دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 70

مرتبة الشعر

لعل الأدب الشعري يأتي في المرحلة الثانية من الأدب النثري من حيث التأريخ لأن الشعر في الحقيقة تطوير للنثر وفيه التزام أكثر من النثر ، ولكن من جهة أخرى فإن الشعر يأتي في الدرجة الأولى من حيث الفن الأدبي .
وسيأتي عند الحديث عن الرجز أن الشعر بدأ من الرجز ثم تطور وفي هذا المجال يذكر أن أقدم أشكال الهجاء كان سجعاً وقد نشأ ذلك السجع عن الإيقاع في شكل بسيط غير متطور ، ثم نشأ عنه في مرحة متقدمة وزن الرجز بقوافيه المشتركة بين شطريه ، ولم يكن أصل الهجاء ذي السجع الموزون في أقدم العصور مجرد قدح وسباب(1) .
يعرّف شاعر الأزر شبلي الملاط حقيقة الشعر بقوله :
« الشعر قول ثقيل وعبء عقلي باهظ لا يستقل له سوى الخناذيذ(2) القرّح والمغاوير السبق ولا يجيده إلا الناخعون الكمّل أولو القوة الباهرة والمنة الوثيقة والسليقة الفائقة والطبيعة الصافية التي لا تتاح إلا للآحاد ولا يوتاها إلا الأفراد ، يكاد قائله ينجرد من عالم المادة بقوة نفسه وشغوف حسه ويلحق بالملأ النوراني في فضاء عزمه ووري زنده وسرعة فكره ولو كانت الكهربائية شخصاً لكانـت هـي الشاعر »(3) .
ويعرفه نزار قباني(4) : بأنه هو ما عبّر عما لا يستطيع الناس تعبيره في

(1) تاريخ التراث العربي : 2/14 .
(2) الخناذيذ : جمع خنذيذ وهو الشاعر .
(3) ديوان شبلي الملاط : 2/50 .
(4) نزار قباني : هو ابن توفيق ولد في دمشق عام 1342 هـ وتوفي بلندن عام 1419 هـ ، أخذ الفن من عمه أبي خليل القباني والذي كان من الشعراء ، من آثاره : قالت لي السمراء ، قصائد ، الرسم بالكلمات .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 71

أي مرحلة من مراحل حياتهم ، الطفولة والفتوة والشيوخة ، المرأة(1) .
ويصفه ابن طباطبا(2) بقوله : « الشعر كلام منظوم ، بائن عن المنثور الذي يستعمله الناس في مخاطباتهم بما خُصّ به من النظم الذي إن عُدِل عن جهته مَجَّتْهُ الأسماع ، وفسد على الذوق ، ونظمه معلوم محدود »(3) .
ويضيف قائلاً : « وعيار الشعر أن يورد على الفهم الثاقب فما قبله واصطفاه فهو واف ، وما مجّه ونفاه فهو ناقص »(4) .
وقال : الشعر الموزون إيقاع يطرب الفهم لصوابه وما يَردُ عليه من حُسن تركيبه واعتدال أجزائه ، فإذا اجتمع للفهم مع صحة وزن الشعر صحة المعنى وعذوبة اللفظ فصفا مسموعه ومعقوله من الكدر تم قبوله له(5) .
وقد عرفه بعضهم : « بالكلام الذي يهيج به العواطف وتستلذه الأذن فإن استعمل غزلاً وتشبيباً أعزى الأفئدة بالهوى وسهّل للجسد احتمال الجوى ، وإن سيق على طريق الحماسة هاج النفس لاقتحام الردى وتلتل بالقلب لخوض نيران الوغى ، وإن أُنشد في حث أو طلب أو استعطاف أو استعصاء حرك العواطف وهيجها واستولى عليها وميّلها »(6) .
ويقول البستاني(7) : حد الشعر عند علماء العرب بالإجماع هو الكلام

(1) مضمون مقابلة أجرتها قناة « مركز تليفزيـون الشرق الأوسـط » الفضـائية « M.B.C » عام 1418 هـ (1997 م) .
(2) ابن طباطبا : هو محمد بن أحمد بن محمد العلوي ، ولد باصبهان في النصف الثاني من القرن الثالث وتوفي عام 322 هـ كان من أهل العلم والفضل ومن رجال الأدب والشعر ، له رأي في الأدب والشعر أوردنا قسماً منه في ترجمته في معجم الشعراء .
(3) الروائع من الأدب العربي : 4/472 .
(4) الروائع من الأدب العربي : 4/479 .
(5) الروائع من الأدب العربي : 4/481 .
(6) دائرة معارف القرن العشرين : 5/390 .
(7) البستاني : هو بطرس بن سليمان بن حسن افرام (1316 ـ 1389 هـ) أديب لبناني من مواليد دير القمر ، اصدر مجلة البيان الأسبوعية ، من مؤلفاته : أدباء العرب ، معارك العرب ، الشعراء والفرسان .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 72

الذي قصد وزنه وتقفيته على أوزان مختلفة واتباع قافية واحدة ، في كل قطعة منه أو في كل شطرين أو في بعض الأبيات دون الأخرى ، وهذا مما لا ضابط له عند أكثر الأمم(1) .
وهذا التعريف لا يفي بالشروط فإنه ليس بجامع ولا مانع ، ولا روعي فيه الاختصار المطلوب منه في الحد ، واختراقاته واضحة .
والذي أرتئيه أن الشعر ذو أمواج مختلفة وجهات متعددة فهو كالموشور الذي يمتص أشعة الشمس لتبرز كل ضلع منه بلون من ألوانه ، فالشعر كإحساس ما حمل الحزن العميق ، أو امتلك الحب الصادق ، والشعر العفوي ما خرج من قلب الشاعر وهو في حالة بين اليقظة والغفلة ، والشعر كتعبير ما أباح بسر الناس باختلاف طبقاتهم وعبر عن شعورهم الموحد في ذاته والمختلف في تطبيقه .
وأما الحاجة إلى الشعر فلا يمكن الاستغناء عنها تحت أي ظرف أو عامل لأن الشعر هو الوجه الآخر للحياة ، والشعراء الملتزمون هم اللسان الناطق بأحوال الأمة في كل زمان ومكان .
وأما حده فهي المقطوعة التي تحرك الشاعر في قالب الوزن وربما القافية دون تكلف .
وهذا هو صعوبة النظم الذي عبر عنه الجاحظ في قوله من الرجز :
الشعر صعب وطويل سلمه
إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمه
زلت به إلى الحضيض قدمه
يريـد أن يعـربه فيعجمـه

بل اتجه الخوارزمي اتجاهاً آخر وأراد أن يُعبر عن صعوبته بشكل آخر

(1) دائرة المعارف للبستاني : 10/475 .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 73

فقال : من روى حوليات زهير(1) واعتذارات النابغة(2) وحماسيات عنترة(3) وأهاجي الحطيئة(4) وهاشميات الكميت(5) ونقائض جرير(6) وخمريات أبي نؤاس(7) وتشبيهات ابن المعتز(8) وزهريات أبي العتاهية(9) ومراثي أبي

(1) زهير : هو ابن أبي سلمى واسمه ربيعة بن رياح (105 ـ 12 ق . هـ) شاعر فحل وهو أحد الثلاثة المقدمين على سائر شعراء الجاهلية امرئ القيس وزهير والنابغة ، كان يتجنب وحشي الكلام ، ولم يمدح أحداً إلا بما فيه .
(2) النابغة الذبياني : هو زياد بن معاوية بن سعد بن ذبيان المتوفى عام 18 ق . هـ ، اتصل ببلاط الحيرة في نحو عام 92 ق . هـ ، فمدحهم واعتذر إليهم واتصل أيضاً بالغساسنة .
(3) عنترة : هو ابن شداد العبسي المقتول عام 8 ق . هـ ، كان فارسا ًشجاعاً ، أسود اللون نشأ في نجد عبداً يرعى الإبل شديد البطش ، وهو هجين حيث أن أمه كانت جارية حبشية .
(4) الحطيئة : هو جرول بن أوس بن مالك العبسي ، وإنما لقب بالحطيئة لقصره ، وكان ممن أسلم على يد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولما تولى أبو بكر الحكم بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عارضه فنسبوه إلى الردة فقال من الطويل :
أطعنا رسول الله إذ كان بيننا فيا لعباد الله مـا لأبي بكـرِ
أيـورثها بكراً إذا مات بعده وتلك لعمر الله قاصمة الظهرِ
راجع تاريخ الأدب العربي لفروخ : 1/232 ـ توفي الحطيئة نحو عام 59 هـ .
(5) الكميت : هو ابن زيد الأسدي (نحو 60 ـ 126 هـ) شاعر فحل وخطيب فقيه وعالم بآداب العرب ولغاتها وأخبارها وأنسابها ، جاهر بمدحه لآل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وهو شاعر مكثر قادر على نظم المطولات دون تكلف وابتذال .
(6) جرير : هو ابن عطية بن حذيفة الخطفي (28 ـ 110 هـ) ولد ومات في اليمامة عاش شاعراً هجاءاً يناضل شعراء عصره ويساجلهم وقد جمعت نقائضه مع الفرزدق في ثلاثة أجزاء غير ديوان شعره .
(7) أبو نواس : هو الحسن بن هاني الأهوازي (140 ـ 199 هـ) ولد في أهواز خوزستان ، رحل مع أمه إلى البصرة ، وسكن الكوفة وبغداد ، عرف بالمجنون ، إلا أن في آخر حياته نظم في الزهد ، له عدد من الدواوين .
(8) ابن المعتز : هو عبد الله بن محمد المعتز بالله بن جعفر المتوكل على الله العباسي (247 ـ 296 هـ ، تولى الخلافة ليوم واحد فقط وذلك في 20/3/296 هـ) وكانت ولادته ووفاته في سامراء ، كان شاعراً له كتاب البديع ، فصول التماثيل ، وطبقات الشعراء المحدثين .
(9) أبو العتاهية : هو إسماعيل بن القاسم العيني (130 ـ 211هـ) ولد في عين التمر=
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 74

تمام(1) ومدائح البحتري(2) وروضيات الصنوبري(3) ولطائف كشاجم(4) وحكم المتنبي(5) وغزليات ابن الفارض(6) ولم يخرج إلى الشعر فلا أشب الله قرنه(7) .
وحاصل كلام الخوارزمي : إن الذي يريد ممارسة النظم لا بد من دراسة أبدع ما قيل في شتى الأغراض لأعمدة الشعر العربي ، ولا بد أيضاً أن ينتهل الأدب من مناهله الصحيحة ويدرس شعر فطاحل الشعراء ، ويمحص عيون الشعر ، وقد أشار إلى خصائص شعر خمسة عشر شخصية لا غبار عليها بأنهم كانوا من الطبقة الأولى في اختصاصهم حيث إن لكل منهم ميزة اشتهر بها لتفوقه على غيره ، ونحن بدورنا سنستعرض بعض ما

= قرب كربلاء وتوفي في بغداد ، نشأ فقيراً ، شعره مطبوع ، استخدم الكثير من الأمثال والحكم .
(1) أبو تمام : هو حبيب بن أوس الطائي (188 ـ 232 هـ) ولد في منطقة حوران السورية ، وتوفي في الموصل ، من فحول الشعراء ، له عدد من المؤلفات منها : ديوان الحماسة ، الوحشيات ، وديوان شعره .
(2) البحتري : هو الوليد بن عبيد (206 ـ 286 هـ) ولد في منبج شرقي حلب وتوفي بها بالسكتة القلبية . رحل إلى الشام وبغداد تتلمذ على أبي تمام وهو الذي اختاره على غيره وفتح له آفاق جديدة ، له ديوان شعر .
(3) الصنوبري : هو أحمد بن محمد بن الحسن الضبي الحلبي (284 ـ 334 هـ) ولد في انطاكية وقدم دمشق ، وهو من الشعراء ذوي النفس الطويل ، مع المحافظة على الجودة ، كان من الموالين لأهل البيت عليهم السلام ، له ديوان شعر .
(4) كشاجم : هومحمود ابن الحسين بن شاهك السندي المتوفى عام 360 هـ ولد في بلخ وتوفي في بغداد ، سكن الشام وفلسطين والعراق ومصر ، كان أديباً شاعراً بل من فحول الشعراء له عدد من المؤلفات منها : أدب النديم ، كتاب البيزرة ، وديوان شعر ، كان من الموالين لأهل البيت عليهم السلام .
(5) المتنبي : هو أحمد بن الحسين بن الحسن الجعفي (303 ـ 354 هـ) ولد في الكوفة وقتل على مقربة من كربلاء ، شاعر فحل ذاع صيته ، اكثر اتصاله كان بسيف الدولة بحلب وكافور بمصر .
(6) ابن الفارض : هو عمر بن علي السعدي الفارض (577 ـ 632 هـ) ولد في القاهرة وتوفي بها ، يذكر سبب تلقب أبيه بالفارض أنه وقف أمام محاكم القاهرة واثبت للنساء فروضهن .
(7) دائرة المعارف للبستاني : 10/480 .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 75

قالوه في الاتجاه الذي حدده الخوارزمي لتوضيح الصورة للقارئ .

وذكر الثعالبي(1) : تشبيهات ابن المعتز وأوصاف كشاجم وروضيات الصنوبري متى اجتمع اجتمع الظرف والطرب(2) .
1 ـ ولنبدأ بحوليات زهير بن أبي سلمى فإنه كان كثير الاعتناء بالنظم ودقيقاً في اختيار الكلمات والمعاني حتى زعموا أنه كان لا ينظم في السنة إلا قصيدة واحدة بمعنى أنه كان ينظم القصيدة الواحدة في أربعة أشهر وينقحها في أربعة أشهر ثم يعرضها على أصحابه في أربعة أشهر فيتم بذلك حولها ثم ينشدها ، ومن أجل ذلك عرفت قصائده بالحوليات ، ومن مختار شعر معلقته من الطويل ، الذي يقول فيها(3)
أمـِنْ أمّ أوفى دِمنـةٌ ، لـم تَكلّم(4) بِحـوَمانة الـدرّاج فالمتثَلـِّمِ(5)
ودارٌ لها بـالـرقمتيـنِ كأنّهـا(6) مراجيع وشَمٍ في نواشرِ مِعْصمِ(7)
وقفـتْ بها من بعد عشرين حِجةً فَـلأْياً عرَفْت الدار بعد توهّمٍ(8)
تذكرني الأحلام ليلى ، ومن تطُفْ عليـه خيالات الأحبـّة يحلـُمِ
سعـى ساعياً غَيظِ بن مُرّة بعدما تَبـزّل مـا بين العشيرة بالدمِ(9)

(1) الثعالبي : هو عبد الملك بن محمد بن إسماعيل (350 ـ 429 هـ) من أئمة اللغة والأدب من أهل نيسابور ، لقب بالثعالبي لأنه كان يخيط جلود الثعالب ، من آثاره : يتيمة الدهر ، فقه اللغة ، مكارم الأخلاق .
(2) أعيان الشيعة : 3/142 .
(3) شرح المعلقات السبع : 135 ، المعلقات العشر : 73 .
(4) أم أوفى : هي حبيبة زهير قيل اسمها ليلى ، والدمنة ما اسود من آثار الدار بالبعر والرماد وغيرهما .
(5) حومانة الدراج : اسم موضع وكذلك المتثلم .
(6) الرقمتان : موضعان يقع أحدهما بالقرب من البصرة وثانيهما بالقرب من المدينة .
(7) المراجيع : جمع المرجوع ، والوشم : المجدد والمردد ، ونواشر المعصم : عروقه ، الواحد ، ناشر .
(8) الأي : الجهد والمشقة .
(9) هذا البيت جاء في الشرح هكذا :
« ظهرن من السوبان ثم جزعنه على كلِّ قينيِّ قشيبٍ وَمُفأَم »
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 76

فاقسمت بالبيت الذي طاف حـوله رجال ، بَنَوه ، من قريش وجـُرهُم(1)
يمينـاً : لَنِعـمَ السيـّدان وُجدتما(2) علـى كـل حال من سَحيل ومبرم(3)
تـداركتما عَبْساً وذُبيـان بعـدما(4) تفانَـوْا ودقـّوا بينهـم عِطْر مَنْشَمِ(5)
وقد قلتما : « إن نُدْرك السِلم واسعاً بمـالٍ ومعـروف من الأمر نسلم ! »
فأصبحتما منهـا على خيـر موطن بعيـدَينِ فيها مـن عقـوق ومأثـم
عظيميـن فـي عُليا مَعّـدّ هُديتما ، ومـن يَستَبـِحْ كنزاً من المجد يَعظُمِ
فأصبح يجـري فيهم من تِلادكم(6) مغانـم شتى مـن إفـال مـُزنّـمٍ(7)
تُعفّـى الكلـوم بالمئينَ فأصبحت(8) يُنَجّمهـا مـن لَيس فيهـا بمُجـرم(9)
ينجِّمَهـا قـوم لقـوم غـرامـةً ولـم يُهـَريقـوا بينهم مِلءَ محجَـمِ
ألا أبلـغ الأحـلاف عنـي رسالة وذبيـان : هـل أقسمتـم كل مَقْسَمِ
فلا تكتُمُـنّ الله مـا في صدوركم ليخفـى . ومَهْمـا يُكتَـمِ الله يَعْلَـمِ
يُـؤخّر فيـوضع في كتاب فَيُدّخَر ليـوم الحساب ، أو يُعَجـّل فيُنقَـمِ
ومـا الحـرب إلا ما علمتم وذُقتُم وما هـو عنها بالحـديث المرجّم(10)
متـى تبعثـوها تبعثـوها ذميمـة وتَضْـرَ إذا ضرّيتموهـا فتَضرَمِ(11)

(1) جرهم : قبيلة عربية قديمة سكنت مكة تزوج منهم النبي إسماعيل عليه السلام فغلبوا على الكعبة والحرم بعد وفاته .
(2) السيدان : هم خرم بن سنان والحرث بن عوف اللذان اصلحا بين عبس وذبيان .
(3) السحيل : المفتول على قوة واحدة ، والمبرم : المفتول على قوتين أو أكثر ، وأراد بالأول الضعيف وبالثاني القوي .
(4) عبس وذبيان قبيلتان عربيتان معروفتان .
(5) منشم : اسم المرأة التي باعت القوم العطر الذي جعلوه آية التحالف والتعاقد بينهما .
(6) التلاد والتليد : المال القديم الموروث ، وفي نسخة : « عدي » بدل « يجري » .
(7) افال : جمع أفيل وهو الصغير من الإبل ، والمترنَّم : المعلم بالزنمة .
(8) تعفى : تسمح ، والكلوم ، الجروح ، والمنون : جمع المنة .
(9) ينجم : يدفع في وقت معين .
(10) المرجم : المظنون .
(11) تضرى : تهيج .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 77

لَعمري ، لنِعْمَ الحيّ ، جرّ عليهم(1) بما لا يؤاتيهم حُصَينُ بن ضَمْضَم(2)
وكان طـوى كَشْحاً على مُسْتِكِنّةٍ فـلا هـو أبداهـا ولـم يتقـدّم(3)
وقال : « سأقضي حاجتي ثم أتّقي عَـدوّي بألف من ورائي مُلْجم »(4)
فشـدّ ، ولـم يُفْزِغ بيوتاً كثيرة(5) لـدى حيث ألقَتْ رَحْلَها أمّ قَثعم(6)
لـدى أسـدٍ شاكي السلاح مُقَذّف لـه لِبـَدٌ أظـفـاره لـم تُقلّـم
جـريء متى يُظلـم يُعاقِبْ بظلمه سريعاً ، وإلا يُبْـدَ بالظلم يظلـم

2ـ وأما اعتذرات النابغة الذبياني فإنه رغم انتقاد معاصريه بأن شعره في الاعتذار اوصله الى حد الذل ، الإ انه بذلك خلق فناً جديداً في الشعر العربي واصبح الاعتذار لوناً من الوان الغرض الشعري وقد احتل الاعتذار فصلاً من ديوانه ، ومن مختار شعره في الاعتذار معلقته الدالية من البسيط والذي يقول فيها:(7)
كأن رحلـي ، وقـد زال النهار’بنا يـوم الجليلِ ، علـى مستأنسِ وحدِ
فأرتاع من صَوتِ كلابِ فبات لهَ (8) طوع الشوامِت من خوفٍ ومن صردِ (9)
فبثّهـن عليـه ، واستمـرّ بـه صمـع الكعوب بَريئات من الحردِ (10)

(1) جر عليه : جنى عليه .
(2) حصين بن ضمضم : رجل من بني ذبيان كان قد قتل أخوه هرم بن ضمضم على يد ورد بن حابس العبسي كلما ظهر الصلح بين القبيلتين استتر حصين لئلا بطالب بالدخول في الصلح ، وكمن حتى ظفر بأحد العبسيين فقتله فثارت بنو عبس ولكن الأمر استقر بين القبيلتين على عقل القتيل .
(3) في نسخة : « ولم يتجمجم » .
(4) أراد بألف فرس ملجم .
(5) في نسخة : « ولم ينظر » .
(6) أم قثعم : كنية المنية ، والمراد لدى القبر ، واصبح العجز مثلاً شائعاً .
(7) ديوان النابغة الذيباني : 21 .
(8) الكلاب : كعلام صاحب الكلب .
(9) طوع الشوامت : أي يطيع قوائمه .
(10) صُمع : جمع الأصمع وهو الضامر ، والحرد : استرخاء العصب .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 78

وكان ضمـران منـه حيث يوزعه(1) طعن المعارك ، عند المحجر النجُـد(2)
شـكّ الفريضة بالمدرى فأنفـذهـا(3) شـكّ المبيطـر إذ يشفي من العضد(4)
كأنـه خارجاً مـن جنـب صفحتـه سفّـود شـرب نسـوه عنـد مفتأد(5)
فظلّ يعجـم أعلى الـروق منقبضاً(6) في حالك اللون صَدقٍ غير ذي أوَدِ(7)
لما رأى واشـقٌ إقعـاص صاحبه(8) ولا سبيـل إلـى عقـل ولا قـود(9)
قالت له النفس : « إني لا ارى طمعاً وإنّ مـولاك لـم يسلـم ولم يصِـد »
فتـلك تبلغني النعمان ـ إن لـه(10) فضلاً على الناس في الأدنى وفي البعدِ
فـلا لعمـرُ الذي مسّحت كعبته(11) وما هُريق على الأنصاب من جسد(12)
ما قلـتُ مـن سيّئٍ مما أتيت به ، إذاً فـلا رفعـتْ سـوطي إليّ يدي
أُنبِئـتُ أنّ أبـا قابوس أوعدني(13) ولا قـرارَ علـى زأرٍ مـن الأسـد
مهـلاً ، فـداءٌ لك الأقوام كلهـم وما أُثَمّـر مـن مـالٍ ومـن ولـد

(1) ضمران : اسم كلب .
(2) المحجر : الملجأ ، والنجد : ذو النجدة .
(3) الفريصة : العضلة التي بين الكتف والخاصرة ، والمدرى القرن .
(4) المبيطر : طبيب الدواب ، والعضد داء ينخر عضلة الدواب فيداوى بانفاذ ميل من جانب إلى جانب في الصدر ثم يدخل مصران في ذلك المكان فيخرج من طرفيه صديد مدة معينة .
(5) السفود : حديد يشوى بها اللحم ، والمفتأد مكان شيّ اللحم .
(6) يعجم : يعض ، والروق : القرن .
(7) الصدق : الصلب ، الرمح المستقيم ، وأود : اعوجاج .
(8) واشق : اسم كلب ، اقعاص : مقتل ، موت .
(9) العقل : الدية ، القود : القصاص .
(10) النعمان : هو النعمان الثالث بن منذر (44 ـ 20 ق . هـ) آخر ملوك اللخميين في الحيرة ، ومن أشهر ملوكها ، خلعه كسرى الثاني وسجنه في المدائن ، لقبه العرب بأبي قابوس .
(11) كعبة : أي كعبة الله ، وأرد القسم .
(12) هريق : مجهول من هراق بمعنى سكب ، والجسد : الدم .
(13) أبو قابوس : كنية النعمان الذي مدحه واعتذر إليه .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 79

لا تقـذفنّي بـركن لا كفـاء لـه وإن تأثّفـك الأعـداء بالـرفد(1)
فما الفرات ، وإن جاشت غواربه(2) تـرمي أواذيـّه العبرين بالزَبَدِ(3)
يَمُـدّه كـل وادٍ متـرع لجـب(4) فيه حطام من اليَنبوت والخضد(5)
يـوماً بأجـود منه سيـب نافلة(6) ولا يحول عطاء اليوم دون غد

3 ـ وأما حماسات عنترة ، لقد اشتهر عنترة بفنّين : الغزل والحماسة إلا أنه اختص بالثاني ، وحماسته على قسمين : الأول مغامراته في القتال ، والثاني دفاعه عن بني قومه ، وشكّل شعره الحماسي أغلبية ديوانه المعروف باسمه ، ومن مختار شعره في الحماسة معلقته التي يخاطب بها عبلة(7) وهي من الكامل(8) :
إن تُغـدفي دوني القناع فـإنني(9) طَـبٌّ بأخذ الفارس المستلئـم(10)
أثنـي علـيّ بمـا علمتِ فإنني سهـلٌ مخالقتي إذا لـم أُظلـم(11)
فإذا ظُلِمـتُ فإنّ ظلمي باسلٌـد مـرٌّ مـذاقته كطعـم العلقـم
ولقد شربتُ من المدامة ، بعدما(12) ركدَ الهواجرُ ، بالمَشوف المُعلَم(13)

(1) تأثّفك : احاط بك .
(2) جاشت : اضطربت ، الغوارب : أعالي الموج ، وفي نسخة : « إذا هبّ الرياح له » .
(3) الأواذي : جمع الأذي وهو الموج ، والعبرين : الضفتين ، والزبد : رغوة الماء .
(4) لجب : ذو صوت ، الركام .
(5) الينبوت : نوع من الشجر ذو أشواك ، والخضد : النبات والأغصان المتكسرة .
(6) السيب : العطاء ، النافلة ، المزيد.
(7) عبلة : هي ابنة عبيد بن نافل بن قيس من بني زيد مناة التميمي ، تزوجها عبد شمس ابن عبد مناف القرشي الجد الأعلى للأمويين وهما من الجاهليين وسكنة مكة المكرمة .
(8) ديوان عنترة بن شداد : 15 ـ 17 .
(9) اغدف القناع : أسدله على الوجه .
(10) طب : حاذق ، والمستلئم : هو اللابس اللامة (الدرع) .
(11) مخالقتي : معاشرتي ، وفي نسخة : « مخالطتي » .
(12) المدامة : الخمر .
(13) ركد الهواجر : سكن الحر ، والمشوف المعلم : الطرف المجلو من الدينار والذي فيه الكتابة والنقوش .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 80

بـزجاجـة صفراء ذات أسـرّة(1) قُرنت بأزهـرَ في الشمال مُفـَدّم(2)
فـإذا شـربـتُ فإنني مُستهـلكٌ مالي ، وعِـرْضي وافـرٌ لم يُكْلَم(3)
وإذا صَحَوت فما أُقصّر عن ندىً ، وكما علمـتِ شمائلـي وتكرّمـي
هـلا سألتِ الخيل ، يابنة مالكٍ ، إن كنـتِ جاهلـة بما لـم تَعْلمـي
يُخبـركِ مـَنْ شهد الوقيعة أنني أغشـى الـوغى وأعِفّ عند المغنم
ومـدَجّـج كـَرِهَ الكُماة نـزاله لا مُمـْعـنٍ هـربـاً ولا مُستسلـم
جـادت يداي له بعاجل طعـنةٍ(4) بمثقّـف صـدقِ الكعـوب مقـوّم
فشككتُ بالـرمح الأصـمّ ثيابه ليـس الكـريم على القنا بمحـرّم
فتـركته جـزر السباع ينشـنه يقضمـن حُسـنَ بنانه والمِعصـم(5)
عهـدي به مـدّ النهار كأنمـا(6) خُضِـبَ البنان ورأسـه بالعِظلـم(7)
بطـلٌ كأنّ ثيابه في سـرحة(8) يُحـذى نِعالَ السِبت ، ليس بتـوأم(9)
ولقـد ذكرتك والـرماح نواهلٌ مني ، وبيض الهند تقطر من دمي(10)
فـوددت تقبيـل السيوف لأنها لمـعـت كبارق ثغـرك المتبسـّم

4 ـ وأما أهاجي حطيئة فإنها بلغت حد الذوق ، هكذا وصف حسان(11)

(1) أسرة : خطوط .
(2) أزهر : الإبريق من الفضة البيضاء ذات البريق ، مفدم : مصفاة .
(3) وافر : موفور ، يكلم : يجرح .
(4) في نسخة : « جاءت له كفي بعاجل طعنة » .
(5) في نسخة : « ما بين قلّة رأسه والمعصم » .
(6) مد : في نسخة : « شد » .
(7) العظلم : شجر أحمر .
(8) سَرحة : شجرة طويلة ، كناية عن طول القامة .
(9) نعال السبت : هو النعال المدبوغة بالقرظ ، وكان من عادة الملوك استخدامها .
(10) نواهل : شاربات من دمي .
(11) بيض الهند : سيوفها .
(12) حسان : هو ابن ثابت الأنصاري المتوفى عام 54 هـ من بني خزرج من أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، وشاعره .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 81

هجاءه للزبرقان(1) ، وكان قوة شعر الحطيئة موزعاً في المدح والقدح وبما أن هجاه كان لاذعاً فقد بانت قوته ، ولعل شعره في الزبرقان كان من وراء اشتهاره بشعر الهجاء ، فشكاه الزبرقان إلى عمر بن الخطاب فاحتكم عمر في شعر حطيئة عند حسان بن ثابت ، فقال : ذرق عليه فألقى عمر القبض على حطيئة وأودعه السجن وهو مما اخترناه وقد نظم على البسيط(2) :
والله ، ما معشرٌ لاموا امرأً جُنُباً في اَل لأي بن شمّاس بأكياس(3)
ما كان ذنب بغيض ، لا أبا لكم ، في بائسٍ جاء يحدو آخر الناس
لمّا بـدا لي منكم عيب أنفسكم ، ولـم يكن لجراحي منكـم أسِ(4)
أزمعـتُ يأساً مُبيناً من نَوالكم ؛ ولن يُرى طارداً للحُرّ كاليـاس(5)
جـارٌ لقـومٍ أطالوا هون منزله وغـادروه مُقيماً بيـن أرماس(6)
مَلّـوا قِراه ، وهـَرّته كلابهم ، وجـرّحـوه بأنيـابٍ وأضراس
دع المكرام لا تـرحل لبُغيتهـا واقعد فإنّك أنت الطاعم الكاسي(7)
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه(8) لا يذهب العُرف بين الله والناس(9)

5ـ وأما هاشميات الكميت فهية اشعاره المطولة التي نظمها في بني هاشم وذكر فيها فضائلهم والحيف الذي وقع عليهم وعدت من اشهر فنونه ولها قيمة تاريخية بالاضافة قيمتها الادبية الى جانب قيمتها السياسية ،

(1) الزبرقان : هو ابن بدر التميمي السعدي المتوفى نحو عام 45 هـ ، من رؤساء قومه ، مثل اسمه الحصين ولقلب بالزبرقان لحسن وجهه حيث أنه احدى أسماء القمر ، ولّاه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم صدقات قومه ، وكان فصيحاً شاعراً .
(2) تاريخ الأدب العربي لفروخ : 1/333 .
(3) أكياس : جمع كيس وهو الذكي .
(4) الآس : الطيب .
(5) الياس : اليأس .
(6) الأرماس : جمع الرمس وهو القبر ، وبين أرماس كناية عن أنه مهدد بالموت .
(7) الطاعم الكاسي : الذي يطعمه الناس ويكسونه .
(8) الجوازي : جمع جازية من الجزاء وهو الإثابة على عمل الخير .
(9) العرف : المعروف .

السابق السابق الفهرس التالي التالي