دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 165

قبل هذا العصر نُظماً تسقى وتتوارث وتجري في طبائع الشعراء ، وتنتقل في أعمالهم وآثارهم يُهدى إليها النظر في القديم نظراً معتدلاً ويلزمها ذلك القدر من الصنعة المعتدلة التي تلزم الأمور في عهود البساطة النسبية المشبهة للطبع المجارية للفطرة .
أما هذا العصر فقد كان عصر تحضّر عميق ونظر وفكر ، عهد مدنية تضعف معها قوة الفطرة الشعرية وتضيق فيها آفاق الخيال مما يوشك أن تصبح معه مدنية علميّة بالقياس إلى حالة العصرين السابقين لهذا العصر ، فخضع الشعر في ظلالها لما تخضع له كل فروع الحياة من نظر وفكر وقياس ، وكان حظ العقل فيه أرجح من حظ العاطفة ، وكان نصيب الصنعة فيه أكثر من نصيب الطبع ، والشعر العربي قد أصاب النظر فيه كثير من هذ الاتجاهات الفلسفية الغالبة ولكن أثرها فيه لم يكن أثراً مباشراً ولا أصيلاً في جوهر الشعر وقوامه ومادّته ولم يكن أثراً خالقاً ولكنه كان منشطاً »(1) .
لم يكن تأثير المسلمين العجم بالعرب بأقل من تأثيرهم بالعجم فالشعوب غير العربية عندما أسلمت أخذت من المسلمين الثقافة الإسلامية بشكل عام : الدين واللغة وكثيراً من العادات والعلوم حتى برز فيهم كبار العلماء والفقهاء والأدباء والشعراء ولذلك نجد أن الكثير من المعاجم أفرزت كتباً أو فصولاً بشعراء وأدباء خراسان وبلاد ما وراء النهرين والهند ممن نظموا بالعربية وعلى سبيل المثال لا الحصر فهذا الثعالبي(2) الذي هو الآخر من علماء نيسابور الإيرانية والذي يعد من كبار أدباء العرب ومؤلفيهم أورد في كتابه يتيمة الدهر أبواباً خصصها بشعراء العربية من ليسوا من أصول عربية ، فمن ذلك الأبواب التالية من الباب الأول من القسم الثاني في الملوك الشعراء من آل بويه ، الباب الثالث من القسم الثالث في الصاحب بن عباد الطالقاني(3) ومن نظم فيه من شعراء العرب والعجم ،

(1) تاريخ الشعر العربي للبهبيتي : 273 والموجز في الادب العربي وتاريخه للفاخوري : 2/31 .
(2) الثعالبي : هو عبد الملك بن محمد مضت ترجمته .
(3) الصاحب بن عباد الطالقاني : هو اسماعيل بن عباد بن عباس الطالقاني (326 ـ 385 هـ) وزير البويهيين كان من الامامية ، وكان نادرة زمانه في الفضائل والآداب ،
=
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 166

والباب الخامس منه في محاسن أهل العصر من أصبهان ، والباب الثامن من شعراء فارس والأهواز سوى من تقدم منهم من ساكني العراق ، والباب التاسع من شعراء وكتاب جرجان وطبرستان ، والباب العاشر في قابوس بن وشمكير(1) وذكر ما تركه من الأمثال والأشعار بالعربية ، والقسم الرابع بأبوابه العشرة في أهل خراسان وما وراء النهر وأهل بخارى وخوارزم وبديع الزمان وأبي الفتح البستي ، وأهل نيسابور وأبي الفضل الميكالي وغيرهم ، ثم استدرك على القسم الثالث بشعراء أهل الري وهمدان وأصفهان وسائر بلاد الجبل .
كل هذا يدلنا على مدى تأثر العجم بالعرب وهناك الكم الهائل من كتب الفقه والحديث واللغة والأدب والشعر الذي خلفه مَن أصولهم غير عربية فللمثال فإن البخاري(2) وضع كتاب الصحيح ، وسيبويه(3) وضع كتاب اللغة ، والجرجاني(4) وضع كتاب البلاغة وهكذا بل إن عدداً من أئمة المذاهب كانوا من أصول غير عربية ، مضافاً إلى أن هناك أقواماً تعربوا وأصبحوا يعدون من العرب رغم أنهم من البربر أو

= ولد في قزوين وتوفي في اصفهان ، له مؤلفات جليلة منها : المحيط ، الوزراء ، الاقناع في العروض .
(1) قابوس بن وشمكير : هو حفيد زيار بن وردان الجيلي ولد قبل منتصف القرن الرابع الهجري وتوفي عام 403 هـ ، امير جرجان وبلاد الجبل وطبرستان في ايران وليها عام 366 هـ ، كان نابغة في الادب والانشاء شاعر جيد بالعربية والفارسية له كتاب كمال البلاغة .
(2) البخاري : هو محمد بن اسماعيل بن ابراهيم (194 ـ 256 هـ) ولد في بخارى وسافر إلى خراسان والعراق ومصر والشام وسمع من مشايخها ، من أئمة الحديث عند السنة ، عرف بكتابه الصحيح ، وله كتاب التاريخ .
(3) سيبويه : هو عمرو بن عثمان بن قنبر (148 ـ 180 هـ) ولد في ساوة احدى قرى شيراز وتوفي بها ، من ائمة النحو ، قدم البصرة واخذ من الخليل له مؤلفات جليلة منها : الكتاب ، والذي عرف باسمه .
(4) الجرجاني : هو عبد الظاهر بن عبد الرحمان النحوي المولود في اوائل القرن الخامس الهجري والمتوفى عام 471 هـ من أئمة البلاغة ، كان اديبا شاعراً من اثاره : كتاب العوامل المئة ، اسرار البلاغة ، دلائل الاعجاز .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 167

الفينيقيين أو الأقباط أو الفرس والهند أو التتار أو من الترك أو من أرمينيا مما لا مجال لذكرهم .
ولكن ما يهمنا أن هؤلاء من دون شك قد نقلوا إلينا الكثير من حضاراتهم وكان لهم دور في الأدب والشعر وبالأخص عندما أصبحوا قادة روحيين أو زمنيين وحكموا البلاد العربية بعلمهم أو سلطانهم وهؤلاء الحكام كثيراً ما كانوا ينظمون الشعر بالعربية وكانت ثقافتهم إسلامية عربية رغم أن أصولهم غير عربية وكانوا يشجعون الشعراء والأدباء ويدعمون العلماء والفقهاء حيث لم يكن آنذاك بنحو عام ينظر المسلم إلى الأمور بمنظار قومي ضيق بل كان أُفقه أوسع من ذلك بكثير يتعامل مع الواقع بروح إسلامية عالية .
وفي هذه الفترة كانت بغداد وحلب وأصفهان والقاهرة وطرابلس تعج بالمترجمين والكتّاب ولهم مصانع للورق وتجارة الورق حيث كان التدوين قائماً على قدم وساق فمنهم من كان يثبت الروايات ومنهم من كان يحققها ويدونها ومنهم من كان يؤلف وآخر يصنف ومنهم من يترجم من العربية إلى غيرها ومنهم من كان ينقل من غير العربية إليها ومنهم من كان يعلق على المسائل العلمية ويناقشها ، فكانت ظاهرة التدوين شائعة في مجمل البلاد الإسلامية شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً وكان للأدب والشعر حظوة كبيرة من بين العلوم والفنون(1) .
وباستقرار أية دولة مُنتمية بالولاء لأهل بيت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كانت أبواب البلاط تفتح للشعراء الموالين لأهل البيت إلى جانب شعراء آخرين(2) وكان السلاطين يدعمون فكرة إنشاء الشعر الولائي بل إن عواصمهم والمدن الكبرى التي كانت تحت سيطرتهم تخضع لمراسم الأعياد والمآتم الولائية وبالأخص الحسينية منها فهذه بغداد مثلاً أصبحت في عهد البويهيين تمارس فيها الشعائر الحسينية وفي مقدمتها

(1) راجع تاريخ الادب العربي : 2/46 .
(2) في إشارة إلى أن البلاطات الأخرى كانت لا تستقبلهم بينما هذه البلاطات لم تمنع من استقبال الآخرين .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 168

إنشاء شعر الرثاء في حق أبي عبد الله الحسين عليه السلام طيلة أيام عاشوراء ، وهذه القاهرة التي بنيت على الولاء كان يمارس فيها الفاطميون مراسم الولادة في شعبان المظفر ومآتم العزاء في محرم الحرام ، إلى جانب حلب التي قام الحمدانيون بتشييد صرحين كبيرين باسم الإمام الحسين عليه السلام وجعلت الشعراء تفد إليهما في أيام الحزن بعاشوراء وأيام الفرح بشعبان لتخلّد ذكرى أئمة أهل البيت عليهم السلام إلى غيرها من الأقطار الإسلامية العربية منها وغير العربية على تفصيل أوردناه في محله(1) أعرضنا عنه تجنباً للتكرار .
وفي هذا العصر بالذات حصلت نقلة فريدة من نوعها عند الإمامية حيث غابت الإمامة المنصوصة وبدء عصر المرجعية النيابية ، فجاءت المرجعية لتحل محل الإمامة تلك وتتوسع رقعة الاجتهاد لتتلاءم مع متطلبات العصر خلافاً لما عرف من بعض النظريات الأخرى القائلة بانسداد باب الاجتهاد ، وبذلك أصبحت المرجعية كأفضل السبل الناجعة في ظل تلك الظروف العصبية وقد أخذت شرعيتها من أئمة الإمامة المنصوصة وظلت هذه المرجعية تناصر إحياء ذكرى مواليد ووفيات آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وبالأخص ذكرى مأساة أبي عبد الله الحسين عليه السلام كما كان الأئمة يتعاملون مع هذه القضية المأساوية بروح إيجابية عالية ، بل شاركت المرجعية الجماهير بنظم الشعر وإقامة المجالس وبالحضور في المواكب الجماهيرية ومظاهر الحزن وبالأخص الحضارية منها ، وللموضوع تفاصيل أودعناها في باب الشعائر فلا نكرر .
ولنختم هذا العصر بذكر عدد من أبرز شعرائه :
1 ـ المتنبي(2) 354 هـ .

(1) راجع فصل جغرافية الشعائر الحسينية ، وفصل تاريخ الشعائر الحسينية من باب الشعائر الحسينية تاريخها ومقوماتها من هذه الموسوعة .
(2) المتنبي : هو احمد بن الحسين الجعفي الكندي الكوفي (303 ـ 354 هـ) ولد بالكوفة وقتل بالقرب من كربلاء ، شاعر فحل بل مفخرة الأدب ، كان من الامامية ، وكثيراً من شعره اجري مجرى المثل ، له ديوان شعره المعروف .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 169

2 ـ أبو فراس(1) 357 هـ .
3 ـ كشاجم(2) 360 هـ .
4 ـ ابن هاني الاندلسي(3) 362 هـ .
5 ـ الناشئ الأصغر(4) 365 هـ .
6 ـ الوأوأ الدمشقي(5) 370 هـ .
7 ـ الخالديان(6) 370 ـ 400 هـ .
8 ـ ابن المعز الفاطمي(7) 374 هـ .
9 ـ الصاحب بن عباد(8) 385 هـ .

(1) ابو فراس : هو الحارث بن سعيد بن حمدان الحمداني (320 ـ 357 هـ) من أمراء الامامية وشعراءهم ، وهو شاعر فحل ، لازم ابن عمه سيف الدولة وقاتل بين يديه ، مات مقتولاً ، له ديوان شعر معروف .
(2) كشاجم : هو محمود بن الحسين بن السندي بن شاهك الرملي ، ولد في نهاية القرن الثالث الهجري وتوفي عام 360 هـ ، من مشهوري الشعراء وهو من الامامية من اثاره : ادب النديم ، المصايد والمطارد ، وخصائص الطرب .
(3) ابن هاني الاندلسي : هو محمد بن هاني الازدي ، مضت ترجمته .
(4) الناشئ الاصغر : هو علي بن عبد الله البغدادي ، مضت ترجمته .
(5) الوأوأ الدمشقي : هو محمد بن احمد الغساني ، ولد في اوائل القرن الرابع الهجري ولد في دمشق وسكن حلب واتصل بسيف الدولة ، وكان شاعراً معروفاً ، له شعر مطبوع ، له ديوان شعر .
(6) الخالديان : هما محمد بن هاشم بن دعلة الموصلي ، ولد في اوائل القرن الرابع الهجري ، كان من أهل البصرة ، وكان من خواص سيف الدولة الحموي وكان اية في الحفظ والبديهة ، وكان اديبا شاعراً واخوه سعيد بن هاشم الموصلي المولود ايضا في اوائل القرن الرابع ولكنه توفي قبل اخيه ، وكان يقال لهما الخالديان وكانا يشتركان في الوصف وقد توليا خزانة كتب سيف الدولة الحموي كما كانا ينظمان معاً ، وكانا على الامامية .
(7) ابن المعز الفاطمي : هو تميم بن جعد (المعز لدين الله) بن المنصور ، ولد عام 337 هـ ، من امراء الفاطميين بالقاهرة ، كان اديبا فاضلا وشاعرا رقيقاً توفي بمصر ، وله ديوان شعر عرف باسمه .
(8) الصاحب بن عباد : هو اسماعيل بن عباد الطالقاني ، مضت ترجمته .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 170

10 ـ السلامي(1) 393 هـ .
11 ـ أبو الرقعمق(2) 399 هـ .
12 ـ الشريف الرضي(3) 406 هـ .
13 ـ مهيار الديلمي(4) 428 هـ .
14 ـ الشريف المرتضى(5) 346 هـ .
15 ـ أبو علاء المعري(6) 449 هـ .
وجل هؤلاء نظموا في الإمام الحسين عليه السلام وقد أودعنا أشعارهم في ديوان القرن الرابع وديوان القرن الخامس من هذه الموسوعة فراجع .
هذا ويعد من خصائص هذا العصر الإسراف في الصناعة اللفظية ، خاصة التزام السجع وكثرة التضمين للأشعار والأمثال والآيات والأحاديث واستخدام التشابه والاستعارات والتفنن في العصور الشعرية والميل إلى

(1) السلامي : هو محمد بن عبد الله بن محمد المخزومي (336 ـ 393 هـ) ولد في الكرخ ببغداد ونسبة السلامي الى بغداد « دار السلام » ، شاعر امامي معروف ، انتقل إلى الموصل وأصبهان وشيراز ، جمع شعره في ديوان عرف باسمه .
(2) أبو الرقعمق : هو احمد بن محمد الانطاكي ، ولد في اوائل القرن الرابع الهجري في انطاكية ، وصل إلى الشام ثم إلى مصر وتوفي بها ، كان من الامامية وكان اديبا شاعراً فحلا ، فضل الهزل والمجون على الجد ، له كتاب : رستاق الاتفاق .
(3) الشريف الرضي : هو محمد بن الحسين بن موسى الموسوي (359 ـ 406 هـ) ولد وتوفي في بغداد ، من اعلام الامامية في الفقه والتفسير والادب والشعر ، من اثاره : مجاز القرآن ، المجازات النبوية ، حقائق التأويل .
(4) مهيار الديلمي : هو ابن مرزويه ، ولد نحو منتصف القرن الرابع الهجري والمتوفى عام 428 هـ ، من شعراء الامامية الكبار ، ورغم اصوله الفارسية فإنه أصبح من الفصحاء في العربية ، من اثاره ديوان شعر كبير .
(5) الشريف المرتضى : هو علي بن الحسين بن موسى الموسوي (355 ـ 436 هـ) ولد وتوفي في بغداد ، من اعلام الامامية وأحد الائمة في علم الكلام والأدب والشعر والفقه ، من اثاره : الشافي ، الانتصار ، انقاذ البشر .
(6) أبو العلاء المعري : هو احمد بن عبد الله بن سليمان (363 ـ 449 هـ) ولد وتوفي في معرة النعمان ، اصيب بالعمى عندما كان طفلا ، وكان آية في الذكاء والعلم ، وهو شاعر فيلسوف ، من آثاره : سقط الزند ، اضواء السقط ، تاج الحرة .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 171

الجوانب الطريفة من الحياة والتفكير ، وقد رق فيه أسلوب الشعر ولان وأريد منه أن يكون عذباً سهلاً قريباً من فهم الرجل العادي مع الطرافة والظرافة على أن الجانب الأكبر من الشعر ظل على الأسلوب الرصين المتين القريب من نفحة الجاهلية وخشونة البداوة وخصوصاً في بلاطات الأمراء ومديحهم وفي سائر الأغراض المألوقة .
وأما الخصائص المعنوية فقد تأثر الأدب بشكل عام بتعدد أوجه المجتمع وبتشجيع الملوك والأمراء في بلاطات المقاطعات كما تأثر بنفوذ البويهيين السياسي والاجتماعي وبالتشيع الذي كان مستطيلاً في هذا العصر(1) .

(1) راجع تاريخ الادب العربي لفروخ : 2/408 .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 172

عصر الانحطاط(1)

بدأ هذا العصر عند منتصف القرن الخامس الهجري حينما بدأت قوى الدولة العباسية تنهار أمام عدد من الأحداث التي ضربت كيان ملكهم ، ومن أبرزها :
1 ـ سيطرة السلاجقة على الأمور في عقر دار العباسيين بغداد .
2 ـ استقطاع مقاطعات لحساب استقلال دويلات خرجت عن طاعة العباسيين .
3 ـ نشوب حروب صليبية على الجبهة الشمالية والغربية من الخارطة الإسلامية .

العباسيون والسلاجقة :

كان العباسيون منذ فترة غير وجيزة قد فقدوا استقلالية القرار في الحكم ، حيث كان البويهيون أصحاب الرأي في البلاط العباسي لفترات مقتطعة ولكن تغيرت الأحوال بظهرو السلاجقة في إيران عام 429 هـ ليزول حكم البويهيين رويداً رويداً حتى عام 447 هـ ، وبذلك فقد تنفس العباسيون الصعداء إلا أن فترة الرخاء هذه لم تدم لهم فقد تمكن السلاجقة من إقامة سلطانهم في أربع دويلات إحداها في إيران وذلك عام 429 هـ بقيادة طغرل

(1) كنا قد وضعنا هذا العنوان بسبب قراءتنا عن هذا العصر وما حل به نسبة إلى ما قبله ثم لما طالعت الجزء الثالث من كتاب تاريخ الادب العربي لفروخ فوجئت بأن هناك من سماه بهذه التسمية وذلك من الرد الذي وجهه فروخ على هذا العنوان حيث ذكر « بان في التسمية قليلاً من الصواب والحق وكثيراً من الخطأ والباطل حيث يرى ان هذا العصر كان معطاء » ولكنه نسي أن الأمور نسبية .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 173

بك بن ميكائيل(1) ، والثانية في سورية عام 487 هـ بقيادة تتش بن الب ارسلان(2) ، والثالثة في آسيا الصغرى في أواخر القرن الخامس الهجري بقيادة أرسلان بن سلجوق(3) ، والرابعة في العراق عام 512 هـ بقيادة محمود بن محمد(4) ، فكان للسلاجقة دور كبير في إضعاف الحكم العباسي في مجمل البلاد حيث استقطعت دويلاتهم على حساب العباسيين ، وسيطرت على زمام الأمور ببغداد ، وقامت بتصريف أعمال الحاكم العباسي حسب أهوائهم ، ولم يعد للحاكم العباسي أيّة حرمة ، وظل سلطان السلاجقة في العراق حتى عام 591 هـ يخيم على البلاط العباسي حتى أنهكه تماماً وأخذ نجم العباسيين بالأفول منذ أن سيطر السلاجقة الأتراك على الحكم ، وبليونة الحكام العباسيين ، وضعفهم وانشغالهم بالترف والملاذ تمكن التتار من أن يسقطوا حكمهم عام 656 هـ وبذلك انتهى حكمهم ، وبعد سنوات(5) قلائل تسلّم العثمانيون الحكم في غالبية المناطق الإسلامية كما سيأتي الحديث عنهم في المرحلة التي تلي هذه المرحلة .
ويتحدث السوداني(6) عن أثر سيطرة السلاجقة على البلاد في هذا

(1) طغرل بك بن ميكائيل : ويلقب بطغرل الاول أو طغرل بيك أو بركن الدين ويكنى بابي طالب ، كان من المؤسسين لدولة السلاجقة توفي عام 450 هـ وكانت ولادته عام 385 هـ .
(2) تتش بن الب ارسلان : هو حفيد داوود بن ميكائيل بن سلجوق بن دقوق ، لقب بتاج الدين ، وهو أخ ملكشاه السلجوقي ، امير سلجوقي حكم الشام عام 472 هـ وتوفي عام 488 هـ ، حاول الوصول إلى العرش بعد وفاة أخيه فاخضع آمد والموصل إلى ملكه .
(3) ارسلان بن سلجوق : ويقال له ارسلان يبغو وهو اخ ميكائيل وموسى ، كان احد زعماء السلاجقة وامراؤهم له جولات في ميادين الحرب مع عدد من القواد ، أسره السلطان مسعود السلجوقي ، وهناك من يقول بان يبغو هو موسى .
(4) محمود بن محمد : حفيد ملك شاه السلجوقي (498 ـ 525 هـ) لقب بمغيث الدنيا والدين ، خلف اباه في السلطة بالري وهو في سن الحلم عام 511 هـ ، وكان قوي المعرفة بالعربية حافظاً للاشعار والامثال .
(5) وذلك عام 680 هـ .
(6) السوداني : هو مزهر بن عبد ـ كاتب بغدادي معاصر .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 174

العهد(1) فيقول : إن الضعف الذي أصاب الدولة العربية العباسية في أواخر العصر العباسي حين تقلصت مساحتها وانكمش نفوذها وسيطر الأعاجم والأجانب على كثير من جوانب الحياة فيها حتى صار العنصر العربي كالغريب في دولة يفترض أن العرب هم المتغلبون فيها ، إن تلك العوامل لا بد وأن تترك أثرها على اللغة العربية ، فلم يعد الاهتمام بها وحرض الناس على تعلمها ودراسة علومها المختلفة كما كان أيام قوة العباسيين ، كما لم يعد التشبيه بالإعراب مطمح المثقفين ، ولا الخوف من اللحن والخطأ الاعرابي يؤرق أحداً ، وليس بين شعراء الفترة من يقارن بالمتنبي أو البحتري أو أبي تمام أو سواهم ممن عرفوا بمتانة اللغة وسعة الاطلاع على أجود الأساليب وأمتنها ، لقد تبدل المجتمع وتبدل أولئك الذين كانوا يعدون الخطأ اللغوي مساوياً للكفر والإشراك بالله تعالى .
إن اللغة كائن حي تخضع لما يخضع له الكائن الحي في نشأته ونموه وتطوره وهي تتطور بتطور هذا المجتمع فترقى برقيه ، وتنحط بانحطاطه(2) .

العباسيون والدويلات :

خلال هذه الفترة الزمنية (عصر الانحطاط) حكم عددٌ من الدويلات والإمارات أطراف الخارطة الإسلامية المتمادية الأطراف وهي على أقسام أربعة :
1 ـ الحكومة التي كانت تحكم قبل هذه الفترة واستمر حكمها حتى بعد هذه الفترة ومن تلك الدول :
دولة أئمة أليمن (280 ـ 1382 هـ) والتي حكمت في البداية من صعدة ثم بسطت سلطانها على معظم اليمن .
2 ـ الحكومات التي كانت تحكم قبل هذه الفترة إلا أن سقوطها كان خلال هذه الفترة وهي حسب تاريخ سقوطها كالتالي :
دولة بني زيزي في قيروان ـ الجزائر (361 ـ 515 هـ) .

(1) راجع الشعر العراقي في القرن السادس الهجري .
(2) راجع لحن العامة : 30 واللغة والمجتمع : 17 .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 175

دولة ملوك الطوائف في مدن متعددة ـ الأندلس (400 ـ 601 هـ)(1) .
دولة بني عباد في إشبيلية ـ الأندلس (414 ـ 484 هـ) .
الدولة العمارية في طرابلس الشرق ـ لبنان (462 ـ 502 هـ) .
الدولة الحمادية في قلعة بني حماد ـ الجزائر (405 ـ 515 هـ) .
الدولة الصليحية في صنعاء ـ اليمن (439 ـ 532 هـ) .
الدولة الصنهاجية في تونس ـ تونس (362 ـ 543 هـ) .
دولة بني مغراوة(2) في فاس ـ المغرب ( ـ هـ) .
الدولة النجاحية في زبيد ـ اليمن (412 ـ 555 هـ) .
الدولة الفاطمية في القاهرة ـ مصر (297 ـ 567 هـ) .
الدولة السلجوقية في كرمان ـ إيران (433 ـ 582 هـ) .
الدولة الغزنوية في غزنة ـ افغانستان (366 ـ 582 هـ) .

(1) ملوك الطوائف اسم يشمل عدداً من الدول التي حكمت تلك البلاد وهم :
1 ـ دولة بني حمود في مالقة ـ (400 ـ 449 هـ) .
2 ـ دولة بني العباس في اشبيلية (414 ـ 484 هـ) .
3 ـ دولة بني جهور في قرطبة (422 ـ 461 هـ) .
4 ـ دولة بني افطس في بطليوس (413 ـ 487 هـ) .
5 ـ دولة بني ذي النون (زنون) في طليطلة (419 ـ 478 هـ) .
6 ـ دولة بني عامر في بلنسية (412 ـ 489 هـ) .
7 ـ دولة بني تجيب وبني هود في سرقسطة (410 ـ 536 هـ) .
8 ـ دولة بني زير في غرناطة (403 ـ 483 هـ) .
9 ـ دولة بني يحيى في نبلة (414 ـ 443 هـ) .
10 ـ دولة بني مزين في شلب (419 ـ 445 هـ) .
11 ـ دولة بني رزين في البراسين (402 ـ نحو 500 هـ) .
12 ـ دولة بني قاسم في قرطبة (422 ـ 461 هـ) .
13 ـ دولة بني صمادح في المرية (430 ـ نحو 480 هـ) .
14 ـ دولة بني مجاهد وبني غانية في ميورقة (413 ـ 601 هـ) .
(2) مغراوة : سلالة بربرية .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 176

3 ـ الحكومات التي نشأت وانقرضت في هذا العصر وهي حسب تسلسل تاريخ سقوطها كالآتي :
دولة « المرابطون » في مراكش ـ المغرب (448 ـ 541 هـ) .
الدولة المزيدية في الحلة ـ العراق (479 ـ 545 هـ) .
الأتابكة الدمشقيون في دمشق ـ سوريا (497 ـ 549 هـ) .
سلاجقة سوريا في حلب ـ سوريا (487 ـ 551 هـ) .
الدولة الزريعية في عدن ـ اليمن (470 ـ 569 هـ) .
الدولة الحاتمية في صنعاء ـ اليمن (494 ـ 569 هـ) .
الدولة المهدية في زبيد ـ اليمن (553 ـ 569 هـ) .
سلاجقة العراق في همدان(1) ـ العراق (512 ـ 591 هـ) .
الأتابكة السنجاريون في سنجار ـ العراق (567 ـ 617 هـ) .
الأتابكة الترك في تبريز ـ أذربايجان (530 ـ 622 هـ) .
الدولة الأيوبية في تعز ـ اليمن (569 ـ 626 هـ) .
الأتابكة الأربليون في أربل ـ العراق (538 ـ 630 هـ) .
الأيوبيون في القاهرة ـ مصر (570 ـ 647 هـ) .
الأتابكة الجزيريون في الجزيرة ـ سوريا (575 ـ 648 هـ) .
الأيوبيون في دمشق ـ سوريا (589 ـ 648 هـ) .
الدولة الخوارزمشاهية في خيوه ـ تركستان (491 ـ 649 هـ) .
الدولة الزنكية في حلب ـ سوريا (543 ـ 657 هـ) .
4 ـ الحكومات التي تاسست في هذه الحقبة الزمنية واستمر سلطانها بعد انقضاء هذه الفترة وقد أوردناها حسب تاريخ إنشاءها :
الأرتقيون في ماردين ـ تركيا (500 ـ 809 هـ) .

(1) كان مقر حكمهم في همدان الإيرانية .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 177

الدولة الرستمدارية في مازندران ـ إيران (456 ـ 964 هـ) .
الدولة الموحدية في تونس ـ تونس (515 ـ 667 هـ) .
الأتابكة الموصوليين في موصل ـ العراق (527 ـ 657 هـ) .
الأتابكة الفرس في فارس ـ إيران (543 هـ ـ 686 هـ) .
سلاجقة الروم في أنطاكيا ـ تركيا (550 ـ 699 هـ) .
الأيوبيون في حمص ـ سوريا (564 ـ 661 هـ) .
الأيوبيون في حماه ـ سوريا (574 ـ 683 هـ) .
الأيوبيون في حلب ـ سوريا (579 ـ 658 هـ) .
الأيوبيون في ميافارقين(1) ـ تركيا (581 ـ 683 هـ) .
دولة الأشراف في المدينة ـ الحجاز (583 ـ 1100 هـ) .
الدولة المرينية في فاس ـ المغرب (592 ـ 957 هـ) .
دولة الأشراف في مكة ـ (الحجاز) ـ السعودية (597 ـ 1343 هـ) .
الدولة الرسولية في تعز ـ اليمن (626 ـ 858 هـ) .
الدولة الحفصية في تونس ـ تونس (627 ـ 958 هـ) .
الأيوبيون في كيفا(2) ـ تركيا (629 ـ 930 هـ) .
الدولة النصرية في غرناطة ـ الأندلس (635 ـ 897 هـ) .
الدولة المارندية في آمل ـ إيران (635 ـ 750 هـ) .
الدولة الزيانية في تلمسان ـ الجزائر (637 ـ 962 هـ) .
دولة المماليك البحرية في القاهرة ـ مصر (648 ـ 792 هـ) .
الدولة الإيلخانية في فارس ـ إيران (649 ـ 736 هـ) .
وهذا الكم الهائل من الدويلات والإمارات يدلنا على مدى تفكك

(1) ميافارقين : الآن قاعدة لديار بكر .
(2) كيفا : تابعة لديار بكر ، وهذا يعني أن الأيوبيين حكموا هذه المنطقة مرتين .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 178

الدولة الإسلامية في ظل الحكم العباسي ، ولا شك أن من وراء ذلك الأمر الاستبداد الذي رافقه الاضطهاد من جهة ، وانشغال الحكام بالملاذ الأمر الذي لازمه الانفلات من جهة أخرى ، مما أدى إلى سقوط الدولة العباسية .

الحروب الصليبية :

يرى البعض أن هذه التسمية أطلقها الغربيون عليها وأما المسلمون فقد أطلقوا عليهم كلمة الإفرنج(1) ، ولعل الغربيين تعمدوا وضع هذه التسمية لامتصاص النقمة على كل الإفرنج (الغربيين) من قبل المسلمين ، وجاء حصرها في مجموعة زعموا أنهم متطرفون فسموهم بالصليبيين كما هو الحال بالنسبة إلى اليهود والصهيونية ، فالظاهر أنهما متحدان وإلا فإن النسبة وبالأخص في تلك الحقبة الزمنية ضئيلة بين العنوانين جداً ، سواء بين الصهيونية واليهودية أو الصليبية والمسيحية ، وعلى أية حال فهو تقسيم منصف في تاريخنا المعاصر ، ولو اختلفنا في حدود النسبة مما قد لا يصح معها التسمية لقلة من لا يوصف بالصهيوني من اليهود ، وإن كانت هذه النسبة تفوق تلك فيما بين الصليبية والمسيحية وبالأخص في هذه الأيام .
ويذكر بأن المقصود بالصليبيين في المصطلح التاريخي جموع المسيحيين الكاثوليك الذين خرجوا من بلادهم من شتى أنحاء الغرب الأوروبي واتخذوا الصليب شعاراً لهم لغزو ديار الإسلام وبخاصة في منطقة الشرق الأدنى وبلاد الشام حيث الأراضي المقدسة(2) .
وفي الحقيقة إن حرب الصليب والتوحيد بدأت منذ القرن الأول عندما فتح المسلمون الجزء الأكبر من فتوحاتهم نحو الشمال فاتجهوا نحو بلاد الشام شمالاً ثم غرباً وفتحوا جميع البلاد المطلة على شرق وجنوب البحر الأبيض المتوسط والتي منها شمال إفريقيا ، ثم اتجهوا شمالاً على غرب البحر الأبيض المتوسط ففتحوا قسماً من بلاد الغرب حتى وصلوا جنوب فرنسا براً وجزيرة صقلية ومالطا بحراً .

(1) راجع تاريخ الادب العربي لفروخ : 3/144 .
(2) راجع دائرة المعارف الاسلامية الشيعية : 7/444 .

السابق السابق الفهرس التالي التالي