير من الخصوصيات لانه العنصر الأس المكون لشخصية الكل ، الحروف والكلمات والجمل والفقرات كلها خاضعة لنظام الجزء والكل ولا يمكن استثناءها منه .
ومن المعلوم أن للحروف تقسيمات مختلفة ومتنوعة وما يعنينا منها تلك التي تأخذ بعين الاعتبار النغمة الموسيقية كالحروف المجهورة والمهموسة ، والحروف الرخوة والشديدة إلى غيرها من التقسيمات والعوارض التي سوف نتحدث عنها في محلها .
فالكلمة الرقيقة تتالف من الحروف الرقيقة ، والكلمات الرقيقة تشكل الجملة الرقيقة والتي لا بد وأن تستخدم في المعنى الرقيق أمثال الغزل والحب وما شاكلهما ، بينما الكلمات الشديدة الإيقاع تتناسب والمعاني التي تحمل القسوة كالشجاعة والهجاء وأمثالهما(1) .

(1) وهنا أود الإشارة إلى أن عبد القادر الجرجاني ذهب إلى أن النظم في الحروف ليس مهماً بل المهم هو نظم الكلمات وإليك نص كلامه : « ومما يجب احكامه هو الفرق بين قولنا حروف منظومة وكلم منظومة وذلك أن نظم الحروف هو تواليها في النطق فقط ، وليس نظمها بمقتضىً عن معنىً ولا الناظم لها بمقتف في ذلك رسماً من العقل اقتضى أن يتحرى في نظمه لها ما تحراه فلو أن واضع اللغة كان قد قال « ربض » مكان « ضرب » لما كان في ذلك ما يؤدي إلى فساد ، وأما نظم الكلم فليس الأمر فيه كذلك لأنك تقتفي في نظمها آثار المعاني ورتبها على حسب ترتيب المعاني في النفس فهو إذاً نظم يعتبر فيه حال المنظوم بعضه مع بعض وليس هو الذي معناه ضم الشيء إلى الشيء كيف جاء واتفق ـ راجع الأدب العربي قضايا ونصوص : 281 ـ ولكننا لا نرى أن وضع المفردات يجيء اعتباطاً بل فيه نوع من الدقة ، نعم فيه من الاعتباط شيء أشرنا إليه في محل آخر .

السابق السابق الفهرس التالي التالي