دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 94

سَقَتني حُمَيّا الحُـبّ راحـةُ مُقلتـي(1) وكأسي مُحَيّا مَـن عـن الحُسن جَلّتِ(2)
فأوهمـتُ صَحبي أنّ شـُرْبَ شرابهـم بـه سـُر سِرّي ، في انتشائي بنظرة(3)
وبالحَـدَقِ استغنيـتُ عن قدحي ومـِن شمـائلها ، لا مـن شمولي ، نشوتي(4)
ففي حـانِ سكري ، حان شُكري لفتيةٍ بهـم تـمّ لـي كتمُ الهوى مع شهرتي
ولمّا انقضى صحـوي تقاضيتُ وَصْلها ولم يغشَني في بسطها ، قبضُ خشيتي(5)
وأبثَثْتُهـا مـا بي ، ولـم يكُ حاضري رَقيـبٌ لها ، حـاظٍ بخلـوة جلوتي(6)
وقلـتُ ، وحالي بالصبابـةِ شاهـدٌ ، ووجـدي بها ماحـِيَّ ، والفقدُ مُثبتي :
هَبي ، قبـل يُفني الحُـبُّ منّي بقيـّةً أراكِ بهـا ، لـي نظـرة المتَلَفـتِ
ومنّي على سمعـي بلَنْ ، إن منعتِ أن أراكِ ، فمِـن قَبلي ، لغيـري ، لَذَتِ
فعنـدي ، لسُكـري ، فاقـةٌ لإفاقةٍ(7) لها كِبدي ، لـولا الهـوى ، لم تُفَتّتِ
ولـو أنّ مـا بي بالجبال ، وكان طو رسينـا بهـا ، قبلَ التجلّي ، لـدُكّتِ
هـوّى عبـرةٌ نَمّتْ بـه وجوىً نَمَتْ بـه حُـرقٌ ، أدواؤهـا بـيّ أودَتِ
فطـوفان « نوح » عند نَوحي كأدمُعي وإيقـادُ نيـرانِ « الخليلِ » كلـَوعتي
ولـولا زفيري أغـرَقَتنـي أدمُعـي ، ولـولا دمـوعي أحرقتني زفـرتي
وحُـزني ، مـا يعقـوب بـَثّ أقلَّه ، وكُـلّ بِلى أيـّوبَ بعـضُ بلِيّتـي(8)
وآخِرُ ما لاقى الأُلى عشِقوا ، إلى الـ ـردى بعضُ ما لاقيتُ ، أوّلَ محنتي

(1) حميّا : فعل الخمر في النفوس والأبدان .
(2) المحيّا : الوجه .
(3) سُر : السرور .
(4) شمولي : خمرتي .
(5) البسط : الانفراج .
(6) الجلوة : الظهور .
(7) فاقة لا فاقة : حاجة الصحو .
(8) وقد أخذ نزار قباني هذا المعنى بل حتى النص واستخدمها في ما نظمه إلا أنه ابدل أيوب بالحسين .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 95

النظم والشعر

هناك فرق واضح بين الشعر والنظم حيث إن بينهما من النسب الأربعة عموماً وخصوصاً من وجه وذلك لأن كل شعر نظم وليس العكس حيث إن الشعر هو ما حرك الشعور الإنساني بل مطلق الشعور مع مراعاة الوزن والقافية اللذين هما من لوازم ذلك ، وإذا ما التزم بالوزن والقافية فقط فهو النظم(1) .
ومن تعريف الشعر فيما سبق يتبين الفرق ملياً وسيتضح الفارق بينهما فيما سيأتي أيضاً .
وفي هذا الصدد يذكر الشيرازي : « الكلام الموزون ليس شعراً وإن انسجمت تفعيلاته وانتظمت قوافيه ، وإنما الشعر إرادة موحية ، ومهجة مانحة تَنِزُّ لتخصب الأرض وتلوّن السماء ، وأشواق تنفض الكرى من رؤوسها لتورق حولها العاطفات البيض فلا تجد إلى الحياة سبيلاً أقدر على تجسيدها من الشعر » .
ويضيف قائلاً : « الشعر ترجمان الإنسان في التعبير عن واقعه والشاعر يكتب شعوره لا كلامه »(2) .
وهنا لا بد من التذكير بأن الشعر لا بد وأن يراعى فيه اختيار المعنى الجميل إلى جانب اختيار اللفظ الجميل فإذا كان الاختياران جميلين كان شعراً وإلا فهو النظم وعليه فالحالات أربع وهي :
1 ـ المعنى الجيد + اللفظ الجيد = المطلوب (الشعر)

(1) راجع مقدمة باب معجم الشعراء الناظمين في الحسين من هذه الموسوعة .
(2) الأدب الموجه : 129 .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 96

2 ـ المعنى الجيد + اللفظ غير الجيد = معيب (النظم)
3 ـ المعنى غير الجيد + اللفظ الجيد = معيب (النظم)
4 ـ المعنى غير الجيد + اللفظ غير الجيد = مرفوض (النظم)
وهذه الحالات الثلاث وإن أسماها بعضهم شعراً(1) إلا أنها إلى النظم أقرب لأنها لا تحمل الهدف من نظم الشعر حيث إن المطلوب هو الشكل والمضمون معاً .

(1) راجع فن الشعر : 192 .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 97

الشاعر بين العفوية والتكلف

إن الشعر العفوي بريق شحنة فكرية تتولد بشكل عفوي وطبيعي عند من له القدرة على النظم وذلك عندما يصطدم الفكر بالواقع أو يلتحم معه ، بينما الشعر المصطنع عبارة عن إفراغ ما احتوته القوالب العروضية حين يريد صانعه استخدامه .
ولا شك أن القيمة الأدبية متفاوتة بطبيعة الحال فالذوق الأدبي السليم لا يمكنه أن يساوي بينهما ، حيث إنه جزء من الذوق البشري العام الذي بطبيعته وفطرته يلتذ بالمنتجات النباتية الطبيعية ويفضلها على المصطنعة ، كما لا يعادل في تثمينه بين اللئالئ التي خلقتها يد الالهية وبين المصطنعة ، ومن الطبيعي أن هذا التفاوت يلقي بضلاله على الأمواج المنبعثة منها قصراً وطولاً في نفوس وآذان المستمعين فعندما تتفاوت اللذة النفسية وتقبل القوى السمعية .
والعفوية لا تنافي التهذيب الذي لا بد للشاعر المبدع مراعاته في عملية النظم والإنشاء حيث لا يمكن عده من الكلفة التي أشرنا إليها .
وأما الذي لا يملك موهبة النظم فتنعكس عنده عملية التلاحم أو الاصطدام على شكل ردة فعل عاطفية تارة كرسم قطعة فنية أو نحتها وتارة أخرى تتحول إلى فعلة جهنمية يريد التخلص منها بأي شكل من الأشكال وعندها يصدق قول حيص بيص(1) من الطويل :
وحسبكم هذا التفاوت بيننا وكل إناء بالذي فيه ينضح

(1) حيص بيض : هو سعد بن محمد التميمي ، والمعروف أيضاً بابن الصيفي ، المتوفى ببغداد عام 574 هـ ، من أهل بغداد ، نشأ فقيهاً ثم غلب عليه الأدب والشعر ، له ديون شعر ، وغيره .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 98

الشاعر بين القريحة والعروض

لا يستغني الشاعر المبدع عن القريحة الخلاقة ولاعن العروض الخليلية ، فالعروض وحده لا يصنع من الإنسان شاعراً بل يصنع من الناظم مبدعاً فالقريحة أولاً والعروض ثانياً ، فهناك ممن لا يتعاطى العروض لكنه ينشؤ من الشعر جيده ، بينما الكثير ممن يتعاطاه لا يقدر على النظم ولكن إذا اجتمعا خلقا من شخصية الناظم شاعراً مبدعاً ، وكلما كانت القريحة صافية وممارسة العروض دقيقة كان الشعر راقياً .
فالشاعر الذي تحركت مشاعره نحو المستقبل المنشود من الطبيعي أن يرجح الطريق المعبّد على الطرق الملتوية وغير المعبدة ليتجنب العثرات والزلات مهما أمكن .
فهو يسوق الكلمات والمعاني بوقود القريحة على طريق العروض الممهد ليصل بنفسه إلى قمة العطاء الذي رسمه لها ، فالوقود وحده لا يكفي لضمان الوصول ما لم يكن الطريق معبداً أميناً .
يقول ابن طباطبا : نظم الشعر معلوم محدود ، فمن صح طبعه وذوقه لم يحتج إلى الاستعانة على نظم الشعر بالعروض التي هي ميزانه ، ومن اضطرب عليه الذوق لم يستغن عن تصحيحه وتقويمه بمعرفة العروض والحذق به حتى تعتبر معرفته المستفادة كالطبع الذي لا تكلفه معه(1) .
وفي الحقيقة أنه لا يمكن الاعتماد على العروض بشكل كلي ، وإنني أنصح المبتدء ذا القريحة غير المصقولة ، بأن لا يفسدها بالدقة العروضية ويترك أمر العروض جانباً إلى أن تتحول قريحته إلى ملكة فعندما يعتمد العروض في نظمه وإنشائه وهذه التجربة المرّة لا تفارق مخيلتي وهي التي

(1) الروائع من الأدب العربي : 4/472 .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 99

لم تخلق مني شاعراً بل أوقفتني عند حد النظم .
وفي هذا المجال يقول الشاعر الانكليزي شيلي(1) : « إن الشعر ليس من قبيل التفكير الذي يسيطر عليه القصد أو الإرادة ، فالإنسان لا يستطيع أن يقول : أريد أن أنظم شعراً ، وليس في مقدور أعظم شاعر أن يقول مثل هذا القول »(2) ولذلك ذهب الكثير من الشعراء في الغرب إلى أن حالة نظم حالة غامضة تعتريهم فتجعلهم ينظمون الشعر عن غير وعي أو إرادة(3) .

(1) شيلي بيرس بيش (Perrcy bysshe Shelley) ولد عام 979 هـ (1571 م) وتوفي عام 1238 هـ (1822 م) شاعر انكليزي يعتبر أحد كبار الشعراء الرومانتيكيين الإنكليز مات غرقاً .
(2) الأحلام بين العلم والعقيدة : 188 .
(3) الأحلام بين العلم والعقيدة : 188 عن An Anatomy of Inspiration و Harding .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 100

أعذبه أكذبه

هكذا قالوا عن الشعر بل هكذا وصفوه ، وقد يتلقى المرء بعض الأمثال أو المقطوعات تلقي المسلّمات ويتعامل معها تعامل الحقائق الثابتة إلا أن الواقع ربما يكون غير ذلك . فهل الشعر أعذبه أكذبه ، أم أعذبه أصدقه ؟ وفي الحقيقة أنه لا يمكن أن تُتَصوّر للكذب عذوبة إلا إذا كان وسيلة للإصلاح والتقارب ، وهذا ما أباحه الشرع وعُرف بين الناس بالكذبة البيضاء ، ولكن ذلك لا يصدق في الشعر بل الذي يمكن تصوره في الأدب بشكل عام وفي الشعر بشكل خاص هو الوصف الخيالي الواسع ، أو المبالغة المباحة وهما فنّان قد لا يحسنهما كل ناظم بل قد يريد المتطفل على الشعر استخدامها فلا يحسن فتكون النتائج إلى الكذب أقرب منها إلى الوصف الخيالي أو المبالغة حيث لكل منهما قواعده وأساليبه ، ومع حسن الاستخدام لا يسمى كذبا بل خارج عنه موضوعاً ، وقد استخدمت المبالغة في القرآن والحديث .
وكثيراً ما يستخدم الشاعر المتكلف الكذب في نظمه ، وأما شاعر العفوية فلا يمكن أن يقول الكذب لأن الطبيعة غير كاذبة ، والكذب لا يأتي إلا من التصنع فهو إلى النظم أقرب منه إلى الشعر ، فالشعر أبلغه أعذبه وأخيله أصوبه ، وأما المبالغة فهي ضرب من ضورب الأدب يأتي به الأديب للتأكيد على ما يريد بيانه وله حدوده حسب الموقع والعرف فلا يحدد بغيرهما ، ومن المبالغة قول الله تعالى : «أن تستغفر لهم سبعين مرة»(1) فليس فيه تحديد بالعدد بل المقصود هو المبالغة(2) ، ولا يحدد بصيغة إذ قد

(1) سورة التوبة ، الآية : 80 .
(2) راجع التيبان : 5/267 وغيره .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 101

يستخدم المئة أو الألف للمبالغة في عرف آخر أو في موقع آخر ، وعن ابن رشيق في قوله تعالى : «سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار»(1) من معجز المبالغة حيث يقول جعل الله من يسر القول كمن يجهر به ، والمستخفي بالليل كالسارب بالنهار ، وقال ابن رشيق : وكل واحد منهما أشد مبالغة في معناه ، وأتم صفة(2) .
وأما الخيال فهو نوع من التشبيه الحلال المستخدم في الأدب ولا يحدد الخيال إلا بالعرف والموقع دون غيرهما إذ أن مجال الخيال واسع ، إنما حسن الاختيار هو الذي يحدده وهو نوع من تصوير المعنى وتقريبه إلى الأذهان ومنه قوله تعالى : «كأنهم جراد منتشر»(3) «كأنهم أعجاز نخل منقعر»(4) و«كأنهم لـؤلؤ مـكنون»(5) .
فمن المبالغة قول عمرو بن كلثوم في معلقته من الوافر :
إذا بلغ الفطام لنا صبيٍّ تَخِّرُ له الجبابر ساجدينا(6)

ومن الخيال قول قيس بن الملوح من الطويل :
وإنّي لتعروني لذكراك هزّةٌ كما انتفض العصفور بَلَّلَهُ القَطْرُ(7)

فلا يعد هذا الخيال وتلك المبالغة من الكذب حيث إن المباني عقلائية ولم تخرج من الحدود التي رسمها العرف والذوق السليم ولم يغتر أحد بذلك .

(1) سورة الرعد الآية : 10.
(2) العمدة لابن رشيق : 1/654 .
(3) سورة القمر ، الآية : 7 .
(4) سورة القمر ، الآية : 20 .
(5) سورة الواقعة ، الآية : 23 .
(6) شرح المعلقات السبع للزوزني : 187 وجاء الصدر في كتاب المعلقات العشر لعطوي : 131 « إذا بلغ الرضيع لنا فطاماً » .
(7) جاء في تاريخ الأدب العربي لفروخ : 1/438 الصدر هكذا : « إذا ذكرتْ يرتاح قلبي لذكرها » .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 102

سرقة الشعر

تدلنا سرقة الشعر بل عموم السرقة على شيئين أهمية الشعر ومكانته حيث إن السارق لا يسرق إلا ما غلا ثمنه وخف وزنه ، والثاني قصور همة السارق وشعوره بالنقص ، وللسرقة الشعرية بالذات أساليب مختلفة ولعلها تتلخص فيما يلي :

1 ـ سرقة الفكرة :

وقد يكون من توارد الخاطر وهذا ليس بغريب إذ قد يتطابق الفكر البشري رغم البعد الجغرافي والثقافي والزمني ، وقد يكون من الاقتباس المستحسن وعندها لا يصدق عليه السرقة فيما إذا كان الاقتباس واضحاً ولم يحاول الشاعر تضليل السامع .
وفي هذا يقول النهشلي(1) : قالوا السَّرَقُ في الشعر ما نقل معناه دون لفظه(2) وسمّوه بالاختلاس وعدوا من ذلك قول أبي نؤاس(3) كما في البيت التالي من الكامل :
مَلكٌ تَصوّرَ في القلوب مثاله فكأنّه لم يَخْلُ منه مكانُ

حيث اختلسه من قول كثير :
أريد لأنسى ذِكرها فكأنّما تَمَثَّلَ لي ليلي بكلِّ سبيلِ(4)

(1) النهشلي : هو عبد الكريم بن إبراهيم .
(2) العمدة لابن رشيق : 2/1038 .
(3) العمدة لابن رشيق : 2/1049 .
(4) أبو نؤاس : هو الحسن بن هاني بن عبد الأول الحكمي بالولاء (146 ـ 198 هـ) من شعراء الإمامية ببغداد ، وعرف بأنه شاعر العراق في عصره ولد في الأهواز ، وهو أول من نهج للشعر طريقته الحضرية وأخرجه من اللهجة البدوية .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 103

2 ـ سرقة الألفاظ :

وهذا وإن دل على عدم قوة الشاعر الذي يقوم بذلك واعتبر عيباً إلا أن الألفاظ لا تختص بشاعر دون آخر(1) ويصعب تأكيده إلا فيما إذا كان ظاهراً جلياً كقول امرئ القيس المتوفى عام 82 ق . هـ في قوله من الطويل :
وقوفاً بها صَحبي عَلَيَّ مَطِيَّهُم يقولون لا تَهلِك أسىً وتجمّلِ(2)

وقول طرفة(3) من الطويل أيضاً :
وقوفاً بها صحبي عليَّ مطيّهم يقولون لا تهلك أسىً وتجلُّدِ(4)

3 ـ سرقة القالب الشعري :

وفي الحقيقة فإن البدايات الشعرية لكثير من الشعراء تبدأ من هنا حيث يقوم هواة الشعر بنقل أو وضع الكلمات ذات التفعيلة الواحدة مكان الأخرى ، وهنا لا بد وأن يكون من محترفي لعبة الشطرنج(5) ، وهذا النوع وإن ساعده على تخطي العتبة أو العقبة الأولى من النظم إلا أنه لا يُمَكّنه

(1) ولذلك لم يعدوا الأبيات التالية سرقة رغم اتحادها في اللفظ كالخيل والدلف حيث أنهما من الألفاظ التي تعارف استخدامهما معاً ، قال عنترة بن شداد العبسي من الوافر :
وخيلٍ قد دَلَفْتُ لها بخيلٍ عليها الأُسدُ تهتصِرُ اهتصارا
وقال عمرو بن معدي كرب :
وخيل قد دَلَفتُ لها بخيلٍ
وقالت الخنساء ترثي أخاها صخراً :
وخيلٍ قد دلفتُ لها بخيلٍ فدارت بين كبشيها رَحاها
وقال اعرابي :
وخيلٍ قد دلفتُ لها بخيلٍ ترى فرسانها مثل الأُسودِ
(2) شرح المعلقات السبع : 13 وهو البيت الخامس من قصيدته في المعلقة .
(3) طرفة : هو ابن العبد بن سفيان البكري (نحو 86 ـ 62 ق . هـ) من شعراء الجاهلية المعروفين .
(4) شرح المعلقات السبع : 64 وهو البيت الثاني من قصيدته المعلقة .
(5) وهذا النوع من السرقة سماه بعض أهل الفن سالخاً بدل من السارق .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 104

من التفوق والتحليق ، وغالباً ما يتخلص الشعراء من بدايات شعرهم لهذا الغرض أو لعموم الضعف ، ويسمى هذا النوع بالموازنة ، ومثلوا له بقول كثير(1) في عجز البيت التالي من المتقارب :
تقول مرِضنا فما عُدْتَنا وكيف يعود مريضٌ مريضاً

حيث أخذها من قول نابغة بني تغلب(2) من المتقارب أيضاً :
بخلنا لِبخلكِ قد تعلمينَ وكيف يغيب بخيلٌ بخيلا(3)

4 ـ الانتحال :

وهذا النوع من السرقة يُعتبر أخس السرقات الأدبية حيث انه لم يكلف نفسه سوى القول بأن هذا البيت أو ذاك من إنشائي(4) كما ينسب لجرير أنه انتسب شعر المعلوط السعدي(5) لنفسه في قوله ـ من الكامل ـ :
إن الذين غَدَوا بِلُبِّكَ غادروا وشلاً(6) بعينيكَ لا يزال معيناً(7)

(1) كثير : الظاهر هو كثير عزة ابن عبد الرحمن بن الأسود المتوفى عام 105 هـ شاعر متيم مشهور ، كان من أهل الحجاز ، وأخباره مع عزة بنت جميل الضميرة كثيرة ، له ديوان شعر باسمه ، توفي بالمدينة .
(2) نابغة بني تغلب : هو الحارث بن غزوان أو عدوان التغلبي ، ذكره المرزباني في الموشح : 225 ، وهناك عدد من الشعراء عرفوا بالنابغة ، منهم : النابغة الذيباني ـ زياد بن معاوية ، والنابغة الجعدي ـ قيس بن عبد الله ، والنابغة الشيباني ـ عبد الله بن المخارق ، ونابغة بني الديان ـ يزيد بن أبان الحارثي ، ونابغة بني يربوع ـ الحارث ابن بكر اليربوعي ، ونابغة بني لاي الغنوي ، والنابغة العدواني .
(3) العمدة لابن رشيق : 2/1051 .
(4) ويشترط ابن رشيق في العمدة : 2/1039 بأن المنتحل انما يقال له منتحل إذا كان شاعراً أو نسب شعر غيره إلى نفسه وإلا سمّاه بالمدعي .
(5) المعلوط السعدي : الظاهر هو معلوط بن بَدَل القريحي ، الشاعر الذي استشهد ابن منظور في كتابه لسان العرب بشعره مرتين ، واستشهد ابن رشيق بشعره في كتابه العمدة .
(6) الوشل : الدمع السائل شيئاً بعد شيء .
(7) المعين : الظاهر .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 105

غيضَنْ مِن عبراتِهنّ وقلنَ لي ماذا لقيتَ مِن الهوى ولقينا(1)

وهناك أنواع مختلفة من السرقة تغاضينا عنها وعن مصطلحاتها واكتفينا بما هو دارج بين أرباب هذا الفن في عصرنا .
هذا ولا يمكن أن يعد التضمين سرقة بل هو فن قائم بنفسه دال على صفاء نفس الشاعر حيث وجد المعنى الذي أعجبه في شعر غيره فضمه إلى قصيدته مجاهراً بذلك .
كما لا يمكن عَدّ التشطير من السرقة وذلك لأنه لا يمتلك مقومات السرقة من قصور الهمة والشعور بالنقص وما إلى ذلك بل يعد فناً من فنون الأدب لا يقوم به إلا المحترفون المبدعون وسيأتي الحديث عنه في المصطلحات الشعرية .
ويقول ابن رشيق : وأجَلُّ السرقات نظم النثر ، وحل الشعر(2) .
وقال النهشلي : اتكال الشاعر على السرقة بلادةٌ وعجز ، وتركه كل معنىً سبق إليه جهل(3) .
هذا وللسرقة مصطلحات حسب نوعية السرقة وحجمها سنذكر ما تقضيه الضرورة في فصل المصطلحات إن شاء الله تعالى ، كما سنتداول هذا الأمر بشيء من التفصيل في خاتمة البحث عن الشعر عند دراسة الشعر الحسيني وتقييم ما نظمه الشعراء خلال خمسة عشر قرناً وهذا البحث لا يختص بالشعر القريض بل سنأتي على جانب منه في خواتيم كل فصل من فصول الشعر الدارج فالجزء الحادي عشر مثلاً من ديوان الأبوذية والذي هو خاتمة هذا الباب إن لم تستجد المستدركات فهو مخصص لدراسة وتقييم ما ورد من الشعر في المجلدات العشر من الأبوذية ، ومما سندرسه

(1) العمدة لابن رشيق : 2/1043 .
(2) العمدة لابن رشيق : 2/1058 .
(3) العمدة لابن رشيق : 2/1038 .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 106

مسألة السرقات الشعرية التي كثيراً ما وقعت في تلك الأبواب .
يبقى أن نشير إلى أن مسألة السرقة الأدبية هذه إذا خضعت للقواعد الشرعية فلا شك أن القسم الرابع وهو الانتحال يعتبر من المحرمات ويكون حكمه حكم من يزور الإثباتات لصالحه كما لو زور الأوراق الثبوتية لعقار غيره وسجلها باسمه فإن الشرع يعاقبه على فعلته هذه ، والعقاب الذي يناله هو التعزير وتحديده بيد الحاكم للشرع المستجمع لشروط الولاية ، ويختلف التعذير بحسب الموقع وأمور أخرى ، وأما الأقسام الأخرى فلا يمكن إطلاق السرقة الشرعية عليها بما في الكلمة من معنى شرعي .

دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 107

الرخص الشعرية

جرى ديدن الباحثين في أدب الشعر إلى بيان الرخص الشعرية فمنهم من ينقد ومنهم من ينقل ، ويظهر من أبحاثهم أن هناك مذهبين متباعدين أحدهما آخذ نحو الإفراط والآخر نحو التفريط ، ومن الأول اشتهرت المقولة التالية : « يجوز في الشعر ما لا يجوز في غيره » ، وأما المذهب المتشدد في أبعد حدوده فلا يبيح ذلك بأي شكل من الأشكال حيث يعتبر الملتزمون به أن هذه الجوازات عيب لا بد أن يتجنبه الشاعر حيث إن الشعر هو الالتزام بالقواعد العروضية والصرفية والنحوية واللغوية والبلاغية بالإضافة إلى الأخلاقية أيضاً ، وإلا فيعتبرون الشعر غير الملتزم من الإنتاج الضعيف الذي لا يرتقي سلم الرقي .
ولكن المختار ان فتح الباب بمصراعيه غير مستحسن وإغلاقه تماماً يفقد الأدب مصداقيته في النثر فكيف به في الشعر لأن الأدب هو من جهة التلاعب بالألفاظ واستخداماتها وفن الخيال الواسع .
وخلاصة ذلك أن ما شمله عنوان التقدير أو الحذف فيما لو كان معلوماً من سياق الجملة فجائز ، وكل ما أباحته اللغة بشكل عام دون الالتفات إلى ما هو شاذ فهو من الجواز اللغوي ، ومن الغريب أن يعد ابن رشيق مثلاً بعض الأمور من الرخص الشعرية كإتيان الفاعل بمعنى المفعول كما في قوله تعالى مثلاً : «لاعاصم اليوم من أمر الله»(1) أي لا معصوم اليوم ، وأمثال ذلك حيث إنها من الرخص اللغوية العامة التي لا ارتباط لها بخصوص الشعر .
نعم هناك بعض الحالات كصرف ما لا ينصرف فإنه يجوز لا لأن

(1) سورة هود ، الآية : 43 .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 108

تجاوزه صرف فيجوز للاضطرار بل في عده من الأسس في القواعد النحوية والالتزام به ، نظر وريب .
وأخيراً فإن ما لا يغير المعنى من الحذف والإضمار وما إلى ذلك ، أو ما لم يكن من صلب اللغة فهو جائز ، والمقياس هو كتاب الله عز وجل والذي فيه الكثير من التقدير والحذف واستخدام الخاص بمعنى العام وبالعكس ، وهذا لا يعد في الحقيقة رخصاً شعرية بل تفنناً أدبياً يجوز في النثر والشعر معاً مما يزيد في جمالية المقطوعة الأدبية ، وأما الزائد على ذلك كتشديد الحرف أو نقصانه فيما لو كان جزءاً من الكلمة أو زيادته فهو معيب إن لم يكن من التخفيف المتعارف عليه ، أو الجمالية المقبولة أو غير ذلك ، فالنقصان كما في قولهم يا صاح في يا صاحب ، والزيادة كما في الجمع حيث يمكن تحويله إلى تفعيلة أخرى تعورف عليه كما في صيارف يقال صياريف ، ومثال التبديل كما في اصتحب تقول اصطحب ، شرط أن لا يتجاوز الحدود المرسومة له أو كثرة استخدامه حتى لا تنطبق عليه المقولة المعروفة : « كلما زاد عن حده انقلب إلى ضده » ، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على ضعف الشاعر كما يكشف عن خلل في ملكته للنظم .

دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 109

الانفتاح الأدبي

قد يثير البعض هذا الموضوع حيث ان الكلمة بذاتها موضع الإثارة ولكن قبل الدعوة إلى الانفتاح لا بد من بيان المقصود من الانفتاح ، وقبل بيان المقصود لا بد وأن نذكر القارئ بأننا كمسلمين أؤكد كمسلمين لا تدعو ثقافتنا إلى الجمود في كل مجالات الحياة وحتى العقيدة ، ولكن هناك شرطاً أساسياً واحداً فقط ، وأظن أن الالتزام به أكثر من ضروري وهو أن نكون علميين وموضوعيين حيث لا بد وأن نكون أبناء الدليل ، ولذلك نفتخر بأن العقيدة عندنا ليست من الأمور التقليدية ، ولدى الحديث عن العقيدة فلا بد وأن تكون مقنعة ولا تحديد لأسلوبها فيتساوى في ذلك رجل الكهوف ورجل الحضارات في أصل القناعة ، ويختلفان في أسلوب الفهم والإثبات ولكن النتيجة واحدة فلا بد من أن نتمسك بالمثل السائد انظر إلى ما قال ولا تنظر إلى من قال ، أو قولهم خذ الحكمة من أفواه المجانين .
والانفتاح ليست الإباحية أو التخلي عن المبدأ ، بل الصحيح هو دعم المبدأ وتطوير أسلوبه فلو انفتحنا في اللغة على الحضارة الحديثة والمتطورة ، فإن كنا إباحيين لالتزمنا بكل مفردة أجنبية ورددناها في نشرة الأخبار والمقالة والكتابة والأدب ، ولكن لو كنا انفتاحيين لوجدنا لها من المادة العربية مشتقات تفي بالغرض إلا اللهم في الأعلام .
والإباحة في الفن القبول المطلق بكل ما يستورده الإباحيون فالموسيقي والرقص والرسم المستورد وقبوله بكل علاته هو الإباحية ، والغالب في هذه أنها ظهرت في جو من التمرد الذي لا يستند إلى أسس حضارية وعلمية فهذا هو الكفر العلمي بحد ذاته ، بل الأكثر ضلالة توجيهه توجيهاً علمياً وإضاعة الوقت في إيجاد أسس في الأساس هم لم يبنوا عليها ذلك
السابق السابق الفهرس التالي التالي